بسم الله الرحمن الرحيم ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اما بعد فان اصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ايها الاخوة والاخوات المباركون في مطلع هذا اللقاء وهو مستهل هذه الدورة العلمية التأصيلية الاولى التي يقيمها هذا الجامع المبارك جامع العقيل بحي مسرة بالطائف فيما علم من نشاطه ضمن برامجه المعهودة في التأصيل والمنهجية وتقريب العلم واقامة المجالس العلمية المباركة التي يجد فيها شدات العلم وحداته وطلابه بغيتهم في هذه المجالس التي ينتابها العلماء ويتوارد عليها الفضلاء والكرام ما زال هذا الجامع بفضل الله تعالى موئلا لطلبة العلم في عروس المصائف وما زالت مجالسه وملتقياته وبرامجه حافلة بكثير من الخيرات والبركات كتب الله اجر القائمين عليه وجزاهم خير الجزاء بين يدي هذه الدورة يكون هذا اللقاء الذي نلتقي فيه هذا المساء ليكون توطئة ومدخلا لطلاب العلم بين يدي هذه الدورة العلمية بالحديث عن الهمة في طلب العلم والهمة في طلب العلم تأتي فرعا عن الهمة العالية في حياة الانسان وحياة الانسان ان لم تكن بها همة ترتقي به الى العلا وتأخذ بيديه نحو مقامات الشرف والكمالات فانه سيفوته من الخير والشرف شيء كثير الهمة زاد كل ذي مطلب رفيع ومقصد شريف الهمة هي الوقود الذي به يسير هي الجناح الذي به يطير الهمة في طلب العلم مفتاح لبابه وهي ايضا ارتقاء في سلم طلابه يقول امير المؤمنين عمر رضي الله عنه لا تصغرن همتكم فاني لم ارى اقعد عن المكرمات من صغر الهمم ويقول ابن الجوزي رحمه الله من علامة كمال العقل علو الهمة والراظي بالدون دنيء يقول ابن القيم ايضا رحمه الله فمن علت همته وخشعت نفسه اتصف بكل خلق جميل. ومن دنت همته وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل اذا كان الحديث عن علو الهمة في طلب العلم فانه يأتي فرعا عن علو الهمة في حياة الانسان. فصاحب الهمة العالية ذو شرف وحر وكرامة نفس تأبى عليه الرضا بالدون يقصدون بعلو الهمة ان يستصغر المرء ما دون النهايات من معالي الامور فاذا قصد بابا من ابواب الحياة واتخذ طريقا ارتضاه لنفسه فيرى كل شيء دون النهايات والكمالات يراه صغيرا ولا يقنعوا به وما تزال نفسه تحثه وتأخذ به نحو الكمالات فلا يقنع بكل ما يصل اليه وما يبلغه ما لم يصل الى منتهى طموحه يصدق فيه قول القائل له همم لا منتهى لصغارها وهمته الصغرى له همم لا منتهى لكبارها. وهمته الصغرى اجل من الدهر ما يزال اصحاب الهمم في كل جيل في الامة مضرب المثل يشار اليهم ويحتذى بهم ويقتدى بفعالهم ويقتبس من اقوالهم. ما زالوا ايضا مضرب المثل التي تلوح للاجيال دوما يقال لهم انه لا يزال في الامة من يقدر على بلوغ الكمال. ومن ينشد المقامات العالية لا يزال في الامة قدر نستطيع الوصول اليه وليس تاريخا يروى وليس صفحة طويت في تاريخ السلف بل لا يزال فينا وبيننا ومعنا من يضرب به المثل في علو همته يفتح هذا الباب ليقال لطلاب العلم دونكم فادخلوه وهلموا فاقبلوا على هذا الباب عسى ان يكون من بينكم عالي همة تسطر سيرته ويذكر خبره في هذا السفر الذي ما زال يتحدث جيلا بعد جيل اذا كانت الهمم العالية صفحة او تاريخا يروى في في ديوان الاسلام صفحاته الاولى همم السلف وسادات الامة من الصحب الكرام رضي الله عنهم. فيما عرف عنهم من همم عالية فتحوا بها اهذا الباب فان التاريخ وهذا الديوان ما زال مفتوحا وسجله ما زالت صفحاته تتتابع. ولا يزال في الامة كل جيل كما اسلمت من تضاف ترجمته ويذكر اسمه ويضاف الى هذه القائمة والكوكبة النيرة من عوالي الهمم في الامة الحديث عنه عن علو الهمة في طلب العلم. يندرج في عناصر لعلي اجملها في امور اربعة اولها الحديث عن دوافع الهمة في طلب العلم وثانيها الحديث عن مظاهر هذه الهمة لدى طلاب العلم. وثالثها ذكر نماذج من علو الهمم عند اهل العلم. ورابع وخاتمة الحديث اسباب لنيل الهمة العالية في هذا الطريق الشريف فاذا ابتدأنا باول هذه العناصر ما اهمية موضوعنا؟ ما الدوافع التي تجعلنا نطرق موضوعا كهذا بين يدي طلاب العلم؟ بين يدي دورة يشرعون فيها ويقبلون عليها هل لا يزال طلبة العلم بحاجة الى ان يطرق اذانهم بين الحين والحين ذكر اخبار الهمم العالية؟ هل لا زلنا نحتاج حقيقة الى ان نهز ابداننا وننفض عنا غبار الكسل لنقول لانفسنا قبل ان نقول للاخرين. جدوا وشمروا اقبلوا وهلموا اجل لاننا بشر. وما زالت الصوارف والشواغل كثيرة تأخذ بالباب طلبة العلم. الحديث عن رافع علو الهمة ينتظم في امور اولها انها سمت الاحرار وهيئة الشرفاء طبع النبلاء علو الهمة لن تجد شريفا ذا مروءة كريما نبيلا يرضى بالدون هذا في كل شؤون الحياة فضلا عن ان يكون في طلب العلم. علو الهمة صفة يوصف بها الفضلاء والنبلاء يوصف ابوها الكرام في المجتمع ولا يمكن ان تجد ذا كرامة ومروءة وشرف وسيادة الا وجدت عنده علو همة هي التي لغت به مراتب الشرف والنبل في مجتمعه وبين امته. يقول العلامة الخضر حسين رحمه الله يقول ومما جبل عليه الحر الكريم الا يقنع من شرف الدنيا والاخرة بشيء ممن بسط له. يعني ما يقبل باي شيء يتأتى له يقول املا فيما هو اسنى منه درجة وارفع منزلة والحر لا يكتفي من نيل مكرمة حتى يروم التي من دونها العطب. يسعى به امل من دونه اجل ان كفه رهب يستدعيه رغب علو الهمة في منطلقها الاول حديث عن نفس عزيزة كريمة ابية لا ترضى الا بالكمالات ولا تقنع بالدون. هذا مطلب ومنطلق مهم. يقال لكل طلبة العلم مثلكم احرى ان يحمل بين جنبيه تلك النفوس الشريفة وتلك الهمم النبيلة وتلك النظرات السامقة التي تحلق دوما في الاعاليب الدافع الثاني للحديث عن علو الهمة انها مطلب شرعي في كل باب فكيف هي بطلب العلم علو الهمة مطلب قررته الشريعة لاهل الاسلام وانت ترى ان شريعتنا الغراء لا ترضى لبني الاسلام الا ان يكونوا نبلاء كرماء فضلاء اصحاب همم عالية. الاسلام ام ما يزال بالمسلم يترفع به عن السفاسف في الحديث الصحيح يقول نبينا صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى يحب معالي الامور واشرافها ويكره سفسافها عندما يخبرك نبي الامة عليه الصلاة والسلام ان الله يحب الامور المعالي وانه يكره عز وجل السفاسف الا ترى ان هذا دفعة لكل نفس مسلمة ان يقبل على باب يحبه الله ويأنف ان يلج بابا يعلم ان الله يكرهه ويبغضه ولا يرضاه لبني الاسلام في دعاء الصالحين حكى القرآن وانهم اذا رفعوا اكفهم وارسلوا دعواتهم تطرقوا ابواب السماء انما يطلبون الكمالات ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما قالوا مرضوا ان يكونوا في جملة المتقين وعامة الصالحين. ولا يقنعوا الا ان يكونوا ائمة في المقدمة دائما. لانها الهمم العالية لا ترضى الا بمثل ذلك هو مقتبس من حث وتوجيه الشريعة الغراء في مثل قوله صلى الله عليه وسلم اذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الاعلى فانها اعلى الجنة وسقفها عرش الرحمن عندما ترفع حتى في امنياتك ودعواتك سقف الطموحات فانها تربية للنفس الا ترضى باي شيء ولا تقبل بكل ما يقع في يديك. وما تزال تشمر وترفع الهمة لتبلغ اعلى مما بلغت. ولا تزال تحثك الخطى نحو الكمالات هكذا نجد في معان عظام يجعل الاسلام ضمن احكام الشريعة رفع همم بني الاسلام نحو الكمالات ثالثا من دوافع علو الهمة انها لا يستمر طريق بدونها ولا تبلغ المطالب من غيرها خذ ما شئت من ابواب الحياة في التجارات في طلب المعاش في اتساع الارزاق لا يزال اصحاب الهمم العالية هم المتقدمون في كل باب لن تبلغ في طريق تسلكه مطلبك الذي تريد بلا همة هي الزاد كما اسلفت هي الوقود الذي به تنطلق وعليه تتحرك ومنه تصل الى مبتغاك. فعندما نتحدث عن اب عظيم كالعلم فانه اولى ما يتحدث فيه يا كرام عن علو الهمة واستصحابها. واذا ما جاء طالب العلم يعد عدته فاشترى الكراس والقلم والحقيبة واتخذ الاسباب المناسبة وقصد الحلق والمجالس والمعاهد والجامعات وفرغ نفسه كل تلك اعلم رعاك الله انه مما ينبغي ان يحمله طالب العلم بين جنبيه ليتهيأ ليكون طالب علم ان يحضر في ذاته هم متن عالية هي احد احد الادوات التي يحتاج ان ينميها في ذاته. ليس حرصك على القلم والكراس واتخاذ الاسباب والبحث عن مجال الذكر وحلق العلم ليست باعظم شأن من ان تحضر قبل هذا وذاك نفسا تحمل همة شريفة وغرضا عاليا تسعى نحو الطموح اصحاب الطموحات دائما يمدحون في كل باب في كل باب من ابواب الدنيا فكيف انت بباب العلم الذي اعلى الله منزلته وشرف اهله وجعلهم في مقام ورثة الرسل والانبياء عليهم السلام اذا بلغنا المرتبة الشريفة التي لا يعلم في الاسلام رتبة بعد النبوة اجل منها. وهي رتبة العلم. فاننا اولى ما تحدثوا فيه عن استصحاب الهمم العالية في هذا الباب الامر الرابع والدافع الرابع ان العلم مركب صعب وطريق لا اريد ان اقول وعر ولا هو مستصعب لكنه حقيقة ليس بالذلول وبالتالي فطلب العلم طريق يحتاج سالكه ان يكون معه من الهمة ما يتحمل به الصعاب وما يتجاوز به العقبات وما لا يقف به عند كل عثرة وعائق فيصرفه ويعود خائبا. العلم عزيز ولا ينال الا بشرف النفوس وعزتها وشرف النفوس هممها العالية. عزتها كرامتها الابية التي تأتي داخل تلك الاصداف في الهمم الشريفة التي تشتعل في قلوب اصحابها حرصا ورغبة لا سبيل الى العلم ونيل اعاليه الا بهمم عالية قمم سامقة وجبال شامخة ارتقاها السادات والائمة والاعلام فاذا ما اردت الوصول اليه لن تكون ضعيف البنية ضعيف الهمة فتبلغ ما تريد بمجرد الاماني. ومن جميل كلام ابن القيم رحمه الله العلم والعمل توأمان يعني لا ينفكان عن بعضهما. يقول العلم والعمل توأمان امهما علو الهمة اذا ما اردت ان تبلغ في العلم درجة وفي العمل مرتبة شريفة فانت لا تستغني عن همة عالية يريد ان يقول ان لم تكن ذا همة عالية لن يلد لك في داخلك لا علما عظيما ولا عملا جليلا يقربك الى الله ويزيدك في صفحاتك حسنات يسرك ان تلقاها يوم ان تلقى الله عز وجل الدافع الرابع الحديث عن علو الهمة ياتي لحاقا بركب السابقين وادراكا لمقامات الراسخين صدقا والله فقد سبق القوم يا احبة سبقوا سبقا بعيدا لن اقول اجيال السلف والقرون المفضلة فذاك عندما يحكى تاريخا لتشحذ به الهمم. فانه لا يراد ان يقول بيننا وبينهم ما دونه خلق القتاد. لكن لا يزال في جيلنا المعاصر اقوام سبقوا سبقا بعيدا وقد بلغوا بالعلم وحزموا امرهم وثنوا كل ما يمكن ان يطوى من مراحل وامور عظام حتى بلغوا المقامات العالية. فاذا اردنا ان نلحق بركب السابقين وان ننضم الى هؤلاء الشرفاء في طلب العلم ذوي الهمم العالية فلابد لنا من طبق هذا الباب والحديث عنه. خامسا من دوافع الحديث عن علو الهمة ان طلب العلم في ذاته احد اسباب علو الهمة يعني تدري عندما يتحدث لعامة الناس كيف يعلو احدهم بهمته وكيف يستطيع ان يبني في داخله صرحا من الهمة العالية تدري فانه يقال له عليك بالعلم فانه يرفع همتك فيجعلون من طلب العلم وتحصيله سبيلا الى رفع الهمم وشرف النفوس وينصحون من يجد في نفسه خمولا وظاعة وانصرافا عن المعالي ينصحونه بالحرص على طلب العلم وتحصيله فانه في ذاته يكسب النفوس شرفا ويزيدها همة فوق همة لان العلم مادة شرف وسمو يدفع الى العمل ويوقف ويورث صاحبه على كثير من المعاني والمسائل والابواب التي ترتقي بهمته ولابد هذه منطلقات خمس ودوافع اردتها ان تكون بين يدي حديثنا عن الهمة في طلب العلم وتحصيله العنصر الثاني عندما نتحدث فيما سيأتي بعد قليل عن الاسباب التي ينال بها علو الهمة في طلب العلم. فدعنا نتكلم اولا عن المظاهر اذا ما اردت ان اقف امام المرآة لانظر في نفسي واعرف مقدار همتي واقف على ميزان الهمم بين طلاب العلم فاعرف كم يبلغ وزني فيه. فما هو المعيار؟ كيف لي ان اقف حقيقة على جملة من المظاهر والعلامات والدلائل هي مؤشرات يقيس بنا احدنا نفسه ويعرف حظه من علو الهمة ليزداد في حرصا على تحصيل فوق تحصيل وكمالا فوق كمال الحقيقة ها هنا علامات حاولت ان اجمع منها قدرا تكون مؤشرات كما اسلفت وتعين على استكشاف النفوس ومعرفة حظها من طلب العلم وهمتها فيه خاصة. المظهر الاول من مظاهر علو الهمة في طلب العلم الانكباب على العلم والجدية في تحصيله الانكباب على العلم والجدية في تحصيله يعجبك طالب العلم عندما تراه يسلك طريق الطلب فلا يلتفت الى شيء سواه ولا ينشغل ببنيات الطريق فاذا ما سلك طريق العلم واخذ اسبابه لا تراه الا منكبا عليه والناس فيما دون هذا الوصف الشريف من علو الهمة يصرفهم ادنى صارف ويأخذهم اي شاغل من الشواغل وشواغل الحياة كثيرة وصوارفها جما. صاحب الهمة العالية بشر يعيشوا في مجتمعه وتؤثر فيه الاحداث المحيطة به. لكن علو الهمة بقيت له حاجزا دون ان ينساق مع تلك الامور التي تصرف الناس. ولا ينحدر في الاودية ولا يهبط ايضا مع السيل اذا جرف الناس ايزال بهمته مستمسكا بحصن كالمرتقي فوق السيل اذا جاء يجرف فيشرف عليه من علو ما عصمه بعد الله الا علو همته في طلب العلم وهكذا الشأن يا احبة في كل ما يمكن ان يجعل من صاحبه جادا في طلب العلم منكبا عليه. وامارة ذلك ايضا ان ان تراه عندما ينشغل الناس في جملة احداث الحياة من حولهم باقاويل واراجيف. وينصرفون الى كثير من الابواب التي فيها الاوقات وتضيع فيها الايام والليالي وهم يتتبعون الاخبار وينشدون الحوادث ويتتبعون ما يقال هنا ما يذكر هناك واما هو فليس منفصلا عن بيئته كما قلت لكن همته تحول بينه وبين الانجراف في تلك المسالك. فيبقى متأبطا كتابه مستذكرا درسه مراجعا محفوظه لانه جاد وهمته العالية اثبتته في مكانه. انصرف الناس وتركوا الحلق وابتغوا اماكن اخر ولا يزال مقيما في مقعده ان شرفه في هذا الطريق ولم يبتغ به بدلا يذكر بعضهم في ترجمة الامام يحيى ابن يحيى الليثي لما قدم من بلاد المغرب الى الامام ما لك رحمه الله في المدينة ليسمع العلم عنده ويقرأ الحديث ويعود بما قصد به الناس في ذاك الزمان عالما المدينة وامامها الامام ما لك رحمه الله فيذكر انهم كانوا ذات يوم في المجلس فدخل فيل المدينة النبوية وذهل الناس لانهم اول مرة ينظرون فيلا ولم يكن لهم عهد به وكان مخلوقا غريبا فانصرف اليه الناس وخرج من بينهم الطلبة من المسجد. وبقي هذا بجوار شيخه فقال له ما لك لا تنظر مع الناس وتخرج فترى الفيلة قال ما لهذا جئت ما اتيت قاصدا من مسافات بعيدة لانصرف عن مجلس ومكان وغرض جئت لاجله ثبتته همته لان يعرف اتجاهه. ما تزال الهمة العالية يا كرام عند طلبة العلم هي المحددة الاساس والثقل الذي يحدد له اتجاهه في طريقه لطلب العلم. المظهر الثاني من مظاهر علو الهمة في طلب العلم عند صاحبها الوقار وحسن السمت والهيئة وصدقا يا احبة طلب العلم له نور يضيء وصبغة تظهر على اصحابه وعالي الهمة من بين طلبة العلم اوفرهم حظا بهذا الاثر فسمت حسن ووقار وجلالة وهيبة تعلو محياه. والسبب ان همته العالية في طلب العلم حالت بينه وبين الانشغال بالقضايا التي تذهب العقل وتكسب الطيش والخفة فلا يزال راجحا عقلي ثقيلا لا يزال ما فيه من السداد وحسن النظر والتأتي للقضايا فيكسبه ذلك مهابة وجلالة ووقارا. المظهر الثالث من مظاهر علو الهمة في طلب العلم طول الامد في اي شيء مع متطلبات العلم ولوازمه ليس بالذي يطلب العلم في سنوات الجامعة ويفرغ وينصرف عنه ليس في طلب العلم بالفترة التي قضاها في حلق القرآن لحفظه فلما اتمه انقطع ليس لعلمه وتحصيله وطلبه مدد مؤجلة يقف عندها. بل طول الامد مع متطلبات العلم ولوازمه حلقات كتب حفظ مذاكرة بحث ومشاركة لاهل العلم كل ذلك لا يزال متعته في حياته وعندئذ فلن تراه اذا تجاوز مرحلة من مراحل حياته كما اسلفت دراسة جامعية مثلا وتخرج فهل يعني هذا ان اخر عهده بحضور مجالس العلم والدورات والحلقات وفتح الكتب ومراجعة المسائل وبحثها وتحريرها قد انتهى طالب العلم ذو الهمة العالية ليس له منتهى بل امده الطويل حتى اذا شغلته الحياة في بعض مراحلها وفي بعض منعطفاتها فتزوج واصبح له اولاد وظيفة يصرف فيها شطر نهاره لا يزال ذو الهمة صاحب طريق يعرف مساره فيه لا يصرفه عنه نعم صاحب الهمة يؤثر في حياته ان يسلك طريقا يربطه بالعلم. بان يكون مثلا معلما وفي حقل التعليم واستاذ وباحثا حتى لا ينفصل عما تعلق به قلبه لكنني ما زلت اقول ان من طلبة العلم من صرفتهم الحياة لمسارات غير العلمية. فتراه منشغل بوظيفة وبحث عن عمل وارتحل من بلد الى بلد واغترب لظروف المعاش وكسب الارزاق وما الى ذلك. اصحاب الهمم العالية ما صرفتهم في حياتهم الصوارف عن طلب العلم. هذه امارة. فاذا ما وجدت طالب العلم طويل الامد مع متطلبات العلم ولوازمه ومع مظاهره وكل ما يتعلق به فاعلم ان وراءها همة عالية الى مثل ذلك الرابع من مظاهر علو الهمة عند صاحبها توالي الانجازات وتحقيق المطالب العلمية. ماذا يعني يعني ابتدأ حفظ القرآن فتراه لابد ان ينجز يوما ما لان همته عالية وليس بالذي يحفظ بعضه وشطره واجزاء منه ثم ينقطع وينصرف الى شيء اخر. اذا بدأ دراسة كتاب اتمه وفي متن حفظه وفي درس اكمله وفي برنامج اتمه وفي درجة علمية حصل عليها هذه واحدة من علامات علو الهمة عند صاحبها انه متوالي الانجازات. فاذا غاب عنك او غبت عنه مدة فلقيته فلك ان تحدثه او يحدثك عن شأنه فيما وفق اليه فيما سبق. سيخبرك بانه اتم كذا وانجز كذا. وحصل له كذا وبلغ كذا ووصل الى كذا هذه امارات اما من لا يزال مراوحا مكانه او وقف به المسير او يتعثر يقوم خطوة ويقع. وما يكاد ان يقف على قدميه فيسقط. ثم كلما انصرفت همته الى باب جاءته بعض الصوارف انصرف الى باب. بدأ مشروعا في حفظ القرآن وما لبث فيه شهورا. ما اتم ثم تاقت نفسه الى حفظ السنة فانصرف الى مشروع حفظ السنة. فقطع فيه شوطا ثم بعد ذلك تراه قد انصرف الى مسار الدورات العلمية المكثفة ما سلك فيه مدة حتى انصرف فدخل في مشروع القراءة وجرد المطولات وهكذا تراه لا يتم طريقا لا ينجز مشروعا لا يتم برنامجا لا ينهي كتابا لا يدرس يعني لا يتم شيء هذه من امارات علو الهمة وبمقابلها تكتشف ضدها ايضا فتوالي الانجازات وتحقيق المكاسب ونيل المطالب وتحقيق الدرجات العلمية في هذا الطريق واحدة من مظاهر بعلو الهمة في طلب العلم المظهر الخامس عدم القناعة بمطلب وتطلب ما بعده صاحب الهمة العالية كلما بلغ مرحلة تاقت نفسه لما وراءها ولك ان تضرب امثلة على هذا. اذا ما سلك طريقا اكاديميا يدرس فيه وفيه شهادات ودرجات علمية ان يحصل على درجة وعلى مرتبة لا تقنعه فيتطلع الى ما ورائها كأن يكون متخرجا جامعيا في دراسة غير متخصصة شرعية فعليه ان يدرس مرحلة تؤهله للانتقاد الى المسار الشرعي فيأخذ دبلوم من احدى الكليات والجامعات المعتمدة. في صرف فيها دراسة مسائية لمدة سنتين مع عمل ووظيفة تشغله في الصباح. ولا يكاد يجد وقتا لما سوى ذلك ويتحمل من المتاعب والمصاعب شيئا كثيرا. فاذا بلغها ضاقت نفسه لما هو اعلى فينخرط في برنامج اعلى درجة. ولا تزال تراه يوما بعد يوم اذا هو قد نال اعلى الدرجات ووصل الى مبتغاه وحقه ثم اذا وصل هل تظنه سيقف لا يزال عالي الهمة منتقلا من مرحلة الى مرحلة. ولا يزال حرصه على الطلب وطريقه الشريف يأخذه اخذا نحو مطالب اعلى افاعلى درجات وشهادات فوائد واجازات وتحقيق للمطالب لا يقنع بمرتبة يقف عندها. ولا يظن ان تهوى حصوله على درجة ونيله لشهادة هي منتهى الطريق ما يزالوا يتصاعدوا يتصاعد في هذا الطريق الشريف. المظهر السادس اختم به من مظاهر علو الهمة عند طالب العلم التواضع العلمي واقصد بالتواضع العلمي هنا انه لا يرى نفسه شيئا في طلب العلم وتحصيله وكلما فتح الله له من ابواب العلم وبلغ منه الدرجات العالية لا يرى نفسه شيئا ويعد نفسه صغيرا بين اهل العلم ويرى في ذاته نقصا كبيرا يسعى لاكماله لانه صدقوني ما لم ينظر لذاته هذه النظرة لن تأخذه الهمة نحو الصعود ابدا ولو قلت لك بالعكس متى رأى طالب العلم ذاته حقك كمالا او بلغ نهاية فقد اذن لنفسه بالاندثار والفناء والزوال وقد حكم على نفسه بالتقاعد العلمي المبكر. اذا ظن يوما ما انه حقق شيئا. ورأى ذاته انها اصبحت شيئا في طريق العلم لكن كلما نظر الى ذاته فاخبت وتناقص في نفسه وخاطبها بانه لا يزال امامها طريق طويل غير مغتر بشهادة حصلها ولا رتبة نالها ولا منصبا تبوأه ولا وظيفة تعين فيها لا يبالي بكل ذلك ويرى انه لزاما عليه ان يبلغ الكمالات فاذا قاس نفسه سيقيسها باصحاب بهمم العوالي فيرى بينه فيرى نفسه بينهم صغيرا فيحثه على الكمالات. هذه علامة التواضع العلمي وانتقاص النفس وازدراؤها واحتقار ما حصلته وما بلغته. لانه لولا ذلك ما يأخذ نفسه نحو المضي قدما وقلت لك متى شعر بانه اصبح شيئا فقد وقف واذن لنفسه بالارتياح والركون الى الدعة والخمول وانقطاع الطريق مع الاسف الشديد. هذا كان حديثا عن العنصر الثاني وهو علو الهمة في طلب العلم سانتقل الى العنصر الثالث النماذج المشرقة التي حفظها التاريخ في اجيال الامة من علو الهمة في طلب العلم. والحديث الحقيقة في هذا السياق طويل ويفرد له مجالس بل صنفت له المصنفات لسرد قصص هؤلاء الذين اتاهم الله همما عالية لم تشرق بها حياتهم فحسب. بل اشرق التاريخ واصبح مضيئا ما زلنا نستبصر بضوئه الى اليوم ماذا يعني لك ان تروي من اخبار القوم وشأنهم وعاداتهم وما عاشوه في حياتهم واقعا احيانا يكون اشبه بالخيال لولا انها ثبتت ونقلت ودونت وحفظت فانت تحكي عن تاريخ بشر كانوا يعيشون حياتهم كسائر البشر. لكن الذي فرق بينهم وبين غيرهم تلك الهمم الشريفة العالية التي ملكوها بين جوانحهم. هنا نماذج عدة كثيرة هل تدرك ما معنى ان يذكر في تاريخ احدهم انه اول من ادخل صحيح البخاري الى بلاد الاندلس في وقت ما كانت الكتب فيه تطبع ولا تباع ولا تنشر او توزع في وقت كان تحصيل الكتاب فيه يستدعي رواية وعرضا او سماعا ويستدعي اجازة ونسخا للكتاب من اوله الى اخره. ينسخه صاحبه وفيه من الجهد والعناء ثم اذا لم يكن هذا ببلده فارتحل من الغرب الى الشرق قاطعا عرض قارة باكملها مثل افريقيا ليقدم من بلاد الاندلس فيمر بشمال افريقيا الى ان يبلغ مصر فيدخل منها الى الشام ومنها الى الحجاز فيرد اقطار الاسلام وعواصم الاسلام انذاك مرورا بدمشق والكوفة سوى البصرة وبغداد واذا حج وجاور في الحرمين كل ذلك لان يسمع السنة ويحمل الحديث ويرويه ثم يعود فيكون اول من يحمل هذا الحديث وهذا الديوان من دواوين السنة اتظن ان هذا انجاز عادي ان يذكر في ترجمة اسد ابن الفرات والقاضي ابي بكر ابن العربي وابي الوليد الباجي انهم فعلا من فتحوا ابوابا جديدة من العلم والسنة والرواية اية في تلك البلاد التي اصبحت يوما ما هي عاصمة الاسلام العلمية وتراثها الزاخر واصبحت مشرق العلم في تلك البقعة من الارض يا اخوة هذا عطاء لم يحمل عليه الا همم شريفة عالية. في ذكر اخبار السلف يطول المقام لكن لا بأس ان نأخذ طرفا منها. والحديث ها هنا هو كالحطب الذي يراد ايقاد النار فيه لتشتعل النفوس هو وقود نتزود به ليكون همة احدنا اكثر اشتعالا واكثر حرصا ورغبة بقدر ما تشتعل في بداخلك همتك سيكون انطلاقك في طلب العلم وتأصيله والصبر على مصاعبه والصبر على بعض المشاق التي قد يجدها العلم في طريقه. يقول ابن عباس رضي الله عنهما لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الانصار هلم لنسأل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهم اليوم كثير فقال وعجبا لك يا ابن عباس اترى الناس يفتقرون اليك وفي الناس من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم يعني ما الذي يحملك على هذا ووفرة الصحابة تغني عن الالتفات لمثلك وتظن انك بحاجة الى هذا الباب؟ قال فتركت ذاك واقبلت اسأل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وان كان يبلغني الحديث عن الرجل فاتي بابه وهو قائل يعني نائم القيلولة في الظهيرة فاتوسد ردائي على بابه يسفي الريح علي من التراب فيخرج فيراني فيقول يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك هلا ارسلت الي فاتيك فاقول لا انا احق ان اتيك فاسأله عن الحديث يقول فعاش هذا الرجل الانصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألوني فيقول هذا الفتى كان اعقل مني ما كان الفرق بينه وبين صاحبه الا الهمة العالية وهذا الذي فرق بينهما في المقامات والنهاية في تحصيل المرادات قيل للشعب من اين لك هذا العلم كله؟ قال بنفي الاعتماد والسير في البلاد وصبر كصبر الحمار وبكور كبكور تراب يريدون انهم اخذوا من كل باب يحمل فيه احدهم نفسه على الهمة العالية ما يرجو ان يكون قد اصاب به ذلك الشرف لا يزال في صفحات تاريخ الاسلام المشرقة التي تروى ويضرب بها المثل ويعد والله مفخرة من مفاخر العلم في الاسلام الرحلة في طلب الحديث التي افرد لها العلماء مصنفات كما صنع الحافظ البغدادي ويذكرون فيه الاخبار العجيبة التي ستسمع بعضها الان يرتحلون يا احبة من شرق الارض الى غربها ويقطعون المسافات البعيدة مشيا على الاقدام ما يحملهم على ذلك الا رغبة في ان يصل احدهم اسمه بالسلسلة الشريفة التي تقوده الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصل اسمه باسناد فيه حديث نبوي فيكون احد من يشرفه الله في الامة بنقل السنة ورواية الدين وحمل الحديث الشريف قمم عالية ايضا في زمن لم تكن فيه وسائل المواصلات ولا الاتصالات وفيه من الصعوبة في الارتحال والاغتراب ومشقة السفر مع فقر وشح موارد وقلة زاد لكن المتطلب لما كان عظيما هانت امامه النفوس الشريفة في بذل المعالي حتى تبلغها سأعرض عليكم اخبارا متناثرة ليس يحدها تسلسل زماني ولا اعلام باعيانهم لان حقيقة اكثر من ان تحصر في مجلس كهذا الامام النووي رحمه الله كان يحضر في اليوم والليلة اثني عشر درسا في اليوم والليلة جدوله كان يشتمل عليه اثني عشر درسا من الفجر حتى المساء وكان رحمه الله يمشي بالطريق يكرر ما يحفظ من العلم ويراجعه الحافظ ابن حجر قرأ معجم الطبراني في جلسة بين الظهر والعصر وفيه نحو من الف وخمسمائة حديث عبدالله بن محمد فقيه العراق طالع كتاب المغني لابن قدامة ثلاثة وعشرين مرة قال الشافعي حفظت القرآن وانا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وانا ابن عشر سنين ما بلغ الشافعي رحمه الله سن السابعة عشرة حتى اذن له شيوخه بالافتاء ورأوه اهلا لما بلغ من العلم قال ثعلبة ما فقدت ابراهيم الحرب من مجلس لغة ولا نحو خمسين سنة طيب خمسين سنة هذا ما شابت لحيته ولا رأى نفسه قد بلغ من العلم مبلغا يصبح فيه استاذا يقصد ولا يقصد ويأتيه الناس ولا يثني ركبته عند احد قال ابو زرعة الرازي احفظ مائتي الف حديث لما قيل له اذهب لطلب العلم ولا ارى وجهك الا ومعك مائة الف حديث فسافر وارتحل وطلب العلم ثم رجع لنشره حتى كان يحضر مجلسه اكثر من ثلاثين الفا. يقول جرير جلست الى الحسن البصري سبع سنين لم اخرم منها يوما واحدا حدثني عن طالب علم يقصد مجلسا يوميا يعتاده ويرتاده في حلقة لحفظ قرآن او في مجلس علم او لحضور برنامج لا يعرف ان انه غاب لمرض ولا لتعب وارهاق ولا لموت قريب ولا لجنازة ولا لوليمة عرس واي سبب من الاسباب هذه همم عندما نتكلم عنها فانا نضرب مثالا واقعيا في حياة السلف يقول ابو حاتم الرازي مشيت على قدمي في الطلب الف فرسخ وستأتيك قصته بعد قليل قال البخاري كتبت عن الف شيخ وعن كل واحد منهم عشرة الاف حديث او اكثر اما القصة العجيبة التي سأذكر لك طرفا من روايتها فيما ذكر ابن ابي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل في ترجمة والده ابو حاتم الرازي الذي توفي سنة مئتين وسبعة وعشرين للهجرة يقول سمعت ابي يقول اول ما خرجت في طلب الحديث اقمت سبع سنين هذه اول رحلة خرج فيها من داره يقول اقمت سبع سنين. احصيت ما مشيت على قدمي زيادة على الفرسخ. والفرسة خمسة كيلو وتر يعني مشى على قدمه ما يتجاوز خمسة الاف كيلو متر يقول احصيت ما مشيت على قدمي زيادة على الف فرسخ ولم ازل احصي حتى لما زاد على الف فرصة اخترقت العد ورأى انها بلغ عددا كبيرا فما احتاج الى ان يكمل العد يقول واما ما كنت سرت انا من الكوفة الى بغداد فما لا احصي كم مرة ومن مكة الى المدينة مرات كثيرة قال وخرجت من البحر من قرب مدينة سلا في المغرب الاقصى الى مصر ماشيا ومن مصر الى الرملة في فلسطين ماشيا ومن الرملة الى بيت المقدس ومن الرملة الى عسقلان ومن الرملة الى طبرية ومن طبرية الى دمشق ومن دمشق الى حمص ومن حمص الى انطاكيا ومن انطاكيا الى طرسوس. ثم رجعت من طراسوس الى حمص. وكان بقي علي شيء من حديث ابي باليمان فسمعته ثم خرجت من حمص الى بيسان ومن بيسان الى الرقة ومن الرقة ركبت الفرات الى بغداد وخرجت قبل خروجي الى الشام من واسط الى النيل ومن النيل الى الكوفة كل ذلك تماشيا يقول هذا في سفري الاول وانا ابن عشرين سنة حول سبع سنين خرجت من الري سنة مئتين وثلاثة عشرة في شهر رمضان ورجعت سنة مئتين وواحد وعشرين قال وخرجت المرة الثانية سنة اثنتين واربعين. ورجعت سنة خمس واربعين اقمت ثلاث سنوات. قال وكانت سني في هذه الرحلة سبع واربعون سنة لا عشرين سنة ولا سبعة واربعين سنة من عمره اختلف حاله هو كما هو هذا الذي قلت لك لا تصرفه الصوارف ويبقى على هذا الطريق مستديما وعمته لا تزال تقوده الى البقاء عن مثل هذا المنهج العلمي الكبير كثيرة هي القصص منها ما ذكر عن الامام الحافظ ابن منده انه رحمه الله تعالى اول ارتحاله كان قبل سنة ثلاثمائة وثلاثين. يقول الحاكم النيسابوري التقينا ببخارى سنة ثلاثمائة وواحد وستين. ثم جاءنا الى نيسابور سنة خمس وسبعين ذاهبا الى وطنه فرحل وعمره عشرون سنة ورجع وعمره خمس وستون سنة ورحلته خمسة واربعين سنة حتى عاد الى دياره هذه حياة كلها قضاها في طلب العلم والارتحال للقاء الشيوخ والعلماء. يقول ابن من ده هو عن نفسه طفت الشرق والغرب مرتين يعني يبلغ من الشرق الى الغرب ثم يعود ولا يزال يكرر مرورا بالبلاد والامصار والمدن حيثما سمع بعالم وامام ومحدث وصاحب رواية قصده واتاه واقام هنا مدة وهناك مدة يتكرر على تلك البقاع حتى يبلغ اهل العلم. يقول كنت مع عمي عبيد الله في طريق نيسابور فلما بلغنا بئر مجة حكى لي عمي قال كنت قافلا عن خراسان مع ابي. فلما وصلنا الى هنا اذا نحن باربعين وكرا من احمال فظننا ان ذلك ثياب فاذا خيمة صغيرة فيها شيخ. واذا هو والدك فسأله بعضنا ما هذه الاحمال يعني ما الذي تحمله على البعير؟ حمل اربعين وكرا قال متاع قل من يرغب فيه في هذا الزمان هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يحملونه في الكتب والروايات وينقلونه كابرا عن كابر ويرون ان هذا مما يذكر ويحفظ ويفتخر بمثله. قضوا اعمارهم رحمة الله عليهم في هذا الطريق الشريف وهمتهم العالية نحو هذا المبلغ. النماذج كثيرة وما زلت اقول انك لو جئت تتصفح شأن السلف في رحلتهم لطلب الحديث وحده لالفيته شيئا عجيبا. لكنه في طلب بالعلم عامة كانت لهم قصص واخبار تجدها في مصنفات حاولت ان تجمع هذا صبر العلماء على الشدائد والتحصين الوقت في حياة العلماء المشوق للقراءة وطلب العلم. هذه اسماء كتب القي عليها نظرة وامكث معها واصبر معها ليلا. والله تشعل في نفسك وقودا وتذكي داخلك قبسا من الحرص والهمة. والرغبة في طلب العلم ولئن رأيت انها قصص عاشها اسلاف في تاريخ مضى وانها قرون فيها من الخير والبركة ما ليس في زماننا. فاياك وتلبيس ابليس لتقول له بل كان ما عنده من الظروف التي عاشوها اصعب واشق باضعاف المرات مما نعيشه في زماننا. اليوم مع وسائل المواصلات هل تملك ان تنزل اسبوعيا تقصد مسافة سفر بعيد بين مدينة واخرى لتحضر درسا لا تتخلف عنه سنين عددا ها انت لا تسمع قبل قليل يقول لا احصي كم مشيت بين مكة والمدينة. يقول لا احصي كم مرة قطعتها مشيا فلو قلت لك من الطائف الى المدينة من مكة الى المدينة الى الرياض ومجالس علم اسبوعية تعقد هل تجد في نفسك الحرص على ان تبلغ هذا المبلغ فيكون في تاريخك وسجلك وحاضرك وماضيك شيء يروى للناس ويقال ها هنا كان طلبة علم وانسان بلغت به همته الى ان يجدد ما نحكيه عن السلف وعلى كل حال فثق تماما لا يزال في الامة من اهل العلم. وطلابه ممن بلغ بحرصه ورغبته الهمة العالية التي يروى فيها ومثل ذلك فتتعجب في ارتحال قريب وبعيد واغتراب وقصد المجالس ولقاء الشيوخ وتحصيل الاجازات وربط الاسانيد ثم قراءة الكتب وجرد المطولات وصرف الاوقات والساعات لا يزال فينا من اهل العلم من يقضي جل وقته بين الطلب والتحصيل والقراءة لا يصرفه عن ذلك الا وقت صلاة وقضاء حاجة ووقت الاهل والعيال يقضي في يومه وليلته ما يزيد على عشر ساعات منكبا باحثا منقبا قارئا هذه همم ما زال اصحابه على قيد الحياة فاذا ضربت بذلك مثالا لتقول لنفسك لن يعجزك ان تبلغي ما بلغوا والله من فتح لنفسه الباب واذن لنفسه ان تجرب وان تحاول سيجد شيئا فوق التوقعات افة كثير منا يا كرام استصعاب الامور وظنوا ان تلك القضايا كانت مرحلة يذكر فيها الناس على مثال لا يستطاع تكراره اليوم وهذا غير صحيح اطلاقا غاية ما في الامر اننا توهمنا شيئا من المحال واستصعبنا قدرا هو في حقيقته يسير ودليل ذلك المحاولة لكسر هذا الوهم والانطلاق بلا قيود ولا حدود نحو افاق يحلق فيها طالب العلم اختم جلستنا هذه يا كرام بالعنصر الرابع والاخير. وهو الحديث عن اسباب نيل علو الهمة في طلب العلم. وها انا ذا اقود لك بين يدي هذا الحديث ايضا نقاطا خمسة. ارى انها يمكن ان تجعل لي ولك طريقا نسلك فيه سبيلا نعلو فيه بهمنا ونزداد فيه حرصا ليزداد عالي الهمة علوا فوق علو ويكتسب ضعيف الهمة فينا والخامل شيئا ينفظ به عن نفسه غبار الكسل ووهم الضعف الذي يظن انه ما زال الاسباب عدة وانا اجملها في خمسة اولها الدعاء وسؤال الله جل وعلا التوفيق والسداد وان يفتح له ابواب العلم وتحصيله وان يرزقه الهمة العالية المطالب كلها تطلب من رب العزة والجلال يقول العلماء ما امر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في القرآن بالازدياد من شيء سوى العلم. وقل رب زدني علما لن تجد في القرآن اطلاقا ان الله امره بطلب الزيادة في الرزق. ولا المال ولا متع الحياة هو العلم فاذا نحن احق ان نسأل ربنا كلما دعونا وسألنا الله. سؤال لطلبة العلم كم مرة يحضر في دعائك في سجودك في صلاتك في طوافك في حجك وعمرتك في افطارك وانت صائم في كل موطن هو مظنة اجابة رفعت يديك تسأل الله من مطالب دنياك واخراك كم مرة حضر في دعائك ان تسأل الله بصدق همة شريفة في طلب العلم تتخطى بك الصعاب وترقى بك فوق السحاب. كم مرة اذا كانت هذه غائبة عنك فاعلم انك لا زلت بعيدا عن الطريق. واول ذلك ان تمسك بهذا الحبل حبل السماء الدعاء وان تسأل الله دوما في كل موطن تقول يا رب وتسأل ربك مستنزلا فظله وتوفيقه عليك ان تسأله توفيقا وسدادا في باب العلم وطلبه وتحصيله السبب الثاني الذي تنال به الهمة العالية الاخلاص لله في طلب العلم. وهذا ليس كذاك ليس هو الاول. هو شيء اخص منه انما الاعمال بالنيات هذا اصل عظيم نيتك في طلب العلم ما هي؟ صدقني مهما بذلت من اسباب ان لم تكن في نيتك لطلب العلم خالصا قصدك لوجه الله الكريم فلا تتعب صدقا والله ولنقل بالعكس ان صادق النية وخالصها نرزق من التيسير وعلو الهمة وفتح الابواب وتيسير الاسباب ما لا يبلغه صاحبه ولو كان اذكى. واحد ذهنا واكثر سببا الاخلاص يا شباب بقدر الاخلاص يفتح للعبد باب السداد والتوفيق وقد احسن من قال ما ارتفع شيء من الارض الى السماء اعظم من الاخلاص ولا نزل من السماء الى الارض شيء اعظم من التوفيق وبقدر الاخلاص يكون التوفيق يرزق العبد وما توفيقي الا بالله ولك ان تستدل على ذلك بسير الاعلام العلماء الائمة عظماء الهمم والله لتجدنهم من العظماء في اخلاصهم لله هذا لا يمكن ان تجده منفكا كانوا من اشد الناس اخلاصا والتحريا لنياتهم وتصفية لها من الشوائب فانظر كم فتح لهم ما خلد به ذكرهم الى اليوم منذ الف سنة وزيادة والامة ما زالت تترحم على مالك وابي حنيفة والشافعي واحمد وتذكر بكل افتخار اسماء اولئك الكبار اصحاب السنة والعلماء ورواة الدين وحملته وحراس الشريعة ما كان عندهم ما يكون من الاسباب ما في زماننا المعاصر. لكنهم باخلاص عظيم اغلقوا عليه ابواب قلوبهم رزقوا توفيقا وهمما عالية بلغت بهم المجد المؤثر الى يوم القيامة يقول ابن القيم رحمه الله والمطلب الاعلى يعني عز الدنيا والاخرة موقوف حصوله على الهمة العالية والنية الخالصة السبب الثالث الذي ينال به الاخلاص الذي ينال به علو الهمة معرفة شرف العلم ومراتب فضله ودوام استشعار ذلك وتحديث النفس ببلوغ درجات نجوم الامة وعلمائها عندما يحضر هذا في ذهنك على الدوام وتستحضر نصوص الشريعة الغراء التي حكت فضل العلم ومكانة العلماء ستتوق ونفسك تعلو همتك ولا ترضى بان تكون في مؤخرة الركب واواخر الناس. عندما تعلم ان ميراث الانبياء والرسل هو علم وان الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما انما ورثوا العلم فمن اخذه اخذ بحظ وافر تفتح لنفسك شهية عظيمة على طلب العلم وتحصيله ثم انت لا تزال في كل مرحلة تخطوها وكل صفحة تطويها من طلب العلم تؤز نفسك نحو مزيد من طلب الكمال وتحصيله هذا باب عظيم واحد اسبابه التي تسقى بها تربة الهمة في داخل قلبك يا طالب العلم ان تحدثها دوما بهذه الفضائل ولاجل ذلك جاءت النصوص الشرعية في بيان فضل العلم كثيرة متعددة في بيان العلم ذاته وشرفه ومكانة اهله وما اعد الله لهم من الرفعة وما خصهم به من الكرامة وما اتاهم من المناقب. حدث نفسك على الدوام وقلب في داخلها هذه المشاعر التي تشتاق نحو الوصول الى هذه الفضائل والتحلي بتلك المناقب. ستنطلق وستكسر عنك الاغلال والقدود التي اقعدتها. وسترى ان كثيرا من وهم العجز والكسل والخمول سيتبخر. ويذهب سدى عندما تستطيع ان تملأ ذاتك وطموحك ورغباتك بان للعلم لذة وان له شرفا وان له منصبا كريما عند الله عز وجل وعند اهل الاسلام السبب الرابع الذي تنال به الهمة العالية مصاحبة ذوي الهمم ومطالعة سيرهم. اذا هي صحبة حسية ومعنوية اقصد بالصحبة الحسية ان يكون لك من الرفاق والاقران والاصحاب من يزيدك همة وطموحا؟ لا من يثبطك ويخذلك من تشعر ان فيه ان فيه جذوة تشتعل وحبا للعلم وتعلقا به. من اذا رآك تكاسلت نشطك من رآك نمت ايقظك ومن اذا رآك تخلفت تفقدك. ومن اذا رآك تأخرت قدمك واخذ بيدك اصحاب الهمم خير معين في هذا الطريق وبهم تكتسب همما عالية اياكن مثبطين واحذر صحبة الكسالى والذين يعني يقنعون بالدون اولئك لا يزيدونك الا تثبيتا. يقول ابن الجوزي رحمه الله فسبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب فليكثر من مطالعة هنا يقصد الصحبة الاخرى الصحبة المعنوية قد لا يكون حولك ومن اقرانك اولئك اصحاب الهمم العالية. لانك انك تجدها في ثنايا سير اصحاب الهمم العالية. يقول رحمه الله فسبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب. فليكثر من المطالعة فانه يرى من علوم القوم وعلو هممهم ما يشحذ خاطره ويحرك عزيمته للجد الى ان قال رحمه الله فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف ومطالعة تصانيفهم واخبارهم. فالاستكثار من مطالعة كتبهم رواية لهم قال الى ان يقول يحكي عن نفسه يقول فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم وقدر هممهم وحفظهم وعباداتهم وغرائب علومهم ما لا يعرفه من لم يطالع فصرت استزري ما الناس فيه. واحتقر همم الطلاب فافاده ذلك بادمان النظر في تراجم العلماء. وسير العظماء واخبارهم واحدة من جوانب القصور عند طلبة العلم حتى عند اصحاب القراءة الواسعة وتطلع الكتب والنظر فيها واحدة من جوانب هو قراءة التراجم العلماء وتقريب صفحات اخبار المجد الذي ورثونا اياه. وهي حافلة ولما تقرأ في ترجمة احدهم خبرا يهز داخلك تنتقل الى ترجمة اخر فتنزل بها دمعتك. وثالث فيرق بها قلبك ورابع وخامس وعاشر ادمان النظر سيرثك همة عظيمة عالية ولابد وستجعل في داخلك من الحرص والرغبة ما هو كفيل حقيقة ان يزيدك في هذا الباب وان يجعلك اكثر حرصا واقبالا على طلب العلم وتحصيل العلو الهمة المطلوبة فيه السبب الخامس الذي ينال به علو الهمة في طلب العلم ملازمة العلماء الراسخين ذوي الهمم العالية في علمهم وتعليمهم وحثهم والاخذ بايدي الناس من حولهم وقبل ذلك مر بنا مصاحبة ذوي الهمم وقصدت بها الرفاق والاقران لكنني اقصد بهذا السبب اتيان العلماء ذوي الهمم وليس بالضرورة ان يكون لاحدهم في مسيرة طلبه ذلك المعنى وهو موجود غالبا عند هذه الفئة لكن العالم الذي يوظف علمه لرفع همم طلابه ويحثهم بقوله وفعاله ويأخذ بايديهم نحو الكمالات فانه يوقدون في دواخل طلابهم شعلة من الهمم العالية التي كلما اوشكت ان تنطفئ زادوها اشتعالا وما زلنا نجد في اساتذتنا وعلمائنا وشيوخنا من هو كذلك بل انك تجد العالم ذي الهمة ذا الهمة العالية الشريفة قصد مجلسه والجلوس بين يديه في حد ذاته يأخذ بهمتك نحو العلياء تماما فانهم يكسبون طلابهم من سمتهم وطباعهم ولابد ولهم اثر ويجده الطالب من سيرة استاذه ومن خبر يسمعه عنه ومن قصة يحكيها له وربما كان ما يفيده من سمت استاذه وشأنه وهمته ربما كانت اعظم فائدة من درسه الذي استمع له والمتن الذي قرأه عليه والكتاب الذي شرحه على يديه كل ذلك محصل ونحن بشر والطباع تكتسب وهي تنتقل والاستاذ اعظم اثرا في نفس طالبه ومتعلمه الاخذ عنه ربما اكثر احيانا من اهل بيته ومن ابيه الذي يقوم على تربيته ليس لشيء الا لان استاذه له سطوة على نفسه. فان كان كذلك فليتخذ طالب العلم اسباب علو الهمة ونيلها تلك الفئة من العلماء التي تعتلي بطلابهم الى العلياء. وتأخذ بايديهم نحو مجد السماء يزرعون فيهم همما وما زلنا نقرأ في اخبار السلف طرفا من هذا القبيل الذي يحركون به الهمم تعلمون قصة صنيع البخاري رحمه الله وجمعه للصحيح الذي اصبح اصح كتاب بعد كتاب الله. مشروع خدم الامة متى اكثر من الف سنة ولا يزال عندما قال له شيخه في مجلس وهو جالس مع طلابه الا تنشطوا لجمع الصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة قالها فوقعت في نفسي طالب نجيب ذي همة عالية فاشتغل بها لعمر واصبحت مشروعا قام عليها جهاد علمي ضخم اصبح اليوم صفحة مشرقة من صفحات مجد الاسلام وعلوم الاسلام وتاريخ الاسلام هي محاولات يثريها ويحركها ويحرث ارضها علماء حكماء ربانيون راسخون يشعرون ان ما بين ايديهم من طلاب العلم وحملته انهم مشاريع ناجحة للامة وانها قيادات مباركة وان من شأن الواحد منهم اذا ما وظف في مكان يليق وبدور يستطيع القيام به ان يبلغ بالامة مجدا. وان يحقق لها مكسبا وان يرفع راية للدين. وان يذب الله عز وجل على عن ثغرة من الثغرات وسائر الفضائل والمناقب والمكرمات فمصاحبة العلماء والجلوس اليهم والترداد عليهم يكسب هذا المعنى الكبير من علو الهمة وهو في عداد اسباب نيلها في طلب العلم وفي ختام هذه الموضوعات التي اردنا بها اطلالة على ما يتعلق بعلو الهمة في طلب العلم فان الوصية ايها المباركون ان هذه الاطلالة ينبغي ان تكون مدخلا تعين احدنا على هذا الطريق العظيم وعلى تحصيل المراد فيه ولنعلم انه ما من شيء اشرف من ان تبذل فيه الهمم العالية من طلب العلم وليس شيء احق في حياتنا كلها بتفاصيلها ودقائقها وصغارها وكبارها ليس في حياتنا شيء يستحق ان تبذل فيه الهمم العالية اشرف من طلب العلم وطالب العلم والحديث له خاصة ان كان قد وفق الى هذا الباب الشريف وسلك فيه خطوات واصبح يعد نفسه او يعده الناس من بين طلبة العلم واهله وحملته فحري به الا تقعد به همة والا تنزل به بعد ان عاش معها فترة فيها اقبال وفيها رغبة وحرص واتقاد وان الا يزيده العمر في تقدمه والسن مع تقدمه الا يزيده ايضا الا مزيدا من الحرص وعلوا في الهمة رغبة فيها اوصيت قبل قليل ايضا بمطالعة تلك المجاميع التي حوت صفحات من صبر العلماء على الشدائد والتحصيل. وقد كان لهذا خاصة للشيخ عبد الفتاح ابي غدة رحمه الله فيه من جمع تحركت لها نفوس طلبة العلم بوبه على ابواب وجمع في كل باب منها قصصا لواقع عاشه اسلافنا العظام الكبراء العلماء. فاورثونا مجدا لنعلم ان المجد العلمي الذي ورثونا اياه ما جاء من فراغ ولا حصل براحة الابدان ولا بالكسل وكثرة المنام. لكن عاشوا حياة فيها كفاح عظيم. فيها جد واجتهاد جسيم ذكر ذلك في جوانب من حياتهم في جانب منها كان فيها تعب ونصب ورحلة في طلب العلم وقطع المسافات. وجانب اخر في هجرهم للنوم والراحة والدعة وسائر الملذات وثالث في اخبارهم في الصبر على شظف العيش ومرارة الفقر وبيع وبيع لباسهم احيانا واثاث بيتهم استمرارهم في طلب العلم وتحصيله. وجانب رابع في الجوع والعطش في هواجر الايام والساعات الطوال. خامس في اخبارهم في ونفاد المال والنفقات في الاغتراب والارتحال في طلب العلم. وما اصابهم فيه من شظ وتعب وقلة ذات يد وسادس في اخبارهم في فقد كتبهم او بيعها او ما حصل لهم عند ممات احدهم وقرب حضور اجله كل ذلك جوانب تتلمس فيها واقعا يهز نفسك الابية ويخرج مكنونها من الهمة الشريفة ويجعلها اكثر حرصا اذا كان الحديث لطلبة العلم فلنقل بكل صراحة ان ما نعيشه اليوم من ثورة في المعلومات ووفرة في تحصيل المراد لطلاب العلم. وتقريب للبعيد وتيسير لكل ما يحتاجه طلبة العلم. الدروس الكتب المكتبات المخطوطات وكل ما يحتاجه طالب العلم حقيقة اصبح لا اقول على مقربة من يديه بل اصبح في جيبه يحمله معه في جهازه الجوال ولو اراد ان يجعل لنفسه شيئا من برنامج يحمل فيه نفسه على جد واجتهاد لوجد نفسه عما قريب انموذجا لطالب علم يضرب به المثل المسموعات المسجلة والكتب المرفوعة والمصورة فضلا عن المكتبات الزاخرة وما بين ذلك وذلك من مكتبات ضخمة وسجل رقمي يحوي كثيرا من ارشفة لدروس تجد فيها علم السابقين الاحياء منهم والاموات وليس بينك وبين ان تعد نفسك تلميذا لبعض العلماء الذين ربما ما ادركت حياتهم او مجالسهم الا ان تستمع الى دروسهم فكأنك جالس في مسجد احدهم او في مجلسه او قاعته التي كان يدرس فيها ويعلم الناس ومع تقدم الوسائل وكثرة ووفرتها الا ان طلبة العلم يشتكون امرا اخر انه رغم توفر الاسباب ويسرها وسهولتها وقربها من الايدي في التناول الا ان الانصراف اصبح سمة والعزوف عن مجالس العلم والالتحاق بركب العلم اصبح ايضا معلما بارزا تراه العين وسر ذلك والعلم عند الله ليس بالاسباب انما هو فيما تحمله النفوس في داخلها من الهمم. فنحن ندع نضع اليد على على الموضع الذي ينبغي ان يكون ملتمسا في بداية الطريق هذا حجر الزاوية يا شباب هذا المنطلق الاهم هذا هو المعول عليه في طريق طويل بعيدا عن اسباب يسيرة او عسيرة بعيدا عن جهود مبذولة او ممنوعة بعيدا عن كل ما يمكن ان توفره من وسائل واساليب واسباب طلب العلم الخطوة الاولى تبدأ من هناك من داخل نفسك من جوف صدرك من همة ينبغي ان تزرع وتسقى وتنمو وتتعاهد بما ذكر من نماذج واساليب ومظاهر يحرص الانسان على تعاهدها في ذاته. العلم باب ما زال مفتوحا وطريق في شرف عظيم يرتقي فيه بنو الاسلام في اجيال الامة ايضا ما زال مشرعا. ومن اراد وطرق الباب وفتحه وسلك سبيله فان الله عز وجل لا يحرم عبدا من فضل جعله لهذه الامة مخصوصا لكنه من سلكه بطريقه الصحيح ومن دخل الدار من بابه بلغ المراد وهذا باب عظيم اردنا ان يكون بين يدي هذه الدورة العلمية التي ستقام تباعا في هذا الجامع المبارك ان شاء الله تعالى اسأل الله عز وجل في خاتمة هذا اللقاء ان يمن علي وعليكم بتوفيق وسداد وتحصيل علم نافع وعمل صالح يقربه اليه. اللهم اجعل ما علمتناه حجة لنا لا علينا. وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا اكرم رميم. اللهم انا نسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء يا حي يا قيوم. اللهم انا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك يا ارحم الراحمين اللهم احفظ علينا امننا وايماننا وسلامتنا واسلامنا ووفقنا لما تحب وترضى وخذ بنواصينا الى البر والتقوى يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام. اللهم اسلك بنا سبيل العلماء العاملين الربانيين الراسخين. واجعل ان علمنا نورا لنا وحجة لنا يا رب العالمين. اللهم انا نسألك من كل خير خزائنه بيدك. ونعوذ بك من شر كل ذي شر انت اخذ بناصيته. اللهم لا خير الا خيرك ولا فضل الا فضلك. انت مولانا فنعم المولى ونعم النصير اللهم امنن علينا بعفو وعافية يا اكرم الاكرمين. اللهم انا نسألك باسمائك الحسنى وصفاتك العلى ان تجعل لنا وللمسلمين جميعا من كل هم فرجا. ومن كل ضيق مخرجا. ومن كل بلاء عافية يا ارحم الراحمين اللهم هيء لنا من امرنا رشدا، وجنبنا الزيغ والضلال والحور بعد الكور، ويا ذا الجلال والاكرام، ربنا لا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب. اللهم وفق امامنا وولي امرنا لما تحب اترضى واصلح له النية والبطانة والقول والعمل يا اكرم الاكرمين. اللهم من ارادنا والاسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدميره في تدبيره يا ذا الجلال والاكرام. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين وتب علينا انك انت التواب الرحيم. وتقبل منا انك انت السميع العليم. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصلي اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين في اول من الدرجات طلب العلم هذا لا علاقة له بسؤال السائل الدراسة ومسالكها ودرجاتها ومساراتها النظامية لا تعدو ان تكون مظهرا من مظاهر العلم وسبيلا من سبله وبابا من ابوابه لكن لا تزال مجالس العلم وحلقاته ولا يزال العلم منثورا في المساجد والحلقات وفي الدروس وفي المجالس ولا يزال قالوا اهل العلم باذلين لعلمهم وما تزال ابوابهم مشرعة. فان فات صاحبنا شيء مما اراد من طريق يسلكه لتحصيل المراد عبر مسار من المسارات فدونه المسارات الاخر والابواب ما زالت صحيح ان هذا من اكثر ما يعين طلبة العلم على الاستمرار في طلب العلم وتحصيل الدرجات العلى فيه. لكن لا يزال في تاريخنا المعاصر من علمائنا الكبار ومن اصحاب الفضيلة والمعالي من لا يحمل رتبة علمية اكاديمية ومعه من العلم الذي فتح الله لهم ابوابه ونالوا به اضعاف ما حصله اصحاب الشهادات والدرجات المخصوصة التي نشير اليها ليس هذا تزهيدا في طريق دون طريق لكنه محاولة لعدم انحطاط الهمم اذا ما اغلق باب من الابواب. فليس هذا منتهى الطريق وعالي الهمة لا يحده باب عن باب. ولا يصرفه طريق عن طريق. يعني هب انه باب اغلق كمن يعتذر مثلا بمحاولة للحاق بركب العلم على كبر سن وبعض الشروط النظامية التي تتيح الاندراج والانخراط في بعض المسارات العلمية تشترط سنا معينا. هل نعد هذا فعلا نهاية للطريق وحكما بالاعدام على حياة طالب علم في طلبه للعلم؟ الجواب لا. فاذا اغلق باب فدونه ابواب عدة واذا رأى نفسه لا لا يتيسر له سبيل من السبل فالسبل الاخرى المتاحة ايضا كثيرة. فالنصيحة لمثل هذا ولغيره انه ان فات مطلب من المطالب في طريق طلب العلم فلا تزال هناك ابواب كثيرة يمكن الشروع فيها ويمكن استدراك ما فات. بل دعني اقول ان كثيرا ممن يحرص على طلب العلم ربما رأى في كبر السن وتقدمه صارفا. ورأى انه لم يتهيأ له منذ شبابه وصباه ومقتبل العمر ان يكون مع طلاب علم الذين طلبوا العلم مبكرا حتى هذا سيقال له لا يزال في سير السلف القدماء ولا يزال في سير المعاصرين من العلماء من طلب العلم على كبر فبلغ الامامة في العلم وسبق الناس وفاق العلماء فالقضية بمرتكزها الاول تعود الى همة في داخلك باسبابها المذكورة في اللقاء انفا والعلم عند الله هل هناك تعاون بين طلب العلم والدعوة الى الله تعالى؟ ستكون افة اذا افترضنا انفصاما بين الامرين الدعوة الى الله وتبليغ العلم وتقريبه للناس مظهر من المظاهر التي يحظى بها طلبة العلم وثمرة من ثمرات العلم ومن ظن ان الثمرة يمكن انفصالها عن شجرتها فقد اخطأ طلب العلم ليس مقصودا لذاته فيه لذته نعم وله شرفه نعم وله قصده الذي يبلغ به طالب العلم وقته وبذله وجهده وماله نعم لكن ما وراء ذلك هو ان يقوم بهذا العلم حجة لنفسه وللناس من حوله. وان يبلغ هذا العلم وان ينشر من هداه. وان يجعل من وحياته وعلمه الذي حباه الله به قبسا يستضيء الناس به ويهتدون به وينتفعون من علمه. فاذا كانت الدعوة الى الله قاطعة للطريق فليست في ذاتها بل لما يظنه صاحبنا احيانا. ومن ظن ان الاشتغال بعد مرحلة من المراحل في الطلب ظنها صارفة عن طلب العلم فهي لا تعدو ان تكون من الصوارف التي يتوهمها بعض الناس وليست كذلك. مثل الظن ان الاشتغال بطلب الوظيفة وكسب المعاش والزواج والاولاد انها صوارف عن طلب العلم. وفي الحقيقة ليست كذلك بل انما زكاة العلم بذله وبالزكاة ينمو رأس المال. فاذا كان مع طالب العلم من العلم ما بذله في الدعوة وتعليم الناس وارشادهم ويظن انه بذلك يقوم بواجب العلم فانه يزكو علمه ويزداد. وينبغي ان يكون هذا بالعكس يعني متى تصدى طالب العلم لاعباء الدعوة واشغالها واعمالها وتعليم الناس والله ليكونن هذا من اعظم الحوافز له على الاستزادة من العلم. تدري لم يخشى ان يكون شمعة تحرق نفسها لتضيء للاخرين يخاف ان يندثر يوما ما يخاف ان يحفر قبره بيديه ليموت بين الناس وهو حي يشعر ان الناس المنتفعين من علمه ودعوته وبذله كالمغترفين من مائه ونبعه وهو يخاف ان ينضب يوما وان يتوقف دره وان يقف ذلك السيل الذي من الله تعالى به عليه فلا سبيل له الا الى ان يتوسع ليكون نهرا بدلا من ان يكون قناة ويكون بحرا بدلا من ان يكون نهرا يقتصر على زاوية وشط ومسار محدود وهكذا هم العلماء. كلما في تصديهم للعلم وبذلهم للناس شعروا ان ما عليهم من التبعة في الازدياد من العلم وتحصيله سيصبح اعظم ثم يبارك ببذلهم وتعليمهم ودعوتهم ويرزقون من التوفيق بقدر ما يحملون في قلوبهم من الاخلاص انهم يرجون بذلك بذل زكاة في علمهم وانه من باب نادى العلم والعمل فان اجابه والا ارتحل فيجعلون هذا مهرا لطلب العلم وثمنا لتحصيله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم جزاكم الله خيرا نختم بهذا السؤال ما هو واجب الاباء؟ جاء ابنائي خاصة في هذا الزمن مع الصواب والشاغرين اذا الواجبات عدة الحقيقة لكن يجمعها شيء واحد هو ان يستشعروا عظم الامانة التي حملنا الله اياها تجاه الاولاد امانة اعظم من امانة مال يجعلها جارك عندك حتى يعود من سفره امانة اعظم من مجرد وديعة وحق شريك لك في تجارة دخل معك وسائر ما نظنه من الامانات التي نتحملها وبكل حرص وشدة واهتمام واحتياط امانة الاولاد هي رأس مالنا في الحياة امانة الاولاد هي مشروعنا المستقبلي بحق يا اخوة قد لا يكون احدنا صاحب منصب ولا جاه ولا صاحب اثر عظيم في المجتمع ولم يهيأ له في حياته ان يكون على ثغرة من ثغور البلد ولا باب من ابواب رفع رايته في اي مسار من المسارات لكن طالما كان لك بيت فيه زوجة واولاد هذا مشروعك الكبير هذه امانتك العظيمة بوسعك والله ان تخدم دين الله عز وجل في في بيتك في ذاتك واولادك بان تزرع فيهم هذا المعنى الكبير لرعاية حق الله جل جلاله. وتعظيم دينه وشعائره وحبي ما حبانا الله تعالى به من هذا الدين والتعلق به. والانتماء بكل اعتزاز الى شريعتنا وقيمنا ومبادئنا واخلاق هذا باب كبير فرعاية الاباء والامهات لهذا الواجب وتعاهد الاولاد بهذه التربية هو والله من اعظم الكفاح ليس انجازا في حياتي وانا اب ان احقق مناصب وظيفية مرموقة. هذا شرف ولا شك ليس الانجاز الحقيقي وانا اب ان ابتغي في دنياي هذه مراتب احمل فيها اوسمة الشرف ليظهر اسمي ويعلن ويعرف الناس صورتي وشكلي. الكسب حقيقي هو ما ينجح فيه الاب في استثمار صالح في تربية اولاده الكفاح الحقيقي للام عندما تزرع في بنيها وبناتها تلك المعاني العظيمة من التعلق بدين الله وتعظيم الشريعة العلم والاتجاه اليه والانكباب عليه والكفاح في تحصيله. هذا هو التوريث الحقيقي. قد لا نورثهم قصورا ولا اموالا ولا ارصدة ولا شيئا من متاع الحياة؟ حسبنا ان نورثهم حفظا للقرآن وحبا للدين وعناية بالسنة وتطبيقا لها. ان نورثهم شيئا عظيما يؤسس فيه من انتمائهم ولائهم عزهم فخرهم وشرفهم عفتهم امانتهم اخلاقهم. هذا هو الكسب الحقيقي. الباب كبير والواجب عظيم والادوار ايضا لا حد لها جماع ذلك كما اسلفت ان نشعر انهم مشروعنا وانجازنا الحقيقي وموروثنا الكبير الذي سيسألنا الله عنه اولا وسنشعر اننا افنينا فيه عمرا يستحق ان نتركه من بعدنا لجيل يحمل بفخر اسم والده ليشعر انه قدم له في حياته شيئا عظيما لما سلك به هذا الطريق واورثه هذا السبيل وان له اما وان كانت عامية لا تقرأ ولا تكتب لكنها جعلت منه ابنا صالحا وبنتا عفة برة تقية ان يكون الاباء والامهات بهذا المنطلق انظر انه هو الباب الصحيح والمدخل الذي نرزق به صلاح الاولاد وسعادتهم نسأل الله عز وجل ان يجعلهم لنا قرة عين. وهو تعالى كريم جواد منان. وقف الحياة يدوم بعد الحياة