بسم الله الرحمن الرحيم. يسر الادارة العامة للتوجيه والارشاد بالمسجد الحرام. ان تقدم لكم الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما القسط لا اله الا هو العزيز الحكيم. دروس من الحرم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي جعل بيته الحرام مهوى افئدة الناس اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له جعلنا في خير امة اخرجت للناس وخلع علينا لباس التقوى خير لباس. احمد ربي تعالى واشكره واستعينه واستغفره واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه به وسلم تسليما كثيرا اما بعد ايها الكرام ففي هذه المجالس في اعقاب الحج ما زلنا نقلب صفحات من فضائل هذا البلد الحرام كراماته وقد كان مجلس البارحة حديثا عن قصة البداية. ومنشأي بيت الله الحرام في بناء الخليل ابراهيم عليه السلام وابنه اسماعيل عليه السلام لهذه الكعبة المعظمة بامر الملك العلام. قصة بناء البيت ولما دعا إبراهيم عليه السلام رضيعه إسماعيل وأمه هاجر بهذه البقعة حتى كانت الحياة ودبت ها هنا سكينة وبني بيت الله الحرام كانت ذلك كانت تلك صفحة من صفحات الصبر واليقين والايمان وصدق التوكل على رب العالمين يراد من احدنا ايها الاحبة كلما اكرمه الله فاوفده الى بيته الحرام. فاتى طائفا او مصليا او حاجا او معتمرا ان يتلمح هذه المعاني العظام وان تثور في قلبه نبضات الصدق في ايمانه بالله جل جلاله وصدق توكله على الله وحسن ظنه فيما عند الله. واليقين في اجابة ربه ومولاه. لدعائه وهو يتوسل ويدعوه ويناجيه هذه المعاني العظام يراد لنا ان نعيشها وان نحييها كلما اتينا بيت الله الحرام. بل كل ما توجهنا اليها في قبلتنا في الصلاة وفي دعائنا اناء الليل واطراف النهار ان يكون بيت الله سبحانه وتعالى في هذه البقعة المباركة رمزا لهذه المعاني الكبار التي كانت متظمنة في قصة بناء البيت الحرام. في الدقائق المقبلة اخوتي الكرام في مجلس الليلة سنعرض جملة من فضائل بيت الله الحرام وما خصه الله جل وعلا اعني هذا البلد الامين ما خصه به من الخصائص وقد مر بكم في مجلس البارحة ان الله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء ويختار وان الله سبحانه عالة لحكمة جليلة ولمعنا عظيم بليغ كان اصطفاؤه لهذه البقعة مكة بلد الله الحرام ليكون موضع بيته العتيق وقبلة المسلمين احياء وامواتا. تلك الخصائص كثيرة جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله الله عليه واله وسلم وها انا اعرض على مسمعكم بضع عشرة فضيلة للبلد الحرام وخصيصة من خصائص هذه البقعة الطاهرة المباركة. اول ذلكم يا كرام قسموا الله جل جلاله بها في كتابه الكريم. وقد تقدم هذا معكم ايضا في مجلس البارحة ان الله سبحانه وتعالى في موضعين اثنين من كتابه الكريم اقسم بهذا البلد فقال سبحانه وهذا البلد الامين في سورة التين. وقال لا اقسم بهذا البلد وانت حل بهذا البلد في صورة البلد وليس يخفى على مسلم ان الله عز وجل يقسم بما شاء من خلقه في كتابه وقسموا الله عز وجل ببعض خلقه تنويه بعظمة شأنه. ورفعة قدره. والله عز وجل اذ اقسم بهذا البلد من بلاد الدنيا فانها رفعة له على سائر البلاد. وهو ايضا تعظيم لهذه البقعة المباركة فقد عظمه الله عز وجل لما اقسم به في كتابه الكريم. وثاني هذه الفضائل والخصائص ما اشتهرت به مكة يا كرام. من كونها بلد الله الحرام تحريم مكة احد خصائصها احد مناقبها بعض فضائل مكة ما امتازت به من التحريم ثم هو تحريم ازلي والقديم نعم حرمة مكة وسيأتي تفصيلها في حرمة القتال بها وحرمة قطع الصيد وحرمة قتل الصيد بها وحرمة قطع النبات بها وحرمة التقاط اللقطة الساقطة على ارضها. هذه حرمة مكة لتكون مكة بلدا حراما معظما وقد صح في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام اللهم ان عبدك ابراهيم ان عبدك وخليلك ابراهيم حرم مكة ودعا لها فاشار الحديث الى ان ابراهيم عليه السلام هو اول من حمى حمى مكة وحرمها وانه بذلك تحريم قديم لكن السنة الاخرى التي تشير الى ازلية هذا التحريم تعود بك الى ابعد مما كان عليه في زمن الخليل ابراهيم عليه سلام قدم عليه الصلاة والسلام مكة فاتحا سنة ثمان للهجرة فدخلها عليه الصلاة والسلام وقد دانت له البلاد ودخل الناس في دين الله افواجا. في ذاك الوقت قال عليه الصلاة والسلام مشيرا الى حرمة مكة الازلية القديم. وان لا ترتبط بزمن في ازمنة البشرية لما قال عليه الصلاة والسلام ان الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله وانها لن تحل لاحد كان قبلي وانما احلت لي ساعة من نهار وانها لن تحل لاحد بعدي صرح عليه الصلاة والسلام بقوله ان مكة بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والارض ولم يحرمه النار وقد عادت اليوم كحرمتها بالامس. فابانا الحديث ان تحريم مكة ليس تحريما بشريا. وليس تحريما رضا بل هو تحريم ازلي الهي قديم. ان مكة بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والارض. فيكون معنى قوله عليه الصلاة والسلام اللهم ان عبدك وخليلك ابراهيم حرم مكة ودعا لها المقصود انه جدد تحريمها واحيا معنى هذا التحريم في امته وفي الامم من بعده. ابراهيم عليه السلام لما امر ببناء البيت قال الله واذ بوأنا ابراهيم مكان البيت. هذا فيه معنى التهيئة والاعداد. فقبل ان يبنى البيت كانت هذه البقعة معظمة. كانت محرمة تزل على تحريمها الى يوم القيامة هذا بلد عظيم يا كرام وتحريمه ازلي قبل ان تعرف المنظمات البشرية والحقوق الانسانية انظمة الحماية وانظمة المناطق المحايدة ومنع القتال ورفع السلاح وحظر الاحترام. حرم الله مكة من بين بلاد الارض لتكون موضعا امنا توارثت توارثت الاجيال في ساكن مكة هذا التحريم حتى اضحى العرب في الجاهلية قبل الاسلام يعظمون حرمة فكان احدهم يرى قاتل ابيه عند الكعبة فلا يجرؤ عليه. ولا تمتد يده اليه على رغم ما كانت عليه العرب من ثأر وعزة نفس وكرامة ومن شدة تعطش في الانتقام للدماء خصوصا. ومع ذلك فقد كانت مكة بحرمتها المتواضعة امرا معظما عند العرب قبل الاسلام. وابقى الاسلام هذا المعنى العظيم في التعظيم لهذه البقعة. ان تكون مكة بلد الله بلد الحرام وان تكون موضعا معظما في نفوس من اتى اليها. ولهذا قال الله عز وجل ومن دخله كان امنا ان التأمين الذي يجده الداخل الى بلد الله الحرام. حكم الهي وقوله سبحانه ومن دخله كان امنا كانت جملة خبرية لكنها في معنى الانشاء والامر كما يقول اهل العلم. بمعنى يجب ان يكون الامان حقا لكل كل من دخل هذا البلد الحرام فهذا جزء من معنى التحريم والتعظيم يا كرام الذي جعله الله عز وجل لبلده الحرام في مكة المكرمة. وسيأتي تفصيل التحريم المتعلق بها في قطع النبات وقتل الصيد والتقاط اللقطة. ثالث فضائل والخصائص يا كرام لهذا البلد الحرام دعوة إبراهيم الخليل عليه السلام لهذا البلد في اللحظة التي بني فيها البيت العتيق فان ابراهيم وهو خليل الله ونبي الله وهو ابو الانبياء عليهم جميعا وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام قد اودع دعوات عظيمات مباركات لهذا البلد الحرام. وحسبكم بها دعوات ينطق بها ابراهيم الخليل عليه السلام. وهو ومن هو في مكانته بين الانبياء وفي عظمة شأنه عند الله جل وعلا فانه كما تقرأون في القرآن لما بنى الكعبة توجه بدعوات عظيمات وهو يقول واذ قال ابراهيم ربي اجعل هذا البلد امنا واجنبني وبني ان نعبد الاصنام ربي انهن اضللن كثيرا من الناس يعني الاصنام. فمن تبعني فانه من ومن عصاني فانك غفور رحيم. ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة كم من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون الى اخر دعوات ابراهيم الخليل عليه السلام وهو وايضا المذكور في قوله تعالى في سورة البقرة ربنا وبعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم اياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك انت العزيز الحكيم اجاب الله دعوة نبيه وخليله ابراهيم عليه السلام ام لم يجب؟ بلى. اجاب الله دعوته فاصطفى لهذه الامة ومن هذا البلد محمدا عليه الصلاة والسلام ليكون خاتم الانبياء ليعلم الكتاب والحكمة ليزكينا ليخرجنا باذن الله من الظلمات الى النور اجاب الله دعوة الخليل ابراهيم عليه السلام. فاصبح هذا البلد يجبى اليه من ثمرات كل شيء. كما قال الله رزقا من لدنا ولكن اكثرهم لا يعلمون. دعا ابراهيم عليه السلام قال رب اجعل هذا البلد امنا. فصارت منا يمتن الله بها على اهل اهل مكة منذ نزول الوحي اولم يروا انا جعلنا حرما امنا ويتخطف الناس من حولهم افبالباطل يؤمنون وبنعمة في الله يكفرون اجيبت دعوات الخليل ابراهيم عليه السلام. فكانت دعوات مباركة لهذا البلد ولساكني هذا البلد بالامن وبالرزق وبالخيرات والبركات. بالله عليكم ما الذي يرجوه بشر على وجه الارض؟ اكثر من هاتين النعمتين. نعمة الامن ورغد العيش ما الحياة كلها يا كرام الا كنهر يجري. ضفتاه ضفتاه ظل الامان. وسعة الرزق ورغد العيش فاذا عاشت النفس في امن تهدأ بها نفوسها وتأمن اعراضها واموالها ثم وجدت رزقا وفيرا ورغدا وعيشا طيبا فانها متعة الحياة ولن تحتاج البشرية الى امر فوق هذين. وهما دعوة الخليل ابراهيم عليه السلام. فهذا من خصائص هذا البلد يا كرام. هذه عواد الى ان جاءت بعثة رسول الله عليه الصلاة والسلام. وهاجر المصطفى صلوات الله وسلامه عليه الى طيبة الطيبة. فاصبحت سمة الاسلام ومنطلق الدين والتوحيد وقاعدة الجهاد في تلك الفترة من هجرته عليه الصلاة والسلام رفع يديه ودعا وقال اللهم ان عبدك وخليلك ابراهيم دعا لمكة وحرم مكة ودعا لها واني ادعو بمثلي ما دعا ابراهيم عليه السلام للمدينة فاصبح عليه الصلاة والسلام يطلب من ربه دعوة مجابة قياسا على دعوة ابراهيم عليه السلام فهذا من مما حظي به البلد الحرام يا كرام ان الله عز وجل اجاب فيه دعوة الخليل. تأملوا معي يا كرام لما قال ابراهيم عليه السلام ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل الافئدة من الناس تهوي اليهم والمقصود انه عليه السلام دعا ان يرزق الله هذا البيت وساكنيه هوى يجلب اليه الناس فيأتون اليه ذلك انه ترك رضيعه اسماعيل عليه السلام وامه هاجر وليس معهما احد. فاراد ان يأنسا بالعيش وان يكون حولهما رفقة واناس فقال فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم. واليوم انا وانت وكل مسلم ومسلمة يأتون بيت الله الحرام هي جزء من اجابة دعوة الخليل ابراهيم عليه السلام. فاصبحنا نأتي الى هذا البيت بل وتهواه افئدتنا تهواه الافئدة صدقا وترى احدنا. بل ترى من حولك ومن حجاج بيت الله الحرام. ما ان يمكث احدهم بمكة اياما معدودات للحج فيحين عليه طواف الوداع للرحيل والمغادرة الا وينتابه من الحزن والشوق والبكاء لمغادرة البيت الحرام وكان انه لبث فيه سنين عددا وكانه ولد فوق ارضه او عاش فوق ثراه. هذا الارتباط الوثيق هذا الحنين الى بيت الله الحرام هذا الهوى في الافئدة يا كرام لم يأتي من فراغ. هذه اجابة الله جل جلاله لدعوة ابراهيم الخليل عليه السلام. بل عن ابن عباس وعكرمة وقتادة وغيرهم وسعيد بن جبير انه قال دعا إبراهيم عليه السلام فقال فاجعل افئدة من الناس فصار هذا تبعيضا وليس كل الناس. قال ابن عباس ومجاهد وسعيد ابن جبير لو قال فاجعل افئدة الناس يعني على العموم لازدحمت عليه فارس والروم واليهود والنصارى والمسلمين لكنه قال من الناس فاصبح هذا تبعيضا اختص به اهل الاسلام من الناس. والا فكان ذاك موجبا لاجابة الدعوة فيدخل كل الناس مؤمنهم وكافرهم على حد سواء. هو ايضا جزء من معنى الاية. واذ جعلنا البيت مثابة للناس وامنا. مثابة يعني تتوب اليه النفوس وتحن الى العود اليه ولا تشبع وترغب في تكرار الزيارة مرة بعد مرة هي موافقة لدعوة ابراهيم الخليل عليه السلام كما تقدم. رابعا يا كرام من خصائص هذا البلد الحرام انه بلد احبه الله. وحسبكم فضلا ومنقبا. انتم اليوم تقضون اياما في بلد محبوب عند الله. ووالله ما احب عبد ربه الا احب ما يحبه ربه وقد علمت عبد الله ان الله يحب هذا البلد. فلا يسعك الا ان تحبه. ولو لم يكن لك فيه بيت ولد ولا تجارة ولا غرم. حسبك لو جئت اياما ولو ضاقت بك الحياة. ولو ضاقت بك المعيشة في هذا البلد حسبك ان تملأ صدرك حبا له لان الله احبه. في هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام. لما خرج من مكة منتقلا الى المدينة التي كما صح بذلك الحديث عند الترمذي وحسنه من رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اطيبك من بلد قالها وهو مهاجر خارج عنها الى المدينة. قال ما اطيبك من بلد؟ وما احبك الي؟ ولولا ان قومك اخرجوني ما ثكنت غيرك هذا حب رسول الله عليه الصلاة والسلام لهذا البلد الحرام. وعن عبد الله ابن عدي ابن حمراء قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على الحزورة وهو منطقة في رابية على مشارف مكة. والحديث ايضا اخرجه الترمذي. فقال انك خير ارض الله واحب ارض الله الى الله ولولا اني اخرجت منك ما خرجت. هذا بلد احبه الله. واحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق لي ولا لك الا ان نحبه حبا لما احب الله ولما احب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. بل كما قلت واؤكد ولو ضاقت بنا فيها سبل العيش والحياة فلسنا نحبها لاغراضنا ولا لمصالحنا ولا لذواتنا بل نحبها حبا لله وحبا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم. خامسا من فضائل هذا البلد ومن خصائصه ومناقبه ان الله عز وجل حماه من الدجال في اخر زمان اذ يعيث فسادا وينتقل في الارض يمنة ويسرة فلا يبقى بلد الا دخله الا هذا البلد وبلد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يدل على ذلك ما اخرجه البخاري في صحيحه عن انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قال ليس بلد الا سيطؤه الدجال هذا على العموم يا كرام وليس بلد من بلاد الدنيا اليوم الا وينطبق عليه هذا الحديث. قال عليه الصلاة والسلام ليس بلد الا الدجال الا مكة والمدينة. ليس من نقابها نقب. والمقصود بالنقب الطريق الواقع بين جبلين. ليس من نقاب بها نقب الا عليه الملائكة صافين. يحرسونها. قال ثم ترجف المدينة باهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق وفي قصة تميم الداري لما كتب له اللقاء بالدجال وانه لا يصح له دخول مكة والمدينة تأكيد وتوفيق لهذا المعنى العظيم. سادسا من خصائص هذا البلد ومن فضائله واحكامه المختصة به انه بلد هو مأرز الايمان. والمقصود بالمأرز مكان الذي يأرز اليه الدين يعني يرتكز فيه. ويرجع اليه ويجتمع ها هنا احاديث بروايات عدة منها ذكر المدينة النبوية على وجه الخصوص. في مثل قوله عليه الصلاة والسلام ان الايمان ليأرز الى المدينة كما تأرز الحية الى جحرها. والمقصود بالاروز كما قلت هو الاجتماع والارتكاز هو الانظمام هو الخلاصة التي تكون. وهذا انما يكون في اخر الزمان يا قوم. عندما يتلاشى الدين ويرفع الاسلام وتقبض ارواح المؤمنين. وقد صح في الحديث انه لن تقوم الساعة حتى لا يبقى في الارض من يقول الله الله فيفنى اهل الايمان ويفنى الدين واهله في هذه الدنيا عموما ذاك زمان يفنى فيه الصالحون وتقبض ارواحهم طيبين. اشار النبي عليه الصلاة والسلام انه حين يتقلص ظل الاسلام في البلاد. وحين تضيق دائرته فانه يبقى في هذا البلد الحرام وفي بلد رسول الله عليه الصلاة والسلام. اما الحديث الذي اخرجه مسلم في احدى رواياته وهي صحيحة من حديث ابن عمر. وتشير الى مكة تحديدا مع المدينة في قوله عليه الصلاة والسلام ان الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها. يأرز بين مسجدين يعني مكة والمدينة كما قال النووي وغيره رحم الله الجميع. سابعا من خصائص هذا البلد ومن فضائله التي التي يتعلق بها كل من قصد بيت الله الحرام. هو مضاعفة الصلاة في هذا البلد بمائة الف صلاة. وهذا الذي اشتاقت اليه نفوس المسلمين واحدهم اذا جاء يحرص تمام الحرص ان يكون له صلوات مضاعفات في اجرها واحدة بمئة الف طمعا في صدق ما اخبر به النبي عليه الصلاة والسلام اكرم الله هذا البلد لانه اول بيت وضع فيه للناس لعبادة الله كما قال الله. فجعل الله جزاء من قدمه وصلى فيه اليه مضاعفة الصلاة التي لا يبلغها مبلغ ما في اي ارض في بلاد الدنيا. عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله الله عليه واله وسلم قال صلاة في مسجدي يقصد المسجد النبوي في المدينة. صلاة في مسجدي خير من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام فالمسجد النبوي الصلاة فيه بالف صلاة في كل المساجد عدا هذا البيت الحرام. وفي حديث جابر رضي الله عنه وقد اخرجه الامام احمد وابن ماجة والحديث صحيح يقول عليه الصلاة والسلام صلاة في مسجدي افضل من الف صلاة فيما سواه الا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام افضل من مئة بالف صلاة فيما سواه الصلاة بمائة الف وقد حسبها بعض اهل العلم فاذا هي نحو من خمس وخمسين سنة وزيادة صلاة واحدة تعدل صلاة في غيره في بلاد الدنيا كلها ما يربو على صلاة خمسين سنة هذا الفضل والكرم كرم الله حبى الله تعالى به بيته الحرام في هذا البلد الامين. وهو اكرام ووفادة وضيافة لكل من قصد بيت الله في وفد الله وحق على من وجد الكرامة ان يغنم بها وان يفرح بها وان يهنأ بها وهذه المضاعفة كما سمعتم في صلاتي في المسجد الحرام. وها هنا نقطتان مهمتان يا كرام اولهما ويسأل عنها كثير من الحجاج هل مضاعفة الصلاة بمائة الف تختص بالمسجد الحرام؟ هذا الذي نجلس فيه نحن ام يشمل مساجد مكة الواقعة داخل حدود الحرم ها هنا خلاف قديم بين اهل العلم سلفا وخلفا. والاقوال فيه عدة. ولعل الراجح والعلم عند الله ما ذهب اليه كثير من الفقهاء ورجحه ايضا بعض المعاصرين ان مضاعفة الصلاة بمئة الف صلاة تشمل مساجد مكة كلها الواقعة داخل حدود الحرم ونقول داخل حدود الحرم اشارة الى ما مر اليه الحديث في مجلس الامس ان مكة لها حرم يحاط بها من جميع اطراف حدد وقد وضع نصب انصابه الخليل ابراهيم عليه السلام ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم ايضا من يجدد طاب الحرم بعد فتح مكة فهي محددة من جميع الجهات. فما كان من المساجد من احياء مكة داخل حدود الحرم ان الصلاة فيه تشمله المضاعفة فضلا من الله وكرما. وهو القول الراجح باذن الله من بين اقوال اهل العلم. والا فان منهم من يقول ان المضاعفة تختص بهذا المسجد فقط ولا تشمل المساجد الاخرى داخل حرم مكة. ولهذا نقول لمن جاء من الحجاج والمعتمرين وسكنوا قريبا او بعيدا من المسجد الحرام وشق عليهم التكرر اليه كل صلاة وخصوصا كبار السن والضعفة او في اوقات الحر كالظهر والعصر ونحوه فانه لن يحرم اجرا اذا ما صلى في المسجد المجاور لسكنه وشهد الجماعة فان المضاعفة بمائة الف صلاة حاصلة ان شاء الله. يبقى التنبيه على انه وان قلنا بحصول المضاعفة في كل مساجد مكة داخل حدود الحرم لكنه يبقى للصلاة ها هنا فضل لا يساويه اتفضل ويبقى له مزية لا تشاركه في مساجد مكة كلها ولو اجتمعت اطلاقا. من ذلك مثلا كثرة الجماعة الحاصلة ها هنا فان الجماعة كلما كثرت عظم اجرها ومنها القرب من الكعبة فانك تصلي ها هنا على مقربة وعلى مرأى من كعبة المعظمة وهذا ولا شك له اثر في مضاعفة الاجر. ومن ذلك ايضا انه ربما وجد المصلي ها هنا عبادة اخرى فطاف بالبيت الحرام قبل الصلاة او بعدها وهذا لا يجده من صلى في مساجد اخر ومن ذلك ما قد يشهده من صلاة الجنازة وقل ما شئت في الفضائل والبركات التي يجدها المصلي في المسجد الحرام المحيط بالكعبة خصوصا وان حصلت مضاعفة فيه وفي غيره عموما والحمد لله على كرمه وعظيم فضله. اما المسألة الثانية المتعلقة بمضاعفة الصلاة اتي حجاج بيت الله الحرام فهو السؤال عن مضاعفة العمل الصالح سوى الصلاة. فهل الصيام يضاعف في مكة وهل قراءة القرآن تضاعف في مكة؟ وهل الصدقة تضاعف في مكة؟ وهل العبادات جملة؟ اجرها يضاعف بمائة الف كما هو الشأن في الصلاة والجواب انه لم يثبت بذلك دليل صحيح في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضاعفة اجر عمل سوى الصلاة وهذا باب تعبدي نقف فيه عند مقتضى النص الشرعي ولا نزيد عليه. فلما ثبت النص في الصلاة ثبت اجر المضاعفة فيها اما الصيام والصدقة ففيها احاديث ضعاف ولا يحتج بها ولا يصح الاستدلال بها. لكن مع ذلك ايضا يبقى ان قول ليس الصوم في مكة بمئة الف وليست الصدقة في مكة بمئة الف وليس الذكر والقرآن وسائر العبادات ليس مضاعفا بمائة الف كما هو الشأن في الصلاة. ولكن يبقى لها شرف المكان فان الحسنة ربما يزداد حسنها ويتضاعف اجرها يتضاعف كيفا لا كما يعني ليس بالضرورة في ان يكون العدد مضاعفا بمائة الف لكن الصدقة يعظم اجرها في عظيم زمانها او عظيم مكانها. وهذا من عظمة المكان فلا شك ان الصدقة في المسجد الحرام في مكة في البلد الحرام اعظم من غيرها من الصدقات والعمل الصالح في البلد الحرام اعظم ايضا من غيره من العمل في سائر البلاد. ليس لانه يضاعف بمائة الف لا ولكن لشرف المكان الذي يفضل بها العمل الصالح عن غيره من الاماكن والعلم عند الله تعالى. ولهذا ذهب بعض اهل العلم الى مضاعفة الحسنات عموما كما اسلفت قال شيخ الاسلام رحمه الله والصلاة وغيرها من القرب بمكة افضل لم يقل اعظم بمئة الف يقول والصلاة وغيرها من القرب بمكة افضل والمجاورة بمكان يكثر فيه ايمانه وتقواه افضل حيث كان. وتضاعف السيئة والحسنة بمكان او زمان فاضل. يقصد مضاعفة كما اسلفت كيفا وليس كما لعدم ثبوت الدليل الدال على ذلك. ثامنا من خصائص هذا البلد ومن فضائله ان الله عظم وحرم الالحاد فيه. فقال سبحانه ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم. ما الالحاد قال شيخ المفسرين امام ابن جرير الطبري رحمه الله هو ان يميل في البيت الحرام بظلم. يعني ان يعدل عن العدل الى ظلم وان يقع منه ظلم في رحاب البلد الحرام. وفسره بعض اهل العلم بالشرك وبعضهم بالذنوب والمعاصي وسائر اثام. وفي الجملة فكل ميل عن الحق الحاد فمن كان مائلا عن صواب العقيدة والتوحيد الى الشرك فهذا الحاد ومن مال وعدل عن السنة الى البدعة فهو من الالحاد. ومن عدل عن العدل والانصاف الى الجور والظلم فهذا من الالحاد ومن عدل عن الطاعة والحسنة الى المعصية والسيئة فقد عدل والحد ايضا. ولذلك بعضهم عمم المعنى من المفسرين فجعل الالحاد في الاية يراد به الظلم والشرك والذنوب وسائر المعاصي. يبقى ان نفهم ان قوله تعالى ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم. يدل على عظم عظم وقوع الخطيئة في رحاب البلد الحرام هل معنى هذا ان السيئة هنا بمئة الف سيئة كما ان الصلاة بمئة الف صلاة؟ لا. ربنا سبحانه وتعالى ارحم واعدل من ان يظلم عبده وقد دلت النصوص على ان جزاء السيئة سيئة. والله قال من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها. ودل القدسي ان الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك. قال فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة. وان هم بها فعملها كتبها الله حسنة كاملة الى عشرة اضعاف الى مئة ضعف. قال وان هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة وان هم بها فعملها كتبت له سيئة واحدة. وهذا من عدل الله بل من رحمة الله وعظيم لطفه بعباده جل في علاه فالحمد لله الذي عافانا واكرمنا وهدانا. يبقى القول ان ارادة الالحاد بالظلم في حرم الله لعظم المكان كما اسلفت. فابدا لا يستوي يا قوم. ذاك الذي يعصي ويظلم ويفسق ويفجر في اي مكان كالذي ان يفعلوا ذلك الفعل في رحاب البلد الحرام. ولو قسناه بامثلة البشر لوجدت ان من جاور ملكا او عظيما في سكناه فسكن في يحيي نفسه فانه لا يليق به من الادب والاكرام الا ان يعظم جوار اولئك العظماء فلا يظهر عليه في سكناه ولا في معيشته بل ولا في تصرفات اولاده واهل بيته الا ما يليق بهذا الجوار العظيم. فكيف بمن جاور بيت رب العالمين واكرم الاكرمين ورب الارباب. فان مقتضى الادب والتعظيم هو شدة الاحترام. فالسيئة هنا اسوأ واقبح من السيئة في غيرها. ايضا سنقول هي سوء مضاعف كيفا لا كما. فالسيئة وليس معناها انه يلقى الله بسيئتين ولا بخمس ولا بعشر. ولهذا تورع السلف يا كرام. وصارت هيبتهم لبيت الله الحرام تحملهم على اجلال هذا البيت وخشية ان يقع من احدهم سوء او ذنب او معصية روى الامام الطبري عن طيلة عن طيسلة بن علي النهدي قال اتيت ابن عمر وهو في ظل اراك يوم عرفة. وهو يصب على رأسه الماء وعلى وجهه فقلت اخبرني عن الكبائر قال هي تسع قلت ما هن؟ قال الاشراك بالله وعدد ثم قال والالحاد في البيت الحرام. ولهذا قال ابن مسعود لو ان رجلا هم فيه بالحاد يعني بالبيت الحرام وهو بعدم ابين يعني في اقصى بعد من جزيرة العرب لاذاقه الله عذابا اليما. وقال ابن كثير في تفسيره قال بعض اهل العلم من هم ان يعمل سيئة في مكة اذاقه الله العذاب اليم بسبب همه وان لم يفعلها قال بخلاف غير الحرم المكي. فالمقصود ان من تعظيم البلد الحرام تعظيم الجوار والمقام. فيحرص العبد على ايداع اوقاته وساعاته عملا صالحا يقربه الى الله جل جلاله. لا يزال في مجلسنا بقية باقية نرجئها الى مجلس الغد ان شاء الله في خصائصي وفضائلي واحكام البلد الحرام. رزقني الله واياكم علما نافعا وعملا صالحا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين اللهم ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة اعط حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين