بسم الله الرحمن الرحيم. يسر الادارة العامة للتوجيه والارشاد بالمسجد الحرام. ان تقدم لكم الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم قائما القسط لا اله الا هو العزيز الحكيم. دروس من الحرم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الارض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد. احمد ربي تعالى واشكره واستعينه واستغفره واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان نبينا محمدا عبد الله ورسوله بلغ الرسالة وادى الامانة وجاهد في الله حق الجهاد حتى اتاه اليقين. صلوات الله وسلامه عليه وعلى ال بيته وصحابته والتابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. اما بعد ايها الكرام حجاج بيت الله الحرام فهذا هو ثاني المجالس في اعقاب الحج ونحن نقلب النظر في امور عظام. تقلب فيه احدنا في حجه لبيت الله الحرام كان مجلس البارحة حديثا عما يحتويه حجنا معشر المسلمين. وما يكتنفه في عباداته الجليلة من كونه عبادة عظيمة ذات ثقل في شريعة الاسلام. ومن كونه مدرسة تهذب فيها الاخلاق وتسمو فيها النفوس ويرتقى فيها بخصال الخير والفضل والكرم. ثم كان الحديث عن رسالة الحج الكبرى التي ينقلها الحج كل عام لامة الاسلام ولمن ورائها من الامم في هذه البشرية على حد سواء حديث المجلس اليوم يا كرام عن جملة من المسائل التي يكثر عنها السؤال ويحتاج اليها الحجيج كل عام وهم يسألون عما يقع بينهم وحولهم من الفضائل والاحكام. احبتي الكرام بلد الله الحرام وما فيه من فضائل وما فيه من احكام جملة من المسائل التي يتعين على من قصد بيت الله الحرام ان يدركها وان يستوعبها وان يعرفها. لانه كلما احاط المسلم الى مكة كلما احاط بفضل البلد وبعظيم ما فيه من الخيرات والبركات كان هذا ادعى لان يكون مقامه وفي البلد الحرام مقام خير وبركة. وان يكون جواره لبيت رب العالمين جوار ادب وتعظيم. وهكذا نحن يا احبة في الحديث عن مبدأ هذه البلدة المعظمة ومنشأ هذا البلد الحرام ومبدأ امره في بناء الكعبة واشتمال هذه فضائل فان الله عز وجل اخبر ان هذا البيت الحرام مهوى افئدة الناس هو موطن الهدى. فقال سبحانه ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين. ثم اسمع الى قول الله وهو يقول فيه ايات بينات هذا المكان الذي يجلس فيه احدكم الان يا كرام هو مجمع ايات كما سماها الله وهي بينات اذا هي علامات ذات دلائل واضحة من شأنها ان تقود الى الهداية. من شأنها ان توقع في نفس العباد. القاصدين الى بيت الله الحرام الهداية الى الصراط المستقيم والى دين الله القويم. هذه الايات البينات هو ما يكتنفه المسجد الحرام من زمزم والمقام والحجر والركن والصفا والمروة. وهذه الشعائر التي امرنا بتعظيمها في بيت الله الحرام وفي ايها الكرام. الحديث ها هنا متسلسل في ذكر جملة من هذه القضايا نستفتحها في مجلس الليلة بالحديث عن هذا البلد الحرام وعظيم امره وتعدد اسمائه في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يا احبة ها هنا مدخل مهم وهو ان الله جل جلاله يصطفي من خلقه ويختار ما شاء سبحانه وتعالى. وهو وربك يخلق ما يشاء ويختار فالذي خلق البقاع والذي خلق البشر والذي خلق الملائكة والذي خلق الزمان سبحانه وتعالى فضل بعض هذه الاشياء على بعض ففظل من البشر انبياء ورسلا عليهم السلام. وفظل من الرسل خمسة من اولي العزم عليهم السلام. وفضل منهم نبينا محمدا صلى الله عليه واله وسلم. والذي خلق البقاع فضل منها مكة والمدينة والمسجد الاقصى. وجملة من البقاع المباركة والذي خلق الزمان فضل منها الاشهر الحرم ورمضان والعشر الاواخر وعشر ذي الحجة ويوم عرفة ويوم شورى والذي خلق هذه البقاع فضل منها مكة بلد الله الحرام. تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض. والله عز وجل قد اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس. فاصطفى من الملائكة جبريل وميكال واسرافيل عليهم السلام هكذا ندرك ان لله سبحانه وتعالى ان يختار ما شاء من خلقه ويفضله. هذه بقاع الدنيا متفاوتة في الفضل والخير والبركة. احب البلاد الى الله المساجد. والمساجد بيوت الله اذن الله فيها ان ترفع ويذكر فيها اسمه وان يسبح له فيها بالغدو والاصال. هذه بيوت الله ومواطن الذكر وارظ العبادة حيث تتنزل الملائكة وتغشاهم الرحمة. هذه المساجد هي بقعة من البقاع المفضلة. هذه مكة بلد الله الحرام من البقاع التي فضلها الله. وقد فضل الله سبحانه وتعالى البلد الحرام. واقسم به في كتابه. وكلنا يعلم ان الله سبحانه وتعالى اذا اقسم ببعض خلقه كان هذا تنويها بعظيم شأنه ورفيع قدره. فقال سبحانه انه لا اقسم بهذا البلد يعني مكة وانت حل بهذا البلد. وقال سبحانه والتين والزيتون صيني وهذا البلد الامين. فاقسم الله بمكة وسماها البلد. وسماها البلد الامين اقسم بها في موضعين من كتابه الكريم. سمى الله عز وجل ايضا مكة في القرآن فقال وهو الذي كف ايديهم عنكم. وايديكم عنهم ببطن مكة من بعد ان اظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا وسماها ايضا بكة ان اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين. سماها البلد والبلد الامين كما سمعت قبل قليل وسماها البلدة انما امرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وامرت ان اكون من المسلمين وان اتلو القرآن. وسماها سبحانه وتعالى ام القرى. فقال في كتابه العزيز وكذلك اوحينا قرآنا عربيا لتنذر ام القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه. وام القرى في الاية هي مكة باتفاق المفسرين لانها اشرف البقاع لانها اعظمها بركة لان الخير والفضل والبركة والاجر يفيض منها الى ما حولها من القرى فهي امها بهذا المعنى يعني اعظمها واكبرها واشرفها ولا جرم يا كرام فمنذ ان بعث الله محمدا عليه الصلاة والسلام من ثرى مكة ومنذ ان كانت هذه البلدة مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام ومنذ ان كانت مشرق الرسالة والنبوة فنزل الوحي بمكة وانبثق فجر الاسلام من مكة وتنزل الوحي اول ما اتنزل من سماء مكة ودخل الناس في الاسلام وعرفوا الله من ارض مكة كانت ولم تزل مكة تزداد نورا على نور وخيرا على خير وفضلا على فضل وبركة على بركة هذا جزء يا كرام من اسمائها. ومكة من اعظم احكامها كما سيأتي التحريم. بمعنى ان الله عز وجل جعل احكاما يحرم فيها ان يعتدى على انسان في عرضه وماله او على حيوان بالصيد او على بالقطع والازالة او على اللقطة ان تمتد اليها الايادي. فكان هذا تأمينا عظيما سمي بالتحريم واصطلح عليه بتحريم مكة وحرموا مكة. هذا الحرم الذي اختصت به مكة هي حمم اصبحت تمتاز بهذه الاحكام ولهذا الموضع من مكة حدود هي حدود الحرم بمكة ومكة اليوم مع اتساع البنيان وكثرة الناس والساكنين امتد فيها سكنى الناس وتوسعت المباني واصبحت بعض احياء مكة اليوم داخل حد الحرم وبعضها خارجة عنه ولا يزال الناس يتوسعون في البناء. الا ان حدود هذا الحرم يا كرام هو تحديد الى قديم فقد ثبت ان الله عز وجل اوحى الى ابراهيم عليه السلام بنزول جبريل عليه السلام يأتي البيت حد الحرم ابراهيم عليه السلام يضع الانصار. وجبريل عليه السلام يشير اليه في كل جهة من الجهات بحد الحرم حيث ينتهي ابراهيم عليه السلام يضع نصبا او علامة تدل على حد الحرم. وكانت ولا تزال انصاب الحرم يعني علاماته تجدد حسب الحاجة على مر الزمان حتى كان زمن النبوة. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عام فتح مكة الصحابي الجليل اسدا الخزاعي فجدد انصاب الحرم. ومعنى جدد انه استبدل تلك العلامات بعلامات اخر لئلا تبلغ او تفنى او تزول فيضيع حد الحرم وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث الفتح اسدا الخزاعي فجدد انصاب الحرم وكان ابراهيم وضعها يريها اياها جبريل عليه السلام اياها جبريل عليه السلام. فكانت ولا تزال حدود الحرم تجدد. حتى كانت هذه الدولة المباركة. وقد وفق الله عز وجل غلاتها وقادتها الى العناية بمكة في كل النواحي. ومن بينها تحديد حد الحرم. فجددت المعالم. ويرى الداخل والى مكة من مختلف انحائها ومن مختلف جهاتها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا يرى علامات توضح حد فيعرف انه ها هنا يبتدأ حد الحرم الذي تتنزل عليه احكام التحريم في شريعة الاسلام ولهذا يقول الامام النووي رحمه الله واعلم ان معرفة حدود الحرم من اهم ما ينبغي ان يعتنى به فانه به احكام كثيرة هذه الكعبة يا كرام بيت الله هذا البيت العتيق هذا البلد الحرام هذه الكعبة المعظمة التي شرفت بها مكة وعظم بها شأنها والتي اصبحت قبلة فالناس احياء وامواتا. هذه القبلة رمز للاسلام والمسلمين. هي وجهة يتوجه اليها الناس في كل الدنيا. فاذا ما جاء اوقت الصلاة اتجهنا اليها واذا ما ارتفعت الاكف بالدعاء توجهت الابصار نحوها. ولا نزال حريصين على القبلة حتى اذا ما فارق احدنا الحياء ووضع في قبره وجه ايضا نحو القبلة تعظيما لها واحتراما لشأنها نهينا عن البصاق تجاه قبلة نهينا عن استقبالها واستدبارها حال قضاء الحاجة تعظيما للقبلة. بيت الله الحرام هذا وكعبته المعظمة ايضا لبنائه قصة وقد تواردت النصوص في سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام لبيان قصة بناء ابراهيم عليه السلام وابنه اسماعيل عليه السلام لهذه الكعبة المعظمة واوضح ما في ذلك ما جاء في الصحيحين ومنها رواية الامام البخاري رحمة الله عليه ففي خبر البناء جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال اول ما اتخذ النساء المنطق من قبل ام اسماعيل ويقصد بالمنطق الحزام الذي تشده المرأة على وسطها. فانها تجعله كذلك من اجل ان شد ثيابها او ما تحتاج اليه لترفعه معها. قال اول ما اتخذ النساء المنطقة من قبل ام اسماعيل. ومن اسماعيل هي هاجر قال قال ابن عباس رضي الله عنهما اول ما اتخذ النساء المنطق من قبل ام اسماعيل اتخذت منطقا لتعفي اثرها على سارة وذلك ان ابراهيم عليه السلام لما تزوج بسارة وسارة هي ام اولاده غير اسماعيل هي ام اسحاق ولما اتخذ هاجر وكانت جارية وكان قد دخل بها وغارت منها سارة فاراد ابراهيم عليه السلام ابعادها عنها كانت قصة الهجرة من ارض الشام المباركة الى هذه البقعة. حيث لم يكن هنا انس ولا زرع ولا ماء ولا شيء. فلما خرج بها كانت سارة قد اتخذت المنطقة فشدت على وسطها قطعة من قماش ويتدلى طرفه على الارض بحيث اذا يسحبوا خلف اقدامها فيمحو اثر الخطى. قال لتعفي اثرها على سارة. فلا يستطيع احد ان يتتبع موضع الخطى والاتجاه الى اين يكون. يقول رضي الله عنه ثم جاء بها ابراهيم وبابنها اسماعيل وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في اعلى المسجد. وهذا قبل ان يكون هنا بيت ولا زمزم. لكنه للدلالة على الموضع يعني هذا المكان الذي تقفون عنده قريبا منه اليوم. قال فوضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم في اعلى المسجد وليس مكة يومئذ احد وليس بها ماء فوضعها هناك وضع هاجر وابنها اسماعيل. فوضعها هناك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء قال ثم قفى ابراهيم منطلقا فتبعته ام اسماعيل فقالت يا ابراهيم اين تذهب وتتركنا بهذا الوادي؟ الذي ليس فيه انس ولا شيء فقالت له ذلك مرارا وابراهيم عليه السلام لا يلتفت اليها ويمضي في طريقه فلما اكثرت عليه السؤال وهو لا يجيب عليه السلام. قالت له في المرة الاخيرة االله امرك بهذا فلما سألته هذا السؤال قال نعم قالت ام اسماعيل اذا لا يضيعنا ثم رجعت ها هنا وقفة نحتاج ان نتأملها مليا يا كرام هذا الايمان العظيم في قلب ام اسماعيل لما تبصر بعينيها حياة هالكة وتبصر موضعا ليس فيه انسان وليس فيه ماء ويتركها ابراهيم عليه السلام بارض قفر صحراء خالية في واد ايبس وهي تبصر هلاكا متحققا وتسأله وهو لا يجيب ثم يكفيها في الجواب ان تسأله ان كان الله عز وجل هو الذي امر ويكتفي في الجواب بكلمة واحدة النعم فيمتلئ صدرها رضا وطمأنينة بان ما اراده الله وامر به وقدره فوالله هو الخير ولم يخشى منه لا فساد ولا هلاك ولا فوات حياة. هذا ايمان يا كرام نحتاج ان نتعلمه. ونحن نتجه الى هذا البيت كلما جئنا به طائفين ومعتمرين وحجاجا كلما التفتنا الى الكعبة في صلاتنا كلما ابصرناها في تذكروا ايمانا عظيما كان منطلق السكنة في هذا البلد عند مكة عند الكعبة وكانت شرارته الاولى تهاجر مع ابراهيم عليه السلام. واكتفت دون تفصيل طويل. ودون اقناع ودون حجج ودون نقاش ولا حاجة فلما اقتنعت ان هذا هو امر الله اطمأن صدرها رضا وثقة ويقينا اين هذا الايمان في صدورنا يا اهل الاسلام؟ اين اليقين التام؟ اين الرضا؟ بما يعلم به احدنا انه من شريعة الله وانه من دين الله وان الاحكام التي التي نجدها في شريعة الاسلام في كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ان يكون حقها من قلوبنا الرضا والتسليم واليقين. والايمان التام الاطمئنان الصادق. هكذا فعلت ام اسماعيل فاسمع رعاك الله قالت االله امرك بهذا؟ قال نعم. قالت اذا لا يضيعنا. ثم رجعت فانطلق ابراهيم. حتى اذا كان عند الثنية والثنية الجبل الصغير. حتى اذا كان عند الثنية حيث لا يرونه. استقبل بوجهه البيت ثم دعا بها هؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم قم من الثمرات لعلهم يشكرون قال وجعلت ام اسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى اذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وكل الذي تركه لهم ابراهيم عليه السلام هو ذاك السقاء من الماء وذاك الجراب من التمر. فجعلت تشرب وتسقي الولد فنفذ يوم ويومان وثلاثة ومصير ذاك الماء الى انتهاء. قال فنفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها. وجعلت تنظر اليه لواء او قال يتلبط يعني يتعصر من شدة الالم جوعا وعطشا. فانطلقت كراهية ان تنظر اليه رفقا كما تفعل الام بالشفقة على ولدها. وهي تراه يتلوى من الجوع ولا تملك له حيلة ولا حلا قالت فانطلقت كراهية ان تنظر اليه. فوجدت الصفا اقرب جبل هو تركهم هنا عند الكعبة. فلما انطلقت فاذا اقربوا الجبال في مكة مما يليها قرب الكعبة هو جبل الصفا من هذه الناحية. قالت فوجدت الصفا اقرب جبل في الارض يليها فقامت عليه. ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى احدا فلم ترى احدا؟ فهبطت الصفا حتى اذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الانسان المجهود حتى جاوزت ثم اتت المروة فانطلقت اذا من الصفا وهبطت الممشى الذي بين الجبلين ولم تزل تسعى حتى وصلت الى جبل المروة المقابل للصفا. قال ثم اتت المروة فقامت عليها فنظرت هل ترى احدا فلم ترى احدا؟ ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فذلك سعي الناس بينهما. هذه قصة السعي الذي تسعونه في كل عمرة وحج معشر المسلمين. هذا سعي هاجر ام اسماعيل. لما خرجت وانطلقت من عند الكعبة من موضعها حيث بقيت هي وولدها ورضيعها اسماعيل تبحث عن الماء. انطلقت وهي ترى ولدها يوشك على الهلاك فلم يمتلك. قلب الام الرحيم ان تنظر وتبصر ولدها يتلوى من الجوع. فخرجت حتى اتت جبل الصفا. تنظر ترقب تبحث. هل من منقذ؟ هل من ماء؟ هل من من شيء حولها فنبذت نزلت من الصفا حتى صعدت المروة. وكررت ذلك سبع مرات. فلما بلغت المروة في المرة السابعة قال فلما اشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها يعني تسكت نفسها لتستنصت وتسمع بصوت ادق ما الذي احاط به سمعها قالت صه تريد نفسها ثم تسمعت ايضا فقالت قد اسمعت ان كان عندك غواث يعني يا صاحب الصوت ايا كنت فاني سمعتك فاغثنا نحن على مشارف الهلاك قالت فاذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه او قال بجناحه حتى الماء فجعلت تحوظه وتقول بيدها هكذا. الماء ينبع وهي تغرف التراب بيدها من حول نبع الماء تحوظه يعني تجعل حوله حوضا بكفها من الثرى من التراب خشية ان ينساب الماء. ارأيتم الى ذاك العطش الذي يشرف على الهلاك فيرى قطرات من ماء فانه يحرص على كل قطرة لان القطرة منه نجاة. قال فجعلت تحوظه بيدها وتقول هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها سقاء الماء الذي نفد وكادت ان تهلك. فلما ابصرت الماء جعلت تغرف من يدها في الماء وتضع في السقاء. وجعلت كلما اغرفوا وهو يفور بعدما تغرف. كلما اخذت منه غرفة زاد فورانه وزاد نبع الماء. قال ابن عباس قال النبي الله عليه وسلم يرحم الله ام اسماعيل لو تركت زمزم يعني لو انها لم تكن قد احاطته هكذا. قال لو تركت زمزم او قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا لكانت عينا ينساب ماؤها ويجري على وجه الارض لكنه بقي بئرا تلقى فيه الدلاء ويسحب منه الماء ولم يكن عينا تتدفق فتجري لصنيع ام اسماعيل. قال فشربت وارضعت ولد فقال لها الملك لا تخاف الضيعة فان ها هنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وان الله لا يضيع اهله. يا قوم ارأيتم عاقبة الصبر صدق التوكل على الله؟ ارأيتم عظيم الايمان ما الذي يفعله بصاحبه في الحياة العاجلة قبل الاخرة كم نستعجل عندما نبصر بابصارنا وانظارنا القاصرة امورا محدودة امامنا فنظن انها كل شيء فنتخذ المواقف ونصدر القرارات على امور لو تريثنا. لو احسنا الظن بربنا لو صدقنا في التوكل على الله لابسطنا عاقبة ذلك خيرا عظيما وفرجا قريبا ونصرا عاجلا. نحتاج ان نتلمح هذا المعنى في مواضع كثيرة في الحياة اقربها بصدق اخوتي في الاسلام حال امة الاسلام اليوم. ما الذي نرى فيه من الهوان والذل؟ ما الذي نرى في فيهن الاستظعاف من الاستعباد من ما يراه الناس من تكالب اعداء الاسلام على بني الاسلام. ونحن نعلم يقينا ونؤمن جزما بما في النصوص الشرعية من البشارة بنصرة الدين. وبتمكين الله عز وجل لعباده المؤمنين لكن الخور والضعف والنظرة القاصرة تحيط ببعض القلوب فيسقط في يديها. فنرى هلاكا ويعيش بعضنا وانحطاطا وتحطما في النفس وذلا يزيدها ذلا. وحسب احدنا لو ايقن وامن ان وعد الله بحق وان دين الله منصور وان الله متم نوره ولو كره الكافرون. فاذا امتلأ يقينا صبر على ما يرى. واخذ بالاسباب وسعى يلتمس النصر ويسأل الله بصدق وهو اخذ بتلك الاسباب حقيقة. فعندئذ ستكون عاقبة الام ولا شك فرجا قريبا. هذه قصة ام اسماعيل. وقد سمعت ما صنعت وما قالت لابراهيم عليه السلام لما اوكلت امرها الى الله وفوضت اليه كل شيء وهي تقول اذا لا يضيعنا. ما كانت تصبر نفسها بالعبارة فحسب. لكنها بنت في قلبها صرحا من ايمان ويقين وهي تقول اذا لا يضيعنا. وقد اتاها الله ما وثقت به فما ظيعها. ارسل اليها الملك فانقذهم بماء زمزم ثم ارسل لهم البشارة واخبرها بما يكون في مستقبل الامر واسماعيل في يديها رضيع. وان بيت الله وسيبنيه هذا الغلام ويبنيه ابوه معه وان الله لا يضيع اهله. يقول ابن عباس رضي الله عنهما وكان البيت مرتفعا من الارض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله فكانت كذلك. يعني بقيت ام اسماعيل على هذا الحال فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم او اهل بيت من جرهم وجرهم قبيلة من اليمن اقبلوا من طريقك داء فنزلوا في اسفل مكة فرأوا طائرا عائفا. يعني رأوا طائرا يحوم حول موضع والطير في الصحاري وفي الاماكن الخالية لا تحوم الا على مكان ان وجد فيه الماء. قالت فرأوا طيرا عائفا فقالوا انها هذا الطائر لا يدور على ماء ولا عهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فارسلوا جريا او جريين ارسلوا شخصا او اثنين استخبراني الخبر وينظران الاثر ويتعرفان ما الذي يحوم عليه هذا الطائر؟ فاذا هم بالماء فرجعوا اخبروهم بالماء فاقبلوا. يعني تلك الرفقة التي كانت مسافرة وعبرت من جوار مكة. قالت وام اسماعيل عند الماء فقالوا اتأذنين لنا ان ننزل عندك؟ قالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء الماء لها وارادت ان يكون امر الماء بيدها لانها ابصرت الهلاك وجاءها الماء فرجا من الله قالت نعم ولكن لا حق في الماء؟ قالوا نعم. قال ابن عباس. قال النبي صلى الله عليه وسلم فالفى ذلك ام اسماعيل وهي حب الانسى يعني انست بنزولهم عندها وقد اجتمعوا وسكنوا حولها قال فنزلوا وارسلوا الى اهليهم في اليمن فنزلوا معه حتى اذا كان بها اهل ابيات منهم وشب الغلام. من اسماعيل عليه السلام وشب الغلام وتعلم العربية منهم ابراهيم عليه السلام ليس عربيا واسماعيل عليه السلام ابنه لم يكن عربيا. لكن لما نشأ اسماعيل طفلا رظيعا وشب بجوار هذه القبيلة العربية من جرهم تعلم العربية منهم وانفسهم. واعجبهم حين شب. فاصبح عليه السلام موضع الاعجاب بين قبيلة جرهم وبين ابنائها. واعجبهم حين شب فلما ادرك زوجوهم امرأة منهم هذه الرواية تختصر لك السنين اختصارا. قال وماتت ام اسماعيل ماتت هاجر وهي ما ادركت عودة ابراهيم عليه السلام ولا ادركت بناء الكعبة. لاحظ يا رجل لاحظ يا مسلم ان العاقبة بنصر الدين ليس بالضرورة ان تكون واقعا تبصره بعينيك اذا ما بذلت السبب. ان كتب الله لك شرف المشاركة في خدمة الاسلام ورفع غايته والتمكين للدين فليس بالضرورة ان تكون احد من يرفع راية النصر قد لا تدركها. لكن حسبك ان تبذر بذرتها هذه العاقبة العظيمة هذا الكفاح هذه القصة من النضال التي سطرتها ام اسماعيل عليه السلام ما ابصرت عاقبتها ماتت ام اسماعيل قال فجاء ابراهيم بعدما تزوج اسماعيل يطالع تركته يتفقد اهله. انت الان تتكلم عن سنين غاب فيها ابراهيم عليه السلام. فعاد وقد ماتت هاجر. فلم يجد اسماعيل فسأل عنه امرأته فقالت خرج يبتغي لنا. يعني يبحث عن رزق لهم. ثم سألها عن عيشهم وعن هيئتهم فقالت نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت اليه قال ابراهيم عليه السلام فاذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء اسماعيل كانه انس شيئا فقال هل جاءكم من احد ليس هذا وحيا هذه هذا تلاقي الارواح اسماعيل عليه السلام هل يشتم رائحة ابيه؟ هو ما رآه؟ ولو رآه ترى هل يعرفه؟ ما ادركه تركه طفلا رضيعا مع امه لكنه لما جاء وسأل وغادر كأنه انس شيئا كما تقول الرواية الصحيحة. فسألها هل جاء اكن من احد؟ قالت نعم. جاءنا شيخ كذا وكذا. ووصفت له هيئته. فسألنا عنك فاخبرته. وسألني كيف تعيشنا فاخبرته ان في جهد وشدة قال فهل اوصاك بشيء قالت نعم امرني ان اقرأ عليك السلام ويقول لك غير عتبة بابك قال ذاك ابي وقد امرني ان افارقك فالحقي باهلك فطلقها وتزوج منهم اخرى فلبث عنهم ابراهيم ما شاء الله ثم اتاهم بعد فلم يجدهم هذه المرة الثانية التي يقدم فيها ابراهيم عليه السلام الى مكة. فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال كيف انتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم؟ قالت نحن بخير وسعة واثنت على الله اه ما تغيرت العيشة. الحياة هي الحياة والجهد هو الجهل لكن شتان بين عبد يقنع بالقليل من رزق الله فيطيب خاطره وينشرح صدره ويحمد الله على كل حال ويرى انه طالما تمتع بسمع وبصر وقلب نابض ونفس يتردد في صدره فهو في غاية النعيم ليست القضية كثرة اموال ولا سعة رزق ليست المسألة يا كرام في الحياة تمتع في لذائذ العيش رب رجل قنوع وامرأة قنوعة كان اللقمة الجافة اليابسة التي تسد الجوع هي بمثابة النعيم الذي لا يدرك. هنا تدرك الفرق بين المرأتين الاولى والثانية. قالت نحن بخير واثنت على الله. قال ما طعامكم؟ قال اللحم قال فما شرابكم؟ قالت الماء قال ابراهيم عليه السلام اللهم بارك لهم في اللحم والماء. قال النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن لهم يومئذ بمكة حب ولو كان لهم لدعا لهم فيه لكن ما كان الحب يزرع ولا كان طعاما يؤكل في مكة انذاك. قال عليه الصلاة والسلام فهما يعني اللحم والماء. فهما لا يخلو عليهما احد الا لم يوافقاه. يعني لا يستطيع احد ان يقتصر في طعامه وقوته وغذائه على اللحم والماء على الدوام الا وجد علة وسقما وسيمرض بعد حين لكن بدعوة ابراهيم عليه السلام فانه ما التفت اليهما احد واقتصر على اللحم والماء بمكة الا طاب واستكفى من العيش ببركة دعوة الخليل ابراهيم عليه السلام. قال ابراهيم عليه السلام فاذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وامريه يثبت عتبة بابه. فلما جاء اسماعيل قال هل اتاكم من احد قالت نعم اتانا شيخ حسن الهيئة واثنت عليه فسألني عنك فاخبرته فسألني كيف عيشنا؟ فاخبرته ان بخير قال فهل اوصاك بشيء؟ قالت نعم هو يقرأ عليك السلام. ويأمرك ان تثبت عتبة بابك. قال ذاك ابي وانت العتبة وامرني ان امسكك قال ثم لبث عنهم ابراهيم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك. هذه المرة الكم هذه الثالثة فلبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك واسماعيل يبري نبلا تحت دوحة قريبا من زمزم. يبري النبل ان نبل ما يوضع على رؤوس السهام ليرمى ويبريه يعني يحد طرفه وهي صنعا يصنعها الرجل يتخذ نبلا لقوسه واسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزما. فلما رآه قام اليه ابراهيم عليه السلام ما رأى ابنه اسماعيل عليه السلام منذ ان كان رضيعا واسماعيل ما يعرف ما يعرف وجه ابيه لكنه سمع قبر قدومه الاول والثاني ووجد زوجته لكنه ما لقيه. قال فلما رآه قام اليه فصنعا ما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد الاحتظار والمعانقة وربما كان فيها الدموع التي يلتقي فيها الاب بقطعة منه ويلتقي فيها الولد بابيه وهو نبي الخليل لله سبحانه وتعالى. ثم قال يا اسماعيل ان الله امرني بامر. قال فاصنع ما امرك ربك قال وتعينني؟ قال اعينك. قال ان الله امرني ان ابني ها هنا بيتا. واشار الى اكمة مرتفعة على ما حولها. قال فعند ذلك رفع القواعد من البيت فجعل اسماعيل يأتي بالحجارة وابراهيم يبني حتى اذا انتفع البناء جاء بهذا الحجر يعني المقام مقام ابراهيم. فوضعه له لان البناء لما ارتفع يحتاج الى ارتفاع ليضع الحجر فوق حجارة فيحتاج الى صعود فاتاه بالمقام بالحجر فقام عليه وهو يبني واسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم. فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم احبتي الكرام فكان بذلك هذا البيت بعد بنائه اول بيت وضع في الارض للعبادة كما قال الله ان اول بيت وضع للناس الذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه ايات بينات مقام ابراهيم اما الايات البينات فجملة من الايات المحيطة. هذا البيت كما اخرج البخاري عن ابي ذر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله اي مسجد وضع في الارض اول؟ قال المسجد الحرام. قلت ثم اي قال المسجد الاقصى قلت كم بينهما؟ قال اربعون سنة. ثم اينما ادركتك الصلاة بعد فصلي فان الفضل فيه هذه الايات البينات احدها مقام ابراهيم. هذا الحجر الذي قام ابراهيم عليه السلام. فبقيت فيه اثار قدميه لا تزال محفوظة على مر الزمان. وها انت اليوم تبصرها في ذاك القفص المقام لباب الكعبة. وهو مقام ثم امر الله عز وجل قال واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى. فصار من سنن الطواف لمن قدم البيت الحرام. ان يصلي ركعتي الطواف خلف ان تيسر وان شق وكثر الزحام صلى في اي موضع في المسجد الحرام فان الفضل حاصل باذن الله. ومن ايات هذا البيت البينات زمزم وهو النبع الذي تدفق من اياته البينات الحجر الاسود والركن اليماني وهما ياقوتان من واقيت الجنة كل ذلك من الايات البينات التي جعلها الله عز وجل في هذا البلد الحرام وفي هذه الكعبة المعظمة ايها الكرام كانت هذه قصة البداية لكعبة نتوجه اليها في كل صلاة ونرفع اكفنا اليها في كل دعاء وجعل الله وتعظيمها من تعظيمه جل في علاه. فمن عظم الله عظم بيته الحرام. ومن عظم بيته الحرام كان في جواره في غاية الادب وانتهاز الفرص والتقرب الى الله. نعم العبد عبد اكرمه الله فاوفده. واتى الى بيته الحرام شعر بعظيم هذا الفضل وانطلق يجعل كل دقيقة يقضيها بجوار البيت الحرام مليئة طاعة وقربة ذكرا وتعبدا لله هذا شرف يا كرام. انتم اليوم بجوار البيت الحرام وغيركم من امة الاسلام ليس لهم حظ الا التوجه اليها في الصلاة من صلاة الى صلاة انت اليوم تبصرها وان شئت تمسكها بيديك هذا الفضل الكبير هذا الاكرام هذا الحجاج والعمار وفد الله كما قال عليه الصلاة والسلام نحن بحاجة الى ان ندرك هذا المعنى العظيم وحيث دلت السنة الصحيحة على مبدأ قصة بناء الكعبة لندرك جلاء ان هذا التعظيم العظيم قديم في الاسلام قدم ملة ابراهيم عليه السلام. وان قصة السعي بين الصفا والمروة وقصة نبع زمزم وقصة البناء ارتبطت بتلك القصة المؤمنة في بدايات الزمان في قصة هاجر وابنها اسماعيل. نحن اذ نطوف نستشعر عظمة الخالق وقدرته وحسن تدبيره. فلا والله لا يليق بعبد جاء يطوف الا ويلج هل في قلبي شيئا من ايمان ام اسماعيل؟ جئت سعيت فاستصحب من يقين ام اسماعيل وصدق توكلها رعاك الله. لا يزال لحديثنا بقية فيما يتعلق بفظائل البلد الحرام واحكامه العظام نأتي عليها في المجالس المقبلة ان شاء الله. نسألك اللهم علما نافعا رزقا واسعا وشفاء من كل داء. اللهم زد هذا البيت تعظيما وتشريفا واكراما واجلالا. وزد اللهم من عظمه تعظيما تشريفا واكراما واجلالا ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم. وتب علينا انك انت التواب الرحيم. ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصلي اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله وعلى اله وصحبه اجمعين. والحمد لله رب العالمين