الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد فان صفات النفس البشرية انها تسأم وتمل. ويلحقها الفتور. فما من احد منا شرع في شيء من منافعه في الدنيا والاخرة الا وانس من نفسه بعد ذلك كللا ومللا. ومن جملة ذلك ما يجده المرء في مواسم الطاعات فان الناس مع مواسم الطاعات يقبلون على الخير ويستكثرون من الحسنات وتقوى ونفوسهم عليها فاذا تمادى بهم زمانها يوما بعد يوم وليلة بعد ليلة ضعفت نفوسهم وكثرت اجسادهم كالذي يجده المرء في هذه الايام الاخيرة من رمضان. فانها مع شرف قدرها وجلالة فضلها يلحق احدنا ملل وسآبة من العمل الذي مضى عليه في رمضان. ومثل هذا ينبغي ان يتصدى له المرء بامور. منها ان يعلم ان الباقي من رمضان هو ايام قلائل في ايام معدودات. فان الله لما ذكر فريضة الصيام علينا في رمضان قال اياما معدودات وهذه الصيغة تشعر بقلتها وانها ايام يسيرة لا تطول. فاذا كانت تلك الايام اليسيرة هي تسعة وعشرون يوما او ثلاثون يوما. لم يبق منها الا ايام قلائل. خمسة ايام او اربع فينبغي ان يجتهد المرء في تدارك هذه الايام القلائل. وفي تصدير نفسه على الاعمال الصالحات والاستكثار من الحسنات فتلك الايام التي مضت اكثر واكثر مما بقي. فما بقي الا قليل. فينبغي ان تجتهد في هذا القليل الذي هو نزر من يسير. فيكون هذا اعظم في تقوية النفس. على الاستمرار في العمل بان تعلم ان فهذه ايام قلائل باقيات من ايام معدودات ذاهبات. ومنها ان يعلم العبد ان ما وعدنا عليه في رمضان من الجزاء الوفير من المغفرة في قوله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وفي قوله من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وفي قوله من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه انه جزاء عظيم. واجر كن وفير فينبغي ان يصبر العبد نفسه رجاء اصابة هذا الاجر العظيم. وان هذا الاجر لم الاعماله باقية فقوله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان لا ينتهي الا بالفراغ من شهر الصيام وكذا قوله صلى الله عليه وسلم من قام رمضان فانه لا يفرغ من قيام رمضان الا بختم رمضان الحمد لله ذكر الله سبحانه وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم من قام ليلة القدر فانه لا يدري فلربما كانت ليلة القدر هي اخر ليلة من رمضان. فيحمل العبد على نفسه ويجتهد بتكميل هذه الاعمال التي رتبت عليها المغفرة لانه لم يفرغ منها بعد. فاذا ذكرت ان مغفرة الله لك لا تحصل الا بها وانه لم يبقى منها الا شيء يسير قليل جدا قوى ذلك نفسك على الاستكثار من العمل. ومنها ان يعلم العبد انه لو قدر له ما قدر من العمل. فان مأمور بان يعمل لله كثيرا. شكرا لله سبحانه وتعالى. فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه اي تتشقق فكانت تقول له عائشة يا رسول الله لقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول يا عائشة افلا اكون عبدا شكورا؟ فمن شكر الله سبحانه وتعالى ان العبد نفسه في هذه الايام القليلة الباقية عن الاستكثار من الاعمال الصالحة. وان يعرف انه مهما زاد من العمل فان شكر الله اللازم لنا اعظم واعظم. وقد قال الله سبحانه وتعالى ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا. ثم قال عن هذه الذرية وقليل من عبادي الشكور. يعني ان القائمين بما ينبغي لله عز وجل من الشكر قليل وقد قال الله عز وجل واشكروا لله ان كنتم اياه تعبدون. فحقيقة كونك عبدا لله عز وجل ان تكون شاكرا. فمن شكر الله سبحانه وتعالى ان تصبر نفسك على العمل فيما بقي من رمضان فاذا ذكرت هذا وما يلزمك من الشكر قوى هذا على ان تجتهد في هذه الايام الفاضلة الباقية. ومنها ان ينظر العبد في حقيقة ما يعرفه من اجله ومتى ينتهي؟ فان كل واحد منا قد عمي عنه اجله. فلا يدري متى تأتيه منيته؟ وهو ان فسح له في ووسع له بقدرته فادرك رمظان هذا فانه لا يدري اياتي رمضان القادم وهو في الاحياء ام لا؟ وكم من اناس كانوا معنا وماتوا قبل رمضان بليلة وليلتين. بل في رمضان مات اناس كثير لم يكتب لهم تمام الشهر. وانت وقد فسح الله لك في اجلك ونسى في عمرك لا تدري اتستقبل رمضان مرة اخرى ام لا؟ فاذا كنت في رمضان الان ولم يبق منه الا ايام قلائل فان من الدين الكامل والعقل الوافر ان تغتنم ما بقي من رمظان هذا رجاء يعظم اجرك ويكثر ما تكنزه عند الله سبحانه وتعالى من الحسنات. ومن جملتها ان ينظر العبد في عاقبة التعب. والجهد والمشقة. وان الانسان مهما انس في نفسه تعبا وجهدا ومشقة فليذكر ما يكون على الناس من المشقة يوم القيامة. وان من اتعب نفسه لله في الدنيا اراحه الله عز وجل في الاخرة. فان الشمس يوم القيامة تدنو من الخلق حتى تكون كالميل اي قريبة منهم ثم يلجمهم العرق اي يشتد بهم الحر حتى يركب احدهم العرق فيلجمون بالعرق على اقدار متفاوتة لا يقدر احدهم ان يتخلص من عرقه. بل قد ركبه عرقه وعلاه حتى اقصاه بمنزلة ما نراه من الثلج الذي يحيط بشيء. فيكون يوما شديدا عصيبا. وقد وصف الله عز وجل يوم القيامة بانه يوم عسير فمما يخفف عليك ان تعلم انك اذا تعبت ها هنا فسيخلف الله عز وجل عليك تعبك بالراحة يوم القيامة. والعاقل يعرف من نفسه انه اذا كان سيرصد شيئا بشيء افضل فان الحكمة تقتضي ان يجتهد فيما هو فيه الان لينال الافضل. فينبغي على احدنا ان يثبت نفسه في حتى يتذكر الجزاء عليه في الاخرة. وان من اتعب نفسه لله اكرمه الله عز وجل انس والفرح والخير في يوم القيامة. فهذه امور خمسة ينبغي ان يتذكرها احدنا وان في قلبه وان يعيد النظر والفكر فيها. كي تثبته على ما بقي من العمل الصالح في هذه الايام الخمسة او الاربعة الباقية فيكون ذلك عونا له على ان يجتهد في عمله وان يقوي عزيمته وان يثبت نفسه وان يثبت من حوله من زوج واهل وجيران على الاعمال الصالحة. وان هذا موسم عظيم وشهر مبارك ومغفرة من الله ينبغي ان يغتنمها الانسان والا يفرط فيها فان التفريط في الشيء لا ينفع معه الندم. اسأل الله سبحانه وتعالى ان يعيننا على فعل الخيرات ويبارك لنا في اتيان الحسنات وان يكفر ما اتيناه من السيئات وان يتولانا برحمته ويتغمدنا بكرامته وان يهيئ لنا من امرنا رشدا. اللهم كما بلغتنا اول هذا الشهر فبلغنا ختامه. اللهم اختم لنا فيه بالفوز بالجنة والنجاة من النار والحمد لله رب العالمين