الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اما بعد فانا للناس رغبة جامحة في طلب العلم الشرعي وهم احوج ما يكونون بين الفينة والفينة الى تذكيرهم بالطريق للاستمرار فيه لان الله سبحانه وتعالى يحب من العبد اذا عمل عملا ان يديم وفي الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم كان عمله ديمة اي انه اذا عمل عملا اثبته كما وقع التصريح به في حديث عائشة رضي الله عنها وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ان احب العمل الى الله ادومه وان قل وهذا تفسير عملي لقوله تعالى واعبد ربك حتى يأتيك اليقين فالمرء اذا جمحت نفسه الى طلب العلم فينبغي له ان يوطنها على الاستمرار فيه لما في ذلك من عظيم المنفعة له فان الله عز وجل لما امر النبي صلى الله عليه وسلم بالعبادة قال له واعبد ربك حتى يأتيك اليقين الذي هو الموت فامر صلى الله عليه وسلم ان يديم عبادته ربه حتى يأتيه الموت ومن جملة ذلك الامر بالاستمرار في طلب العلم. لان طلب العلم عبادة فين درجوا في قوله تعالى واعبد ربك حتى يأتيك اليقين وهذا كان امرا لعبد تبوأ رتبة النبوة وهو محمد صلى الله عليه وسلم والذين من بعده اعلاهم رتبة هم العلماء ففي حديث ابي الدرداء عند ابي داود ان النبي صلى الله عليه وسلم قال العلماء او ورثة الانبياء والعلماء اي المتصفون بالعلم وذكروا بوصفهم وليس بأسمائهم ولا ببلدانهم ولا بالوانهم وانما ذكروا بوصف العلم وهذا العلم الذي يتبوأ به العبد وراثة النبي صلى الله عليه وسلم اهله شرطان احدهما ان يكون العلم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فينبغي ان يكون علما من علوم القرآن والسنة هذه هي العلوم التي تتعلق بميراث النبوة. فان النبي صلى الله عليه وسلم جاء اصول العلوم الجامعة فاذا كان هذا العلم الذي يطلب من هذه العلوم صح له هذا الوصف والاخر ان يكون المتصف بهذا العلم على الحال التي يحبها الله من اهله بان يكون متصفا بالعمل بالعلم والخشية وغير ذلك. فاذا اتصف بخلافها كعدم العمل بالعلم او عدم خشية الله سبحانه وتعالى فهذا لا حظ له من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم فكما امر النبي صلى الله عليه وسلم حال كونه نبيا ان يعبد الله حتى يأتيه اليقين فكذلك العالم والمتعلم هما مأموران بان يستمرا في العلم طلبا واخذا ونشرا واداء حتى يفضي احدهم الى اجله وساعته وهذا الاصل شهر في كلام السلف رحمهم الله تعالى حتى تقرر اصلا من اصولهم في اصلاح انفسهم ومن ذلك ان رجلا سأل ابا عمرو ابن العلا البصري رحمه الله فقال له الى متى يحسن بالمرء ان يطلب العلم؟ قال ما دام ان تحسن به الحياة اي ما بقي صالحا لان يكون حيا فينبغي له ان يطلب العلم ولا ينقطع عنه. فيستمر في ذلك وقيل لابن المبارك الى متى تطلب العلم قال اذا الممات يعني ان الانسان يطلب العلم اذا الممات وذكر عن الامام احمد رحمه الله تعالى انه كان يقول مع المحبرة الى المقبرة اي ان الانسان يستمر في اه طلب العلم حتى يتوفاه الله سبحانه وتعالى ويقوي ادراك المرء هذا المنصب الشريف وهو الاستمرار في طلب العلم اخذه باصول نافعة يسوس بها نفسه من جملتها اه شهود نفسه شدة الحاجة الى العلم فان المرء اذا حدث نفسه بانها تحتاج الى العلم استمر في طلبه وكان الامام احمد رحمه الله تعالى يقول الناس الى العلم احوج منهم الى الطعام والشراب وبين ابن القيم في مفتاح دار السعادة وجه ذلك وهو ان الطعام والشراب به حفظ حياة البدن واما العلم فبه حفظ حياة الروح والشاعر يقول فانت بالروح لا بالجسم انسان فاذا عقل الانسان انه تشتد حاجته الى طلب العلم استمر فيه ومنشأ هذه الحاجة وافتقاره الى هداية الله سبحانه وتعالى. وهذه الهداية لا تكون الا بالعلم فالمرء في كل تحريكة وتسكينة وصغير وكبير ودقيق وجليل مفتقر الى هداية الله عز وجل. وهو يلهج في كل صلاة سؤال الله عز وجل الهداية اهدنا الصراط المستقيم. ولا يهدى الانسان الى الصراط المستقيم الا بالعلم كما قال الله تعالى قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين. هذه البصيرة هي العلم فانت في امورك كلها بالمعاش والمعاد مما تعلق بهذا او بهذا تحتاج الى هداية الله سبحانه وتعالى. وهذه الهداية لا تنال الا بالعلم فمن كان اكثر علما على الوجه الممدوح من العلم من كونه علما مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مقترنا بما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فان الله عز وجل يهديه ولهذا تجد ان العلماء هم اكمل الناس هداية فاكمل الناس بداية وابصرهم بما يجب للانسان وعلى الانسان وما يتعلق به من حق وواجب وهم العلماء وهم عقلاء الخلق فاذا حدث الانسان نفسه دوما انه شديد الحاجة الى العلم وانه يفتقر اليه في كل احواله فحينئذ يقوى في نفسه الاستمرار على العلم لانه اذا كان شيئا تشتد اليه الحاجة فلا ينبغي للعاقل ان يترك ما تشتد حاجته اليه ومنها ملء النفس بفظل العلم وعظمة ذلك فان النفس اذا ملئت بادراك مال العلم من فضل تعلقت به فالانسان اذا عرف فضل شيء يبلغه امرا من امور الدنيا والاخرة عظم تعلقه به وقويت رغبته فيه لما يعرف من فضله اذا عرف المرء ان هذا العلم فضله عظيم واجر اهله كريم ولهم من المقامات في الدنيا والاخرة ما ليس لغيرهم قوي على الاستمرار فيه. فهو في حال الحياة يعلم انه بالعلم يكونوا اكمل الناس حالا فالعلم يبصرك بما يقربك الى الله سبحانه وتعالى ويقوي نفسك عليه فتقوى على العبودية وتترقى في مراتبها فتكون بذلك من اكمل الناس حالا وكذلك اذا مات الانسان فانه يبقى له من فضل العلم بعد موته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث ثم قال ايش ولد صالح يدعو له وصدقة جارية وعلم ينتفع به هذه الثلاث ذكر بعض اهل العلم انها لا تكون الا للعالم كلها ليس فقط العلم العالم نعم علم ينتفع به هذا شيء وايضا الولد الصالح هم الاخذون عنه من اصحابه فهؤلاء يبقون اولادا له وينقلون هذا العلم الى من بعدهم جيلا بعد جيل واذا فقد هذا في عمود الانساب هو لا يفقد عند الله سبحانه وتعالى هؤلاء الذين يغرسهم الله فيحفظ بهم الدين. ان خفوا عن الخلق فانهم لا يخفون عن الخالق سبحانه وتعالى فهذا فلان وفلان وفلان وفلان في الارض علمه واخذ عنهم جماعة ثم هؤلاء الجماعة اخذ عنهم جماعة ثم هؤلاء الجماعة اخذ عنهم الجماعة قد لا احفظ هذا بشيء او يحفظ بعضه ويترك بعضه. ولكن هذا معلوم عند الله سبحانه وتعالى محفوظ عنده فيكون هؤلاء بقي ذكرهم بما لهم من الاولاد الصالحين من الاخذين عنهم. وكذلك الصدقة الجارية الصدقة الجارية من الخير الذي يصل الى الناس اذا علم الانسان اية او حديث او ذكر وغير ذلك وتناقله الناس بعد واحد عن واحد من هذه السلاسل التي تكون في طبقات الخلق فهذا من الصدقة الجارية التي تبقى له واعتبر هذا في تصانيف من صنف ومات قبل الف سنة او اكثر من الف سنة ثم بقي الى يومنا هذا ومن جميل كلام ابن الجوزي قوله رحمه الله المصنف ولد العالم المخلد يعني ان الكتاب الذي صنفه العالم يبقى ولدا مخلدا انظر هذا في من له كتاب منذ الف سنة واكثر من الف سنة. وبقي الى اليوم صدقة جارية له يذكر ويترحم عليه ويستفيد الناس من العلم الذي في كتابه فاذا تقرر في النفس وملئت بمعرفة فضل العلم استمرت عليه لانها ترى ان هذا المطلوب هو من افضل ما يطلب وبه اه تدرك مراتب عالية في الدنيا والاخرة ومن جملة هذه الاصول تصبير الانسان نفسه في العلم فهذا يدعوه الى الاستمرار اليه والله سبحانه وتعالى امر نبيه صلى الله عليه وسلم كثيرا بالصبر فقال له فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل قال فاصبر لحكم ربك وغيرها من الايات التي امر فيها النبي صلى الله عليه وسلم في الصبر ومن جملة ذلك عند جماعة من المفسرين امره صلى الله عليه وسلم بالصبر على العلم في قوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه. قال بعض السلف هي مجالس العلم والفقه هي مجالس العلم والفقه يعني يصبر الانسان نفسه مع هؤلاء الذين يطلبون العلم والفقه المقرب الى الله سبحانه وتعالى فينبغي للانسان ان يصبر نفسه المقصود بتصبير النفس حبسها على ما يتعلق بالعلم ومنازعتها في الثبات على ذلك. الانسان اذا صبر نفسه فان طلبه للعلم يستمر وفي الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من يتصبر يصبره الله متفق عليه من حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه. يعني ان الانسان اذا عود نفسه التصبر وكلف نفسه آآ ذلك وان وجدت مشقة فانها تصبر فمما يعينك على الاستمرار في في طلب العلم الصبر ان اه تملأ نفسك بالصبر وتحدث نفسك بالصبر وتعودها الصبر في طلب العلم فتستمر بذلك في طلب العلم ان شاء الله تعالى. ومن جملة تلك الاصول التي تعين ملتمس العلم على الاستمرار فيه الدعاء بالزيادة منه فان الدعاء مفتاح كل خير ومن جملة الدعاء الذي امرنا به الدعاء بالزيادة من العلم. قال الله تعالى وقل ربي زدني علما وكان سفيان بن عيينة يذكر ان من فضل العلم ان النبي صلى الله عليه وسلم امر بسؤال الله الزيادة منه. وانه لم يؤمر بدعائه ربه الزيادة في شيء الا في العلم الانسان ينبغي له ان يدعو الله سبحانه وتعالى الزيادة من العلم. لان الدعاء بهذا يعلمه هو اولا بانه لا يزال ناقصا في علمه فيحتاج الزيادة فيه ولا تقع الزيادة الا مع الاستمرار فالانسان اذا انقطع لم يزدد ما عنده بل ربما نقص بخلاف المستمر فالمستمر يزيد معه مطلوبه الذي يريده من جملة ذلك طالب العلم ومما يهيئ له ان يزداد العلم عنده ان يدعو الله سبحانه وتعالى ان يرزقه الزيادة من العلم والمقصود بسؤال الله سبحانه وتعالى الزيادة من العلم كي تزيده من عبوديته الله سبحانه وتعالى ان الزيادة من العلم لا يقصد بها نيل الشهادات او نيل المناصب او غير ذلك وانما المقصود ان يزداد بذلك عبودية لله عز وجل فيرتفع مقامه عند الله عز وجل فالناس في ازمنة كثيرة كم تعلم منهم متعلمون وبرزوا في العلم ولم تصبهم زيادة في دنياهم ولكنهم يصيبون بهذا الزيادة عند الله سبحانه وتعالى يكون هذا من الذخر الذي يدخره الانسان عند الله عز وجل. انه يسأل الله الزيادة من العلم فيزيده الله علما ويزداد بها هذا العلم عبودية فيزداد بهذه العبودية رفعة عند الله سبحانه وتعالى فهذه الاصول الاربعة من انفع ما ينبغي ان يعتني به ملتمس العلم كي يستمر في العلم. ومعرفته بهذا الامر تجعله محبا للعلم راغبا فيه حريصا عليه. ينبغي ان يعلم الانسان ان اخذ العلم لا ينتهي الى مدة وانما يبقى مع الانسان اخذ العلم والتماسه ونشره وبذله الى ان يتوفاه الله سبحانه وتعالى وقد ذكر في ترجمة ابن جرير الطبري انه دخل عليه رجل في مرض موته فذكر له مسألة في الفرائض فكتبها عنه ابن جرير فقال له رجل افي هذه الساعة يا ابا جعفر فقال ان اموت عالما بها خير من ان اموت جاهلا. الله المستعان هو يستحضر انه اذا مات مع العلم بهذه المسألة فانه يكون عند الله اكثر عبودية لأنه مزداد علم بما جاء الله عز وجل به من الشرع وهذا يجعل الانسان يتبين السبيل الى الاصل في طلب العلم وهو طلب الرفعة عند الله عز وجل بصدق العبودية عنده. اسأل الله عز وجل ان يوفقنا واياكم زيادة من العلم امين وان يرزقنا الاستمرار فيه ويوفقنا لمحابه ومراضيه والحمد لله رب العالمين