فصل ومن اسباب دفع القلق الناشئ عن توتر الاعصاب واشتغال القلب ببعض المكدرات الاشتغال بعمل من الاعمال او علم من العلوم نافعة فانها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك. الامر الذي اقلقه. وربما نسي بسبب ذلك الاسباب التي اوجبت له الهم والغم ثم ففرحت نفسه وازداد نشاطه. وهذا السبب ايضا مشترك بين المؤمن وغيره ولكن المؤمن يمتاز بايمانه واخلاصه واحتسابه لاشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه او يعلمه ويعمل الخير الذي يعلمه. ان كان عبادة فهو عبادة وان كان دنيويا او عادة دنيوية اصحبها النية الصالحة. وقصد الاستعانة بذلك على طاعة الله. فلذلك اثره الفعال في دفع الهم والغموم والاحزان. فكم من انسان ابتلي بالقلق وملازمة الاكدار فحلت به الامراض المتنوعة. فصار دواءه الناجع كانه السبب الذي كدره واقلقه واشتغاله بعمل من مهماته. وينبغي ان يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما انسوا به النفس وتشتاقوا فان هذا ادعى لحصول هذا المقصود النافع والله اعلم. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا سببا ثالثا يدفع عن النفس القلق والغم والهم والمكدرات التي تعتريه وهو الاشتغال من الاعمال او علم من العلوم النافعة. وهو في كتاب الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى في اخر سورة الشرح واذا فانصب فامر الله سبحانه وتعالى عباده عند الفراغ بان يقبلوا عليه بالعبادة لعلمه سبحانه وتعالى لانهم اذا تركوا نفوسهم فارغة فانها لابد ان تشغلهم كما قال بعض السلف نفسك اذا لم تشغلها اشغلتك بالمعصية فمن اعظم ما يدفع عن الانسان مكدرات قلبه وقلقه وغمه ان يشتغل بما ينفعه فان هذا الامر الذي يشتغل فيه من علم نافع وعمل صالح ينسى به اسباب الهم والغم نفسه ويزداد نشاطا والطائفتان مشتركتان في هذا الكافر والمؤمن الا ان المؤمن بايمانه واخلاصه واحتسابه سواء كان في اعمال الدنيا او في اعمال الاخرة. فبقوة اخلاصه واحتسابه يحصل له قوة في تعاطي هذا السبب. وكلما كان الامر الذي يشتغل به الانسان عظيما كلما كان اثره في النفس عظيمة وكلما كان هذا الامر العظيم الذي اشتغل به خالصا لله سبحانه وتعالى موافقا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ظهرت منفعته كما قال ابن المبارك كم من عمل كبير صغرته النية؟ وكم من عمل صغير عظمته النية. فاذا حسنت نية الانسان واتبع الشريعة الغراء لما يأتيه من الاسباب عملية او الاسباب العلمية من العلوم النافعة والاعمال الصالحة كان انتفاعه حينئذ بها كبيرا. وفي اي القرآن كريم ما لا يحصى كثرة من الايات التي فيها بيان منفعة العلم النافع والعمل الصالح وما ترجع على صاحبه من سعادة الدنيا والاخرة. ومما يدفع به الهم والقلق اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر قطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل وعن الحزن في على الوقت الماضي. ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن. فالحزن على الماضية التي لا يمكن رد الا التي لا يمكن ردها ولا استدراكها. والهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل فيكون العبد ابن يومه. يجمع واجتهاده في اصلاح يومه ووقته الحاضر. فان جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الاعمال ويتسلى به العبد عن الهم والحزن النبي صلى الله عليه وسلم اذا دعا بدعائنا وارشد امته الى دعاء فهو يحث مع الاستعانة بالله والطمع في فضله. على الجد والاجتهاد في التحقق بحصول ما يدعو بحصولهم والتخلي عما كان يدعو لدفعي لان الدعاء مقارن للعمل. فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا ويسأل ربه نجاح مقصده ويستعين على ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز اذا اصابك شيء فلا تقل لو اني فعلت كذا كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فان لو تفتح عمل الشيطان رواه مسلم. فجمع صلى الله عليه وسلم بين الامر بالحرص على الامور النافعة في كل حال. والاستعانة بالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار وبين الاستسلام للامور الماضية النافذة ومشاهدة قضاء الله وقدره. وجعل الامور قسمين قسما ينكر العبد اي في تحصيله او تحصيل ما يمكن منه او دفعه او تخفيفه فهذا يبدي فيه العبد مجهودا ويستعين بمعبوده وقسما لا يمكن فيه ذلك فهذا يطمئنوا له العبد ويرضى ويسلم. ولا ريب ان مراعاة هذا الاصل سبب للسرور وزوال الهم والغم. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا السبب الرابع الذي ينتفع به عن القلب همه وقلقه وهو جمعية الفكر كله عن الاشتغال بوظيفة الوقت مما هي في العمل الحاضر ويقطع ذكره عن الاسترسال في لحوق الهم به في الوقت المستقبل او الحزن يعني الوقت الماظي. وهذا الامر فرع من قاعدة عظيمة في اصلاح القلوب هي حراسة الخواطر. فان خواطر الانسان هي التي تحركه. واذا لم يعتني الانسان بحراسة خواطره كما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى بذلك نقص عظيم في دنياه وعذاب شديد في اخراه. ومن جملة ما يندرج تحت باب حراسة الخواطر ان يكون الانسان مشتغلا بما هو فيه في هذا الوقت من غير التفات الى ما يستقبل في الوقت القادم ولا حزن عما اسف عليه في الوقت الماظي. كما قال بعظهم لا تحزن لما فات ولا تفكر بما هو ات لان الانسان متردد بين امور ثلاثة احدها ان يشتغل في امرئ الحاضر وثانيها ان يشتغل بالفكر في امره القادم. وثالثها ان يشتغل فكره بامره الذي مضى. فان اشتغل بامره الحاضر جمع قلبه على ما يدفع الهم والغم عنه. واذا اشتغل بامره المستقبل لحقه الهم واذا اشتغل بامره الماظي لحقه الحزن فاذا جمع قلبه على وظيفة الوقت كمل العمل الذي تقوم به فيه وتسلى عن الاحزان والغموم التي تلحقه بسبب تذكار الماضي او الاهتمام بالمستقبل وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى حديث ابي هريرة الدال على هذا الاصل وهو قوله صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك بالله ولا تعجز. واذا اصابك شيء فلا تقل لو اني فعلت كذا وكذا الى اخره. فان النبي صلى الله عليه سلم ارشد في هذا الحديث الى ثلاثة اصول تحصل بها السعادة للعبد. كما ذكر ذلك ابن رحمه الله تعالى اولها حرص الانسان على ما ينفعه. وثانيها استعانته بالله عز وجل في القيام به وثالثها ترك العجز عنه. وعدم الاستسلام للكسل والراحة والدعاء فاذا جمع الانسان هذه الاصول الثلاثة فيما يطلبه تيسر له امر هذه السعادة ثم ارشد النبي صلى الله عليه وسلم الى جعل الامرين على قسمين احدهما قسم يمكن للعبد ان يسعى في تحصيله او تحصيل ما ما يمكنه منه او دفعه او تخفيفه. وهذا ما كان داخلا في قدرة العبد ووسعه. وما كان من هذا الجنس فان مأمور بان يحرص على ما ينفعه منه وان يستعين بالله عليه. ولا يعجز عن شيء منه. والاخر قسم لا يمكنه ان يفعل شيئا ولا ان يرد منه قدر انملة وهو قدر الله سبحانه وتعالى النافذ. فارشد الى ما فيه صلاحه واستقامة حاله فيه وهو ان يسلم لله سبحانه وتعالى قدره وان يترك الاعتراظ على القدر بلو. ولذلك قال الله سبحانه وتعالى ومن يؤمن بالله يهدي قلبه قال عنقمة رحمه الله تعالى هو الرجل تصيبه المصيبة في علم انها من عند الله فيرضى وذكر هذا المعنى عن ابن مسعود رضي الله عنه ايضا. فصل ومن اكبر الاسباب لانشراح الصدر وطمأنينته. الاكثار من ذكر فان بذلك تأثيرا عجيبا في انشراح الصدر وطمأنينته. وزوال همه وغمه. قال تعالى الا بذكر الله اطمئن القلوب. فلذكر الله اثر عظيم في حصول هذا المطلوب لخاصيته. ولما يرجوه العبد من ثواب واجره. ليه كان المصنف رحمه الله تعالى هنا سببا ثالثا من اسباب انشراح الصدر وطمأنينة القلب. وهو الاكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى كما قال الله عز وجل الا بذكر الله تطمئن القلوب فان القلوب اذا تغرغرت بحلاوة ذكر الله سبحانه وتعالى اطمأنت وسكنت وثبتت ولم يلحقها نقص واذا فاتها حظها من ذكر الله سبحانه وتعالى لحقها تشوش وتبلبل بقدر هذا الفائت. وقد كان عبد الله ابن عون رحمه الله تعالى يقول ذكر الناس اذا وذكر الله دواء. ومعنى هذا ان الانسان الذي يشتغل بذكر الناس يشغل قلبه ونفسه بما يرجع عليه من الضرر في القيل والقال وتقليب الاحوال والافعال. واما ذكر الله سبحانه وتعالى فانه دواء على كل حال. ولذلك امر الشرع الحكيم بالاكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى. وفي صحيح مسلم من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال سبق المفردون قالوا ومن المفردون يا رسول الله؟ قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات فمن اعظم اسباب صلاح القلب ان يكون الانسان ملضا بذكر الله سبحانه وتعالى محافظا عليه فانه اذا كان على هذه الحال كتب له اجر عظيم. وقد اختلف اهل العلم رحمهم الله تعالى في الحد الذي يكون به الانسان ذاكرا لله عز وجل على اقوال ينصحها ما ذكره ابو عمر ابن الصلاح في فتاويه وتبعه شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ان من حافظ على الاذكار الموظفة في اليوم والليلة وتقلب الاحوال فانه يكون ذاكرا لله سبحانه وتعالى كثيرا فمن حافظ على اذكار الصباح والمساء واليوم والليلة والاذكار التي تتعلق بالاحوال كدخول المسجد او الخروج منه ودخول الخلاء والخروج منه فانه يكون من جملة الذاكرين الله سبحانه وتعالى والذاكرات وكذلك التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة فان معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم ويحث العبد على الشكر الذي هو ارفع المراتب واعلاها حتى ولو كان العبد في حالة فقر او مرض او غيرهما من انواع البلايا فانه اذا قابل بين ان بالله عليه التي لا يحصى لها عد ولا حساب. وبينما اصابه من مكروه لم يكن للمكروهين النعم نسبة. بل المكروه والمصائب اذا ابتلى الله بها العبد وادى فيها وظيفة الصبر والرضا والتسليم هانت وطأتها وخفت مؤونتها وكان تأمل العبد لاجلها وثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضا يدع الاشياء المرة حلوة فتنسيه حلاوة اجرها مرارة صبرها ومن ان فعل الاشياء في هذا الموضع استعمال ما ارشد اليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال انظروا الى ومن هو اسفل منكم ولا تنظروا الى من هو فوقكم فانه اجدر الا تزدروا نعمة الله عليكم. فان العبد اذا نصب عينيك هذا الملحظ الجليل رآه يفوق جمعا كثيرا من الخلق في العافية وتوابعها. وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت بالحال يزور قلقه وهمه وغمه ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها. وكلما تأمر العبد بنعم الله الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية رأى ربه قد اعطاه خيرا كثيرا. ودفع عنه شرورا متعددة ولا شك ان هذا يدفع الهموم والغموم ويوجب الفرح والسرور. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا سببا ثالثا من اسباب انشراح الصدر وطمأنينة القلب والسعادة في العبد وهو التحدث بنعمة الله سبحانه بما في ذلك من الاقرار لله عز وجل بالربوبية ولاذعان له سبحانه وتعالى بالالوهية وكلما زادت عبودية العبد لربه بالاقرار والاذعان والاستسلام كلما رجع ذلك على نفسه بالقوة وعلى قلب بالانشراح وعلى قلبه بالطمأنينة. ولهذا امر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك باخر سورة الضحى. فان انه لما عدد انعاما واصلة على النبي صلى الله عليه وسلم امر رسوله صلى الله عليه وسلم بان يتحدث بنعمته كما قال سبحانه وتعالى واما بنعمة ربك فحدث. وهذا الامر للنبي صلى الله عليه وسلم هو امر لنا كما قال في نمأ من الرسول سوى ما خصه الدليل فايما امر امر به النبي صلى الله عليه وسلم فالاصل اشتراكنا معه صلى الله عليه وسلم ما لم يأتي دليل يفرق بيننا وبينه. كما ان الذرية الباقية من السي نوح عليه الصلاة والسلام نبهوا الى هذا الاصل العظيم في قوله تعالى ذرية من حملنا مع نوح انه كان عبدا شكورا. يعني يا ذرية من حملنا مع نوح وهم التي بقيت في الارض من نسل ادم اعلموا ان اباكم نوحا عليه الصلاة والسلام كان عبدا شكورا وكلما ازداد شكر الانسان كلما فتح الله عز وجل له ابواب الفهم وهيأ له من انواع العلوم والمعارف والاعمال الصالحة ما لا يتهيأ لغيره كما قال تعالى في حق لقمان ولقد اتينا لقمان الحكمة ان اشكر لله فان لقمان لم يؤتى الحكمة الا لكونه عبدا شكور ثم اخبر الله عز وجل بان من شكر فان شكره يعود عليه بشكر الله عز وجل وان من كفر فانه لا يضر الله عز وجل كما قال تعالى ومن يشكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غني عن العالمين. وقوله تعالى ومن فانما يشكر لنفسه يعني ان من شكر الله عز وجل فانه يستخرج بذلك شكر الرب سبحانه وتعالى لعبده الله عز وجل يشكر عباده على اعمالهم الصالحة كما ثبت في الحديث المخرج في الصحيح في قصة المرأة البغي التي سقت قال النبي صلى الله عليه وسلم فسقاته فشكر الله لها. واذا عمل الانسان عملا صالحا فان الله عز وجل كرب ويظهر له اثر هذه النعمة بما يجده من الانثى في نفسه والطمأنينة بقلبه والانشراح في صدره. كما قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى فيما نقله عنه الترمذي وابن القيم اذا عملت لله طاعة فلم تجد اثرها فاتهم نفسك فان الرب شكور. فصل ومن الاسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم السعي في ازالة الاسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الاسباب الجالبة للسوء. وذلك بنسيان من مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها. ومعرفته ان فكري فيها من باب العبث والمحال. وان ذلك حمق وجنون فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلق لما يستقبله مما يتوهمه من فقر او خوف او غيرهما من المكاره. التي يتخيلها في مستقبل حياته في ان الامور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وامال والام. وانها بيد العزيز الحكيم ليس بيد العباد منها شيء الا السعي في تحصيل خيراتها ودفع مضراتها ويعلم العبد انه اذا صرف فكره عن قلقه من اجل مستقبل امره واتكل على ربي في اصلاحه واطمأن اليه في ذلك اذا فعل ذلك اطمئن قلبه. وصلحت احواله وزال عنه همه وقلقه. ومن انفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الامور استعمال هذا الدعاء. الذي كان النبي صلى الله عليه يدعو به اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري واصلح لي دنياي التي فيها معاشي واصلح لي اخرتي التي فيها معادي واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. والموت راحة لي من كل شر. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم اللهم رحمتك ارجو فلا تكلني الى نفسي طرفة عين. واصلح لي شأني كله لا اله الا انت. فاذا بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني والدنيوي بقلب حاضر ونية صادقة مع اجتهاده فيما يحقق ذلك حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له وانقلب همه فرحا وسورا. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا سببا سابعا من اسباب السعادة الموجبة للسرور وزوال الهم والغم. وهو ان يسعد بازالة الاسباب التي تجلب عليه الهم ويزعل في تحصيل الاسباب التي تجلب له السرور. فانه اذا اجتهد في ذلك كان حارسا لخواطره. وهذا الموضع ايضا من فروع باب حراسة الخواطر. فان الانسان اذا دفع الاسباب الجالبة للهم وحصل الاسباب جريمة للسرور كان حريصا على تحسين خواطره من العناية بما لا ينفعه. وذلك يتمثل بنسيان مواضع عليه من المكاره التي لا يمكن ردها فان الانسان اذا مضى عليه شيء بقدر الله عز وجل فانه لا يستطيع رده ففكره حينئذ في هذا القدر الماضي من باب العبث والمحال وهو طبع من لا عقل له كامل. فينبغي ان يجاهد قلبه عن الفكر فيه انه ينبغي عليه ان يجاهد نفسه عن الفكر في الامور المستقبلة المجهولة التي لا يدري ما فيها من خير او شر وامن والام وان لا يسقي على نفسه بذلك. ومما فشى باخرة فيما يتعلق بتكذير نفسي بالامور المستقبلة فيما سمعه الانسان من استفتاءات ان بعض الناس حين يتزوجون لا يرغبون في ان يبكروا بانجاب الاولاد فيغلب عليهم الامر وتحمل نسائهم فيأتيك نسأل الله السلامة من يستفتيك لاجل اسقاط الجنين لانه يتوهم فيما يدعيه انه ربما لا تطيب الحياة بينه وبين زوجه فعندئذ يعظم همه من هذا الوريد وكل هذا من سوء الظن بالله عز وجل. ومن ساء ظنه بربه سبحانه وتعالى جازاه الله عز وجل بقدر ظنك ومن جملة هذا ايضا تشوش كثير من الخواطر فيما يتعلق بامور الرزق التي تسمى في لسان بالاقتصاد فان هذا الامر بحمد الله غير موكول الى الخلق ولكنه موكول بالرب سبحانه وتعالى فان الذي خلق الخلق هو الذي يرزقهم كما قال سبحانه وتعالى ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين وان امم الناس عاشت قرنا بعد قرن برزق الله سبحانه وتعالى. ولم يكل الله عز وجل قط رزق احد من المخلوقين الى احد من المخلوقين فما نسمعه من بعظ ما يستجر من امم الكفر من كثرة عدد سكان العالم ونقص موارد الرزق فيه وان العالم مقبل على مجاعة واشباه هذه الخبالات والضلالات فكلها عند المؤمن لا تساوي شيئا ولا تحركوا من اقباله على ربه شيئا لعلمه بان الرزق بيد الله سبحانه وتعالى. وقد يفتح الله عز وجل العبد من اسباب الرزق ما لم يكن يخطر ببالك. ولا جرى في نفسه كما ذكر ان بعض اهل بريدة من ال الرواف وهم عائلة وجيهة رأى مناما فيه ان رزقه في بلاد فاحتمل على دابته الى بلاد الشام وتوجه اليها رجاء ان يجد له بابا من ابواب الرزق فبقي فيها مدة محزونا مهموما مغموما اذ لم يجد صدق ما رآه في رؤياه من ان رزقه في بلاد الشام وبينما هو ذات مرة جالسا على تل بظاهر دمشق واذا برجل يمر عليه فرآه فاستحسن ان يعطيه هدية او صدقة طعاما كان معه من الفاكهة ينزل به الى دمشق ليبيعه ووضع عنده سلم عليه ووضع عنده شيئا منه ثم انصرف عنه. فلما رجع بعد بيع سلعته الى طريقه وجد هذا الجالس لم يصب شيئا مما وظعه بين يديه فجلس اليه وسأله عن فبين له حاله وشكى اليه امره وكيف انه خرج من بلاده لاجل رؤيا رآها في برزق وانه بالشام فلما سمع منه هذا الرجل قصته ضحك منه اذ كيف استجاب لهذا الوالد في منامه وانتقل من بلاده الى هذه البلاد بدون موجب. وقال له الرجل لو اني اتبع الرؤى لذهبت الى بلادكم فلقد رأيت فيما يرى النائم ان رجلا جاءني وقال ان كنز الرواف تحت فرسه ولم يكن يعلم ان هذا الرجل الذي يحدثه من ال الرواف فسمع هذا الرجل وهذا الخبر وكتمه خرج من ساعته لبلده وجاء الى مربط الفرس فحفره فوجد كنزا كان دفنه بعض ابائه في ارضهم ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى حتى غني المال فعند ذلك تفرق الندماء وهجره الناس فخرج مرة الى ابيات لهم قديمة في ظاهر بلدهم الذي يسكنونه يتألم ويتحسر كيف فعل هذا بمال ابيه وكيف ان امر الناس الى تركه فبينما هو جالس متكئ على جدار من الجدران واذا به يرى تارة قد اخذت بفمها دينارا ذهبيا رأى لمعانه بسبب ضوء الشمس ففرح برؤية هذا الدينار من الذهب فلحق الفارة فدخلت الفارة في جحر فابى الا ان يحفر هذا الجحر انقذ الدينار فلما حفر هذا الجحر واذا باكوام من الدنانير الذهبية كان والده قد وضعها في هذا المحل فانظر الى رزق الله سبحانه وتعالى وكيف ان الله عز وجل يجريه بابواب لا تكون على بال العبد ولا على خاطر ثم ارسل المصنف رحمه الله تعالى الى انفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الامور وهو استعمال الادعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وذكر من ذلك دعائين اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري واصلح لي دنياي التي فيها معاشي الحديث الجامعي لما فيه خير الانسان في دنياه واخراه وثانيهما الحديث المخرج عند ابي داود وغيره وهو حديث حسن ان النبي صلى الله عليه وسلم كان ادعوا اللهم رحمتك ارجو فلا تكلني الى نفسي طرفة عين. الحديث فان الانسان في هذا الحديث يتبرأ من حوله وقوته وهذا الحديث اصل في ابطال قول الناس الثقة بالنفس فان الثقة بالنفس لا تنبغي كما سئل عن ذلك يا شيخ وشيوخنا محمد بن ابراهيم رحمه الله تعالى عن قول الانسان يجب ان يثق بنفسه فقال الثقة بالنفس لا تنبغي وذلك لاجل هذا الحديث. فان الانسان اذا وكل الى نفسه خذل ولا غنى للانسان عن هبات الله سبحانه وتعالى واعانته وتوجيهه. واذا ظن انه يستغني عن اعانة الله سبحانه وتعالى قدر انملة فانه وتبور حاله ويفسد امره. نعم