السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله ربنا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اما بعد فهذا هو الدرس الخامس والعشرون من برنامج الدرس الواحد السابع. والكتاب المقروء فيه هو اتحاف المهرة للعلامة الشوكاني رحمه الله. وقبل الشروع في اقرائه لا بد من ذكر مقدمتين اثنتين المقدمة الاولى التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد. المقصد الاول جر نسبه هو الشيخ العلامة نحقق محمد ابن علي ابن محمد الشوكاني الصنعاني يكنى بابي علي المقصد تاني تاريخ مولده ولد يوم الاثنين الثامن والعشرين من ذي القعدة. سنة ثلاث بعد المئة والالف. المقصد الثالث تاريخ وفاته توفي رحمه الله ليلة الاربعاء. لثلاث بقينا من جمادى الاخرة سنة خمسين بعد المائتين والالف وله من العمر ست وسبعون سنة رحمه الله رحمة واسعة. المقدمة الثانية التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد ايضا المقصد الاول تحقيق عنوانه اغنى المصنف رحمه الله تعالى عن الاجتهاد في تحقيق عنوان كتابه اذ ذكره باسمه في كتابين من كتبه هما البدر الطالع ونيل الاوطار. فسماه اتحاف المهرة الكلام على حديث لا عدوى ولا طيرة. المقصد الثاني بيان موضوعه موضوع هذه الرسالة وجيه حديثين شريفين يتعلقان بباب العدوى والطيرة. احدهما حديث لا عدوى ولا طيرة والثاني الشؤم في ثلاث. المقصد الثالث توضيح منهجه اصل هذه الرسالة جواب عن سؤال رفع الى المصنف رحمه الله. فساق جوابه سردا دون تمييز ثنايا بحثه بفصول ولا تراجم. وتظهر فيه الصناعة الاصولية عند الشوكاني وعامة مجتهدي الزيدية لهم يد طولى في الاصول. لانها اعظم الة الاجتهاد وعقيدة الزيدية في الامامة الا ينصب امام الا وهو مجتهد مما بث فيهم رح العناية تحرير مسائل الديانة والاخذ بقدر ظاهر من علوم الالة ولا سيما علم اصول الفقه واعتبر هذا في المقبلي والصنعاني والشوكاني تجد صدقه بل لما وضعت المجالس النظامية كانت اول مدرسة اشتملت على ما يسمى بالفقه المقارن هي المدرسة المتوكلية التي اسسها يحيى حميد الدين امام اليمن وسمى الجهة المختصة بالمدرسة بامر الفقه المقارن باسم شعبة الاجتهاد. وهذا اصل نافع في معرفة اثر اختيارات علماء الزيدية في صنعاء وغيرها في مسائل الدين وظهورهم بفهم قوي في ابواب اصول الفقه واللغة العربية. نعم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد واله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى الله الرحمن الرحيم وبه التيسير والاعانة والتوفيق. ما قولكم رضي الله عنكم وبارك للمسلمين في اوقاتكم وشكر صنيعكم في من ابتلي بنحو الجمرة من الامراض التي يعتقد العامة انها معدية. واريد بيع ملبوسه هل يجب على المتولي لذلك البيان هل يجوز له بيعه الى من يعلم او يظن انه يبيعه على غير مبين لجهل او جراءة؟ وهل عموم ادلة لا عدوى وحديث فمن اعدل الاول ولمخصوص بدليل لا يورد ممرض لا يورد ممرض على مصح. لا يورد لا لا يريد. لا يورد ممرض على مصح واحد فر من المجذوم كما تفر من الاسد. وما حكم انكار ابي هريرة لحديث لا عدوى وبناءه على لا يورد. وما رطانته بالحبشية لا يورد كل الثلاثة احفظها كلها بالكسر لا يورد ممرض على مصح. احسن الله اليك على لا يورد وما بطانته بالحبشية جزيتم خيرا. وما حال الحديثين فان البخاري علق حديث المجذوم وقال في حديث لا يورده وعن ابي سلمة ولم يذكر له سندا الا ان يكون سنده لحديث لا عدوى لكون ابي سلمة فيه. الجواب الحمد لله وحده وصلاته وسلامه على سيدنا محمد وعلى اله. تحقيق ما هو الحق في جواب هذا السؤال يتوقف على تنقيح الكلام في الاحاديث الواردة فيه العدوى والطيارات على العموم والجمع بينها وبين ما ورد مخالفا لها. فاقول وبالله استعين حديث لا عدوى ولا طيرة اخرجه الشيخان من حديث ابي كلمة عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة فقال اعرابي ما بال الابل لتكونوا في الرحل كأنها الظباء فيخالطها البعير الاجرب فيجربها. قال فمن اعدى الاول الصفحة السابقة زاد المحقق على بين قوسين عن سيدنا محمد وعلى اله. ثم اهملها في هذا الموضع ولم يزدها. لماذا؟ لماذا زاد مرة ولم يزد اخرى ما السبب؟ ما الجواب؟ جواب اضطراب المنهج منهجه في التحقيق غير مرة فعل هذا ومرة فعل هذا الاولى ما يفعل مثل هذا لكن لعل الذي حمله لان الفرق التي تنتحل حب ال البيت كالزيدية والشيعة يمنعون هنا الفصل بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وذكر اله. فعندهم يقول اللهم صلي على محمد وال محمد. فلاجل مجافاتهم ومتابعة النصوص زادها في الاول وتركها بعد ذلك. وان كان الاولى ان يبقيها واذا اراد ان يعلق يعلق. ومن لم يعتقد عقيدتهم وقال مثل هذه وقال هذا جائز اللي قال الانسان اللهم صلي على محمد وال محمد جائز. نعم. قال معمر قال الزهري فحدثني رجل عن ابي هريرة انه سمع رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم يقول لا يردن ممرض على مصح. قال فراجعه الرجل فقال اليس قد حدثنا ان النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم قال لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة. قال لم احدثكموه. قال الزهري قال ابو سلمة قد حدث به وما سمعت ابا هريرة نسي حديثا قط قبله هذا لفظ ابي داوود. وبهذا يتبين ما وقع في رواية اخرى ان ابا هريرة لما قيل له قد حدثنا ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال لا عدوى الحديث. رطن بالحبشية فان هذه الرطانة هي انكار التحديث. كما وقع مبينا في هذه الرواية. وقد روى هنا عدوى مسلم وابو داوود من طريق على ابن عبدالرحمن عن ابيه عن ابي هريرة. واخرجه ايضا ابو داوود من طريق ابي صالح عن ابي هريرة. واخرجه ايضا من طريق جابر بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة ولا غول. واخرجه البخاري ومسلم وابو داوود والترمذي وابن ماجة من حديث انس ان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال لا عدوى ولا طيارة ويعجبني الفأل الصالح الكلمة الحسنة. واخرجه ابو داوود من حديث سعد ابن مالك ان رسول صلى الله تعالى عليه واله وسلم كان يقول لا هامة ولا عدوى ولا طيارة. فهذا الحديث قد رواه عن ابي هريرة غير ابي سلمة ورواه عن النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم غير ابي هريرة كما بيناه. وايضا الانكار اذا وقع من راوي الحديث بعد ان رواه عنه الثقة لا يكون قادحا كما تقرر في علوم الحديث للنسيان فكيف اذا رواه عنه الثقات؟ فكيف اذا شاركه فيما رواه غيره؟ واذا تقرر هذا فالعدوى والطيرة المذكورتان في هذه الاحاديث نكرتان في سياق ان في والنكرة الواقعة كذلك من صيغ العموم كما تقرر في الاصول. فكأنه صلى الله تعالى عليه واله وسلم قال ليس شيء من افراد العدوى وطيرته ثابتة ومما يقوي هذا العموم ما اخرجه ابو داوود والترمذي وصححه ابن ماجة من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم قال الشرك ثلاث مرات وما منا الا ولكن الله يذهبه بالتوكل. قال الخطابي قال محمد بن اسماعيل يعني البخاري كان سليمان ابن حرب ينكر هذا ويقول هذا الحرف ليس قول النبي صلى الله عليه تعالى عليه واله وسلم وكأنه قول ابن مسعود وحكاه الترمذي وعن البخاري عن سليمان حرب نحو هذا وان الذي انكره هو ما منا الا قال المنذر يصاب ما قاله البخاري وغيره ان قوله ما منا الا الى اخره من كلام ابن مسعود مدرجه قال الحافظ ابو القاسم الاصبهاني والمنذر وغيرهما في الحديث اضمار اي ما منا الا قد وقع في قلبه شيء من يعني قلوب امته وقيل معناه ما منا الا من يعتريه التطير وتسبق الى قلبه الكراهة فحذف اختصارا واعتمادا على فهم السامع هذا المعنى ما اخرجه احمد ومسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي قال قلت يا رسول الله اني حديث عهد بالجاهلية وقد جاء الله بالاسلام وان من نار يا لن يأتون الكهان قال فلا تأتهم قال ومنا رجال يتطيرون. قال ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم الحديث. قال النووي في شرح مسلم معناه ان كراهة ذلك تقع في نفوسكم في العادة. ولكن لا لا تلتفتوا اليه ولا ترجعوا عما كنتم عزمتم عليه قبل انتهى. وانما ما جعل الطيرة في هذا الحديث من الشرك لانهم كانوا يعتقدون ان التطير يجلبونهم نفعا او يدفع عنهم ضررا. اذا عملوا بموجبه فكأنهم اشركوا مع الله تعالى ومعنى اذهبه بالتوكل ان ابن ادم اذا تطير وعرض له خاطر من التطير اذهبه الله بالتوكل والتفويض اليه من العمل بما خطر من ذلك فمن توكل سلم ولم يؤاخذه الله بما عرض له من التطير. واخرج ابو داوود عن عروة ابن عامر القرشي قال ذكرت الطيارة عند النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم فقال احسنها الفأل. ولا ترد مسلما. فان رأى احدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات الا انت ولا يدفع السيئات الا انت. ولا حول ولا قوة الا بك. قال ابو القاسم الدمشقي ولا صحبة لعروة القرشي صح وذكر البخاري وغيره انه سمع من ابن عباس وغيره فعلى هذا يكون حديثه مرسلا. وقال النووي في شرح مسلم وقد صح عن عروة ابن عامر الصحابي ثم ذكر الحديث وقال في اخره رواه ابو داوود بإسناد صحيح انتهى. واخرج ابو داوود من حديث قطني ابن قبيصة ابيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول العيافة والطيارة والطرق من الجبت. والعيافة هي زجر الطير بها كما كانت العرب تفعل ذلك. والطرق الضرب بالحصى وقيل هو الخط في الرمل. وفي كتاب ابي داوود ان الطرق الزجر والعيافة الخط والجبت كل ما عبد من دون الله وقيل هو الكاهن والشيطان. وقوله لا صفر ولا هامة في الاحاديث السابقة. قيل ان السفر ضحية في البطن تصيب الانسان اذا جاع فتؤذيه. وكانت العرب تزعم انها تعديه. وقيه وتأخير المحرم الى صفر وهو النسيء الذي ان كانت تفعله الجاهلية فابطلها الاسلام. وقيل انه شهر صفر لانهم كانوا يتنكبون فيه من الشروع في الاعمال كالنكاح والبناء والهامة كانت الجاهلية تزعمه انه اذا قتل قتيل وقف على قبره طائر لا يزال يصيح يقول اسقوني اسقوني حتى قاتلة ومن الاحاديث الدالة على عدم جواز التطير ما اخرجه ابو داوود والنسائي من حديث بريدة ان النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم كان لا يتطير من شيء وكان اذا بعث غلاما سأل عن اسمه فان اعجبه اسمه فرح به. ورؤي بشر ذلك في وجهه وان كره اسمه رؤيا كراهة ذلك في وجهه وظاهر ما اسلفناه من الاحاديث انه لا يجوز اعتقاد ثبوت العدوى في شيء. ولا التطير من امر من الامور. ولكنه ولقد ورد ما يعارض ذلك الظاهر كحديث الشريد بن سويد الثقفي عند مسلم والنسائي وابن ماجه قال كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فارسل اليه النبي الله تعالى عليه واله وسلم انا قد بايعناك فارجع. واخرج البخاري في صحيحه تعليقا من حديث سعيد ابن ميناء. قال ابا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم لا عدوى ولا طيرة ولا هام ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الاسد ومن ذلك حديثنا يورد ممرض على مصح المتقدم. قال القاضي عياض وقد اختلفت الاثار عن النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم في قصة المجذوم فثبت عنه الحديث ان المذكوران وعن جابر ان النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم اكل مع مجدوم وقال له كل ثقة بالله تبارك وتعالى وتوكلا عليه. وعن عائشة قالت كان لنا مولى مجدوم فكان يأكل في صحافي ويشرب في اقداحه وينام على فراشي قال وقد ذهب عمر وغيره من السلف الى الاكل معه ورأوا ان الامر باجتنابه منسوخ. والصحيح الذي قاله الاكثرون وتعين وتعين طيروا اليه انه لا نسخ بل يجب الجمع بين الحديثين وحمل الامر باجتنابه والفرار منه على الاستحباب والاحتياط. واما الاكل معه ففعله ببيان الجواز والله اعلم. كذا في شرح مسلم للنووي. والحديث الذي اشار اليه بانه صلى الله عليه وسلم اكل مع المجدوم اخرجه ابو داوود الترمذي وابن ماجه قال الترمذي غريب لا نعرفه الا من حديث يونس بن محمد عن المفضل بن فضالة وهذا شيخ بصري فضلوا ابن فضالة شيخ اخر مصري اوثق من هذا واشهر. وروى شعبة هذا الحديث عن حبيب ابن الشهيد عن ابي بريدة ان عمر اخذ بيد مجدوم وحديث شعبة اشبه عندي واصح انتهى. قالت دار قطني تفرد به مفضل ابن فضالة البصري. اخو مبارك عن حبيب ابن الشهيد عنه يعنب عن ابن المنكدر وقال قال ابن عدي الجرجاني لا اعلم يرويه عن حبيب ابن الشهيد غير المفضل ابن فضالة وقالوا تفرد بالرواية عنه يونس ابن محمد انتهى تفظل ابن فضالة البصري كنيته ابو مالك قال يحيى ابن معين ليس بذاك. وقال النسائي ليس بالقوي وقال ابو حاتم يكتب حديثه وذكره ابن حبان الثقات قال القاضي عياش عياض ما شاء الله قال القاضي عياض قال بعض العلماء في هذا الحديث وما في معنى او يعني حديث الفرار من المجذوم دليل على انه يثبت للمرأة الخيار في نسخ النكاح اذا وجدت زوجها مجذوما او حدث به جذام قال ايضا قالوا ويمنع من المسجد والاختلاط بالناس قال وكذلك اختلفوا في انهم اذا كثروا هل يؤمرون ان يتخذوا لانفسهم موضعا منفردا خارجا عن ولا يمنعون من التصرف في منافعهم وعليه اكثر الناس ام لا يلزمهم التنحي. قال ولم يختلفوا في القليل منهم يعني في انهم لا قال ولا يمنعون من صلاة الجمعة مع الناس ويمنعون من غيرها. قال ولو استمر اهل قرية منهم بمخالطتهم في الماء فان قدروا على من بعض ماء بلا ضرر امروا به والا استنبطه لهم الاخرون او اقاموا من يستقيلهم والا فلا يمنعون. قال النووي في شرح المسلم في الكلام على حديث لا يورد ممرض على مصح. قال العلماء الممرض صاحب الابل المراض والمصح صاحب الابل الصحاح. فمعنى الحديث لا يورد صاحب الابل المراض على ابله على صاحب الابل الصحاح. لانه وما اصابها المرض فعل الله تعالى وقدره الذي اجرى به العادة. لا بطبعها فيحصل لصاحبها ضرر بمرضها وربما حصل له ضرر اعظم من ذلك باعتقاد العدوى بطبيعها فيكفر. والله اعلم انتهى. واشار الى نحو هذا الكلام ابن بطال وقال النهي ليس للعدوى بل للتأذي بالرأي احد الكريهة ونحوها حكاه ابن رسلان في شرح السنن. وقال ابن الصلاح وجه الجمع ان هذه الامراض لا تعدي بطبعها لكن الله سبحانه جعل مخالطة المريض للصحيح سببا لاعدائه بمرضه. ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الاسباب. قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة والاولاد الجمع ان يقال ان نفيه صلى الله عليه واله وسلم للعدوى باق على عمومه وقد صح قوله لا يعديه شيء شيئا قوله صلى الله تعالى عليه واله وسلم لمن عارضه بان البعير الاجرب يكون بين الابل الصحيحة فيخالطها فتجرب. حيث رد عليه بقوله اعدى الاول يعني ان الله سبحانه ابتدأ ذلك في الثاني كما ابتدأه في الاول. قال واما الامر بالفرار من المجذوم فمن باب سد الذرائع الا يتفق للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوة المنفية فيظن ان ذلك بسبب مخالطته اعتقد صحة العدوى فيقع في الحرج فامر بتجنبه حسما للمادة انتهى. وقد ذكر مثل هذا فيفتح الباري في كتاب الجهاد منه للعمل الاصولي ان تجعل الاحاديث الواردة بثبوت العدوى في بعض الامور. والامر بالتجنب والاو الفرار مخصصة لعموم حديث وما ورد في معناه كما هو شأن العام والخاص. فيكون الوارد في الاحاديث في قوة لا عدوان الا في هذه الامور. وقد تقرر في الاصول انه يبنى العام على الخاص مع جهل التاريخ وادعاء بعضهم انه اجماع والتاريخ في هذه الاحاديث مجهول ولا مانع من ان يجعل الله الله سبحانه في بعض الامراض خاصية تحصل بها العدوى عند المخالطة تودون بعض. وقد ذهب الى نحو هذا مالك وغيره كما سيأتي في الكلام على واذا تقرر هذا فالمتوجه على من علم بان هذا الثوب ونحوه كان لمجذوم او من مرضه يشبه مرضه في العدوى الا بيعه الا بعد البيان للمشتري او بعد ان يصله غسلا يزول به الاثر الذي يخشى تعديه الى الغير او التأدي برائحته ولا شك ان البيع بدون بيان نوع من الغرر الذي ثبت النهي عنه في الاحاديث الصحيحة للقطع بان الغالب من الناس ينفر عن السلعة التي يقال له انها لمجذوم او نحوه اشد النفور ويمتنع عن اخذها ولو بادون الاثمان. وهذا معلوم موجود ومشاهد في الطباع. وخلاف ذلك لا يوجد الا في في اندر الاحوال والاعتبار بالنادر فاي غرر اعظم من هذا واي خداع اشد منه وقد تقدم ما حكاه القاضي عياض عن اكثر الناس في ان المجذومين يتخذون لانفسهم موضعا منفريا عن الناس ولا شك ان التضرر بذلك اخف من من التضرر بلبس ثيابهم والاكل والشرب في اوانيهم ومن حاول الجمع بين الاحاديث بغير ما ذكرناه كلامه ايضا غير مخالف لهذا فانه اذا كان الامر بالفرار من المجذوم لاجل ما يحصل من التأذي برائحته فالتأذي برائحة ثيابه كذلك. وهكذا اذا كان الامر بالفرار منه لاجل سد ذي الذريعة ربما كان عدم البيان ذريعة الى الاعتقاد نحو ان يصاب من اشترى ثوب المجذوم ونحوه بمثل عاهته. ثم يعلم بعد ان الثوب الذي لبسه كان لمجذوم فانه ربما كان ذلك سببا لحصول الاعتقاد. المصنف رحمه الله تعالى في هذه جملة المتقدمة في بيان ما يتعلق بحديث لا عدوى ولا طيرة من باب الرواية والدراية. فثبت في في طليعة بحثه صحة الاحاديث المروية في هذا. لان من المتكلمين على حديث ابي هريرة رضي الله عنه من غمز في صحته بنسيان ابي هريرة رضي الله عنه. فقال ان نسيان ابي هريرة هذا الحديث يدل على ان انه وهم في تحديده وهذا الذي ذكره من غمز في صحة الحديث الوالد مردود من وجهين ذكرهما المصنف تبع عن لغيره اولهما ان هذا الحديث لم ينفرد به ابو هريرة رضي الله عنه. فهو مروي من حديث جماعة من الصحابة كما ذكر المصنف في الصحيحين وغيرهما. والثاني ان نسيان الراوي حديثه الذي حدث به لا يقدح في صحته اذا كان مما حفظه عنه الثقات. وابو هريرة وان نسي هذا الا ان الثقات من اصحابه حفظوه. فرواه عنه ابو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف عبدالرحمن مولى الحرقة وغيرهما كلهم حدث به عن ابي هريرة مما يدل على ان ابا هريرة حدث به ثم ثم نسي واذا حدث الثقة بحديثه ثم نسي وروى حديثه الاول التقات لم يقدح ذلك في نسيانه بل ثبت الخبر رواية هؤلاء الثقات عنهم فيكون هذا الحديث صحيحا لا مطعن فيه. وهذا الحديث في بنائه العربي اشتمل على نفي ومنفي. فاما النفي فاداته لا وهي موضوعة لنفي الجنس. واما ننفي فهو المذكورات فيه باختلاف الروايات. فذكر فيه العدوى والطيرة والغول وسفر هؤلاء هي المذكورات في الحديث على اختلاف رواياته ومجموع الاحاديث المنقولة فيه. وذكر المصنف رحمه الله تعالى تفسير كل واحد من هذه الامور ثم بين ما يقتضيه الوضع العربي لما تركب من نفي اذا كان النافي هو لا الجنسية والمنفي نكرة. فما كان من هذا التركيب فالمقرر في علم المعاني واصول الفقه انه موضوع للدلالة على العموم. فالنكرة في سياق النفي تفيد العموم كما قال العلامة ابن سعدي ايش؟ ها ابو عبد الرحمن احسنت والنكرات في سياق النهي تعطي العموم وفي سياق النفي. فاذا وردت النكرة في سياق نفي او افادت العموم وهي ها هنا في سياقنا فيه فتكون مفيدة للعموم. ويفيد العموم نفي جميع افراد المنفي فقوله صلى الله عليه وسلم لا عدوى يقتضي نفي جميع افراد العدوى. وقوله صلى الله عليه وسلم لا طيرة يقتضي نفي جميع افراد الطيرة وقل مثل هذا في النظائر المذكورة. وهو الذي قرره المصنف ثم ذكر ما يقوي هذا اه العموم من كون الشرع جعل الطيرة شركا كما في حديث ابن مسعود الذي اخرجه ابو داوود وغيره. وفي هذا الحديث قوله وما منا الا ولكن الله يذهبه بالتوكل. وهذه الزيادة هي كما ذهب اليه سليمان ابن حرب والبخاري وغيرهما انها زيادة مدرجة ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل من كلام ابن مسعود ومعناها ما منا الا من يعتريه تطير وقد يقع ذلك في قلبه. وايد المصنف رحمه الله تعالى هذا المعنى بحديث معاوية بن الحكم لما ذكر الكهان قال ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم لما قال له ومنا رجال يتطيرون؟ قال ذلك شيء يجدونه في فلاصدنكم فالطيرة ها هنا ناشئة مما يتوهمه العباد لا انها موجودة لان النفي يقتضي عدم وجودها والمذكور ها هنا يفيد انها مما يظنه بعض الناس ويقع في خلده ثم بين المصنف رحمه الله تعالى وجه كون الطيرة شركا وهو ما كانت تعتقده العرب ان التطير يجلب النفع او يدفع الضرر لان الطيرة في الاصل ليست التشاؤم. وانما الطيرة زجر الطير. فاذا زجر الطير فانت يا من تفاءل بتيمنه وان تشاءم اي اخذ ذات الشمال فتشائم بصنيعته فاصل الطيرة هي زجر الطير واثرها هو الذي يتولد بعدها فيكون حاملا على الفرح والسرور اذا وافق مطلوبه. او حاملا على اه الغم والكربة اذا خالف مطلوبه. ثم نبه عن معنى اذهابه بالتوكل وهو ان العبد اذا صدقت ثقته بربه عز وجل وفوض امره اليه فان ما يعرض له لا يضره لانه يكون كالخاطر الذي لا يؤثر فيه اذا عرض مثل هذا الخاطر ثم لم يبالي العبد به وانصرف عنه وتشاغل فان ذلك لا يقدح في تمام توكله لكن اذا مال اليه وتعلق به فانه يكون مؤثرا في كمال توكله. والناس منهم من يستسلم لهذه ويعمل بها ومنهم من لا يستسلم لها لكن يحدث في قلبه غم وهم. والمؤمن الكامل هو الذي لا بهذه العوارض بل ينصرف عنها ويتوكل على الله سبحانه وتعالى في تحصيل مطلوبه. ثم اورد بعد ذلك حديث عروة ابن عامر عند ابي داود ورجاله ثقات الا ان عروة هذا لا صحبة له. وهو حديث احسنه والفأل ولا ترد مسلما فان رأى احدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بحسناته الا انت الى اخره. وقد تصحف في بعض كلام اهل العلم الى عقبة بن عامر والمعروف برواية الحديث انما هو عروة ابن عامر التابعي. ثم اتبعه بحديث قطن ابن قبيصة عن ابيه والطيرة والطرق من الجبت. وهو في معنى ما تقدم في التحذير من الطيرة. وبيان سوء الصيرورة اليها وانها مما حرم الله عز وجل لانها من الجبت. وهذا الحديث اسناده ضعيف ثم بين معنى لا صفر ولا هامة. واهل العلم مختلفون في لاصفر على اقوال منهم من يرى انها دويبة اما بذلك تصيب البطن ومنهم من يرى انه التشاؤم بشهر صفر ومنهم من يرى انه تأخير المحرم الى صفر ومن اهل العلم من يقول ان المعنى يحتمل هذا كله. وهذا حق باعتبار صلاحية كل معنى لهذا لكن باعتبار حال العرب فان الذي يظهر ان المنفية ها هنا تشاؤمهم بسفر فان العرب كانت تتشاءم ببعض الازمان ومنها تشاؤمهم بسفر وتشاؤمهم بما بين العيدين اي شوال وذي الحجة. فهذا الحديث لنفي ذلك. ثم اتبعه اخر دال على عدم جواز التطير وهو حديث بريدة عند ابي داود والنسائي بسند صحيح وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان لا تطيروا من شيء وهذا دال على عدم جواز التطير. ثم بين ان ظواهر ما تقدم انه لا يجوز اعتقاده ثبوت العدوى في شيء ولا التطير في شيء من الامور ابدا. ثم اورد ما يخالفه وهو حديث بيعة النبي صلى الله عليه لرجل مجدوم لما اراد ان يبايعه بصفقة يده قال له النبي صلى الله عليه وسلم انا قد بايعناك فارجع ولم يعقد له البيعة بيده ثم اتبعه بحديث ابي هريرة لا عدوى ولا طيرة ولا همة ولا سفر واخره وفر من المجذوم كما تفر من الاسد ثم اتبعه بحديث لا يولد ممرض على مصح. فهذه الاحاديث الثلاثة تخالف في ظاهرها ما تقدم من نفي العدوى ولاهل العلم رحمهم الله تعالى فيها مسالك عدة من اضعفها مسلك النسخ وضعف مسلك النسخ من جهتين اثنتين احدهما عدم الاطلاع على التاريخ الذي يمكن به الحكم بان هذا الحديث ناسخ وذاك منسوخ والثاني امكان الجمع بينهما. واذا امكن الجمع بين الاحاديث المتوهم تعارضها في الظاهر فان المصير اليه مقدم على المصير الى النسخ كما قال صاحب المراقي والجمع واجب متى ما امكن الا فللاخير نسخ بينا. والفقهاء رحمهم الله تعالى يقولون اعمال الكلام اولى من اهماله. وانما يتحقق والاعمال بالجمع. وسلك اهل الحلم رحمهم الله تعالى مسالك عدة في الجمع بين هذه الاحاديث. اختار الشوكاني رحمه الله تعالى مسلك حمل العام على الخاص. وحاصل اختياره انه يرى نفي العدوى الا فيما وردت الاحاديث باثباته كالجرب والجذام والبرص. فهو يرى ان حديث العدوى عام وهذه الاحاديث خاصة فيحمل العام على الخاص ويقضي به. واظهروا المسالك التي ذكرها اهل العلم واشار المصنف الى طرف منها مسلك من ذهب الى التأليف بين الاحاديث بالقول بان نفي العدوى يحمل على نفي ما كانت تعتقده العرب فيها وهو ان العدو ومستقلة بنفسها مؤثرة بطبعها. فكانت هذه هي عقيدة العرب في العدوى يرون آآ ان العدوى تستقل بالتأثير وتؤثر بطبعها. فجاء الشرع بابطال هذه الدعوة صلى الله عليه وسلم لا عدوى لنفي ما تعتقده العرب في ذلك. ثم جاءت الاحاديث الاخر كحديث فر من المجذوم فرارك من الاسد وكحديث لا يورد ممرض على مصح وكحديث ترك بيعة المجدوم لتقرير ان الذي يعتقد في العدوى انها سبب جار تحت سلطان الله عز وجل حكمه فلا تكون العدوى مؤثرة بطبعها ولا مستقلة بضررها بل هي تابعة لتقديم لله عز وجل فهي من جملة الاسباب. واذا شاء الله عز وجل امضى السبب واذا لم يشأ الله سبحانه وتعالى منع السبب من تأثيره. فيكون المنفي في نفي العدوى هو كونها تؤثر بذاتها. والمثبت هو كونها سببا لانتقال المرض وبهذا تأتلف الاحاديث. وقد اختار هذا جماعة من المحققين منهم الخطاب والحليم والنووي في اخرين. ويكون النهي عن ايراد الابل المريضة وعلى الابل الصحيحة مع الامر بالفرار من المجدوم كالفرار من الاسد لقطع الذرائع التي قد بقلب صاحبها الى اعتقاد كون هؤلاء المذكورات تؤثر ذاتها. واذا وثق الانسان بان يتيقن ان الله عز وجل ان شاء اصابه وان شاء لم يصبه واراد ان يعمل بالعزيمة فهذا قد ثبت عن جماعة من الصحابة منهم عمر رضي الله عنه فقد ثبت في المصنف انه اكل مع مجذوم. فاذا وثق العبد بيقينه وايمانه وان هذه الواردات لا تأتي على قلبه فله ان يفعل ما شاء في هذا. هذا هو الذي يمكن ان به الاحاديث في احسن الاقوال التي ذكرها اهل العلم رحمهم الله. نعم