السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله ربنا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. اما بعد فهذا هو الدرس الرابع والعشرون. من برنامج الدرس الواحد السابع. والكتاب المقروء هو زاد الداعية الى الله من علامة محمد ابن عثيمين رحمه الله. وقبل الشروع في اقرائه لابد من ذكر مقدمتين اثنتين المقدمة الاولى التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد. المقصد الاول جر نسبه هو الشيخ العلامة محمد ابن صالح ابن محمد ال عثيمين. يكنى بابي عبد الله. ويعرف بابن عثيمين نسبة الى احد اجداده. المقصد الثاني تاريخ مولده ولد في السابع والعشرين من شهر رمضان سنة سبع واربعين بعد الثلاثمائة والالف. المقصد الثالث تاريخ وفاة توفي رحمه الله في الخامس عشر من شهر وسنة احدى وعشرين بعد الاربعمائة والالف وله من العمر اربع وسبعون سنة رحمه الله رحمة واسعة. المقدمة الثانية تعريفه بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد ايضا. المقصد الاول تحقيق عنوانه اصل هذا تاب هو محاضرة القيت باسم زاد الداعية الى الله. ثم ارتضى ممليها رحمه الله طباعة تلك المحاضرة باسم زاد الداعية الى الله وطبعت في حياته مرارا. المقصد الثاني بيان موضوعه تشتمل هذه الرسالة لطيفة على بيان الالة التي يفتقر اليها الداعية الى الله. وينتظم بها زاده الذي يمكنه من اداء رسالته المقصد الثالث توضيح منهجه. جادة هذه الرسالة هي جادة المحاضرات التي تبنى على السرد الا انها صارت فصولا باعتبار تعداد انواع الزاد فيها. فانه جعل لكل من الزاد جملة تدل على مبتدأه فيعد الزاد الاول ثم الزاد الثاني وهكذا. وفيها طريقة علماء هذه البلاد من الاكثار من الادلة النقدية والعناية بالتقاسيم العلمية. نعم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. قال المصنف الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستغفره ونتوب اليه ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله الله تعالى بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله. فبلغ الرسالة وادى الامانة ونصحها الامة وجاهد في الله حق الجهاد وترك امته على محجة بيضاء ليلها كان هارها. لا يزيغ عنها الا هالك صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله واصحابه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين. واسأل واسأل الله عز وجل ان يجعلني واياكم من اتباعه باطلا وظاهرا وان يتوفانا على ملته وان يحشرنا في زمرته وان يدخلنا في شفاعته وان يجمعنا عن ابيه في جنات النعيم مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. اما بعد فايها الاخوة انه ليسرني ان التقي باخواني المسلمين هنا وفي اي مكان اخر يرجى منه الخير ونشر هذا الدين. لان الله تعالى اخذ على كل من اعطاه علما اخذ عليه ميثاقا بما اعطاه من العلم ان يبينه للناس ولا يكتمه كما قال الله تعالى. واذا ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه. وهذا الميثاق الذي اخذه الله ليس وثيقة تكتب ويشاهدها الناس ولكن وثيقة تعلم بما اعطى الله صاحبها من العلم. فاذا اعطاه الله العلم فان هي الوثيقة التي وثق الله بها هذا الرجل او هذه المرأة التي اعطاه الله علما فعلى كل من عنده علم ان يبلغ ما ما علمه من شريعة الله سبحانه من شريعة الله سبحانه وتعالى في اي مكان وفي اي مناسبة. ذكر المصنف الله تعالى ان الموجب ذكر هذه المقاصد الشرعية المتعلقة بزاد الدعوة هو الوفاء بالميثاق الذي اخذه الله سبحانه وتعالى على الذين اتاهم الكتاب. وهذا الميثاق هو ميثاق البيان بان يبينوا الدين الذي بعث الله عز وجل به الرسل. والله عز وجل قد اخذ على العلماء خصوصا ميثاق البيان واخذ على المسلمين عموما ميثاق النصح كما في حديث تميم في صحيح مسلم الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله الحديث ولا ريب ان اكد الناس واجبا في اداء حق النصح هم العلماء فيجتمع في حقهم ميثاق البيان وميثاق النصح معا. بما يعلم به ان حمل العلم ليس شيئا يتزين به وتطلب به الرئاسات والمناصب والحظوة عند الخلق وذكر العبد والثناء عليه وانما يراد من بث العلم ونشره والحرص على طلبه هو القيام بهذا الميثاق من رضي من الناس وسخط من سخط من الناس ومن انصرف بصره من المشتغلين بالعلم عن هذين الميثاقين وتعلق باهداب غيرهما لحقه من النقص في الدنيا والاخرة بقدر ما يفوته من اداء فريضة البيان والنصح ثمان اهل العلم رحمهم الله تعالى وقد علموا ان الله عز وجل قد كتب عليهم هذين الميثاقين يسلكون فيهما الطريقة الشرعية التي رضيها الله سبحانه وتعالى. ولا يأبهون بما يراه الناس بيانا ولا نصحا. فان الناس يعبرون عن بما يشاؤون اصابته من حظوظ الدنيا بانها مما يجب بيانه والنصح فيه وقد لا تكون كذلك في الشرع فالعالم كامل لا يلحظ مآخذ الناس ومراداتهم وانما يلاحظ مأخذ الشريعة ومرادها وانه اذا رعى هذا نجى وانجى واذا مال بصره الى غير ذلك فانه يهلك ويهلك معه غيره. وقد الفراؤ يقول اني لاسى على رجلين رجل يريد العلم ولا فهم له ورجل اتاه الله العلم ولا عقل له فاذا حجب العقل عن معرفة طريقة الشريعة في الوفاء بميثاق البيان وميثاق النصح ربما جرى من المنتسبين الى العلم ما هو خلاف الطريقة الشرعية؟ ومن وعى هذا من ملتمسة العلم وحملته من الطلبة ادرك ان مقصود الجلوس الى الاشياخ ليس هو مجرد اخذ المعلومات فان المعلومات تزاحم فيها الاشياخ الكتب المصنفة وفي الكتب ما يفوق علوم الاشياخ فان الكتب حصيلة علم قرون الامة المتطاولة ولكن المقصود من الجلوس الى الاشياخ اخذ الدين بمعرفة مسالك البيان والبلاغ والنصح واقامة الحجة وافتاء الناس وهدايتهم وارشادهم ومعاملتهم على اختلاف طبقاتهم ولما وعى السلف رحمهم الله تعالى هذا الاصل طالت مدد صحبتهم للشيوخ كما قال مالك كان الرجل يختلف الى الرجل ثلاثين سنة في طلب العلم لانهم يدركون ان العلم ليس هو مجرد المعلومات بل العلم هو الدين كله. فربما رأوا من سكنة عالم او تحريكته ما كان فيه ما يغني عن كثير من البيان بل في احوال العلما بافعالهم ما يحصل به تأديب النفوس ابلغ من تأديبها بالعقوبات كما ذكروا في احوال العلامة محمد بن ابراهيم ال الشيخ ان بعض طلبته اساء في مجلسه فقام وانصرف وترك المجلس والعلامة ابن حميد لما كان في بريدة وكان في مجلس الدرس فدخلت دابة من دواب اهل البلد وانصرفت ابصار بعض الناس اليها واحس الشيخ وكان ضريرا لكنه كان مفرط الذكاء بانشغالهم بها فقام وختم المجلس وانصرف من بينهم. وهذه الاحوال يحصل بها من التأديب ما هو اشد من العقوبة وفيها من البيان ما هو ابلغ ومن محاضرة تستغرق اوقات والانتفاع بالاحوال اعظم من الانتفاع بالاقوال. كما قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى. نعم ايها الاخوة ان موضوع محاضرتنا هذه زاد الداعية الى الله عز وجل. وزادوا لكل مسلم هو ما بينه الله عز وجل في قوله وتزودوا فان خير الزاد التقوى. فزاد كل مسلم هي تقوى الله عز وجل التي التي كرر الله تعالى ذكرها بالقرآن امرا وثناء على من قام بها وبيانا لتوابه. وغير ذلك من اساليب الكلام. قال الله تعالى وسارعوا الى مغفرة من رب بكم وجنة عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين. الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين. والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. اولئك جزاء مغفرة من ربهم وجنة تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ونعم اجر العاملين. ايها الاخوة الكرام ربما تقولون ما هي التقوى؟ فالجواب ما اثر ابن حبيب رحمه الله حيث قال التقوى ان تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وان تترك ما نهى الله ان تترك وكما نهى الله على نور من الله تخشى عقاب الله فجمع في هذه العبارات بين العلم والعمل واحتساب الثواب والخوف من العقاب فهذه هي التقوى واننا لنعلم جميعا ان الداعية الى الله عز وجل او للناس يتحلى بهذا الخلق بتقوى الله في السر والعلن وفي السر والعلن وانني اذكر بمعونة الله عز وجل. في هذا المقام ما يتعلق بداعية وما ينبغي ان يتزود به. الزاد الاول المصنف رحمه الله تعالى ها هنا ان موضوع هذه مع ضلالتها اصل هذه الرسالة هو زاد الداعية الى الله تعالى. واصل الزاد هو ما يتقوت به. فكل ما يتقوت به يسمى زاد وازواج الخلق نوعان اثنان احدهما ازواد الابدان من مأكل ومطعم ومشرب الثاني ازواج القلوب والارواح من نور وهداية وطاعة واحسان. والناس يشتركون في ازواجهم البدنية مؤمنهم وكافلهم برهم وفاجرهم الا ان التفاضل يقع في الازواج القلبية الروحية الايمانية فهم يتفاوتون فيها كما بين السماء والارض. ولهذا اعتنت الشريعة ببيان الازواج الدينية الروحانية القلبية وجعلت من ذلك قدرا مشاعا مشتركا ثم جعلت لكل طائفة ما تختص به من انواع الزاد فمن الزاد المشترك بين المسلمين جميعا في احوال قلوبهم وتكميل ايمانهم تقوى الله سبحانه وتعالى كما اشار المصنف فقال والزاد لكل مسلم هو ما بينه الله عز وجل في قوله وتزودوا فان خير الزاد التقوى. فان هذا زاد قلبي روحي عام للمؤمنين جميعا. ووراء ذلك انواع من الزاد تختلف باختلاف طوائف ما يشتغل به الناس فالدعاة الى الله لهم زاد والمجاهدون لهم زاد وولاة الامر لهم زاد الى اخره ثم عرف المصنف رحمه الله تعالى التقوى ناقلا ذلك عن طلق ابن حبيب العنزي رحمه الله تعالى هذه كلمة مأثورة شهيرة عن طلق امتدحها الذهبي رحمه الله تعالى فقال جمع فاوعى. وهي من اوجز ما قيل في تعريف التقوى وبيان معناها. الا انها جارية على طريقة السلف رحمهم الله تعالى في المسامحة في ما يراد حده لان الصناعات العقلية لم يكن يحتاج اليها لكمال العقول وعدم افتقارها الى جمع ومنع في تعريف الاشياء ثم لما ضعفت مدارك الناس احتيج الى الجمع والمنع في الحدود. وسبق ان ذكرنا ان التقوى هي اتخاذ العبد وقاية بينه وبين الله بامتثال خطاب الشرع. اتخاذ العبد وقاية بينه وبين الله بامتثال خطاب الشرع وفصلنا هذا التعريف وذكرنا ما يعترض به على بعض التعريف المشهورة نعم الزاد الاول ان يكون الداعية على علم فيما يدعو اليه. على علم صحيح مرتكز على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لان كل علم يتلقى من سواهما فانه يجب ان يعرض عليهما اولا. وبعد عرضه فاما ان يكون موافقا او فان كان موافقا قبل وان كان مخالفا وجب رده على قائله كائنا من كان. فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال قال يوشك ان تنزل عليكم حجارة من السماء. اقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال ابو بكر وعمر اذا كان هذا في قول ابي بكر وعمر الذي يعارض به قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما بالكم من بقول من دونهما للعلم والتقوى وصل الصحبة والخلافة. ان رد قوله اذا خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من باب اولى ولقد قال عز وجل فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم. قال الامام احمد رحمه الله تعالى اتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك لعله اذا رد بعض قوله ان يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. وان اول يتزود به الداعية الى الله عز وجل ان يكون على علم مستمد من كتاب الله تعالى. ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة المقبولة واما الدعوة بدون علم فانها دعوة على جهل والدعوة على الجهل ضررها اكبر من نفعها. لان ان هذا الداعية قد نصب نفسه موجها ومرشدا فاذا كان جاهلا فانهم بذلك يكونوا ضالا مضلا والعياذ بالله. ويكون جهل هذا مركبا والجهل المركب اشد من الجهل البسيط فالجهل البسيط يمسك صاحبه ولا يتكلم. ويمكن رفعه بالتعلم ولكن المشكلة كل المشكلة في حال الجاهل المركب. ان هذا الجاهل المركب لن يسكت بل سيتكلم ولو عن جهل وحينئذ يكون اكثر مما يكون منورا. ايها الاخوة ان الدعوة الى الله على غير علم خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه استمعوا الى قول الله تعالى امرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم حيث قال من الله على بصيرة انا ومن اتبعني. فقال ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني اي من اتبعه صلى الله عليه وسلم فانه لابد ان يدعو الى الله على بصيرة الله على جهل. وتأمل ايها الداعيات لله قول الله تعالى على بصيرة. اي على بصيرة بثلاثة امور. الاول على بصيرة فيما يدعو اليه بان يكون عالما بالحكم الشرعي فيما يدعو اليه. لانه قد يدعو الى شيء واجبا وهو في شرع الله غير واجب. فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به وقد يدعو الى ترك شيء يظنه محرما وهو في دين الله غير محرم في حرم على عباد الله ما احله الله لهم. الثاني على بصيرة في حال المدعو ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا الى اليمن قال لا انك ستأتي قوما اهل كتاب ليعرف حالهم ويستعد لهم فلا بد ان حال هذا المدعو ما مستواه العلمي؟ ما مستواه الجدلي؟ حتى تتأهب له فتناقشه وتجادله لانك اذا دخلت مع مثل هذا في جدال وكان عليك لقوة جدله صار في هذا نكبة عظيمة على الحق. وانت سببها. ولا تظن ان صاحب باطني يخفق بكل حال فان الرسول صلى الله عليه وسلم قال انكم تختصمون الي ولعل بعضكم ان يكون الحن بحجة من بعض فاقضي له على نحو مما اسمع منه. فهذا يدل على ان المخاصم وان كان مبطلا قد يكون بحجة من اخر فيقضى بحسب ما تكلم به هذا المخاصم. فلابد ان يكون عالم بحال المدعو. الثالث على بصيرة في كيفية الدعوة قال الله تعالى ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن وبعض الناس قد يجد المنكر فيهجم عليه ولا يفكر في العواقب الناتجة عن ذلك لا بالنسبة له وحده. ولكن بالنسبة له من الدعاة الى الحق لذا يجب على الداعية قبل ان يتحرك ينظر الى النتائج ويقيس. وقد يكون في تلك الساعة ما يضفي لها ابا غيرته فيما صنع ولكن سيخمد هذا الفعل نار غيرته وغيرة غيره في المستقبل قد يكون في المستقبل القريب هنا البعيد لهذا حذو اخواني الدعاة على استعمال الحكمة والتأني. والامر وان تأخر قليلا لكن العاقبة جيدة بمشيئة الله تعالى. واذا كان هذا اعني تزود الداعية بالعلم الصحيح المبني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. هو النصوص الشرعية فانه كذلك مدلول العقول الصريحة التي ليس فيها شبهات ولا شهوات. لانك كيف تدعو الى الله عز وجل وانت لا تعلم الطريق والموصلة اليه. لا تعلم شريعته كيف يصح ان تكون داعية. فاذا لم يكن الانسان داع فان الاولى به ان يتعلم اولا ثم يدعو ثانيا. قد يقول قائل هل قولك هذا يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو اية. فالجواب لا لان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول بلغوا عني اذا فلا بد ان يكون ما نبلغه قد صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا ما نريده لسنا عندما نقول ان الداعية الى العلم لسنا نقول انه لابد ان يبلغ شوطا بعيدا في العلم. ولكننا نقول لا يدعو الا بما يعلم فقط. ولا يتكلم بما لا يعلم ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا الزاد الاول من ازواد الداعية وهو ان يكون الداعية على علم فيما يدعو اليه. لان الدين قائم على امر ونهي. ومن لم يحط بالامر والنهي فالى ما آآ يدعو فيحتاج الداعية الى علم يميز به الامر والنهي. وهذا العلم هو علم الشريعة فاذا اطلع على علم الشريعة وادرك المأمور فيها والمنهي كان على علم فيما يدعو اليه واصل العلم في هذه الشريعة هو القرآن والسنة فمن القرآن والسنة تتفجر انهار المعارف والعلوم. وما عدا الكتاب والسنة. فاما الة لفهمها وهو الضالة المطلوبة واما اجنبي عنهما وهو الضارة المغلوبة كما قال ابن حجر في فتح الباري قد اشار الى هذا المعنى ابن القيم رحمه الله تعالى في النونية بقوله والكل في القرآن والسنن التي جاءت عن المبعوث بالفرقان والله ما قال امرئ متحدل بسواهما الا من الهديان. فاصل العلم الذي ينبغي ان يشتغل بطلبه الداعية وان يحصله هو علم الكتاب والسنة والدعوة بلا علم دعوة تضر ولا تنفع وشررها اعظم من نفعها فان الجاهل لا يميز مراتب الامر والنهي فلا يفرق بينما دعت اليه الشريعة وامرت به وبينما نهت عنه الشريعة وحذرت منه والناس في الجهل كما تقدم في اصول الفقه منهم من هو جاهل جهلا بسيطا لا يدرك الشيء على ما هو عليه ومنهم من هو جاهل جهلا مركبا فهو لا يدرك الشيب بل يدركه على خلاف ما هو عليه. واذا تكلم في العلم من كان على فهذا النحو اعني الجهل المركب حصل الضرر كما قال علي رضي الله عنه العلم نقطة كثرها الجاهلون وقال الشافعي لو سكت الجاهل لقل الخلاف مما يدل على ان العلم مما يؤلف قلوب الناس يغسلها من ادران الاحقاد. فاذا بث العلم ونشر ورغبوا فيه انتفى عن نفوسهم تلك الادران لان العلم يجعل لهم نورا يهتدون به ومن جملة نور العلم انه يأمر اهله بالا يتكلموا فيما لم يحيطوا به علما ثم ذكر ان هذا الاصل مبني على قوله تعالى في سورة يوسف قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني والبصيرة تشير الى العلم. وذكر المصنف رحمه الله تعالى ان البصيرة يتعلق بها ثلاث امور اولها بصيرة فيما يدعو اليه والثاني بصيرة في من يدعوه والثالث بصيرة فيما يدعو به. فاما الاول وهو البصيرة فيما يدعو اليه فذلك بان يكون عالما بالاحكام الشرعية عارفا حكم الله عز وجل في ابواب الديانة. واما الثاني وهو البصيرة في من يدعوه فبالاطلاع على حاله فانه واذا عرف حال المدعو عرف الطريق الى دعوته واذا كان جاهلا بحال المدعو فانه يقع في الغلط في دعوة من اراد دعوته. وقد ارشد النبي صلى الله عليه وسلم الى هذا الاصل لما بعث معاذا فقال له انك تأتي قوما اهل كتاب كما في الصحيحين فاخبره الى حال الناس ليعرف كيفية دعوتهم ثم ذكر النوع الثالث وهو البصيرة فيما يدعو به وهو الذي اشار اليه المصنف بقوله في كيفية الدعوة فان كيفية الدعوة هي فيما يدعو به وحاصل ما تحرر من الادلة الشرعية في هذا المحل ان الناس لا يخرجون عن قسمين اثنين احدهما والثاني الكافر. ثم كل واحد منهما له قسمان ايضا. فالمسلمون ينقسمون الى قسمين اولهما مسلم مطيع والثاني مسلم عاص. واما القسم الثاني وهم الكفار فينقسمون الى قسمين ايضا اولهم كافر معرض وتانيهما كافر معارض فتحصلت اربعة اقسام احدها مسلم مطيع مسلم عاص والثالث كافر معرض والرابع كافر معارض. وقد رتبت الشريعة لكل واحد من هؤلاء طريقا تحصل به دعوته فاما المسلم المطيع وهو الذي يكون عنده قبول فقد رتبت الشريعة دعوته بالحكمة واما المسلم العاصي وهو الذي يكون عنده اقبال فقد رتبت الشريعة دعوته للموعظة الحسنة. واما الكافر عرظ فقد رتبت الشريعة دعوته بالمجادلة بالتي هي احسن. واما الكافر المعارض فقد رتبت الشريعة دعوته بمقاتلته فهذه هي الطرائق الاربع التي رتبتها الشريعة في كيفية دعوة كل بملاحظة حاله. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا اشكالا يرد على بعض الناس وهي هل يلزم من ان نترك الدعوة والنبي صلى الله عليه وسلم قال بلغوا عني ولو اية. فاجاب بان النبي صلى الله عليه وسلم امر تبليغ العبد الاية التي يعلمها فهو يبلغ بقدر علمه. فقوله صلى الله عليه وسلم بلغوا عني ولو اية اي مما تعلمون. وليس في الشريعة الاذن بان يدعو الى ما لا يعلم الانسان. فمن يظن ان المرء يكفيه علم يسير ثم يدعو الى كل شيء ويأتيه الفتح من الله عز وجل على دعوته هذا كلام باطل مخالف للكتاب والسنة. كما ان من يظن ان المرء يمكث مدة طويلة لا يدعو حتى يحصل قدرا يقوم في ذهنه ان هذا لم يأتي به الكتاب والسنة. ولكن الذي جاء ابي الكتاب والسنة هو ان يدعو الانسان بحسب علمه وحاله. وقولنا بحسب علمه يعني بحسب ما اشتملت عليه نفسه من العلم وقولنا بحسب حاله اي بحسب تعلق الواجب به فان الدعوة واجب على الكفاية في اصح قولي اهل العلم علم واذا نظر الانسان الى نفسه عرف منزلتها في القيام بفرض كفاية هذا. فالواجب على احاد الناس ليس على طلبة العلم والواجب على طلبة العلم ليس كالواجب على العلماء والواجب على احاد العلماء ليس كالواجب على العلماء الذين يقبل منهم ولي الامر ويدخلون عليه. كما ان المؤذن لا يجب عليه في دعوة الناس ما يجب على الامام والامام لا يجب عليه بدعوة الناس ما يجب على الخطيب. والخطيب لا يجب عليهم في دعوة الناس ما يجب على العالم. فالناس متفاوتون هنا في تعلق الامر بهم بحسب قدرهم فان الواجب يتعلق بالقدرة. فاذا ظن الناشئ ان الله سبحانه وتعالى اوجب عليه ان يدعو باستنفاذ قوته ووقته فان ذلك نوع من الضلال. لانه يؤول بقلبه الى فساد فان من استعجل شيئا قبل اوانه عوقب بحرمانه. ومن تصدى لهداية الناس وارشادهم في بواكير شبابه من غير بعلم تام ولا عقل كامل فهو بين حالين اثنين. لا ثالث لهما. احدهما ان يضعف ايمانه. ويتزلزل يقينه وربما انسلخ من الديانة وهذا امر قد شاهدناه. وتانيهما ان يتسارع الى الدعوة الى ضلالة. فكل ما زينت له نفسه من هداية الناس فانه يرى انه سبيل سائغ فيقوم بدعوة الناس اليه من غير بيان ولا تمحيص والواجب على العبد ان يلاحظ ما يجب عليه من الدعوة بحسب حاله وقوته. فاذا كان عندك مكنة والة في البيان والبلاغ فانت بحسب هذه الالة واذا لم تكن عندك تلك الالة فانت لا تكلف نفسك ما لا تطيق فان تكليف النفس ما لا تطيق يرجو عليها بالفساد الذي هو الفترة المعبر عنه في اللسان ايضا بالفتور فان هذه الفترة انما تهجم على القلوب لان القلوب تحمل فوق طاقتها. وكما ان الابدان اذا حملت شيئا ثقيلا ضعفت به ربما اضر بها فان من العلل التي تعتلي بعض الاجساد منشأها ان يقوم الانسان برفع ثقل لا طاقة له به وكما ان هذا يقع في الامور المحسوسة في الابدان فكذلك يقع في الامور المعنوية في القلوب. فيضعف الانسان لانه نفسه فوق طاقته فيما يتعلق بالبيان والبلاغ. فلا بد من ملاحظة الحال واشبه شيء يشبه به هذا الامر كما ذكرته غير مرة لكم حال الانسان في ملابسه. فان الانسان وهو في السنة الاولى يلبس لباسا لا يصلح له في السنة ثانية ويلبس في السنة الثانية لباسا لا يصلح له في الثالثة فاذا بلغ السابعة لم يكن شيء من لباسه في مبتدأ عمره صالحا له فاذا بلغ لم يكن ما سبق من اللباس صالحا له بالكلية. فاذا شب وترعرع عن الطوق وصار رجلا لم يكن شيء من اللباس الذي سبق صالحا له ولو قدر انه اراد ان يلبس وهو ابن ثلاثين سنة لباسه وهو ابن خمسة عشر سنة لكان كان ذلك نقصا في عقله وكذلك الاحوال الايمانية فان الانسان اذا حمل قلبه ما لم تتهيأ له بالاحوال الايمانية فانه لا يقدر على ذلك. وكثير من الناس يعرض نفسه للبلاء وهو لم يمتحنها. فهو يظن انه حصل الة من الايمان تحمله على الكمالات فاذا اختبر نفسه فيها خارت قواه وتبدد شمله وضعف ايمانه واعتبر هذا في احوال الناس فكم من امرئ طلب الدنيا وهو صاحب طاعة فلما تسارع فيها انخلع من الطاعة وضعف ايمانه كم من الناس من رأى انه يتفرغ لطلب العلم لكن لم تكن له الة ايمانية كاملة فلما تفرغ له اما بترك في وظيفته او بترك دراسته واذا هي اشهر قليلة والامر يرجع عليه بالعثرة والفترة. وكذلك من من هيأ نفسه للخروج الى الجهاد فلما حل مرابع في الطريق وقع فيما حرمه الله سبحانه وتعالى. وكل هؤلاء منشأهم من انفسهم فانهم لم يعرفوا اقدارهم في الايمان. فاذا لم يعرف الانسان قدره في الايمان فاياه وامتحان نفسه فان امتحان النفس بالاعمال التي لا تطيقها ضرره على الانسان وخيم. كالضرر الدواء الذي يشربه الانسان يريد دفع علة لكنه لا يعرف هل يقع هذا الدواء موقعه من المرض ام لا؟ فربما رجع عليه بالهلاك. وكذلك الاحوال الايمانية التي يريد الانسان ان يدخل فيها ثم لا يعرف نفسه وهو قادر عليها ام لا فاذا دخل فيها اضر بايمانه. ومر رأى احوال السلف رحمهم الله تعالى وكمال عقولهم وبعد نظرهم وتمييزهم لمراتب الاعمال عرف سيرة الصالحين حقا وان الصلاح ليس بظاهر يرى وانما الصلاح بباطن يخفى يجعله المرء بينه وبين الله سبحانه وتعالى فانه اذا وردت المحن او المنح وابتلي الانسان بها انكشف له غطاءه وتميز له ايمانه وعرف منزلة نفسه فينبغي للعاقل الا يدخل نفسه في شيء من الامور الا وهو يعرف قدرها. ومن جملة ذلك الدعوة الى الله سبحانه وتعالى فان التصدي للناس ونفعهم سواء بعلم او افتاء او امامة او تدريس او غير ذلك لا بد ان يزن الانسان نفسه فيه وزنا عظيما. فكم من انسان افتتح على نفسه الباب فكان انفتاح باب فتنة عليه لانه لم يفتحه بالنظر الى صلاحية نفسه. وانما افتتحه اما لملائمة طبع او لموافقة حال فجرى على هذا المجرى دون ان ينظر في نفسه اتصلح لهذا ام لا تصلح لهذا؟ فان من الناس من يجلس للتعليم ثم يكون هذا التعليم مفتاح باب الدنيا عليه والشهرة والحظوة وهو لا يحسن تصفية نفسه من اكدارها تطهير قلبه من اضرانه ولا يتفطن الى احوال الناس في صلتهم بالمعلمين والمدرسين ولا يقع له فهم وفي تمييز كيفية معاملة الخلق في هذه الابواب فيقع عليه بالعطب. وربما خرج من التعليم الى ضده. وقل هذا في كل من ابواب الديانة والمقصود ان الانسان ينبغي عليه ان يقيس ديانته وايمانه والا يخاطر بايمانه في اي باب من الابواب حتى يعرف مرتبة نفسه. نعم