نعم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. قال مصنف رحمه الله تعالى زاد الثاني ان يكون داعية صابرا على دعوته صابرا على ما يدعو اليه صابرا على ما يعترض دعوته. صابرا على ما يعترضه هو من الاذى ان يكون صابرا على الدعوة اي مثابرا عليها لا يقطعها ولا يمل بل يكون مستمرا في دعوته الى الله بقدر تطع وفي المجالات التي يكون الدعوة فيها انفع واولى وابلغ وليصبر على الدعوة ولا يمل فان الانسان اذا طرقه استحسر وترك ولكن اذا كان مثابرا على دعوته فانه ينال اجر الصابرين من وجه وتكون له العاقبة من وجه اخر واستمع الى قول الله عز وجل مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم. تلك من انباء الغيب نوحيها اليك كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ان العاقبة للمتقين. ولابد ان يكون الانسان صابرا لا ما يعترض دعوته من معارضات ومجادلات. لان كل انسان يقوم داعيا الى الله عز وجل لا بد ان يعارض قال الله تعالى وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا. فكل دعوة لابد ان يقوم لها معارض لابد ان يقوم لها ممانع ومجادل فيها ومشكك. ولكن يجب على الداعية ان يصبر على لا ما يعترض دعوته حتى ولو وصفت تلك الدعوة بانها خطأ او انها باطل وهو يدرك انها مقتضى كتاب الله. وسنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليصبر على ذلك. ولكن هذا لا يعني ان الانسان يصر على ما يقول وما يدعو اليه وان تبين له الحق فان الذي يصر على ما يدعو اليه وان تبين له الحق يشبه من قال الله فيهم يجادلون في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون الى الموت وهم ينظرون. والمجادلة في الحق بعد ما تبين صفة مذمومة وقد قال الله فيمن اتصف بها ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما جهنم وساءت مصيرا. فما يعترض دعوتك ايها الداعية ان كان حقا فالواجب عليك الرجوع اليه. وان كان باطلا فلا يثني عزمك عن المضي قدما في دعوتك. كذلك لابد ان يكون الداعية صابرا على ما يعترضه هو من الاذى لان داعية يؤذى اما بالقول واما بالفعل وهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم. اوذوا بالقول واذوا بالفعل اقرأ قول الله عز وجل كذلك ما اتى الذين من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر او مجنون. ما رأيكم في من يأتيه وحي من ربه ويقال في وجهه انك ساحر او مجنون. لا شك انه يتأذى ومع هذا فالرسل صبروا على ما اوتوا بالقول وعلى ما اوذوا بالفعل انظر الى اول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام. كان قومه يمرون به وهو يصنع الفلك ويسخرون به فيقول مقيم ولم يقتصر الامر بهم على السخرية به بل توعدوه بالقتل. قالوا لان لم تنتهي يا نوح لتكونن من المرجومين اي من المقتولين رميا بالحجارة. هنا توعد بالقتل مع تهديد بانا قد رجمنا غيرك اظهار لعزتهم وانهم قد رجموا اخرين وانت منهم. ولكن هذا لم يدن نوحا عليه الصلاة والسلام عن دعوته بل استمر حتى فتح الله وبينه وبين قومه وهذا ابراهيم عليه الصلاة والسلام قابله قومه بالرفض بل شهروا به بين الناس. قالوا به على اعين الناس لعلهم يشهدون. ثم توعدوا بالاحراق. قالوا حرقوه وانصروا اليتكم ان كنت تنفعين فاوقدوا نارا عظيمة ورموه بالمنجنيق لبعدهم عنها لشدة حرارتها ولكن قال رب العزة والجلال انا ركوني بردا وسلاما على ابراهيم. فكانت بردا وسلاما ونجا منها فكانت العاقبة لابراهيم. وارادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين. وهذا موسى عليه الصلاة والسلام توعده فرعون بالقتل. ذروني اقتل موسى وليدعو ربه اني اخاف ان يبدل دينكم او ان يظهر في الارض الفساد. فتوعدوا بالقتل ولكن اخر الامر كانت العقبة لموسى عليه الصلاة والسلام وحاق بال فرعون سوء العذاب. وهذا عيسى عليه الصلاة والسلام حصل له من الاذية ما حتى رماه اليهود بانه ابن بغي وقتلوه على زعمهم وصلبوه ولكن الله تعالى يقول وما قتلوه وما صلبه ولكن شبه لهم. وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه. ما لهم به من علم الا اتباع وما قتلوه يقينا من رفعه الله اليه وكان الله عزيزا حكيما. فنجا منهم وهذا خاتم الرسل وامامهم وسيد بني ادم محمد صلى الله عليه وسلم قال الله عنه واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكر هو يمكر الله والله خير الماكرين. وقال تعالى وقالوا يا ايها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون وقال تعالى ويقولون انا لتاركوا الهتنا لشاعر مجنون. وحصل من اديتهم القولية والفعلية ما هو معلوم العلماء في التاريخ ومع هذا صبر فكانت العاقبة له. اذا فكل داعية لابد ان يناله اذى ولكن عليه ان ولهذا لما قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم انا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا كان من المتوقع ان يقول الله فاشكر نعمة الله على تنزيل هذا القرآن. ولكن قال له فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم اثم من او كثر اشارة الى ان كل من قام بهذا القرآن فلا بد ان يناله ما يناله من الامور التي تحتاج الى صبر عظيم فعلت داعية الى الله ان يكون صبورا وان يستمر حتى يفتح الله له. وليس من الضروري ان يفتح الله له في حياته بل ان المهم انت ابقى دعوته بين الناس ناصعة متبوعة ليس المهم الشخص ولكن المهم الدعوة فاذا بقيت دعوته ولو بعد موته فانه حي قال الله عز وجل او من كان ميتا فحينه وجعلنا له نورا يمشي بي في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها. كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون. ففي الحقيقة ان حياة الداعية ليس معناها ان تبقى روحه في جسمه فقط. بل ان تبقى مقالته حية بين الناس. وانظر الى قصة ابي سفيان مع هريرة وقد كان سمع بمخرج النبي صلى الله عليه وسلم دعا ابا سفيان فسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ذاته نسبه وما يدعو اليه واصحابه فلما اخبره ابو سفيان عما سأله عنه قال هرقل له فان كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدميها سبحان الله من يتصور ان ملكا امبراطوريا كما يقولون. يقول مثل هذا القول في محمد صلى الله عليه وسلم وهو مع ذلك لم يحرر جزيرة العرب من رق الشيطان والهوى ومن يتصور ان مثل هذا الرجل يقول مثل هذا القول ولهذا لما خرج ابو سفيان قال لقومه لقد امر لقد امر امر ابن ابي اميرا. امير امر اميرة امر ابن ابي لقد امر امر ابن ابي كبشة انه لا يخاف ملك بني الاصفر يعني امرا يعني امرا يعني عظم ومنه قوله تعالى لقد جئت شيئا امرا اي عظيما وقد هلك النبي صلى الله عليه وسلم تحت قدميه رقلب دعوة لا بشخصه لان دعوته اتت على هذه الارض واكتسحت الاوتان والشرك اصحابه وملكها الخلفاء الراشدون بعد محمد صلى الله عليه وسلم. ملكوها بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم شريعة النبي صلى الله عليه وسلم اذا على الداعية ان يصبر وستكون العاقبة له اذا كان صادقا مع الله سواء في حياته او وبعد مماته ان الارض لله يرثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. وقال الله تعالى انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين. ذكر المصنف رحمه الله وها هنا الزاد الثاني من ازواد الداعية الى الله وهو الصبر وتقدم ان الصبر هو حبس النفس على حكم الله عز وجل وان ممن علقوا بهم الصبر هكذا التعلق من نصب نفسه لدعوة الناس وهدايتهم. فان الناس يحتاجون الى سياسة في اصلاحهم وملاحظة لاحوالهم بغية ايصالهم الى الهدى والنور. ورعاية هذا الاصل اشد من رعاية الدواب بالعجماء. كما قال الشافعي رحمه الله تعالى سياسة الناس اشد من سياسة والمعنى ان ملاحظة خواطرهم ومعرفة تصرفات انفسهم امر يتقلب على فيه فهم يقبلون تارة ويعرضون اخرى ويمدحون تارة ويقدحون اخرى الى اخر احوالهم البشرية ولا يدفع مثل هذا الا بالصبر عليهم. وكأنه والله اعلم استفاض الامر بالافراد للنبي صلى الله عليه وسلم بالصبر في القرآن فلو قال قائل انه لم يأتي امر مفرد موجها الى النبي صلى الله عليه وسلم اكثر من الصبر كما قال الله سبحانه وتعالى له فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل. وقال له فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وقال سبحانه وتعالى واصبر لحكم ربك ولا تطع منهم اثما او كفورا فكأنه لتقرير هذا الاصل كان ان من اعظم ما امر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الافراد وكرر عليه الامر بالصبر. لانه ما من داع يدعو الى الله سبحانه وتعالى الا وهو يدعو الى فطم الناس عن مألوفاتهم وخلعهم عن شهواتهم وذلك شاق على انفسهم فلا بد ان يكون فيهم من يعارضه ويناقض دعوته كما قال الله عز وجل وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وفي خبر ورقة ابن نوفل في الصحيح يا ليتني فيها جدع انصرك اذا اخرجك قومك فقال صلى الله عليه سلم اومخرجيهم فقال انه لم يأتي احد بمثل ما جئت به الا اخرجه قومه وكل صاحب دعوة حق فانه له اعداء مرصدون كما بينه امام الدعوة في كشف الشبهات وذكرنا جملة صالحة من التعليق عليه في التقرير على شرح العلامة ابن فوزان وهو من برنامج اليوم الواحد. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان هو حال الانبياء جميعا فما من نبي الا وقد ابتلي بقومه وصار بينه وبينهم احوال ولكنه لما صبر نصره الله سبحانه وتعالى عليه وقص المصنف من خبر اولي العزم عليهم الصلاة والسلام ما يدل على ان الداعية يعرض له من يعارضه ويجادله فلا مناص له من الصبر ولتأكيد هذا جاء الامر بالصبر على زنة افعل الموضوعة للامر اصلا وعلى زنة فاعل الموضوعة للمقابلة. فقال الله عز وجل يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا فالامر بقوله اصبروا ابتداء بالامر. وقوله عز وجل وصابروا اي على وجه المقابلة. فانه سيعرض لكم من يعارضه قم ويناقضكم فلا بد من وجود المصابرة. نعم. الزاد الثالث للحكمة. فيدعو الى الله بالحكمة وما امر الحكمة على غير ذي الحكمة والدعوة الى الله تعالى تكون بالحكمة ثم بالموعظة الحسنة ثم الجدال بالتي هي احسن لغير الظالم ثم بما ليس احسان للظالم. فالمراتب اذا اربع قال الله تعالى ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن وقال تعالى ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي احسن الا الذين ظلموا منهم. ان الحكمة اتقان الامور واحكامها بان تنزل الامور منازلها وتوضع في مواضعها ليس من الحكمة ان تتعجل وتريد من الناس ان ينقلبوا من حالهم التي هم عليها. الى الحال التي كان عليها الصحابة بين عشية وضحاها ومن اراد ذلك فهو سفيه في عقله بعيد عن الحكمة. لان حكمة الله عز وجل تأبى ان يكون هذا الامر ويدلك لهذا ان محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي ينزل عليه الكتاب نزل عليه الشرع حتى استقر في النفوس وكمل فرضت الصلاة في المعراج قبل الهجرة بثلاث سنين. وقيل سنة ونصف وقيل خمسة سنين على خلاف بين العلماء في هذا. ومع هذا لم تفرض على وضعها الان. اول ما فرضت كانت ركعتين للظهر والعصر والفجر وكانت المغرب ثلاثا لاجل ان تكون وترا للنهار وبعد الهجرة وبعد ان امضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنة في مكة تزيد الصلاة الحضر فصارت اربعا في الظهر والعصر والعشاء. وبقيت صلاة الفجر على ما هي عليه لانها تطول في القراءة وبقيت المغرب ثلاثا لانها وتر النار. والزكاة فرضت في السنة الثانية من الهجرة او فرضت في مكة ولكنها لم تقدر تقديرا في انصبائها وواجبها. ولم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم السعاة لاخذ الزكاة الا في السنة في التاسعة من الهجرة فكان تطور الزكاة على ثلاث مراحل في مكة واتوا حقه يوم حصاده. ولم يبين الواجب مقدار ما يجب فيه ذلك الواجب. وجعل الامر موكولا الى الناس وفي السنة الثانية من الهجرة. بينت الزكاة بانصبائها وفي سنة التاسعة من الهجرة صار النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السعاة الى اهل المواشي وثمار لاخذها. فتأمل مراعاة احوال الناس في تشريع الله عز وجل وهو احكم الحاكمين. وكذلك في الصيام تطور في تشريعه فكان اول ما فرض يخير الانسان بين ان يصوم او يطعم ثم تعين الصيام وصار الاطعام لمن لا يستطيع الصوم على وجه مستمر. اقول ان الحكمة تأبى ان يتغير العالم بين عشية وضحاها فلابد من طول النفس واقبل من اخيك الذي تدعوه ما عنده اليوم من الحق وتدرج معه شيئا فشيئا حتى تنتشله من الباطل. ولا يكون الناس عندك على حد سواء. فهناك فرق بين الجاهل والمعاند. ولعل من المناسب ان نضرب امثلة من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم. المثال الاول دخل رجل اعرابي والنبي صلى الله عليه وسلم جاء في اصحابه في المسجد. فبال الاعرابي في طائفة من المسجد فزجره الناس. والزجر هو النهر بشدة ولكن النبي صلى الله عليه وهو سلم وهو الذي اعطاه الله تعالى من الحكمة نهى. نهاهم فلما قضى بوله امر صلى الله عليه وسلم ايراقع على بولي ذنوبا مما يعني دلوى فزالت المفسدة فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم الاعرابي فقال له ان المساجد لا تصنع لشيء من هذا البول ولا القدر. انما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن. او كما قال صلى الله عليه وسلم فانشرح صدر الاعرابي لهذه المعاملة الحسنة ولهذا رأيت بعض اهل العلم نقل ان هذا الاعرابي قال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا احدا. لان محمدا صلى الله عليه وسلم عامله هذه المعاملة الطيبة. اما الصحابة رضوان الله عليهم فسعوا في ازالة المنكر من غير تقدير لحال هذا الرجل الجاهل. المثال الثاني معاوية بن الحكم رضي الله عنه جاء روى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس فعطس رجل من القوم فقال الحمد لله فاذا عطس احد في الصلاة قل الحمد لله سواء في القيام او في الركوع او في السجود. قال هذا الرجل الحمد لله فقال له معاوية يرحمك الله. وهذا خطاب ادمي يبطل الصلاة فرماه الناس بابصارهم وجعلوا ينظرون اليه فقال معاوية واتكلى امياه وثكل الفقد هذه كلمة تقال ولا يراد معناها. وقد قالها النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ابن جبل رضي الله عنه حين قال الا اخبرك بملاك ذلك قل لي قلت بلى يا نبي الله. فاخذ بلسانه قال كف عليك هذا فقلت يا نبي الله وانا لمؤاخذون بما تتكلم به فقال ثكلتك امك يا معاذ. وهل يكب الناس في النار على وجوههم او على مناخرهم الا حصائد السنتهم ثم مضى معاوية رضي الله عنه في صلاته فلما اتم الصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال يا معاوية قال معاوية رضي الله عنه فوالله ما رأيت معلما احسن تعليما منه اللهم صلي وسلم عليه والله ما كاهرني ولا نهارني وانما قال ان هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس انما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن او كما قال صلى الله عليه وسلم انظر الى الدعوة المحببة الى النفوس يقبلها الانسان وينشرح بها صدره. ونأخذ من الحديث من الفوائد الفقهية ان من تكلم في الصلاة ولا يدري ان الكلام يبطل الصلاة فان صلاته صحيحة. المثال الثالث جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هلكت؟ قال ما اهلكك؟ قال وقعت على امرأتي في رمضان وانا صائم فامره النبي صلى الله عليه وسلم ان يعتق رقبة. فقال لا اجد ثم امر وان يصوم شهرين متتابعين قال لا استطيع. ثم امر وان يطعم ستين مسكينا فقال لا استطيع. فجلس الرجل فاوتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر فقال خذ هذا فتصدق به. ولكن الرجل طمع في كرم النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو اعظم المخلوق فان رسول الله صلى الله عليه وسلم اكرم الناس فقال الرجل اعلى افقر مني يا رسول الله؟ والله ما بين الابتلاء اهل بيت افقر مني فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدأت انيابه او نواجذه لان هذا الرجل جاء خائفا يقول هلك فذهب غانما فقال النبي صلى الله عليه وسلم اطعموا اهلك فذهب الرجل مطمئنا غانما فرحا بهذا الدين الاسلامي وبهذا اليسر من الداعية الاول لهذا الدين الاسلامي. صلوات الله وسلامه عليه. المثال الرابع ولننظر كيف عامل صلى الله عليه وسلم مرتكب الاثم رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وفي يده خاتم ذهب فنزعه النبي صلى الله عليه وسلم بيد الكريمة وطرحوا في الارض وقال يعمد احدكم الى جمرة من نار فيضعها في يده. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعامله معاملة الاولين بل نزعه من يده وطرحه في الارض فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قيل للرجل خذ خاتمك انتفع به. فقال والله لاخذ خاتما طرحه النبي صلى الله عليه وسلم الله اكبر هذا الامتثال العظيم من الصحابة رضوان الله عليهم المهم انه يجب على الداعية ان يدعو الى الله عز وجل بالحكمة فليس الجاهل كالعالم. وليس المعاند كالمستسلم. فلكل مقام مقال ولكل منزلة حال يرى المصنف رحمه الله تعالى هنا الزاد الثالث وهو الحكمة. والحكمة نوعان اثنان احدهما الحكمة العلمية وهي اصابة الحق. والثاني الحكمة العملية وهي وضع الامور في مواضعها والداعية الى الله عز وجل محتاج الى هذا وهذا. والحكمة احدى الالات التي يدعى بها فيما تقدم بحسب حال صاحبها فان المسلم المطيع الذي عنده قبول يدعى بالحكمة وما بعده من الاصناف يدعى بما يناسبه كما تقدم. وعامة المسلمين عندهم قبول للطاعة. لان عقد الديانة في نفوسهم فاولى ما يصرف به امر دعوتهم ان يكون بالحكمة. فيبين الانسان لهم امرا الديانة ويعظم لهم الشريعة ويعرفوا ما يلائم نفوسهم من ذلك ليقع امر دعوته في نفوسهم موقع القبر والاذعان ومقتضى هذا ان يكون الانسان عارفا بمدارك الناس وقدرهم طاقاتهم حتى يعامل كل احد بحسبه. كما رأيتم في الاحوال النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام. وكيف ان عامل الاعرابي بما لم يعامل به من دامت صحبته معه. فالاعرابي عمله بدين وتلطف. ومن طالت صحبته معه لما اراه اذنب ذنبا بلبس الخاتم نزعه منه صلى الله عليه وسلم بقوة. وهكذا حاله صلى الله عليه وسلم ومن يظن ان الدعوة الى الله مجزية كلها على التلطف والرحمة فقد خالف الشريعة من يظن ان الدعوة الى الله كلها مبنية على الغلظة والشدة فقد خالف الشريعة. بل الشريعة جعلت مواقع من الدعوة تكون بالتلطف والرحمة ومواقع اخرى من الدعوة تكون بالشدة والغلظة. فيظع الانسان ما وضعته الشريعة في منزلة فانه اذا وافق الدواء الداء حسمه واذا لم يوافقه لم ينفع فيه فاذا استعملت الرحمة واللطف في مقام الغظة والشدة او استعملت الغلظة والشدة في مقام الرحمة واللطف آآ اضر ذلك بالمدعو فينبغي ان يتفطن المرء الى هذا وان يلاحظ ما يصلح فيه هذا او هذا اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. نعم