الحمد لله ربنا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله. اما بعد هذا هو الدرس التاسع والعشرون من برنامج الدرس الواحد الثالث هو الكتاب المقروء فيه هو الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للعلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى. وقبل الشروع في اقراءه لابد من ذكر مقدمتين اثنتين. المقدمة الاولى التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد. المقصد الاول جر نسبه هو شيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله السعدي بكسر السين شددت كما هو مسموع من تلامذته واهل بيته. يكنى بابي عبد الله. ويعرف بابن سعدي وبه اشتهر المقصد الثاني تاريخ مولده ولد ثاني عشر محرم الحرام سنة سبع بعد الثلاثمائة والالف المقصد الثالث تاريخ وفاته توفي رحمه الله قبل طلوع فجر يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الاخرة سنة ست وسبعين بعد الثلاثمائة والالف من العمر تسع وستون سنة. ورحمه الله تعالى رحمة واسعة. المقدمة الثانية التعريف بالمصنف وتنتظم بثلاثة مقاصد ايضا. المقصد الاول تحقيق عنوانه. طبع هذا في حياة مصنفي رحمه الله تحت نظره بهذا الاسم الذي اثبت على قرته. وهو الوحيدة للحياة السعيدة. فهذا هو اسم الكتاب الذي سماه به مصنفه. المقصد الثاني بيان موضوعه لقد جمع المصنف رحمه الله تعالى فيما استودعه من فصول كتابه جملة طيبة من الاسباب التي تنال بها السعادة فترجع على العبد بطمأنينة قلبه وانشراح صدره وراحة نفسه. المقصد الثالث توضيح منهجه استفتح المصنف رحمه الله تعالى لمقدمة تنبأ عن مقصوده ثم صارت ما عده من اسباب السعادة في فصول متتابعة. ربما افرد سببا في فصل وربما اورد في الفصل الواحد اكثر من سبب من اسباب السعادة. وقد صنف المصنف كتابه هذا بعد اطلاع على كتاب دع القلق وابدأ الحياة كما سمعته من تلميذي شيخنا ابن عقيل غير انه شتان بين النفسين فان نفس هذا الكتاب مزال بالدلائل الشرعية مطرز بالمعاني المستنبطة من نور الوحي. وفيه ابرز نموذج على الفرق بين نقل العلماء الراسخين لما يستفاد منه عن امم الكفر وبين نقد المثقفين والمفكرين فانك لا تلحظ في كتاب الشيخ اي شائبة من بنياهم. وفي هذه الاماءة تنبيه الى الحذر من الكتب المترجمة التي تتعلق بسياسة النفس وتنظيم العمل وادارة الوقت. الا من دينه عارف بالشريعة. فان بعض الناس من هؤلاء يجتهدوا الداء بلا بصيرة. كما فعل احدهم اذ صنف اداب عن تربية الذات جرى فيه مجرى امم الكفر فذكر رياضات يمارسها الانسان يتعود بها الصبا فذكر من ذلك ان يقصد الانسان الى علبة ثقاب ثم ينشرها ثم يرتب اعوادها مرة اقرأ وغاب عن هذا المسكين ان في شرعنا ما هو خير من ذلك. فمن ذلك ان يحبس الانسان نفسه فيسبح لله عز وجل مئة مرة خير له من ان يزر اعوادا ثم يجمعها. وقد عظمت البرية واشتد الخطب بهذه الكتب ودخلت علوم فاسدة هي من علوم الشرك والوثنية كعلم البرمجة العصبية حتى فتن به كثير من المنتسبين الى الخير والدين وقد صنفت احدى العارفات بهذا الفن كتابا سمته الشرك الجديد او الجاهلية الجديدة بينت فيه فساد هذا الفن وقيامه على كثير من قواعد هي قواعد سلكية. كان يعتقد ان المتدرب لا ينتفع بتدريب مدربه حتى يكون قلبه مجموعة على ان مدربه يعرف ما في نفسه ويقدر على توجيهه الى رجبته تستكفي بما نقرأ له العلماء ونثروه ونشروه من هذه المعاني بهذا المصنف للشيخ عبد الرحمن ابن سعدي الله تعالى. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد فقال المؤلف العلامة الشيخ عبدالرحمن السدي رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي له الحمد كله واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى اله واصحابه وسلم. اما بعد فان راحة القلب وطمأنينته وسروره وزوال همومه وغمومه. هو المطلب لكل احد وبه تحصل الحياة الطيبة تتم السرور والابتهاج ولذلك اسباب دينية واسباب طبيعية واسباب عملية ولا يمكن اجتماعها كلها الا للمؤمنين واما من سواهم فانها وان حصلت لهم من وجه وسبب يجاهد عقلاؤهم عليه فاتتهم من وجه انفع واثبت واحسن حالا ومآلا. ولكني سأذكر برسالتي هذه ما يحضرني. من لهذا المطلب الاعلى الذي يسعى له كل واحد. فمنهم من اصاب كثيرا منها فعاش عيشة هنيئة. وحي حياة ومنهم من اخفق فيها كلها فعاش عيشة الشقاء وحي حياة التعساء ومنهم من هو بين بحسب ما قال والله الموفق المستعان به على كل خير وعلى دفع كل شر. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا ان مطلب الخلق جميعا مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم طلبوا ما فيه راحة قلوبهم وسرورها وزوال همومها وغمومها فان هذا المظهر تشترك فيه الامم جميعا اذ به تحصل الحياة الطيبة ويتم السرور والابتهاج ثم نبه رحمه الله الى ان تحصيل هذا المطلب يكون باسباب متنوعة تارة تكون اسبابا وزارة تكون اسبابا طبيعية وتارة تكون اسبابا عملية. وهذه الاسباب لا يمكن ان تجتمع جميعا الا واما سواهم فانهم ان اصابوا منها طرفا فقد غابت عنهم منها وجوه واطراف اخرى. كما اشار الى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه عن صهيب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال عجبا لامر المؤمن ان امر كله للخير وليس ذلك لاحد الا للمؤمن. فقوله صلى الله عليه وسلم وليس ذلك لاحد الا المؤمن فيه البيان التام لصحة ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من ان هذه كمالات على اكمل وجه واعلاه انما تحصل مؤمنين واما غيرهم فانهم يصيبون منها بقدر ما لهم من الاسباب. وعلى قدر ما يصيب الانسان من هذه الاسباب التي سوف يبثها المصنف رحمه الله تعالى فيما يستقبل من كلامه بحسب ما يصيب الانسان منها تكون مساعدته فمن اصاب منها كثيرا فقد عاش حياة هنية وحي حياة طيبة ومن اخفق فيها كلها انه يعيش عيشة الشقاء ويحيا حياة التعساء. واما من كان مترددا له من هذا حظ وليس له في حظ فانه يتقلب بحسب ما يعن له. فتارة تظهر السعادة على محياه وتارة تختفي من وراء احزانه بسبب فقده لشيء من هذه الاسباب العظيمة. نعم. فصم واعظم الاسباب لذلك واصلها واسها هو الايمان والعمل الصالح. قال تعالى من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة. ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون فاخبر تعالى ووعد من جمع بين الايمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدار. رب الجزاء الحسن في هذه الدار القرار وسبب ذلك واضح فان المؤمنين بالله الايمان الصحيح المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والاخلاق والدنيا والاخرة معهم اصول واسس يتلقون فيها. جميع ما يرد عليهم من اسباب السرور والابتهاد. واسباب القلق والهم والاحزان يتلقون المحاب والمسار بقبول لها وشكر عليها واستعمار لها فيما ينفع. فاذا استعملوها على هذا الوجه احدث لهم من الابتهاج بها والطماع في بقائها وبركتها. ورجاء ثواب الشاكرين. امورا عظيمة تفوق بخيراتها وبركاته هذه المسرات التي هي ثمراتها. ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم قومتيني ما يمكنهم مقاومته وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه. والصبر الجميل لما عليه السلام عنه ود وبذلك يحصل لهم من اثار المكاره من المقاومات النافعة والتجارب والقوة ومن الصبر واحتساب الاجر والثواب امورا عظيمة. تضمحل مع هالمكاره وتحل محلها المسار والامال الطيبة والطمع في فضل الله وثوابه. كما عبر النبي صلى الله عليه عن هذا في الحديث الصحيح انه قال عجبا لامر المؤمنين امره كله خير. ان اصابته سراء شكر فكان خير خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له. وليس ذلك لاحد الا للمؤمن. فاخبر صلى الله عليه وسلم ان المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات اعماله. في كل ما يطرقه من السرور والمكاره. لهذا تجد تطرقهما نائبة من نوائب الخير او الشر. فيتفاوتان تفاوتا عظيما في تلقيها. وذلك بحسب تفاوتهما في الايمان والعمل الصالح. هذا الموصوف بهذين الوصفين يتلقى الخير والشر مما ذكرناه من الشكر والصبر وما يتبعهما. فيحدث له السرور والابتهاج وزوال الهم والغم والقلق وضيق الصدر وشقاء الحياة وتتم له الحياة الطيبة في هذه الدار. والاخر يتلقى المحاب باشر وبطل وطغيان فتنحرف اخلاقه ويتلقاها كما تتلقاها البهائم بجشع وهلع. ومع ذلك فانه غير مستريح القلب. بل مشتته من جهات عدة. مشتت من جهة خوفه من زوال محبوباته. ومن كثرة المعارضات ناشئة عنها غالبة. ومن جهة ان النفوس لا تقف عند احد. بل لا تزال متشوفة لامور اخرى قد تحصل وقد لا تحصل وان حصلت على الفرض والتقدير فهو ايضا قلق من الجهات المذكورة. ويتلقى المكاره بقلق وجزع خوف وضجر فلا تسأل عما يحدث له من شقاء الحياة ومن الامراض الفكرية والعصبية. ومن الخوف الذي قد يصل به الى اسوأ الحالة وافظع المزعجات لانه لا يرجو ثوابا ولا صبر عنده يصليه ويهون عليه. وكل هذا مشاهد بالتجربة ومثل واحد من هذا النوع اذا تدبرته ونزلته على احوال الناس رأيت الفرق العظيم بين المؤمن العامل بمقتضى ايمانه وبين من لم يكن كذلك وهو ان الدين يحث غاية الحث على القناعة برزق الله. وبما اتى العباد من فضله وكرمه المتنوع. فالمؤمن اذا بمرض او فقر او نحوه من الاعراض التي كل احد عرضة لها فانه بايمانه وبما عنده من القناعة والرضا بما قسم الله له قرير العين لا يتطلب بقلبه امرا لم يقدر له ينظر الى من هو دونه ولا ينظر الى من هو فوقه وربما زادت بهجته وسروره وراحته على من هو متحصن على جميع المطالب الدنيوية. اذا لم يؤت القناعة كما تجد هذا الذي ليس عنده بمقتضى الايمان اذا ابتلي بشيء من الفقر او فقد بعض المطالب الدنيوية تجده غاية في التعاسة والشقاء ومثل اخر اذا حدثت اسباب الخوف والمت بالانسان المزعجات تجد صحيح الايمان ثابت القلب مطمئن النفس. متمكنا من تدبيره تسييره لهذا الامر الذي داهمه بما هو في وسعه من فكر وقول وعمل. قد وطن نفسه لهذا المزعج الملم وهذه احوال تريح الانسان وتثبت فؤاده. كما تجد فاقد الايمان بعكس هذه الحال اذا وقعت المخاوف اجلها ضميره وتوترت اعصابه وتشتت افكاره وداخله الخوف والرعب واجتمع عليه الخوف الخارجي والقلق الباطني الذي لا التعبير عن كنهه وهذا النوع من الناس ان لم يحصل لهم بعض الاسباب الطبيعية التي تحتاج الى تمرين كبير انهارت قواهم توترت اعصابهم وذلك لفقد الايمان الذي يحمل على الصبر خصوصا في المحال الحرجة. والاحوال المحزنة المزعجة فالبر والفاجر والمؤمن والكافر يشتركان في جلب الشجاعة الاكتسابية وفي الغريزة التي تلطف المخاوف وتهونها ولكن يتميز المؤمن بقوة ايمانه وصبره وتوكله على الله واعتماده عليه واحتسابه لثوابه امورا تزداد بها شجاعة وتخفف عنه وطأة الخوف وتهون عليه المصاعب. كما قال تعالى ان تكونوا تألمون انهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون. ويحصل لهم من معونة الله ومعيته ومعينه الخاص ومدده ما يبعثر المخاوف. وقال تعالى واصبروا ان الله مع الصابرين. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا السبب الاول من اسباب السعادة وطمأنينة القلب وانشراح الصدر وهو الايمان بالله والعمل الصالح. ووجه ذلك ان العبد بين شيئين اثنين احدهما نعمة واصلة. والاخر مصيبة حاصلة. ولا يتمكن من اظهار واجب فيهما الا المؤمن فما وصله من النعم فانه يبادر بشكر الله عز وجل عليه من حصل له من النقم فانه يدرع بالصبر عليه. والى ذلك اشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث صهيب رضي الله عنه المخرج في صحيح مسلم عجبا لامر المؤمن ان امره كله خير وليس ذلك لاحد الا للمؤمن ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له. فذكر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ما تعامل به النعمة الواصلة وهو شكر الله سبحانه وتعالى عليها ما تدفع به المصيبة الحاصلة وهو الصبر عليها. فاذا تذرع العبد بالشكر والصبر كان ذلك على ايماني لان الصبر والشكر من اعظم اصول الايمان حتى جاء عن بعض السلف الصبر نصف الايمان والشكر نصف الايمان. وجاء عن بعضهم الصبر رأس الايمان. مما يدل على ان دائر مع هذين الشيئين دورانا عظيما. فاذا قام الانسان بالشكر والصبر كان مؤمنا لله عز وجل. واذا العبد بالله سبحانه وتعالى فان الله عز وجل يحييه حياة طيبة في الدنيا والاخرة ويجزيه الجزاء الحسن في والاخرة كما ذكر الله عز وجل ذلك في الاية التي صدر بها المصنف رحمه الله تعالى هذا الفصل ثم نبه رحمه الله تعالى الى الفرق بين الناس في هذا الباب فان الناس في هذا الباب بينهم تفاوت عظيم في صورهم بل اعظم. فكم من انسان تراه مطمئن القلب منشرح الصدر؟ وكم من انسان تراه مشوشة القلب ضيق الصدر. وهم في كل متفاوتون. فاولئك المطمئنون في قلوبهم المنشرحة صدورهم بينهم درجات كثيرة فمقل ومستكثر ومثلهم مقابلوهم ممن تشوشت قلوبهم وضاقت صدورهم فهم في ذلك تفاوتا عظيما. كل ذلك بحسب الايمان. فمن زاد ايمانه زادت سعادته ومن قل ايمانه قلت سعادته كما اشار الى ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله فيما نقله عنه الترمذي ابن القيم في مدارس السالكين من اراد استعادة الابدية فليلزم عتبة العبودية ثم ضرب المؤلف رحمه الله تعالى مثلين يتبين بهما المقال في بين الطائفتين اولهما ان المؤمن اذا ابتلي بمرض او فقر او نحوه من الاعراض التي كل احد عورة لها فانه بايمانه وبما عنده من القناعة والرضا بما قسمه الله عز وجل تجده قرير العين لا يتطلب بقلبه امرا لم يقدر له فلا ينظر الى من هو فوقه بل ينظر الى من هو دونه. وربما رأى ان فقره تبه سعادته. لان الله عز وجل قد يحجب الغنى عن بعض العباد لتكميل عبوديتهم. وان من هؤلاء من يكونوا في اكمل السعادة وقد جاء في الترجمة ابراهيم ابن ادهم الزاهد المشهور وكان ابنا لاحد الامراء وتخلى من امارة والده تحول من بلاده الى مصر فكان رحمه الله تعالى يأكل الخبز اليابس ويغمسه في الماء ويأكله ويقول والله انا لفي السعادة لو يعلم بها الملوك وابناء الملوك لجالدونا عليها اسيوط والقائل لهذا هو ابن ملك وقد انس سعادة القصور والقروش والفرش والعز ولكنه لم يجد فيها طمأنينة قلبه وانشراح صدره بل وجد التخلي عنها والاقبال على الله سبحانه وتعالى هو سبب في ذلك. وقد اتفق هذا الامر لكثير من امراء الزمان في القديم والحديث يتخلون عن اماراتهم ويقبلون على القرآن ويشتغلون بما ينفعهم. لانهم لم يحسوا السعادة فيما كانوا عليه. اما من لم يكن قوي الايمان ثابت اليقين فانه اذا حدثت به ضائقة من ضوائق الدنيا اصابه من ضيق الصدر وحرج وتشوش القلب وتبلبل الخواطر ما الله سبحانه وتعالى به عليم. وربما حمل هذا الامر احدهم على ان يقتل نفسه فكم من امرئ يسمع بانه قتل نفسه لاجل ضائقة مالية اصابته او افلاس نزل به لان قلبه ضعيف عن صد هذه الواردات لفراغه من الصبر. وذكر المصنف رحمه الله تعالى مثلا اخر اذا حدثت اسباب الخوف والمت بالانسان المزعجات تجد صحيح الايمان ثابت القلب مطمئن النفس متمكنا من تدبيره ومعرفة ما يصلح به حاله. ولم يتمكن هذا الوالد المخوف من بلبلة يقينه ولا زعزعة ايمانه ولا على عقله بل تجده يتصرف في المدلهمات بحكمة بالغة. اما فاقد الايمان فهو بعكس هذه الحال. اذا وقع من خوف انزعج ضميره وتوترت اعصابه وتشتت افكاره وعذاه الرعب والخوف ولم يوفى الى معرفة ما تصلح به حاله فتنهار قواه وتتوتر اعصابه. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين في منزلة السكينة ما كان يلحقهم احيانا من تزعزع نفوسهم والخوف عليها بسبب كثرة من يطيه بهم من خصومهم فما ان يأتوا الى مجلس ابي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى فيقرأ عليهم ايات السكينة حتى يجدون برد اليقين وثلج الطمأنينة في نفوسهم. والمقصود انه كلما زاد ايمان الانسان وصبره وتوكله على الله واظهر شكره لله عز وجل على نعمه زاد امر سعادته وان كان معدما فقيرا وكلما قل حظ الانسان من الصبر والشكر كلما زاد عذابه وان كان غنيا مترفا فان الغنى والترف في هذه الصور الظاهرة انما هو نعيم الظاهر. وقد فقد اكثر هؤلاء نعيم الباطل. واشد الالم والعذاب هو عذاب الباطن كما ذكر ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وحفيده بالتلمذة ابن رجب فتجد الرجل قوية في بدنه المتينة في صورته المترددة في الترف تجده محطم القوى مزعزع القدر مشوشة الخواطر وذلك لان تياط العذاب نازلة على قلبه. وترى الرجل النحيل الفقير للحاجة وتجده قوي الايمان ثابت الجأش يجد برد اليقين وطمأنينته في قلبه. نعم. ومن الاسباب التي تزيل الهم والغم والقلق الاحسان الى الخلق بالقول والفعل وانواع المعروف. وكلها خير واحسان وبها الله عن البر والفاجر الهموم والغموم بحسبها. ولكن للمؤمن منها اكبر الحظ والنصيب. ويتميز بان احسانه صادر عن اخلاص واحتساب لثوابه. فيهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير. ويدفع عنه المكاره باخلاصه اعصه واحتسابه. قال تعالى لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس. ومن يفعل ذلك ابتغاء قاتل الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما. فاخبر تعالى ان هذه الامور كلها خير ممن صدق والخير يجلب الخير ويدفع الشر. وان المؤمن المحتسب يؤتيه اجرا عظيما. ومن جملة الاجر العظيم الهم والغم والاكدار ونحوها. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة سببا اخر ينشرح في الصدر ويطمئن القلب ولا يزال الهم والغم والقلق. وهو الاحسان الى الخلق بالقول والفعل وانواع المعروف. فكلها خير واحسان وبها يدع الله عز وجل ايضا عن الفاجر همومه وغمومه بحسب ما قدم من الاحسان الى الخلق فيكون احسانه الى الخلق مقلرا من همومه وغمومه حتى اذا استكمل الايمان اندفعت تلك الغموم كلها وقد الى هذا السبب ابن القيم رحمه الله تعالى في فصل ماتع له في ايجاد المعاد ذكر فيه اسباب انشراح الصدر المصنف رحمه الله تعالى الحجة في ذلك وهي قول الله تعالى لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس فان هذه الامور كلها مما يؤدى به الاحسان الى الخلق وما استعبد الناس بمثل ومن شرحت الصدور بعد معاملة علام الغيوب بالتوحيد بمثل معاملة الخلق بالاحسان اليهم وكف الاذى عنهم وصفي عن خطاياهم والعفو عن زلاتهم. وان اعظم الناس احسانا الى الناس هو نبينا صلى الله عليه وسلم فانه صلى الله عليه وسلم هدى وارشد ودل وترك الناس على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك ووراثه من بعده من العلماء هم اكثر الناس احسانا الى الخلق جميعا انثهم وجنهم بل وبهائمهم فان النملة في جحرها والحوت في بحرها تستغفر للعالم وانما تستغفر للعالم لان يصل اليها من الاحسان هو بتعليم العالم الناس ما يجب لهذه البهائم العجلاء من الحقوق. وهذا يدلك على ان من اعظم ابواب الخير ومتعلم العلم ساع في طلب الاحسان. وناشر العلم ساع في بذل الاحسان وكما قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى افضل الهدية كلمة الخير يهديها العبد الى اخيه المسلم. نعم