الحمد لله رب العالمين رب السماوات ورب الارض رب العرش العظيم. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما مزيدا اما بعد فهذا هو المجلس الثالث من الدرس الثالث من برنامج اليوم الواحد الثاني والكتاب المقروء فيه هو المواهب الربانية من الايات القرآنية للعلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى وقد انتهى بنا القول الى قوله رحمه الله تعالى فائدة عظيمة بل هي من اعظم الفوائد على الاطلاق بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف رحمه الله تعالى فائدة عظيمة بل هي من اعظم الفوائد على الاطلاق. الايمان هو على قال واشرف المراتب اكمل المناقيض بل لا يمكن ان تكون فضيلة ولا ثوابا الا بالايمان وحقوقه. ولذلك اثنى الله فيه على خيار والمصطفين من عباده فقال في كل من نوح وابراهيم وموسى وهارون والياس وغيرهم من الانبياء انه من عبادنا المؤمنين. فعلل ما حصل لهم من الخيرات وزوال السرور بايمانهم وقد علق الله الفناء او دخول الجنان على الايمان في قوله قد افلح المؤمنون ثم ذكر صفاتهم الناشئة عن عن ايمان ثم قال اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون. وقال تعالى وبشر المؤمنين وقال الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين امنوا وكانوا يتقون. وقال تعالى ان الله يدافع عن الذين امنوا ان الله قال يحب كل خوان كفور وان الله مع المؤمنين وغير ذلك من نصوص الكتاب والسنة ذلك على فضله وفضل اهله وان الخير كله وان الخير كله فيه فعلى العبد الذي يريد نجاة نفسه ويقصد كما رأى فلاحا يسعى غاية جهده ويبذل مقدورا في هذا الوصف وهو الايمان علما ومعرفة وعملا وحالا ووصفا. وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الايمان بكم وسبعون شعبة اعلاها قول لا اله الا الله ادناها اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان. فوصفه باقوال اللسان التي يحبها الله ورسوله وذكرها على هابل الى عباد الله بها يستقيم الكلام وبالاحسان وذكر اعلاها وبالاحسان الى عباد الله اي احسان اي احسان كان حتى اماطة الاذى عن طريقهم وباعمالهم القلوب التي اصبح الحياء فان من اتصل بالحياء من الله فقد ان صبغ قلبه بمعرفة الله وحبه وخوفه ورجائه والتحبب فيما ما امكن وحقيقة هذا ان الايمان اسم جامع للشرائع الظاهرة والباطنة لاقوال اللسان واقوال القلب واماكنها ما للقلوب واعمال الجوارح وان من قام بهذه الامور كلها ونفع بها واحسن كان اكمل الناس ايمانا واما من نقص منها معرفة وعلما وعملا وحالا نقص من ايمانه بقدر ذلك. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا فائدة وصفها بانها عظيمة وانما عظمت هذه الفائدة بل هي من اعظم الفوائد على الاطلاق لتعلقها باعظم مطلوب. فان اعظم مطلوب اريد من العبد هو ايمانه بالله عز وجل المشتمل على انقياده وتسليمه وتصديقه الجازم لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الدين كله وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى في صدر هذه الفائدة مسائل ثلاث اولاها تعظيم امر الايمان وان امر الايمان عظيم فان الله سبحانه وتعالى علق عليه الفلاح ودخول الجنان كما قال سبحانه وتعالى قد افلح المؤمنون فذكر فلا بسبب ايمانهم ثم بين اوصافهم الكاملة وما يكون لهم في الاخرة. في ايات اخرى يذكر الله سبحانه وتعالى فيها عظيم اثر الايمان ككون البشارة لهم كما قال تعالى وبشر المؤمنين او ان الله عز وجل معهم كما قال الله عز وجل وان الله مع المؤمنين او اخبر الرب سبحانه وتعالى بانه يدافع عنهم ويدفع كما قال الله عز وجل ان الله عن الذين امنوا وفي القراءة الثانية ان الله يدفع عن الذين امنوا والمسألة الثانية تحريض العبد على الاقبال على هذا الامر العظيم وتهييج نفسه الى طلبه فان في ذلك نجاته وبذلك يحصل كماله وفلاحه. ومتى عرف العبد هذا سعى اليه غاية الجهد. وبذل فيه اكبر المقدور الذي يكون في وسعه والمسألة الثالثة بيان حقيقة الايمان وان الايمان جامع للشرائع الظاهرة والباطنة ولاقوال اللسان واقوال القلب واعمال القلوب واعمال الجوارح. وقد اشار اليهن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المخرج في الصحيحين واللفظ للبخاري وهو اثبت الايمان بضع وستون شعبة ثم ذكر اعلاها وهو قول فقال اعلاها قول لا اله الا الله ثم ذكر ما يدل على العمل الظاهر بالجوارح وهو اماطة الطريق فقال وادناها اماطة الطريق ثم اشار الى اعمال القلوب بقوله والحياء شعبة من الايمان الناس في الايمان درجات متفاوتة فاكمل ممن وصل في علوم الايمان الى علم اليقين وحق اليقين وفي اعماله من وفى مرتبة الاحسان الله على وجه الحضور والمراقبة وفي احوال الايمان من كانت ادابه واخلاقه صبغة لقلبه وحاله اما النصف الثاني علم اليقين واقف باليقين يبدو انها هنا سقطا وعين اليقين لان عين اليقين مقام كائن بين علم اليقين وحق اليقين فلا بد من ذكره صلى الله عليه وسلم الى علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين وعلم اليقين وعين اليقين وحق اليقين الى علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين وفي اعماله من وفى مرتبة الاحسان وعبد الله على وجه الحضور والمراقبة وفي احوال الايمان ما كانت ادابه واخلاقه صبغة لقلبه وحالا غير حائلة حالا غير عائلة بل ان اردى ان وله ما يشوش عليه ايمانه وبادر بالحان لادانته ورجع الى نفسه ووصفه صبغة الله ومن احسن من الله صبغة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا. فان لم يتغير ايمانه عند المعارضات في الشهوات والارادات السيئة واتيان الامر مخالفا مخالفا لمراد النص كان هذا المؤمن حقا ولهذا قال تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا فجاهدوا باموال ثم انفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون ولهذا كان من كمال الايمان ان ينتصر من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عن من ظلمك. ولهذا ايضا كان اخراج محبوب النفس وهو المال لله الا دليلا على الايمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والصدقة برهان ولهذا ايضا كان الصبر من الايمان كالرأس من الجسد عظم المصنف رحمه الله تعالى قدر الايمان وهيج النفوس الى طلبه وذكر حقيقته وانه جامع للشرائع الظاهرة والباطنة بين رحمه الله تعالى ان الناس يتفاوتون في حظوظهم من هذه الحقيقة وهم درجات متفاوتة في الايمان. وهذا مبني على ما تقرر عند اهله بالسنة والجماعة. من ان الايمان يزيد وينقص. فكما يكون الايمان زائدا تارة وناقصا اخرى في حق الواحد من العباد. فانه كذلك يكون متفاوتا بين العباد جميعا. فمن الناس من يثقل ايمانه ويعظم ومن الناس من يضعف ايمانه وينقص. وقد ذكر رحمه الله تعالى ان الكمل من المؤمنين هم الذين اسلم لهم ايمانهم عند ورود المعارضات كشهوات والارادات السيئة والاوامر التي تخالف بها النفس ما امر به الشارع ولا يمكن للمرء قمع جماح النفس حتى يكمل ايمانه. ولذلك اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله مال المؤمنين ايمانا احسنهم اخلاقا ان من المعارك التي يبلغ بها كمال الايمان ان يكون العبد حسن الخلق وتقدم الاعلام بان الخلق يطلق بالشرع على معنيين اثنين. احدهما الدين كله كما قال سبحانه وتعالى في وصف نبيه وانك لعلى خلق عظيم قال مجاهد وغيره من المفسرين لعلى دين عظيم والمعنى الثاني معنى خاص وهو ما يقع من ادب المعاملة بين المخلوق وغيره ولا يحصل للعبد كمال الايمان حتى يكون له حظ ونصيب من كمال هذين المعنيين في الخلق وحسنهما ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى في جملة ما يندرج في تثمين رتب الايمان ان تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو من ظلم لان في هؤلاء الثلاث نزع لحظ النفس فان النفس تنزع الى ان تقطع من قطعها وتحرم من حرمها وتظلم من ظلمها فاذا بادر العبد الى فطامها عن مألوفها وصرفها عن ما الفته بان وصل من قطعه واعطى من حرمه وعفا عمن كان ذلك اكمل لايمانه الا ان هذه المنزلة تحتاج الى مجاهدة عظيمة لانها فطام صعب وقد يسهل فطام الرضيع عن الحليب ويصعب فطام النفس عن مألوفاتها. ومن جملة ذلك ايضا ان اخراج محبوب النفس وهو المال الله تعالى دليل على الايمان فان النفس زين لها حب المال كما قال الله عز وجل زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير بالمقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث وما ذكره الله سبحانه وتعالى بعد البنين هو من جملة المال الذي حبب للنفس جبلة وفطرة وغريزة فاذا ابت النفس الانقياد لهذه الغريزة واخرجت حق الله سبحانه وتعالى من المال كان ذلك دليلا على الايمان كما جاء في الحديث المخرج في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الصدقة برهان عقب قوله الصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء وكون البرهان بمعنى الدليل في هذا الحديث هو احد اقوال اهل العلم واحسن من هذا ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الحديث اعمالا ثلاثة. ثم قسم قدرها من النور بحسب قوتها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة نور يعني نور مطلق. ثم قال الصدقة برهان والبرهان هو الشعاع الذي يلي وجه الشمس وهو اظعف من نورها ثم اخبر بان الصبر ضياء كضياء القمر وهو النور الذي لا يشتمل على احراق وانما يشتمل على اشراق لما كانت الانوار مرتبة بهذه القوة رتبت الاعمال بحسبها. فالنور المطلق هو اقوى الانوار ودونه البرهان ودونه الضياء فكذلك الصلاة اعظم ودونها الصدقة ودونهن الصبر والصبر في هذا الحديث كما جاء في بعض الروايات وتدل عليه ايات في القرآن الكريم هو الصيام فدل هذا الحديث على تفاضل هذه الاعمال بحسب ما يكون لصاحبها من الانوار. ثم ذكر ايضا في جملة ما يتعلق بتكميل الايمان ان العبد لا يكمل ايمانه حتى يكون عبدا صبورا. ولذلك قال بعض السلف من الايمان كالرأس من الجسد. فمن لا صبر له لا ايمان له. لان المرء مفتقر الى الصبر في اداء المأمورات وترك المحظورات والصبر على المقدورات. فلا يمكن للمرء ان يأتي بهن حتى يكون له حظ من الصبر. فاذا كان له حظ من كان ذلك الحظ حافظا لايمانه مكملا له ومن علامات الايمان ما ذكره الله بقوله انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة الكريم ووصف المؤمنين بانهم الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم اي خضعت وخشعت وذلت لعظمته وانكسرت وان كانت لكبريائه فتركت معاصيه وقامت عقابه واطمأنت بذكره. الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب وانهم اذا تليت عليهم اياته جعلتهم ايمانا اي ازدادوا بها علما وبصيرة ورغبة في الخير ورهبة من الشر. فنمى الايمان في قلوب وكان ايمانا ناشئا عن اعظم الادلة والبينات. كما قالوا ربنا اننا امنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار. فقالوا ربنا فاننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا وكما قال مؤمن الجن وانا لما سمعنا الهدى امنا به فحسب ايمان العبد يزداد ايمانه عند تلاوة كتاب الله والحكمة فهذا اعلى ما يكون من الايمان. فانت انه ايمان على اكبر البراهين وايمان على بصورة لا لا كايمان ضعفاء المؤمنين عن العادات والتقليد الذي هو اربط للعوارض والعوائق. اما هذا الايمان فهو ايمان لا تزعزعه الشبهات ولا تعارضه الخيارات بل يزداد مع صاحبه مدى الاوقات وواصلهم بتحقيق التوكل عليه فاعظم الناس ايمانا اعظمهم توكلا على الله خصوصا التوكل العالي الذي هو الاعتماد التام على الله لتحصيل محابه ومرضه ودفع مساخطه. ولهذا يجعل الله التوكل ملازما للايمان في كثير من الايات. كقوله وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين فالمؤمن حقا تجده قائما بما امر الله به من الاسباب معتمدا على مسببها ومصرفها واثقا بربه لا يطلقه تشوشا ولا يحزنه اتيانها على غير مراده. قد هدى الله قلبه فاطمئن الى ربه ورضي به وفوض اليه امرا ومن يؤمن بالله يهدي قلبه قد تحقق قوله تعالى الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض ان ذلك في كتاب ان ذلك على الله يسير وقوله لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم قد رضي بكفاية ربه وسلم اليه الامر. ومن يتوكل على الله فهو حسبه ووصف المؤمنين حقا في هذه الاية بانهم الذين يقيمون الصلاة اي يقيمونها بقيام بقيام مكملاتها ظاهرا وباطنا ويؤتون الزكاة فالصلاة فيها الاخلاص للمعبود والزكاة فيها الاحسان الى عباد الله كان ان يقيمونها بقيام مكملاتها ظاهرا وباطنا هذا سبق قلم اما من المصنف او من غيره فانه ليس في الاية ويؤثين الزكاة وانما فيها ومما رزقناهم ينفقون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون فتحول الى ومما رزقناهم ينفقون ان يقيمونا بقيام مكملاتنا ظاهرا وباطنا ومما رزقنا منفقون. فالصلاة فيها الاخلاص للمعبود والزكاة فيها الاحسان الى عباده والله تعالى فبحسب ايمان العبد يكون قيامه بالصلاة والزكاة الذين هما ام العبادات واجلها. واعلاها واعظمها نفعا وثمرات شرع المصنف رحمه الله تعالى يبين علامات الايمان وذكر اية من سورة الانفال اشتملت على خمس صفات من صفات المؤمنين اولها انهم اذا ذكر الله وجلت قلوبهم والوجل هو الخوف الوارد على القلب عند ذكر من يخاف سلطانه وعقوبته او لرؤيته كما يعلم من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في مجالس السالكين فالمؤمنون اذا ذكر الله حصل لقلوبهم هذا الخوف تعظيما لله عز وجل واجلالا وانقلب هذا الخوف الى مقام منه وهو الوجل فان الخوف قدر من الهروب والذعر لكن يتفاوت قدره في القلب فتختلف درجته. فتارة يكون الخوف وجلا وتارة يكون خضوعا. وتارة يكون توعا وتارة يكون خشية وتارة يكون رهبة. فان هذه الاسماء بينها قدر مشترك وهو قروض القلب وذعره وفزعه لكن تختلف في معنى لاجله اختلفت في الاسماء وثانيها انهم اذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا لان ايات الرب سبحانه وتعالى مشتملة على ما ينمي الايمان ويزيده. فهم اذا سمعوا القرآن الكريم زاد ايمانه هم بربهم عز وجل اذ عظمت عندهم الادلة والبينات وتواردت على نفوسهم الحجج الواضحات فزاد عند ذلك ايمانهم وثالثها انهم على ربهم يتوكلون وتقديم الجاد والمجروع فيه اشارة الى حصر التوكل بالرب سبحانه وتعالى فلم يقل الله عز وجل ويتوكلون على ربهم وانما قال وعلى ربهم يتوكلون ليعلم انهم لا يتوكلون الا على الله عز وجل وحقيقة هذا التوكل انهم يفوضون الامر الى الله عز وجل ويسلمون ويثقون بوعده عز وجل ورابعها انهم يقيمون الصلاة وهذه الاقامة تشمل معنيين اثنين كما يفهم من كلام المصنف رحمه الله تعالى وغيره اولهما الاقامة الباطنة بكمال اقبال القلب على الصلاة واشتغاله بمحاب الله فيها والاخر الاقامة الظاهرة باداء الصلاة كما جاء نعتها عن النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي المصلي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيحصل بهاتين الاقامتين اقامة الصلاة على الحقيقة وخامسها انهم ينفقون مما رزقهم الله. وهذا وان كان يتبادر ابتداء الى ما اوجب الله سبحانه وتعالى كالزكاة والنفقات الواجبة غير انه يندرج فيه كذلك الصدقات المستحبة فهم لا يقصرون عطاياهم ونفقاتهم على ما اوجب الله بل يتصدقون تطوعا وتبررا ورغبة في الاجر عند الله عز وجل وكملوا المؤمنين لا تقف نفقتهم مما رزقهم الله على المال بل هم يجودون بكل ما من الله عليهم به فاذا من الله عز وجل على احدهم بعلم او جاهل او بيان انفق من هذا العلم والجاه والبيان ولهذا فان من طرائق الازدياد من العلم والجاه والبيان مدوا يد النفقة فيه والجود به. وقد اشار الى هذا المعنى الالبيري رحمه الله تعالى في منظومته اذ يقول في العلم يزيد بكثرة الانفاق منه وينقص ان به كفا شددتا فاذا زاد المرء من نفقته فيما رزقه الله عز وجل غير المال من العلم او الجاه او البيان فان الله عز وجل يبسط له من جوده وفضله في علمه وجاهه وبيانه فكذلك وصف الله المؤمنين في قوله قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم تكاد فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون. والذين هم لامانات في عهدهم راعون والذين هم على صلواتهم يحافظون. فهذه الاوصاف العظيمة بها يكمل الايمان ويتحقق وهو للخلق فالمؤمنون المصلحون اهل الفردوس هم الذين اقاموا الصلاة ظاهرا وباطنا بحقوقها وخشوعها الذي هو لبها واتوا الزكاة المأمورة بها وحفظوا السنتهم من الكلام السيء والفحش ومن اللغو والكلام الباطل. ولهذا نبه بلادنا الذي هو اللغو ام على ما هو اولى منه فاخبار الله انهم عن اللغوي معرضون الذي هو الكلام الذي لا منفعة فيه يدل على انهم تركوا الكلام المحرم وحفظوا عن الحرام لله تعالى وتمام حفظها حفظ البصر وعدم قربان الفواحش ومقدماتها كما قال تعالى قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ازكى لهم ان الله خبير بما يصنعون. ووصفهم بمراعاة عهودهم واماناتهم وهذا عام للعهود والامانات التي بينهم وبين ربهم فانهم قد عقدوا بينهم وبين ربهم عقد الطاعات والسمع والالتزام ولهذا ذكرهم الله بهذا العهد في قوله واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي وافقكم به ان قلتم سمعنا واطعنا والعهود والامانات التي بينهم وبين الخلق ان لا ينقضوا وهو ان يؤدوا الامانة وان يؤدوا الامانات الى اهلها. ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان علامة الايمان ان يكون العبد مؤتملا على الدماء والعمال فقال المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من امنه الناس على دمائهم واموالهم فقال لا يؤمن من لا يأمن وجاره بوائقه ووصف المنافق بضد ذلك. هذه الجملة من كلام المصنف رحمه الله تعالى اشتملت على طائفة اخرى من اوصاف المؤمنين ذكرها المصنف رحمه الله تعالى مستنبطة مما ذكر الله عز وجل في صدر سورة المؤمنون فان الله عز وجل وصف المؤمنين فيها بصفات ست اولها انهم في صلاتهم خاشعون وسيأتي في كلام المصنف رحمهم الله تعالى فصل مفرد فيما يتعلق بالخشوع وثانيها انهم عن اللغو معرضون واللغو اسم جامع لكل ما لا يعتد به من الكلام واذا كانوا قد اعرضوا عن الكلام الذي لا نفع فيه ولا طائل تحته فهم احرى ان يكونوا قد اعرضوا عن الكلام السيء القبيح الفاحش مخالف للشريعة وثالثها انهم للزكاة فاعلون فهم يؤتون الزكاة ويخرجونها في مصارفها التي امر الشرع بها. ورابعها ان انهم لفروجهم حافظون وهذا الحفظ يرجع الى امرين اثنين احدهما حفظ الفرج نفسه والثاني حفظ الوسائل المفضية الى اثارته كحفظ البصر وغيره. كما وقع في كلام المصنف رحمه الله تعالى وخامسها انهم لاماناتهم وعهدهم راعون فهم يرعون العهود التي بينهم وبين الله سبحانه وتعالى ويرعون العهود التي بينهم وبين الخلق ولذلك امروا بذلك بصفة الايمان. فقيل لهم يا ايها الذين امنوا اوفوا العقول ليعلم ان الوفاء بالعقد من جملة الايمان وقد مدحهم الله عز وجل بوفائهم لعقودهم فقال يوفون بالنذر فان النذر في هذه الاية في الاصل هو العهد العام الذي الزم الانسان به نفسه بدخوله في الاسلام. فالمؤمنون يوفون بالعهد فمدحهم الله عز وجل لذلك وكان ذلك سببا لنجاتهم في الاخرة. وثالثها انهم على صلاتهم يحافظون وهم يحافظون على الصلاة وقد ذكر الله عز وجل نحو هذا المعنى في سورة المعاني لكنه فرق بين وصين فتارة وصفهم بانهم على صلاتهم دائمون ووصفهم ثانية بانهم على صلاتهم يحافظون وفرق بين الوصفين فان الديمومة متعلقة بالصلاة نفسها فيما يتعلق في فعلها وادائها. واما المحافظة فهي متعلقة بما هو خارج عنها كشروطها من دخول الوقت ورفع الحدث وازالة الخبث فلاجل ان المؤمنين قد اختصوا بهذين الوصفين وصفهم الله عز وجل بهما جميعا فليس بالكلام تكرار. كما قد يتوهم متوهم وانما في كل صفة ما ليس بالاخرى ووصف المؤمنين بالايمان بجميع الحق الذي نزله الله ورسله الذين ارسلهم الله فقال امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنين كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير. فالمؤمن لما كان وصفه انه متطلب لرضوانه لله متبع هداه اينما كان امن بجميع الالهية والرسل والتزم الدخول في طاعة الله وطاعة رسوله في كل شيء فسأل الله ان له ما قصر فيه وان يتجاوز عنه اذا قدم عليه. من صفات المؤمنين انهم يؤمنون بجميع الحق الذي نزله الله ويؤمنون بالرسل الذين ارسلهم الله عز وجل كما ذكر الله عز وجل عنهم في هذه الاية من سورة البقرة ومعنى قول المصنف رحمه الله تعالى اينما كان امن بجميع الالهية يعني امن بجميع اوجه التأله التي اوجبها الله سبحانه وتعالى عليه ففيها معنى قول الله سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة فان الداخل السلم كافة الاخذ بجميع شرائع الدين يكون قد امن بجميع الالهية يعني بجميع ما يشتمله معنى التأله لله عز وجل