نعم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. قال مصنف رحمه الله تعالى الزاد الرابع ان يتخلق الداعية من اخلاق فاضلة. بحيث يظهر عليه اثر العلم في معتقدي وفي عبادته وفي هياته. وفي في جميع مسلكه حتى يمثلوا دور الداعية الى الله. اما يكون على العكس من ذلك فان دعوته سوف تفشل وان نجحت فانما نجاحها قليل فعلى الداعية ان يكون متخلقا بما يدعو اليه من عبادات او معاملات او اخلاق وسلوك. حتى تكون دعوته مقبولة حتى لا يكون من اول من تسعر بهم النار. ايها الاخوة اننا اذا نظرنا الى احوالنا وجدنا اننا في الواقع قد ندعو الى شيء ولكن لا نقوم به وهذا لا شك انه خلل كبير. اللهم الا ان يحول بيننا وبينه النظر الى ما هو اصلح لان لكل مقام مقال فالشيء الفاضل قد يكون مفضولا لامور تجعل المفضول راجحا ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الى بعض الخصال ولكنه ويشتغل احيانا بما هو اهم منها وربما يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم. ايها الاخوة انني اريد من كل داعية ان يكون متخلقا بالاخلاق التي تليق بالداعية حتى يكونوا داعية حقا وحتى يكون قوله اقرب الى القبول المصنف ها هنا الزاد الرابع من ازواج الداعية وهو التخلق بالاخلاق الفاضلة والاخلاق تطلق على معنيين اثنين احدهما عام وهو الدين كله. كما في قوله تعالى وانك لعلى خلق عظيم يعني دين عظيم. والثاني على معنى خاص وهو ما يتعلق بمعاملة العبد لغيره من الناس. فالعبد مأمور في هذا وهذا بان يكون على الاكمل الاتم بتحسين خلقه. والاية والاحاديث في حسن الخلق وفضائل لمكارم الاخلاق مستفيضة وقد افرد اهل العلم رحمهم الله تعالى هذا الاصل بتأليف ومن كان مقتديا فليقتدي بالنبي صلى الله الله عليه وسلم ولتكن اخلاقه اخلاق النبوة. فمن كان ذا بصر وبصر بهدي النبي صلى الله عليه وسلم واخلاقه ثم امتثلها حصل له الكمال. فمحاسن الاخلاق انما تجتمع في الرجل بحسب قوة الاقتداء باكمل الخلق خلقا وهو صلى الله عليه وسلم فاذا فرط في العلم بها او علمها ولم يمتثل حصل من نقص اخلاقه بقدر ما يفوته من ذلك. نعم الزاد الخامس ان يكسر الداعية الحواجز التي بينه وبين الناس. لان كثيرا من اخواننا الدعاة اذا رأى قوما على منكر قد تحمله الغيرة وكراهة هذا المنكر على الا يذهب الى هؤلاء ولا ينصحهم وهذا خطأ وليس من الحكمة ابدا. بل الحكمة ان تذهب تدعو وتبلغ وترغب وترهب ولا تقل هؤلاء فسقت من لا يمكن ان امشي حولهم. اذا كنت انت ايها الداعية المسلم لا يمكنك وان تمشي حول هؤلاء ولا ان تذهب اليهم لدعوتهم الى الله فمن الذي يتولاهم؟ ايتولاهم احد مثلهم؟ ايتولاهم قوم لا يعلمون ابدا ولهذا ينبغي للداعية ان يصبر وهذا من الصبر الذي ذكرناه سابقا. وان يصبر نفسه ويكرهها وان ويكسر الحواجز بينها وبين الناس حتى يتمكن من ايصال دعوته الى من هم في حاجة اليها. اما يستنكف خلاف ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يفعله. والنبي صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم كان يذهب في ايام منى الى المشركين في اماكنهم ويدعوهم الى الله وقد اوتر عنه انه صلى الله عليه وسلم قال الا رجل يحملني الى قومه فان قريشا قد منعوني ان ابلغ كلام ربي. فاذا كان هذا دأب نبينا صلى الله عليه وسلم هو امامنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم فانه من الواجب علينا ان نكون مثله في الدعوة الى الله. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا الزاد الخامس من ازواج الداعية وهو ما عبر عنه بكسر الحواجز التي بينه وبين الناس. وهذه الكلمة مجملة يراد بها احد معنيين اثنين اولهما ان يقال ان كسر الحواجز هو الانغماس في الناس والانغمار في جماعتهم ودوام بشرتهم والثاني ان يقال ان كسر الحواجز هو التواصل معهم ومعاشرة كل واحد منهم بحسب بما يصلحه من المعاشرة. فاما الاول فان الشريعة لم تأتي به. واما الثاني فهو الذي رعته الشريعة ولم تكن صحبة النبي صلى الله عليه وسلم لابي بكر وعمر كصحبته لغيرهما من احادي الصحابة كما ان لم تكن صحبته صلى الله عليه وسلم في احد الصحابة كصلته بغيرهم ممن لم يدخل في الاسلام من اليهود والمشركين. فلا بد ان يعرف ان الذي امر به شرعا انما هو التواصل مع الخلق. ارادة هدايتهم ويعاشرهم بحسب ما يصلحون به الاول فانه خطر عليه. فربما جرته ملائمة طبع او صلاح شكل او موافقة اكل الى ان يديم صحبة الخلق فيحجبونه عن الله سبحانه وتعالى. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في اغاثة لهفان وغيره كلاما حسنا في مراتب المعاشرين. فجعلهم على اربعة مراتب. اولهم من يعاشر كالغذاء وهم العلماء الربانيون. والثاني من يعاشر كالدواء. وهم من يفتقر اليه المرء في مصالح الدارين. والثالث من يعاشره كالداء. وهم عموم الخلق فيحذر منهم كما احذروا من ان يصيبه الداء ورابعهم من هم في المعاشرة كالسم القاتل. وهؤلاء اهل البدع والضلال والهوى والزيغ. نعم الزاد السادس ان يكون قلب الداعية منشرحا لمن خالفه. لا سيما اذا علم ان الذي خالفه حسن النية وانه لم يخالف الا بمقتضى قيام الدليل عنده. فانه ينبغي للانسان ان يكون مرنا في هذه الامور وان لا يجعل من هذا الخلاف متارا للعداوة البغضاء اللهم الا رجل خالف معاندا بحيث يبين له الحق ولكن يصر على باطله. فان هذا يجب ان يعامل بما ان يعامل به من التنفير عنه وتحذير الناس منه لانه تبين عداوته حيث بين له الحق فلم يمتثل. وهناك مسائل فرعية يختلف فيها الناس وهي في الحقيقة مما وسع الله فيه على عباده. واعني مسائل ليست من الاصول التي تبلغ الى تكفير مخالف فهذه مما وسع الله فيها على العباد وجعل الخطأ فيها واسعا. قال النبي صلى الله عليه وسلم اذا حكم الحاكم كاد ثم اصاب فله اجران. واذا حكم فاجتهد فاخطأ فله اجر. فالمجتهد لا يخرج عن دائرة الاجر ابدا فاما ان اصعب واما اجر واحد ان اخطأ. واذا كنت لا تريد ان يخالفك غيرك فان غيرك ايضا يريد ان لا يخالفه احد فكما انك تريد ان يأخذ الناس بقولك فالمخالفون لك يريدون ايضا ان يأخذ الناس بقولهم. والمرجع عند التنازع ما بينه الله عز وجل في قوله وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه الى الله ويقول عز وجل يا ايها الذين امنوا واطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم. فان في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر. ذلك خير واحسن تأويلا فيجب على كل المختلفين والمتنازعين ان يرجعوا الى هذين الاصلين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا لاحد ان يعارض كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بكلام احد من البشر مهما كان. فاذا تبين لك الحق فالواجب ان تضرب بقول من خالفه عرض الحائط. والا تلتفت اليه مهما كانت منزلته من العلم والدين. لان البشر ايخطئ لكن كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ليس فيه خطأ. ويؤسفني ان اسمع من قوم يعتبرون طلب يعتبرون جادين في طلب الحق والوصول اليه ومع ذلك نجدهم متفرقين. لكل واحد منهم اسم معين او وصف معين وهذا في الحقيقة خطأ. ان دين الله عز وجل واحد وامة الاسلام واحدة. يقول الله عز وجل هذه امتكم امة واحدة وانا ربكم فاتقون. ويقول الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه سلمت ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء. انما امرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون وقال عز وجل شرع لكم من الدين موصى بنوح هو الذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه. فاذا كان هذا توجيه الله عز وجل لنا فالواجب علينا ان نأخذ بها التوجيه وان نجتمع لابساط البحث وان يناقش بعضنا بعضا على سبيل الاصلاح لا على سبيل الانتقاد او الانتقام فان اي انسان يجادل غيره ويحاج بقصد انتصار لرأيه واحتقار رأي غيره. او لقصد الانتقاد دون الاصلاح فان الغالب ان اخرج على وجه لا يرضي الله ورسوله. فالواجب علينا في مثل هذا الامر ان نكون امة واحدة. وانا لا اقول وانه لا يخطئ احد كل يخطئ ويصيب. ولكن الكلام في الطريق الى اصلاح هذا الخطأ. ليس الطريق الى اصلاح الخطأ ان تكلم في غيبته واقدح فيه ولكن الطريق الى اصلاحه ان اجتمع به واناقشه فاذا تبين بعد ذلك ان الرجل مصر على عناده وعلى ما هو عليه من باطل فحين اذ لي العذر وليلحق بل يجب علي. ان ابين خطاه وان احذر الناس فمن خطأه وبهذا تصلح الامور. فاما التفرق والتحزب فان هذا لا تقر به عين احد. الا من كان عدوا للاسلام والمسلمين. والله عسانا ان يجمع قلوبنا على طاعته. وان يجعلنا من المتحاكمين الى الله ورسوله وان يخلص لنا النية ويبين لنا ما خفي علينا من شريعته. انه جواد كريم. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. ختم المصنف رحمه الله تعالى بذكر الزاد السادس من ازواج الداعية وهو ان يكون قلب الداعية منشرحا لمن خالفه. والخلاف الواقع في ابواب الدعوة قسمان اثنان اولهما له السائغ ومحله المسائل الاجتهادية. والثاني الخلاف الممنوع ومحله المسائل التي لا تقبل فما كان من جنس الاول فان العاقل ينبغي ان ينشرح صدره للمخالف فيها. وان يكون بينه وبين غيره فيها رد وعذر. واما النوع الثاني وهو ما لا يسوغ الخلاف فيه بل يمنع. فان يؤمر ببيان الحق فيه ودحظ الباطل ورده وان يضيق صدره بفشو مثل هذه الاقوال في الامة. ولا صدور قول من داع من الدعاة ان يكون صحيحا لاجل انه داع. بل يعرض قوله على الكتاب والسنة فان وافق الكتاب والسنة قبل وان كان مخالفا للكتاب والسنة رد عليه كائنا من كان. والله سبحانه وتعالى قد امرنا بالسعي في لزوم الجماعة وحذرنا من التفرق. كما قال الله عز وجل واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واخبر عن حال المتفرقين فقال ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء واخبر سبحانه وتعالى ان الامم اذا تفرقت انقسمت الى احزاب يرضى كل حزب بماله كما قال تعالى كل حزب بما لديهم فرحون فيضيع الدين شتتا بين هؤلاء وهؤلاء. والواجب هو السعي في تأليف القلوب كما امرت به الشريعة ومن دقائق الفهم للخطاب الشرعي ان الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بتوحيد القلوب فما يسمى بدعوة توحيد المسلمين لا اصل لها في الكتاب والسنة. وانما الذي جاء في الكتاب والسنة والدعوة الى تأليف قلوبهم لانه من المقطوع به ان الخلق مع اختلاف مداركهم وتفرق مكنتهم وتفاوت قدرهم يستحيل ان يوحد على شيء واحد لا يختلفون فيه ولكن يقع التأليف بين قلوبهم كما قال الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم امتن عليه ولكن الله الف بينهم. وقال في الاية الفائتة واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم والتأليف لا يمكن الا برعاية هذا الاصل وهو الاعذار فيما فيه الاعذار فاذا خالف مخالف فيما يسوق فيه الخلاف كان معذورا وبقيت الالفة بين المسلمين وهذا امر قد دب في نفوس الخلق فانقسموا شيعا واحزابا. والله عز وجل لم يأمر الا بجماعة واحدة وحزب واحد والنبي صلى الله عليه وسلم لما اخبر في حديث الافتراق المروي في السنن عن تفرق هذه الامة اخبر ان الناجية هي جماعة واحدة فلما سئل من هي يا رسول الله؟ قال الجماعة ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم الجماعات. وانما اخبر عن جماعة واحدة فليس بالاسلام الا جماعة واحدة ينبغي لزومها وهي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه رضوان الله عنهم. واذا غير الناس الرسوم وبدلوا الاحوال واخترعوا طرائق فان الحقيقة بمن يطلب رضا الله سبحانه وتعالى ان يستمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا ان يعدل عنه قيد انملة وان يعلم ان الخير كل الخير هو في ثباته على هذه الشريعة وان يسعى في هداية الخلق بقدر بوسعه وان يرحم اولئك المخالفين فان اهل السنة كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يعرفون الحق الخلق فهم يميزون مراتب الصواب والخطأ والحق والباطل ويرحمون المخالفين حتى في تحذيرهم منهم هم يرحمونهم فانهم يرجون بهذا التحذير قطع الاثم عنهم لانه اذا حذر من تلك الاخطاء تجافاها واذا سكد عنها تداعى اليها الناس. والواجب على العبد ان يخرج من حظ نفسه الى حكم الشريعة. فلا يطلب لنفسه في هذه الامور حظا وان يظع شهوة قلبه وميل نفسه تحت قدمه ولا يقدم على امر الشريعة في الاجتماع التآلف شيئا وان يخلص قلبه من الحقد والغل للمسلمين وغشهم وان يديم سؤال الله سبحانه وتعالى لهم بالهداية والرشاد واثر عن احمد رحمه الله تعالى انه كان يقول اللهم من كان من هذه الامة على غير الحق وهو يظن انه على الحق الى الحق وهذا من كمال ايمانه رحمه الله تعالى وهذا هو اللائق بالعبد ان يدعو لاخوانه المسلمين ممن ان في شيء من هذه البلايا ان يدعو له بالهداية والرجوع الى طريقة النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا اخر التقرير على هذا الدرس والله اعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين