الحمد لله رب العالمين رب السماوات ورب الارض رب العرش العظيم واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما مزيدا اما بعد فهذا هو المجلس الاول من الدرس الثالث من برنامج اليوم الواحد الثاني والكتاب المقروء فيه هو المواهب الربانية في الايات القرآنية للعلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى رحمة واسعة وقبل الشروع في اقرائه لابد من ذكر مقدمات ثلاث المقدمة الاولى التعريف بالمصنف وتنتظم في ستة مقاصد الاخ المتقي جزاك الله خير ليس اقل من ان تكف رجلك وتنتظم في ستة مقاصد المقصد الاول جر نسبه هو الشيخ العلامة القدوة عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله السعدي بكسر السين المهملة كما هو مسموع من اهل بيته وتلامذته. يكنى بابي عبد الله ويعرف بابن سعدي نسبة الى احد اجداده. المقصد الثاني تاريخ مولده ولد ثاني عشر محرم الحرام. سنة سبع ان بعد الثلاث مئة والالف المقصد الثالث ينهرك شيوخه تلقى رحمه الله تعالى علومه عن شيوخ ادلة من اهل بلده وغيرهم منهم شيخ ابراهيم ابن حمد ابن جاسر والشيخ محمد ابن عبدالكريم ابن شبل والشيخ طالح ابن عثمان القاضي والشيخ محمد الامين ابن المحمود الشنقيطي والشيخ محمد ابن عبد العزيز ابن مانع رحمهم الله. المقصد الرابع جمهرة طلابه تخرج رحمه الله طوائف من الطلبة طبقة بعد طبقة وفيهم علماء كثر منهم الشيخ محمد بن صالح ابن عثيمين والشيخ عبد الله ابن عبد العزيز ابن عقيل والشيخ علي ابن حمد الصالحي والشيخ عبد الله ابن عبد الرحمن ابن بسام رحم الله امواتهم وحفظ احياءهم المقصد الخامس ثبت مصنفاته مما تميز به المصنف رحمه الله حسن التصنيف. وقد خلف بعده تراثا دليلا من المصنفات منها تفسيره تيسير الكريم الرحمن والقواعد الحسان والمختارات الجلية وتوضيح الكافية الشافية سؤال وجواب في اهم المهمات. المقصد السادس تاريخ وفاته توفي رحمه الله. قبل طلوع فجر يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الاخرة سنة ست وسبعين بعد الثلاثمائة والالف. وله من العمر تسع وستون سنة رحمه الله رحمة واسعة. المقدمة الثانية التعريف بالمصنف وتنتظم في ستة مقاصد ايضا المقصد الاول تحقيق عنوانه طبع هذا الكتاب قديما وحديثا بهذا الاسم المواهب الربانية ولعله مستفاد مما كتب على نسخة الكتاب الخاصية بقلم مصنفه. اذ ليس في كلامه بدءا وختما ما يدل على تسميته بهذا الاسم. المقصد الثاني اثبات نسبته اليه هو من الاعلاق النفيسة التي طبعت بعد وفاة المصنف رحمه الله في حياة كبار اصحابه ولم يعرف عن احد منهم انكاره ومن مارس القراءة في تصانيف العلامة ابن سعدي عرف ان هذا نفسه المقصد الثالث بيان موضوعه هو تقييد فوائد جمة. فتح الله بها على المصنف رحمه الله. في اثناء قراءته القرآن الكريم في رمضان سنة سبع واربعين بعد الثلاثمائة والالف فهو من قيد الخواطر وصيدها المقصد الرابع ذكر رتبته مما حظيت به تصانيف العلامة بن سعدي وهذا الكتاب احدها سهولة مبانيها وجزالة معانيها وجلالة فوائدها فهي من افضل الكتب التي ينبغي ان يعتني الطالب بها في مبادئ طلبه لتعين على المضي فيه والثبات عليه المقصد الخامس توضيح منهجه جاءت فوائد هذا الكتاب بحسب وضع المصنف الاصلي مرسلة غير مقيدة بقيد وانما بحسب ما يقع في نفس المصنف رحمه الله وما يظهر له من المعاني وتنوعت مآخذه وموارده بين حل اشكال وايضاح معنى خفي وايراد حسن وتقسيم النافع معتمدا على القرآن كثيرا وعلى السنة قليلا دون تعرض لنقل الاقوال وذكر الخلافات المقصد السادس العناية به لم تتجاوز العناية بهذا الكتاب طبعه مرتين اولاهما وفق وضع المصنف من غير تغيير ولا تبديل بتقديم او تأخير وهي طبعة عزيزة لا تكاد يوجد والثانية مع تغيير ترتيب المصنف حيث اعيد ترتيب الكتاب وفق ترتيب القرآن الكريم في السور والايات. وهو الموجود بايدي الناس اليوم. وكان حقيقا ان مع باسم ترتيب المواهب الربانية بالايات القرآنية لئلا يحصل لبس في حقيقة الفتن ولما كانت النسخة الاصلية عزيزة الوجود كما ان الموجود منها لا تمكن القراءة فيه بسوء طباعته وردائتها فانه صار لا اختيار لنا من ان نقرأ في هذا الترتيب المطبوع باسم المواهب الربانية وفي الحقيقة ليست هذه هي المواهب الربانية كما وظعها المصنف وانما هذا ترتيب المعتني بنشر الكتاب فانه غير الكتاب بتقديم وتأخير. المقدمة الثالثة ذكر السبب الموجب للاقران ان اقراء هذا الكتاب النافع يراد به توجيه الانظار الى العناية بتفسير كلام الغفار عز وجل اشتماله مع وجازته على معارف عدة تتعلق بالتفسير مما يحبب الطالب في هذا العلم ويحمله على التوسع فيه وكتب المصنف رحمه الله تعالى في التفسير هي بهذه الصفة فينبغي الا يغفلها الطالب وهي المواهب الربانية اولا ثم فتح الرحيم الملك العلام ثانيا ثم خلاصة التفسير ثالثا ثم تفسير المصنف رحمه الله تعالى رابعا بالاضافة الى ما كتبه في قواعد التفسير وهو كتاب القواعد حسان المتعلقة بتفكير القرآن فان القراءة في هذه التصانيف بالترتيب الذي ذكرنا مما يقرب علم التفسير الى الطالب ويهون عليه تفهم معاني كتاب الرب سبحانه وتعالى ولا سيما ان هذا العلم مما طوي بساطه وقلت العناية به في الامة منذ قرون متطاولة مع عظيم الانتفاعي به وشديد الحاجة اليه نعم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. قال المؤلف رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد واله وصحبه. هذه فوائد فتح الله علي بها في هذا الشهر المبارك نسأله المزيد من كرمه امين. اشتملت هذه الجملة على امرين اثنين احدهما الاشارة الى ان هذه النبذة اللطيفة هي من الفوائد التي قيدها المصنف رحمه الله تعالى في اثناء قراءته للقرآن الكريم مما ينبه الطالب على لزوم العناية بتقييد ما يمر به من الشوارد والخواطر. فان العلم صيد ولا يثبت الصيد الا بالقيد. كما قال الشاعر العلم صيد والكتابة قيد. قيد صيودك بالحباد الواثقة فمن الجهالة ان تصيد غزالة وتتركها بين الخلائق طالقة. قال شيخ شيوخنا عبد السلام هارون رحمه الله تعالى واذا لم يكن قيد ذهب الصيد. وصح عن انس رضي الله عنه انه قال قيدوا العلم بالكتابة وروي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يثبت والثاني بيان ان هذه الفوائد هي محض فضل الله عز وجل على المصنف فهي مما فتح الله عز وجل به دون مطالعة كتاب ولا مراجعة تفسير. وهذا المنزع من موارد العلم منزع لا يوجد في الكتاب ولا يؤخذ عن شيخ وانما يستمطر من فضل الله عز وجل وانما يتفاوت الناس في العلم باعتبار ما يقدر الله عز وجل لهم من الرزق فيه فكما ان الناس يتفاوتون في حظهم من المعايش في الدنيا فكذلك هم يتفاوتون في حظوظهم من العلوم باعتبار ما يفتح الله عز وجل على العبد فيه. وكان ابو هريرة رضي الله عنه كما ذكره الامام ما لك في موطأه اذا اصبح على في سماء من الليل قال مطرنا بنوء الفتح ثم يقرأ قول الله سبحانه وتعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها. ومثل هذا يقال في المعارف والعلوم فانها رحمات يفتحها الله عز وجل على من يشاء من عباده فينبغي الا يغفر الطالب التضرع للرب سبحانه وتعالى بان يفتح عليه بفتوح العارفين وان يهيئه للفهم في الدين والعقل عن ميراث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. وكثير من الطلبة انما يحول بينهم وبين العلم قلة لجاءة والتضرع الى الله سبحانه وتعالى واغترارهم بالقوة. فكم من طالب التفت كقوة حفظه او جودة فهمه ثم وكل الى نفسه فكان ذلك علامة خذلانه. فينبغي ان يحذر الطالب من هذا المولد العطبي الذي يهلكه في الدنيا والاخرة وهو ثقته بنفسه وانصرافه عن التماس فتوح الرب سبحانه وتعالى نسأل الله ان يفتح علينا بفتحه وفضله لعل من فوائد تأخير ذكر ذلك القتيل عن ذكر الامر بذبح البقرة في قصة موسى مع بني اسرائيل مياه بني اسرائيل على الامر بذبح قالت اذا صارت قصة واحدة. وقضية داخل بعضها في ظل بعض. ففصل هذا من هذا ليتبين وسوء فعالهم في القضيتين. ولهذا اتات ابتداء كل منهما باذ الدالة على تذكر تلك الحال وتصويرها فقال واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم ان تذبحوا بقرة. الايات ثم ثم قال واذ قتلتم نفسا فادارعتم فيها وليرتب عليه ايضا ما ذكر بعده من قوله فاضربوه ببعض الى اخر الايات والله اعلم. من القواعد المهينة على تفسير القرآن الكريم رعاية التقديم والتأخير في القرآن الكريم. فان القاعدة التي ائتلفت عليها العرب واتفقت في كلامها كما ذكر الزركشي في البرهان انهم لا يقدمون شيئا من الكلام ولا يؤخرون ما حقه التقديم الا لمعنى اهتماما به كما في هذه الاية التي قدمها الله سبحانه وتعالى من سورة البقرة مع تأخر تعلقها فان الله سبحانه وتعالى ذكر اولا قصة البقرة وما وقع بينهم وبين نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام ثم ذكر بعد ذلك الحامل على ذكر هذه القصة وهي ان البقرة مما امروا به لاجل الفصل في واقعها القتيل الذي تدافعوا في امره فذكر المصنف رحمه الله تعالى من فوائد تأخير ذلك فائدتين اثنتين الاولى فائدة تتعلق بالمعنى وهي المبالغة في ذم اليهود بتكثير مذامهم وقبائحهم. فتعداد هذه القبائح مما يفحش في النفوس حال هؤلاء القوم. والفائدة الثانية فائدة تتعلق بالمبنى. وهي ان الله عز وجل رتب عليها بعد ذلك ما ذكر بعدها وهو قوله سبحانه وتعالى فاضربوه ببعضها ويقارب هذا ما ذكر الله في قصة مريم حين اثنى عليها بالنعم الظاهرة والباطنة هي ووالدتها. فذكر وحالها وكمالها اولا وان الله جعلها في كفالة زكريا لتتربى تربية حسنة وتتأدب فعلم وذكر اجتهادا في ملازمة محرابها واستجابة دعاء امها وانه تقبلها بقبول حسن وانبتها نباتا حسنا قبل ذكر اختصام بني اسرائيل فيها واقتراعهم عليها لينبه تعالى ان هذا وهذا مقصود وان لها مدحا وكمالا. في حال اختصامهم عليها ومدحا وكمالا في حال نشأتها وعبادتها وتيسير الله لها امورها. ومن فوائد ذلك ان تقديم الغايات والمقاصد والنهايات اهم من تقديم الوسائل فالاختصام من باب الوسائل وما ذكر قبله من بعض المقاصد والله اعلم واحكم. هذا موضع اخر مما عملت فيه قاعدة التقديم والتأخير فان الله سبحانه وتعالى ذكر مبدأ قصة مريم بدعاء امها ثم ما حصل لها من الكمال والانبات الحسن واقبالها على الرب سبحانه وتعالى وقيامها بالانشغال بعبادته في محرابها ثم ذكر ثانيا قصة الاختصام في كفالتها بين زكريا ونظرائه من بني اسرائيل وانما اخر الاختصام مع ان المطالبة بالكفالة سابقة للانبات الحسن لفائدتين اثنتين اولاهما فائدة خاصة تتعلق باظهار كمال مريم فاظهر كمالها اولا بما حبيت به من دعاء امها ثم تقبل الله عز وجل لها وانباتها نباتا حسنا واعيد اظهار هذا الكمال مرة ثانية بما وقع في حقها من الاختصام لاجل القيام بكفالتها والفائدة الثانية فائدة عامة وهي الانباه الى ان رعاية الغايات والمقاصد اولى من رعاية الوسائل. فتحصل حين فاذا العناية بالمقاصد والاهتمام بها والرعاية لها. ونظير تأخير ما حقه التقديم تقديم ما حقه التأخير كما في سورة الانفال فان الله سبحانه وتعالى افتتح هذه السورة بذكر سؤال الصحابة رضوان الله عليهم عقب تنازعهم عن الانفاس فقال يسألونك عن الانفال. وهذا السؤال والتنازع انما وقع بعد غزوة بدر التي ذكر الله عز وجل خبرها في الايات التي خلفت هذه الاية. فقدم ذكر سؤالهم عن الانفال عناية به واهتماما وتقديما لشاوه ورفعة لمنزلته. وغرسا لاحكام هذه المسألة في النفوس ثم ذكر بعد ذلك الباعث عليها وهو غزوة بدر التي ذكر الله عز وجل تفاصيل لها في سورة الانفال قوله تعالى او على سفر اعم من قوله في سفر يدخل فيه من اقام في بلد او برية ولم يقطع سفره بل هو على سفر وان لم يكن في سفر من دقائق التفسير الاهتمام بحروف المعاني كهذه الاية في حق من يفطر بعذر وهو المسافر فان الله عز وجل قال او على سفر ولم يقل سبحانه وتعالى او في سفر لان الاتيان بعلى يشمل جميع احوال المسافر سواء كان قارا او مارا بخلاف في الظرفية التي توهم بانه ليس له الرخصة الا حال كونه منغمسا في سفره. فلو اقام في برية او مدينة كأنه خرج من هذا الحكم بعلى لقطع هذا التوهم وهاتان الكلمتان على وفي رقبانهما ورعاية ما يصدر عنهما من المعاني في القرآن الكريم عظيم جدا كقوله تعالى وان اه او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين. فان الله لما ذكر الهدى جاء بعلى. ولما ذكر ضلال جاء بفي لان على دالة على الاستعلاء. فصاحب الهداية مستعل بهدايته. وصاحب ضلال منغمس فيه محتقر ولذلك جيء بفي فقال الله عز وجل او في ضلال مبين. ومثله قوله تعالى فانزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وقال قبلها في صدر السورة هو الذي انزل السكينة ايش في قلوب المؤمنين ولم يقل على قلوب المؤمنين لان العلو فيه قوة على القلب وقلب المؤمن لطيف تناسب الظرفية ولما كانت قلوب الكفار قاسية يجاء في عقوبتهم بعلى كقوله عز وجل ختم الله على قلوبهم بل طبع الله عليها قوله تعالى فعدة من ايام اخر يدل على ان المعتبر مجرد مقدارها في الطول والقصر البر والبرد ولا وجوب الفضل وعدمه ولا ترتيب ولا تفريق ويقرر هذا قوله. يريد الله وبكم اليسر ولا يريد بكم العسر. هذا المعنى الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى من ان قول الرب سبحانه وتعالى في عدة من ايام اخر يعني في القضاء للصائم انما يراد به مجرد العدة لا مقدار ذلك اليوم الذي افطر فيه من طول او قصر او حر او برد. فلو ان صائما افطر حال سفره وكان رمضان في تلك السنة وايضا يعني في الصيف ثم قضى اليوم الذي عليه في الشتاء فان ذلك لا يضره. لان الشرع لم يلتفت الى حال اليوم من الطول والقصر والحر والبرد وانما التفت الى مجرد العدة. ودل على هذا المعنى الذي استنبطه المصنف رحمه الله ايراد نكرة في قوله فعدة فان التنكير في قوله فعدة جيء به للمعنى الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى والتنكير في كلمات القرآن الكريم يحمل معان كاملة كما ان المعرفة فيه تحمل معان كاملة كما قال الله سبحانه وتعالى لهم درجات من ربهم. ولم يقل لهم الدرجات. فجيء بالنكرة لافادة معنى التكفير والتعظيم فهي درجات لا حد لها وهي عظيمة رفيعة قال الله تعالى ولا ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنن ولا امة مؤمنة خير من مشركة ولو اعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولا عبد مؤمن خير من مشرك ولو اعجبكم اولئك الى النار والله يدعو الى الجنة والمغفرة باذنه. ويبين الناس لعلهم يتذكرون فصل يؤخذ من نهي الله عن نكاح المشركة وانكاح المؤمنة للمشرك وتأمين الله لذلك انه ينبغي اختيار الفرقاء والاصحاب الصالحين الذين يدعون الى الجنة باقوالهم وافعالهم. وتجنب ضدهم من الاشرار بلذين يدعون الى النار بحالهم ومقامهم ولو كانوا ذوي جاه واموال وابهة ولو ولو كان الاولون فقراء ولا لهم ولا قدر عند كثير من الناس لان اختيار السعادة الابدية اولى بالعاقل من حصول حظ عاجل يعقب اعظم الحسرة واشد الفوت فتخين الخلطاء والاصحاب من شيم اولي الالباب فهذه الاية العظيمة فيها كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى الارشاد الى اختيار الخلطاء والاصحاب. ذلك ان الله عز وجل نهى عن نكاح المشركة وانكاح المؤمنة للمشرك. وعلل الله عز وجل ذلك بان المشركين يدعون الى النار كما قال اولئك يدعون الى النار. ونظير هذه الاية في اثبات هذا المعنى قوله سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين فامر الرب سبحانه وتعالى بكون العبد مع الصادقين المتضمن لاختيار الجليس الصالح الناصح الكافي. ومثل قوله سبحانه وتعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا. فامر النبي صلى الله عليه وسلم بان يصبر نفسه مع من كان على هذه بلية وهم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي وهذه صفة الصالحين. والناس في المجالسة ينقسمون الى اربعة اقسام القسم الاول من هم كالغذاء الذي لا يستغني عنه العبد بحال وهم الذين يبينون للنفس مصالحها في الدارين. وهؤلاء هم العلماء الراسخون والقسم الثاني من هم كالدواء وهم الذين يعينون النفس على طلب مصالحها في الدارين فطلبة العلم والوعاظ والامرون بالمعروف الناهون عن المنكر والقسم الثالث من مجالستهم كالداء وهم الذين يقطعون النفس عن مصالحها في الدارين وهم البطلون واهل الفراغ وشيوخ القمراء من هم شيوخ القمراء قريب من هذا المعنى لكن الاعمس رحمه الله قال يوما لبعض اصحابه اياكم وشيوخ القمراء قالوا وما شيوخ القمراء رحمك الله؟ قال شيوخ دهريون يجتمعون يتحدثون ولا يحسن احدهم وزهريون جمع دهري بضم الدال والمراد به الشيخ المسن واما بفتحها دهري وجمعه دهريون فهم المنكرون للبعث. والقسم الرابع من مجالسته كالسم الناقع وهم الذين يحولون بين النفس وبين مصالحها في الدارين وهؤلاء هم الفساق واهل البدع والكفر فينبغي للعاقل ان ينزل الناس في مجالسته بهذه الاقسام الاربعة ويعقل ما فيه نفع له فيمسكه ويحذر ما كان وبالا عليه احتجاج الفقهاء على انه لا يجب على الزوج ان يطأ زوجته الا في كل ثلث سنة مرة بقوله تعالى للذين يعلون من نسائهم فربص اربعة اشهر فيه نظر وانما فيها الدلالة على ان للمؤمن خاف وكم هذه المدة لاجل لاجل ايلائه. واما غير المؤمن فمفهومها يدل على خلاف ذلك وانه ليس له اربعة اشهر وانما عليه ذلك بالمعروف لانه من اعظم المعاشرة في قوله تعالى وعاشروا ظن بالمعروف فمن انا زوجها منها فلها اربعة اشهر. لا تملك المطالبة الا ان يتبين ان قصدهم رأوه فيمنعهم ذلك من المسائل التي بينها الفقهاء رحمهم الله تعالى في باب عشرة النساء من احكام النكاح بيان المدة التي ينبغي ان يقع فيها الرجل زوجه. وذكر جماعة منهم توقيت ذلك باربعة اشهر. واستدلوا بهذه الاية للذين يؤلون من نسائهم اربعة اشهر الا ان الاستدلال بهذه الاية كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى في حق كل زوج فيه نظر. لانها جاءت قسم بمن ال على نفسه الا يقرب زوجه والايلاء هو ان يحلف الرجل الا يقوم زوجه وله مدة ربه في اربعة اشهر فاما ان يفي واما ان يعزم على الطلاق واما من لم يكن قد ان على زوجه فانه مأمور بمعاشرتها بالمعروف. بحسب ما يصلح لها كما قال الله عز وجل وعاشروهن بالمعروف. والمعروف كما قال جماعة من محققين كابي العباس ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في اخرين اسم جامع لكل ما عرف حسنه عقلا وشرعا فيتبع في معاشرة المرأة ما دعا اليه العرف من معاملتها بالحسنى في حقها في الوطء قوله تعالى والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن ان كل يؤمنن بالله واليوم الاخر وبعولتهن احق بربهن في ذلك ان ارادوا اصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم. وكذلك قوله الذين يتوفون منكم ويذرون ازواجا يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا التربص المذكور هو الانتظار والمكث في العدة فما الفائدة في قوله بانفسهم؟ مع انه يغني قوله يتربص ثلاثة قرون ويتربصن اربعة اشهر وعشرا. فاعلم ان في قوله انفسهن فائدة جليلة وهي انها ان المدة المحدودة للتربص مقصودة لمراعاة حق الزوج والولد ومع القصد لبراءة الرحم فلابد ان تكون ففي هذه المدة منقطعة النظر منقطعة النظر عن الرجال محتبسة على زوجها الاول لا تخطب ولا تتجمل للخطاب ولا تعملوا الاسباب في الاتصال بغير زوجها ويدل على هذا المعنى قوله. فاذا بلغن اجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلنا في انفسهن بالمعروف اي من التجمل والتباهي ولكن بالمعروف على غير وجه التبرج المحظور ويدل على هذا قوله في الاية الاخرى والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجه وصية لازواجهم متاع امين الحول غير اخراج فلم يأمر هذه المرتان يتربصن بانفسهن بل جعلها وصية تتمتع بها المرأة سنة بعد لزوجها جبرا لخاطرها ولهذا رفع الحرج عنها بالخروج واما بعد الخروج الى تذمر المعروف وقبل ذلك كما جبر الورثة قبلها لاجل زوجها فجبر الورثة قلبها اتنين كما جبر الورثة لاجل زوجها فعليها العدل وترك التجمل وهذا يبين ان الاية الاولى ليست ثقة لهذه الاية بل تلك عدة لازمة وهذه وصيتك وهذه وصية تمتيع غير متحسنة الله اعلم هذا المعنى الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى مستخرج من الايقان بان لكل كلمة في القرآن الكريم معنى وان استقام الكلام في الظاهر بدونها سواء كانت حرفا او فعلا او اسما فقوله تعالى ها هنا بانفسهن يستقيم الكلام في الظاهر بدونها. لكن جيء بها لافادة ان هذا التربص وهو المكث في العدة مقصود لرعاية حق الزوج بقطع النظر عن غيره وعدم الالتفات الى سواه في تلك المدة سواء كانت عدتها حال الطلاق او عدتها حال الوفاة عنها فهي تمنع من ان تتطلع الى غيره من الازواج سواء كان حيا او ميتا دعاية لمقامه حفظا لحقه ولحق ولده وابانة لبراءة الرحم. فاذا انقضت تلك المدة حق لها حينئذ بان تتزين وان تتجمل وان تتشوف الى الخطاب. ونبه المصنف رحمه الله تعالى الى ان التربص المذكور في الاية الاولى غير التربص المذكور في الاية الاخرى وهي قول الله عز وجل والذي حين يتوفون منكم ويذرون ازواجا وصية لازواجهم متاعا الى الحول غير اخراج فبين ان ان التربص الاول حق لازم واجب. واما المكث عاما بعد وفاة الزوج فان هذا تنفيع للزوجة ليس بلازم وقد يتوهم متوهم ان شيئا من القرآن زائد فيستعصي عليه المعنى وقد يكون هذا مبنيا على عقيدة فاسدة كما عرض هذا للزمخشري في الكشاف في قول الله عز وجل يخادعون الله والذين امنوا فادعى ان اقامة الكلام صوابها يخادعون الذين امنوا ثم مضى يعلل ذكرى الاسم الاحسن الله. وذكر اوجها اربعة لا طائل تحتها وينبغي ان يعلم ان التعبير بان في القرآن شيء زائد بان يقال هذا الحرف زائد كما في قوله تعالى فبما رحمة من الله فان عصر الكلام فبرحمة من الله ان التعبير بذلك معدول عنه. اجلالا للقرآن فلا يقال في القرآن زائد كما نبه على هذا ابن هشام في مغني لبيب والزركشي في البرهان في اخرين وانما يقال هذه الكلمة صلة جيء بها لمعنى مقصود. وكل ما في القرآن من هذا جنس فهو لمعنى مقصود كما نبه على ذلك ابو العباس ابن تيمية الحفيد ثم الزركشي في البرهان ثم السيوطي في الاتقان قال كقوله تعالى فيما مضى فبما رحمة من الله نمت لهم فان الكلام تقديره فبرحمة من الله جيء بماء صلة لتأكيد معنى هذه الرحمة وبيان لطفها وعظيم اثرها وللرافع رحمه الله تعالى في اعجاز القرآن كلام حسن في بيان معنى هذه الاية ومجيئي ما ها هنا صلة بما لا يوجد عند غيره رحمه الله تعالى الى رحمة واسعة