قال المؤلف رحمه الله تعالى في امر الله تعالى لزكريا بالذكر بالعشي والابكار بعد البشارة له باحياء عليهما السلام. وفي امر زكريا لقومه بتسبيح الله بكرة وعشية تنبيه على شكر الله تعالى على النعم المتجددة. لا سيما النعم التي يترتب عليها فيها خير كثير ومصالح متعددة وانه ينبغي للعبد كلما احدث الله له نعمة احدث لذلك شكرا. وان اخبر انواع الشكر الاكثار من ذكر الله وتسبيحه وتقديسه والثناء عليه هذه الجملة اورد فيها المصنف رحمه الله تعالى ثلاثة فوائد مستلة من بشارة الرب سبحانه وتعالى لزكريا بابنه يحيى فان الله عز وجل لما بشر زكريا بابنه يحيى قال واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشية والاكثار ثم امر قومه بذلك كما في سورة مريم فاوحى اليهم ان سبحوا بكرة وعشية وفي هذا ثلاث فوائد. اولها التنبيه على شكر الله عز وجل على النعم المتجددة فاذا وصلت للعبد نعمة لم تكن عنده من قبل جمل به ان يسارع الى شكر الله سبحانه وتعالى عليها والفائدة الثانية ان قاعدة صلاح النفس في هذا الباب انه كلما احدث الرب للعبد نعمة فليحدث له شكرا لان هذه المقابلة تستوجب اسباغ النعم وتزايدها كما قال الله عز وجل واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم فاذا قام العبد بشكر النعمة التي وصلت اليه تزايدت النعم عليه واحدة بعد واحدة قال العلامة عبدالرحمن بن حسن رحمه الله تعالى النعم اذا شكرت قرت واذا كفرت ايش فرط انتهى كلامه وهو معنى تدل عليه الاية المتقدمة والفائدة الثالثة بيان ان افضل انواع الشكر هو الاكثار من ذكر الله وتسبيحه وتقديسه والثناء عليه. كما امر عليه الصلاة والسلام بان يكثر من ذكر الله عز وجل وان يسبحه بكرة وعشيا. هذا في نفسه ثم امر ثانية في قومه بان يأمرهم بالتسبيح لله عز وجل بكرة وعشيا. ونظير هذا الذي امر به زكريا عليه الصلاة والسلام هو ما امر به موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام وذكرا ذلك لما وصلت اليهما نعمة الارسال قول الله عز وجل في سورة طه واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي ثم قال عقبها بايات كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا انك كنت بنا بصيرا لما قتل من قتل من الصحابة شهداء في سبيل الله انزل الله على المسلمين. بلغوا اخواننا انا قد لقينا ربا فرضي عنا ورضينا عنهم فسلوها مدة فانزل الله بدلها ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا فالاحياء عند ربهم يرزقون فالحين بما اتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم الحقوا بهم من خلف من لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمة من الله وفضل وان الله لا يضيع اجر المؤمنين. وفي هذا حكمة ظاهرة فانه مناسب غاية المناسبة ان يخبر الله عنهم اخوانهم واصحابهم ثم احبابهم بخصوصهم يفرحوا وتطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم ويقدموا على الجهاد فلما حصل هذا وكان هذا الحكم ثابتا في من قتل في سبيل الله. الى يوم القيامة وكان من بلاغة القرآن وعظمته انه ويكثر بالامور الكلية ويذكر وصول الجامعة انزل الله هذه الايات العامات المحكمات حكمة بالغة نعمة من الله على عباده سابغة هذه الجملة ذكر فيها المصنف رحمه الله تعالى معنى حسنا للحكمة من النقص للاية الاولى التي نزلت وقرأها الناس كما ثبت في الصحيحين وهي بلغوا اخواننا انا قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه فكانت هذه من القرآن الكريم ثم انزل بدلها قول الله عز وجل ولا تحسبن الذين اذا قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون الايات. وهذا التحويل والتبديل بالنفخ للاية الاولى جاء للارشاد الى ان القرآن الكريم في بيان الاحكام يلتفت فيه الى الاصول الكلية والقواعد العامة لا الاحوال الخاصة. فلما كانت الاية الاولى متعلقة بحال خاص وهي حال اولئك المجاهدين من الرعيل الاول رضي الله عنهم نسخت تلك الاية باية العموم وقرر فيها معنى عام يشمل كل احد من المجاهدين في سبيل الله عز وجل. وهذه النكتة اللطيفة في تعليل نسخ هذه الاية الاولى والارشاد الى ان القرآن جاء بالكليات هو مصداق ما ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم واوتيت جوامع الكلم. فان جوامع الكلم تشمل نوعين اثنين احدهما القرآن الكريم. فليس في الكلام اجمع من كلام الله عز وجل والاخر ما حبي به النبي صلى الله عليه وسلم من الجمل حسان المشتملة على معان عظيمة مع قصر مبانيها ووجازة الفاظها. ومعرفة العبد بكليات القرآن واصوله الجامعة يعينه على عقل معاني القرآن الكريم وللمصنف رحمه الله تعالى في ذلك كتاب نافع اسمه فتح الرحيم الملك العلام فانه اعتنى فيه رحمه الله تعالى بذكر جمل القرآن واصوله الكلية في ابواب العقائد والعبادات والاحكام ونظير هذا انه كان مما يتلى شيخه الشيخة اذا زنا ترجموهما البتة الى اخره فنسخ لفظها وجعل وجعل الشارع الردم بوصف الاحصان لانه هو الصفة الموجبة لا وصف الشيخوخة ولكن في ذكر الشيخ والشيخة من صناعة هذه الفاحشة ممن وصل الى هذه الحال وقبحها وردانتها ما يوطن قلوب المؤمنين في ذلك الوقت الذي كانت القلوب يصعب عليها هذا الحكم على الزنا الذي كانوا الفين له في الجاهلية فلم يفجأهم بحكم الرجل واحدة بل حكم به على الشيخ والشيخة الذين ماتت شهوتهما. ولم يبق لهما ارادة حاملة عليه الا اخبث الطبع وسوء النية. فلما توطنت نفوسهم على قبحه شرع لهم الحكم العام. والله اعلم هذه الاية هي نظير الاية الاولى فان الله سبحانه وتعالى انزل في حق الزناة. والشيخ هو الشيخة اذا زنيا فرجموهما البتة جيء بهذه الاية لما فيها من تقبيح فاحشة الزنا التي توطنت عليها نفوس اهل الجاهلية. لان الزنا مستقبح ممن ليس محلا له. كالاشيمط الذي انقطعت شهوته وضعفت ارادته ودل عليه في هذه الاية بلفظ الشيخ والشيخة. حتى اذا تمكن في النفوس تقبيح هذه الفاحشة والتباعد عنها انزلت حينئذ الايات المتعلقة ببيان في احكام الزنا نية العبد تقوم مقام عمله واذا احسن العبد في عبادة ربه ووطن نفسه على الاعمال الفاضلة الشاقة قال الله له سعادها فربما انقلبت المقام فاما وتبدلت المحنة منحة فربما حصل من لذلك خير الدنيا والاخرة. ويدل على ذلك قوله تعالى الذين استجابوا لله والرسول من بعد فبما اصابهم القرح الى قوله فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم ينسسهم سوء. واتبعوا رضوان الله والله والله ذو فضل عظيم فلا يستنكر هذا الخير على ذي الفضل العظيم. قصد المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة تحقيق معنى كليا من معاني فهم القرآن الكريم. وهي ان الله سبحانه وتعالى يسهل الامور ويهون صعابها ويقلب المحن منحا اذا حسنت حال العبد في عبادة ربه سبحانه وتعالى وعظمت نيته وكبرت رغبته في طلب مرضاة الله سبحانه وتعالى. كما ذكر الله عز وجل في هذه الايات في حق الصحابة الذين انقلبوا من ضراء مستجيبين لامر الله وامر رسوله صلى الله عليه وسلم على ما بهم من البلاء واللاواء والمشقة عقب غزوة احد وظهروا مع النبي صلى الله عليه وسلم دون ادراك الكفار واضعافهم والايقاع بهم. فكان الجزاء انه انقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء. فلما حسنت اعمالهم وقوي اقبالهم وثرع استجابتهم لامر الله وامر رسوله صلى الله عليه وسلم جاءته من نعمة كاملة بان انقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء فحول خوفهم امنا وشدتهم رخاء وانقلبوا بنعمة من الله وفضل وفي هذه الاية دليلنا ايضا على ان الله يحدث لعبده اسباب المخاوف والشدائد ليحدث العبد التوكل على ربه والاخلاص والتضرع فيزداد ايمانه وينمو ويقينه كما قال تعالى الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل هذا المعنى ظاهر من هذه الاية. فان الرب سبحانه وتعالى اجرى على الصحابة ما اجرى في غزوة احد ليحدث لهم نعما كثيرة منها تجديد توكلهم على ربهم سبحانه وتعالى وافاضتهم في الاخلاص له سبحانه والتضرع اليه. فيزيد بذلك ايمانهم ويقينهم فانهم لو خوفوا باجتماع المشركين في حمراء الاسد كان قولهم حسبنا الله ونعم الوكيل فكملت حالهم بما اورد عليهم من المخاوف واعلنوا برائتهم من كل حول وقوة وتفويضهم الامر الى رب العالمين بقولهم حسبنا الله ونعم الوكيل يعني كافينا الله وهو سبحانه وتعالى نعم الوكيل ومثل هذا ما اتفق للنبي صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة الى المدينة فانه تعاظمت عليه الشدائد حتى بلغ مقاما عظيما من التوكل فكان قوله لما قرب منه سراقة ومن يطلبه من المشركين ان قال لصاحبه لا تحزن ان الله معنا. كما قال الله عز وجل ثانيا اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا. فجاء هذا الاعلان من النبي صلى الله عليه وسلم بكمال التوكل على الله والثقة به وتفويض الامر اليه مع كل ما احاط بالنبي صلى الله عليه وسلم من الشدائد والبلايا في خروجه صلى الله عليه وسلم وهجرته من مكة الى المدينة قوله تعالى من بعد وصية يوصي بها ودين والاية والاية الاخرى من بعد وصية توفون بها او دين والاخرى من بعد وصية يوصين بها او دين فاتفقت على اطلاق الدين وتقييد الوصية لحصول الايصائي بها وهذا يدل على ان الدين مقدم على حقوق الورثة وغيرهم مطلقا سواء وسط المدين بقضائه او ولم يوصف وسواء كان دينا لله او للادميين وسواء كان به وثيقة ام لا. واما الوصية فشرط الله تموتها ان لا يوجد الايصاء بها فان فان لم يوصي الميت لم يجب على الورثة شيء من التركة بغير الدين فلا بد من تحقق الايصال فلو وجد منه قول في حالة عدم شعور وعلم بما اوصى به لم يتحقق انه اوصى هؤلاء الايات الثلاث مع قوله تعالى ايضا بعدهن من بعدي وصية يوصى بها او دين جاءت الوصية فيها مقدمة على الدين باعتبار السياق ولكن عني في الدين اطلاقه وفي الوصية تقييدها. مما يدل على ان الدين وان كان مؤخرا وانسياق الا انه مقدم مقاما فالوفاء بالدين من التركة مقدم عن الاخذ بالوصية وصرفها في مولدها ولهذه النكتة حصل التقديم والتأخير على المعنى الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى فليس تقديم الوصية بالذكر دالا على انها مقدمة في الواقع بل هي مؤخرة بعد قضاء الدين من تركة ويدل على هذا ان الله عز وجل اطلق بالدين وقيد في الوصية انه لابد من وقوع الايصاع بها فقال من بعد وصية يوصي بها وقال من بعد وصية يوصى بها مع الايتين الاخريين. فدل هذا على المعنى الذي تقدم بيانه ولا تثبت الوصية الا مع التحقق والعلم. فان لم يوصي الميت ولم يوجد له وصية فانه لا يجب على الورثة شيء من التركة لغير الدين. ولابد من وجدان هذه الوصية في حال كاملة بخلاف ما اذا وقعت في حالة عدم شعور كغلبة مرض او رهق او وتعب فغاب عنه ما يوصي به فانه حينئذ لا يتحقق الايصال بما اوصى ودلت الايات على ثبوت الوصية التي يوصي فيها الميت وقيدتها السنة بانها الثلث فاقل لغير وارد. يعني ان الوصية جاءت في هؤلاء الايات مطلقة غير مقيدة فلم يبين حدها ولا مصرفها وجاء السنة في امرين اثنين احدهما ان الوصية مختصة بالثلث والثاني ان الوصية كائنة لغير وارد فلا وصية لوارث. بل ايات المواليث وتقدير عن صباع الورثة مع قوله في اخرها تلك حدود الله. الى قوله ومن يعص الله ورسوله ويتعدى حدوده ويدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين. تدل على ان الوصية لوالدي من باب تعزي الحدود. يعني ان هذه الايات تستنبط منها المنع من الوصية للوانس لان الله عز وجل بين فيها الورثة وما لهم من الحقوق ثم اخبر سبحانه وتعالى ان هذه حدود للرب سبحانه وتعالى وان تعديها يوجب للعبد العذاب المهين ودخول النار والخلود فيها فمن اوصى لوارث فقد تعدى الحد الذي حده الله فان الله قدر لكل حظا لا ينبغي تعديه بمثل الايصال له بشيء فوائده لا يمنع الله تعالى عبده شيئا الا فتح بابا انفع له منه واسهل واولى. قال تعالى وما فضل الله به بعضكم على بعض اسأل الله من فضله ان الله كان بكل شيء عليما فمنع الله من تمني ما فضل الله به بعض العبيد على بعض واخبر ان كل عامل من الرجال والنساء له نصيب وحظ من كسبه وحض الصنفين على الاجتهاد في الكسب النافع ونهاهم عن التمني الذي ليس بنافع دخلهم ابواب الفضل والاحسان ودعاهم الى سؤال ذلك بلسان الحال. ولسان المقام واخبرهم بكمال علمه حكمته وان من ذلك ان انه لا ينال ما عنده الا بطاعته. ولا تنالوا المطالب العالية لا نستعي والدتها والله الموفق لكل خير هذا معنى حسن دله المصنف رحمه الله تعالى من هذه الاية. فان الله عز وجل لما منع الرجال من سؤال ما للنساء ومنع النساء سؤال ما للرجال من حظ ارشدهم بعد ذلك لما فيه الخير لهم وهو سؤال الله سبحانه وتعالى من فضله والاشتغال بما فيه نفع لهم. واخبر سبحانه وتعالى ان كل عامل منهم له نصيب وحظ من كسب كما قال الله عز وجل في سورة ال عمران فاستجاب لهم ربهم اني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر او انثى فيشتغل كل احد من الرجال والنساء بما فيه مصالحه ولا يتجاوز ما فمنع الله سبحانه وتعالى عنه. ونظير هذه الاية بان الله عز وجل اذا منع العبد شيئا فتح له غيره قوله تعالى واحل الله البيع وحرم الربا فان الله عز وجل لما منع اهل الجاهلية من يريان معاملاتهم بالربا اخبر سبحانه وتعالى عن قاعدة كلية في المعاملات وهي ان المعاملات اعني المالية مبنية على الحل فايما معاملة مالية فالاصل فيها الحلال. فقوله تعالى واحل الله البيع دائرة واسعة وقوله تعالى وحرم الربا دائرة ضيقة. فلما منع الناس من التعامل بالربا فتحت لهم انواع المعاملات المالية كيفما شاؤوا فان الاصل فيها الحل. قوله تعالى الم تر الى الذين يزكون انفسهم بل الله نزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا. اي اذا كانوا انما حملهم على تزكية نفوسهم ومدحها خوف لا يعرف مقدارهم ومنزلتهم. فليعلموا ان الله هو المزكي لمن يشاء من خلقه وهو الذي تزكى ترك القبائح وفعل الخيرات. والله تعالى شكور حكيم. فاذا كانوا اذكياء حقيقة فلابد ان يظهر الله ذلك وان لم يظهروه فانه لا يظلم فتيلا. ولكن قد علم ان الحامل لهم على هذه التزكية دعوة الدعوة الباطلة والافتراء والكذب. فلهذا قال انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى اسما مبينا بين الله عز وجل في هذه الاية حال طائفة من المنافقين الذين طفقوا يزكون انفسهم ويثنون عليها ويذكرون مدائحها. ارادة لرفع مقاماتهم واعلاء مناصبهم خشية الا يكون لهم مقام ولا ذكر حسن. فعاقبهم الله سبحانه وتعالى بسلبه من المقامات الكاملة وانزالهم الى درك سافل من النار. والاخبار بان ما هم عليه من دعوة تزكية انما هو افتراء وكذب. مع الاعلام بان الله سبحانه وتعالى هو الذي يزكي في النفوس على الحقيقة. فاذا اقبل المرء على نفسه بالتزكية بتطهيرها من نجاستها وارجاسها فان الله عز وجل يقابل هذا بتزكيته عند الناس. يعني بانماء ذكره والعبد مأمور بالتزكية بان يزكي نفسه بتطهيرها. لا ان يزكي نفسه بمدحه وقد اخبر بانه اذا اشتغل بما فيه مصلحة نفسه من زكاتها فان الله سبحانه وتعالى يظهر له ذكرا حسنا كما اتفق هذا لانبياء الله عليهم الصلاة والسلام. وقد جعل الله عز وجل الفرقان بين الفلاح والخسارة اشتغال العبد بتزكية نفسه يعني بتطهيرها. كما قال الله عز وجل قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها. واذا غفل العبد عن تزكية نفسه بتخليتها من اوضانها ونجاستها وسعى الى ذلك بمدح نفسه والثناء عليها وذكر محاسنها ونشر مقاماتها العالية عند الناس من غير تأهن لذلك ولا صلاحية له فان الله سبحانه تعالى يعاقبه بضد قصده. وهذه سنة كونية مطردة. واكذب الناس في زكاة انفسهم هم المداحون لها فمن كان مداحا لنفسه مبينا لما هي عليه من الكمال فانها في الغالب هي في الحقيقة على خلاف ذلك فلابد ان يظهر الله عز وجل خبيئة نفسه. وهؤلاء انما يسعون الى ذكر مدائحهم رغبة في تعظيم الناس لهم. فيكون العقاب ان الله عز وجل يظهر فضائحهم وقبائحهم عند الناس فيكون في ذلك سبب لنخرة الناس عنهم ووقوعهم في اعراضهم ذكر الله تعالى مرقع للخلل متمم لما فيه نقص ودليله قوله تعالى بعدما ذكر صلاة الخوف وفيها من عدم الطمأنينة ونحوها قال فاذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم اي لينجدر نقصكم وتتم فضائلكم. فوائد الذكر كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان ذكر الله يحصل به ترقيع الخلل ويتمم به النقص كما اتفق هنا في هذا الامر فلما كانت الصلاة في حال الخوف يلحقها خلل ظاهر ونقص بين ارشد لما فيه تكميلها وهو ذكر الله سبحانه وتعالى على هذه الحال قياما وقعودا وعلى جنوبهم وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في الوابل الطيب فوائد كثيرة للذكر ينبغي لطالب العلم ان يقف عليها ومن جملتها ان في الذكر جبر النقص وتتميم الفضائل ويشبه هذا ان الكمال هو الاستثناء في قول العبد اني فاعل ذلك غدا. فيقول ان شاء الله فاذا نسي فقد فقد قال تعالى واذكر ربك اذا نسيت وهذا اعم من كوني يستثني بل يذكر الله تعالى تكميلا لما فاته من من الكمال والله اعلم فعلى هذا المعنى ينبغي لمن فعل عبادة على وجه فيه قصور او اقل بما امر به على وجه النسيان ان يتدارك ذلك بذكر الله تعالى ليزول قصوره ويرتفع خلله. هذه الاية من سورة الكهف هي نظير هذه الاية من سورة النساء. فان العبد مأمور اذا وعد موعدة ان يقول فيها ان شاء الله فاذا نسي فانه حينئذ يذكر الله عز وجل ولا يعيد استثناءه لانه لا منفعة فيه ولذلك قال الله عز وجل واذكر ربك اذا نسيت ومن هذه الاية يستنبط ان العبد اذا وقع منه خلل او نقص في عبادته على وجه النسيان فانه ويتدارك ذلك بذكر الرب سبحانه وتعالى. ومما يستنبط من هذه الاية كما ذكره بعض المفسرين ان من الادوية النافعة لاذهاب النسيان ادمان ذكر الرب سبحانه وتعالى. فان العبد اذا تواصل ذكر الرب سبحانه وتعالى ولهج به على لسانه كان ذلك من اعظم ما ينفي عنه داء النسيان ان الله قال واذكر ربك اذا نسيت. ومن هذه الاية يعلم ايضا السر في تيسير حفظ القرآن الكريم في قوله تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟ فلما كان القرآن الكريم ابلغ الذكر كان قراءته فيها اعظم الاعانة على حفظه وضبطه فلكونه اجل الذكر وارفعه كان الجزاء ان الرب سبحانه وتعالى يهيئ للعبد اسباب حفظه وظبطه مبلا ومعنى