قال المؤلف رحمه الله تعالى ما هو الغيب الذي اثنى الله على المؤمنين به واخبر عن سعادتهم وفناحهم واستحقاقهم العبد يعرفه ويتعرف محاله ومواضعه فيجتهد في تحقيق الايمان ليكون من المفلحين فان اكثر الناس بل اكثر المؤمنين في هذا الباب الا امور مجملة والفاظ غير محققة وهذا نفعه دون نفع التنويع والتفسير والتوضيح والتبين في كثير في رفاق كورة بحسب قدرتكم واستطاعتكم فانا لا نطلب منكم شططا والا فقد تقرر ان هذه المسألة لا يتمكن خواص الخلق من اي كان حقها وبيان امرها فافتونا مأجورين الجواب وبالله يستعين واليه اضعاف الهداية فيها وفي غيرها الغيب هو خلاف الشهادة ولهذا تقسمنا الشهوة قسمين غيبية ومحسوسة محسوسة المشاهدة لم يعلم يعلق السائر عليها حكم من احكام الايمان الذي يفرق به بين اهل السعادة وغيرهم وذلك كالسماء والارض وما فيها من مخلوقات المشاهدة والطبائع المعلومة المعقولة انما يذكر الله تعالى من هذا النوع الادلة والبراهين على ما اخبر به واخبرت فيه رسله. القسم الثاني وهو الغيب الذي امر بالايمان ايه ومدح المؤمنين به في غير موضع من كتابه وضابط هذا القسم انه كلما انه كل ما اخبر الله به ما اخبر فيه رسله على وجه يدعو الناس الى والايمان به وذلك انواع كثيرة اجلها وعلاها وافضلها وانفعها وايسرها ما اخبر به في كتبه واخبرت به رسله من اسماء الله الحسنى وصفاته العليا ونعطيه جليلة الجميلة افعاله الحميدة وفي الكتاب والسنة من هذا النوع شيء كثير جدا بحسب الحادث اليه فانه لا اعظم حادثا ومرورة من معرفة النفوس بربها ومليكها الذي لا غنى لها عنه طرفة عين ولا صلاح لها ولا زكاة الا بمعرفته وعبادته وكلما كان العبد عرف باسماء ربه وما يستحق من صفات الكمال وما يتنزه عنه مما يضاد اذا كان اعظم ايمانا بالغيب واستحق من الثناء والمدح بحسب معرفته فموضع هذا تدبر اسمائه الحسنى التي وصفها سمى بها نفسه في كتابه وعلى لسان رسله. فيتأملها العبد اسما اسما يعرف معنى ذلك وان له تعالى من وان هذا الكمال والعظمة ليس له منتهى ويعرف ان كل ما ناقض هذا الكمال وان كل ما ناقض هذا الكمال فان الله تعالى منزه مقدس عنه ومما كان هذا النوع هو اصل الايمان بالغيب. واعظمه واجله. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ان وتسعين اسما مائة الا واحد من احصاها دخل الجنة وتعقلها في قلبه وتعبد الله بها وتقرب لمعرفتها الى رب العالمين. هذا السؤال الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى سؤال جليل. لانه يتعلق بامر فرق الله عز وجل به بين المؤمنين والكافرين فان الكافرين لا يؤمنون الا بما كان مشهودا. واما المؤمنين فانهم يفضلون عليهم بانهم بالغيب ولهذا اذا ذكر الله مجايح المؤمنين مدحهم بانهم يؤمنون بالغيب كما قال الله عز وجل في صدر سورة البقرة الذين يؤمنون بالغيب فلما كانوا كامل الايمان بالله سبحانه وتعالى انقادت نفوسهم وسلمت لان تؤمن بالغيب الذي خفي والغيب اسم جامع لكل ما خبي. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى انه انواع كثيرة من اجلها وانفعها وايسرها ما اخبر الله عز وجل به من اسماء الله الحسنى. فان من الغيب الذي حجبه الله عز وجل عن معرفة حقائق هذه الاسماء فاننا نعقل من الاسماء والصفات معانيها الا اننا لا نعرف حقائقها فاننا نعرف وصى الله بالعلم ونؤمن بان الله عليم له العلم الا اننا لا نقدر قدر هذا العلم ولا نعرف حقيقته ونؤمن بان لله عز وجل وجها ونعرف معناه الا اننا لا نقف على حقيقته. فمن ابلغ الايمان بالغيب الايمان بالاسماء الحسنى والصفات العلا وكلما ازداد العبد تدبرا في معانيها وقطع نفسه عن الطمع في معرفة كيفيتها ازداد ايمانه ولذلك كان من احصى هذه الاسماء بمعرفتها وحفظها ودرك معانيها والتقرب الى الله عز وجل بها كان جزاؤه يدخله الله سبحانه وتعالى الجنة لان ذلك اعظم الغيب الذي حجبه الله عز وجل عن الخلق فينبغي للمؤمن الناصح لنفسه ان يبذل ما استطاع من مقدوره في معرفة اسماء الله وصفاته وتقديسه ويجعل هذه المسألة اهم المسائل عنده الايثار واحقها بالتحقيق ليفوز من الخير له فليصير. ولهذا لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الانصاري عن سبب ملازمته قرأ في سورة قل هو الله احد في صلاته فقال لانها صلة الرحمن فاحب ان اقرأ بها فقال حبك اياها ادخلك الجنة عليه وثبت ان حب العبد لصفات الرحمن وملازمة تذكرها واستحضار ما دلت عليه من المعاني الجليلة والتفاهم من معاني التي معانيها من اسباب دخول ادخل الجنة وطريق ذلك ان يجمع العبد الاسماء الحسنى الواردة في القرآن وهي قريب من ثمانين اسما وفي السنة زيادة على ذلك دبروها فيتدبرها ويعطي كل اسم منها عموم ذلك المعنى وكماله واكمله. ومن علامة ذلك الحكم حرص العبد على معرفة تفسير كلام الله عز وجل. فان اكثر الغيب ومن جملته الاسماء الحسنى جاء في القرآن الكريم فمن له شغف بعلم التفسير ومحبة له فذلك من دلائل كمال ايمانه بالغيب لانه يسعى الى تفهم هذه المعاني التي ذكرها الله عز وجل عن الغيب الذي حجبه عن الخلق وهذا من علائم فرحه بالقرآن الكريم ومن اعظم الاف العبد التي تعينه على فهم القرآن ان يكون فرحا بالقرآن محبا له كثير التعلق به ولهذا لم ما سئل الشيخ عبدالرحمن الجوثري احد المفسرين من القرن المنصرم لما سئل عن الة المفسر ذكر ان اولها فرحه بالقرآن فان الانسان اذا كان فرحا بالقرآن محبا له كثير الترديد لمن بانيه وقافا عند تفهم معانيه فانه يفتح له حينئذ في باب التفسير وسبق ذكر حال الامام مالك رحمه الله تعالى وانه كان اذا دخل البيت لم يكن له شغل الا القرآن فاذا تدبر اسم الله عرف ان الله تعالى له جميع وله جميع معاني الالهية وهي كمال الصفات والانفراد بها وعدم الشريك بالافعال لان المال انما يؤلف لما قام به من صفات الكمال فيحب ويخضع له ويخضع له ويخضع لها لاجله يعني احسن الله اليكم ويخضع لاجلها والباري جل جلاله لا يفوته من صفات الكمال شيء بوجه من الوجوه او يؤله ويعبد من اجل نفعه وتوليه ونصره كيف يجلب النفع لمن عبده ويدفع عنه الضرر؟ ومن المعلوم ان الله تعالى هو المالك لذلك كله وان احدا من الخلق لا يملك لنفسه ولا لغيري نفعا ولا ضرا فاذا تقرر عنده ان الله وحده مألوف واوجب له ان يعلق بربه حبه وخوفه ورجاءه واناب اليه في كل وقطع الالتفات الى غيره من المخلوقين. ممن ليس له من نفسه كمال ولا له فعال ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ويتدبر مثلا اسم الاسم العليم في علم ان في علم ان العلم كله بجميع وجوهه واعتباراته لله تعالى فيعلم تعالى الامور المتقدمة وامور متأخرة تأزما وابدا وان اعلم دليلا اموري وحقيرها وصغيرها وكبيرها ويعلم تعالى ظواهر الاشياء وبواطنها غيبها وشهادة ما يعلم الخلق منها وما لا يعلمون. ويعلم تعالى الواجبات او المستحيلات والجائزات ويعلم تعالى ما تحت الارض استبلى كما يعلم ما فوق ويعلم تعالى بزيات الامور وقبائل الصدور وخفايا ما في ارجاء العالم وانحاء المملكة فهو الذي احاط علمه بجميع في كل الاوقات ويتلو على هذه الايات المقررة له كقوله في غير موضع ان الله بكل شيء عليم وقوله ان الله عليم بذات الصدور وقوله يعلم ما في السماوات والارض ويعلم ما تسرون وما توعدون والله عليم بذات الصدور. وقوله وان تجهر بالقول انه يعلم السر واخفى قوله سواء منكم ولا شر القول ومن هو مستقسم بالليل وشارب بالنهار. وقوله الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء ان ذلك على الله يسير. وقوله ان الله لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء هو الذي يصوركم الى الارحام كيف شاء لا اله الا هو العزيز الحكيم. وقوله ان الله يدعونه الساعة وينزلوه ويعلموا ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفسكم باياظ تموت وان ان الله عليم خبير فقوله وعنده مفاتح واذ لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما في السقم من ورقة لا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا بطن ولا يابس الا في كتاب مبين فقوله وقوله عالم الغيب فلا يظهر على احدا الا من ارتضى بالرسول وقوله يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعود فيها وهو الرحيم الغفور ولو اننا في الارض من شجرة الاقلام والبحر يمد من بعده سمعت وابطل مما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم ما خلقكم وما باتكم الا كنفس واحدة ان الله سميع بصير. المتر ان الله يريدني في النهار ويولد النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري الى اجر مسمى وان الله بما تعملون قدير. قوله والله خبير بما تعملون وقوله المتر ان الله يعلم ما في السماوات وما في الارض ما يكون من نجوى ثلاثة الا ورابعهم ولا خمسة الا وسادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ان الله بكل شيء عليم. وقوله فلا تعلم نفس مما اقضي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون وغير ذلك من النصوص الكثيرة على هذا المعنى فان تدبر بعض ذلك يكفي المؤمن البصير معرفة باخافة لله تعالى وكمال عظمتي وجليلي قدره وانه الرب العظيم المالك وكذلك يتدبر اسمه الرحمن وانه تعالى واسع الرحمة له كمال الرحمة ورحمته قد ما قد ملئت العالم العلوي والسفلي وجميع المخلوقات الدنيا والاخرة فيتدبر الايات الدالة على هذا المعنى كقوله تعالى ورحمته وسعت كل شيء وقوله ان الله بالناس لرؤوف رحيم وقوله فانظر الى اثر رحمة الله كيف يحي الارض بعد موته فان ذلك ليحيي الموتى وقوله الم تروا ان الله سخر لكم ما في السماوات وما في الارض واسرع عليكم نعمه وباطنه وقوله وما بكم من نعمة فمن الله ثم اذا مسكم الضر فاليه تشعرون وقوله وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ان الانسان لظلوم كفار. واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد امنا واجنبني وبني ان نعبد الاصنام. ربي انه لاضللنا كثيرا من الناس فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم. ويتلو سورة النخل الدالة على اصول النعم وفروعها التي هي نفحة واثر من اذان رحمة الله ولهذا قال في اخرها كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون. ثم تدبر سورة الرحمن من اولها الى اخرها فانها عبارة عن شرح وتفصيل لرحمة الله تعالى فكل ما فيها من دروب المعاني وتصاريف الالوان من رحمة الرحمن ولهذا اختتم فعبدالله في الجنة من النعيم المقيم الكامل الذي هو اثر من رحمته تعالى. ولهذا يسمي الله جنة الرحمة بقوله واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون وفي الحديث ان الله قال للجنة انف رحمة ارحم بك من اشاء من عبادي وقال تعالى وهو ارحم الراحمين. وفي الحديث الصحيح لله ارحم بعباده من الوالدة بولدها وفي الحديث الاخر ان الله كتب كتابا عنده فوق عرشه ان رحمتي سبقت غضبي وفي الجملة فالله خلق الخلق رحمته وارسل اليهم الرسل برحمته وامرهم ونهاهم وشرع لهم الشرائع برحمته. واسبق عليهم النعمة الظاهرة والباطنة برحمته ودبرهم بانواع التدبير ليصرفهم بانواع التصريف برحمته وملأ الدنيا والاخرة من رحمته فلا طابت الامور ولا تيسرت الاشياء ولا حصلت المقاصد وانواع المطالب الا برحمته ورحمته فوق ذلك واجل واعلى. وللمحسنين المتقين من رحمته نصيب الوافر والخير متكاثر. ان رحمة الله قريب من المحسنين وهكذا يتدبر العبد صفات ربي واثارها واحكامها حتى ينصبغ قلبه بمعرفة ويستنير فؤاده ويمتلئ من بخالقه وشواهد وصفاته من عظمة خالقه وشواهد صفاته. ولنقتصر على هذا التنبيه اللطيف على هذه الاسماء الثلاثة انا في باقيها على هذا الحبل وتدبر ويتدبر مثلا اية الكرسي واول سورة ال عمران واول سورة الحبيب وغافر واخر سورة الحشر وسورة الاخلاص ونحوها من الايات المشتملة على هذا العلم العظيم. وما يتأيد بها من الاحاديث النبوية لينال حظا جزيلا من الايمان بالغيب وليكون من الذين يخشون ربهم بالغيب. جر المصنف الى هذه الجملة ما تقدم ذكره من ان ان الايمان بالغيب يتضمن الايمان بالاسماء الحسنى ثم مثل رحمه الله تعالى لثلاثة من الاسماء الحسنى التي اذا ادمن العبد النظر في معانيها اورثه ذلك علما نافعا وحالا شاملا فذكر اسم الله واسم العليم واسم الرحمن. فالاول دال على الوهية لله عز وجل المقتضية لحبه ورجائه والخوف منه الحاملة على طلب القرب منه والتعبد له. وذكر اسم العليم الدال على كمال علم الله عز وجل واحاطته بكل شيء. ثم ذكر اسم الرحمن المبين لرحمة الله عز وجل التي وسعت كل شيء وسبقت غضبه سبحانه وتعالى. وقس على هذا بقية الباب من الاسماء الحسنى الصفات العلا من امور الغيب التي اذا تأمل الانسان في معانيها وتدبر اورثه ذلك علما كاملا وحالا تاما ومن الايمان بالغيب الايمان بجميع رسل الله الذين ارسلهم على وجه الاجمال والتفصيل لاشخاصهم لدعوتهم وشرعهم وكذلك الايمان بجميع الكتب التي انزلها الله بداية للعباد على ما اجتباهم بالرسالة ولهذا سمى الله الوحي الذي انزله على رسوله صلى الله عليه وسلم غيظا فقال فما هو على الغيب بضنين ويذكر تعالى من ادلة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. الاخبار بوقائع الانبياء المتقدمين وما جرى لهم فيقول تلك من انباء نوحيها اليك ما كنت تعلم وانت ترى قومك من قبلي هذا فقولي وما كنت لديهم ذي القلى قلمهم ايهم يكفر مريم وما كنت لديهم اذ يختصمون وقوله وما انت بجانب الغربي اذا قضيناها الى موسى الامر وما كنت من الشاهدين وما اشبه هذا مما التبيان لصحة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم حيث اخبر بهذه الغيوم فتمام الايمان بالغيب ان يؤمن العبد بجميع ويعرف من صفاتهم ومن دعوتهم ما يحقق به هذا الامر. مما يندرج في الايمان بالغيب الايمان بجميع رسل الله الذين ارسلهم على وجه الاجمال والتفصيل. ولهذا سمى الله سبحانه وتعالى الوحي الذي انزله على رسوله غيبا. كما قال وما هو عليه الغيب بضليل فالغيب في هذه الاية هو الوحي باجماع المفسرين كما نقله ابن القيم رحمه الله تعالى في استبيان في اقسام القرآن وكذلك ما اخبر الله عز وجل به نبيه من وقائع الانبياء المتقدمين كله من الغيب ولذلك قال تلك فمن انباء الغيب في اية اخر بين الله عز وجل فيها ان ما مضى من احوال الرسل من جملة الغيب فمن كان مؤمنا بالغيب فانه انه يؤمن بجميع الرسل الذين ارسلهم الله عز وجل وكذلك يؤمن بجميع الكتب خصوصا هذا القرآن العظيم الذي كلف العبد بالايمان به اجمالا وتفصيلا. وكيفية الايمان على وجه الادمان والتفصيل ان يؤمن او يصدق بانه كلام الله انزله مع جبريل عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه وسلم بهذا اللسان العربي لينذر الخلق ويهديها الى الحق في جميع المطالب ويلتزم العبد التزاما لا ترد في تصديق اخباراته كلها وانتشار اوامره واجتناب نواهيه واحلال حلاله تحريم حرامه ثم يحقق هذا الاثر بتفاصيله فيتفهم ما دلت عليه اخباره ويجعلها عقيدة لقلبه راسخة لا تزلزلها الشبهات ويغيرها العوارض من اعمال القلوب والجوارح ان يقوم به على وجه الكمال والتكوين علما وعملا وحالا وما لا يقدر عليه يرويك على ولو قدر عليك وكذلك النواهي يأخذ نفسه في كل ما نهي عنه الا يقربه ولا يحوم حوله امتثالا لامر الله ورجاء لثوابه فبحسب قيام العبد بهذا يكون ايمانه بالغيب فمستقل ومستكثر ومتوسط ويدخل في هذا النوع الايمان باخباره بما كان من الامور الماضية وما يكون من الامور المستقبلة. من جملة ما يتعلق بالايمان بالغيب الايمان جميع الكتب ولا سيما هذا القرآن الكريم وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى طرفا مما يتعلق بكيفية الايمان بالقرآن فمن ذلك ان يؤمن العبد يصدق بانه كلام الله سبحانه وتعالى كما قال الله عز وجل وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله يعني القرآن وان جبريل نزل به كما قال الله عز وجل في سورة الشعراء نزل به الروح الامين على قلبه كي تكون من المنذرين. ويلتزم العبد التزاما لا تردد فيه بتصديق اخباره وامتثال اوامره واجتناب نواهيه. كما قال الله عز وجل وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. فهي تامة بالصدق في الاخبار وبالعدل في الاحكام. ثم يحقق هذا الاصل بتفاصيله. فما كان فيه من الاخبار رسخه في قلبه وعقد عليه قلبه لا تزلزله الشبهات وما كان فيه من الاحكام ان كان امرا ترعى الى فعله وان كان نهيا زرع الى تركه ممتثلا قول الله سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة فبحسب قيام هذا الامر في قلب العبد يكون ايمانه بالغيب المتعلق بالقرآن والناس في ذلك درجات. ومن انواع الايمان بالغيب الايمان باليوم الاخر وبما وعد الله العبادة من الجزاء فدخل في هذا الايمان بجميع ما يكون بعد الموت من فتنة القبر واحواله. ومن صفات يوم القيامة واهواله ومن صفات النار واهلها اعد الله لهم فيها من صفات الجنة واهلها وما اعد الله فيها لاهلها فيفهمها فهما صحيحا مأخوذا من الكتاب ودلالة بينتها من السنة الصحيحة ودلائلتها الظاهرة فبحسب ما يصله العبد من نصوص الكتاب والسنة في هذا الباب وفهمها على وجهها يكون العبد بالغيب واذا استقر الامام بالوعد والوعيد في قلب العبد وحصل فيه من ذلك تفاصيل كثيرة اوجب له الرغبة في فعل ما يقربه الى ثواب الله والرغبة من الاسباب الموجبة لاهانة وعلم اما وعلم ان الله تعالى قائم على كل نفس بما عملت من خير وشر. وانه احسن الفضل كامل العدل. قال تعالى جنات عدن ايوا عبد الرحمن عباده بالغيب انه كان وعده مكيا. فقال ومن اصدق من الله قيلا وقال ومن اصدق من الله حديثا وقال ان الله لا يخلف الميعاد قد هذه الجملة ذكر فيها المصنف نوعا اخر من الايمان بالغيب وهو الايمان باليوم الاخر. وذكر انه يندرج في ذلك الايمان بجميع ما يكون بعد الموت وهذا الحد للايمان باليوم الاخر لانه الايمان بجميع ما يكون بعد الموت ذكره ابو العباس ابن تيمية الله تعالى في الرسالة الواسطية واستجازه المصنف في التنبيهات اللطيفة وذكر انه احسن ضابط لليوم الاخر تميع ما يكون بعد الموت هو من جملة لليوم الاخر فيكون الايمان به ايمانا باليوم الاخر ومن الايمان بالغيب الايمان بالملائكة الكرام الذين جعلهم الله عبادا مكرمين لا يسبقونه بقولهم بامره يعملون وانهم لا يحصى لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما الليل والنهار لا يفطرون وانه تعالى جعله يدبرون بامره واذنه امور الدنيا والاخرة القبلية ان الله دعا معقبات يحفظونه من امر الله ويحفظون عليه اعماله وما ينسب من قول الا لديه رقيب عتيد بل تكذبون بالدين وان عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون فلهم صفات وافعال مذكورة في الكتاب والسنة لا يتم الايمان من غيره الا بالايمان بها. من جملة ما يندرج بالايمان بالغيب الايمان بالملائكة الكرام فانهم كلام الله عليهم غيب غير مشاهد ولا محسوس لدينا. ولهذا فان المؤمنين يؤمنون بهذا هؤلاء الملائكة وانهم خلق خلقهم الله من نور وجعل لهم اعمالا يدبرونها بامر الرب سبحانه وتعالى واذنه فهم جنود الله عز وجل. فرجع الامام ابن غيب الى اصول الايمان الستة بالايمان بالله وملائكته اكتب لي ورسله واليوم الاخر والقدر خير ليصلي على هذا الوجه الذي ذكرناه والعصر الذي نبهنا ادنى تنبيه عليه فمن حقق الايمان بذلك كله كان من المؤمنين بالغيب حقيقة المتقين المفلحين. وهذا اصل جامع لما تقدم من كون الايمان بالغيب يرجع اليه جميع واصول الايمان الستة المذكورة في القرآن والسنة. ويرد ها هنا اشكال. وهو كيف يكون الايمان بالملائكة وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل ورأى الصحابة رضوان الله عليهم رسولا من الرسل هو محمد صلى الله عليه وسلم ورأينا نحن كتابا من كتب الله عز وجل وهو القرآن. فكيف تكون هذه الامور غيبا؟ الجواب ان يقال انها كذلك باعتبار اصلها. فان لا نعلم في هذه الامة من الرسل الا واحدا هو محمد صلى الله عليه وسلم لقيه من لقيه من الصحابة رضوان الله عليهم. وكذلك لا نعلم من الكتب بين ايدينا الا كتابا واحدا هو القرآن الكريم ذلك لم يقع ولم يتصل الخبر باحد من هذه الامة بملك من الملائكة الا للنبي صلى الله عليه وسلم في جبريل فهذا لا يخرج الامر عن اصله ولا يتخلف به هذا الكلي الجامع في كون جميع اصول الايمان الستة ترجع الى الايمان بالغيب