قال المؤلف رحمه الله تعالى سؤال ما هو الخشوع الذي امر الله به ومدحه وذم من قسى قلبه فلم يخشى فما حقيقة ذلك وما علامة ودلالته قلت قد مدح الله خشوع عموما في جميع الاوقات والحالات والعبادات مثل قوله تعالى والخاشعين والخاشعات وقوله الم يعني للذين امنوا تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق وقوله ان الذين امنوا وعملوا الصالحات واخفت الى ربهم اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون. فمدح الخشوع خسوفهم في الصلاة مثل قول الذين هم في صلاتهم خاشعون. فخشوع القلب عنوان الايمان وعلامة السعادة. كما ان قسوته وعدم خشوعه وعنوان الشقاوة والخشوع انكسار القلب يدله بين يدي ربه وان يبقى هذا الخشوع مستصحبا مع العبد في جميع اوقاته ان غفل رجع اليه وان ما راح عاد اليه وان بعد تعبد وقربة من القربات وقام بالادب الذي هو اثر الخشوع خصوصا في ام العبادات الجامعة بين انواع التعبدات القلبية والبدنية واقوال النساء وهي صلاتنا انه يقوم فيها مراعيا للمراقبة ومرتبة الاحسان ان يعبد الله كأنه يراه فان لم يكن يراه فانه يراه فيجهل فيجهد نفسه عن التحقيق بهذه العبودية الكاملة فيحضر قلبه فينادي ربه بقلبه قبل لساني ويستحضر ما يقول ويفعله فتسكن حركاته ويقل عبثه. ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وهو يعبث في لحيته قال لو قشع قلب هذا لقشعت جوارحه وبهذا يعرف وبهذا يعرف ان من اعظم علامات الخشوع سكون الجوارح والتعدد في الخدمة الذي هو اثر سكون القلب ولهذا وصف الله عباده الذين الى رحمته في قوله وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما المراد خاضعين متواضعين ومن في هذا الخشوع ان يطمئن القلب بذكر الله ويخشى على اقبال الحق الذي انزله الله فيعتقد ما دل عليه من الحق ويرغب فيما دعي اليه من الخير واما حزام كما قال تعالى الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب. وقال تعالى لم يأن للذين امنوا ان تخشى قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق وقال تعالى فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله اولئك الاضلال مبين. الله نزل احسن الحديد كتابا متشابها مثانيه تقصير منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من عاد. والقلب القاسي لا تؤثر فيه الايات شيئا ولا تزداد ما تذكير الا تماديا في غيره وطغيانه وضلاله. والقلب الخاشع لما كان حسن القصد متواطئ الحق طالبا او مستعد لقبوله حق عرفة وعرف الحاجة للضرورة اليه. ففرح به واطمأن به وزادت رغبته واثر في قلبه خضوعا وفي عينيه دموعا وفي جلده قشعا ثم يلين قلبه ويطمئن الى ذكر الله تعالى فهذا من هداية الله لعبده وتوفيقه اياه الا من اعرضوا فاعرض الله ثم قال تعالى والذين اذا ذكروا بايات ربهم لم يقروا اليكم من هميئنا اي بل خروا سامعين مبصرين منقادين لا طبعا واختيارهم وقال تعالى ان الذين اوتوا العلم من قبله لا يتلى عليهم يخرون الى ان قال سجدا ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للاذقان يبكون ويزيدون بدون خشوع هذا تأثير ايات الله في اهل العلم الخاشعين يجمعون بين خشوع القلب وخضوع اللسان وتضرع وخضوع الجوارح حيث خروا ليبقى من يبكون وقال تعالى بعدما ذكر اصفياءه خاشعين اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ذرية ادم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية ابراهيم واسرائيل وممن هدينا عدت بين عبادة الله عليهم ايات ما يقرؤه سجده وابوك اياه ومن اعظم علامات الخاشعين ما ذكر الله بقوله وبشر المخبتين ثم اصابهم فقال الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم الصابرين على ما صابه ومقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. فلما اخبتت قلوبهم الى ربهم فذلت له وانكسرت وتمثلت اليه تبكيلا قدرت عند ذكره وصبرت على ما اصاب من ابتلاء لا يعد اثنان وانواع النفقات فجمع بين رسل المفلسين وبين امان القلوب هو الوزن واعمال الجوارح كلها واقوال الصلاة التي تجتمع فيها انواع التعبد والاعمال المالية وتقديم محبة الله على محبة المال فاخرجت المال المحبوبة لنفوس الوجوه التي يحبها الله تعالى ايثارا لربها فهذه اوصاف بك الخاشعة التي لا يستحقها ذلك من لم يتصل بها كذلك وسواء بانهم الذين يعرفون الحق في مواضع الشبه فيزدادون ايمانا الى ثمانين كما قال تعالى قل يعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبط له قلوبهم وان الله لهادي الذين امنوا الى صراط مستقيم فقوله تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات احبة الى ربهم يتضمن وصف المخبتين الخاشعين بالرجوع الى ربهم في جميع الحالات والانابة في كل الاوقات لان تعبية الفعل به لا يدل على هذا المعنى فانهم لما اخوة الى ربهم خضعوا لعظمة الاخوة اليه في التعبد فتقبل منهم ما اوصلهم الى المقصود وجعلهم اصحاب الجنة خالدين فيها. فلما خشعت قلوبهم خشعت اسماؤهم وابصارهم واسأتهم وجواهرهم للرحمن ومما يدل على ان هذه الاشياء تابعة للقول في خشوعه ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لو خشع قلبها فقال خشعت جوارحه وقوله تعالى وقوله تعالى وعلت وجوه الحي القيوم وقوله وخشعت الاصوات للرحمن ولهذا فسر كثير من المفسرين الذين هم بساط خاشعون انه البصر وقلة الحركات وعدم الالتفات ولا شك ان الخشوع ودليله. فالخاشع هو الذي سكن في قلبه تعظيم الله قاروا وتصديقوا فذل فذل وخضع وانقاد جوارحه الامام وترك العشرة والبطل والمرح المنادي للخشوع وكلما بعد القلب عن هذا الوصل قسا وغربا فلم زاد خسارا وافتتن عند والشبهات وفسق عن امر ربه. يا لطيف بالعباد لطيفا لما يشاء في جميع الامور هذا السؤال المستحسن مع جوابه المتعلق بمسألة جليلة في الدين وهي الخشوع اذ هو احد العبادات العظيمة التي مدح الله عز وجل بها الانبياء كما قال عز وجل انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين بعد ذكره لطرف من اخبار الانبياء. وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى قد انطوى على اربع مسائل. اولاها مدح الخشوع المتضمن للامر به. لان من طرائق الدلالة على كون الشيء مأمورا به في القرآن. مدحه ثناء على اهله كما جاء في الايات التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى. ومن هنا فالقول الصحيح ان الخشوع في الصلاة واجب كما اختاره جماعة من المحققين منهم ابو العباس ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في مدارج السالكين. وثانيها بيان حقيقة الخشوع وهي التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى بقوله انكسار القلب وذله بين يدي ربه واوضح من هذا ما ما يشتل من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في المدارس ان الخشوع هو الخوف المقترن بالخضوع والذل فان الخوف كما سبق قد يقترن به معنى من المعاني يصير له به اثم جديد. فاذا اقترن الخوف بالخضوع والذل سمي خشوعا. والمسألة الثالثة محل الخشوع وهو القلب. واما ما يكون على الجوارح فانما هو من اثار الخشوع وادلته. والمسألة الرابعة معرفة امارات الخشوع. فان للخشوع امارات تدل على اتصاف العبد ركوع كطمأنينة قلبه ووجله واخباته. فاذا بلغ العبد هذه الامارات كان ذلك دليلا على انه خاشع في اعماله لله سبحانه وتعالى. والمراد بالاخبات كما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في بمدارس ثالثين انه تواضع القلب وسكونه الى ربه سبحانه وتعالى. بقي التنبيه على ان الحديث الذي المصنف في هذه المسألة مرتين وهو لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بل يروى من وجوه لا يثبت منها شيء سؤال ما معنى لطف الله بعبده؟ الجواب لطفه لعبده الذي تتعلق به امال العباد ويسألونه من ربهم وهو احد معنيين مقتدى اسمه اللطيف فان اللطيف بمعنى الخبير العليم قد تقرر معناه ولكن المطلوب من المعنى الثاني الذي يضطر اليه العباد ولنذكر بعض السنته وانواعه الصبر هذا الجواب ايضا جواب حسن قل ان تجد افراغ القول فيه كما بين المصنف رحمه الله تعالى ها هنا وافاض فان من اسماء الله سبحانه وتعالى اللطيف كما قال الله عز وجل الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير واللطيف في حق الله عز وجل له معنيان اثنان الاول العليم ببواطن الاشياء المطلع عليها والثاني الذي يوصل الى العباد مصالحهم برفق من حيث لا يشعرون وقد ذكر هذين المعنيين جماعة منهم الغزالي في المقصد الاثنى وابن القيم في النونية وابن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره وقد افاض المصنف رحمه الله تعالى فيما يستقبل الكلام على المعنى الثاني الذي يضطر اليه العباد وهو ان الله عز وجل يوصل اليهم مصالحهم برفق من حيث لا يشعرون. وقد ذكر الغزالي رحمه الله تعالى في المقصد الاثنى ان بيان هذا المعنى مما يقسو عن بلوغ عشب معشاره ما لو كتبت فيه مجلدات الكثار وانما اراد تصنف في كلام المستقبل الاعلام بلطف الله عز وجل باظهار بعظ انواعه ومعالمه في حياة الناس فاعلم ان اللطف الذي يطلبه العباد من الله بلسان المقال ولسان حاله هو من الرحمة بل هو رحمة خاصة فالرحمة التي تصل العبد من حيث لا يشعر بها هي اللطف اذا قال العبد يا لطيف اسألك خطفك فمعناه تولني ولاية خاصة بها تصلح احوالهم الظاهرة والباطنة فبها تندفع عني جميع المكروهات من الامور الداخلية والامور الخارجية فالامور الداخلية لطف بالعبد امور خارجية لطف للعبد. فاذا يسر الله عبده وسهل طريق الخير واعان عليه فقد لطف به واذا قيظ الله له اسباب الخارجية غير باغة تحت قدرة العبد فيها صلاح فقد لطف به. ولهذا لما تنقلت يوسف عليه الصلاة والسلام تلك الاحوال تطورت. من رؤيا فهو حسب اخوته الى وسعهم في ابعاده جدا واختصاصهم بابيهم ثم محنته بالنصرة ثم بالسجن ثم بالخروج منه. بسبب رؤيا الملك العظيمة ان تراضي بتعبيرها وتبوئه من الارض حين يشاء وحصول ما حصل على ابيه من الابتلاء والامتحان ثم حصل بعد ذلك الاجتماع السار وازالة الافكار وصلاح الجميع والاشتباه العظيم ليوسف عرض عليه الصلاة والسلام ان هذه الاشياء وغيرها لطف الله لهم به فاعترض بهذه النعمة وقال ان ربي لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم. اي لطفه تعالى خاص لمن يشاء من عباده ممن يعلمه تعالى محل لذلك واهلا له فلا يضعه الا في محله. والله اعلم حيث يضع فضله فاذا رأيت الله تعالى قد يسر العبد لليسرى قلت هل له طريق الخير؟ فذلل له سعاده وفتح له ابوابه ونهى له طرقا وما هدى له اسبابه وجنبه العسرى فقد لطف به. ومن لطف عباده المؤمنين انه يتولاهم بلطفه فيخرجهم من الظلمات الى النور من ظلمات الجار والكفر والبدع والمعاصي الى نور العلم والايمان والطاعة انه يرحمهم من طاعة انفسهم الامارة بسهولة هذا طبعها فيوفقهم لنهي النفس الى ويصرف عن تونس او الفحشاء فتوجد اسباب الفتنة وجواذب المعاصي وشهوات الغيب فيرسل الله عليها برهانا يا نور ايمانهم الذي من به عليهم فيدعونا مطل فيدعونا مطمئنين لذلك منشرحة لتركها صدورهم ومن سيد عبادي انه يقدر ارزاقهم بحسب علمه مصلحتهم لا بحسب مراداتهم فقد يريدون شيئا وغيره يقدرون لهم الاصلح كرهوه لطفا بهم وبلا واحسان. الله لطيف بعباده يرزق من يشاء والقوي العزيز. فقال ولو بسط الله الرزق لعباده ولكن ينزل بقدر ما يشاء انه بعباده خبير بصير. ومن لطفه بهم انه يقدر عليهم انواع المصائب والمحن والابتلاء بالامر والنهي الشاق رحمة بهم ولطفا وشوقا الى كمالهم وكمال نعيمهم. وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم تحب شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون. من لطيف لطفه بعبده اذا اهله للمراكب العالية والمناهج الاسلامية لا تدركوا باسباب العظام التي لا يدركها الا ارباب الهمم العالية والعزائم السامية ان يقدر له فتنة يملي بعض الاسباب المحتملة المناسبة التي امهل لها ليتدرج منها ابنائنا الاعلى ولتتمرن نفسه ويصير له ملكة من مثل ذلك الامر وهذا كما قدر لموسى ومحمد وغيره ما من الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم نتي باهية من رعاية الغنم ليتدرجوا من رعاية الحيوان البيني واصبح الى رعاية بني ادم ودعوتهم اصلاحهم وكذلك وادى حلاوة بعض الطاعات بينجذب ويرغب ويغفر له ملكة قوية بعد ذلك على طاعات اجل منها واعلى. ولم تكن تحصل بتلك ارادة السابقة حتى وصل الى هذه الارادة والرغبة التامة ومن لطفه بعبده ان يقدر له ان يتربى في ولاية اهل الصلاة والعلم والايمان وبين اهل الخير ليكتسب من ادبهم وتأديبهم ولينشأ على صلاحهم واصلاحهم كما امتن الله على مريم في قوله تعالى فتقبلها ربها بقبول حسن وانبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب الى اخر قصتها. ومن ذلك اذا نشأ بين ابوين صالحين واقارب اتقناء في بلد صلاحنا ووفقه الله لمقارنة اهل الخير وصحبتهم او لتربية علماء ربانيين فان هذا من اعظم نطقه بعبدي فان صلاح العبد موقوف على اسباب كثيرة منها بل من اكثرها واعظم ما نفعل هذه الحالة ومن ذلك اذا نشأ العبد في بلد اهله على مذهب اهل السنة والجماعة فان هذا لطف له وكذلك اذا قدر الله ان يكون مشايخه الذين يستفيد منهم الاحياء منهم والاموات. بالياء وليست بالهمز السلام عليكم المشايخ لا يجوز لغة ولا شرعا. نعم وكذلك اذا قدر الله ان يكون مشايخه الذين يستفيدوا منه الذين يستفيدوا منهم الاحياء منهم الاموات. اهل سنة تقى فان هذا من اللطف الرباني فلا يخفى لطف الباري في وجود شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في اثناء قروننا قرون هذه الامة لله به وبكلامذته ما خير الكثيرون من المعزي والجهاد عن البدع والتعطيل ثم انتشار كتبه في هذه الاوقات لا شك ان هذا من لمن انتفع بها وانه يتوقف خير كثير على وجودها فلله الحمد والمنة والفضل ومن لطف الله تعالى بان يجعله رزقه حلالا في راحة وقناعة يخطو به المقصود ولا يشعر عما خلق له من العبادة والعلم والعمل فيه يعينه على ويفرغه ويريح خاطره واعضاءه. ولهذا من الله تعالى لعبدي انه ربما طمحت نفسه لسبب من الاسباب الدنيوية التي يظن فيها فيعلم الله تعالى انها تضر وتسد عما يفعل فيحول بينه وبينها فيظل العبد كارها. فلم يدري ان ربه قد قال صرف عنه الامر الضار ولهذا كان الرضا بالقضاء في مثل هذه الاشياء من اعلى المنازل ومن لطف الله بعبده اذا قدر له طاعة جليلة لا تنال الا باعوان ان يقدر لو اعوانا عليها ومساعدين على حملها قال موسى عليه السلام واجعل لي وزيرا من انهارا فاشدد لي اجري واشرك في امري كي نسبحك كثيرا وكذلك امتن على عيسى بقوله واذا اوحيت الى الحواريين ان امنوا بي وبرسولي قالوا امنا اشهد باننا مسلمون فامتن يا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بقوله هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين وهذا لطف لعبدي خارج عن قدرته ومن هذا لطف الله بلاده حين اذا قيد الله من يهتدي بهداهم ويقبل ارشادهم. فتتضاعف بذلك الخيرات والاجور التي لا يدركها العبد بمجرد بل هي مشروطة بامر خارجي ومن لطف الله بعبده ان يعطي عبده من الاولاد والاموال والازواج ما به تقر عينه في الدنيا ويحصل له به سوء ثم يبتليه الله ببعض ذلك ويعوضه عليه الاجر العظيم اذا صبر واحتسب فنعمة الله عليه باخذه على هذا الوجه اعظم من نعمته عليه في وجوبه وقضاء وبوطنه الدنيوي منه وهذا ايضا خير واجر خارج عن احوال العبد بنفسه بل هو لطف من الله له قيظنا اسبابا اعاظه عليه ثواب الى الاجر الجميل ومن لطف الله بعبده ان يبتليه ببعض المصائب فيوفقه للقيام بوظيفة الصبر فيها فيريئه درجات عالية لا يدركها بعمله وقد يشدد عليه الابتلاء بذلك كما فعل به ايوب عليه السلام فيوجد في قلبه حلاوة وحلاوة كروح الرجاء وتأمين الرحمة وكشف الضر فيخف افيخف المه تنشط نفسه. ولهذا من لطف الله بالمؤمنين ان قال في قلوبهم احتساب الاجر فخفت مصائبهم وهان ما يلقون من المشاقف لعصور مرضاته ومن لطف الله بعبده المؤمن عليك ان يعافيه من اسباب الابتلاء التي تضعف ايمانه وتنقص ايقانه. كما ان من لطف من لطفه بالمؤمن القوي تهيئة اسباب في الابتلاء والامتحان ويعينه عليها ويحملها ويحملها عنه ويزداد بذلك ايمانه ويعظم اجره. فسبحان اللطيف الهي وعافيته وعطائه ومنعه ومن لطف الله بعبده ان يسعى لكمال نفسه مع اقرب طريق يوصله الى ذلك مع وجود غيرها من الطرق التي تبعد عليه فتبعد عليه اسرائيل من كتابنا ومعلم يكون حصول المقصود به اقرب واسهل. وكذلك ييسر لعبادة يفعلها بحالة اليسر والسرور وعدم التعويق عن غيرها مما ينفعه فهذا من اللطف ومن مثل الله بعبده قدر قدر الواردات الكثيرة والاشغال المتنوعة والتدبيرات والتعلقات الداخلة والخارجة التي لو حكمت على امة من الناس لعدد سواهم عليها ان يمن عليه بخلق وبخلق واسع وصدر متسان وقلب منشرح بحيث يعطي كل من افرادها نظرا ثاقبا وتدبيرا تاما وهو غير مفترس ولا منزعج لكثرة تفاوتها فقد اعانه الله تعالى عليها تواطف به فيها وقف له في تسليم اسبابها طرقا واذا اردت ان تعرف هذا الامر فانظر الى حالة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله بصلاح الدارين وحصول السعادتين وبعضهم كم من الامة عظيمة هي خير الامم ومع هذا مكنه الله ببعض عمره الشريف في نحو ثلث عمره ان يقوم بامره ما يكون لي على كثرة وتنوعي وان اقيم لامتي جميع دينهم ويعلمهم جميع اصولي وفروعه. ويخرج الله به امة كبيرة من اماكن النور فيحصل بهما مصالح والمنابر والخير والسعادة بالخاص والعام ما لا تقوم به امة من الخلق ومن لطف الله تعالى بعبده ان يجعل ما يبتليه به من المعاصي سببا لرحمته وعند وقوع ذلك باب التوبة والتضرع والابتهال الى ربه واحتقارها وزوال العجب والكبر من قلبه ما هو خير له من كثير من الطاعات ومن ومن لطفه بعبده الحبيب اذا مالتنا السوء مع ان يكبرها فلا يكاد يتناول منها شيء الا مقرونا مكبرات محشوا بالغصص لان لا يميل معها كل الميل كما ان من الطيبي ان ينفذ له التقربات ويحلي له الطاعة يميل اليها كل الليل. ومن لطيف لطف الله بعبده ان يأجره اعمال لم يعملها بل عزم عليها فيعزم على قربة من القرب ثم تنحل عزيمته بسبب ما اسباب فلا يفعلها فيحصل له فانظر كيف لطف الله به فوقها في قلبه وادار في ضميره وقد علمت على انه لا يسعى شوقا لبره يعدي ويسعني بكل طريق والطف من ذلك ان يقيض لعبدي طاعة اخرى غير التي اعزم عليها هي انفع له منها فيدع العبد الطاعة التي ترضي ربه بطاعة اخرى هي افضل الليل منها له المفعولة بالفعل والمأزوم عليها بالنية واذا كان من يهاجر الى الله ورسوله ثم يدركه الموت قبل حصول مقصوده قد وقعت رضوان الله مع ان قطع الموت بغير اختياره فكيف بمن قطعت عينيته الفاضلة طاعة قد عزم على فعلها وربما ادار الله في ضمير عدة طاعات كل طاعة لو انفردت منها العبد لكمال رغبتي ولا يمكن فعل شيء منها الا بتفويت الاخرى فيوفقه وللموازنة بينها فعلا مع رجاء حصولها جميعها عزما ونية والطف من هذا. ان يقدر تعالى ربي وانت اليوم بوجود اسباب المعصية المعصية ويوفر له دواعيها. فهو تعالى يعلم انه لا يفعلها ليكون تركه لتلك التي توفرت اسباب فعلها من اكثر الطاعات كما لطف بيوسف عليه السلام في مراودة المرأة واحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله رجل دعته امرأة موسم وجمال فقال اني اخاف الله رب العالمين. ومن لطف الله بعبدي ان يقدر خيرا واحسانا من عبده ويجريه على اجابته ويجعله طريقا الى اصوله المستحق فيجيب الله الاول والاخر. ومن لطف الله بعبده ان ازهي بشيء من ماله شيئا من وخيرا لغيره فيثيبه فيثيبه من حيث لا يحتسب. فمن غرس غرسا او زرع زرعا فاصابته روح من الارواح المحترمة في شيء انزل الله صاحبه وهو لا يدري خصوصا اذا كانت عنده نية حسنة وعقد مع ربه عقدا في انهما ما ترتب انا ما لي شيء من النفع فاسألك يا رب ان تأجرني وتجعله قربة لعندك. وكذلك لو كان له بهائم ركوبها والحمل عليها او كنت في عين سكناها ولو شئنا قليلا او ماعون ومحوه انتفع به عين شرب منها وغير ذلك ككتاب انتفع به في قال له بشيء منه او مصحف قرأ فيه والله ذو الفضل العظيم. ومن لطف الله بعبده ان يفتح له بابا من ابواب الخير لم فكن له على بال وليس ذلك لقلة كرامته فيه وانما هو غفلة منه وذهول عن ذلك الطريق. فلم يشعر الا وقد وجد في قلبه الداعي اليه والملفت اليه ففرح بذلك وعرف عما من الطام سيده وطرقه التي قيد اصولها اليه فصرف فلها ضميره ووجه اليها فكره وادرك منها ما شاء الله وفتح. كل هذه المشاهد التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى هي من معالم لطف الرب سبحانه وتعالى التي يراها المرء في نفسه وفي من حوله. فان المرء لا يزال ويتقلب من حال الى حال يكمله الله عز وجل اذا نقص ويدرؤه عن خلل اذا طمحت نفسه اليه. وكل ذلك انما كونوا بلطف الرب سبحانه وتعالى. ومن تفطن الى هذه المشاهد التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى وعقل ما فيها عرف ان ان قوام حياة الناس بلطف الرب سبحانه وتعالى. فهو سبحانه وتعالى ذو النعمة السابقة الكاملة الفاضلة اذ تلطف بعباده سبحانه وتعالى فاوصل اليهم برفق من حيث لا يشعرون انواعا من النعم واسبابا يحصل لهم بها كمال احوالهم وفي هذا المعنى قول ناظم دوام حالنا من المحال ولطف ربنا صلاح الحال. فان العبد لا يمكن ان تدوم له وابدا لا على ما يحبه ولا على ما يكرهه. الا ان ما تستقيم به الامور هو لطف الرب سبحانه وتعالى. ولهذا ينبغي ان يكثر العبد من التضرع الى الله باسمه اللطيف. لان من دقائق اجابة الدعاء ان يكون الاسم المدعو به مناسبا لحال الداعي ان انت بالاسماء ومن انسب الاسماء باحوال الناس عامة دعاء الله عز وجل بهذا الاسم العظيم اللطيف فيدعو داعي دائما في دعواته بهذا الاسم الكريم العظيم وهو اللطيف الذي يورث العبد كمالات في الدنيا والاخرة وارجو من الله ان يكون ما نحن فيه من هذا النوع فان جنس هذه الفوائد المذكورة في هذه الرسالة قد كان الثعلب لي كثيرا اثناء قراءة كتاب الله فاتهاون بها ولم اقيدها فيضيع شيء كثير فلما كان اول يوم من هذا الشهر المبارك اوقع في قلبي ان اقيد ما مروا علي من الفوائد والمعاني المتضحة التي لا اعلم انها وقعت لي قبل ذلك فعملت على هذا النمط حتى كان الانتهاء الى لطف الله كما كان الابتداء بلطف الله بهذه الرسالة اللطيفة وكان ذلك موافقا للتامن والعشرين من هذا الشهر المبارك الذي حصل به الابتداء في الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة سبع واربعين مئة والف من الهجرة والحمد لله اولا واخرا وظاهرا وباطنا حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وصلى الله على محمد وسلم. من محاسن الختم ما اتفق للمصنف رحمه الله تعالى فانه كان يبين معالم اسم اللطيف واثاره على الناس حتى اذا بلغ هذا المحل الذي ختم به كان ما بلغه الله اياه من الفوائد العظيمة والمعاني المتضحة من فهم القرآن الكريم ثم تقييدها وظبطها على هذا النمط كان من لطف الله عز وجل بعبده. ومهما نظر المرء في حاله فانه لا يجد حالا خارجة عن لطف الله سبحانه وتعالى. وتأملوا ايها الاخوان مقامنا منذ اليوم كيف كان بين لطف الله عز وجل ورحمته في ثلاثة مشاهد. اولها ما تفضل الله عز وجل به من افراغ وقت عظيم في طلب العلم فان المرء قد لا يتفق له في اسبوع بل في شهر ان يجلس ساعات متطاولة يتذاكر فيها علما ينفعه وفي الدارين فمن اعظم لطف الله عز وجل ان منعك حال البطالين من اهل الفضول او الفراغ فظلا عن اهل الفسق والبدعة والشرك فجعل وقتك مصروفا الى ما فيه مرات الله عز وجل. وانظر مشهدا اخر وهو ما امدك الله عز وجل به من القوة والالات والصبر على الثبات في درس تبلغ مدته في احدى جلساته ساعات متواصلة. ولو ان المرء قيل له انك تجد ساعات المتواصلة في طلب العلم كان ذلك عنده مستعظما حتى اذا لطف الله عز وجل به هيأ له اسباب ذلك وامده بانواع من القوى قبلها تجتمع له في غير هذا المقام من يومه. وانظر الى مقام ثالث ما فتح الله به من انواع الفهم والعلم والتعليم على المعلم والمتعلم في فهم ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من المعاني المتعلقة بتفسير كلام الله سبحانه وتعالى وكل ذلك يذهب عن العبد كل رهق وتعب فان من اراد الراحة فيجب عليه ان يعلم ان فلا تنال بالراحة فان اهل المعرفة اجمعوا على ان الراحة لا تنال بالراحة وقد يصبر البطال في انفاذ وقته وتزنيته فيما لا نفع فيه واحرى بمن يطمع بما اعده الله من المقامات العظيمة ان يصبر على طلب هذه المقامات وان يصبر نفسه كما قال الله عز وجل فاعبدوا واصطبر بعبادته. وقال يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا. فلا بد من مفاعلة ومغالبة للنفس فان النفس تنزع الى مألوفاتها وترغب في مواردها لكن من فطمها في هذه الاحوال فانه يفرح بهذا الفطام في في الاخرة فان الدنيا مزرعة والاخرة الحصاد وهذا اخر ما يتعلق بالتقرير على هذا الكتاب النافع وهو مواهب الربانية من الايات القرآنية للعلامة ابن سعد رحمه الله تعالى. بقي امور احدها التذكير بان موعد الاختبار في هذا الكتاب سيكون ان شاء الله تعالى في يوم الجمعة المقبلة التي ليست غدا بل في مقابلتها من الاسبوع القادم بعد صلاة العصر ان شاء الله تعالى