قال المؤلف رحمه الله تعالى فمن صفات المؤمنين انهم يحكمون الله ورسوله في جميع امورهم فلا وربك لا يؤمنون حتى فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما. انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله واذا كانوا ومعه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوا. ان الذين يستأذنونك اولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله. فاذا استأذنوك لبعض يعني فاذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله ان الله غفور رحيم. انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكموا بين فرق بينها الايات التي تختم متتابعة وهي من سور مختلقة يفرق بينها لقولك وقوله او وقوله حسب المعنى الاعرابي لكن ادخال هذا اللفظ لئلا يتوهم السامع ان هذه الايات متتابعة في سورة واحدة كما يقع مثلا في الواسطية فان الواسطية فيها ايات من سور شتى. فاذا قرأها القارئ توهم سامعه انها ايات جاءت متتابعة في سورة واحدة فلقطع هذا التوهم فان مما يقدر لفظا وان لم يكتب خطا ان تقول وقوله حتى يعلم انها من سور منفصلة وقد عرضت هذا المعنى على شيخنا الشيخ فهد ابن حميم والشيخ عبد الله بن عقيل حفظهما الله فاستحسناه واستجاداه فينبغي للقارئ اذا قرأ ان يفرق بين الايات التي سلكت في عقد واحد حتى لا يتوهم انها من سورة واحدة احسن الله اليك وقوله انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بين من يقول سمعنا واطعنا واولئك هم المفلحون. فقوله تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تأويلا فالمؤمن اخلص دينه لله والكتاب في الاقتداء برسول الله ولم يقدم على قوله وحكمه ولم يقدم على قوله وحكمه قول غيره وحكمه. بل اذا تبينت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعدل عنها الى غيرها. وبحسب تحقيقه لهذين العصرين يتحقق ايمانه ويقوى يقينه وعرفانه وهذا اصل عظيم فان المؤمن مأمور بان يكون الحكم كله لله كما قال الله عز وجل ان الحكم الا لله ولذلك امر المؤمنون بهذا بصفة الايمان. فقال الله عز وجل يا ايها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله. فمن قدم بين يدي الله ورسوله يسلب من الامام بقدر ما قدم. فتارة ينقص ايمانه وتارة يزول ايمانه بالكلية. والمؤمن الكامل هو الذي يرظى باجراء حكم الله سبحانه وتعالى عليه من غير عوض ولذلك قال الله سبحانه وتعالى ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما والايات التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى كلها تدور حول هذا المعنى وهو من اعظم المقامات التي تعظم على النفوس واكثر الناس لا يفهمون من معنى اجراء الحكم الذي جاء به الشرع الا فيما يتعلق باحوال الدول. ويعزب عن علم احدهم ان اول امر ان تنظر الى انظار حكم الله عز وجل عليك. فينبغي للعبد ان يلتفت الى نفسه ويتفقدها. فرب امرئ يتطلب امورا ليست من حقه وقد غفل عن امور اوجبها الله سبحانه وتعالى عليك. فانظر الى حكم الله عز وجل عليك في باطنك وظاهره حتى ترى هل انت ممن كمل ايمانه بامضاء حكم الله سبحانه وتعالى عليك في كل دقيقة وجليل؟ ام انك مما خفيت معالم الحكم الحقيقية فصرت تهتم بامور بعيدة المنال عنك وتنسى امورا هي اولى بك. ولذلك فان من اول لا تنقض عرى الاسلام به هو نقض عروة الحكم كما ثبت بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه احمد بسند قوي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تنقض عرى الاسلام عروة عروة فاولها الحكم. وهذا كما يكون في حق المسلمين عامة فانه كذلك كائن في حق المسلمين خاصة فانت اذا رأيت الى تحول ايمان الناس وظعف يقينهم وتزعزع ديانتهم في الازمان المتأخرة علمت ان منشأ هذا هو من عدم امظائهم لحكم الله عز وجل في انفسهم مما جرهم الى الوقوع في عدم امضاء حكم الله عز وجل فيما يقع بينهم من المعاملات العامة فمن صفات المؤمنين انهم متحابون متوالون متراحمون متعاطفون كما قال تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز فقال انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. فقال تعالى والذين جاءوا من بعضهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل قل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه فكلما ازداد الاتصال بقرابتنا وجوارنا حق من الحقوق ازداد هذا المعنى وتأكد الاحسان اليه. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فمن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر قل خيرا او يصمت فقال من غشنا فليس منا وقال الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ديننا دينون الله بالنصيحة له فيكون لله فالمؤمنون يدينون لله بالنصيحة له في عبوديته ولكتابه من تعلم وتفهمه والعمل به والدعوة لذلك ولرسوله للكتاب في متابعته في اقواله وافعاله وجميع احواله ولائمة المسلمين وعامتهم بارشادهم الى مصالحهم الدينية والدنيوية ومعاونتي على البر والتقوى كثير من الاثم والعدوان بحسب القدرة كما قال تعالى في الاية السابقة لوصفهم انهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟ من صفات المؤمنين موالاتهم لاخوانهم من المؤمنين. كما ذكر الله عز وجل والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض وبحسب حظ المؤمن من الايمان يكون حظه من الموالاة. فاحق الناس بقوة الموالاة ووثوقها هم كملهم من العلماء والصالحين والصديقين والزهاد. وكل مؤمن له حظ من الموالاة باعتبار حظه من الايمان. ولو نقص ايمانه فانه لا يزال له حظ من الايمان فلا يزال له حظ من الموالاة فان زال الايمان زالت الموالاة وكلما ازدادت سبل الاتصال بالمؤمن عظم حقه. فاذا كان جارا او ضيفا فانه يكون له من حق الموالاة ما لا يكون لغيره ومن اثار هذه الموالاة ان من شعار المؤمنين انهم يدينون لله بالنصيحة كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى في عقيدة له مفردة قال فيها في ذكر اعتقاد اهل السنة والجماعة قال ويدينون بالنصيحة لله فهم يقومون بهذا الواجب دينونة لله عز وجل وتقربا ويتبعون في ذلك ما امر به النبي صلى الله عليه وسلم لما بين موارد النصيحة في حديث تميم الداري وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم. فكمل المؤمنين يقومون بها هذا الواجب لانه من شعار الموالاة لاخوانهم. واذا فرط في اداء هذا الواجب او حول عن وجهه عند ذلك بصمت عرى الموالاة فما يراه الانسان من الخلل الواقع بين المؤمنين والتباغظ والتعادي هو باحد امرين اولهما حجم هذا الاصل وعدم القيام بالنصيحة. وثانيهما عرض النصيحة في وجه لم تأذن به الشريعة. فلاجل غياب في هذا الاصل العظيم او وجوده على وجه لم يأذن به الله سبحانه وتعالى حصل الخلل في الموالاة بين المؤمنين ووقع بينهم الثبات والتعادي. فمن اراد ان ينفي هذا التباغض والتعادي الواقع بين المؤمنين فانه يدعو الى اقامة شعيرة النصيحة وفق ما اذنت به الشريعة لان تغييب هذه الشريعة يؤول بالامة الى الشر. كما ان اظهارها على وجه لم تأذن لشريعة يزيد في الامة الشر. وقد صنف ابو الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى رسالة لطيفة متعلقة بهذا المقام اسم والفرق بين النصيحة والتعيير لا غنى للمتعبد عنها ومن صفاتهم الحميدة ومناقبهم السديدة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ثلاث من كن فيه وجد فيهن حلاوة الايمان لان يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما. وان يحب المرء لا يحبه الا لله وان يكره ان يعود في الكفر. بعد اذا انقذه الله منه كما فجعل تحقيق الايمان ووجد حلاوة وجد حلاوته لكون المحبة لله ولرسوله وتقديمه على سائر المحاب وجعل حابة تبعا ويحب المرء لما قام به واتصف به من محاب الله وما من الله به من الاخلاق الفاضلة. فكلما قويت به ثابت محبته رغبتكم ومحبة المؤمن دائرة مع محبة الله ويحب الله ورسوله ويحب من يحبه من الاعمال والاشخاص وتكون كراهتهم من كفر المضاد للايمان اعظم منك اعظم من كراهته للنار اعظم من كراهته للمال التي سيقذف فيها ومثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربنا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وقد تقدم قوله هرقل سألتك هل يزيدون او ينقصون فذكرت انهم يزيدون وكذلك الايمان اذا وقر في القلب فسألتك فيزيدون ام ينقصون اذا ذكرت انهم يقدم لم يتقدم مروا معنا امر رائع احسن الله اليكم وسألتك اين؟ قد يكون هذا بسبب تغيير الترتيب لان هذا الكتاب ليس المواهب الربانية وانما ترتيبها. لكن اظن الحديث كذلك لم يأتي فيما يستقبل من الكتاب وسألتك ايزيدون ام يرقصون فذكرت انهم يزيدون وكذلك امر الايمان حتى يتم وسائل الكفاءة يرتد احدهم سخطة لدينه بعد ان يدخل فيه فذكرت ان وكذلك الايمان حين تخالط بشاشته القلوب الحديث في صحيح البخاري وقال صلى الله عليه وسلم واولها بعد سألتك عن ذكرت انهم يجدون كذلك الايمان اذا وقع في القلب وش بعده بين وسألتك وسألتك اذا وقر في القلب اش معنى وقد تقدم قول هر سألتك هل يزيد ماذا قال الذي في صحيح البخاري هكذا النساخ ينسخ احدهم عن الاخر حتى يمسخ الكتاب فان النسخة القديمة صفحة اربعة وخمسين منها ان الشيخ كتب الحديث قال وقد تقدم قوله هرقل الى قوله اذا وقر في القلب جيد يعني السطر الاول واضح ثم جاء ناشرها جزاه الله خيرا ومد في عمره على طاعة وقد نشرها قبل ثلاثين او اكثر كتب تعليقا ادخله في صلب الكتاب فقال معلقا على الحديث الذي اورده الشيخ الذي في صحيح البخاري بعد وقر في القلب قال الذي في صحيح البخاري وسألتك ايزيدون ام ينقصون ثم اورد الحديث ثم قال فلعل النقل سقط من كلام المؤلف رحمه الله ثم جاء هذا الطابع وقال فلعل النقص سقط من كلام المؤلف ثم جاء هذا الصابع فحذف كلمة الذي في صحيح البخاري وادخل الحديث في الحديث وزاد كلمة الحديث في صحيح البخاري والحاصل ان ما بعد القلب ليس من كلام المصنف رحمه الله تعالى وانما كتب استدراكا عليه. لان الحديث في صحيح البخاري ليس بهذا اللفظ وانما باللفظ الذي فهو المستدرك فينتهي كلام المصنف الى قوله اذا وقر في القلب وقال صلى الله عليه وسلم يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من اما من يتبع عورة اخيه يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضح ولو في جوف بيته. ذكر المصنف رحمه الله تعالى من صفات المؤمنين ايضا ما تضمنه الحديث المخرج في الصحيحين ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان الحديث. فان الله عز وجل ذكر ثلاث صفات من صفات المؤمنين اولها قول الله ورسوله احب الى العبد مما سواهما والثانية ان يحب المرء لا يحبه الا لله. فلا يحمله على محبة غيره من المؤمنين مماثلته في شكل او اكل وانما يحمله على ذلك ما فيه من معاني التعبد والتأله لله عز وجل وثالثها ان يكره ان يعود في الكفر بعد اذ انقذه الله منه كما يكره ان يقذف في النار فاذا وجدت هذه الصفات الثلاث في العبد وجد حينئذ حلاوة الايمان لما في هذه الصفات من كمال التصديق الجازم والانقياد لامر الله وامر رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا هو الذي اشار اليه هرقل في لابي سفيان عندما قال له وسألتك هل يزيدون او ينقصون؟ فذكر انهم يزيدون فقال هرقل وكذلك امر الايمان سيتم ثم سأله هل يرتد منهم احد شهضة لدينه بعد ان يدخل فيه؟ فذكرت الا يعني كراهية لدينه بعد ان دخل فذكرت الا وكذلك الايمان حين تخالط بشاشته القلوب فان الايمان اذا وقر في القلب لم يعدل صاحبه عنه واما من كان ايمانه على لسانه ولم يدخل الايمان قلبه فانه بضد هذه الحال. كما اخبر النبي صلى الله عليه من احوال هؤلاء ممن يغتاب المسلمين ويتتبعوا عوراتهم فان هؤلاء انما امنت السنتهم ولم يدخل الايمان في قلوبهم لان حقيقة دخول الايمان في قلوبهم الا يغتابوا المسلمين ولا يتتبعوا عوراتهم ومن علاماتهم ان الله قد شرح صدورهم للاسلام فانقضوا لشرائعه قواما واختيارا ومحبة قد اطمأنت لذلك نفوسهم وصاروا على بينة من امرهم فهم يمشون بنورهم بين الناس قال تعالى فمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه وقال فمن يرد الله ان يهديه او يشرح صدره للاسلام وقال صلى الله عليه وسلم اذا دخل الايمان في القلب اتسع وانشرح قالوا والداك علامة يا رسول الله؟ قال نعم الانابة الى دار الخلود وفي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله. فلما قال له حادثة اصبحت مؤمنا حقا. قال وما حقيقة ايمانك؟ قال عذبت النفس عن الدنيا فاسهرت ليلي واظمعت نهاري فكأني انظر الى عرش ربي بارزا والى اهل الجنة يتزاورون فيها والى اهل النار في النار يتعانون فيها. قال عبد نور الله قلبه فوزا. من صفات المؤمنين وعلاماتهم كما ذكر المصنف ان الله قد شرح للاسلام فهم يصدقون خبره ويقبلون طلبه امرا او نهيا. لا يلوذون عن شيء منه قد اطمأنت لذلك نفوسهم ورضيت به فانهم على بينة من امرهم. ولذلك امتن الله عز وجل عليهم بشرح الصدر. وبين الفرق بين منشرح صدره ومن كان صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء. وقد امتن النبي صلى الله عليه وسلم على المؤمنين خاصة في هذا الامر كما قال الله عز وجل الم نشرح لك صدرك والشرح الذي وقع للنبي صلى الله عليه وسلم ليس هو شرح صدره عند غسل قلبه الذي وقع في مكة وانما وراء ذلك ما هو اعظم واعلى وهو شرح صدره صلى الله عليه وسلم واستنارته بالهدى والنور حتى يقبل ما امر الله عز وجل به من الشرع فتحقيق الايمان علامته سهولة العبادات والتلذذ بالمشقات في رضا رب الارض والسماوات والتصديق التام بالجزاء والعمل بمقتضى وهذا اليقين وكذلك قال الحسن رضي الله عنه ليس الايمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الاعمال. من علامة تحقيق ايمان الذي دندن المصنف حوله ان تسهل العبادة على العبد. وان يتلذذ بالمشاق في رضا الله سبحانه وتعالى ما وقع لعبدالله بن رواحة اذ يقول هل انت الا اصبع دميتي وفي سبيل الله ما لقيت وهذا حرام ابن ملحان رضي الله عنه يطعن بالحربة في بطنه فينضح الدم على وجهه ويقول فزت ورب الكعبة فانهم انقلبت عندهم هذه الالام والمشاق سدادة وحلاوة لكمال ايمانهم وصدق يقينهم. ومن هنا قال الحسن البصري رحمه الله تعالى ما قال اذ قال ليس الايمان بالتحلي ولا بالتمني يعني ليس الايمان بالدعاوى الباطلة ولا الامان العاطلة. ولكن حقيقة الايمان ما وفي القلب وصدقته الاعمال. ومن هنا سبق ابو بكر رضي الله عنه كما قال بكر بن عبدالله المزني ما سبقهم ابو بكر رضي الله عنه بكثرة صيام ولا صلاة ولكن سبقهم بشيء وقر في القلب. وعلامة وقور شيء في القلب هو ان يتلذذ العبد بالعبادة وان يسهل عليه شاقها لانها وفق مراد الله سبحانه وتعالى. فمن حقيقة ايمانه بربه عز وجل ان يسارع الى هذه العبادة ولذلك جاء الامر بالعبادات على دية المسابقة والمسارعة والدخول فيها اظهارا لعلامة الايمان بالرب سبحانه وتعالى ولهذا من اجل علاماتهم ان الايمان يصل بهم الى حد اليقين والصديقين كما قال تعالى والذين امنوا بالله ورسل اولئك هم الصديقون فذكر النبي صلى الله لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتفاع غرف الجنة وعلوها العظيم. قالوا يا رسول الله تلك منازل الانبياء لا يبلغها فقال بلى والذي نفسي بيده رجال امنوا بالله وصدقوا المرسلين. ولهذا كانت الصديقية التي اثنى بها على خواص خلقه هي تكميل مراتب الايمان علما وعملا ودعوة من علامات المؤمنين ان ايمانهم لا يزال يترقى بهم حتى يبلغهم حد اليقين وينزلهم منزلة الصديقين بعد رتب النبيين وذلك بان يكملوا مراتب الايمان علما وعملا ودعوة. كما وقع هذا لابي بكر الصديق رضي الله عنه فانه انزل مرتبة الصديقية لما كانت عليه حاله من تكميل ايمانه قولا وعملا وعلما ودعوة وكما ان من تحقيق الايمان ان تكون الاعمال الصالحة مصدقة له من فمن تحقيقه ايضا ان يكون المؤمن متنزها عن الاثم والفسوق وانواع المعاصي لقوله تعالى الذين امنوا ولم ينقصوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون. فقال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين. الخطاب الشرعي الطلبي دائر بين امرين احدهما مأمور يفعل وثانيهما منهي يترك ولا يحصل الايمان الا بفعل المأمورات واجتناب المحظورات. واكثر ما في القرآن جاء بمخاطبة المؤمنين بما فيه فعل مأمورات كما في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقوله سبحانه يا ايها الذين امنوا امنوا بالله ورسوله وقوله سبحانه يا ايها الذين امنوا اوفوا بالعقول وجاء في اية اخر ما يدل على ان ترك المحظورات من جملة ما يدخل العبد في الايمان ويظهر حقيقته عليه كما في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا في اين اخر ومن موجبات الايمان صرف الاموال في مصارفها الشرعية ووضعها مواضعها واقامة الحدود التي حد الله ورسوله. قال تعالى واعلموا ان ما ظلمتم من شيء انفعنا لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم امنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان. وقال تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بما ارادكم في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر فقال وحرم ذلك عن المؤمنين الى غير ذلك من النصوص بالكتاب والسنة الدال لك على وصف المؤمنين وان العبد لا يستحق حقيقة الايمان حتى يتصل بها وفي الجملة فكل ما قال تعالى يا ايها الذين امنوا افعلوا كذا كذا كان امتثال ذلك الامر واستناب ذلك من مقتضيات الامام وموجباته الذي لا يتم الا بها فبهذا ونحوه تعريف حقيقة الايمان الذي جعله الله عنوان السعادة ومادة الفلاح. وسبب الفوز بكل مطلوب والنجاة من كل مرهوب. ونسأله تعالى ايمانا كاملا يهدي به قلوبنا الى معرفتي ومحبتي والانابة اليه في كل امر. والسنتنا الى ذكره والثناء عليه وجوارحنا الى طاعته. قال تعالى ان الذين وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمان تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم من موجبات الايمان ودلائل تحقق العبد به ان تصرف الاموال في مصارفها الشرعية وتوضع في مواضعها التي امرت بها وان تقام الحدود التي حد الله ورسوله كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هؤلاء الايات التي ذكر فان حقيقة الايمان يملي على العبد ان يصرف المال فيما اوجب الله وان يكف نفسه عن ما حرم الله وان يبادر الى اقامة الحدود التي امر الله عز وجل بها فان ذلك جميعا مما يندرج في حقيقة الايمان ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا قاعدة نافعة تتعلق بتفسير الايات التي تستفتح بقول الله عز وجل يا ايها الذين امنوا وبثها ان تعلموا ان هذا النداء اذا خلفه امر او نهي فاعلم ان ذلك الامر او النهي داخل في اصل الايمان او كماله فاذا ورد الامر بعد قول الله عز وجل يا ايها الذين امنوا فاعلم ان الذي امر به اما مما يندرج في اصل الايمان واما من جملة ما يندرج في كمال الايمان. واذا جاء الخطاب يا ايها الذين امنوا وقد نهي فاعلم ان هذا المنهي عنه مما يتعلق باصل الايمان او يتعلق بكماله. مثاله قوله تعالى لا يا ايها الذين امنوا امنوا بالله ورسوله. فان هذا الامر داخل في ايش؟ في الاصل والحقيقة في اصل الايمان وقوله سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا اوفوا بالعقود داخل في في كمال الايمان لان من لم يفي بالعقد لا يكون كافرا وان كان ناقص الايمان وهذه قاعدة نافعة في تفسير طائفة مستكثرة من كلام ربنا عز وجل في القرآن الكريم ومن صفاتهم الجليلة ان الله يهديهم الى الحق في المواطن المشتبهات في محال المتاهات التي لا تحتملها عقول كثير من الناس زادونا ايمانا ويقينا في المواضع التي يزداد بها غيرهم ريبا وشكا. قال تعالى ان الله لا يستحي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فاما الذين امنوا فيعلمون انه الحق من ربهم واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا؟ فقال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته كيف ينسق الله ما يلقي الشيطان ثم يختم الله اياته والله عليم حكيم. ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرضوا خشيت قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد. فليعلم الذين اوتوا في العلم انهم الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم. وان الله لهادي الذين امنوا الى صراط مستقيم. وقال تعالى وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا من الذين اوتوا الكتاب وازداد الذين امنوا ايمانا ولا يرتاد الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم رضوا والكافرون ماذا اراد الله هذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك الا هو وما هي الا ذكرى للبشر. وقال تعالى والراسخون في العلم يقولون كل من عند ربنا وما يذكر الا اولي الالباب. فما معهم من الايمان واليقين يهديهم من الحقائق واقوم الطرائق وارشد الامور واصلح الاحوال ولهذا كان القرآن تذكرة ورحمة وبشرى للمؤمنين قال تعالى ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بايات ربهم يؤمنون قال ان في ذلك لايات لقوم يؤمنون ومواضع اخرى فلما مشوا في نور ايمانهم في ظلمات الجهل والشرور وتولاهم مولاهم. الله ولي ستين عاما يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون والله ولي المؤمنين وشوا في نورهم يوم القيامة يوم ترى المؤمنين والمؤمنات لسان نورهم بين ايديهم وبايمانهم هم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم. فلما كانت تجارة ماجن للتجارات ولما كانت تجارتهم اجل التجارات كان ذبحها النعيم المقيم في غرف الجنان يا ايها الذين امنوا على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله ورسوله فتجاهدون ولا في سبيل الله باموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا صفة جليلة من صفات المؤمنين ليست لغيرهم وهي ان الله عز وجل يهديهم الى في المواطن المشتبهة وللصواب في محال المتاهات المشكلة التي لا تحتملها عقول الناس. ويعلم بهذا ان خروج من المشتبهات على قدر ايمانه. فكلما ازداد ايمانه هيأ الله سبحانه وتعالى له اسباب معرفة الحق. ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم ملظا بسؤال الله عز وجل كل ليلة ان يهديه الى ما اختلف الناس فيه من الحق كما جاء في حديث عائشة في صحيح مسلم في استفتاح صلاة الليل وفيه اهدني لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم. فان النبي صلى الله عليه وسلم لما كمل ايمانه لم يغب عنه انه لا يمكن للعبد ان يصل الى الحق الا بتكميل الايمان ومن طرائق تكميل الايمان دوام سؤال الله عز وجل ان يري العبد الحق حقا ويرزقه اتباعه وان يريه الباطل باطلا ويرزقه اجتنابه. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى ايات ثلاث تستشكل فيها الامور فيبين الله عز وجل الحق للمؤمنين. فذكر ضرب الامثال الذي تتزعزع به قلوب الملائكة وما يلقي الشيطان في امنيته اذا قرأ النبي وهي الامنية فان الشيطان يلقي في قراءة النبي فينسخ الله عز وجل ما يلقي الشيطان ويحكم اياته. وفي هذا المعنى جاءت قصة الغرانيط وهي قصة ان اختلف اهل العلم فيها وحاصلها ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ فرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى نطق الشيطان فقال وانهن الغرانيق العلا وان شفاعتهن لترتجى. وقد اختلف اهل العلم في هذه القصة وما الحافظ ابن حجر الى ثبوتها وفيه قوة ومعناها كما بينه مطولا شيخ شيوخنا محمد الامين الشنقيطي في رحلة الحج بان الشيطان قرأ هؤلاء الكلمات بصوت يشابه صوت النبي صلى الله عليه وسلم ليتوهم المشركون بان هذا من جملة في القرآن وبه تفسر هذه الاية وليس معنى الاية ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بنفسه هؤلاء الايات وادخلها الشيطان في جملة القرآن فان القرآن محفوظ من ذلك. ولا يمكن للعبد ان يكون على الحق عند ورود المسكنات الا مع الايمان واليقين والرسوخ بالعلم ولذلك مدح الله عز وجل كمل المؤمنين بالرسوخ في العلم فقال والراسخون بالعلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولوا الالباب كما تقدم بيان هذا المعنى في درس الصباح ولا يحصل للعبد ايمان يقين حتى يمشي مع النور فان الله سبحانه وتعالى نور السماوات والارض. كما قال الله عز وجل الله نور السماوات والارض. وقد انزل الينا النور وهو القرآن الكريم. وكان انزال هذا النور في جبل النور لتحقيق معنى عظيم وهو ما ذكر الله عز وجل في قوله الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور. فيجعل الله عز وجل لهم بالنور الذي اتبعوه وهو القرآن النازل من رب السماوات والارض الذي هو نور السماوات والارض يجعل لهم نورا في الدنيا يميزون به بين الحق والباطل ويكون من جزاء ان يجعل الله عز وجل لهم نورا في قبورهم ذلك انه يفتح لهم باب الى الجنة فيأتيهم من احوالها ومن جملة احوال الجنة انها نور ثم اذا اقيموا من هذه القبور وادخلوا وسيقوا الى الجنة يحصل لهم حينئذ النور التام يوم ترى المؤمنين المؤمنات نورهم يسعى بين ايديهم وبايمانهم في اي اخر دالة على هذا المعنى. وهذا الامر مبني على انهم اشتغلوا بتجارة لم يشتغل بها اكثر الناس وهي التجارة مع الله سبحانه وتعالى وفيها هذه الاية وسيأتي بسطها في كلام المصنف رحمه الله تعالى ومن صفاتهم ان الله ينزل في قلوبهم السكينة والطمأنينة في مواضع الحرج والقلق. قال تعالى هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين زادوا ايمانا مع ايمانهم ولله جنود السماوات والارض وكان الله عليما حكيما هذا من دقائق صفات المؤمنين وهو ان الله عز وجل ينزل في قلوبهم السكينة والطمأنينة كما ذكر الله عز وجل في هذه الاية فاذا ضاقت نفوس وحرجت وتشوشت خواطر فان الكمل من المؤمنين تنزل عليهم السكينة وتأمل هذا في احوال كمل العلماء اذا وردت الفتن فانك تراه على حالهم من كمال الاقبال على ما فيه مصالحهم وعدم التشوش بهذه الواردات ما لا يكون لغيرهم. واقرأ ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين في منزلة السكينة عندما ذكر انه كان اذا وردت عليهم البلايا وتكاثرت عليهم المصائب وتصايحت بهم الفرق والطوائف جاءوا الى شيخ اسلامي ابي العباس ابن تيمية فما ان يجلسوا في مجلسه حتى يجدوا برد السكينة والطمأنينة. فانظر لكمال حاله الله تعالى من الايمان نزلت السكينة على قلبه وكان لهذه السكينة اثر على المؤمنين من حوله. وبهذا تعرف شيئا واحدا من اثار صحبة العلماء الكبار الراسخين في العلم وان صحبتهم خير وانفع واعظم من صحبة الناشئة من طلبة علم وان كان طلبة العلم الناشئة في الظاهر اعظم علما الا ان عند اولئك من الحقائق القلبية ما لا يكون عند الناشئين من العلم كمثل هذه الحال التي ترد فيها عليهم السكينة والطمأنينة فيكون لذلك اثر على من حولهم بتطمينهم وتسكين فيهم وصرفهم الى ما فيه مصالحهم ومن تلمس هذا في الفتن التي مرت على هذا البلاد ونظر الى ما كان عليه العلماء الكبار رحمهم الله تعالى كابن باز وابن عثيمين من ثبات اقدامهم وطمأنينة قلوبهم وسكينة نفوسهم وعدم تغير احوالهم عما نشأوا عليه عرف الفرق بين العلماء الراسخين ومن لم تمسح قدمه فان من لم تمسح قدمه يتحير ويتغير ويتلون واما الراسخ قدمه فانه يبقى على سير واحد وطريق واحد لان المراد واحد والطريق واحد والسائق واحد فالمراد وجه الله والطريق سبيل الله والسائق طلب رضا الله عز وجل. فاذا اختلف شيء من هذه الامور بان كان المراد غير الله او كان الطريق غير الطريق التي امر الله او كان السائق غير السائق الذي اذن به الله فعند ذلك للعبد تغير وتحور وتهور في احوال كثيرة انما يسلمك منها ان تحرص على صحبة العلماء العاملين الذين كبرت اسنانهم وعظمت اقدارهم وظهرت علومهم وثبتت اقدامهم وظهر لكل ذي عينين انهم الثابتون وغيرهم المتغيرون وانهم المصيبون وغيرهم المخطئون نسأل الله ان يهدي ضال المسلمين