قال المؤلف رحمه الله تعالى قوله تعالى واذا مس الناس ضر دعوا ربهم ينهبين اليه ثم اذا اذاقهم منه رحمة اذا فريق منهم بربهم يشركون ونحو من الايات التي فيها هذا المعنى فاذا كان هذا ثابت في اصل الدين ان الناس اكثرهم اذا مسهم الضر ونابوا الى الله لعلمهم انه كاشف الكربات وحده لا شريك له وللضرورة التي تضطرهم ثم اذا زالت الضرورتها دون شركهم فكذلك الامر ثابت في فروع الدين وفي سائر الامور تجد الناس مستجيبين لداء الغفلة مقيمين على ما رحمه الله غافلون عن ذكر ربهم ودعائهم. فاذا مستهم مائدة من موائد المحن اقبلوا الى ربهم متضرعين. فلك اشتمالهم دائما فاقبلوا ثم اذا ازال الله شدتهم وكشف كربتهم عادوا الى غفلتهم بغير يعمون. ونسوا ما كانوا يدعونه اليه من قبل وكانه ما كان وهذه الحالة من اعظم الانحرافات واشد البريات التي يبتلى بها العبد لا يعرف ربه الا في الضرورة هذه شعبة من شعب الشرك ومن كان فيها هذا الامر شبه ظاهر من حال المشركين وانما المؤمن الكامل الذي يعرف ربه في السراء والضراء والعسر ويسرف هذا هو العبد على الحقيقة وهذا الذي له العاقبة الحسنة والسعادة الدائمة وهذا الذي يحصل له النجاة من الكروب اذا وقع فيها. قال تعالى بعدما ذكر عند النون عن ذي النون ان عن ذا النون انه بسبب عبادتي بالرخاء عرفه الله بشدة قال تعالى بعد ما ذكر عن ذي النون انه بسبب عبادته في الرخاء عرفه الله في الشدة فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون فقال ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم تعرفا الى الله في الرخاء يعرفك في الشدة فقريب من هذا المعنى ما ذكر الله من حال المترفين لدعوة المرسلين حيث قال وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير الا قال واتركوها انا وجدنا ابائنا على امة وانا على اثارهم مقتدون فاخبر ان السبب في رده لدعوته كونهم مترفين فدل على ان الترب هو الانغماس في نعيم الدنيا ولذاتها والانكباب عليها والتنوع في مآكلها ومشاربها رواتبها والاسراف بذلك يحدث بالانسان خلقا خبيثا يمنعه من سرعة الانقياد لامر الله والاستجابة لداء الله. فكما انه ثابت واقع في في شرائعه وفروعه فكم منعترف من عبادات وكم فوت من قربات؟ وكم كان سببا للوقوع في المحرمات فان الشرف كثرة وكثرة العرفان تصل تسير الانسان شبيها بالانعام التي ليس لها هم الا التمتع في الاكل والشرب. وكذلك يرهن البدن ويكثروا ويتقلوا عن الطاعة ويشحنوا قلبك في مرادات النفس ومراداتها كما حملت صاحبها على جمع الاموال من غير حلها وحملت النفس على الاثر والبطل والرياء والفقر والخيلاء والاستكثار من قرناء السوء. وفي الجملة بالترف والشرف ما مضى باضعاف واضعاف ما ذكرنا. وفي ان يكون مقتصدا في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه وغير ذلك من حوائجه التي لابد منها فلا فلا يعلق قلبه الا بما يحتاجه منها ولا نستعمل زيادة عن حاجته ويعود نفسه على ذلك لتتمرن النفس على الاخلاق الجميلة ويسلم من كثير من الافات والشرور المترتبة على هذا لما فتح في الدنيا على المسلمين ايام عمر رضي الله عنه وكثرت الاموال كان رضي الله عنه ينهى للمسلمين اشد نهي عن الترف فيأمرهم بالخشومة والاقتصاد الذي فيه صلاح المعاش والمعادن. فبالله التوفيق. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة امرين اثنين مما تفسد بهما القلوب وتمرض النفوس. اولهما قصر معرفة الله عز وجل والتعرف عليه. في حال والضرورة وهذا حال كثير من الناس الذين لا يتعرفون الى ربهم عز وجل الا في حال الشدة والضرورة وهذه شعبة من شعب الشرك ومن قامت به هذه الشعبة فقد وقع فيه مشابهة للمشركين الذين ذكر الله عز وجل عنهم انه هم لا ينيبون ولا يخلصون دينهم لله رب العالمين حتى تمسهم الشدائد فاذا مستهم الشدائد عند ذلك رجعوا الى الله عز وجل منيبين مخلصين. اما المؤمن الكامل فهو المتعرف الى الله عز وجل في كل حال. في السراء والضراء والعسر واليسر وعاقبة هذا التعرف ان الله عز وجل يكلؤه ويرعاه اذا وقع في كريهة او ضر او شر كما وقع فهذا لنبي الله يونس عليه الصلاة والسلام فانه كان سبب نجاته من الضراء التي ال اليها في بطن الحوت انه كان عرفا الى الله عز وجل في حال الرخاء بكثرة تسبيحه. فلما كان مسبحا لله عز وجل متعرفا اليه بذلك في حال الرخاء كان الجزاء ان الله عز وجل فرج عنه كربته وثانيهما الترف وهو الانغماس في الملذات من نعيم الدنيا وان كانت حلالا فان العبد اذا غمس نفسه في هذه الملذات جره ذلك الى الوقوع فيما لم يأذن به الله. ولهذا فان من علامات معاقبين في القرآن المعادلين بذنوبهم انهم غلب عليهم الترف وغرهم ما هم فيه من امر الدنيا فلما استووا على تلك الحال كان الجزاء ان الله عز وجل عاجلوا بعقوبتهم وليس في السرف خير وانما الخير في ان يتناول الانسان من المباحات بقدر ما تصلح به حياته. فاذا زاد تناول المباح عن القدر المأذون به فقد وقع الانسان في الترف ولابد ان يؤول به ذلك الى الشر. ومن هنا كان من حكمة عمر رضي الله عنه وصائب رأيك انه لما فتحت على الناس في زمانه ابواب الدنيا من كنوز قيصرى وكسرى كان يكتب الى عماره انت معددوا واخشوشنوا كما ثبت ذلك عنه عند علي ابن الجعد فى مسنده وغيره ومعنى تمعددوا اي الزموا حال العرب المنسوبين الى معد ابن عدنان واخشوشنوا يعني اصيبوا من الدنيا حظا فيه خشونة واياكم والترف فان الترف يورد على الانسان الشر قوله تعالى فانظر الى اثر رحمة الله كيف يخفي الارض بعد موته ان ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير. فاذا كانت الارض الخاشعة الخالية من كل اذا انزل الله علينا المطر انزلت وربت وانبتت من كل زوج بهيج واختلط نبتها كثرت اصنافه ومنافعه وجعله الله تعالى من اعظم الادلة الدالة على وسعة رحمته وكمال قدرته وانه سيحيي الموتى للجزاء فالدليل في القلب الخالي من العلم والخير حين ينزل الله عليه غيث الوحي فيكزب النبات وينبت من كل زوجة وينبت من كل زوج بهيج من العلوم المختلفة النافعة والمعارف الواسعة والخير الكثير والبر الواسع والاحسان العزيز والمحبة لله ورسوله واخلاص الاعمال الظاهرة اخلاص الاعمال الظاهرة والباطنة لله وحده لا شريك له والخوف والرجاء والتضرع والخشوع لله وانواع العبادات واصناف التقربات والنصح لله لرسوله وكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم وغير ذلك من العلوم والاعمال الظاهرة والباطنة والفتوحات الربانية مما لا عين رأت ولا سمعت ولا خطر على قلب بشر اعظم من الارض بكثير على سعة رحمة الله وسجود تنوع هداة وكمال اقتداره وعزته وانه يحيي الموتى للجزاء وان عنده في الدار نفرا من الخيرات والفضل ما لا يعلمه احد غيره فقد نبه الله على ان حياة القلوب بالوحي بمنزلة حياة لابد الغيث وان القلوب الخالية من الخير بمنزلة الارض الخبيثة. فقال تعالى والبلد الطيب نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا. كذلك يصرف الايات لقومه يشكرون ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا فائدة لطيفة حسنة لانه كما يحصل احياء الارض بعد موتها بانزال المطر عليها كما قال الله عز وجل ومن اياته انك ترى توبة خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت. ان الذي احياها لمحي الموتى وانه على كل شيء قدير. فكذلك القلوب اذا اغيثت بالهدى والنور فان في ذلك حياتها وفتح ابواب الخير عليها كما قال الله عز وجل اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس. كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها. فان هذا النور الذي وقع له هو الغيث الذي انسجم على قلبه وهو نور الهداية من القرآن والسنة فاوجب لقلبه حياتها وجلب لنفسه سعادته وقد ارشد الى هذا النبي صلى الله عليه وسلم بضرب المثل في الحديث المخرج في الصحيحين عن ابي موسى رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه قال مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير اصاب ارضا فذكر النبي صلى الله عليه ما جاء به موصوفا بوصفين اثنين احدهما انه غيب فكلما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فيه صلاح لقلوب ولذلك فان الارض لا تنتفع بكل ماء نازل وانما تنتفع بالغيث منه وقد تمطر الارض مرة واخرى وثانية فلا يحصل بالمطر نفع لانه ليس بغير. والوصف الثاني ان الغيث الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كثير ففيه كل خير ولا يخرج عما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم شيء من خير الدنيا والاخرة ثم قسم النبي صلى الله عليه وسلم القلوب ازاء ما جاء به الى ثلاثة اقسام. اولها ما كان بمنزلة الارض النقية التي امسكت الماء وانبتت الكلام. فانتفع الناس وثانيها ما كان بمنزلة الارض الاجادل التي امسكت الماء ولم تنبت كلأ فانتفع الناس بما امسكت من الماء. وثالثها القلوب التي هي بمنزلة القيعان فلم تمسك ماء ولم تنبت كلأ وكما ان هذا مشهود منظور في العيان لظاهر الارض فكذلك هو في القلوب فان القلوب منها ما يصيبه هذا الهدى والنور فيكون به حياة ذلك القلب فينبت الكلأ ويمسك الماء فينفع نفسه وينتفع به الناس ومن القلوب من يمسك الماء فيحصل به نوع نفع ومن القلوب من لا يمسك شيئا من الخير فذلك هو القلب الميت. نسأل الله العلي العظيم ان يرزقنا قلبا سليما. وان يقينا امراض القلوب وافاتها واوظارها قوله تعالى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل هذه الاية جمعت كل علم صحيح وذلك ان العلم اما مسائل نافعة واما مصيبة فانفع المسائل المشتملة على الحق وهو الصدق والعدل والقسط والاستقامة ظاهرا وباطنا. اهدى السبائع واهدى الدلال احسن الله اليكم واهدى الدلائل وارشدها ما هدى السبيل الموصل الى المطالب العالية والمراتب السامية فالكتاب والسنة كفيلان بهذين الامرين على اكمل الوجوه وما اسوأ ذلك فهو باطل وضلال. وماذا بعد الحق الا الضلال؟ وما بعد الهداية الا وما بعد الهداية الى السبيل المستقيم الهداية من السبيل ارجع الى سبيل الجحيم. ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا هذا المعنى الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى مصدق بدلائل كثيرة من الكتاب والسنة فان كل علم نافع صحيح هو في القرآن والسنة ولا يخرج عن القرآن والسنة علم ينتفع به العبد في اصلاح احواله. ففي القرآن والسنة شفاء القلوب وصلاح النفوس وجميع المصالح التي تستقيم بها احوال الناس في الدنيا والاخرة. فماذا بعد الحق الا الضلال الا ان حظ الناس من هذا الحق والنور على قدر ما يوفقهم الله عز وجل اليه من النور. كما قال الله عز وجل فمن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. فالمرء ولو تزيد بكثرة الكتب. وادمان النظر فيها ولم يجعل الله له نورا فانه لا ينتفع بهذه الكتب. وليست العبرة بكثرة الكتب وقلتها. ولكن العبرة بصلاحية القلوب ان تكون محلا للعلم فان العلم امانة الله في هذه الارض ولا يضع الله سبحانه وتعالى امانته في المزابل. كما ان الرجل الحكيم اذا كانت عنده جوهرة فانه لا يضعها في مزبلة وكذلك العلم انما يوضع في القلوب الصالحة لحمله واما مجرد جمع الكتب وادمان النظر فيها اذا لم يوفق العبد الى هذا النور فانه لا ينتفع بها كما قال ابو العباس ابن تيمية في الوصية الصغرى ومن لم يجعل الله له نورا لم تجده كثرة الكتب الا حيرة وضلالا الاخلاص هو الالتجاء الى الله على الدوام والرجوع اليه في كل امر هو السبب الاعظم في حصول الهداية الى الصراط المستقيم علما وعملا قال الله تعالى عن الخليل عليه السلام فقال اني ذاهب الى ربي سيهدين وقال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وقال تعالى قال ربي اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي. فقد استجاب الله له هذا الدعاء ووقع الامر هؤلاء الايات اللاتي جاء فيها اجابة الله عز وجل لدعاء الانبياء السبب الاعظم فيها هو اخلاصهم لله عز وجل فان الاخلاص يجمع للعبد كل خير. ويبلغه المقامات التي تظعف عنها النفوس. فان من اخلف خلف ومن كانت نيته صحيحة كان بمثابة من كانت مطيته ثمينة. والمطية الثمينة تقطع بصاحبها القفار والفيافي وكذلك النية الصحيحة تقطع بصاحبها القفار والفيافي وتوصله الى المطلوبات العظيمة. ومن احسن ما سمعت من الابيات الطيارة المتعلقة بهذا المقام ما سمعته من شيخنا علامة حائل سليمان السديت رحمه الله تعالى فانه كان في الاخلاص بيتا جميلا فيه اعمل لوجه واحد يكفيك كل الاوجه. والمعنى ان من عمل مخلصا لله عز وجل كفاه الله عز وجل سائر الوجوه ووفقه الى مطلوباته قوله تعالى فلما اسلم وتله للجبين لما كان قوله اسلما توطينا لنفسه على امر الله واسلما مقرونا بالاخلاص والامتثال والعزم ربما وتخلف عنه وقوع الذبح فذكر تعالى انه ابدل اوليدي ذبح عظيم فداء له هذه الاية فيها بيان ان قوله وتله للجبين ليس تكريرا لقوله فلما اسلم لان الاسلام والتسليم فيه الدلالة على العزم على الفعل ثم قوله وتله للجبين فيه الاعلان بايقاع هذا الفعل فاجتمع العزم والفعل في هذه الاية اصلا اذا وفق الحاكم ان يحكم بالحق والعلم لا بالجهل والباطل وبالعدل وحقوق اقتراب الظلم واتباع الهوى فقد سلك سبيل الانبياء قال تعالى يدعون لجعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. ان الذين يضلون عن سبيل الله يوم الحساب سبق بيان ان السياسة النافعة للناس هي السياسة الشرعية كما بين هذا في التقرير على رسالة محمد الامين الشقيقي الاسلام دين كامل. ومن جملة السياسة الشرعية ان يتبع العبد ما جاء من ذلك عن الانبياء فان الانبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يحكمون بالحق والعلم لا بالجهل والباطل. فمن حكم الحق والعلم كان متبعا لهم فوفق للسياسة الشرعية. وكان حاكما بالعدل ومن عدل عنها فقد وقع في غيرها من انواع السياسات الباطلة وصار ظالما متبعا بهواه غير مقدم للعلم ولا خائفا من الرب قوله تعالى وينجي الله الذين اتقوا في مفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون. فوعد الله المتقين بنفي العذاب عنهم ظاهرا وباطنا كما لهم في اخر سورة النعيم ظاهرا وباطنا من قوله زمرا حتى اذا جاءوها او فتحت ابوابها قال لهم ندعوا سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين. فقابل الله عز وجل في هاتين الايتين بين نوعين احدهما تعلقوا بعذاب منفي والاخر يتعلق بنعيم واصل. فاما العذاب المنفي فان الله عز وجل نفى عنهم عذاب الباطن والظاهر فاما عذاب الظاهر ففي قوله تعالى لا يمسهم السوء واما عذاب الباطل ففي قوله تعالى ولا هم يحزنون وفي مقامي هذا ذكر نوعين من النعيم الواصل لهم تكميلا وهو نعيم باطن بطيبهم فاخبر بانهم طيبين لقوله تعالى طبتم ونعيم ظاهر في كونهم خالدين في قوله تعالى فادخلوها خالدين ان قلت ان الله اخبر في غير موضع انه لا يهدي القوم الظالمين ولا يهدي القوم الفاسقين والقوم الكافرين والمجرمين ونحوهم والواقع انه هدى انه هدى كثيرا من الظالمين والفاسقين والقوم الكافرين والمجرمين ما ان قولا صدق وحق لا يخالفه الواقع ابدا الجواب ان الذي اخبر انه لا يهديهم هم الذين حقت عليهم الشقوة وكلمة العذاب. فانها اذا حقت وتحققت وثبتت ووجبت فان هذا لا يتغير ولا يتبدل. قال تعالى وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا انهم اصحاب النار وقال كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا انهم لا يؤمنون. وقال ان الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل اية حتى يرون ذهب لاهلهم وغير ذلك من الايات الدالة كان هذا المعنى وهؤلاء هم الذين اقتضت حكمة الله تعالى انه لا يهديهم لكونه مما يصلحون للهداية ولا تليق بهم فلو علم فيهم خيرا لاسمعهم ولو اسمعهم لتولوهم مغربون وهم الذين مرضوا على اسباب الشقاء ورضوها على الهدى واما من سبقت لهم من الله الحسنى فان الله تعالى يهديهم ولو جرى منهم ما جرى فانه تعالى هدى كثيرا من ائمة الكفر المحاربين فله ولرسوله وكتبه فصاروا من المهتدين والله عليم حكيم فالذين اخبر عنهم انه لا يهديهم هم الذين حقت عليهم الشقوة والذين هداهم هم الذين سبقت لهم منهم الحسنى واقعا على شيء والهداية واقع على شيء اخر فلن يحصل تناقض ولله الحمد هذه الجملة ذكر فيها المصنف رحمه الله تعالى موضعا يتعلق بمشكل القرآن. فان من العلوم النافعة العظيمة المتعلقة بالقرآن معرفة مشكلة ففي هؤلاء الايات الكثيرات اخبر الرب عز وجل انه لا يأتي الظالمين ولا يهدي الفاسقين ولا يهدي الكافرين. ثم اذا نظر الى الواقع وجد ان من ائمة الكفر وصناديده من كتب الله عز وجل له الهداية وحل الاشكال ان يعلم ان الذين لا يهديهم الله عز وجل من الكافرين والظالمين والفاسقين هم الذين حق عليهم العذاب. فهؤلاء هم الذين لزمتهم الضلالة والفسق والكفر فلا ينفكون عن البتة اما الذين لم يحق عليهم القول في الضلالة والفطر والكفر فان الله عز وجل يوفقهم للهداية. وهذا النوع من انواع علوم القرآن نوع نافع. اذ به يتمرن الطالب على فهم وحل الاشكالات التي تتعلق بالايات البينات سواء ما كان متعلقا بالقرآن الكريم وهو حقيقة ان يفرد باسمه مختلف القرآن تبعا لافراده للحديث او كان متعلقا بمشكل القرآن الذي يختص بوقوع مناقضة في الظاهر بين القرآن او حديث او القرآن او الواقع فمن مثال هذا الباب ان الله عز وجل تارة نفى الانساب يوم القيامة. فقال فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون واثبت الله عز وجل وجودها في ايات منها قول الله عز وجل يوم يفر المرء من ابيه وامه واخيه وصاحبته وبنيه فما الجمع بينهما الدروس في التمرن ترى ليست للافتاء فمرن الانسان وجه قريب وهو ان المراد بالنسب المنفي هو النسب الذي ينفع. لان الاصل ان صلة النسب حاملة على نفع القريب لقريبه واما النسب المثبت فهو الحقيقة الثابتة من جهة الصلة بينهم بان هذا والد لهذا وهذا ابن لهذا فائدة وهي في الحقيقة تابعة للايراد السابق في اخبار الله انه لا يهدي الظالمين والكافرين ونحوهم مع انه وقع من هداية لمن اتصال بذلك وجوابه السابق وهو ان انك واقع على من حق عليه انه مجرم من اهل النار وان الهداية الحاصلة لمن لم يكن كذلك ثم تبين لي في يومي هذا وتوضحت ما زال مشكلا علي حتى وضحه الله وله الحمد وهو حل هذه الاية الكريمة واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون. وانها تقرير من لا يكون في قبلها فان الله تعالى قال لرسوله مصليا بعدم ايمان المعاندين وان هذا لا يظن الحق شيء اذا ولوا مدبرين وما انت بهاد العمي عن ضلالة ان تسرع الا من يؤمن باياتنا فهم مسلمون فلما بين له ان اجتهاده صلى الله عليه وسلم في هداية الضالين انما ينتفع به ويسمعه سمع قبول وقياد. فليؤمن باياتنا فهم مسلمون واما الموتى الذين ليس في قلوبهم ادنى حياة لطلب الحق فكما ان صوتك لا تسمع به الاموات موت حسيا فصوتك ايضا في الدعوة الكاملة به موتى القلوب وغص للمعرضين المدبرين عن الحق. ولا الذين صاروا الاعمال هم وصفا والغي لهم نعتى فهؤلاء هم الذين ختم الله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم اولئك هم الغافلون وهؤلاء هم الذين حق عليهم القول واذا حق القول فهم الايات والتذكير فما لا تنفعهم الايات التي يصير الايمان عندها اضطراريا وهي الايات الكبار التي تكون مقدمة الساعة فانها اذا طلعت الشمس من مغربها بها لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قلبها وكسبت في ايمانها خيرا. حينئذ حق القول على الاشقياء انهم لا يزالون على شقائهم فيخرج لهم دابة من الارض تكلمهم وتغير المسلم من الكافر فالقول اذا الحق لا يتغير ولا يتبدل ويحصل اليأس من ايمان الكافرين ولو كانت الايات والايات فالاية تقرر ما قبلها وتدل على العلة الجامعة وهي ان من حق عليه القول لو جاءت وكل اية لم يؤمن حتى العذاب الاليم والله اعلم. وهذا المعنى الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو مصدق بما تقدم تقريره. لان المحرومين من هم الذين حق عليهم قول الله عز وجل ولزمتهم الضلالة فلا يتحولون عنها حتى يروا الايات البينات فاذا الايات البينات واولها طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك يكون ايمانهم اضطراريا لا اختياريا وانما ينتفع العبد الايمان الاختياري الاضطراري كما تقدم بيانه في درس الصباح