قال المؤلف رحمه الله تعالى فصل العزم الذي مدح الله به خيار خلقه كقوله فصل كما صبر اولي العزم من الرسل هو قوة الارادة وجزمها على الاستمرار على امر الله والهمة التي لا تنمي ولا تذكر في طلب رضوان الله وحسن معاملته وتوطين النفس على عدم التقصير في شيء من حقوق الله ولذلك نام الله ادم عليه السلام بعدم استمراره على الامر وحصول الاغترار منه لعدوه ذات الشجرة التي عهد الله له بالامتناع من قال تعالى ولقد عهدنا الى ادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما فحصول الفتور وفلتات التقصير كمأمونات كمال العزم. ولهذا لم يكن كمال هذا الوصف الا لمن بلغوا الدرجة العالية في الفضائل والنقص انما يصيب العبد من احد امرين ما من عدم عزمه على الرشد الذي هو الخير واما من عدم ثباته واستمراره على عزمه ولهذا كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اني اسألك الثبات في الامن والعزيمة على الرشد ومن امثال الادعية واجمعها للخيرات ومن اعانه الله وعلى من انفع الادعية واجمع اهل الخيرات فمن اعانه الله على نية الرشد والعزيمة عليها والثبات والاستمرار فقد حصل له اكبر اسباب ونشر هذا المقام درجات بحسب درجات بحسب قيامهم بهذه من امرين وحسب وحسب ذي الفضل فضلا ان تكون العزيمتها وصفه واثارها من العلم والعمل نعته. واذا حصل له نوع فتور وخلل في هذا المأمول رجع الى اخيه واخبته ودعوى هذا الداء بالتذكر والاستغفار. قال تعالى ان الذين اتقوا اذا انفسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون. اي تذكروا الخلل الذي دخل عليه من الشيطان من نقص الذي حصل لهم به الخسران فابصروا ذلك فبادروا الى سبه والعودة الى ما عودهم وليهم من لدوم الصراط المستقيم نسأل الله تعالى ان يجعلنا منهم بمنه وكرمه امين. من مقامات النفس الحميدة ان تكون تلك النفس ذات عزيمة فانها اذا كانت ذات عزيمة وفقت بهذه العزيمة الى بلوغ المقامات العالية. ولهذا لم ينل خلص الانبياء المقامات الا لما اتصفوا بهذا العدل. وفي ذلك قال الله عز وجل لنبيه فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل. واذا لم كن للعبد عزيمة فانه لا يترقى الى تلك المقامات ولا يصل اليها. والعبد يلحقه نقص من احد امرين كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى احدهما من عدم عزمه على الرشد الذي هو الخير فتجده كثير التردد والتلج. وقد قال اذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فان فساد الرأي ان تتردد. فمتى عقل المرء امرا حسنا؟ ينبغي ان تكون عزيمته ماضية غير مترددة. وتانيهما انه لا يثبت على ابتغاء هذا الامر الذي طلبه ولا يداوم عليه كم من انسان يريد الوصول الى شيء لكنه شرعان ما تزل قدمه عنه وتضعف نفسه دونه. وما احسن قول الشاعر لكل الى شاوي العلا وثباته ولكن عزيز في الرجال ثبات. فاذا ثبت المرء ورسخت قدمه في تحصيل مطلوبه فانه حينئذ يدركه لا محالة الاخلاص لله تعالى اعظم الاسباب لعون الله للعبد على جميع اموره ولثبات قلبه وعدم انزعاجه عند المقلقات والسداد. قال الله تعالى يا ايها الذين الله ينصركم ويثبت اقدامكم. اي اذا كان قصدكم في جهاد الاعداء نصر الله وان تكون كلمته هي العليا. نصركم الله على وثبت اقدامكم في مواطن اللقاء فالنصر سبب خارجي وتثبيت الاقدام سبب داخلي وبهذين الامرين يتم الامر هذا المعنى تقدم غير مرة في بيان عظيم اثر الاخلاص او في كونه ايضا سبب من اسباب النصر. نعم. كمال العبد في تمام النعمة نعمة الدنيا ونعمة الدين ونعمة الدنيا فيه ما تحصل السعادة العاجلة والعاجلة فنعمة الدين بالعلم الهادي الى الصراط المستقيم وبتقوى الله التي هي امتثال امره واجفنا بنا ايه ونعمة الدنيا بان ينقطع العبد عن رجاء المخلوقين والافتقار اليهم ويرزقه الله العفة عن القبائل ثم يغنيه بالحياة الطيبة والخير الذي يكون عونا له على عبادة ربه. قال تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى واتاهم تقواهم. قال تعالى وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله ومن فضلك قد تضمن هذا هذه الامور الاربعة الدعاء الذي ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يدعو بهذا الدعاء اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ونعمة الدين هي نعمة الروح كما ان نعمة الدنيا هي نعمة البدن. ولا يبلغ العبد حظه من هاتين النعمتين الا بما ذكر رحمه الله تعالى فان الروح تتنعم بالعلم الهادئ الى الصراط المستقيم وبتقوى الله والبدن يتنعم بان ينقطع العبد عن رجاء للمخلوقين والاستقال اليهم ويرزقه الله العفة عن القبائح. فاذا اجتمع هذان الامران عند العبد فانه ينال حظه الكامل من نعمة الدين والدنيا ونعمة الروح والبدن قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا قيل لكم تفسحوا في المجالس وامسحوا يفتح الله لكم واذا قيل انشدوا فانشدوا وارفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير فيها فضيلة التأدب بالاداب الشرعية ورفعتها عند الله ولو ظلها الانسان من قصة فليس النقص غير الاخلال بعذاب الله لعباده وهذا المعنى ظاهر من نصوص كثيرة من القرآن والسنة ان العبد تحصل له السعادة على قدر ما يكون معه من التأدب بالاداب الشرعية. كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى اداب عنوان سعادة المرء وفلاحه وقلة الادب عنوان خسار المرء وبوارثه فينبغي للعبد ان يحرص على التلمس في الاداب الشرعية وان يقيم نفسه فيها حتى يكون في ذلك تكميلا لعبوديته ومن الفوائد ايقاع الظاهر موقع المظمل في هذه الاية فانه الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم الدرجات فلم يقل يرفعكم ليدن ذلك يا فضيلة الايمان والعلم عموما وان بهما تحصل الرفعة في الدنيا والاخرة. فيدل على ان من ثمرات العلم والايمان سرعة الانقياد لامر الله وان هذه الاداب ونحوها انما ونحوها انما تنفع صاحبها ويحصل له بها الثواب. اذا كانت صابرة عن العلم والايمان وهو ان تكون خالصة لوجه الله لا لغير ذلك من المقاصد تقدم ان قاعدة الاظهار في موقع الاظمار تكون لنكتة في المعنى كما في هذه الاية فان الله عز وجل اظهر ولم تضمر لابراز فضيلة الايمان والعلم عموما. فلم يقل الله عز وجل يرفعكم مع تقدم الخطاب بالضمير. وانما اظهر فقال يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات ليبرز فضيلة العلم والايمان قوله تعالى هو الذي اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من جارهم او للحشر ما ظننتم ان يخرجوا وظنوا انهم ما ناتوا حصونهم من الله فاتاهم الله من حيث لم يحتسبوا فقذف في قلوبهم الرعب يطربون بيوتهم بايديهم وايدي المؤمنين فاعتبروا يا اولي الابصار ما اضعف اليقين في قلوب كثير من المؤمنين تجدهم الان استولى عليهم اليأس وظنوا ان امر الافراج الغربي الان سيظهر وسيدوم ان اهل الايمان لا قيام لهم وانهم لابد مغلوبون واعدائهم لابد غالبون ولو سبب هذا نظرهم الى الاسباب المدركة بالحس وقصر النظر عليها ولم يقع في قلوب من لورى على اسباب مشاهدة اسبابا غيبية اقوى منها الهية لا تعارض ولا تمانع وافات تطع تطع تطري احسن الله اليكم وافاكم تطري وقوات تزور وضعفا التصاميم قطرة وفاة تطرى وقوات وقوات تزول وضعفا يزول وامورا لا تدخل تحت الحساب. فهؤلاء اهل الكتاب ذو القوة قضاء الله وانفسهم وظنوا ان حصونهم ما نهت القطري على ابدال الهم زياء كما هو لغة لبعض العرب نعم فهؤلاء اهل الكتاب ذو القوة والشوكة قد غرتهم انفسهم وظنوا ان حصونهم مانعتهم وانهم يمتنعون فيها ولم يخطر في قلوب المؤمنين خروجهم منها حتى دعاءهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون واستولى عليهم الضعف والخراب من حيث لا يشعرون. وللكافرين امثالها. فالمؤمن حقا هو الذي ينظر الى قدر الله وقومه وماله من العزة والقدرة ويعلم ان هذا لا تعارضه الاسباب وان عظمت وان نمو الاسباب ونتاجها اذا لم يعارضها القدر فاذا فجاء القدر انحل عذر عنده عنده ما حل عنده كل شيء ولكن هذا محل حكمة الله وامره فامر المؤمنين بالاستعداد لعدوهم ظاهرا وباطنا. فاذا فعلوا المأمور ساعدهم المقدور هذه الجملة من احوج ما تكون اليه حاجة الناس في هذه الاوقات فان كثيرا من الناس لما رأوا غلبوا الكفار ظنوا انهم يمكنون من اهل الاسلام. كيف والله عز وجل يقول ومن اصدق من الله حديثا يقول ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا. الا ان قدر الله عز وجل نافذ. فان المؤمنين قد يحصل منهم من التقصير عن الشريعة والتفريط فيها ما يوجب امضاء العقوبة لهم حتى تحملهم العقوبة على الرجوع اليها كما وقع هذا في غدوة وفي احد كما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد حتى اذا اذن الله عز وجل بظهور مقدوره وابراز الغلبة للمؤمنين هيأ الله عز وجل لذلك الاسباب الا ان الامر الثابت الذي لا محيص عنه ان الله عز وجل لا يسلط على هذه الامة عدوا يستبيح بيضتهم جميعا. بل لا بد ان تبقى بعض بلاد الاسلام نافذة لا يد للعدو عليها ومن قرأ التاريخ عرف حقيقة معنى الايات والاحاديث الواردة في هذا الامر قوله تعالى والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم لا يمكن ان تكون القبلية في القلوب في قوله من قبلهم راجعة الى الدار دون الايمان بان اللفظ لا يسعد ولا هذا لان الوصف بالجهاد والمجرور ولا يصلح لا يصلح لان الوصف بالجار والمجرور لا يصلح الا ان يعود على المعطوف والمعطوف عليه فالى اين يعود وقد علم وتقرر ان المهاجرين قد تقدم ايمانك كثير منهم على الانصار فالجواب ان هذا عائد من الدار والايمان على اللفظ مصرح به وهو التبوؤ والاستقرار لهم حال تبوأ تمكينه يتمكنون فيه من اقامة دينهم وقيامهم في انفسهم وفي غيرهم ولهم حال وجود للايمان منهم دون تمكين فلم يحصل التمكين الا بعد ما هاجروا الى المدينة وصار لهم دار اسلام فاما قبل ذلك فهم ان كانوا مؤمنين لكنهم في حالة ذلة وقلة محكومون مقهورون خائفون على انفسهم وبهذا يتبين المعنى. هذه الاية من سورة الحشر قد يتوهم متوهم انها مشكلة لان الانصار لم يتبوأوا الايمان قبل المهاجرين بل كان المهاجرون هم السابقون الى الايمان ومعنى هذه الاية ان الانصار سبقوا باجتماع الامرين. فبمجموع الامرين حصل لهم السبق فصاروا قبلا فهم الذين تبوأوا الدار والايمان. فكانوا مؤمنين وكانت لهم دار ايمان واسلام اما المهاجرون فانه لم يحصل لهم الا الايمان. واما كينونتهم في دار ايمان واسلام فهذا لم يقع لهم الا بعد الهجرة الى المدينة فصار الانصار سابقون بهذا الامر تجارة نوعان احدهما تجارة الربح والجنات وانواع الكرامات وصنوف اللذات وهي تجارة الايمان والجهاد في سبيل الله. قال تعالى يا ايها الذين امنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله باموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون فهؤلاء هم الرابحون حقا وهم الذين تحققوا بالايمان ظاهرا وباطنا فاذ اجتهدوا في علوم الايمان ومعارف الايمان في اعمال الباطنة كمحبة الله ورسوله وفي اعماله الظاهرة كالاعمال البدنية والمالية والمركبة وجاهدوا انفسهم على هذا وجاهدوا اعداء الله بالحجة والبرهان والسيف والشمال فثاني ما تجارته للذبح والخسران واصناف الحسرات وهي كل تجارة مشملة عن طاعة الله ومفوتة لتلك التجارة الرابحة قال تعالى واذا رأوا تجارة فقال قل ما عند الله خير من له ومن التجارة والله خير الرازقين. فكم في القرآن من منهج تلك التجارة والحث عليها والثناء على اهلها يعني هو من ضمن التجارة الاخرى والزجر عنها والدم لاهلها واهل التجارة رابحة اذا اشتغلوا بتجارة المعاش لم تكن قاطعة لهم عن تجارتهم بل ربما كانت عونا لهم عليها اذا احسنوا فيها النية وسلموا من المكاسب واخذوا منها مقدار الحاجة قال تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا دوام عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة فلم يقل انهم لا يتاجرون هنا ولا يجمعون بل اخبر انهم لو فعلوا ذلك لم يسألهم عن المقتول وهو ذكر الله وامهات العبادات فعطف البيع على التجارة وان كان البيع داخلا لانه اعظم الاسباب التي تحصل بها التجارة وانواع المكاسب وابركها والله اعلم. بهذه القتنة التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى تتبين الجمع بين الايات التي جاء فيها ذكر التجارات. وان التجارات تتنوع الى نوعين اثنين. احدهما تجارة ربحها الجنات وانواع الكرامات وصنوف اللذات وهي التجارة مع الرب سبحانه وتعالى بالايمان والجهاد في سبيله ها هم الرابحون صدقا وحقا. والنوع الثاني تجارة الربح والخسران واصناف الحسرات وهي كل تجارة مشكلة عن طاعة الله عز وجل ومفوتة لتلك التجارة الرابحة وهي التي ذكرها الله عز وجل في سورة الجمعة. فلما كانت هذه التجارة عائلة بين العبد وبين اقباله على ربه كانت تجارة مذمومة تورث صاحبها الخسارة ولا ينجو من الاشتغال بتجارة الا من وقف اشتغاله بها على ما فيه اصلاح امر دنياه مع عنايته باصلاح امر دينه. اما من جمع قلبه على تجارة المعاش مصلحا لدنياه غافلا عن اصلاح دينه فانه تجره تلك التجارة الى عواقب وخيمة وعياداب شديد في الدنيا والاخرة كما ذكر الله سبحانه وتعالى في اية سورة الجمعة. ولذلك فان التجارة انما تحمد اذا اشتغل بها العبد مع بقاء اتصاله بربه واقباله عليه. اما اذا حالت بين العبد وبين الرب فانها تكون ومن هنا ذهب بعض قلة المؤمنين الى نبذ التجارة اذا شغلت عن العبادة كما جاء عن ابي الدرداء رضي الله عنه انه اشتغل بالتجارة ثم تركها فسأل عن ذلك فذكر انه وجدها قاطعة له عن الله عز وجل فباع تلك تجارة الفاسدة الرخيصة وهي تجارة المعاش واشترى تجارة رابحة عظيمة وهي التجارة مع الله سبحانه وتعالى بالايمان العمل الصالح كل من قام بحقنا ودعا الينا وسعى في انكار منكر وابطال باطل واجبت معاونته ومساعدته على ذلك وهو داخل في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا وانصار الله ودلت هذه الاية ونحوها باللزوم على الامر بالسعي بالاسباب التي تتم بها نصرة الحق كالتعلم والتعليم للعلوم النافعة ونحوها. وهذا من بعض ما جاءت به الموالاة بين المؤمنين في قوله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض فان صدق هذه الموالاة ها؟ ان كل من قام من المؤمنين بحق امرا بالمعروف نهيا عن المنكر فانه يعان على ذلك ولذلك قال في تتميم الاية متقدمة بوصف المؤمنين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وفي مثلها قال الله يا ايها الذين امنوا كونوا انصار الله. نعم قوله تعالى يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه فيه ان غير المجرم لا يرد ذلك لانه قد استدى في الدنيا من عذاب يومئذ للتقوى وانما هو في هذا اليوم لا يحزنه الفزع الاكبر ويعمل اجتماعه بمن صلح من ادائه وابنائه واحفاده في جنات النعيم. ففرق بين المجرم وغيره في الاخرة فان المجرم يوم القيامة يود لو يفتدي من عذاب ذلك اليوم باقرب الاقربين اليه اما غير المجرم فانه لا يود ذلك. لان المؤمن قد ابتدى من عذاب يومئذ بما قدمه من الايمان والعمل الصالح ومن تتبع هذه الكلمة في القرآن الكريم مع جمعها اعني كلمة المجرم وجدها لا تطلق في القرآن الكريم الا على الكافر. واما من جنى جناية في الاسلام من اهله فانه لا يطلق عليه اسم المجرم. وان صح من جهة اللغة لكنه لا يصح من جهة الشريعة لان اسم المجرم في الشريعة مختص بمن كان كافرا قوله تعالى يا ايها المدثر قم فانذر نبه الله تعالى فيها على حال رسوله وكماله واتمام نعمة الله عليه وكم بين ابتداء من من الوحي وتدثرهم من شدة ما لقيهم الى اخر امره. حين اتم الله امورهم كلها ولهاديها ولهذا امره بتكوين نفسه وتكميل غيره وارشده الى ما ينال به ذلك وهو القيام التام على وجه النشاط والتعظيم لربه وتكبيره في باطنه وتطوير اعماله وثيابه الظاهرة وفي كل شر ودنس واستعمال رح الاعمال. وهو الاخلاص في كل شيء حتى في العطاء. فلهذا قال ولا تمنن تستكثر ثم ارشده الى ما يعينه على كل اموره وهو الصبر لوجه الله فقال ولربك فاصبر ثم تكثر له بحفظه من الاعداء وحفظ ما جاء به بتوعده قم بالعذاب خصوصا لاكثرهم عنادا واعظمهم عداوة وهذا تمام النعمة. هؤلاء الايات من سورة المدثر من ابلغ الايات نتيجات ببيان ترقي حال النبي صلى الله عليه وسلم في الكمال. فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على تلك الحال كما قال قال الله عز وجل ووجدك ضالا فهدى يعني وجدك غافلا عما يراد بك فهداك الى هذا المراد العظيم وكانت الهداية مرتبة على هذا النحو الذي ذكره الله عز وجل في صدر سورة مدثر ونشره المصنف رحمه الله تعالى بما فهو من البيان فصل قوله تعالى كل نفس بما كسبت رهينتنا اي كل نفس مرتهنة محبوسة وموثقة بكسبها السيء وحبسها في العذاب السيء وذلك لان الجزاء من جنس العمل ليس كما حدث المجرمون ما لديهم لله ولخلقهم من الحقوق اللازمة فلا نؤدي الصلاة التي هي اكبر العبادات المتضمنة للاخلاص المعبود ولا اطعم المساكين من الحق الذي اوجبه الله لهم في اموالهم ولا حبسوا نفوسهم لا مشرع قيدوها بقيود الدين بل اطلقوها بما شاءوا من المرادات الفاسدة فخاضوا بالباطل مع الخائضين ولا صدقوا ربهم ورسله مع تواتر الايات. بل كانوا يكذبون بيوم الدين فلذلك حبسوا في هذا المحبس الفظيع وادخلوا في سقر فلما كان اصحاب اليمين قد حبس حبسوا نفوسهم في الدنيا على شرع الله تصفيقا وعملا واطلقوها وسينتهم جوارحهم في طاعة الله ومرضاته اطلق الله اسارهم وفكهم وفك رهنهم فلم يكونوا في ذلك اليوم مرتانين. بل كانوا مطلقين في مشتات انفسهم وهدت عيونهم. فعمل العبد في الدنيا اما ان يكون سببا هانيا وسببا لخلاصي بلي الاصل ان الانسان في حبس وان عمله سيرطان لانه ظلوم وجهول طبعا الا من خلصه الله من هذا ومن سيد الصبر وعمل الصالحات فلهذا جعل الابتكار عاما واستثنى منه اصحابه فقال تعالى كل نفس بما كسبت رملة الا اصحاب اليمين. حاصل هذه الجملة ان العبد في الدنيا لا يخلو من حالين الحال الاولى ان يكون مقيدا نفسه وفق مراد الشرع. والحال الثانية ان يكون مطلقا لنفسه غير مقيد لها بما جاءت به الشريعة ويكون الجزاء يوم القيامة ان من قيد نفسه بمرادات الشرع اطلق الله عز وجل وثاقه. وان من كان مطلقا للنفس عنانها في الدنيا عاقبه الله عز وجل برهنه الى عمله السيء. ولذلك ينزع الى طبعه فتكون كل نفس بما كسبت رهينة الا اصحاب اليمين لان اصحاب اليمين كانوا في الدنيا قد قيدوا نفوسهم ورهنوها بما جاءت به الشريعة فكان الجزاء الا يقيدوا يوم القيامة بشيء من القيود بل هم مطلقون منعمون في جنات النعيم شرع الله الدين والعبادات والاوامر والنواهي لاقامة ذكره ولهذا يذكر ان العبادات ناشئة عن ذكره كما قال تعالى قد افلح من تزكى وذكر اسم فصلى فجعلت صلاتنا عن الذكر ومسببة ومسببة عنه كما جعلت صلاة الاقامة فقال واقم الصلاة لذكري وقال في ترك الذنوب والاستغفار منها والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم فجعل الاستغفار ناشئا للذكر بدل ذلك على ان الذكر لله هو الاصل الجامع الذي يتصل به المؤمن الكامل فيصير الذكر صلة لقلبه فيفعل لذلك كالمأمورات ويترك المنهيات ناشئ عن تعظيم الله تعالى وذكره وهو دليل على ذلك وهو اعظم المقصودات من العبادات. قال تعالى ان الصلاة عن الفحشاء والمنكر وهي ذكر الله اكبر. وقال تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين. وقال تعالى ان في خلق السماوات والارض لا في الليل والنهار الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فكل من كان في عبادة فهو في ذكر الله ومن ترك منهيا لله فهو في ذكر الله واعذاه والمعنى الذي خلق الله الفرق لاجله وشرع الشرع عن يده النعم الظاهرة والباطنة مقصودة لاجله ومعينة عليه. فنسأله تعالى ان يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ويجعلنا من الذاكرين ان الله كثيرا والذاكرات امين. حاصل هذه الجملة تحقيق ان معنى الذكر يستوعب العبادة جميعا. فان العبادات كلها تدوم مع ذكر الله عز وجل. وبه تعلم ان الصلاة من ذكر الله وان قراءة القرآن من ذكر الله وان طلب العلم من ذكر الله وان الجلوس في خلقه من ذكر الله ومن احسن من بين هذا المعنى واوضحه ايضاحا تاما بما لا يوجد عند غيره ابن القيم رحمه الله تعالى في صدر الوابل الطيب. فان له كلاما حسنا في بيان حقيقة الذكر واقسامه لا يوجد لغيره وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم من المناسبات الحسنة ان اكبر البراءة وهو براءة الله ورسوله من المشركين. امر الله باعلانات يوم الحج الاكبر فالذنوب والمعاصي جميعا في البراءة من الله ورسوله وعدم الموالاة ولكن البراءة التامة التي ليس معها من الموالاة مثقال ذرة انما هي من كل مشرك وكافر الله العظيم وتمام موالاة المؤمن بالله ورسوله موافقة التامة على هذه البراءة ولهذا كانت سورة قل يا ايها الكافرون لا اعبد اتعبدون ولا انتم عابدون ما اعبد ولا انا عابد ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم ولي دين. متضمنة لهذا البراءة مستلزمة للاخلاص لله تعالى في جميع الدين. من الاصول العظيمة التي جاءت الشريعة ببيانها وتقريرها وكرر ذلك في القرآن غير ما مرة البراءة من الشرك واهله. وهي البراءة العظمى. فان البراءة تنقسم الى قسمين اولاهما البراءة الصغرى وهي البراءة من الذنوب والمعاصي. فيجب على العبد ان يتبرأ من كل ذنب ومعصية ولو كان فاعله مؤمنا والنوع الثاني البراءة الكبرى وهي البراءة من كل مشرك وكافر. وهذه هي البراءة التامة التي ليس معها من الموالاة مثقال ذرة وتمام موالاة المؤمن بالله ورسوله الموافقة التامة على هذه البراءة فالمؤمنون يوافقون الرب سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما برئوا منه فيبرؤون من الشرك واهله ومن الذنوب والمعاصي جميعا