السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله ربنا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اما بعد فهذا هو الدرس الاول من برنامج الدرس الواحد الخامس والكتاب المقروء فيه هو فوائد مستنبطة من سورة يوسف عليه الصلاة والسلام العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى وقبل الشروع في اقرائه لا بد من ذكر مقدمتين اثنتين المقدمة الاولى التعريف بالمصنف وتتضمن ثلاثة مقاصد المقصد الاول جر نسبه هو الشيخ العلامة القدوة عبدالرحمن ابن ناصر ابن عبد الله السعدي بكسر السين المشددة كما هو المسموع من تلاميذه واهل بيته يكنى بابي عبد الله ويعرف بابن سعدي نسبة الى احد اجداده المقصد الثاني تاريخ مولده ولد في الثاني عشر من محرم الحرام سنة سبع بعد الثلاثمائة والالف المقصد الثالث تاريخ وفاته توفي رحمه الله قبل طلوع فجر يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الاخرة سنة ست وسبعين بعد الثلاثمائة والالف وله من العمر تسع وستون سنة فرحمه الله رحمة واسعة المقدمة الثانية التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد ايضا المقصد الاول تحقيق عنوانه نشر هذا الكتاب في حياة المصنف رحمه الله وتحت نظره باسم فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه الصلاة والسلام ثم اعاد نشره احد خواص تلاميذه وهو الشيخ محمد ابن سليمان الو بسام معتمدا على نسخة خطية حملت اسم المتقدم ايضا المقصد الثاني بيان موضوعه من عنوانه المتقدم يقف المطالع على موضوع هذا الكتاب فهو فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه الصلاة والسلام والمراد بالفوائد المستنبطة المسائل المستخرجة من سردها الكائن في سورة يوسف من القرآن الكريم المقصد الثالث توضيح منهجه اوتب المصنف رحمه الله هذه الفوائد في مقدمة واثني عشر فصلا وصدر المقدمة ببيان معنى العبرة والاشارة الى طرف متعلق بعلم تعبير الرؤيا وذكر تعبير يعقوب لرؤيا ابنه يوسف ثم فرق بقية الفوائد في فصول متتابعة ابتغاء التسهيل على المتلقي بتدريج طريق التلقي نعم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى في كتابه الفوائد المستنبطة. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله وصلى الله على محمد واله وصحبه وسلم. اما بعد فهذه فوائد مستنبطة من قصة يوسف صلى الله عليه وسلم. وعلى جميع الانبياء والمرسلين فان الله تعالى قصها علينا مبسوطة وقال في اخرها لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الباب والعبرة ما يعتبر به ويعبر منه الى معان واحكام نافعة وتوجيهات من الخيرات وتحذير من المهلكات وقصص الانبياء كلها كذلك ولكن هذه القصة خصها الله بقوله لقد كان فيه صفا اخوته ايات للسائلين فيها ايات وعبر منوعة لكل من يسأل ويريد الهدى والرشاد. لما فيها من التنقلات من حال الى حال ومن محنة الى ومن منحة الى محنة ومنة ومن ذلة ورق الى عز وملك ومن فرقة وشتات الى اجتماع وادراك غايات ومن حزننا فرح الى سرور وفرح ومن رخاء الى جد بنا من جذب الى رخاء. ومن ضيق الى سعة الى غير ذلك مما اشتمل عليه هذه القصة العظيمة فتدارك من قصها ووضحها وبينها. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في صدر هذه الرسالة مقصوده من تصنيفها وانها اشتملت على فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه الصلاة والسلام فان الله سبحانه وتعالى قصها علينا في القرآن الكريم في سورة مفردة سميت باسم يوسف عليه الصلاة والسلام. ثم وختمها الله سبحانه وتعالى بقوله في اخرها لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب وقد بين الرب سبحانه وتعالى في هذه الصورة عظيم العناية بها في مقامين احدهما في مقدمها اذ قال نحن نغص عليك احسن القصص والثاني في اخرها اذ قال لقد كان في قصصهم عبرة لاولي الالباب فذكر هذين المقامين في البدء والختم يوجب العناية في هذه السورة لما فيها من الفوائد العظيمة وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى انها اشتملت على كونها عبرة لاولي الالباب ثم بين ان العبرة هي ما يعتبر ويعبر منه الى معان واحكام نافعة. يعني ان العبرة هي ما يتعظ به. وتوجب هذه العظة ان يتوصل العبد الى معان واحكام نافعة وتوجيهات الى الخيرات وهذه السورة العظيمة قد اشتملت على فوائد جليلة ذكر المصنف طرفا منها والا فان الاحاطة بها تضيق عن مثل هذه الرسالة وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في الجواب الكافي ان في سورة يوسف ما يزيد على الف فائدة وتمنى رحمه الله تعالى ان يفردها بتصنيف مستقل الا ان المنية اقترمته ولم يصنف رحمه الله تعالى فيها شيئا وكون هذه القصة مشتملة على العبرة لا تختص بذلك دون سائر الانبياء والرسل بل جميع قصص الانبياء والرسل وللامم السابقة التي قصها الله عز وجل علينا في القرآن هي مشتملة على ذلك. لكنها اختصت بما ذكره الله عز وجل في صدرها لقد كان في يوسف واخوته ايات للسائلين يعني علامات وعبرا لمن رام الهداية والاسترشاد وانما انتظم فيها ما ذكر المصنف رحمه الله تعالى من كونها مشتملة على ايات وعبر طوع لكل من يسأل ويريد الهدى والرشاد لما فيها من تنقل عبد الله يوسف عليه الصلاة والسلام من حال الى حال ومن من محنة الى محنة ومن منحة الى منحة ومن ذل ورق الى ملك وعز ومن فرقة وشتات الى اجتماع وادراك غاية ومن حزن وترح الى سرور وفرح الى اخر ما ذكر ففيها مصداق قول الله سبحانه وتعالى لتركبن طبقا عن طبق قال اكثر اهل العلم بالتفسير لتركبن حالا بعد حال فمن حال الضعف الى القوة ومن القوة الى الضعف ومن المرض الى الصحة ومن الصحة الى المرض ومن الحزن الى الفرح من الفرح الى الحزن وقد جاء هذا جليا في تضاعف قصة يوسف عليه الصلاة والسلام كما سيذكره المصنف رحمه الله تعالى فيما يستقبل من كلامه نعم فمن فوائد هذه السورة ان فيها اصولا لعلم تعديل الرؤيا فان علم تعديل رؤيا علم عظيم منهم من بناه على حسن الفهم عبوري من الالفاظ والمحسوسات والمعنويات او ما يناسبها بحسب حال الرائي وبحسب الوقت والحال المتعلقة بالرؤيا فقد اثنى الله على يوسف عليه الصلاة والسلام بعلمه بتأويل الاحاديث تأويل احاديث الاحكام الشرعية والاحاديث المتعلقة بتعديل الفرق بين الاحلام التي هي اضعف احلام لا تأوي لنا مثل ما يراه من يفكر ويطيل تأمله لبعض الامور فانه كثيرا يرى في منامه من جنس ما يفكر به في اليقظة فهذا النوع الغالب عليه النوابات احلام لا تعبير له. وكذلك نوع اخر ما يلقيه الشيطان على روح النائم من المراعي الكاذبة والمعاني المتخبطة فهذه ايضا لا تعبير لها. ولا ينبغي للعاقل ان يشغل فكرة اول ينبغي له ان يلهاء عنها. واما الرؤية الصحيحة فهي اماكن يلهمها الله للروح عند تجردها عن البدن وقت النوم انسان مضروبة يضربها الملك للانسان ليفهم بها ما يناسبها. وقد يرى الشيء على حقيقته ويكون تعبيره هو ما رآه في منامه ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة اجل فوائد سورة يوسف ذلك انه لكل سورة من القرآن عمود ونظام تجتمع فيه اجل مقاصدها واجل مقاصد سورة يوسف انه قرر فيها ما لم يقرر في غيرها من القرآن من اصول عظيمة لعلم جليل وهو علم تعبير الرؤيا. فان علم تعبير الرؤيا علم عظيم وهو من جملة علوم الوحي وقد ذكر ابو عمر ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتاب جامع بيان العلم وفضله ان مالكا رحمه الله تعالى كان يغضب اذا خبر تعبير الرؤيا من لم يكن عنده علم. وكان يقول الرؤيا من الوحي ولا يدرك الوحي الا بالعلم. وهذا هو الذي اتفق ليوسف عليه الصلاة والسلام فانه لم يبلغ هذا المقام من اصابة التعبير للرؤيا وفهمها الا لما كان عليه من علم جريء فان الله سبحانه وتعالى اثنى على يوسف عليه الصلاة والسلام بعلمه بتأويل الاحاديث وهذه الاحاديث التي مدح يوسف عليه الصلاة والسلام بالعلم بها نوعان اثنان الاول الاحاديث الشرعية وهي الاحاديث المشتملة على بيان الشريعة المنزلة عليه والثاني الاحاديث القدرية وهي الاحاديث التي تشتمل على التعريف باقدار الله سبحانه وتعالى ومن جملتها المنامات والرؤى. فان العبد في منامه اذا رأى شيئا فانما يتعلق بهذا الشيء حكم قدري. اما الحكم الشرعي فعامة الاصوليين على عدم بالرؤيا في الاحكام الشرعية. وانما تكون في حق صاحبها الهاما يلهمه الله سبحانه وتعالى اياه ليثبت به قلبه كما ذكره الزركشي وغيره فاذا رأى الانسان شيئا متعلقا بالاحكام الشرعية فان ذلك المنام الذي رآه لا يعدو ان يكون مثبتا له. فان خالف الشريعة الظاهرة فلا التفات اليه وقد وقع هذا لجماعة من العلماء فقد روى الطبراني رحمه الله تعالى في كتابه مكارم الاخلاق حديث النعمان ابن بشير رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم الى اخر الحديث المخرج في الصحيحين ثم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسألته عن هذا الحديث فقال صحيح صحيح ثلاثة ولابن رجب رحمه الله تعالى في احدى المسائل في كتاب فتح الباري شيء من هذا في اخرين من اهل العلم لكنه لا يعدو ان يكون مطمئنا لهم اما الجزم بالحكم الشرعي عن طريق الرؤيا والمنام فانه لا يعول عليه البتة. والمقصود ان تعرف ان الرؤى والمنامات مردها للاحكام القدرية وقد اعطي نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام علما عظيما بها. ثم نبه المصنف رحمه الله تعالى الى تفريق بين الرؤى والاحلام. وهذا التفريق مبناه على الاسم الشرعي. اما باعتبار الوضع اللغوي فان الرؤيا يقع على كل ما يراه الانسان في منامه. اما الرؤيا في الشرع فانها مختصة بالبشرى الصالحة التي سر المؤمن وقد ثبت في الصحيح ان ما يراه النائم في نومه لا يخرج عن ثلاثة اشياء احدها حلم هو تحزين من الشيطان وثانيها حديث النفس الذي يحدث به العبد نفسه قبل نومه ويغلب على قلبه فيراه مصورا في منامه وثالثها البشرى الصالحة التي تسره فهؤلاء جميعا يشملهن اسم الرؤيا باعتبار الوضع اللغوي. اما باعتبار الوضع الشرعي فان الرؤيا مختصة بما كان مشتملا على البشرى الصالحة لان الرؤيا من الله والحلم من الشيطان كما ثبت في الحديث فاقتضى هذا التفريق بين الوضع اللغوي والشرعي فمن ادعى ان الرؤيا اسم للجميع باعتبار مطلق ولم يفرق بين الوضعين فقد اخطأ وخالف ما ثبت في الاحاديث الصحاح. وما يراه الانسان من الاحلام هو اضغاث لا التفات اليها. بل كما ثبت في الصحيح هي تحزين من الشيطان. ولذلك امر العبد بان يتعوذ من الشيطان اذا رآها والا يذكرها لاحد البتة. واما حديث النفس فهو الحديث الذي يجري على قلب الانسان مما يشتغل به في نهاره فيراه مصورا في منامه وهذا العلم العظيم وهو تعبير علم الرؤيا مبني على حسن الفهم والعبور من الالفاظ والمحسوسات والمعنويات التي تذكر للمعبر فيعبر منها الى معرفة مآل هذه الرؤيا وغايتها او يستدل وبشيء من حال الرأي ووقته بتفسير رؤياه كما وقع ليوسف عليه الصلاة والسلام فان يوسف عليه الصلاة والسلام استعمل هذا وهذا هذا فعبر الرؤيا تارة بالنظر الى الالفاظ والمعاني التي اشتملت عليها وتارة باعتبار حال الرائي وهو الملك كما سيأتي باذن الله سبحانه وتعالى ثم نبه المصنف الى تعريف الرؤيا الصالحة وانها الهامات يلهمها الله للروح عند تجردها عن البدن وقتا نوم او امثال مضروبة يضربها الملك للانسان ليفهم بها ما يناسبها ثم ذكر ان ما يراه الانسان من الرؤى في المنام اما ان يكون على حقيقته فيتبدى في عالم الشهادة ما رآه في عالم الغيب في منامه بصورته وفصه دون غموض ولا اماء فيه. وتارة يكون على وجه غامض حتى اذا عبر باستعمال النظر الى الالفاظ والمعاني او حال الرائي وما يناسب زمانه ومكانه فعند ذلك يتوصل الى تأويل هذه الرؤيا نعم فيوسف صلى الله عليه وسلم اعطاه الله من العلم ما يميز به بين المرء الصحيحة والباطلة والحق والباطل منها. وهذه فيها الدلالة على تعبير رؤيا من وجوه احدها رؤيا يوسف التي قصها على ابيه يعقوب صلى الله عليه وسلم. اذ قال يوسف في هذه النيابة اني رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. ففسرها يعقوب صلى الله عليه وسلم بغاياتها وما تؤول اليه وبوسائلها التي تتقدم عليها. ففسر الشمس والقمر بابي يوسف وامه والكواكب قبل احد عشر باخوته وان الحال سيكون مآلها. ان الجميع لا يسجدون له يوسف ويخضعون له ولهذا لما حصل الاجتماع ودخلوا وابوه وامه واخوته مصر. ورفع ابويه على العرش خر الجميع له سجدا وقال يوسف متذكرا ذلك التعبير والتفسير. يا هذا تأويل رؤيا يمين قبل جعلها ربي حقا. وهذا امر عظيم اتصل بيوسف وفي الحال ان يكون معظما تعظيما بليغا عند ابويه واخوتي وكذلك عند الناس. وهذه الغاية تستدعي وسائل ومقدمات لا تحصل الا بها وهو العلم كثير العظيم والعمل الصالح اخلاص والانتباه من الله والقيام بحق الله وحقوق الخلق ولهذا قال سبحانه بذكر السبب الموصل لهذه الغاية الجليلة ذلك يجلس بك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ونعمته عليك وعلى ال يعقوب كما اتمها على ابويك ما قبل ما قبل ابراهيم واسحاق ان ربك عليما حكيم. يعني لابد ان يتم الله عليك نعمته بتعليم العلوم النافعة والاعمال الصالحة والاجتداء من الله وحصول الاخلاق الجميلة والمقامات الجليلة فتبشره بحصول هذه الامور. ثم بالوصول الى رفعتي بالدنيا والاخرة. وفي ضمنها للتقدير من يعقوب ليوسف بشارة له وتسهيل لما سيناله من المشقات والكروب مع اخوته وفي السجن فان من علم ان المكاره والمشقات تفضي الى الخير والراحة تسلى وهانت عليه مشقتها وسهلت عليه وقاتها وحصل بذلك من اللطف شيء عظيم وهذا من جملة اللطف الذي اشار اليه في قوله ان ربي لطيف لما يشاء وهذا من مقتضى حكمة الله ان المراتب اليات لا تنال الا بالوسائل الجليلة. ولهذا قال ان ربك عليم حكيم ومن فوائد هذا التعذيب لرؤيا يوسف بشارة المصنف رحمه الله تعالى هنا من دلائل هذه السورة على تعبير الرؤيا وتأصيل علمها ما وقع من قصة يوسف في مبدأ امره لما رأى احد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم له ساجدين فقصها على ابيه وفسرها يعقوب عليه الصلاة والسلام ومأخذ تفسير يعقوب في قوله لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا. فان هذا تفسيرا للرؤيا على وجه الاشارة لانه عرف من هذه الرؤيا ان الله سبحانه وتعالى يرفع هذا العبد على سائر اهل زمانه لا يحصل الكيد الا لمن رفع فنهاه حينئذ عن قصد هذه القصة عن اخوته فالقول بان يعقوب فسرها قول فيه قوة وان كان اكثر اهل العلم على خلافه. ووجه قوته ان في لا تقصص رؤياك اشارة الى ذلك. لانه علم ان الله سبحانه وتعالى يرفعه عليهم. وما حل به من الحزن والشدة غير مستغرب مع معرفته بمآل هذه الرؤيا. لانه لم يعرف الطريق الموصل اليها. وانما عرف الغاية والنهاية فلما غمض عليه معرفة الطريق التي تحصل بها الرفعة ليوسف عليه الصلاة والسلام وطال عليه الامد حينئذ قبضت عيناه من الحزن وهذا المآل الذي يؤول اليه يوسف عليه الصلاة والسلام من كونه عظيما بين الناس مرفوعا عليهم تدعي وسائل ومقدمات كما ذكر المصنف لا تكون الرفعة الا بها وهي العلم الكثير والعمل الصالح والاخلاص والاجتباء من الله والقيام بحق الله وحقوق خلقه فلما تبوأ يوسف عليه الصلاة والسلام هذه المنزلة من القيام بحق الله وحق خلقه اتم الله عز وجل عليه نعمته فعلمه العلم النافع ويسر له العمل الصالح واجتباه اليه وحصل له من الاخلاق الجميلة والاوصاف الجليلة والمقامات الرفيعة ما لم يحصل لاحد من اهل زمانه وفي ظمن هذا التعبير كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى في ضمن هذا التعبير من يعقوب اليوسف بشارة له وتسهيل لما سيناله من المشقات والكروب مع اخوته. فان العبد اذا عرف مآله من الرفعة ثم لقي في سبيل ذلك مشقة وعناء تصبر لانه يعرف ان نهاية امره ان يصل الى ما يرومه من الرفعة والمنزلة. فحصل هذا الخبر الصادق من الترويح عن يوسف عليه الصلاة والسلام واللطف بحاله ما لم يكن يحصل بدونه وقد عقد المصنف رحمه الله تعالى في اخر كتابه المواهب الربانية فصلا في بيان لطف الله سبحانه وتعالى بعباده من جملة ذلك اللطف لطفه بعبده يوسف عليه الصلاة والسلام وسبق بيان ما فيه من المعاني في درس المواهب الربانية وهو احد دروس برنامج اليوم الواحد لا ومن فوائد هذا التعبير لرؤيا يوسف وبشارة عظيمة ليعقوب وام يوسف واخوته بحصول الرفعة والصلاح والخير. ويعقوب وصلى الله عليه وسلم من اكابر الانبياء وافاضل الاصفياء وامه لها من الخير والصلاح والرفعة في الدنيا والاخرة. حيث شبهت بالشمس او قبل على اختلاف القولين واخوة يوسف وان كان قد جرى منهم في حق اباهم ما اخاهم من الاذية والعقوق. والقطيعة ما جرى ولكن ابا فهم عفا عنهم واستغفر الله تعالى ارحم الراحمين في الشمس والقمر والنجوم تضمنت النور والارتفاع. ولكنها متفاوتة بحسب التفاوت بين الابوين وبين الاخوة. فالحاصل ان هذه الرؤية تضمنت ما حصل ليوسف صلى الله عليه وسلم من الدنيا والاخرة والمقامات العظيمة والوسائل والمنن التي اوردتها هذه الامور وما حصل لابويه واخوته بالمشاركة في في خير الدنيا والاخرة. والله تعالى اعلم. ذكر المصنف رحمه الله تعالى من جملة فوائد هذا التعبير لرؤيا يوسف عليه الصلاة والسلام البشارة العظيمة ليعقوب عليه الصلاة والسلام وام يوسف واخوته بحصول الرفعة والصلاح والخير لهم. فانه رأى عليه الصلاة والسلام لا هو وامه واخوته في حال سجود الله والسجود دلالة على الصلاح. وكان هو مرفوعا عليهم باعتبار ما نال من الرفعة والمقام الحسن. فبعد ما وقع منهم ما وقع مع ابيهم واخيهم قبل الله سبحانه وتعالى توبتهم ورفع مقامهم وكان في سجودهم في الرؤيا التي رآها يوسف عليه الصلاة سلام اخبار عن مآل حالهم بما يكونون اليه من الرفعة واجتمعت في هذه الرفعة رفعة ابوي يوسف عليه الصلاة والسلام يعقوب وزوجه ام يوسف وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى من الشمس ومن القمر في تلك الرؤيا ايعقوب الشمس وامه القمر او العكس على قولين لا يظهر دليل قوي في ترجيح احدهما على الاخر ومن لطائف الاوصاف القرآنية ان هذه الاية جاء فيها جعل يعقوب وزوجه ام يوسف وابنائه في منزلة الرفعة من السماء شمسا وقمرا وكواكب ووصف نبينا صلى الله عليه وسلم بما هو اكمل من ذلك فجمع له صلى الله عليه وسلم من الوصف ما في القمر من الكمال وما في الشمس من الكمال. فقال الله سبحانه وتعالى يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا فالسراج وصف للشمس والانارة وصف للقمر. لكن لما كانت الشمس سراجا وهاجا لم يوصف النبي صلى الله عليه وسلم بالوهج متضمن الاحراق وانما اخذ له صلى الله عليه وسلم وصف القمر وهو الانارة. ولما كانت الانارة قد تضعف احيانا جيء بوصف السراج للعلم بان هذه الانارة لا تخبو ولا تضعف كما تضعف انارة القمر بالنسبة في الشمس فجمع للنبي صلى الله عليه وسلم بين الوصفين تحقيقا لكماله صلى الله عليه وسلم وعلوه على جميع الكواكب الموضوعة في السماء. وقد ذكر هذا المعنى شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الجواب الصحيح وتلميذه ابن القيم في هداية الحيارى