اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات. قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى. الفصل الثالث هو من فوائد هذا القصة انه يتعين على الانسان ان يعزل بين اولاده وينبغي له اذا كان يحب احدهم اكثر من غيره ان يخفي ذلك مهما امكنه والا يفضلهم بما يقتضيه الحب من ايثار بشيء من الاشياء فانه اقرب الى صلاح الاولاد وبرهم به. واتفاقهم فيما بينهم من هذا لما ظهر لاخوته من محبته يعقوب الشديدة ليوسف وعدم صبره عن انشغاله به عنهم سعوا في امر وخيم وهو تفريق بينه وبين ابيه. فقالوا ليوسف واخوه احب الى ابينا منا ونحن اسوة ان ابانا لفي ضلال مبين اقتلوا يوسف وهذا صريح جدا سبب الذي حملهم على ما فعلوا به يوسف ومن التفريق بينه وبين ابيه هو تمييزه بالمحبة خلاف ما ذكر كثير من المفسرين ان يوسف واخطرهم برؤياه فحسدوا لذلك فانه مناف للاية الكريمة وسوء ظن بيوسف وحيثمه ابوه فقال يا بني لا تقل وياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا فيوصف اضر واعقل من ان يخبرهم بها ولكن كثير من الاسرائيليات تروج على كثير من الناس مع ان قل تأمل في النصوص الشرعية يعلمه وهم ببطلانها والمقصود ان الذي حمل اخوة يوسف على ما فعلوا. هو تمييز يعقوب ليوسف ومع هذا فلا يحل هذا لا يحل هذا الامر الشنيع وهم يعلمون انه لا يحل لهم ولكنهم قالوا افعلوا هذا الجرم العظيم وتوبوا الى الله بعده فلهذا قالوا وتكونوا من بعد قوم صالحين وهذا لا يحلان واقع العبد الذنب باي حالة يكون ولو اضمر انه سيتوب منه. فالذنب يجب فاذا وقع وجبت التوبة منه. ولعل من حكمة الله ورحمته بيعقوب ما قدره عليه من الفرقة التي احدثت له من من المصيبة ما احدثت دفعة لمقاماته في الدنيا والاخرة. فليكون للنعمة عند حصول الاجتماع لها الموقع الاكبر والشكر الكبير والثناء او على الله بها وليصل ولده يوسف الى ما وصل اليه من المقامات الجليلة وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى ان تحبون شيئه وهو شر لكم. والله يعلم وانتم لا تعلمون. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا الفصل الثالث جملة من فوائد هذه القصة صدرها بوجوب العدل بين الاولاد وهذا هو الذي ارشدت اليه الشريعة الاسلامية التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث النعمان رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اعدلوا اولادكم فامرت الشريعة الغراء بالعدل بين الاولاد لان التفضيل بينهم يوجب بغض لبعضهم ببعض. ولهذا لما ظهر لاخوة يوسف محبة ابيهم لابنه يوسف اكثر منهم عند ذلك كادوا له. ووقع منهم ما وقع معه فانهم فعلوا ما فعلوا بحجة قولهم ليوسف واخوه احب الى ابينا منا ونحن عصبة ان ابانا لفي ضلال مبين فالسبب الذي حملهم على ما فعلوه بيوسف من التفريق بينه وبين ابيه وتمييزه بالمحبة وانما اختص فعلهم الذي فعلوا بيوسف مع انهم ذكروا ان اخاه ايضا مشارك له في هذه المحبة انما فعلوا ما فعلوا لان يوسف اشد حبا الى ابيه من اخيه. والدليل ان الله سبحانه وتعالى قدمه على لسانهم في الذكر فقال ليوسف واخوه فلو كان ذلك الاخ احب الى يعقوب لقدموه. لكن لما كان يوسف هو الاحب قدم ولما قدم ما قدم له العمل على اخيه فاحتالوا له في فعل ما فعلوا كما ذكر الله سبحانه وتعالى في خبرهم في سورة يوسف عليه الصلاة والسلام وذكر بعض المفسرين ان الذي اوجب هذا الفعل منهم انهم علموا برؤيا يوسف بخبره. وهذا القول ظاهر الضعف لانه مخالف لظاهر الاية الثالثة كما ان فيه اساءة للظن بيوسف لان اباه استكتمه الخبر. والظن الحسن به انه لا يظهر على هذا الخبر احدا. ثم نبه المصنف رحمه الله تعالى الى ان اولئك الاخوة فعلوا ما فعلوا وقد عزموا على ان يتوبوا الى الله سبحانه وتعالى اذ قالوا وتكونوا من بعده قوما صالحين والعزم على التوبة من الذنب بعد فعله لا يحل مواقعة الذنب بل يأثم العبد بمجرد المواقعة ولعله يعزم على التوبة من الذنب بعد مواقعته فلا يوفق الى ذلك كما قال الله سبحانه وتعالى واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه في سورة الانفال قال علقمة هو الرجل يريد ان يتوب فلا يتوب ويريد ان يهتدي فلا يهتدي. فقد يقع في في قلب الانسان انه يذنب ثم يعزم بعد الذنب ان يتوب وما يدري المسكين انه ربما اذنب فجره ذلك الذنب الى المسارعة في المعاصي فلم يوفق الى التوبة منها. قال ابن القيم رحمه الله الله تعالى الذنوب جراحات وربما اصاب جرح في مقتل فربما اذنب العبد ذنبا لم يتمكن من التوبة منه بعد وقوعه واشد ما يكون هذا في البدع المخالفة للشريعة وقد جاء في حديث عند احمد وغيره صححه بعضهم وفيه مقال ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله لا يقبل التوبة صاحب بدعة قال الامام احمد رحمه الله تعالى لما سئل عن هذا الحديث فيما ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد والسفارين في رداء الالباب قال ايوفق الى التوبة انتهى كلامه. وذلك ان صاحب البدعة يعملها دينا. ويتقرب بها الى الله فيحول ذلك بينه وبين تركها. فينبغي ان لا يسول العبد لنفسه مواقعة الذنوب ويمنيها التوبة منها. فانه ربما وقع الذنب ثم لم يتيسر له التوبة منه ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان من حكمة الله عز وجل ورحمته بيعقوب ما قدره عليه من الفرقة التي احدثت له من الحزن والمصيبة ما اوجب رفعة لمقاماته في الدنيا والاخرة. وكأن الرب سبحانه وتعالى ارى يعقوب عليه الصلاة والسلام اثر التمييز بين الاولاد بما وقع من اولئك الاولاد في حق ثم ما جرى عليه الصلاة والسلام عليه من الشدة والحزن وفي هذا غاية التأديب ليعقوب عليه الصلاة والسلام اذ عرف ما يؤول اليه الامر اذا فرق بين اولاده وهذا يوجب ان يكون عاجلا بينهم فيما يستقبل من حاله نعم فمن فوائدها الحث على التحرز مما يخشى ضرره لقوله يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدونك كيدا وما فيها من التأكيد عليهم في حفظه حين ارسله معهم ثم عند ارسال اخيه بنيامين بعد ذلك اخذ عهودهم ومواثيقهم وهم على ذلك فالانسان مأمور بالاحتراق. فان نفع فذاك والا لم يلم العبد نفسه. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا فائدة ثانية من فوائد قصة يوسف عليه الصلاة والسلام وهي الحث على التحرز مما يخشى ضرره وذلك لقوله سبحانه يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا فحذر يعقوب عليه الصلاة والسلام ابنه يوسف من قصد تلك الرؤيا على اخوته لان ذلك ينشئ كيدهم له وفي هذا امر بالتحرز مما يخشى ضرره في المستقبل وقد وقع هذا مرة ثانية من يعقوب عليه الصلاة والسلام اذ قال لبنيه لا تدخلوا من باب واحد وهو امر بهذا الامر حثا على التحرز مما يخشى ضرره نعم ومنها ان من الحزم اذا اراد العبد فعلا من الافعال ان ينظر اليه من جميع نواحيه. ويقدر كل احتمال ممكن وان الاحتراز بسوء الظن لا يضر اذا لم يحقق بل يختلز من كل احتمال يخشى ضرره. ولا تضمن ظن السعي بالغير اذا كانت تدل عليه قصاده كما في هذه الاية وكما قريت القرائن في قوله الا كما عملتم على اخيه من قبل فانه ولا اله يعقوب اذا ظن بهم هذا الظن وان كانوا في الاخر الاخير لم يجري منهم تفرية ولا تعج ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا الفصل فائدة ثالثة وهي انه من الحزم وكمال العقل اذا اراد العبد فعلا ان ينظر الى ذلك الفعل من كل جهة ويقدر كل احتمال ممكن فيجعل لهذا الامر وجوها عدة باعتبار ما قد يتصرف عليها حتى اذا وقع على احدها لم يكن ذلك مفاجئا له بل كان متوقعا منه ومن جملة ذلك ان الاحتراز بسوء الظن لا يضر اذا لم يحقق. يعني اذا لم يكن اعتقادا جازما بان حال المظنون به على تلك الحال السيئة. وانما يفعله العبد على وجه الاحتراز دون كمال الاعتقاد وفرق بين الجزم باعتقاد السيء في حق احد وبين توقعه منه فيحترز منه دون جزم لانه اذا وقع منه هذا الاحتمال تحرز من ما يتوهم ويخاف ضرره وقد جاء في الحديث وفيه ضعف استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فان كل ذي نعمة محسود فامر العبد في هذا الحديث الذي صححه جماعة بالاحتراز بالكتمان ومن جملة الاحتراز الظن السيء دون تحقق كما وقع ها هنا ويقوى الاخذ بهذا الظن السيء يقوى اذا كانت القرائن تدل عليه وتقتضيه كما في هذه الاية وكما قويت القرائن فيما وقع من يعقوب عليه الصلاة والسلام فيما استقبل من امر اخوة يوسف مع بنيامين اخي يوسف الشقيق لما سألوا اباه ان يأخذوه الى مصر فذكرهم بما وقع منهم مع يوسف عليه الصلاة والسلام فلا يلام يعقوب اذا ظن بهم هذا الظن. والمقصود ان يعلم ان الاحتراز بسوء سوء الظن جائز ما لم يحقق. اما تحقيق الظن السيء بدون بينة في حق احد. فهذا ذنب لا نعم ومنها الحذر من الذنوب التي يترتب عليها ذنوب اخر ويتسلسل شرها كما فعل اخوة يوسف ابن يوسف. فان نفس فعلهم في جرائم في حق الله وفي حق والديه وقرابته وفي حق يوسف. ثم يتسلسل كذبهم كلما جرى ذكر يوسف وقضيته بهذا الكذب الفظيع ولهذا حين تابوا وخضعوا وطلبوا من ابيهم السماح. قالوا يا ابانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا فائدة رابعة في هذا الفصل وهي التحذير من الذنوب العظيمة التي يترتب على فعلها فعل ذنوب اخر ويتسلسل شرها كما فعل اخوة يوسف وابي يوسف فان نفس فعلهم فيه عدة ذنوب في حق الله وفي حق والديه وقرابته. وفي حق يوسف عليه الصلاة والسلام. ثم تسلسل فلا كذبهم وبهتانهم كما قصه الله عز وجل في هذه القصة ولذلك ذكروا انهم كانوا خاطئين والخاطئ وصف يتحقق فيمن عظم ذنبه. ولذلك قال الله سبحانه وتعالى في حق اهل النار لا يأكله الا فلما عظمت ذنوبهم وصار مآلهم النار صار ذلك طعامهم وامهات الذنوب هي كما سلف الذنوب العظيمة وقد جاءت الشريعة بتسميتها باسم الكبائر. فان الكبائر هي امهات الذنوب. الا ان هذه الكبائر ايضا متفاوتة في كون احدها اما دون الاخر. واعظم الذنوب اما يتسلسل به الشر كله هو الشرك بالله سبحانه وتعالى ولذلك قال الله ان الشرك لظلم عظيم. ووصف بكونه ظلما عظيما لانه ينتج منه سرور كثيرة وكما ثبت عند النسائي بسند صحيح من قول عثمان موقوفا وروي مرفوعا عند الدار قطني وغيره باسانيد ضعاف انه قال الخمر ام الخبائث وجعلت اما لانه يتسلسل منها شر كثير وخطر عظيم. نعم ومنها ان بعض الشر اهون من بعض فحين اتفقوا على التفريق بين يوسف وابيه ورأى اكثرهم ان القتل يحصل به الابعاد الابدي قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف والقوا في غيابة الجد يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين فخف هذه الشر عنهم ولهذا لما وردت السيارة الماء وعدل واردهم دلوه تبشر بوجوده وقال هذا غلام وكان وتحوله فقالوا انه غلام ابق مما تبايع وتبايعوه معهم. فشروه بثمن بخس من دراهم معدود وكانوا فيه من الزاهدين. وانما قصدهم ابعاده والتأكيد على مشتريه منهم. ضرورة ان يحتفظ به لا يهرب ومن لطف الله ان الذي اخذه عندك صورة ولا ظرورة؟ صورة هي ضرورة الصحيح اذا رجعت انت نسخة المعنى المعنى خايف منهم ضرورة ان يحتفظ به لان لا يهرب ومن لطف الله ان الذي اخذه وباعه في مصر على ازيدها. فحين رآه رغب جدا واحبه وقال لامرأته اكرمي مثواه عسى ان ينفعنا او نتخذه ولدا فبقي مكرما عندهم فمن الاعمال الشاقة وغيرها متجردا للخير. وهذا من اللطف به يسمع لهذا قال وكذلك مكنا ليوسف في الارض ولنعلمه او من تأويل الاحاديث فكان تبرغه عند العزيز من اسباب تعلمه للعلوم النافعة ليكون اساسا لما بعده من الرفعة في الدنيا كما ان رؤياه مقدمة اللطف وكما ان الله اوحى اليه حين القى اخوته بالجب لتنبئنهم بامر ماذا هم وهذه بشارة لنا وبالنجاة مما هو فيه وانه سيصل الى امرئهم بامرهم وهم لا يشعرون. وقد وقع ذلك في قولها علمتم ما فعلتم باصواحه اذا انتم جاهلون. الى اخر الايات والطاف المولى لا تخضوه على البال. ذكر يصنف رحمه الله تعالى في هذا الفصل فائدة خامسة من قصة يوسف عليه الصلاة والسلام هي ان بعض الشر اهون من بعض فحين اتفق اخوة يوسف على التفريق بين يوسف وابيه ورأى اكثرهم ان القتل يحصل به الابعاد الابدي قال قائل من اخوة يوسف لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب. فنقلهم من قتله الى رميه في ظلمة الجب وذلك ليلتقطه بعض السيارة يعني المسافرين الذين يمرون بالبئر ليتزوجوا بمائها فانهم يرفعونه من البئر ثم يخرجونه اليهم ويضمونه الى رحالهم فيكون بين ارحلهم فينتقلوا من هذه البلاد التي فيها الى بلاد المسافرين التي يستقرون فيها. ولهذا لما وردت السيارة وهم القوم المسافرون الماء وادلى والدهم يعني من بعثوه ليسقيهم ادلى دلوه تبشر بوجوده وقال هذا غلام ثم كان اخوته بمكان قريب منه فقالوا انه غلام ابق منا وتبايعوه معهم من اين ذكر المصنف رحمه الله تعالى وصف ابق يعني هارب مع ان القرآن ليس فيه ذلك من اين هذا غلام لكن لا يقتضي ابر خوذ ابر من اين جاب ابر؟ يعني هارب طيب كيف صح انه ابق ايه لكن اين في القرآن ابق موجودة في الجو احسنت وجوده في الجب وجوده في الجب الاصل لو كان غير ابق يكون في العلو ولا في السبل في العلو لكن لما كان في الجب يعني مختفيا ولهذا لما كان في الجب لم يكن مقيدا لانه لو كان مقيدا علم انه بغير اختياره وارادته ولكن لما كان مطلقا طليقا وهو في الجب عند ذلك صح فيه وصف انه ابق فقولهم هذا غلام فيه الاشارة الى انه افق لانه كان في الجب. ولهذا جاء التأكيد انهم دعوا بثمن بخت والغلام الابق هو الذي يباع بثمن ام الغلام النافع لسيده الغلام الابر اما النافع لسيده يباع بثمن عظيم نعم. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان قصد هؤلاء الاخوة مما فعلوا من بيوسف ابعاده والتأكيد على مشتريه ضرورة ان يحتفظ به ان الله سبحانه وتعالى بعد ذلك لطف بعبده يوسف فباعه ذلك الرجل الذي اشتراه باعه على عزيز مصر فرغب فيه عزيز مصر اكرم مثواه واعفاه من الاعمال الشاقة. وجرده للخير فتمكن يوسف من اسباب تعلم العلوم من نافعة في ذلك الزمن عند عزيز مصر وكان ذلك مقدمة لدفعته في الدنيا والاخرة كما ان رؤياه مقدمة للطف به واوحى اليه الله سبحانه وتعالى بما اوحى من انه يخبر اخوانه عما فعلوا ذلك بشارة له بالنجاة مما هو فيه. وكل هذا من النعم التي انعم الله عز وجل بها على يوسف عليه الصلاة والسلام ومن الطاف الله سبحانه وتعالى التي لا تخطر على بال. نعم ومنها ان العبرة في حال العبد بكمال النهايتنا بنقص البداية وذلك لان اخوة يوسف جرى منهم ما جرى من هذه الجرائم. لكن في الى الله وطلبوا السماح من اخيه فحصل لهم السماح التام والعفو الكامل فعفا الله عنه ووصلهم الى الكمال لله قديم. قيل ان الله جعل من بها كما قاله غير واحد من المبسرين في تفسير الاسباط انهم اخوة يوسف والاثنى عشرة حينما كانوا قوما صالحين كما قال واخرون وهو الظاهر لان المراد بالاسباط قبائل بني اسرائيل وهو اسم لعموم قبيلتنا لاولاد يعقوب الاثنى عشر منهم وهم اباء الاسباب وهم من الاسباط ولهذا في رؤيا يوسف رأهم بمنزلة الكواكب في اشراقها وعلوها وهذه صفة العلم والايمان والله اعلم ولهذا تفسروا رؤيا الشمس والقمر والكواكب بالعلماء والصالحين وقد تفسر بالملوك والمناسبة ظاهرة ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا فائدة سادسة من الفوائد المنتظمة في هذا الفصل وهي ان العبرة في وصف العبد كمال نهايته لا نقص بدايته. لان العبد في اول امره يكون على حال النقص ثم لا يزال يترقى حتى يصل الى المرتبة العليا. وقد ذكر هذا المعنى ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية وقال العبرة لكمال النهاية لا بنقص بداية وقد وقع هذا في حق اخوة يوسف عليه الصلاة والسلام فانهم في مبدأ امرهم قارفوا ذنوبا واقطع في حق ابيهم وام يوسف واخيهم يوسف عليه الصلاة والسلام ثم عفا الله سبحانه وتعالى عنهم وغفر ذنوبهم واوصلهم الى الكمال اللائق بهم وقد اختلف اهل العلم في الكمال الذي صاروا اليه على قولين اثنين احدهما انهم صاروا انبياء وهم الاسباط المذكورون في القرآن والقول الثاني انهم كانوا قوما صالحين وهذا القول الثاني اصح واظهر فالاسباط هي قبائل بني اسرائيل وهو اسم لعموم القبيلة والانبياء لا تقع منهم الذنوب التي وقعت من اخوة يوسف عليه الصلاة والسلام. فالاصح ان اخوة يوسف كانوا قوما صالحين ولم يكونوا من الانبياء والمرسلين ثم كانوا هم اباء الاسباط والاسباط هي بطون بني اسرائيل كما يقال في العرب قبائل فالبطون من العرب قبائل ومن بني اسرائيل اسفار وكان اخوة يوسف هم اباء اسباط بني اسرائيل ولهذا كانوا في رؤيا يوسف بمنزلة الكواكب في اشراقها وعلوها فانهم كانوا قوما صالحين خرج من دلاليهم اسباط بني اسرائيل الاثني عشر وكانت فيهم الانبياء. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى من قواعد الرؤيا ان رؤيا الشمس والقمر والكواكب يبصر بالعلماء الصالحين وهذا في الغالب الاعم لما لها من الرفعة وقد تفسر بالملوك وذلك انه لهم رفعة تناسبهم وهي رفعتهم في الدنيا نعم ومنها تكبير يوسف صلوات الله عليه لمراتب الصبر الصبر الاضطراري وهو صبر على اذية اخوتي وما ترتب عليها من بعده عن ابويه فصبري في السجن بماء سنين والصبر الاختياري هو صبر على مراودة سيدة سيدة امرأة العزيز مع وجود الدواعي القوية من جمالها علوي منصبها وكونها هي التي راودتها عن نفسي وغلقت الابواب وهو في غاية ريعان الشباب. فليس عنده معا من قرابته ومعارك الاصليين احد ومع هذه الامور ومع قوة الشهوة منعه الايمان الصادق والاخلاص الكامل منه واقعة المحظور. وهذا هو المراد بقوله الى ان رأى برهان ربه فهو برهان الايمان الذي يغلب جميع القوى النفسية مكانه ومقدم السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا اظن انه هو وهو رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني اخاف الله. ثم بعد ذلك راودته المرأة وراودته واستعان كانت من نسوة اللاتي قد طعن ايديهم فلم تحدث نفسه ولم يزل الايمان ملازما له في احواله حتى قال بعد ما توعدته بقولها ولئن لم يفعلن قال ربي السجن احب الي مما يدعونني اليه فاختار السجن على مواقعة ومع ذلك فلم يتكل على نفسه بل استغاث بربه ان يصرف عنه شرهم. فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن انه هو السميع العليم وكما انه ثمن مراتب الصبر فقد كمل مراتب العدل والاحسان للرعية حين تولى خزائن البلاد المصرية وكمل مراتب العفو والكرم فحين قال له اخوته والله لقد اثرك الله علينا وان كنا لخاطئين. قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين فارتقى صلى الله عليه وسلم الى اعلى مقامات الفضل والخير والصدق والكمال ونشر الله له الثنائي ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا فائدة سابعة منتظمة في هذا الفصل من فوائد قصة يوسف عليه الصلاة والسلام وهي ان الله سبحانه وتعالى كمل يوسف مراتب الصبر والعدل فاما الصبر فذاك انه جمع بين الصبر الاضطراري والصبر الاختياري فقد صبر اضطرارا على اذية اخوته وما عليها من بعده عن ابويه وما وقع من سجنه بضع سنين. واما صبر الافتيان فهو صبره على سيدته امرأة العزيز عن نفسه مع وجود الدواعي القوية من جمالها وعلو منصبها وكونها هي الداعية الى نفسها وتغليقها الابواب هو في غاية ريعان الشباب ولا ريب ان الصبر الاختياري اشد من الصبر الاضطراري فان العبد قد يضطر الى كيف يستسلم له استسلاما؟ واما الاختيار فانه يشق على النفس ويعسر ولهذا استعان يوسف عليه الصلاة والسلام بما يسر الله عز وجل له من البرهان. اذ رأى برهان ربه فكان صادفا له عن جميع المرادات النفسية. وسيأتي بكلام المصنف رحمه الله تعالى بيان معنى البرهان الذي رآه يوسف عليه الصلاة والسلام ثم اخبر ان يوسف عليه الصلاة والسلام صار بذلك مقدم السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله يعني الحديث الوارد في الصحيح عين من حديث ابي هريرة وفيه رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني اخاف الله فكان يوسف عليه الصلاة والسلام هو اول من ذكره الله عز وجل ممن وقعت له هذه الحال ثمان امرأة العزيز لم تقتصر على ما ذكرت له من الدواعي بل استعانت بنسوة اللاتي الطعن ايديهن وحرضن يوسف على الاستجابة لامرأة العزيز فاستغاث يوسف عليه الصلاة والسلام به واختار السجن على مواقعة المحظور فاستجاب الله عز وجل له وصرف عنه الكيد انه هو السميع العليم واما تكميله لمراتب العدل والاحسان للرعية فانه لما تولى خزائن البلاد المصرية كان حفيظا امينا فحفظ الاموال العامة ووصلها الى اهلها بامانة تامة ثم ختم ذلك بالعفو والاكرام لاخوته فعفا عنهم واستغفر لهم. نعم