السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله ربنا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله اما بعد فهذا الدرس التاسع عشر من برنامج الدرس الواحد الثامن والكتاب المقروء في هو الرسالة المغنية للحافظ ابي علي ابن البناء رحمه الله تعالى. وقبل الشروع في اقرائه لابد من ذكر مقدم اثنتين المقدمة الاولى التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد. المقصد الاول جر نسبه هو العلامة الحافظ المتقن الحسن بن احمد بن عبدالله البغدادي المقرئ يكنى بابي علي ويعرف بابن البناء باثبات الهمز اخره وربما حذفت فقيل ابن البنا المقصد الثاني تعريف مولده ولد سنة ست وتسعين وثلاثمائة. المقصد الثالث تاريخ وفاته توفي رحمه الله ليلة السبت الخامس من شهر رجب. من اللي مر علينا اليوم في نفس هذا التاريخ الشيخ حمود رحمه الله خامس رجب ايضا ليلة سبت الخامس من شهر رجب سنة احدى وسبعين واربع مئة. ونهوا من العمر خمس وسبعون سنة. المقصد الثاني المقدمة الثانية التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد ايضا المقصد الاول تحقيق عنوانه اسم هذه الرسالة الرسالة المغنية في السكوت ولزوم البيوت. ويشهد على ذلك عمران اثنان اولهما النسخة الخطية المعتمدة في نشره اذ حملت هذا الاسم والثاني ذكر جماعة له بهذا الاسم كابن حجر والروداني وزاد الروداني في تسميته في كتاب صلة الخلف النافع للانسان في اولاه واخراه وسلامة دينه ودنياه وهذه الجملة مذكورة في ديباجة المصنف. مما يقوي ثبوتها في ضمن الاسم المقصد الثاني بيان موضوعه موضوع هذه الرسالة بيان فضيلة الامساك عن فضول الكلام والمخالطة. المقصد الثالث توضيح منهجه هذه الرسالة من الذخائر المنسوجة على طريقة اهل الحديث. بالرواية المسندة وعقد فيها المصنف تراجم لبيان مقصوده من مروياته وزينها بتحف طراف من الاشعار والاثار. نعم. بسم الله الرحمن الرحيم اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولجميع الحاضرين والمستمعين ولسائر المسلمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله على سيد المرسلين محمد النبي واله الطاهرين. وبعد احسن الله وتوفيقك وصونك وتحقيقك فانك سألت تعجيل رسالة تنفعك في اولاك واخراك. وتجمع لك سلامة دينك فاتيت بها مختصرة يستدل بابوابها على مفهوم خطابها نفعنا الله واياك بها وجميع المسلمين ان شاء الله تعالى باب نجاة الانسان بالصمت وحفظ اللسان. قال حدثنا ابو الفتح محمد بن احمد بن بالفوارس الحافظ املان قال اخبرنا ابو علي محمد ابن احمد ابن حسن الصواف قال حدثنا عبد الله ابن احمد ابن حنبل قال حدثني ابي رضي الله او انه قال حدثنا اسحاق بن عيسى قال حدثني ابن لهيعة عن يزيد ابن ابن عمر عن ابي عبدالرحمن الحبولي عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صمت نجا؟ هذا الحديث اسناده ضعيف لكن رواه ابن شاهين في كتاب الترغيب من حديث عمرو بن الحارث وابن لهيعة ان يزيد به وعمرو ابن الحارث احد الثقات. فصح هذا الحديث بمتابعة عمرو لابن لهيعة التي اخرجها ابن شاهين في كتاب الترغيب. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم من صمت نجا اي من امسك عن ما لا يحتاج اليه من الكلام نجا والمراد بالنجاة حيث اطلقت في عرف الشرع النجاة من عذاب النار. فان حقيقة الفلاح مرهونة بها نعم. قال حدثنا ابو الحسين علي ابن محمد ابن عبد الله ابن بشران سكري معدل قال اخبرنا ابو علي اسماعيل ابن محمد الصفاط قال حدثنا الرمادي قال حدثنا عبد الرزاق قال اخبرنا مع عن الزهري عن ابي سلمة عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله الاخر فليقل خيرا او ليصمت. هذا الحديث مخرج في الصحيحين. وهو قطعة من حديث ان اطول من هذا السياق. وفيه بيان ان من علامات الايمان قول الخير او الصمت. والعبد في منطقه مقسوم على ثلاثة احوال اولها ان يقول خيرا وثانيا ان يقول شرا وثالثها ان يصمت فلا ينطق بشيء والذي جعلته الشريعة دليلا على الايمان وعلامة من علاماته ان يقول المرء الخير فان لم يقل فانه يمسك عن الكلام. وعلم به ان ما لم يذكر من هذه الاحوال الثلاثة انه خلاف الايمان. فالكلام بالشر خلاف الايمان. والولع علامة على ضعف ايمان صاحبه. وكلما ساء منطق العبد كلما ساء حظه من ربه عز وجل وضعفت رتبته عند الله عز وجل. ومما يدل على هذا ما في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة. فان هؤلاء لما ساء منطقهم لفظ قبيح وهو اللعن كان الجزاء حرمانهم من الشهادة والشفاعة. نعم. قال اخبرنا عبدالله ابن يحيى ابن عبدالجبار السكري وقال اخبرنا اسماعيل بن محمد الصفى قال حدثنا عباس الدوري قال حدثنا ابو عاصم عن محمد بن عجلان عن ابيه عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله اليوم الاخر فليقل خيرا او ليسكت. قال اخبرنا ابو الفضل عبدالواحد بن عبدالعزيز قال اخبرنا ابو الفضل عبد واحد ابن عبدالعزيز ابن الحارث التميمي رحمه الله قال حدثنا احمد بن سلمان الفقيه النجاد قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا معاوية رؤية ابن عم قال حدثنا زائدة عن الاعمش عن يزيد عن يزيد ابن حيان عن عنبس ابن عقبة قال قال عبد الله رضي الله عنه والله قال والله قال عبدالله رضي الله عنه هو الذي ليش منعت عن بس من الصبر؟ عن عنبس ابن عقبة. عن عنبس؟ هم. ليس نوعا من الصبر. عن عنبس ابن عقبة. انت قلت عن عنبسة. احسن الله اليك. عن يزيد ابن حيان عن عنبس ابن عقبة قال قال عبد الله رضي الله عنه والذي لا اله الا هو ما على وجه الارض احوج الى طول الى طول سجن اللسان هدى اثر المشهور عن عبد الله ابن مسعود اثر صحيح. وفيه بيان خطر اللسان وشدة شره. حتى انه احق بالحبس المديد من كل شيء على وجه الارض. نعم. قال اخبرنا ابو الحسن محمد بن احمد بن محمد بن رزقويه قال اخبرنا اسماعيل ابن محمد الصفار قال حدثنا احمد بن منصور الرمادي قال حدثنا ابو احمد الزبير قال حدث قال حدثنا عمرو بن عبدالله النخعي قال حدثنا ابو عمرو الشيباني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ان اؤاخذ بكل ما نتكلم به فقال ثكلتك امك ابن جبل وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم لا حصائد والسنتهم؟ هذا الحديث بهذا السياق اسناده صحيح. وقد اخرجه بهذا الاسناد واللفظ الطبراني في الكبير وهو قطعة من حديث معاذ ابن جبل الطويل عند الترمذي وابن ماجة الا ان الطويل لا تخلو اسانيده من ضعف. نعم يحصل بمجموعها تحسينه. لكن هذه الجملة هي اصح ما روي في حديث معاذ وهو احد الاحاديث التي ذكرها النووي رحمه الله تعالى في الاربعين النووية وهي الاربعين التي جعلها في جوامع الاحاديث. وقوله صلى الله عليه وسلم ثكلتك امك ابن بل اي فقدتك وهذا مما يجري على اللسان ولا يراد به حقيقته وانما رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيم الامر عليه ليقر في قلبه فخاطبه بمثل هذا. ثم قال له صلى الله عليه وسلم وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم الا حصائد السنتهم؟ اي من اعظم ما يدخل الناس النار ويوجب لهم الانكباب اي الطرح على المناخر والمراد بالمناخر الوجه لان المنخر محله الوجه. وجاء ذلك في رواية. الا حصائد السنتهم اي الا ما تنتجه السنتهم جعل الكلام الصادر من الانسان على لسانه بمنزلة الحصيدة التي يحصدها الزارع فكما ان الزارع يقصد زرعا مما يبدره ويسقيه فكذلك الانسان يحصد ما يحصد مما يتكلم به. نعم. قال اخبرنا ابو طاهر عبدالغفار ابن محمد بن جعفر بن زيد المؤد من المؤدب قال اخبرنا ابو علي بن الصواف قال حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل قال حدثني قال حدثنا حسن بن موسى قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد ويونس بن عبيد ويونس بن عبيد وحميد عن انس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده هذا الحديث لا يخلو اسناده من ضعف لكن الحديث مروي من وجه اخر من حديث انس وغيره فهو حديث صحيح مروي من حديث جماعة من الصحابة. وفيه بيان ان حقيقة الاسلام منها ان يسلم المسلمون من لسان المسلم ويده والاحاديث التي يأتي فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم المسلم كذا وكذا يراد بها بيان الاسلام فكل حديث جاء فيه ذكر خصلة من خصال المسلم فالمراد بذلك بيان حقيقة الاسلام. فقوله صلى الله عليه وسلم مثلا هنا المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده به معناه ان من حقيقة الاسلام ان تسلم اعراض بينهم. وكقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح المسلم اخو المسلم فمعناه ان من الاسلام عقد الاخوة الايمانية عليه. واطرد هذه القاعدة في كل حديث من الاحاديث المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا. وهي حقيقة الافراد لما فيها من بيان حقيقة الاسلام. فانه بجمع النظير الى النظير في مثل هذه الاحاديث تظهر حقيقة الاسلام الذي ينبغي ان يتعبد المرء ربه به. نعم. قال اخبرنا ابو القاسم يا عبد ابن عبيد الله سمسار الحرفي يقال اخبرنا احمد بن سلمان النجاد قال اخبرنا هلال ابن علا قال حدثنا عمر قال ثنى عمرو بن عثمان قال حدثنا موسى ابن اعين قال قال حدثنا موسى ابن اعين قال حدثنا موسى اعين عن عبدالله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفظ ما بين فقميه ورجليه دخل الجنة. هذا الحديث الذي ذكره المصنف في اسناده ضعف لكنه روي من حديث جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما كحديث سهل ابن والمراد بالفقمين الفكين. كما جاء في بعض الفاظ الحديث من حفظ ما بين فكيه ورجليه دخل الجنة. والمراد بذلك اللسان والفرج. فقد تكفل النبي صلى الله عليه وسلم لمن حفظ لسانه وفرجه ان يدخل الجنة نعم قال اخبرنا ابو منصور محمد ابن رامش قال قدم علينا الحد قال اخبرنا ابو محمد الحسن ابن احمد ابن شيبانا معدل قال اخبرنا محمد بن اسحاق قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال قال الليث ابن سعد مروا براهب فنادوه فلم يجبهم ثم عادوا فنادوا فلم يجبهم فقالوا له لم لا تكلمنا؟ فاطلع عليهم وقال يا هؤلاء ان لساني واني اخاف ان ارسله فيأكلني. اخاف ان ارسله. ان له ان ارسله فيأكلني. نعم. يا هؤلاء ان لساني سبع واني اخاف ان ارسله فيأكلني وانشدنا في معناه احفظ لسانك ايها الانسان لا يقتلنك انه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه كان التهاب لقاءه الفرسان. انشدنا ابو الحسن علي ابن المظفر ابن بدر الشافعي البند البندنجي بها قال انشدنا ابو النعمان عبد الاعلى ابن ابن احمد النجلي قال انشدنا الحسين ابن احمد ابن بسطام ابي النواس خلي جنبيك لرامي وامض عنه بسلام مت بداء الصمت خير لك من داء الكلام فاستفتح بالقول مغاليق الحمام رب قول ساق اجال قيام وفئام انما السالم من الجم فاه بلجام وانشدنا ايضا انت من الصمت امن الزلل ومن كثير الكلام في وجل. لا تقل القول ثم تتبعه يا ليت ما كنت قلت لم اقل وانشدنا اعيذ به. انت من الصمت امن الزلل ومن كثير الكلام في وجل. لا تقل القول ثم تتبعه. يا ليت ما كنت قلت لم اقول اجعلها انت مع الصمت امين الزمن انت مع الصمت امن الزلل هذا اظهر في المعنى. نعم انشدنا ايضا استر العية ما استطعت بصمت ان في الصمت راحة للصموت واجعل الصمت ان عييت وهذا رب قول جوابه في السكوت وقالت الحكماء قوله استر العي العي هو العجز عن البيان وقوله في اخره رب قول جوابه في السكوت قال الاعمش رحمه الله تعالى السكوت جواب. فمن ما يجاب به بعض المتكلمين السكوت عن كلامهم الذي يذكرونه سواء سؤالا او غير ذلك. نعم. وقالت الحكماء مثل الكلمة كالشهم لا يمكن رده وانما جعل للانسان لسان واحد واذنان حتى يكون ما يسمع اكثر من حتى يكون ما يسمع اكثر مما يتكلم. وهو على رد ما لم يقل اقدر منه على ما قد قال وانشدنا ايضا يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرجل فعثرته من فيه تذهب نفسه وعثرته بالرجل تبرأ على مهلي. باب سكوت ولزوم البيوت. قال اخبرنا ابو الحسن يلي ابن احمد ابن محمد ابن داوود الرزاز. قال اخبرنا ابو بكر الشافعي وقال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا داوود ابن عمرو ابن زهير ابن الضب قال حدثنا عبد الله ابن مبارك عن يحيى ابن ايوب عن عبيد الله ابن سحر عن سمعنا اليوما عن عبدالله بن زحر خذ القاعدة الفتحة احسن الله اليكم عن عبيد الله بن زحر عن القاسم عن ابي امامة رضي الله عنه قال قال عقبة ابن عامر رضي الله عنه قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال قال اب قال املك عليك كانت وليسعك بيتك وابكي على خطيئتك. واسناده ضعيف. لكن له شواهد اخرى من حديثه من غير حديث عقبة يثبت بها الحديث. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم املك عليك لسانك هي بمعنى حديث الله ابن عمرو المتقدم من صمت نجا فان السؤال هنا عن النجاة فكأن النبي صلى الله عليه وسلم قال اسكت فتنجو لان ملك الانسان لسانه يلزم منها ان يكون صامتا حاكما للسانه. ومن الناس من يحكمه لسانه فينفرط عليه ولا يستطيع ان يسوسه فيتكلم ما شاء كيفما شاء ولا يفرق بينما ينبغي صدوره في حال وما ينبغي امساكه في حال اخرى. وسبق ان ذكرت لكم ما كان ابو هريرة يقوله لقد حملت على النبي صلى الله عليه وسلم وعائين فاما احدهما فبثثته واما الاخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم فامسك ابو هريرة رضي الله عنه عن شيء مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم لعلمه بان ما ينشأ عن ذلك من الفتنة اعظم وليس مراد ابي هريرة خوفه من تبليغ ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مراده انه لو حدث به وقعت فتنة ادت الى حدوث القتل بين وهذا الذي حبسه ابو هريرة كما قال اهل العلم انما هو المتعلق بتعيين اسماء اهل الفتن و دعاتها في الصدر الاول وما يؤول اليه حال الناس في الملك والولاية ونحو ذلك مما لا يترتب عليه عمل وللشاطبي رحمه الله تعالى في مقدمات الموافقات كلام حسن في معنى اثر ابي هريرة هذا وقوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وليسعك بيتك عبر بالسعة عن الجلوس في البيت لان طبع الانسان اذا حبس نفسه في بيته ان يضيق عليه. فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان لزوم لتحصيل النجاة يجعله واسعا على الانسان. وانما يوسعه على الانسان اشتغاله بما ينفعه فان الانسان اذا لزم بيته واقبل على ما ينفعه صار البيت عليه واسعا. واذا كان فارغ ضاق عليه البيت ولو كان واسعا. ولذلك ارشده النبي صلى الله عليه وسلم الى ما يشتغل به. ليكون البيت عليه واسعا فقال وابكي على خطيئتك. فالبكاء على الخطيئة وشهودها الحامل على الاستكثار من الحسنات يجعل الانسان في لذة مناجاة لربه عز وجل فمهما كان البيت عليه ظيقا في سكنه هو واسع عليه لانه مشتغل بما به راحة قلبه. وهؤلاء الثلاثة التي ارشد اليهن النبي صلى الله عليه وسلم بهن جماع النجاة كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم لان السؤال وقع عن هذا قيل له ما النجاة؟ فقال املك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكي على خطيئتك. وتتأكد هؤلاء الثلاث اذا كان في خروج الانسان خارج بيته حصول امر اضر به في دينه فبقاؤه في بيته وامساك لسانه واشتغاله بخطيئته انفع له في دنياه واخراه. وكلما كان الانسان مشتغلا بالامور النافعة حصلت له مدارج النجاة هذه. واذا كان الانسان فارغا بطالا فانه يجر الى الخروج هؤلاء الثلاث فظلا عن كونه مشتغلا ما حرم الله سبحانه وتعالى فان حاله في البعد عن النجاة اشد واشد فالناس في هذا الامر احد ثلاثة. اولهم امرئ امتثل هذا الحديث ففاز بالنجاة. والثاني امرئ كان فارغا من العمل بما فيه لكنه غير مشتغل بالباطل فهذا على شفا هلكه لان النفس ان لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية ومن حبائل الشيطان التي يكيد بها للنفوس تدريجها في الفراغ والاشتغال بالمفضول عن الفاضل حتى يجترها الى الوقوع فيما حرم الله عز وجل والثالث من اشتغل بما حرم الله سبحانه وتعالى فهو ابعد عن درس هذه المدارج. نعم قال اخبرنا ابو علي الحسن ابن احمد ابن ابراهيم ابن شذان قال اخبرنا من عثمان ابن احمد ابن السماك قال حدثنا جعفر بن محمد الخياط قال حدثنا عبد الصمد ابن ابن يزيد ابن يزيد الصائغ قال سمعت الفضيل ابن عياض رحمه الله والله يقول في اخر الزمان عليكم بالصوامع قلنا وما الصوامع؟ قال البيوت فانه ليس ينجو من شر ذلك الزمان الا صفوة من خلقه وكان يقول ليس هذا زمان الكلام هذا زمان السكوت ولزوم البيوت هذا في زمانه رحمه الله تعالى فكيف في زماننا لا ريب ان حاجة العبد الى امساك لسانه والاقلال من الخلطة اعظم واعظم. فينبغي ان ينتبه العبد الى هذا الامر فان مخالطة الناس ينبغي ان يقتصر الانسان فيها على المهمات اللازمة التي بها قوام معاشه او معاده زاد عن ذلك فانه يتقلل من ذلك لئلا يتضرر بهم في دين او دنيا نعم. وقال ايضا ليكن ليكن شغلك في نفسك ولا يكن شغلك في غيرك. فمن كان شغله في غيره فقد مكر قال اخبرنا علي ابن محمد المعدل قال اخبرنا ابو الحسين اسحاق بن احمد الكافي قال حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل قال حدثني ابي قال حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي قال حدثنا سفيان الثوري قال حدثنا سفيان الثوري عن ابي عبد الله الاغر عن وهب بن منبه قال في حكمة ال داوود حق على العاقل ان تكون له اربع ساعات ساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يناجي فيها ربه وساعة يخلو فيها الى اخوانه الذين يخبرونه بعيوب نفسه وساعة يخلي بين نفسه وبين شهواتها التي لا قوام له الا بها ما يحل ويحسب فان في هذه الساعة عونا له على الساعات الاخر وحق على العاقل ان يكون عارفا بزمانه حافظا للسانه مقبلا على شأنه وحق على العاقل الا يرى ضعنا الا في ثلاث. زاد لمعاد او مرمة لمعاش او او مرمة لمعاش او لذة في غير محرم. قال اخبرنا ابو الفوارس الحسن ابن احمد ابن ابن ابي الفوارس قال اخبرنا ابو علي ابن الصواف قال حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل قال حدثني ابي قال حدثنا ابو المغيرة الحمصي قال حدثنا صفوان بن عمرو قال حدثني قيس بن عمرو السكوني قال حدثني عاصم بن حميد قال سمعت معاذا رضي الله عنه يقول انكم لن تروا من الدنيا الا بلاء وفتنة ولن يزداد الامر الا شدة ولن تروا من الامراء الا غلوة. ولن تروا امرا يهولكم ويشتد عليكم الا حقره بعد ما هو اشد منه. قال احمد بن حنبل رضي الله عنه اللهم رضنا مرتين. هذا الاثر اسناده صحيح والجملة الاولى منه مروية من قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة بسند صحيح من حديث معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهما قال قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق من الدنيا الا بلاء وفتنة. فهذه الدار مطبوعة على البلاء والفتنة ابتداء. فان الله عز وجل لم يخلقنا فيها الا ليبتلينا. كما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الملك تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا. ثم وقعت البلية ثانية ببعثته صلى الله عليه وسلم فان النبي صلى الله عليه وسلم انما بعث ابتلاء كما في صحيح مسلم من حديث عياض ابن حمار رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله نظر الى اهل الارض فمقتهم الحديث وفيه انما بعتك ليبتليك وابتلي بك فكانت بعثته صلى الله عليه وسلم تأكيدا لهذا الابتلاء. وقد صرح بذلك صلى الله عليه وسلم اذ قال في حديث معاوية السالف لم يبق من الدنيا الا بلاء وفتنة. واذا كان هذا هو حال الدنيا فاللائق بمن قذف في دار بلاء وفتنة ان يطلب لنفسه النجاة. وان يعلم ان هذه الدار لا تخلو من نكد وتقلب حال فانها مطبوعة على ذلك. كما قال ابو الحسن التهامي طبعت على كدر وانت تريدها صفوا من الاقذاء والاكدار ومكلف الايام ضد طباعها متلمس في الماء قبسة نار. فينبغي ان يعلم المرء ان هذا هو حال الدنيا. فليسر فيها بسيرة الصدر الاول الذين انجاهم الله سبحانه وتعالى من حمأتها. ولعظم معنى هذا لما حدث به الامام احمد رحمه الله تعالى قال اللهم رضنا اللهم رضنا لان نفوس الخلق لا تشبع من الدنيا واكثر منازعة الخلق للامراء لاجل الدنيا ولذلك قال معاذ ولن تروا من الامراء الا غلظة ولن تروا امرا يهولكم ويشتد عليكم الا حقره بعد ما هو اشد منه. وهذا يحمل العاقل على الرضا بما قسم الله سبحانه وتعالى وان يخلص نفسه من سطوتها في طلب حظها من من الدنيا وليطلب حظه من الاخرة فان العاقل هو من يطلب النفيس الباقي ويبيع الرخيص الفاني ولا ارخص ولا افنى من الدنيا ولا ابقى ولا اغلى من الاخرة. ولما ادرك السلف رحمهم الله تعالى هذا شمروا عن ايديهم في طاعة الله سبحانه وتعالى واجتهدوا فيها لانهم يعلمون ان الدنيا اائلة الى زوال وانهم منها الى ارتحال وامتثلوا قول علي الذي علقه البخاري في كتاب الرقاق ووصله ابو نعيم الاصبهاني في الحلية بسند صحيح قال يا ايها الناس ان الدنيا ولت مدبرة وان الاخرة جاءت مقبلة وان لكل منهما بنون فكونوا من ابناء الاخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا. ومن رأى حال السلف وادمن مطالعة احوالهم هان عليه هذا الامر. ولاجل ذلك ذكر جماعة من اهل المعرفة والايمان كابي الفرج ابن الجوزي وابي عبدالله ابن القيم ان من الاسباب التي تحصل بها رقة القلب و تهون بها هذه الدنيا ادمان مطالعة احوال السلف رحمهم الله تعالى وقراءة قصصهم واخبارهم ان يكون لطالب العلم حظ من قراءة سير اولئك وان يكثر من ذلك. وفيهم عظماء كما ذكر ابو الفرج ابن الجوزي افردهم بالتصنيف لما في اخبارهم واحوالهم ما يزيد الايمان ويرسخ الايقان منهم الحسن البصري واحمد بن حنبل وسعيد ابن المسيب بعد اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فان المرء اذا رأى احوالهم وما هم عليه من الكمالات هانت عليه هذه الدنيا وحرص على التشبه بهم ومن طالع من بعدهم من اهل الايمان والعمل قوي قلبه على ذلك كمن يقرأ سيرة عبدالغني المقدسي الحافظ وقد افردها الضياء في جزئين ونقل كثيرا من كلامه الذهبي رحمه الله تعالى في سير اعلام النبلاء ومما يؤسف له ان كثيرا من طلبة العلم ينظر الى مثل هذه اخذ الايمانية بعين لا يأبه بها فيرى ان القراءة في كتب الرقاق والسير والحكايات والاخبار انما اهي حظ الدهماء او الجهال او عموم الناس او المنسوبين الى طريقة ظلال وهذا من جهله بحقيقة الديانة فان الفقه في الدين اصله كما ذكر ابن الجوزي رحمه الله تعالى في كتاب المقاصد شامل لهذا وغيره ومن اعظم ما ينبغي ان يصون الانسان نفسه فيه حال قلبه ونفسه. واذا اهمل ذلك تقلبت عليه. واخطر ما يكون التقلب اذا اشتغل الانسان بسبب يقربه الى الله فكان سببا في تبعيده الى الله. كمن يعمل الصالحات فيرائي بها. فان للصحيحات على وجه المراءة ال به الى تبعيده عن ربه عز وجل. ومثل ذلك طالب العلم الذي يشتغل بتحصيل العلم لكنه يقف مع صورته ولا يكون العلم حاملا له على التقرب الى الله سبحانه وتعالى. وهذا حال اكثر الناس كما قال ابو الفرج ابن الجوزي رحمه الله تعالى في صيد الخاطر رأيت اكثر الناس واقفين مع صورة العلم لا حقيقته فهم الواعظ كثرة الناس الى اخر ما ذكر وله ايضا فصل في صيد الخاطر يقول فيه تأملت العلم والميل اليه والتشاغل به فاذا هو يقوي القلب قوة تميل به الى نوع قساوة. فاخبر رحمه الله تعالى ان العلم ربما يورث طالبه قساوة اذا وقف مع صورته ولم يكن ذلك العلم حاملا له على العمل ثم قال بعد ذلك ففهمت والحالة هذه انه لابد من تديع النفس بانواع المرققات ترديعا لا يفرجها عن ما للتشاغل بالعلم انتهى كلامه فينبغي ان يشتغل طالب العلم بترقيق نفسه بالقراءة في كتب الرقاب وزيارة الصالحين وعيادة المرظى وزيارة القبور فان هذه المرققات تلين قسوة قلبه التي تعتريه بسبب وقوف اكثر الناس مع صورة العلم. وهذا حال الناس من قبل ومن بعد في العلم فهم لا يرون من الا مسائله واما حقائقه واثره في النفوس فهذا قليل حتى ال الحال الى الناس الى ان يقرأ الانسان في كتب العقائد فيظنها تخاطب عقله ولا تخاطب وجدانه. فيمر على عذاب القبر فيه خلاف المعتزلة ونسبة انكار عذاب القبر الى بعض فرقهم لا الى جميعهم وغير ذلك من المسائل لكن لا يثمر ذلك في قلبه شهود هذا الامر العظيم. فتكون دراسته لهذه العلوم على وجه قلبه ولا يلينه ولو ان الانسان كانت له بصيرة لرأى ان كل علم الي او اصلي يرشده الى الله سبحانه وتعالى فان العلم ميراث النبوة ونور العلم هو الهادي الى الصراط المستقيم. وكل قبس من الاقباس المنصوبة على ذلك الطريق هي هادية الى مزيد من النور. ولو ان الناس تعاطوا العلوم بهذه الطريقة اثمر ذلك في قلوبهم الخير الكثير سواء كان العلم الذي يتناوله الانسان ويتعاطاه علما اصليا او علما ومن صرف القلوب عما ينفعها زهد كثير من طلبة العلم كما سلف في هذا الامر وعدم قيامهم به ولا رفع الرأس اليه. وقد كان يقرأ في حلق العلم في ما سلف في البلاد النجدية مثلا كتاب الزهد للامام احمد وكان عامة الاشياخ الكبار لا يقطعون قراءته فانهم اذا انتهوا منه قرؤوه مرة اخرى في الدرس وهكذا واما طلبة العلم اليوم فانهم يرون ان كتاب الزهد فيه كثير من الاسرائيليات والاحاديث الضعاف والحكايات المنكرة فلا يشتغل به ولا يضيع الوقت في مثله. والحقيقة ان الضياع في مقالتهم هذه التي انتحلوها واخذوها من رؤوسهم ولم يأخذوها من العلماء فزهدوا في مثل هذه الاشياء. والمقصود من هذه الجماعة ان يكون لك طالب العلم حظ من هذه المعاني التي ترشدك وتهديك. وانك اذا خلوت منها فانك على خطر شديد. فان القرآن يهدي ناسا يقودهم الى الجنة فيكون لهم اماما. ويأخذ به ناس فيزخ في الى نار جهنم. ومن شاهد احوال الناس عرف ذلك. فينبغي ان يحذر طالب العلم ان لا يكون حظه من العلم اسمه واسمه بل يكون حظه من العلم حقيقته الايمانية وهدايته الربانية التي تجعله يأنس بالله عز وجل ويتلذذ بمناجاته ويرى ان حبس نفسه في حلق التعليم قربة يتقرب بها الى الله سبحانه وتعالى فتزيد ايمانا وليس المراد من جلوسه في حلق التعليم ان يحصل هذه المعلومات فيتقدم بها في منصب دنيوي او شهادة او رياسة او جاه او يجدي بها وقتا او يجامل بها صاحبا او يرضي بها شيخا او صديقا. وانما المراد بها انه منتصب فيها متقرب الى الله سبحانه وتعالى. نسأل الله عز وجل ان يرزقنا البصيرة في دينه. نعم وانشد علي ابن ابي طالب عليه السلام في معنى هذا الحديث عجبا للزمان في حالتيه ولامر دفعت منه اليه رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه. وانشد ايضا بعض اهل العلم في معناه. اذا ما الدهر اورثني انتقاص حنوت له غماصا وقلت له نعمنا فيك حينا وهذا الفعل منك لنا قصاصا فطورا شاكرا ما كان منه وطورا صابرا ارجو الخلاص. واجتمع اربعة من العباد فقال بعضهم لبعض يقول كل واحد منكم في زمنه شيئا فانشأ الاول يقول ان دام ذا الدهر لم يحزن على احد ممن يموت ولم يفرح بمولود وانشأ الثاني يقول هذا الزمان الذي كنا نحذره هذا الزمان الذي كنا نحذره في قول كعب وفي قول ابن مسعود وانشأ الثالث يقول اعمى اصم من الازمان ملتبس وفيه للنفس تصويب بتصعيد وانشأ الرابع يقول فاطلب لنفسك منجاءة ومدخرا لا بد منه ولو في قعر وقال بعض الحكماء الزمان لا عيب له ولا ذم لان الله تعالى يصرف اقداره فيه وانشد نعيم اننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا. وقد نهج الزمان بغير جرم. ولو نطق الزمان وبه هجانا ديانتنا التخادع والتراء فنحن له نخادع من يرانا وانشد ايضا ارى حلل ان تصان على رجال واعراضا تذل فلا تصان. يقولون الزمان به فساد وهم فساد وما فسدوا اقتدى الزمان