ربنا واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اما بعد فهذا هو الدرس الثاني والعشرون من برنامج الدرس الواحد الخامس والكتاب المقروء فيه هو رسالة في بر الوالدين للعلامة السبكي رحمه الله وقبل الشروع في اقرائه لابد من ذكر مقدمتين اثنتين المقدمة الاولى التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد المقصد الاول جر نسبه هو الشيخ العلامة علي ابن عبد الكافي ابن علي السبكي القاهري يقنى بابي عبد الوهاب ويعرف بتقي الدين والسبكي جماعة من اهل العلم فاذا قيل التقي السبكي كان هو المراد من بينهم المقصد الثاني تاريخ مولده ولد غرة سفر سنة ثلاث وثمانين وست مئة المقصد الثالث تاريخ وفاته توفي رحمه الله في الثالث من جمادى الاخرة سنة ست وخمسين وسبعمئة وله من العمر ثلاث وسبعون سنة رحمه الله رحمة واسعة المقدمة الثانية التعريف بالمصنف وتنتظم في ثلاثة مقاصد ايضا. المقصد الاول تحقيق عنوانه اسم هذه الرسالة اللطيفة هو رسالة في بر الوالدين المقصد الثاني بيان موضوعه قام المصنف رحمه الله تعالى في هذه الرسالة بيان حدود طاعة الوالدين المقصد الثالث توضيح منهجه ان ابرز شيء يتجلى في هذه الرسالة هو ما وصف به المصنف رحمه الله منين نشوفو في نظره وحسن فقهه وجودة استنباطه اذ اشتملت على تفصيل حسن في مسائل تتعلق بهذا الشأن تكشف عن مبلغه مما ذكر نعم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا وللسامعين قال العلامة تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى مسألة الذي اراه في بر الوالدين وتحريم عقوقه بما انه تجب طاعتهما في كل ما ليس بمعصية ويشتركان في هذا هما والامام اعني الخليفة وولي الامر لقوله صلى الله عليه وسلم اسمع واطع ما لم تؤمر بمعصية ويزيد الوالدان على الامام بشيء اخر وهما انهما قد يتأذيان من فعل او قول يصدر من الولد وان لم ينهياه عنه فيحرم عليه ذلك لانه يحرم عليه كل ما يؤذيهما بخلاف الامام. وكذلك اذا تأذى فيا بترك قول او ترك فعل منه وجب عليه فعل رضاهما وان لم يأمراه به. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة انا اصلا الكلية المحيطة ببر الوالدين وعقوقهما فبين رحمه الله انه تجب طاعة الوالدين في كل ما ليس بمعصية فكل ما كان من هذا الجنس فان طاعة الوالدين فيه واجبة والمعصية تكون باحد شيئين اثنين احدهما ترك واجب مأمور به والثاني فعل محرم منهي عنه فاذا طالب الوالدان ابنهما بترك واجب مأمور به او مواقعة محرم منهي عنه حينئذ امتنع عاد طاعتهما وما عدا ذاك فانه تجب الطاعة لامرهما. قد نبه المصنف رحمه الله تعالى انهما في هذا الاصل مع الامام وولي الامر. لما ثبت في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اسمع واطع ما لم تؤمر بمعصية فاخبر صلى الله عليه وسلم بان طاعة ولي الامر في امره عامة ما لم يشتمل ذلك على فعل معصية رجعوا الى احد الامرين اللذين سبق ذكرهما. واختص الوالدان بزيادة على الامام وهما انهما قد يتأزيان من فعل او قول يصدر من الولد وان لم ينهياه عنه فيحرم عليه ذلك. لانه يحرم عليه كل ما يديئهما بخلاف الامام لو ان الابن كان من عادته ان يأتدم بثوم او بصل وكانا يكرهان ذلك منه فانه يحرم عليه لذلك لان هذا من جملة ما يؤذيهما وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ايذائهما. كما ان الشرع ها اكل البصل والثوم عن اذية عباد الله عز وجل من المصلين والملائكة فمن هذا الجنس اذا كان ذلك يؤذي والديه او احدهما فانه يحرم عليه هذا. وكذلك اذا تأدى منه بترك قول او ترك فعل. فانه يجب عليه ان يفعله لرضاهما وان لم يأمراه به. فمرد الامر ها هنا فيما وراء ذلك مما يزيدانه على الامام انه يحرم كل ما يؤذيهما وان لم ينهي عنه ويجب كل ما يرضيهما وان لم يأمراه به. نعم. احسن الله اليك واذا امراه بترك سنة او مباح او بفعل مكروه فالذي اراه تفصيل. وهو انهما ان امراه بترك سنة دائما فلا منهما لان في ذلك تغيير الشرع وتغيير الشرع حرام. وليس لهما فيه غرض صحيح فهما المؤذيان انفسهما بامرهما بذلك وان امراه بترك سنة في بعض الاوقات فان كانت غير راتبة وجب طاعتهما وان كانت راتبة فان كانت لمصلحة انهما وجبت طاعتهما وان كانت شفقة عليه ولم يحصل لهما اذى بفعلها فالامر منهما في ذلك محمول على الندب لا على من جهة فلا تجب طاعتهما فان علما من حالهما انه امر ايجاب وجبت طاعتهما. وما في البخاري من ان امه نهته عن حضور العشاء في من ان امه انها احسن الله اليك وما في البخاري من ان امه ان نهته عن حضور العشاء في جماعة شفقة لم يطعها. اما ان يحمل على عدم الايجاب لقوله شفقة واما ان يحمل على ان المراد على الدوام. لما قلناه من تغيير الشرع وتغيير الشرع حرام. واذا كان فماله او سكنه حلالا صافيا عن الشبهة وامراه ان يأكل او يسكن معهما وفيما يأكلانه او يسكنانه شبهة. وجبت طاعتهما كما قاله قرطوشي لان مخالفتهما حرام والورع ليس بواجب وانها ياه عن الصلاة في اول الوقت فان كان على الدوام لم يسمع منهما لان لان فيه تغيير الشرع وان كان في وقت وجبت طاعته هما كما قال الطرطوشي وهو دون حضور الجماعة والسنن الراتبة لانه صفة لا مستقل. لما بين المصنف رحمه والله تعالى الاصل الكلي لطاعة الوالدين. والسلف ان عرفت ان الوالدين يؤمر بطاعتهما ما لم يشتمل ذلك على معصية وعرفت ان المعصية ترجع الى احد شيئين هما ترك واجب مأمور به او فعل محرم منهي عنه فانك تفهم من هذا ان دائرة الواجبات والمحرمات خارجة عن ما ينبغي تحقيقه في امر طاعتهما فان امر الواجبات الشرعية والمحرمات الشرعية لا يقبل فيه قول احد كائنا ما كان لا الوالدين ولا ولي الامر ولا غيرهما. لان طاعتهم في ذلك معصية لله عز وجل مأمور بطاعة الخالق قبل طاعة المخلوق. وانما يؤذن بطاعة المخلوق اذا لم تكن منازعة لطاعة الخالق سبحانه وتعالى. ومن هنا انحصر القول فيما ينبغي تحقيقه من امر طاعتهما في فعل المستحبات وترك المكروهات واتيان المباحات ولهذا بين المصنف رحمه الله تعالى ذلك فقال رحمه الله تعالى مبينا ما يتعلق بامره بترك السنة قال ان الصواب في ذلك التفصيل. والتفصيل الذي اختاره المصنف رحمه الله تعالى وهو الذي تدل عليه الادلة انه فرق رحمه الله تعالى بين حالين. الحال الاولى ان يأمر بترك السنة دائما والحال الثانية ان يأمر بتركها في وقت دون وقت تأمل حال الاولى وهي ان امراه بترك سنة دائمة فاختار المصنف رحمه الله تعالى انه لا يسمع او منهما ولا يطاعان في ذلك. وعلل هذا بان فيه تغييرا للشرع وتغيير الشرع حرام واكمل من هذا الوجه الذي علل به ما ذكره الشاطبي في الموافقات من ان ادمان ترك يدل على وهن العبودية وضعفها ولهذا فان المعروف في مذهب الشافعي واحمد ان من ادمن ترك الرواتب لم تقبل له شهادة. فالتعليل بهذا اولى. لان ادامة ترك السنة يفضي الى رقة دين التارك والعبد مأمور بحفظ دينه. فالاظهر انهما لا يطاعان في ذلك. اما لاجل العلة التي نبه عليها الشاطبي وهو اكمل او لاجل العلة التي ذكرها السبكي والجمع بينهما حسن. والسبكي نظر الى مأخذ ظاهري والشاطبي نظر الى ما خل باطني. والحال الثاني ان يأمراه بترك السنة في بعض الاوقات وقد فصل المصنف رحمه الله تعالى في ذلك ففرق بين نوعين من السنة النوع الاول ان تكون السنة غير راكبة والنوع الثاني ان تكون السنة راتبة وفي النوع الاول وهو كون السنة غير راتبة ذكر رحمه الله تعالى انه يجب طاعتهما واما في النوع الثاني وهو ان كانت السنة راتبة فذكر انه ان كانت لمصلحة لهما وجبت الطاعة وان كانت شفقة عليه ولم يحصل لهما اذى بفعلها فطاعتهما مستحبة الا ان يعلم من حالهما الايجاب وهذا الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى اكمل فقها واحسن استدلالا ممن اطلق استحباب طاعتهما في الامر المتعلق بالسنة كابن عطية الاندلسي رحمه الله تعالى. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ما جاء في البخاري عن الحسن البصري رحمه الله تعالى من ان امه ان نهته عن حضور العشاء في جماعة شفقة لم يطعها فذكر رحمه الله تعالى معنى هذا الاثر بقوله اما ان يحمل على عدم الايجاب لقوله شفقة فان الشفقة من الام لا توجب عليه ترك حضور العشاء في الجماعة. لان الاصل في شفقته انها تبدي ولا تلزم وهذا بناء على مذهب المصنف وهو مذهب الشافعي في كون صلاة الجماعة سنة مؤكدة اما من يرى وجوب صلاة الجماعة فانه لا يحمل هذا القول من الحسن الا على الوجوب وانها لا تطاع في معصية الله عز وجل ويمكن حمله على معنى ثان ذكره المصنف في قوله واما ان يحمل على ان المراد على الدوام لما قلناه من تغيير الشرع وتغيير الشرع حرام يعني ان يحمل قوله هذا على ان تطلب منه ترك صلاة الجماعة وهي في مذهب الشافعي سنة المؤكدة سيكون هذا من جملة طلب ترك السنة دائما. وقد تقدم في كلامه التعريف بان المطالبة بترك السنة دائما هو تغيير للشرع وتغيير الشرع حرام ثم ذكر رحمه الله تعالى من متعلقات هذه المسألة ما اذا كان الولد في مال او سكن الحلال خال من الشبهة فامره الوالدان او احدهما ان يأكل او يسكن معهما وفيما يأكلان او يسكنانه شبهة فحينئذ تتعين طاعتهما كما قاله الطرطوشي في كتاب بر الوالدين لان مخالفة امرهما حرام والورع ليس بواجب. فان الورع مستحب يندب اليه. ولا يلزم العبد وطاعة او والديه باجابة امرهما واجب فهو الاصل كما تقدم فحينئذ يجب عليه ان يطيعهما ويحرم عليه مخالفتهما وتبرأ ذمته من مواقعة الشبهة لتعلقه باصل اوثق من طلب دفعها ثم ذكر رحمه الله تعالى مسألة ثانية وهي النهياه عن الصلاة في اول الوقت وبين حكم ذلك بالتفريق بين دوام الطلب او وقوعه في وقت دون وقت فان كان على الدوام لم يطعهما لان فيه تغييرا للشرع وتغيير الشرع حرام كما ذكر المصنف واما ان كان في وقت دون وقت فانه تجب طاعتهما وهو تابع فيما ذكر للطرطوشي المالكي صاحب كتاب بر الوالدين. ونبه المصنف رحمه الله تعالى ان نهيهما عن الخاتم في اول الوقت دون حضور الجماعة والسنن الراتبة وعلل ذلك بقوله لانه صفة لا مستقل يعني ان الصلاة في اول الوقت امر يتعلق بموصوف وهو الصلاة وهو وصف من اوصافها. وليس امرا مستقلا خالدا عن حقيقة ادائها بخلاف حضور الجماعة فانه امر زائد عن ادائها وكذلك ملازمة السنن الراتبة وقد اعرض المصنف رحمه الله تعالى عن تتميم البحث الذي ذكره وكأنه عنده ملحق بما سبق فانه قال في صدر كلامه واذا امراه بترك سنة او مباح او بفعل مكروه ثم بين حكم السنة على قيل ولم يذكر بقية القسمة الثلاثية فاما ترك المكروه فانهما ان امراه بترك مكروه فتتعين طاعتهما ان كانا يتأذيان به. لانه يحرم اذيتهما بقول او فعل فان كانا لا يتأذيان بذلك فانه يستحب له تركه لان النهي حينئذ منهما محمول على الندب لا على الاجابة والدليل على حمله على الندب منهما انهما لا يتأذيان بصدور ذلك الفعل منه. لكن ان علم من حالهما طلب الايجاب في ترك المكروه فانه تجب عليه طاعتهما فالقول في هذه المسألة نظير القول في امرهما بترك سنة راتبة في وقت دون وقت لمصلحة لهما التي تقدمت اما المباح ان طالباه بتركه او بفعله فانه تجب عليه الطاعة كما صرح به شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وهو عنده مشروط بعدم حصول الضرر فاذا كان الابن يتضرر بفعل المباح او بتركه فحين اذ لا تتعين الطاعة. لان من قواعد الشريعة المحيطة بالاحكام ان الضرر منتف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة وغيره لا ضرر ولا ضرار وهو حديث حسن والفقهاء يشيرون اليه بقولهم الضرر يزال. فاذا اشتمل فعل المباح او تركه على اضرار بالابن لم تكن طاعتهما حينئذ واجبة. نعم الله وحاصله انه يجب امتثال امرهما والانتهاء عن منهيهما ما لم تكن معصية على الاطلاق. وانما يكون معصية اذا كان فيه مخالفة لامر الله الواجب او لشرعه المقرر. وفي هذا هما والامام سواء ويزيد فيهما تحريم ما يؤذيهما باي شيء كان وان كان مباحا وبوجوب طاعتهما وان كانا ما يأمران به لحظ انفسهما بخلاف الامام فانه لا يأمر الا ما فيه مصلحة المسلمين ولا تجب طاعته في حق نفسه ولا يحرم اذاه بمباح. والوالدان يحرم ايذاؤهما المصنف رحمه الله تعالى في الجملة السابقة ما يكون كالتأكيد لما سبق تأسيسه من التذكير بان العصر الكلي المتعلق بطاعة الوالدين انه يجب امتثال امرهما والانتهاء عن منهيهما ما لم تكن معصية على الاطلاق بين المعصية انها المشتملة على مخالفة امر الله الواجب او شرعه المقرر واراد رحمه الله تعالى بالشرع المقرر ان يفضي ذلك الى هجران شيء من الشريعة ولو كان تحبا وهذا الذي قاله هو الذي اشار اليه الشاطبي مما يتعلق بوهن العبودية وفي ذلك قوة. ثم اعاد التنبيه على ان الوالدين مع الامام في ذلك سواء. ويزيد فيهما من حق الوالدين تحريم ما يوديهما باي شيء كان وان كان مباحا وبوجوب طاعتهما وان كان ما يأمران به لحظ انفسهم نعم بخلاف الامام فانه لا يأمر الا ما فيه مصلحة المسلمين ولا تجب طاعته في حق نفسه ولا يحرم وغداه بمباح لان الاصل في نصب الامام طلبوا جمع مصلحة المسلمين. فاذا كان امره متعلقا في هذا الاصل الذي نصب لاجله تعينت الطاعة. اما اذا كان متعلقا بحظ نفسه فحين اذ لا تجب في حق نفسه ولا يحرم اذاه بمباح راجع الى امره هو دون امر المسلمين. نعم والوالدان يحرم ايذاؤهما هينا كان الاذى او ليس بهين خلافا لمن شرط في تحريم الاذى ان يكون ليس بالهين فاقول يحرم اذائهما مطلقا الا ان يكون اذاؤهما بما هو حق واجب لله فحق الله اولى فعلى ما قلته لو امراه بطلاق امرأته ونحوه وجبت عليه طاعتهما. هذا الذي اعتقده وارجو انه حق ان شاء الله والله اعلم ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا مسألة تتصل بطاعة الوالدين ومنها تولد التفصيل السابق وهو حرمة ايذاء الوالدين وقد اختار رحمه الله تعالى انه يحرم الايذاء هينا او ليس بهين خلافا لمن شرط في تحريم الاداء ان يكون ليس بالهين كما اختاره ابن الصلاح والنووي فان جماعة من الفقهاء يرون ان الاذى الذي يحرم فعله فيما يتعلق بحق الوالدين هو والاذى العظيم الذي ليس بهين. اما ما كان دون ذلك فانه لا يحرم وان كان مكروها ولهذا فانهم لا يدخلونه في جملة عقوق الوالدين. والصحيح والله اعلم هو ما درج عليه المصنف من اذيتهما باي قول او فعل هينا كان الاذى او ليس بهين لان الله عز وجل نبه بالادنى على الاعلى فقال ولا تقل لهما اف والاصل في النهي ان يكون للتحريم. فاذا كان العبد منهي عن اذيتهما وبقول اف وهو من الامور الهينة فلا ريب ان ذلك مندرج كله في جملة الاذى الذي يحرم فعله فيجب على العبد ان يحذر تمام الحذر ايذاء والديه باي شيء ولو كان لانه من جملة المحرم الا ان يكون اذاهما بما هو حق واجب لله فحق الله اولى كما وقع من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كسعد ابن ابي وقاص وغيره فان اذيتهما لابائهم تعلقت بامر اعظم وهو امر الله عز وجل بالتوحيد وترك في الشرك والكفر فطاعة الله سبحانه وتعالى اولى من طاعتهما. ويتفرع من هذا انه لو امراه بطلاق امرأته ونحوه وجبت عليه طاعتهما وهذا هو قول الامام احمد واختاره جماعة منهم شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فاذا امر الوالدان او احدهما الولد بطلاق امرأته وجبت عليه الطاعة. الا ان الذي يفهم من كلام ابي العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى ان ذلك مشهور بشرطين اثنين اولهما صلاح الامر بذلك من اب او ام. والثاني ان يكون الامر متعلقا بمصلحة الولد اما اذا كان الامر منهما فاسقا ظالما او لم يشتمل الامر على مصلحة للولد بل قصد الاضرار به او بغيره والتشفي بفعل ذلك فحين اذ لا تتعين الطاعة وهذا فاحسن اقوال الفقهاء في هذه المسألة فيما يظهر والله اعلم. نعم السلام عليكم ومن محاسن ما يرى في بر الوالدين وكنت اسمع ابي كثيرا ينشده ما ذكره ابو بكر القرطوشي الطرطوشي في كتاب بر الوالدين له ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ان ابي ينقص مالي وينفقه على عياله فبكى الشيخ وقال واي خيار يا رسول الله ما هن الا امه واختاه. وانشأ يقول غذوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما اجري عليه وتنهل اذا ليلة ضامتك بالسقم لم ابت لسقمك الا ساهرا اتململ كاني انا المطروق دونك في طرقت به دوني فعناية تهمل تخاف الردى نفسي عليك وانني لاعلم ان الموت دين مؤجل. فلما ابلغت السن والغاية التي اليها رجا ما كنت فيك اؤمل. جعلت جزائي غلظة وفظاظة كانك انت منعم المتفضلون وسميتني باسم المفند رأيه وفي رأيك التفنيد لو كنت تعقلون. تراه معدا كانه برد على اهل الصواب موكلون. فليتك اذ لم ترعى حق ابوتي فعلتك ما الجار المجاور قالوا فاوليتني حق الجوار ولم تكن علي بما لي دون مالك تبخلون. فلولا رسول الله اعظمت ها هنا اصبحت مسخوطا لدي تنكل ولكن حلمي والحياء يصدني وجاه رسول الله اثنى واجمل حياتك هم ثم موتك فجعة وخيرك مزوي وشرك مقبلون. فرق له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال انت ومالك لابيك انتهى. ختم المصنف رحمه الله تعالى هذه الرسالة اللطيفة مثل هذه القصة المشتملة على شكاية اب لما بدر من ابنه تجاه ما يجب عليه من طاعته والاحسان اليه. وهذا الحديث الذي ذكره المصنف قد رواه الطبراني في المعجم الاوسط والصغير نقي في دلائل النبوة بسند لا يصح وقال الهيثمي في مجمع الزوائد هذا حديث منكر وهذه الابيات تعرف من شعر امية ابن ابي الصلت الشاعر الجاهلي. وقد ذكرها منسوبة اليه جماعة منهم صاحب الحماسة والراغب الاصفهاني في كتاب المفردات وذكر طرفا منها وهي من محاسن الشعر التي ينبغي حفظها مما يتعلق بمنزلة الولد من الوالد اخر الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم انت ومالك لابيك يروى من حديث جماعة من الصحابة وهو حديث اقل احواله ان يكون حسنا ان لم يكن بمجموع ما روي له من الطرق حديثا صحيحا وهذا اخر التقرير على هذه الرسالة والله اعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين