بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قلتم حفظكم الله في كتاب معاني الفاتحة وقصار المفصل بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي جعل القرآن لكل شيء تبيانا. ورزق به من شاء من عباده علما وايمانا والصلاة والسلام على رسوله محمد محمد المنزل عليه وعلى اله وصحبه ومن انتمى في الهدى اليه. اما بعد فان معرفة احاد المفردات تعين على فهم الجمل الكليات معرفة معاني كلم القرآن تيسر ادراك ما له من الهدى والبيان. وهذه نبذة مختصرة وتحفة معتصرة من الموضح المحصل في معاني الكلمات سورة الفاتحة وقصار المفصل. والله المسئول المؤمل ان يعفو ويتقبل. هم. استفتح المصنف وفقه الله كتابه بحمد الله سبحانه وتعالى على امر يتعلق بالقرآن فهو نظير استفتاحه سبحانه وتعالى سورة الكهف بقوله الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والمحمود ها هنا من متعلق القرآن هو المذكور في قوله الذي جعل القرآن لكل شيء تبيانا. وفيه اشارة الى قول الحق سبحانه وتعالى ونزلنا عليك الكتابة تبيانا لكل شيء. ومعنى قوله سبحانه وتعالى تبيانا لكل شيء. اي موضحا لكل كل شيء والكلية المرادة هنا لا يقصد بها جميع الافراد. وانما يراد بها كل شيء يحتاج الى الخلق في عبادة الله عز وجل. فليس القرآن مبينا لكل شيء يكون في الكون. من امور الناس. فليس فيه اخبار الناس ولا وقائعهم ولا احوالهم ولا علوم دنياهم. وانما فيه ما يحتاج اليه الناس من عبادة الله سبحانه وتعالى وذلك نظير قوله سبحانه وتعالى تدمر كل شيء بامر ربها فانها لم تدمر الارض ولا السماء فقوله سبحانه وتعالى في وصف القرآن الذي نزل عليك الكتاب تبيانا لكل شيء اي لكل شيء ان يحتاجه الناس وهذا عند قوم نظير قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء فان من المفسرين من يجعل الايتين على معنى واحد فيقول ان الكتاب المذكور في كلتا الايتين هو الكتاب المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح ان اية النحل الكتاب المراد فيها هو الكتاب المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم واما اية الانعام فليس المراد في قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء الكتاب الشرعي وانما المراد الكتاب القدري لان الكتاب المضاف الى الله سبحانه وتعالى نوعان احدهما كتاب قدري ومنه قوله تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله اي في كتابه القدري والاخر كتاب الله الشرعي ومنه قوله تعالى كتاب انزلناه اليك مبارك. والمراد في قوله تعالى ما فرطنا في من شيء يعني في الكتاب القدري ان الله سبحانه وتعالى قدر مقادير كل شيء في الكتاب القدري. والدليل على ترجيح ان المراد في قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء انه الكتاب القدري سياق الاية فان الله سبحانه تعالى قال وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء وذكرت لكم فيما سلف ان من رد القرآن بعضه على بعض وتصديق بعضه ببعض وثني بعضه على بعض ان يفسر بعض ببعض بالنظر الى السياق القرآني فسياق الاية دال على ان الكتاب المذكور في قوله تعالى ما فرطنا في ابي من شيء هو الكتاب القدري. واما اية النحل ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء فالمراد بها تابوا الشرعي وهو القرآن الكريم والمراد بكونه تبيانا اي موضحا والمراد بقوله لكل شيء اي مما يحتاجه الناس لاقامة دينهم. لا كل شيء يتعلق بالخلق من امور دنياهم ووقائع احوالهم. ثم قال بعد في وصف القرآن ورزق به من شاء من عباده علما وايمانا. وهذا في قوله تعالى نهدي به من نشاء من عبادنا وهو المراد بقوله تعالى اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به فان النور الذي وهب له هو نور الاهتداء بالقرآن الكريم. فان الله سبحانه وتعالى يفتح لمن شاء من الخلق بداية القرآن فيكون مددا له في علمه وايمانه. وهذا الرزق المشار اليه في قول المصنف ورزق به من شاء من عباده علما وايمانا هو رزق الارواح. لان الرزق نوعان احدهما رزق الاشباح يعني الاجساد الاخر رزق الارواح يعني النفوس والقلوب. والثاني اشرف من الاول. فان الثاني حظ المؤمنين فقط واما الاول فان الانسان يشاركه فيه البهائم العجماء فان الله عز وجل عليه رزق كل دابة في الارض ولا يختص رزق الايمان والتوحيد والهداية القلبية الا باهل الايمان. ثم صلى وسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال والصلاة والسلام على رسوله محمد المنزل عليه. وقد وقع في القرآن ذكر للقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم تارة بعلى وتارة بالاء فمن الاول قوله سبحانه وتعالى الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب. فجيء به معدا بعلى. وفي مقام اخر قال اب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته. فعدي انزال الكتاب على النبي صلى الله عليه وسلم تارة الى وتارة بعلى. والفرق بينهما ان تعديته بالى اشارة الى منتهى نزول القرآن. فان القرآن الكريم نزل من ربنا سبحانه وتعالى واشير الى ابتداء تنزيله بقوله تعالى تنزيل من رب العالمين ان من موضوعة في لسان العرب للابتداء فابتدأ تنزيله من ربنا عز وجل وانتهى تنزيله في البشر الى محمد صلى الله عليه وسلم فلا ينزل على احد سواه شيء من القرآن. واما تعدية انزال القرآن بعلى فالاشارة فيها الى علو القرآن وشرفه. وهذا العلو والشرف هو المذكور في قول الله عز وجل انا عليك قولا ثقيلا. فلاجل جلالة ما فيه من الحق. وعظم ما فيه من المعاني اشار الله عز وجل الى ثقله وهذا هو وجه تعدية انزاله في بعض المواضع من القرآن الكريم بعلى على ما ذكرت لك وها هنا سؤال وهو كيف يكون القرآن موصوفا بقول الله تعالى انا سنلقي عليك قولا ثقيلا ثم يقول الله عز وجل ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟ فكيف يكون ثقيلا؟ ويكون في في موضع اخر يسيرا. ما الجواب؟ واضحة الاشكال؟ الاشكال قال انا سنلقي عليك قولا ثقيلا ثم قال ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟ والجواب ان ثقله لا يخالف يسره فانه ثقيل باعتبار ما فيه من الحق. ويسير للذكر لمن يسره الله سبحانه وتعالى عليه. فهو جليل ولكن الله عز وجل اذا يسره على العبد فانه يكون هينا بينا يظهر له من الفهم فيه وحفظ مبانيه ما لا يضاهيه نظيره في سائر الكلام. ثم قال في تتمة افتتاحه وعلى اله وصحبه ومن انتمى في الهدى اليه يعني الى النبي صلى الله عليه وسلم ثم اشار الى مقصود هذا التصنيف فقال فان معرفة احاد المفردات تعين على فهم الجمل الكليات اي ان معرفة معاني الكلم الذي يتركب منه كلام ما تعين على تصور ذلك الكلام كله وفهمه. لان الكلام عند العرب كما قال ابن فارس في مقاييس اللغة نطق مفهم كلام العربي مركب من شيئين احدهما النطق وهو وهي الحروف التي يؤدى بها. والاخر الافهام متعلقه المعاني فاذا فهم العبد احاد كلام ما اعانه ذلك الفهم على فهم جميع الكلام ثم قال ومعرفة معاني كلمات القرآن تيسر ادراك ما له من الهدى والبيان. فاذا ادرك الانسان معاني كلمات القرآن سهل عليه ان يدرك ما فيه من الهدى والبيان. لان الافراد توصل الى المجموع فاذا فهم العبد افراد كلام الله عز وجل في كتابه وصل الى فهم مجموع ما فيه من الكلام. ولاجل هذا فان مفتاح علم التفسير معرفة معاني كلمات القرآن ودرجناه فيما سلف في ثلاثة رتب اولها معرفة كليات الالفاظ تفسير وتانيها معرفة غريب القرآن وثالثها معرفة كلمات القرآن. ثم ذكر ان المذكور في هذا الكتاب نبذة مختصرة وتحفة معتصرة من الموضح المحصن من الموضح المحصل في معاني كلمات سورة الفاتحة ايصال المفصل وموجب الاعتناء بالفاتحة وقصار مفصل ان الفاتحة هي اعظم القرآن كما ثبت في حديث ابي سعيد ابن عند البخاري فحقيق بالاعظم ان يكون مقدما بالعناية. واما الاعتناء بقصار مفصل فذلك ان صار المفصل هي اكثر ما يدور على الالسن على الالسنة ويحفظ في القلوب. كما ان المفصل كله له من المنزلة في التفسير ما ليس لغيره. وكان السلف رحمهم الله تعالى اذا ارادوا ان يبدأوا في حفظ القرآن او فهمه ابتدأوا بالمفصل وعند البخاري في صحيحه ترجمة باب تعليم الصبيان القرآن ثم قال حدثني موسى ابن اسماعيل قال حدثني موسى ابن اسماعيل قال حدثنا ابو عوامة عن ابي بشر عن سعيد ابن جبير قال ان الذي لتدعونه المفصل هو المحكم وقال قال ابن عباس توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا ابن عشر سنوات قد قرأت المحكم فكان السلف رحمهم الله تعالى يقدمون حفظ المفصل وتفهم معانيه وذكرت لكم فيما سلف ان من اراد ان يدرس تفسير القرآن فانه يدرس اولا تفسيرا مفصل ثم يدرس بعد ذلك تفسير السورة البقرة فاذا وعى هذين القسمين من القرآن فانه يكون قد حصل الة عظيمة من التفسير. وسبق هذا المعنى على وجه اطول في مقام اخر. لكن المقصود ان العناية بالمفصل حفظا وتفهما مقدمة مقدمة على غير مقدم على غيره وكلام رحمهم الله تعالى في ذلك كثير. واشار اليه البخاري بهذه الترجمة والاثر الذي ذكرته تنبيها الى عادة السلف رحمهم الله تعالى