احسن الله اليكم قال الشيخ ابو هلال وعند الحكماء ان من تبرم بالعلم والعلماء ومن يقدر على حفظ العلم والادب وهو مقصر فيه فليس بانسان كامل كامل من الناس من عرف فضل العلم ثم ان قدر عليه طلبه. وروي ان رجلا قال لخالد بن صفوان ما لي اذا رأيتكم تذاكرون الاخبار الاثار وتناشدون الاشعار. وقع علي النوم فقال لانك حمار في مسلاخ انسان. وخرج الوليد بن يزيد حاجا ومعهم عبدالله بن جعفر فكان ببعض الطريق يلعبان بالشطرنج فاذن فاستأذن عليه رجل من ثقيف فاذن له وستر الشطرنج بمنديل ما دخل الرجل وسلم قال له الوليد اقرأت القرآن؟ قال لا يا امير المؤمنين شغلتني عنه امور وهناء وهنات. قال افتعل شيئا من الفقه؟ قال لا. قال افروا افرويت من الشعر ما تذاكروا به؟ قال لا. قال افعلمت من ايام العرب واخبارها؟ ما زين به الذاكر به فرويت من الشعر ما تذاكر به يعني تذكره حال المذاكرة نعم احسن الله اليكم قال افرويت من الشعر ما تذاكر به؟ قال لا. قال افعلمت من ايام العرب واخبارها ما تزين به مجالسك؟ قال لا. فكشف المنديل العن الشطرنج وقال شأنك فليس معنا احد. وفي كتاب الهندي ان ان العالم اذا اقترب كان معه من العلم ما يكفيه اسد معه من قوته ما يعيش به حيثما توجه. وفي الحديث العلماء في الارض مثل النجوم في السماء. ومن فضل العلم انه ليس احد يحب ان له بحظه منه خطرا. وقال ابن عباس رضي الله عنهما وجدت عامة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحي من الانصار. ان كنت الا اقم لاقبل بباب احدهم ولو شئت لاذن لي ولكن ابتغي بذلك طيب نفسه. وقال الحسن من ترك طلب العلم حياء البسه الجهل ومن رق وجهه رق علمه وقال الخليل منزلة الجهل بين الحياء والانفة قال ابو هلال وجعل الحكماء منزلة العلماء مثل منزلة الملوك فقالوا من ادب الداخل على العالم ان يسلم على اصحابه عامة ويخصه ويجلس ويجلس قدامه ولا يشير بيده ولا يغمزه بعينه. ولا يقول بخلاف قوله ولا يغتاب عنده احدا ولا في مجلسه ولا يلح عليه اذا كسل ولا يعرض عن كلامه فانه بمنزلة النخلة لا يزال يسقط عليك منها شيء ينفعك وذكر احمد بن اسحاق الحلبي قال سمعت عمر بن سياد منبجي. يقول سمعت مالك بن انس يقول وجه اليها الرشيد فسألني ان احدثه فقلت المنبت بكسر الميم احسن الله اليكم قال سمعت عمر بن سيار المنبجي يقول سمعت مالك بن انس يقول وجه الي هارون الرشيد فسألني ان احدثه فقلت يا امير المؤمنين ان العلم يؤتى ولا يأتي قال فصار الى فاستند معي الى الجدار فقلت يا امير المؤمنين ان من اجلال الله اجلال ذي الشيبة المسلم. قال فجلس بين يديه. قال فقال بعد مدة يا ابا عبدالله تواضعنا لعلمك فانتفعنا به وتواضع لنا علم سفيان ابن عيينة فلم ننتفع به وكان سفيان يأتي الى بيوت فيحدثهم ويأخذ دراهمهم. حدثنا الشيخ ابو احمد قال حدثنا محمد بن الحسن الزعفراني قال حدثنا ابن ابي خيثمة. قال حدثنا محمد ابن قال حدثنا حمدان بن الاصفهاني قال كنت عند شريك فاتاه بعض ولد المهدي فاستند الى الحائط فسأله عن حديث فلم يلتفت اليه فاخذ بلا علينا ثم عاد فعاد بمثل ذلك. فقالوا اتستخف باولاد الخلفاء خلفاء؟ قال لا ولكن العلم اجل عند اهله من ان يضيعوه. قال فجثا على ركبتيه ثم سأله فقال شريك. هكذا يطلب العلم. وحدثنا الشيخ ابو احمد قال حدثنا الجلودي قال حدثنا المغيرة بن محمد بن عبد الكريم بن حامد عن المدائن قال خرج المنصور يوما من باب الذهب فقام القواد والحرس والشرط وفرج بن فضالته قاعد لم يقم. فقال له لم لم تقم كما قام الناس؟ قال كرهت ان يسألني لما فعلت ويسألك لما قلت لما قلت وقد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فعذره المنصور ومثل ذلك ان الرشيد جمع فاجتمعوا في داره ثم خرج عليهم فقاموا له الا محمد بن الحسن. فلما دخل الرشيد دعاه فشمت به بعض اعدائه. فلما رآه الرشيد يقال لما لم تقم كما قام اصحابك؟ فقال انك يا امير المؤمنين المؤمنين انزلتني منزلة العالم وما كنت لانزل نفسي منزلة قادم فقال له احسنت وسأله عن مسألة في السيرة فاجاب عنها فامر له امر له بحمل عشرة الف عشرة الاف في درهم وقال فرقها في اصحابك. قال فخرج مسرورا والمال بين يديه. فانخزل من كان شمت به وحسده. قال قال ابو هلال ومن طمع ان ينال مثل هذه المنزلة بالفترة والهوينة فقد غر نفسه وذكر بعض الشيوخ ان ابا تمام الطائي قصد في اول امره بعض رؤساء الشام فانشده قصيدة من درج تركها الرئيس ثم نظر الى الترجمة فاذا حبيب ابن اوس الطائي فقال له اقل ما ينبغي للشاعر ان يعرف شعراء قبيلته فكم من شاعر فقال كذا وكذا شاعرا مشهورا ومغمورا وانشده لهم قصائد ومقاطع ثم انشد بعضها مقلوبا فعجب الرئيس من وذكائه وقدمه وقال كيف تمكنت من حفظ ما اراه؟ قال ابو هلال ونعم المعلم الدرس ونعم المعين السهر ونعم الدليل السراج ونعم المذاكر الكتاب. وقال الشاعر رجل في العلم يطلبه كي لا يكون شبيه الشاء والبقر والجهل مشبه بالعماء وهو معنى قديم وقد جاء به القرآن. وقيل لبعض الحكماء لما لا تعظ لم لا تعاتبون الجهال؟ قال لانا لم نأمل من العلماء ان يبصروا. قلنا ولا يظهر فضل العلم لمن لا عقل له. كما لا تتبين ليس له بصر. وقال محمد بن يزيد نمى الي ان الخليل كان يخرج من منزله فلا يشعر الا وهو في الصحراء ولم يردها. ومن شغله من شغله بالفكر ويدخل الداخل الى ابي تمام وهو يعمل الشعر فلا يشعر به. وقالت امرأة الخليل للخليل لا اراك ليسوا عندي كثيرا قالوا وما اصنع بك انت تجلين عن دقيقي وانا ادق عن دليلك وكان الخليل يقول اثقل ساعات علي ساعة ساعة اكل فيها ورأى معلم محمد بن داوود ابن الجراح على دفتر له دمه فسأله عنه فقال اني اكب على السراج اجرس في الليالي الحار قطف ارعف فقال له انما تطلب العلم لنفسك فاذا اتلفت نفسك فما ينفعك علمك. وقد قال عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه ان في مطيتي فاذا حملت عليها خسرتها فقال له محمد قال بعض الاوائل ان لم تصبر على تعب العلم صبرت على شقاء الجهل فقال المعلم صدق هذا القائل ولكن لا تجاوز الاعتدال في طلب العلم ربما ادى الى تضييعه. قال ابو هلال وهذا مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم الا ان هذا الدين متين فاوغل فيه برفق. فان المنبت لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقاه. والعرب تقول شر القحقا الحق حقه وهي شدة السير. وقال الشاعر تقطع بالنزول الارض عنا. وطول الارض يقطعه النزوله. يريد ان فاذا نزلت وسرت بلغت المقصد وان واصلت السير قطع بك. قلنا فخرج محمد ابرع الناس في العلم والحفظ. وكان يقرأ على بعض شيوخ خبر اسلام ابي ذر فانتهى الى اربع ورقات من اصل الشيخ. فقال اقرأها علي فقرأها. فقال له محمد اسمعها مني الان. فاذا وقد حفظها من لفظه. وكان الحسن ابن سهل عمل قصيدة استحسنها الناس وكتبوها. وكتمها الحسن محمدا مخافة ان يعيب فيها اشياء وكان محمد ناقدا للشعر حسن المعرفة به. فالتقينا في الجامع فقال له محمد انك ان لم تكتبني قصيدتك هذه الغراء فانشأ دني فانشدنيها مرة واحدة فانشده اياها فقال له محمد وقعت والله فيما فررت من اني والله حفظتها من لفظك وابتدأ فانشدها وعاب منها مواضع فقال له الحسن اعوذ بالله منك فانك شيطان ومثل وهذا ما حدثنا به ابو احمد قال حدثنا الصولي قال حدثنا علي ابن عباس قال قال البحتري اول ما رأيت ابا تمام اني دخلت على ابي سعيد محمد بن يوسف وقد امتدحته بقصيدة التي اولها فافاق صب في الهوى فافيق او خان عهدا او اطاع شفيقا. فسر ابو سعيد وقال احسنت يا فتى. فقال له رجل في هذا شعر لي علقه عني فسبقني به اليك. ثم انشد منها ابيات كثيرة. فقال لي يا محمد يا فتى قد كان في قرابتك كمنا ودك لنا ما يغنيك عن هذا فجعلت احلف بالله ان هذا الشعر لي الى ان استحيا الرجل وقال الشعر له فضحك محمد وقيل لي هذا ابو تمام فقمت اليه فعانقته فاقبل يقرضني ولزمته بعد ذلك. وكثر تعجبي وتعجب محمد من سرعة حفظه وجودة ذهنه ونحو ما تقدم ما روى بعض الشيوخ ان سبويه كان يخرج بالاسحار فيرى محمد ابن المستند على بابه قال له يوما انما انت قطرب ليل فسمي قطربا والقطرب دويب دويب دويبة تدب الليل كله وذكر لي انه كان من اهلي تستر واجتهد الاصمعي حتى حفظ ثلث اللغة ولولا انه شغل نفسه بحفظ الاخبار والاشعار لحفظ اللغة كلها. وكان ابو زيد يحفظ ثلثي اللغة وكان الخليل يحفظ نصف اللغة. وكان ابو مالك عمرو بن كركرة يحفظ اللغة كلها. وكان اكثر علم الاصمعي مأخوذ اذا من الاعراب قال الاصمعي رآني اعرابي وانا اكتب كل ما يقول فقال ما تدع شيئا الا نمصته اين تفتح قلنا ومن هذا قيل نتف العلم وغيره. وقال له بعض الاعراب وقد رآه من هذا قيل سلام عليكم ومن هذا قيل نتف الكلام وغيره. وقال له بعض الاعراب وقد رآه يكتب كل شيء. ما انت الا الحفظة الا الحفظة والله ان يكون صيغة مبالغة كالهمزة قال له مازا حصلنا عليكم ما انت الا الحفظة تكتب لفظ اللفظة وقال اخر انت حتف الكلمة الشرعية جمع لافظ يعني متكلم عليكم وقال الرشيد للاصمعي وابيع عبيدة حين جمع بينهما صفال لي الفرس. فقال ابو عبيدة لي في الخيل كتاب كبير. ورأى ورأي امير المؤمنين في قراءته اعلاه. وقال الاصمعي احضروا لي فرسا. واعطوني قضيبا ففعلوا. فجعل يضع القضيب على موضع موضع منه من جسد الفرس ويسميه ويصفه حتى انتهى الى سنابكه. فاعجب الرشيد ذلك واحتبسه لمداء. لمنادمته وصرف ابا عبيد ولا نعرف احدا حفظ من الاخبار ما حفظ ابو بكر بن جريد. وكان شيخنا ابو احمد الحسن بن احمد بن سعيد كتب عنه باملائه من حفظه من الفي ورقة بخط دقيق وكان مع ذلك يحفظ من اللغة ما لم يحفظ احد ما لم يحفظ احد في زمانه ولا بعده الى وقتنا. وهذا جميع كتبه في اللغة الجمهرة والاشتقاق وغيرهما من حفظه. وما رأى احد معه كتابا قط وله من الشعر ما ليس لعالم قبله. وكان مع ذلك يستحقر علمه ويحقر نفسه وذكر لي ان بعض غلمانه ابن بسطام او غيره تطاول على رجل فزجره وقال ما الذي يعجبك من نفسك او يعجبك مني ان جميع ما تحفظه واكثر يحفظه راع من رعاة العرب وورد عسكر مكرم فقاد اليه عسكر مكرم هذا اسم مدينة وورد هو مدينة عسكر مكرم نعم احسن الله اليكم وورد عسكر مكرم فقاد اليه جعفر بن محمد العسكري فرسا بمئة دينار وقرأ عليه فلما اراد الرحيل الى مدينة السلام حمل الى مئة دينار وانشده وهون وجدي ان فرقة بيننا فراق حياة لا فراق مماتي. فقال له ابو بكر يا ابا الفضل اجتهد واطلب واسهر ولا تدع احدا يسبقك في عملك ولو بشق نفسك فان الرفيع من كان ذا سلطان او ذا علم فمن لم يكن له احدهما تركه الناس وراء اعقابهم. ونحن نقول ان صاحب السلطان انما يدوم له ما دام في سلطانه. فاذا زال عنه ذل وعز العالم يدوم له في حياته بعد مماته. ولهذا كان فضلاء السلاطين يجتهدون في طلب العلم مع كثرة اشتغالهم وانغماسهم في الدنيا. وحدثنا الشيخ ابو احمد غير مرة قال لما فارقت ابا الفضل الحسين ابن العميد وكان بالري مبادرا نحو عسكر مكرم لامر حدث في اهله واجتزت باصبهان اغتنم اغتنمني الصاحب ابن عباد ابو القاسم وسألني المقام عليه فذكرت له الامر الذي من اجله قد فارقت حضرة ابي الفضل. والضرورة التي دعت الى المسارعة الى الوطن. فابى ان يعذرني في الخروج عنه اخبر مؤيد الدولة بخبر وعرفه صدق حاجته الى الاستكثار مني فامر فنودي باصبهان برئت ذمة من برئت الذمة من رفقة تجوز الى خوزستان مدة سنة. فاجتمع تجار العسكر وغيرهم اليه. وسألوني اجابته الى المقام معه القدر الذي اريده ليفسح لهم في الخروج والتصرف في امورهم. فلم اجد بدا من ذلك فاقمت معه حتى قرأ كتاب الجمهرة باب الاشتقاق وامال ابن جريد وغيرهما وعملت له كتاب اقسام العرب ثم انصرفت وانا شاكر له ذاكر ناشر قال ابو هلال ولو ان الجاهلة بين نقيصة الجهل من نفسه لفزع الى مفارقته بالكد في التعلم ولكنه كآكل لا يشم من من نفسه نتنه وانما يشمه غيره ويتأذى به سواه. والفضيحة بالجهل عظيمة والغبن به كثير لو عرفه الجار ولا يرضى بالجهر الا من هانت عليه نفسه فلا يبالي ان يهجى. ويستخف به ويسخر منه وادنى حقه منه ذلك. ومن اكرمه الا عند ضرورة فقد وقع الاكرام في غير موضعه. واخبرنا الشيخ ابو احمد قال حدثنا ابي قال حدثنا ابو علي عسل. قال حدثنا ابو وحاتم قال حدثنا الاصمعي قال ادين هشام اذن العامة. فدخل قوم من اهل العراق فقضى حاجتهم فلما ظن ان مجلسه خلا منهم اقبل على جلسائه فقال من الذي يقول اخذنا القرون فعكثنها كعكف العسيف غرابيب ميلا. قال فسكت القوم قد تخلف رجل من اهل العراق في حاجة له كالمختفي. فقال للذي يليه قل امرؤ القيس امرأ القيس. فقال امرؤ القيس. فقال ما يعني فقال الرجل يلقنه قل القرع فقال القرع فضحك هشام وجعل يضرب برجله فقال للعراقي اهكذا هو؟ قال لا قال فلمن الشعر؟ قال لكثير؟ قال يصف ماذا؟ قال يصف شعور النساء. فقال ما حملك على هذا؟ قال تدني هؤلاء وتقصيناه وهذا يقوله كثير يصف اخذ النساء ظفائرهن ووضعهن كما يعمل العزيف بالعنب اذا علق عناقيده وشبه العناقيد اذا بالغرابيب السود قال فقضى حاجته واجازه انظر كيف سخر العراقي من الشامي لما تبين من جهله وكيف فالندى رأي الخليفة في ادناء الجهال واقصاء العلماء ولعمري ان ذلك لسبة اعاذنا الله عز وجل واياكم من الجهل والرضا به وتقريب اهله واستحسان حالهم فيه ونفعنا بما علمنا له حجة لنا لا علينا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ذكر المصنف رحمه الله تعالى من المعاني المتعلقة في هذا المحل في الصفحة الثانية والثمانين ان عند الحكماء ان من تبرم بالعلم والعلماء اي ضجر من ذلك ومن يقدر على حفظ العلم والادب وهو مقصر فيه فليس بانسان كامل فمن يتبرأ من من العلم او له قدرة عليه ثم يتركه فليس بانسان كامل ومن كانت له قدرة عليه كان عيبا به ان يكون مقصرا فيه ثم ذكر قصة في هذا المعنى ان رجلا قال لخالد بن صفوان ما لي اذا رأيتكم تذاكرون الاخبار؟ تتدارسون اثار وتناشدون الاشعار وقع علي النوم فقال لانك حمار في مسلاخ انسان. يعني في صورة انسان وجلده فالانسان الكامل انما تطيب له الفضائل وتشرف نفسه لها ومن جملتها العلم ثم ترى قصة في هذا المعنى في الرجل الذي دخل على الوليد بن يزيد ثم تبين له انه لا يحسن شيئا العلم فصار عنده لا قيمة له كما قال شأنك فليس معنا احد. لانه لم يجده لا صاحب قرآن ولا صاحب فقه ولا صاحب ادب. فكان شبه العدم. ثم ذكر رحمه الله تعالى حديثا في فضل العلماء وهو العلماء في الارض مثل النجوم في السماء. هذا روي في عدة احاديث في تشبيه العلماء النجوم ثم ذكر رحمه الله تعالى ان من فضل العلم انه ليس احد يحب ان له بحق منه خطرا اي لا يرضى ان لا يرجع منه بحظ مهما تجشم فيه من مشقة كما كان ابن ابن عباس رضي الله عنه يصنع بنفسه فكان يقيل عند ابواب الانصار ينتظره ابتغاء استنباط العلمي منهم بتطييب انفسهم انه بقي واقفا عند ابواب بيوتهم ينتظر خروجهم ليأخذ العلم ما عنده فلما عظم هذا منه في نفسه عظم حظه من العلم ثم اورد في جملة هذا المعنى قول الخليل ابن احمد منزلة الجهل بين الحياء والالفة. اي ان العبد ربما اوقف نفسه في الجهل بحياء يمنعه من العلم او باستكبار يمنعه من العلم. وهذا معنى قول مجاهد الذي علقه البخاري لا ينال العلم مستح ولا مستكبر. ثم ذكر رحمه الله تعالى ان العلماء لهم منزلة كمنزلة الملوك في تعظيمهم واجلالهم وما ينبغي من الادب معهم. وذكر طرفا من الاداب التي يواجه به العالم ويعامل بها كقوله من ادب الداخل على العالم ان يسلم على اصحابه عامة خصه بالتحية ويجلس قدامه ولا يشير بيده الى اخر ما ذكر رحمه الله تعالى ثم اثارا عن جماعة من علماء السلف في اجلال العلم واعظامه ومنع من لم يكن من اهله منه ولو كان من ابناء الملوك والخلفاء كالواقع بن مالك بن انس مع المنصور وكالواقع من شريك ابن عبد الله مع بعض ولدي المهدي ثم ذكر من قصصهم في اجلال العلم واعظامه ما عرظ لفرج ابن فضالة مع المنصور ولمحمد بن الحسن الشيباني مع الرشيد في ترك القيام لهم اعظاما للعلم لان العلم اعظم من الولاية والخلافة فهو احق بالتعظيم. وقوله في قصة محمد ابن حسن بالصفحة السابعة والثمانين فانخزل من كان شمت به وحسده اي تصاغر لان الانخزال هو والانضمام والاجتماع. والمقصود تصاغره وذله بعد طمعه في الشماتة بمحمد بن الحسن. ثم ذكر قصة تدل على حفظ ابي تمام للطائي ثم قال بعد ذلك ونعم المعلم الدرس. يعني اعادة ما يتلقاه المتعلم ومدارسته مرة بعد مرة. وربما فوجد في كتب عباس الفارسي كما في معالم الايمان على كتاب الله درسته الف مرة اي اعدته الف مرة ونعم المعين السهر لما فيه من جمع القلب على العلم في حال فراغ من الشغل عن فان الليل يفرغ فيه المرء من الناس ويرجع الى نفسه. فمن اعظم ما يعينه على تحصيل العلم السهر فيه ثم قال ونعم الدليل السراج اي الذي يضيء للعبد في ظلمة الليل عند طلبه يقرأه او يحفظه ونعم المذاكر الكتاب فهو يذكر الانسان بما كان من علمه. ثم ذكر رحمه الله تعالى كلاما عن السلف في تعظيم العلم واجلاله والفرق بين اهله الذين يعرفون قدره بين من لا يعرف قدره من النساء والاصحاب وغيرهم كما قال الخليل لامرأته انت تجلين عن دقيق وانا ادق عن جليلك فلك شغل ولي شغل وكان ربما غلب عليه الاشتغال بالعلم في فكره حتى يخرج الى الصحراء كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى. ثم ذكر اثارا اخرى في هذا المعنى في تفريغ القلب للعلم والصبر على طلبه ثم ذكر بعد ذلك قصصا تذكر عن ذكاء بعض الشعراء وقوة حفظهم كابي تمام. واورد بعد فذلك من احوال المشتغلين طلب علم العربية ما كان عليه محمد المستنير من لزوم باب السيبويه حتى يخرج اليه في السحر. فقال له سيبويه يوما انما انت ليل فسمي قطبا والقطر دويبة تدب الليل كله فهي من دواب الليل فلاجل ملازمته بابه في الليل لقبه بهذا اللقب ثم ذكر بعد ذلك جملة من احوال علماء العربية في مقادير حفظهم كالاصمعي وابي زيد الانصاري قليل الفراهيد وابي ما لك عمرو بن كركرة بكسر الكاف وتفتح ايضا فيقال كركرة فيجوز هذا وهذا ثم ذكر بعض ما وصف به الاصمعي في ذلك ثم ذكر انه لا يعرف احدا حفظ من الاخبار ممن ادركه وقرب عهده بهما حفظ ابو بكر ابن دريد صاحب الجمهرة والاشتقاق وكان خاله ابو احمد العسكري من تلاميذ ابن دريد وممن حمل العلم ورغب في كتبه واخذت عنه كما اتفق لابي احمد العسكري من بحبسه في تلك المدينة من اميرها يريد ان يتلقى عنه كتب ابن دريد كالجمهرة والاشتقاق فاخذها عنه في تلك المدة. ثم ذكر بعد ذلك ان الجاهل لو تبين ناقصة الجهل من نفسه وعرفها لفزع الى مفارقته بالكد في التعلم. ولكنه كآكل الثوم لا يشم من نفسه نتنة انما يشمه غيره فللجهل نتن ربما لم يدركه صاحبه ولو ادركه لم يرظى بالنسبة اليه ولا اجتهد في طلب ازالته عنه بالتباس العلم. ثم ذكر قصة في ذلك وقعت في مجلس هشام ابن عبد الملك الاموي احد خلفاء بني امية وكيف ان رجلا من العراقيين الواردين عليه غلب الملازمين له وذلك في بيان قائل بيت مشهور مع بيان معناه وهو قول الشاعر اخذنا القرون فعكفنها كعكف العسيف. يعني الاجير غرابيب ميلا. وفسرها الشامي بما ذكر المصنف والغرابيب اسم لعنب الطائف وهو الذي اراده فان الغرابيب وصف لعنب الطائف الاسود وهو عند العرب من افضل انواع العنب التي وهذا مما يتم به المعنى الذي ذكره العراقي في هذه القصة. ثم ختم المصنف رسالته والاستعاذة من الجهل والرضا به وتقريب اهله والدعاء بان ينفع الله سبحانه وتعالى العبد بما علمه اياه وان يجعله حجة له لا عليه. فنسأله سبحانه وتعالى ان يعلمنا ما ينفعنا وان الهمنا رشدنا وان يقينا شر نفوسنا. وهذه الرسالة حقيقة بالدرس مرة بعد مرة هي ونظائرها فان مما تستحث به النفوس وتحمل على طلب العلم معاودة القراءة في الكتب مصنفة في فظل العلم وذكر مناقب اهله. فاذا انست من نفسك ضعفا في طلب العلم فابتغي شيئا من الكتب التي تبين فظله وتحث عليه فان ذلك مما يذكي همتك ويشحذ عزيمتك ويجدد قوتك في طلب العلم وكتاب ابي هلال العسكري من الكتب الحسنة الموضوعة في ذلك ولابي الفرج من كتاب في هذا المعنى. وكذلك كتاب ابي عمر ابن عبد البر المعروف بكتاب الجامع. هو في هذا المعنى. فهذه الكتب من اصول الكتب القديمة التي ينبغي ان يقرأها الانسان ليحث نفسه على طلب العلم وتحصيله وهذا اخر تقرير على هذا الكتاب وبالله التوفيق والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين