قال النووي رحمه الله تعالى الحديث الثالث عن ابي عبد الرحمن عبد الله ابن عمر ابن الخطاب رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بني الاسلام وعلى خمس شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان رواه البخاري ومسلم. قال ابن رحمه الله اما ما يتعلق بلفظ الحديث ولغاته فقد جاء الحديث في الصحيح برواية مختلفة نذكرها ان شاء الله تعالى وطرق جميع حديث عن عبد الله ابن عمر وفي رواية لمسلم بني الاسلام على خمسة على ان يوحد الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصيام رمضان والحج هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمسلم في رواية ثانية بني الاسلام على خمس على ان يعبد الله ويكفر بما دونه واقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان. وفي رواية لمسلم وهي رواية الكتاب بني الاسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله ان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان. وفي رواية لمسلم ايضا ان رجلا قال لعبدالله بن عمر الا تغزوه فقال اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الاسلام بني على خمس شهادة ان لا اله الا الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصيام رمضان وحج البيت قال الشيخ محي الدين رضي الله عنه في شرح صحيح مسلم لهذا الحديث وقع في الطريق الاول والرابع على خمسة بالهاء فيها وفي الثاني والثالث خمس بلا هاء وكلاهما بلا هاء والمراد برواية الهاء خمسة اركان او نحوه. وبحذفها خمس خصال او دعائم او قواعد او نحو ذلك. واما تقديم الحج وتأخيره ففي الرواية الاولى والرابعة تقديم الصيام. وفي الثانية والثالثة تقديم الحج. ثم اختلف العلماء في انكار ابن عمر رضي الله عنهما الرجل الذي قدم الحج مع ان ابن عمر رضي الله عنهما رواه كذلك كما وقع في الطريقين المذكورين. والاظهر والله اعلم انه ان ابن عمر رضي الله عنهما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين مرة بتقديم الحج ومرة بتقديم الصوم. فرواه ايضا على الوجهين في وقتين فلما رد عليه الرجل وقدم الحج قال ابن عمر لا ترد علي ما لا علم لك به ولا تعترض بما لا تعرفه ولا تقدح فيما لا لا تتحققه بل بتقديم الصوم هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس في هذا نفي لسماعه على الوجهين. ويحتمل ان ابن عمر رضي الله عنهما كان سمعه مرتين بالوجهين كما ذكرنا. ثم لما رد عليه الرجل نسي الوجه الذي رده فانكره فهذان الاحتمالان هما المختاران في هذا. وقال الشيخ ابو عمرو بن الصلاح رضي الله عنهم محافظة ابن عمر رضي الله عنهما على ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهيه عن عن عكسه تصلح حجة لكون الواوي تقتضي الترتيب. وهو مذهب كثير من الفقهاء الشافعيين وشذوذ من نحو ومن قال لا تقتضي الترتيب وهو المختار وقول الجمهور فله ان يقول لم يكن ذلك لكونها تقتضي الترتيب بل لان فرض الصوم طعن نزل في السنة الثانية من الهجرة ونزلت فريضة الحج سنة ست وقيل سنة تسع بالتاء المثناة فوق. ومن حق الاول ان يقدم في الذكر على الثاني فمحافظة عمر لهذا واما رواية تقديم الحج فكأنه وقع ممن كان يرى الرواية بالمعنى ويرى ان تأخير الاول في الذكر شائع في اللسان فتصرف فيه بالتقديم تأخير لذلك مع كونه لم يسمع نهي ابن عمر عن ذلك فافهم ذلك فانه من المشكل الذي لم اراهم بينوه. هذا اخر كلام الشيخ ابي عمرو ابن الصلاح قال الشيخ محي الدين محي الدين رحمه الله ورضي عنه وهذا الذي قاله ضعيف من وجهين احدهما ان الروايتين قد ثبتتا في الصحيحين وما صحيحتان في المعنى لا تنافي بينهما كما قدمنا ايضاحه فلا يجوز ابطال احداهما. الثاني ان فتح باب احتمال التقديم والتأخير في مثل هذا قدح في رواية الروايتين. ولو فتح لنا ذلك لم يبقى وثيق بشيء من الروايات الا القليل. ولا يخفى بطلان هذا وما يترتب عليه من مفاسد وتعلق من يتعلق به ممن في قلبه مرض مرض والله اعلم. قال الشيخ محي الدين رحمه الله ثم اعلم انه وقع في رواية لابي عوانة الاسبريني في كتابه المخرج على صحيح مسلم وشرطه وشرطه عكس ما وقع في مسلم من قول الرجل لابن عمر في كتابه المخرج على صحيح مسلم وشرطه عكس ما وقع السلام عليكم في رواية ابي عوانة الاسبرايين في كتابه المخرج على صحيح مسلم وشرطه. عكس ما وقع في مسلم من قول الرجل لابن عمر قد قدم ما الحج؟ قدمي الحج. احصن ايه؟ قدمي الحج. فوقع فيه ان ابن عمر قال للرجل اجعل صيام رمضان اخرهن كما سمعت من من في رسول الله الله عليه وسلم قال الشيخ ابو عمرو بن الصلاح لا يقاوم هذه الرواية ما رواه مسلم قال الشيخ محيي الدين رحمه الله وهذا محتمل ايضا صحته ويكون قد جرت القضية مرتين لرجلين والله اعلم ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة توفيقا بين الرواية والدتي في هذا الحديث منقولا من كلام ابي عمرو ابن الصلاح في صيانة صحيح مسلم والنووي في شرح صحيح مسلم المسمى بالمنهاج. فان ابن عمر رضي الله عنه حدث بهذا الحديث فوقع في رواية عنه تقديم الحج على الصوم. وحدث ايضا فوقع عكس ذلك بتقديم الصوم على الحج. وفي صحيح مسلم انه لما حدث به رد عليه رجل بتقديم الحج على الصوم. فاخبر ابن عمر بان الرواية بتقديم الصوم على الحج. وعند ابي عوانة عكس ذلك ان الرجل رد عليه بتقديم فرد عليه ابن عمر بتقديم الحج. والاول هو المحفوظ عنه في صحيح مسلم انه انكر على الرجل وذكر ان المحفوظ من حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو تقديم صيام رمضان على الحج وهو الاظهر في في نسق الحديث وان كان البخاري رحمه الله تعالى لم يسر على ذلك لكن الاظهر ان المحفوظ تقديم صيام رمضان على نعم. احسن الله اليكم واما اقتصاره في الرواية الرابعة على احدى الشهادتين فهو اما تقصير من الراوي في حذف الشهادة الاخرى التي اثبتها غيرهم من الحفاظ. واما ان تكون وقعة الرواية من اصلها هكذا ويكون من الحذف للاكتفاء باحد القرينتين ودلالته على الاخر المحذوف والله اعلم. واما اسم الرجل الذي رد عليه ابن عمر رضي الله عنهما تقديم الحج فهو يزيد ابن بشر السكسكي. ذكره الحافظ الخطيب البغدادي في الاسماء المبهمة. واما قوله الا تغزو فهو بالتاء المثناة من فوق للخطاب ويجوز ان تكتب بالالف وبحذفها. فالاول قول الكتاب المتقدمين والثاني قول المتأخرين وهو الاصح حكاهما ابن قتيبة في ادب الكاتب. واما جواب ابن عمر له بحديث بني الاسلام على خمس. فالظاهر ان معناه ليس الغزو بلازم على الاعيان فان الاسلام بني على خمس ليس الغزو منها. وهذا الحديث اصل عظيم في معرفة الدين وعليه اعتماده. وقد جمع اركانه والله اعلم قال النووي رحمه الله تعالى الحديث الرابع عن ابي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ان احدكم يجمعه بطن امه اربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك. ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر باربع كلمات بكتب رزق به واجله وعمله وشقي ام سعيد. فوالذي لا اله غيره ان احدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها. وان احدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع. فيسبق عليه فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها رواه البخاري ومسلم. قال ابن العطار رحمه الله تعالى اما ما يتعلق بلفظ الحديث ومتنه فقوله الصادق المصدوق فقوله الصادق المصدوق فمعناه الصادق في قول المصدوق فيما يأتيه من الوحي قوله ان احدكم بكسر الهمزة على حكاية لفظه صلى الله عليه وسلم وقوله وبكسب رزقه هو بالباء الموحدة في اوله. وقوله وشقي ام سعيد خبر مبتدأ محذوف؟ اي وهو شقي او سعيد؟ اعلم ان هذا الحديث يروى بالفاظ مختلفة نذكر طريق الجمع بينها ان شاء الله تعالى. قال الشيخ محيي الدين رحمه الله تعالى ورضي عنه في شرح مسلم ظاهر هذه الرواية ان ارسال الملكي يكون بعد مئة وعشرين يوما. وفي رواية اخرى لمسلم يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم اربعين. باربعين او خمسة اربعين ليلة فيقول يا ربي اشقي او سعيد وفي رواية ثالثة لمسلم اذا مر بالنطفة اثنتان واربعون ليلة بعث الله اليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها. وفي رواية ابن اسيد ان النطفة تقع في الرحم اربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك الملك. وفي رواية ان ملكا موكلا بالرحم اذا اراد الله ان اخلق شيئا باذن الله لبضع واربعين ليلة وذكر الحديث. وفي رواية انس ان الله قد وكل بالرحم ملكا فيقول اي رب نطفة. اي ربي علق اي رب مضغة. قال الجمع بين هذه الروايات ان للملك ملازمة مراعاة بحال النطفة. وانه يقول يا رب هذه علاقة هذه مضغة في اوقاتها فكل وقت يقول فيه ما صارت اليه بامر الله تعالى وهو اعلم سبحانه وتعالى. ولكلام الملك وتصرفه اوقات حين يخلقها الله تعالى نطفة ثم ينقلها علقة وهو اول علم الملك بانه ولد. بانه لانه ليس كل نطفة تصير ولدا وذلك عقب الاربعين الاولى وحينئذ يكتب رزقه واجله وعمله وشقاوته او سعادته ثم للملك فيه تصرف اخر في وقت اخر وهو تصويره وخلق سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظمه. وكونه ذكرا انثى وذلك انما يكون في الاربعين الثالثة. وهي مدة المضغة وقبل انقضاء هذه الاربعين وقبل نفخ الروح فيه لان نفخ الروح لا يكون الا بعد تمام صورته. واما قوله في احدى الروايات فاذا مر بالنطفة تنتان واربعون ليلة بعث الله اليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم قال يا ربي اذكر ام انثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك وذكر رزقه فقال القاضي وغيره ليس هو على ظاهره بل المراد بتصويرها وخلق سمعها الى اخره انه يكتب ذلك ثم يفعله في وقت اخر. لان التصوير عقب الاربعين الاولى غير موجود في العادة. وانما يقع في الاربعين الثالثة وهي مدة المضغة كما قال الله تعالى ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة وفي قرار مكين ثم يكون للملك فيه تصوير اخر وهو وقت نفخ الروح عقب الاربعين الثالثة حين يكمل له اربعة اشهر. واتفق العلماء على ان نفخ الروح لا يكون الا بعد اربعة اشهر ووقع في رواية للبخاري ان خلق احدكم يجمع في بطن امه اربعين اربعين ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله ثم يبعث اليه الملك فيؤذن باربع كلمات في كتب في كتب رزقه واجله وشقي ابو سعيد ثم ينفخ فيه ثم يبعث فقوله ثم يبعث بحرف ثم يقتضي تأخير كتب الملك هذه الامور الى بعد الاربعين الثالثة والاحاديث الباغية تقتضي الكتب عقب الاربعين الاولى وجوابه ان قوله يبعث اليه الملك فيؤذن في كتب فيكتب معطوف على قوله يجمع في بطن امه ومتعلق به لا بما قبله وهو قوله ثم يكون مضغة مثله ويكون قوله ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله معترضا بين المعطوف والمعطوف عليه ذلك جائز موجود في القرآن والحديث الصحيح وغيره من كلام العرب. قال القاضي وغيره والمراد بارسال الملك في هذه الاشياء بالمصنف رحمه الله تعالى الى هذا المسلك في التوفيق بين ما ذكر في الاحاديث من كون الكتابة بعد الاربعين الاولى وفهم ما في بعض من كونه بعد الاربعين التالتة. فرجع الى التأليف بينها بهذا الوجه اللغوي. واحسن من هذا ما ذهب اليه ابن القيم وانتصر له ببسط العبارة في كتاب التبيان وفي شفاء العليل وفي حاشيته على مختصر سنن ابي داوود بامكاني تكرر الكتابة مرتين. فالاولى بعد الاربعين الاولى والثانية بعد الاربعين التالتة وهذا هو الموافق لظواهر النصوص فان النصوص صريحة في تكرر الكتابة فتحمل على المحلين فتكون ثمة كتابة اولى بعد الاربعين الاولى وكتابة ثانية بعد الاربعين الثالثة. نعم قال القاضي وغيره المراد بارسال الملك في هذه الاشياء يمره بها وبالتصرف فيها بهذه الافعال. والا فقد صرح في الحديث بانه موكل بالرحم وانه يقول يا ربي نطفة يا ربي علقة يا ربي مضغة ثم المراد بجميع ما ذكر من الرزق من الرزق والاجل والشقاوة والسعادة والعمل والذكورة والانوثة انه يظهر ذلك للملك. وانه يظهر ذلك للملك ويأمره بانفاذه وكتابته. والا فقضاء الله انا سابق على ذلك وعلمه وارادته لكل ذلك موجود في الازل والله الموفق. قوله صلى الله عليه وسلم فوالذي لا اله غيره ان احدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها. وان احدكم ليعمل بعمل اهل النار الى اخره. المراد بالذراع التمثيل بالقرب من موته ودخوله عقبه الى تلك تلك الدار ما بقي بينه وبينها الا كمن بقي بينه وبين موضع الارض ذراع. والمراد بهذا الحديث لان هذا قد يقع في نادر من الناس الى انه غالب فيهم ثم من لطف الله تعالى والسعة رحمته انقلاب الناس من الشر الى الخير في كثرة بخلاف في العكس فانه في نهاية من القلة والندرة ويدخل في هذا من انقلب الى عمل النار بكفر او معصية لكن يختلفان في التخليد وعدمه الكافر يخلد في النار وغيره لا يخلد. وفي هذا الحديث اثبات القدر وان التوبة تهدم الذنوب قبلها. وان من مات على شيء حكم له به من خير او شر الا ان اصحاب المعاصي غير الكفر في المشيئة والله اعلم. وفي هذا الحديث دلالة لمذهب اهل السنة في اثبات قوله رحمه الله الا ان اصحاب المعاصي غير الكفر في المشيئة اي كائنون تحت مشيئة الله. من شاء عذبهم وان شاء عفا عنهم وغفر له. نعم. احسن الله اليكم. وفي هذا الحديث دلالة لمذهب اهل السنة باثبات القدر وان السعادة والشقاوة في جميع واقع واقعات بقضاء الله خيرها وشرها نفعها وضرها. لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فهو ملك فهو ملك الله تعالى فهو ملك لله تعالى يفعل ما يشاء ولا اعتراض على المالك في ملكه لكن لا ينبغي الاتكال على ما قدر وترك العمل كما قال الصحابة رضي الله عنهم افلا نتكل على ما قدر لنا؟ بل ينبغي الاجتهاد في العمل كما ارشدهم صلى الله عليه وسلم بقوله اعملوا وسددوا واقاربوا كل ميسر لما خلق له ثم تلا قوله تعالى فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى. قال الامام ابو الموظف المظفر السمعاني سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس ومجرد العقول. فمن عدل عن التوقيف فيه ظل وتهافي بحار الحيرة. ولم يبلغ غثاء النفس ولا يصل الى ما يطمئن به القلب لان القدر سر من اسرار الله تعالى ضربت دونه الاستار. واختص الله به وحجبه عن عقول الخلق معارفهم لما علمه من من الحكمة. وواجبنا ان نقف حيث حد لنا ولا نتجاوز. وقد طوى الله تعالى علم القدر على العالم فلم لم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب. وقيل ان سر القدر ينكشف لهم اذا دخلوا الجنة ولا ينكشفوا قبل دخولها. قوله رحمه الله وهو قيل ان سر القدر ينكشف لهم الى اخره لم يثبت ما يدل على ذلك بل القدر سر اخفاه الله سبحانه وتعالى عن الخلق لحكمته الكاملة ورحمته الشاملة. نعم. احسن الله اليكم. قال النووي رحمه الله تعالى الخامس عن ام المؤمنين ام عبدالله عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد. رواه البخاري ومسلم وفي رواية مسلم عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد. قال ابن العطار رحمه الله قال اهل العربية الرد هنا بمعنى المردود ومعناه فهو باطل غير معتد به. قال الشيخ محي الدين رحمه الله ورضي عنه هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الاسلام وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فانه صريح في رد كل البدع تراعات وفي الرواية الثانية زيادة وهي انه قد يعاند بعض الفاعلين في بدعة سبق اليها فاذا احتج عليه بالرواية الاولى يقول انا ما حدثت شيئا فيحتج علي بالثانية التي فيها التصريح برد كل المحدثات سواء احدثها الفاعل او سبق باحداثها. وفي هذا الحديث دليل لمن يقول من الاصول وليين ان النهي يقتضي الفساد. ومن قال لا يقتضي الفساد يقول هذا خبر واحد. ولا يكفي في اثبات هذه القاعدة المهمة. وهذا جواب فاسق وهذا الحديث مما ينبغي حفظه واستعماله في ابطال المنكرات واشاعة الاستدلال به. قلت قد عد العلماء امورا احدثت في الدين احدثها الجهلة المتعمقون لا اصل لها في الشريعة فينبغي ان يستدل على ابطالها وان يحج فاعلها بهذا الحديث الصحيح الصريح وذلك خرق في العبادة فمنها ما هو وفي الصلاة كصلاة الرغائب وليلة النصف من شعبان وقراءة الانعام في ركعة في ليلة السابع والعشرين من رمضان وايهام العوام انها نزلت دفعة واحدة في هذه الليلة ومن ذلك ما يزاد في الاقامة من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي رحمه الله الحديث السادس عن ابي عبدالله النعمان ابن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ان الحلال بين وان الحرام بين وبينهما امور مشتبهات لا يعلمن كثير من الناس من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حولا حمالا يوشك ان يرتع فيه الا وان لكل ملك حمى الا وان حمى الله محارم الاوان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح الجسد كله. واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب. رواه البخاري مسلم قال ابن العطار رحمه الله اجمع العلماء على عظم موقع هذا الحديث وكثرة فوائده وانه احد الاحاديث التي عليها مدار الاسلام وان الاسلام يدور عليه وعلى حديث الاعمال بالنية وحديث من من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه. وقال ابو داوود الثاني احسن الله اليكم السجستاني يدور على اربعة احاديث هذه الثلاثة وحديث لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه. وقيل حديث ازهد في يحبك الله وزد فيما ايدي الناس يحبك الناس. قال العلماء وسبب عظم موقعه انه صلى الله عليه وسلم نبه فيه على اصلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها وغيرها وانه ينبغي ان يكون حلالا وارشد الى معرفة الحلال وانه ينبغي ترك المشتبهات فانه سبب لحماية دينه وعرضه حذرا من مواقعة الشبهات واوضح ذلك بضرب المثل بالحماة ثم بين اهم الامور وهو مراعاة القلب. فقال صلى الله عليه وسلم الا وان في الجسد مضغة الى اخره فبين صلى الله عليه وسلم ان بصلاح القلب يصلح باقي الجسد ومفساده افسد باقيه. واما قوله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين فما ان الاشياء ثلاثة اقسام حلال بين واضح لا يخفى حله كالخبز والفواكه والزيت والعسل والسمن ولبن مأكول ولبن مأكول اللحم وبيضه وغيره من المطعومات وكذلك الكلام والنظر والمشي وغير ذلك من التصرفات فهي حلال بين واضح لا شك في حله. واما الحرام البين والميتة والبول والدم المسفوح وكذلك الزنا والكذب والغيبة والنميمة والنظر الى الاجنبية واشباه ذلك. واما المشتبهات فمعناه انها ليست بواضحة الحن ولا الحرمة. فلهذا لا يعرفها كثير من الناس ولا يعلمون حكمها واما العلماء فيعرفون حكمها بنص او قياس او استصحاب او غير ذلك. فاذا الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن فيه نص ولا اجماع اجتهد فيه المجتهد. فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي فإذا الحقه به صار حلالا وقد يكون دليله غير خال عن الاحتمال البين فيكون الورع تركه ويكون داخلا في قوله صلى الله عليه وسلم فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه وان لم يظهر للمجتهد في شيء وهو مشتبه فهل يؤخذ بحله ام بحرمته ام يتوقف فيه ثلاثة مذاهب حكاها القاضي عياض وغيره والظاهر وانها مخرجة على الخلاف المذكور في الاشياء قبل ورود الشرع وفيه اربعة مذاهب الاصح انه لا يحكم بحلم ولا حرمة ولا اباحة ولا غيرها لان التكليف عند اهل الحق لا يثبت الا بالشرع والثاني حكمها التحريم والثالث الاباحة والرابع التوقف والله اعلم. قوله صلى الله عليه وسلم رحمه الله. واما المشتبهات فمعناها انها ليست الحل ولا الحرمة فلهذا لا يعرفها كثير من الناس الى اخره متعلقه المتشابه الطلبي لان المتشابه الخاص ما سبق ذكره نوعان احدهما المتشابه الخبري. وهذا لا سبيل الى علمه. فقد اختص الله عز وجل به ومحله حقائق ما اخبر عنه عز وجل كحقائق معاني الاسماء والصفات او حقائق العذاب والنعيم. والثاني المتشابه الطلبي. وهو ما لم يتبين معناه ولم تتضح دلالته فهذا يعلمه من يعلمه من الناس ويخفى على من يخفى عليه من الناس فقوله صلى الله عليه وسلم لا يعلمهن كثير من الناس مشعر بان في الناس يعلم حكم المتشابه الطلبي وقوله رحمه الله تعالى بعد وان لم يظهر للمجتهد فيه شيء وهو مشتبه اي عليه فهل يؤخذ بحله ام بحرمته ام يتوقف؟ فيه ثلاثة يرحمك الله. فيه ثلاثة مذاهب حكاها القاضي عياض وغيره ثم قال الظاهر انها مخرجة على الخلاف المذكور في الاشياء قبل ورود الشرع. والمراد بالاشياء الاعيان المنتفع بها فان العلماء اختلفوا في حكم الاعيان المنتفع بها هل الاصل فيها والحل او الاصل فيها الحظر او توقف في ذلك عند قوم كما اشار الى ذلك الديسي في نظمه المختصر في الاصول اذ قال واختلفوا في الاصل في الاشياء فقيل الحظر الا ما اباحه الدليل وقيل ان اصلها الاباحة وقيل بالوقف وفيه راحة واصح المذاهب في ذلك ما حققه العلامة محمد الامين الشنقيطي في مذكرة اصول الفقه وغيرها ان الاشياء تتنوع على انواع اربعة. اولها ما كان متمحضا في المفسدة فالاصل فيه التحريم والثاني ما كان متمحضا في المصلحة فالاصل فيه الحل والتالت ما كان خاليا من المفسدة والمصلحة مع ما كان خاليا من المفسدة مصلحتي مع وهذا له وجود في الاذهان ولا وجود له في الاعيان. هذا له وجود في الاذهان ولا وجود له في الاعيان ما معنى هذه الجملة نعم في الواقع يعني في الخارج في الحياة وجود في الاذهان يعني في القسمة العقلية يعني في القسمة العقلية لما يقع في الذهن. والرابع ما تكون فيه مصلحة من وجه ومفسدة من وجه فالاصل فيه لما غلب منهما. فان غلبت المصلحة فالاصل فيه الحل وان غلبت المفسدة فالاصل فيه المنع والحظر. وان تسويا قيل ان دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة فيكون الاصل فيه الحظر في هذه الصورة نعم حصلنا عليكم قوله صلى الله عليه وسلم فقد استبرأ لديني وعرضه اي حصل له البراءة لديني من الذم الشرعي وصان عرضه عن كلام الناس فيه. قوله صلى الله عليه وسلم ان لكل ملك حمى الاوان حمى الله محارمه معناه ان الملوك وغيرهم يكون لكل ملك منهم حين يحمي عن الناس ويمنعهم دخوله فمن دخله اوقع به عقوبة من احتاط لنفسه لا يقارب ذلك خوفا من من الوقوع فيه. ولله تعالى ايضا حمى وهي محارم اي المعاصي التي حرمها كالقتل والزنا والسرقة والقذف والخمر والكذب والغيبة والنميمة للمال بالباطل واشباه ذلك فكل هذا حمى الله تعالى من دخله بارتكابه شيئا من المعاصي استحق العقوبة. ومن قاربه يوشك ان يقع فيه من احتاط لنفسه لم يقاربه ولا يتعلق بشيء يقربه من المعصية فلا يدخل في شيء من الشبهات. قوله صلى الله عليه وسلم الا وان في الجسد مضغة اذا صلحت الجسد كله اذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب قال اهل اللغة قالوا صلح الشيء وفسد بفتح اللام والسين وضمهما. والفتح افصح واشهر. والمضغة القطعة من اللحم سميت بذلك لانها تمضغ في الفم صغرها قالوا المراد تصغير القلب بالنسبة الى باقي الجسد مع ان صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب. وفي هذا الحث الاكيد على السعي في صلاح القلب وفي هذا الحث الاكيد على السعي في صلاح القلب وحمايته من الفساد واحتج به من قال العقل في القلب لا في الرأس وهو مذهب اصحابنا وجماهير المتكلمين وقال ابو حنيفة هو في الدماغ وقد يقال في الرأس وحكوا وحكوا الاول ايضا عن الفلاسفة والثاني عن الاطباء قال المازلي يحتج القائلون بانه في القلب بقوله تعالى افلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها وقوله تعالى ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب وبهذا الحديث فانه صلى الله عليه وسلم جعل صلاح الجسد وفساده تابعا للقلب. مع ان الدماغ من جملة الجسد فيكون صلاحه وفساده تابعا للقلب. فعلم انه ليس محلا للعقل واحتج القائلون بانه في الدماغ بانه اذا فسد الدماغ فسد العقل ويكون من في من ويكون من فساد الدماغ الصرع في ولا حجة لهم في ذلك لان الله سبحانه وتعالى اجرى العادة بفساد العقد عند فساد الدماغ مع ان العقل ليس فيه ولا امتناع من ذلك. قال لا سيما على اصولهم في الاشتراك الذي يذكرونه بين الدماغ والقلب. وهم يجعلون بين الرأس والمعدة والدماغ اشتراكا والله اعلم. ووراء هذا بين القولين قول ثالث وهو ان العقل في القلب مع اتصاله بالدماغ ان العقل في القلب مع اتصاله بالدماء وهي رواية عن الامام احمد اختارها ابو العباس ابن تيمية الحفيد وهي الاقوال الثلاثة