السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد وعلى اله وصحبه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة العبادة والتوحيد. واشهد ان محمدا عبده ورسوله. شهادة الاتباع والتجريد اما بعد فهذا هو المجلس الاول من الدرس الاول من برنامج منتخب الابواب والحصول الثاني والكتاب المقروء فيه هو فصول في فضل العلم وادبه. منتخبة من كتاب الذريعة الى مكارم الشريعة للعلامة ابي القاسم الراغب الاصفهاني رحمه الله تعالى. وهي زمرة لاحقة لاخوات لها تقدمت من فصول هذا الكتاب سبق اقراؤها في البرنامج الاول. وقبل الشروع في اقرائه لابد من ذكر مقدمتين اثنتين المقدمة الاولى التعريف بالمصنف وتنتظم في ستة مقاصد المقصد الاول جر نسبه هو العلامة المتفنن الحسين ابن محمد ابن المفضل الاصبهاني وقيل الحسين بن المفضل بن محمد وقيل الحسين ابن الفضل وقيل المفضل بن محمد في اقوال اربعة اشهرها الاول وهو الحسين ابن محمد ابن المفضل الاصبهاني قد حكاه جماعة من القدماء منهم الذهبي والصفدي يكنى بابي القاسم ويلقب بالراغب الاصفهاني ويجوز في الاصفهاني كونها بالفاء او بالباء لانها اعجمية عربت فاستحالت الى هذين الحرفين المتقارب مخرجهما المقصد الثاني تاريخ مولده ولد في مستهل رجب سنة ثلاث واربعين بعد الاربعمائة كما وجده مقيدا الاستاذ عدنان الجوهرجي على نسخة من كتاب المفردات للراغب الاصفهاني محفوظة في مكتبة خاصة في دمشق يقال انها بخط المصنف نفسه وهذا من الزوائد المستفادة من طرر المخطوطات مما لم يذكر في ترجمته رحمه الله المقصد الثالث جمهرة شيوخه ان ترجمة ابي القاسم الاصفهاني هي احدى التراجم التي غابت كثير من معالمها لقلة مترجميه في زمانه ومما غاب معرفة شيوخه فانه لم يذكر له عند احد من مترجميه شيخ اخذ عنه والمقطوع به انه تخرج في العلم بشيوخه فهذه هي قاعدة العلم في الامة المقصد الرابع جمهرة تلاميذه والقول فيه كسابقه اذ لم يذكر احد من تلاميذه في الكتب التي ترجمت له المقصد الخامس ثابت مصنفاته صنف ابو القاسم الاصفهاني رحمه الله كتبا نفيسة تدل على علم جليل وتحقيق فائق منها كتاب المفردات في غريب القرآن وجامع التفسير ومحاضرات الادباء والذريعة الى مكارم الشريعة وتفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين واجلها اولها وبه اشتهروا فان غالب النقل عنه مرده الى كتاب المفردات. المقصد السادس تاريخ وفاته ذكر السيوطي رحمه الله انه توفي في اوائل المئة الخامسة وفي ذلك نظر تدل عليه اخبار متفرقة لاحداث ذكرها في تضاعيف كتبه تدل على انه توفي قبل ذلك وللتردد فيه لم يجزم الذهبي رحمه الله تعالى بتاريخ وفاته بل ادخله في سير اعلام النبلاء في الطبقة الثانية والاربعين وهي التي تقع وفيات اصحابها بين سنة ثلاثين واربع مئة الى سنة سبعين واربع مئة وبه يعلم الجهل بمقدار عمره رحمه الله تعالى رحمة واسعة المقدمة الثانية تعريفه بالمصنف وتنتظم في ستة مقاصد ايضا. المقصد الاول تحقيق عنوانه اسم هذا الكتاب قوى الذريعة الى مكارم الشريعة والذريعة هي الوسيلة المفضية الى الشيء ومكارم الشريعة محاسنها المقصد الثاني اثبات نسبته اليه لا غرو ان هذا الكتاب مما خطته يا راعة ابي القاسم الاصفهاني وابدعته قريحته ويشهد بذلك تتابع النسخ الخطية للكتاب على نسبته اليه مع ذكر جماعة من مترجميه له في ترجمته ولا يعلم احد ادعاه لنفسه ولا ادعي لغير ابي القاسم والظاهر من هذه الدلائل الجزم بنسبته اليه. المقصد الثالث بيان موضوعه من المعاني المنتظمة الدالة على كمال الشريعة واحاطة الشارع سبحانه وتعالى بمقاصد صلاح الدارين ما يسمى بمكارم الشريعة اي محاسنها وهي ما انتظم فيها من الصفات الدالة على الرحمة والعلم والحكمة وغيرها من المعاني الشريفة وسبق ان عرفت ان الذريعة هي الوسيلة المفضية الى الشيء وهذا الكتاب وسيلة للوقوف على محاسن الشريعة وذلك ببيان احوال الانسان وانواع قواه بوجوه كماله ونقصه فهو دائر حول الخلق الانساني وماله من خلق وصلة ذلك بما رتبته الشريعة الغراء المقصد الرابع ذكر رتبته ان هذا الكتاب من محاسن الكتب التي صنفت في بيان احوال الانسان وما يعرض له من القوة والضعف والكمال والنقص وقدرته على الصناعات وامكاني تعاطيه العلوم والمعارف وتقويم اخلاقه وسلوكه وقد تردد صدى هذا الكتاب في نفوس العلماء وانطبع فيها فمنهم من اعاد صياغته وقدم واخر واستوفى كثيرا من جمله كابي حامد الغزالي في كتاب ميزان العمل فانه اجتر عبارة ابي القاسم الاصفهاني واعمل فيها من النحت ما شاء مقدما ومؤخرا ومختصرا ومتمما بحيث يجد الناظر نصوصا كثيرة في كتاب ابي حامد الغزالي هي حدو القذة بالقذة في كلام ابي القاسم الاصفهاني في كتاب الذريعة كما ان معانيه انطبعت في كلام ابي الفرج ابن الجوزي في صيد الخاطر خاصة ويوجد لها نظائر في كلام ابي العباس ابن تيمية وابي عبدالله ابن القيم وابي الفرج ابن رجب رحمهم الله تعالى المقصد الخامس توضيح منهجه رتب المصنف رحمه الله تعالى كتابه هذا في سبعة اصول وجعل في كل فصل ابوابا كثيرة مجتهدا في الجمع بين الشريعة والحكمة للكشف عما اراد من الاحوال الانسانية والطبائع البشرية في عبارة ادبية فائقة والمراد بالحكمة علوم الفلسفة العقلية وهي مما سرى الى علماء الاسلام من كلام اليونان ومنهم من تلطخ بشيء من باطلها فيوجد في كلامه حشو الفلسفة كابي حامد الغزالي وابن رشد الحفيد الشهرستاني ووقع في هذا الكتاب تأثر بكلام الفاسدة في مواضع متفرقة مع اجتهاد مصنفه في تخليص كتابه من مقالاتهم وفزعه الى الاستدلال بادلة الشريعة ووجود هذه المقالات لا يفهم منه نسبته الى الفلاسفة. فانه بريء من مذهب الفلاسفة كما انه بريء من مذهب المعتزلة والشيعة وان كان نسب الى كل هذه المذاهب والرجل معظم للعقل مع تحر لمتابعة النقل الا انه لفرط ذكائه تقع له اقوال موافقة لهذه الفرقة تارة وموافقة لفرقة اخرى تارة اخرى كما يوجد في بعض مسائل الاعتقاد من كلامه موافقة لعقيدة اهل الحديث والاثر في مواضع ويوجد في مواضع اخرى موافقة لعقيدة وكأن الرجل لفرط ذكائه لم يعول على مأخذ واحد وهذا ظاهر ايضا في كلامه على مسائل الفقه فانه لم ينتحل مذهبا مشهورا بحيث يقال انه حنفي او مالكي او شافعي او حنبلي ويشهد على تحريه الجمع بين الدلائل الشرعية واقوال الحكماء ملؤه لهذه الابواب كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا نادر في كلام من تعاطى العلوم العقلية الا انه يعاب عليه عدم تحريه في التثبت من صحة الاحاديث التي ينقلها ويدخلها في كتابه وهذا حال عامة المشتغلين بعلوم العقليات اذ تقل معرفتهم بالعلوم نقليات والعكس بالعكس فان من يشتغل بالنقديات قد يفرط في معرفة ما يحتاج اليه من العقليات. وسواء السبيل ان يكون الانسان معظما للنقل مشتغلا به متفهما لمسائله اخذا بمداركه مع الاخذ بما يحتاج اليه من علوم الحكمة والفلسفة وغيرها مما لا يرتفع اليه الطالب في المبادئ ولا في حال التوسط بل في المنتهى. المقصد السادس العناية به لم تتجاوز العناية بهذا الكتاب طبعه مرات عديدة في نشرات عليلة وامثلها هي طبعة الدكتور ابو اليزيد العجمي وهي المعتمدة ها هنا الا انه اخطأ في مواضع في قراءة الاصل وله تعاليق تحتاج الى تصحيح كما انه اسقط عد تراجم الابواب فان المصنف رحمه الله كان يعد الابواب بقوله مثلا الباب الاول ثم الباب الثاني وهلم جرا قد اسقطها هذا الناشر من طبعته مع جودتها. ونبهنا على هذا في ما سبق املائه في برنامج بالابواب والحصول الاول وقد انتهينا الى الباب الخامس والعشرين نعم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللسامعين قال الراغب الاصبهاني رحمه الله تعالى ما يجب ان يتحراه المعلم مع المتعلمين منه. الباب الخامس والعشرون هذا الباب الخامس والعشرون ما يجب ان يتحراه المعلم مع المتعلمين منه. حق المعلم ان يجري متعلميه مجرى وبني مجرى بنيه فانه في الحقيقة لهم اشرف من الابوين. كما قال الاسكندر وقد سئل معلمك اكرم عليك ام ابوك؟ فقال بل معلمي لانه سبب حياتي الباقية ووالدي سبب حياة الفانية. وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله انما انا لكم مثل الوالد. فحق معلم الفضيلة ان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم اذ هو في ارشاد الناس خليفته فيشفق عليهم اشفاقه ويتحنن عليهم تحننه كما قال تعالى في وصفه عليه السلام حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. واي عالم لم يكن له من يفيده العلم صار كعاقر لا نسل له فيموت ذكره بموته. ومتى استفيد علمه كان في الدنيا موجود وان فقد شخصه كما قال امير المؤمنين علي كرم الله وجهه. العلماء باقون ما بقي الدهر اعيانهم مفقودة واثارهم في القلوب موجودة. وقال بعض الحكماء في قوله تعالى هب لي من لدنك وليا يريد وارث من ال يعقوب انه سأله نسلا يورثه علمه لا من يورثه لما لا من يورثه ما فاعراض الدنيا اهون عند الانبياء من ان يشفقوا عليها. وكذا قوله تعالى واني خفت الموالي من وراء رأيي اي خفت الا يراعوا العلم وعلى هذا قال عليه الصلاة والسلام العلماء ورثة الانبياء وكما ان من حق لاولاد الاب الاب الواحد ان يتحابوا ويتعاضدوا ولا يتباغضوا كذلك بحق بني العلم الواحد بل الدين واحد ان يكونوا كذلك. فاخوة الفضيلة فوقه قوة الولادة. ولذلك قال تعالى انما المؤمنون اخوة وقال تعالى الا خلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين. وحق العالم ان من يريد ارشاده عن الرذيلة الى الفضيلة بلطف في المقال وتعريض في الخطاب. فالتعريض ابلغ من وجوه احدها ان النفس الفاضلة لميلها الى استنباط المعنى يميل الى التعريض شغفا باستخراج معناه بالفكر ولذلك قيل رب تعريض ابلغ من تصريح. الثاني ان التعريض لا تنتهك به سجوف الهيبة ولا يرتفع به ستر الحشمة. والثالث انه ليس للتصريح الا وجه واحد وللتعريض وجوه من هذا الوجه يكون ابلغ ومن هذا الوجه حذف اجوبة كثير من الشروط المقتضية للثواب والعقاب نحو قول الله تعالى حتى اذا جاءوها وفتحت ابوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم. تبي تنفذ قولوها خالدين. والرابع ان للتعريض عبارات مختلفة فيمكن ايراده على وجوه مختلفة يمكن ايراد التصريح الا على وجه واحد اذ ليس له الا عبارة واحدة. والخامس ان صريح النهي داع الى ولذلك قال من قال فان اللوم اغراء. وقال الشاعر دع اللوم ان اللوم يغريه وانما اراد صلاحا من يلوم فافسد. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لو نهي الناس عن فت البعر لفتوه وقالوا ما نهينا عنه الا وفيه شيء. وكفى ذلك شهادة ما كان من امر ادم عليه السلام وحواء. في نهي الله تعالى فاياهما عن اكل الشجرة. ومن حق المعلم مع من يفيده العلم ان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في بما علمه الله تعالى حيث قال قل لا اسألكم عليه اجرا. فلا يطمع في فائدة من جهة من يفيد علما ثوابا لما يوليه وليعلم ان من باع علما بعرض دنيوي فقد صادم الله تعالى في حكمه ان الله تعالى جعل المال خادما للمطاعم والملابس. جعلها خادمة للبدن وجعل البدن خادما وجه على النفس خادما للعلم. فالعلم مخضوم غير خادم والمال خادم غير مخدوم. فمن جعل العلم ذريعة الى بالمال فقد جعل ما هو مخدوم غير فقد جعل ما هو مخدوم غير خادم ما هو مخدوم غير قادم خادما لما هو لما هو خادم غير مخدوم. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا طرفا مما يجب ان يتحراه المعلم مع المتعلمين منه. نبه في فاتحته ان المعلم الواجب عليه الواجب عليه ان يجري متعلميه مجرى بنيه وينزلهم ذلك من نفسه فانه في الحقيقة لهم اشرف من الابوين. لان ابو النسب هو ابو البدن والنطفة. واما ابو العلم فهو ابو الروح والديانة. وشرف والابوة التي جاءت من قبل العلم والدين اشرف من شرف الابوة التي وردت من جهة النطفة والطين وقد قال الله تعالى في قراءة ابي ابن كعب النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم وهو اب لهم. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم في منزلة الاب للمؤمنين اي من جهة العلم والدين لا من جهة النطف اجماعا وهذه الابوة هي ابوة روحية دينية فهي تتعلق بتهذيب الروح وتعليمها شرائع الدين. وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الاصل بقوله في الحديث الصحيح الذي رواه ابو داوود وغيره انما انا لكم مثل الوالد اي في تعليمكم واصلاح نفوسكم وارشادكم الى ما ينفعكم فحق المعلم ان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم لان المعلم نائب عن النبي صلى الله عليه في التعليم فان وراثة الرسالة انما هي بالعلم والعلماء ورثة الانبياء. وكما كان هديه صلى الله عليه وسلم في ارشاد الناس بالشفقة عليهم والرحمة بهم حق العالم ان يكون كذلك كما قال الله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم. فينبغي ان ينزل المعلم نفسه هذه المنزلة في ارشاد الناس. ويكون مقتديا بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وليس المراد بالرأفة والرحمة الضعف والخور وملاحظة مرادات النفوس بل النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما غضب في وعظهم او تعليمهم وبوب البخاري رحمه الله تعالى على هذا المعنى وذكره ايضا امام الدعوة رحمه الله تعالى في مسائل باب من تبرك بحجر او شجر والمقصود بالرأفة والرحمة هو اصلاح الخلق بالطريق الانسب لهم. فقد تكون ملاحظتهم بالعطف والتحنن انفع لهم في منزلة ويكون في مقام اخر الاغلاظ والتشديد عليهم انفع لهم. فحقيقة الرأفة بهم والرحمة لهم هو حالهم بمراعاتهم بالانسب لهم بحسب ما تدعو اليه الحال فقد كان هذا هديه صلى الله الله عليه وسلم. ثم نبه المصنف رحمه الله تعالى ان العالم الذي لم يكن له من يفيده العلم بمنزلة العاقل الذي لا نسل له. فاذا مات مات ذكره بموته. واما اذا استفيد علم العالم فانه يبقى في الدنيا موجودا وان كان شخصه صار مفقودا. وتصديق هذا في قول علي رضي الله عنه العلماء باقون ما بقي الدهر اعيانهم مفقودة واثارهم في القلوب موجودة. وفي قوله رضي الله عنه واثارهم في القلوب موجودة. تنبيه الى المقصد الاعظم من نفع العالم الخلق فليس المراد بقاء ذكره على السنة الناس ولا بقاء اثره في التأليف والقراطيس ولكن الاعظم من ذلك هو بقاء اثره في قلوب الناس بتعريفهم بطريق العبودية الموصلة الى الله الموصل الى الله سبحانه وتعالى فتعليم العلم ونقل الديانة يبقى اثره في القلب وان لم يصنف ناقله كتابا ولا بقي له في لسان الخلق ذكر كما ذكر العلامة ابن سعدي عن بعض اشياخه انه رأى في منامه احد شيوخه فقال له ان المسألة التي قضيت بها في الفرائض وصلني اجرها في القبر وهذا هو المراد من بقاء الاثر. فبقاء الاثر بقاء معرفة العلم والديانة. بحيث يتيسر قال في بعد السالف ان ينقل العلم للناس وهذا هو اجل مراتب البقاء. واذا انضم الى ذلك بقاء العلم في قيس والذكر في الالسنة كان نورا على نور. ثم ذكر ما يصدق هذا المعنى في دعاء زكريا اذ قال هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من ال يعقوب. فان الوراثة المذكورة ها هنا ليست وراثة المال والدنيا بل وراثة العلم والنبوة كما قال تعالى في دعاء زكريا واني خفت الموالي من وراء اي خفت انصاري واتباعي وعصبة من بعدي الا يراعوا العلم ولا يقوموا بحقه بل يحتاجون الى نبي يسوسهم كما ثبت في الصحيح ان الانبياء كانت تسوس بني اسرائيل اذا مات نبي قام نبي فافتقارهم الى الانبياء جعل زكريا يدعو لهذا الدعاء وليس المراد بالزكريا بالدعاء هو طلب وارث يرث الدنيا لاحد امور ثلاثة اولها ان مقام النبي اشرف من ان ينتبه لطلب وارث للمال والدنيا وثانيها ان الانبياء لا يورثون كما صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فما بقي بعدهم من مال فهو صدقة وثالثها ان زكريا عليه الصلاة والسلام لم يذكر بكبير مال ودنيا بحيث يخشى فواته عن والد من صلبه بعدهم ذكر هذه الوجوه الثلاثة متفرقة جماعة من المفسرين كالقرطبي وابن كثير رحمهما الله ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان من حق اولاد الاب الواحد ان يتحابوا ويتعاضدوا ولا تباغضوا فمن حق بني العلم الواحد بل الدين الواحد ان يكونوا كذلك. فاخوة الفضيلة فوق اخوة الولادة. ولذلك قال تعالى لا انما المؤمنون اخوة وقال تعالى الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين. والمراد انه اذا ثبت نسبة المتعلمين الى العلم بالابوة لمعلم وابوة المعلم معهم الى علم بل ابوة المعلم معهم ومع المسلمين جميعا الى الدين فان الواجب ان يكونوا اولياء جاء بعضهم لبعض كما قال الله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض. وقال في اية الحجرات التي ذكرها المصنف انما المؤمنون اخوة. وكلما قويت اسباب الايمان اقتضى ذلك تقوية صلة الاخوة واعظم الصلات الايمانية التآخي في طلب الدين والعلم فيقتضي ذلك ان تكون اخوة المتعلمين هي اجل الاخوة المضروبة بين المسلمين. والناظر في الاخوة المعقودة بين الخلق يجدها على ثلاثة انواع اولها اخوة النسب وثانيها اخوة النشب النشب بالشين وثالثها اخوة الطلب فاما اخوة النسب فهي الاخوة التي تجمع بين اثنين فاكثر في الانتساب الى اب الجامع لهم نطفة ذلك الرجل. واما اخوة النشب فهي الاخوة التي تجمع بين متشاكلين فاكثر في مال او عقار فان النشب هو المال والعقار واعراض الدنيا. واما اخوة الطلب فهي ما يجمع بين آآ متوافقين في طلب مقصود فاضل او غير فاضل فان مطالب الخلق متفاوتة واعظم هذه الاخوة هي اخوة الدين والعلم. فاولى الناس ان تتأكد بينهم المودة وتنعقد المحبة وان يتعاضدوا ويتناصروا هم طلبة العلم والدين وكل ما يفصم عروة المحبة والمودة بينهم فانه مما يضاد هذه الاخوة التي جاءت بها الشريعة ثم ذكر من حق المعلم على معلميه متعلميه ايضا ان يصرف من يريد ارشاده عن الرذيلة الى الفضيلة بلطف في المقال وتعريض في الخطاب فالتعريض ابلغ من التصريح فعلى المعلم ان يتحرى تأليف نفوس الخلق بتكميلهم لنقلهم من الرذائل الى الفضائل ومن الفواضل الى ما هو اعظم منها بتلطيف المقال والتعريض في الخطاب لان التعريض ابلغ من التصليح لوجوه من خمسة عدها المصنف اولها ان النفس المفاضلة اي الكاملة لميلها الى استنباط المعنى يميل والى التعريض شغفا باستخراج معناه بالفكر. ولذلك قيل رب تعريض ابلغ من تصريح التعريض ادل على الفضل من التصريح ولا سيما فيما يستقبح ولذلك صارت قاعدة الشريعة طلب الكناية فيما مستقبح والاكتفاء التعريض الى المقصود وهذا فاش في القرآن والسنة. والثاني ان التعريض لا تنتهك به سجف الهيبة. اي حجب الهيبة ولا ينتفع به ستر الحشمة. والثالث ان التصريح له وجه واحد والتعريض له وجوه عدة فيكون والرابع ان التصريح يأتي على عبارة واحدة اما التعريض فيأتي على عبارات مختلفة فيكون في ذلك بلاغة في الايراد والخامس ان صريح النهي داع الى الاغراء. فان من الخلق من اذا بودر بالنهي اغراه ذلك على الفعل كما ذكر المصنف في مقالات الحكماء فان اللوم اغراء وقال الشاعر دع اللوم ان اللوم يغري وانما اراد اصلاح من يلوم فافسد واورد حديثا في هذا المعنى اثره جماعة من المصنفين ولا اصل له وهو حديث لو نهي الناس عن فت البعر لفتوه وقالوا ما نهينا عنه الا وفيه شيء. وذكر ايضا مرفوعا وموقوفا ولم يصح كل ممنوع مرغوب والنفوس مفطورة على طلب ما ستر عنها. فمبادرتها بالنهي الصريح يغريها بمخالفة وذكر ما يصدق هذا المعنى في ما اتفق لادم في نهي الله تعالى اياهم اياهما عن اكل الشجرة ثم ذكر من حق المعلم مع من يفيده العلم ان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما علمه الله تعالى حيث قال قل لا اسألكم عليه اجرا لا يطمع في فائدة من جهة من يفيد علما ثوابا لما يوليه. فلا يكون توجه قلبه الى طلب اصابة دنيا من المتعلمين. وكلما بعد قلبه عن هذا المطلب كلما عظم انتفاع المتعلمين بكلام وقد ذكر الفقهاء رحمه الله رحمهم الله تعالى مسألة تتعلق بهذا الموضع وهي اخذ الاجرة على التعليم وهي عندهم مولدة من مسألة اكبر منها هي مسألة اخذ المال على القرب لان التعليم قربة واخذ الرزق عليه اخذ للمال على هذه القربة الصحيح جواز اخذ العوض عن القرب دون تجريد القصد في طلبه فاذا كان مراد المعلم او الامام او المؤذن او غيرهم طلبوا ذلك الاجر مجردا دون الفعل المتقرب به الى الله اثم في ذلك وحرم عليه واما ان قصد فعل القربة ثم جعل الرزق تبعا فان ذلك جائز ويعلم به ان من جعل محط نظره في التعليم مثلا هو الرزق والاجرة حرم عليه ذلك واذا ضم الى ذلك ان يجعل مبالغته في التعليم على قدر ما يصيب من الاجرة فيعلم احسن لمن دفع اكثر فان هذا اعظم حرمة واشد لان طريقة الانبياء الذين ورثوا العلم والدين هو البراءة من طلب الدنيا في اصلاح الخلق ونبه رحمه الله تعالى بعد ذلك الى ان من باع علما بعرض دنيوي فقد صادم الله تعالى في حكمه. لان المال خادم للعلم. ومن عكس هذا فجعل العلم خادما للمال فقد صادم الله تعالى في حكمه. وقد بسط ابن القيم رحمه الله تعالى الكلام في بيان خدمة المال للعلم وتفضيل العلم على المال في كتاب مفتاح السعادة فاتى بوجوه كثيرة دالة على هذا المعنى من الكتاب والسنة نعم الباب السادس والعشرون وجوب منع الجهلة عن حقائق العلوم والاقتصار بهم على قدر افهامهم. واجب على الحكيم والعالم حرير ان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما قال يا معشر الانبياء امرنا ان ننزل الناس منازلهم ونكلم الناس على قدر عقولهم وان يتصور ما قال امير المؤمنين علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه حيث قال لكميل ابن زياد واومع بيده الى صدره فقال انها هنا علوما جمة لو وجدت لها حملة بل اصيبت لقنا غير مأمون عليه يستعمل الة الدين للدنيا فيستظهره. البلاء لو اصيبت لفتى غير مأمون بلى لو اصيبت بفتى غير مأمون بلى لو اصيبت لفتى غير مأمون عليه. يستعمل الة الدين للدنيا فيستظهر بنعمة الله تعالى على عباده وبحجته على كتابه او منقادا لاهل الحق لا بصيرة له يقتدح الشك في قلبه باول عارض من شبهة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال كلموا الناس بما يعرفون تنكرون تريد ان يكذب الله ورسوله. فقال عليه عليه السلام ما احد يحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان ذلك فتنة على بعضهم. فقال عيسى ابن مريم عليه السلام لا تضع الحكمة في لاهلها فتظلموها ولا تمنع ولا تمنعوها اهلها فتظلموهم. وكن كالطبيب الحاذق يضع دواءه حيث يعلم انه ينفع وقد قيل تصفح طلاب حكمك كما تتصفح خطاب حرمك. بهذا الم اما من فقال وما انا بالغيران من دون جيرتي اذا انا لم اصبح غيورا على العلم. وقيل لبعض الحكماء فما بالك لا تطلع احدا على حكمة يطلبها منك فقال اقتداء بالباري جل وعلا. حيث قال ولو علم الله وفيهم خيرا لاسمعهم ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون. فبين انه انما منعهم لما لم يكن فيهم خير وبين ان في اسماعهم ذلك مفسدة لهم. وسأل جاهل حكيما عن مسألة من الحقائق فاعرض عنه ولم يجبه. فقال اما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم؟ من سئل عن علم يعلمه فكتمه الجم بلجام من نار يوم القيامة فقال بلى سمعته. اترك اللجام ها هنا واذهب فاذا جاء من ينفعه ذلك وكتمته وقال بعض الحكماء في قوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما انه نبه به على هذا المعنى وذلك انه لما منعنا من تمكين السفيه من المال الذي هو عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر تفاديا انه ربما يؤديه الى هلاك دنيوي فلا ان يمنع من تمكين من حقائق من حقائق العلوم التي اذا عرفها السفيه ادته الى ضلال واضلال وهلاك واهلاك احق واولى فانه اذا ما اقتنى العلم ذو شرة تضاعف ما ذم من مخبره. وصادف من علمه يصول بها الشر في جوهره. وكما انه واجب على الحكام. اذا وجدوا من السفهاء رشدا يرفعوا عنهم ويدفع اليهم اموالهم لقوله تعالى فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم لعلها ان يرفعوا عنهم الحجر وكما انه واجب على الحكام اذا وجدوا من السفهاء رشدا ان يرفعوا عنهم الحجر ويدفعوا اليهم اموالهم لقول تعالى فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم. فواجب على الحكماء اذا وجدوا من المسترشدين قبولا ان يبذلوا العلوم لهم بقدر استحقاقهم. فالعلم قدوة يتوصل بها الى الحياة الابدية. كما ان المال قد يتوصل بها في المعونة على الحياة الدنيوية وباذل العلم لمن لا يستحقه يستوجب عقوبة ومانعه عن اهله يستوجب عقوبات. ولذلك قال الله تعالى واذا اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس سوى لا تكتمونه فقال تعالى ان الذين يكتمون ما انزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا اولئك لا خلاق لهم في الاخرة. الاية واذا ثبت ذلك وجب ان يكون من تقيد من العامة بقيد الشرع حسبي بحسب حاله لا يصرف عما هو بصدده فيؤدي ذلك الى انحلاله عن قيده. ثم لا يمكن ان يقيد بقيد الخواص فيرتفع السد الذي بينه وبين الشرور. ومن كان اشتغاله بعمارة الارض من بين تجارة او مهنة فحقه وان يقتصر به من العلم على مقدار ما يحتاج اليه. ما يحتاج اليه من هو في مرتبته في عبادة الله وانتم لها نفس من الرغبة والرهبة الوارد بهما القرآن ولا تولد له الشبه والشكوك. فان لبعضهم اضطراب نفس اما بانبعاث شبهة تولدت له او ولدها اول لدها له ذو بدعة دفع اليه فتاقت نفسه الى معرفة حقيقتها فحقه ان يختبر اولا. فاذا فان وجد ذا طبع للعلم موافق وفهم ثاقب متصور صائب قل لي خلي بينه وبين التعلم وسعد عليه. بما يوجد من السبيب ما يوجد من السبيل اليه وان وجد شريرا في طبعه او ناقصا في فهمه منع اشد المنع. في اشتغاله بما لا سبيل له الى ادراك في مفسدتان الاولى تعطله عما يعود بنفع منه الى العباد والبلاد. الثانية اشتغاله بما يثير منه شبهة وليس فيه له منفعة. وقد كان بعض الامم المتقدمة اذا ترشح احد منهم ليتخصص بمعرفة الحكم وحقائق العلوم والخروج من جملة العامة الى الخاصة اختبر فان لم يوجد خيرا في خلقي او وجد غير متهيأ للتعلم منعه اشد المنع وان وجد خيرا ومتهيأ للتعلم تعلم شرط على ان يقيد بقيد في دار الحكمة. ويمنع ويمنع ان يخرج حتى يحصل له العلم او يأتي عليه الموت ويزعمون ان ان من شأن من شرع في حقائق العلوم ثم لم يبرأ فيها تولدت له الشبه كثرت فيصير ضالا مضلا فيعظم على الناس ضرره. وبهذا النظر قيل نعوذ بالله من نصف متكلم قرر المصنف رحمه الله تعالى في هذا الباب اصلا عظيما من اصول الديانة في بث العلم وتعريف الناس باحكام الشريعة وهو مراعاة مدارك الخلق فان افهام الخلق متفاوتة وعقولهم متباينة وليسوا هم على حد سواء في ادراك مرادي الشرع. وهذا الامر قد قررته الشريعة وفاضت به كلمات الحكماء في لكل ملة. واورد المصنف رحمه الله تعالى احاديث في هذا المعنى لا يثبت منها شيء فكل الاحاديث التي اوردها في صدر هذا الباب كحديث يا معشر الانبياء امرنا ان ننزل الناس من ونكلم الناس على قدر عقولهم او حديث كلموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون او حديث ما احد يحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم كلها احاديث ضعيفة. وامثل ما في هذا الباب الموقوفات. ومنها ما رواه البخاري رضي الله عنه ورحمه في كتاب العلم عن علي رضي الله عنه انه قال حدثوا الناس بما يعرفون اتريدون او اتحبون ان يكذب الله ورسوله. وروى مسلم في مقدمته بسند فيه انقطاع عن ابن مسعود رضي الله عنه انه قال ما انت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان لبعض فتنة وتصديق هذا المعنى ايضا في وصية كميل وصية علي رضي الله عنه لكميل ابن زياد طويلة وفيها ما اورده المصنف رحمه الله تعالى ها هنا. والمقصود معرفة ان مذلك الخلق مختلفة لتفاوت عقولهم. فلا ينبغي ان تعرض عليهم الشريعة عرظا متساويا تراعى احوال الناس بحسب ما يصلحون به مما سننبه عليه بعد الاذان اذا تقرر ان عقول الخلق متباينة وان الشرع جاء بمراعاة هذا الاصل فليعلم ان الشرع سبك هذا الاصل في مشهدين اثنين اولهما منع العلم عن قوم بتخصيص قوم به وقد بوب البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه باب من خص بالعلم قوما دون اخرين ثم اورد فيه حديث معاذ بن جبل المشهور في حق الله على الناس وحق الناس على الله فقد يمنع قوم العلم لان مصلحتهم تقتضي ذلك فيحجب العلم عنهم لانه اذا سرى اليهم ربما افسدهم لان قرائحهم لا ترتفع الى ادراك واورد المصنف رحمه الله تعالى في تصديق هذا المعنى استنباطا قوله تعالى ولو علم الله خيرا لاسمعهم ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون فانما منعوا الخير لما في اسماعهم من المفسدة وكذلك قوله تعالى ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما فكما لا يمكن السفيه من المال الذي هو عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر لما قد يؤدي اليه من هلاك دنيوي فمنعه من حقائق العلوم الا يمكن منها اولى لان لا يتولد من تمكينه فساد وافساد وكذلك قوله تعالى فان انستم منهم رشدا فادفعوا اليهم اموالهم اي اذا وجدتموهم متهيئين معرفة ما فيه مصالح دنياهم فادفعوا اليهم اموالهم وكما ان هذا يكون في المال فكونه في العلم والدين اولى. فربما صرف العلم عن من لم يكن متأهلا له ولا صالحا له فهذا هو المشهد الاول وهو مشهد التخصيص للعلم بقوم دون اخرين والثاني بث العلم للخلق بقدر ما يصلحون به فيكون قطب الرحى الذي يدور عليه بث العلم النظر فيما يصلح به المتلقي ولا ينظر المعلم الى ما يصلح للمتلقي فانه ربما يصلح للمتلقي ما يوافق شهوته او شبهته او غير ذلك. لكن مراد الشرع هو طلب ما يصلح به ذلك المتلقي ويستقيم به دينه فاذا علم انه يستقيم دينه وتصلح حاله بقدر ما كان الواجب هو هذا دون غيره وهذا هو الذي نبه عليه المصنف في قوله واذا ثبت ذلك وجب ان يكون من تقيد من العامة بقيد الشرع بحسب حاله لا يصرف عما هو بصدده فيؤدي ذلك الى خلاله عن قيده الى اخره ثم قال ومن كان اشتغاله بعمارة الارض من بين تجارة او مهنة فحقه ان يقتصر به من العلم على مقدار ما يحتاج اليه الى اخره. فان هذين المقامين راجعان الى مشهد بث العلم لاحد بما يصلح به فقد يبث العلم للعامة فينشأ من ذلك ان هلالهم عن قيود الشرع لعدم قدرتهم الى الترقي الى مقام الخلق. فما يصلح به عامة الناس الذين اعتادت نفوسهم الترغيب والترهيب قد لا يصلح به من هو فوقهم فوقهم وهلم جرا. وكذلك من كان له شغل بعمارة الارض فحقه ان يقتصر على ما يحتاج اليه من الدين. وان تملأ نفسه من الرغبة والرهبة التي وردت في القرآن والسنة ولا تولد له الشبه والشكوك. اذ لا انصرف له الى العلم ولا رغبة له فيه. فهو زارع او مهندس او طبيب او غير ذلك من احوال الدنيا فلا ينبغي ان يشغل بما ليس من شغله بل ربما ولد اشتغاله بهذا شبها وشكوكا وهذا هو الواقع اليوم فان من المتعلمين الذين اخذوا باسباب الدنيا من الطب هندسة وغيرها من ظن انه يستطيع ان يتكلم في الدين بمجرد النظر في التأليف فولد وشكوكا لنفسه ولغيره. فالعاقل انما يجعل تعاطي هؤلاء للعلم بحسب حالهم ولا يرفعهم الى حال تولد لهم شبها وشكوكا. ثم نبه الى ما ينبغي فعله اذا اتفق لبعض هؤلاء اضطراب نفس بانبعاث شبهة تولدت او ولدها له ذو بدعة ان ينظر فيما يصلح به فيختبر حاله فان كان ذا طبع للعلم موافق وفهم ثاقب وتصور صائب خلي بينه وبين التعلم وسعد عليه بما يوجد من السبيل اليه. وان وجد شريرا في طبعه او ناقصا في فهمه منع اشد المنع لاجل ما يترتب على ذلك من مفاسد ذكر المصنف منها تعطله عما يعود بنفع منه للعباد والبلاد ومنها قاله بما يثير منه شبهة وليس له فيه منفعة ثم ذكر حال ما كان يتفق في بعض الامم السابقة ممن اذا ترشح احد منهم للتخصص معرفة الحكم حقائق العلوم والخروج عن جملة العامة الى الخاصة اختبر فان وجد خيرا فان لم يوجد خيرا في خلقه ووجد غير متهيأ للعلم منع منه اشد المنع لانه اذا دخل في ذلك افسد نفسه وافسد غيره لان العلم لا الا لاصحاب الاخلاق الفاضلة والعقول الكاملة. واذا وجد هذا منه اخذوا عليه شرطا ان يقيد بقيد في الحكمة في مدرسة العلم ويمنع ان يخرج منها حتى يحصل له العلم او يأتي عليه الموت. ويزعمون ان من شرع في العلوم ثم لم يبرع فيها فولدت له الشبه وكثرت فيصير ضالا مضلا فيعظم على الناس ضرره. وبهذا النظر قيل نعوذ بالله من نصفه متكلم. او قيل من نصف متعلم وان انما ذكر متكلم نسبة الى علم الكلام الذي يبحث في امور العقيدة على طريقة علماء العقل والمشهور قول نعوذ بالله من نصف متعلم. لان من دخل في العلوم ثم لم يستكمل اصولها ربما اضر بنفسه وبغيره كما تراه اليوم في ساحة الافتاء والتعليم التي تروج في الصحف والفضائيات وغيرها ممن يتكلم في مسائل الدين بمجرد شبهة ولدت تولدت له او مقالة لم يتم له فهمها من كلام العلماء فبنى عليها قصورا مشيدة فوقع في ضلال واضل الناس. وهذه الاحوال التي تقع لمن سبق من الامم المقصود منها معرفة في اصلاح النفوس ولا يلزم من ذلك الاخذ بطريقتهم وليس هذا مرادا للمصنف لكن مراده هو التنبيه الى ان من دخل في العلم وهو ليس من اهله فانه يضر بالعلم. كما ان من دخل في العلم مع صلاحية نفسه لكنه لم يستكمله ولم يوقم اصوله في نفسه فانه يصير نصف متعلم فيفسد اديان الخلق كما قيل اديان الخلق نصف متعلم ويفسد ابدانهم نصف طبيب. فمن تطبب دون علم كامل بالطب اضر بنفوس الناس وكذلك من افتى بغير علم كامل اضر بدين الناس نعم الباب السابع والعشرون وجوب ضبط المتصدين للعلم ومضرة اهمال ذلك. لا شيء اوجب على السلطان من مراعاة المتصدين للرئاسة بالعلم فمن الاخلال بها ينتشر الشر ويكثر الاشرار. ويقع بين الناس التباغض تنافر وذلك ان السواس اربعة. الانبياء وحكمهم على الخاصة والعامة ظاهرهم وباطنهم والولاة وحكمهم على ظاهر الخاصة والعامة دون باطنهم. والحكماء وحكمهم على بواطن خاصة والوعاظ وحكمهم على بواطن العامة. وصلاح العالم بمراعاة امره امر هذه السياسات العامة الخاصة وتسوس الخاصة العامة وفساده في عكس ذلك. ولما تركت مراعاة المتصدي للحكمة والوعد وترشح قوم للزعامة في العلم من غير استحقاق منهم لها. فاحدثوا بجهلهم بدعا استغروا بها العامة واستجلبوا بها منفعة ورياسة. ووجدوا من العامة مساعدة لمشاكلتهم لهم. وقرب منهم فكل قرين الى شكله. كانس الخنافس بالعقرب. وفتحوا وفتحوا بذلك طرقا منسدة ورفعوا بها ستورا مسبلة وطلبوا منزلة وطلبوا منزلة الخاصة فوصلوا اليها بالوقاحة وبما فيهم من الشرة فبدعوا العلماء وكفروهم اغتصابا لسلطانهم ومنازعة في مكانهم فاغروا بهم اتباعهم حتى وطؤوهم باخفافهم واظلافهم. فتولد من ذلك البوار والجور ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا الباب ان من وظائف ولي الامر مراعاة تصدينا للرئاسة بالعلم وترتيب احوالهم فليس نشر علم الشريعة مرتعا خصبا فيه من شاء ومن فهم هذا المعنى وانقدح في ذهنه فانما هو من ترهات نفسه وحثالة ذهنه واما الشرع فانما اناط هذا الامر باهله. فليس كل احد يصلح للتعليم الدين وانما يصلح للتعليم وبت الدين من تأهل له واستكمل عدته وصار للافتاء والتعليم بتلقيه للعلم عن اهله وطول مدته فيه والعلم لا يؤخذ عمن لم يعرف بطلبه فيجب على ولي الامر ان لا يجعل المجال مسرحا مفتوحا لكل من تكلم سواء من المتشرعة الذين ينتسبون الى الشريعة ولم يستكملوا العلوم او ممن ينتسب الى الاسلام ولا له في العلم وانما اعجبه منطقه واستحسن ديباجة كلامه فصار يتكلم في تاء للدين بما يشاء. والتفريط في هذا الاصل يتولد منه شر عظيم ووبال وخيم ضرته على الدنيا كمضرته على الدين. وان من اسباب زوال الامم الاخلال بهذا الاصل وقد دخل ما لك بن انس رحمه الله على ربيعة الراي شيخه فوجده يبكي فارتاع لذلك فسأله فقال صار يفتي بالمدينة من هو احق بالسجن من السراق. وانما بلغ هذا الامر هذا المبلغ من نفس ربيعة لمعرفته بشدة المخاطر التي تحيط بالخلق اذا تكلم في العلم والدين من ليس اهلا لذلك فبذلك تنتشر الشرور وتكثر الاخطار ويقع بين الناس التباغض والتنافر وما اشبه الليلة بالبارحة. وقرر المصنف رحمه الله تعالى هذا الاصل بتحقيق ان السواس الذين يصلحون الخلق ويسوسونهم بما فيه مصالح دينهم ودنياهم اربعة اولهم الانبياء وهم يحكمون على الخلق جميعا خاصتهم وعامتهم وعلى ظواهرهم والثاني الولاة وهم يحكمون على الخلق خاصتهم وعامتهم في الظواهر دون البواطن. وثالثهم الحكماء وهم يحكمون على بواطن خاصة خلق المراد بالحكماء هنا العلماء وثالثه ورابعهم الوعاظ وهم يحكمون على بواطن العامة و المراد بهم من يرققون قلوب الناس بالحكمة والترغيب والترهيب. وصلاة نحو العالم انما يقع بمراعاة حال كل سائس لما ينبغي ان يكون عليه. ومن جملة ذلك الا يسوس الخلق في علمهم ووعظهم الا من كان صالحا لذلك فاذا ارتفع لهذا من ليس اهلا تولد الشر على الخليقة كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى من ما ال اليه الحال بفتح طرق منسدة ورفع سجور مسبلة وجر الناس الى الوقوع في التبديع والتكفير وكثرة الشغب والتنازع والتخاصم وكل هذا انما نشأ من تكلم من ليس اهلا في العلم وهذا من جهتين اثنتين اولاهما في حق من ابتدأ بالكلام وليس اهلا فيتكلم افتاء او اصلاح او علم وهو غير متأهل لذلك والاخرى من جهة من يتصدى للرد على هؤلاء ودفع مقالاتهم وهو غير متأهل لذلك فان الرد على مقالات الضلال والبدعة موكول الى العلماء الراسخين كما قرره الشاطبي في الموافقات وابن رجب في جامع العلوم والحكم. ومن الفساد الواقع اليوم ما يتعلق بكلا الجهتين فتجد من يتكلم في الارشاد والاصلاح والافتاء والتعليم وهو غير اهل له ويقابله ايضا من يتكلم في برد مقالته ومعارضة دعواه وهو غير مترشح لذلك فيجب ان يعلم الخلق ان ضبط المعلمين هو من اولى ما ينصر به الدين. وليس من الدين ان يتكلم كل من شاء بما شاء. ولهذا فان من الطريقة السليمة ان يتحرى انسان فيمن يريد ان يستمع الى تعليمه او وعظه او ارشاده او في من يطلبه لتعليم جماعته جماعة مسجده او قومه فلا يأتي لهم الا بما تبرأ به الذمة. واما ان يفتح المجال لكل احد تحت دعوى دعوة الناس واصلاح الخلق هذا ليس طريقة الشريعة ومن ائمة المساجد من يعظم طلب اذن في الوعظ والتعليم لشخص ما. واعظم من هذا واولى ان يطلب الانسان تزكية هذا المعلم او الواعظ والشهادة له من العلماء الراسخين بانه صالح للتعليم ووعظ الخلق. والغفلة عن هذا منها شر فتجد من يتكلم في اصلاح الناس او وعظهم ثم يقع في جهالات عظيمة كما حدثني بعض الاخوان عن رجل قام في مسجد يحث الناس على صيام يوم عرفة. ثم قرر لهم بانه لا يجوز صومه مفردا بل يصوم الانسان يوما قبله او يوما بعده. واليوم الذي بعده قد اجمع اهل العلم على حرمة صيام وهو يوم العيد الاكبر لكن هذا لعدم رسوخ قدمه وثبوت علمه خلط بين صيام عاشوراء وصيام يوم عرفة فمثل هذا لا يسمح له بوعظ الناس وارشادهم لان الظرر الناشي عن تعليمه وارشاده اعظم من النفع المرجو في تعليمه وارشاده فينبغي ان يتفطن طالب العلم بهذا وان يبث هذا الاصل بين الناس. وانه ينبغي على الخلق ان يتحروا في من يعلمهم او يعظهم او يرشدهم ان يكون صالحا لذلك لئلا ينشأ من ذلك فساد واضرار بهم وهذا اخر في هذا المجلس والله اعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين