السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله حمدا يورثنا منه الحسنى وزيادة. احمده سبحانه كرة بعد كرة واعادة بعد اعادة. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. فلا معبود حق سواه واشهد ان محمدا عبده ورسوله ومصطفاه صفوة من اختاره الله واجتباه صلى الله عليه وعلى اله وصحبه اجمعين. ومن تبعه باحسان الى يوم الدين. اما بعد فان الحياة الطيبة لا يتحقق وصفها ولا ينتظم عقدها الا بامن يلقي ظلاله على ارضها نفوس اهلها فتسكن الارواح ويهنأ المستراح. وهو في الناس يزيد وينقص. ويقوى ويضعف ويوجد ويفقد حتى يبلغ اعلى درجاته واكمل كراته. اذا قتل المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام المسيح الدجال. واستوى له الامر وانقطع السجاد. فروى احمد في مسنده من حديث قتادة بن دعامة عن عبدالرحمن بن ادم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر نزولا مسيح عيسى ثم قتله المسيح الدجال ثم قال صلى الله عليه وسلم وتقع الامنة على الارض وتقع الامنة على الارض حتى ترتع الاسود مع الابل. والنمور مع البقر والثياب مع الغنم ويلعب الصبيان مع الحيات لا تضرهم. وصححه ابن حبان والحاكم واللفظ له. ان الامن ايها المؤمنون هو اول دعائك ابينا ابراهيم عليه الصلاة والسلام لمكة واهلها. اذ قال رب اجعل هذا بلدا امنا وارزق اهله من الثمرات من امن منهم بالله واليوم الاخر وبه امتن الله على قريش سكن في مكة البلد الحرام فقال على او لم يروا انا جعلنا حرما امنا ويتخطف الناس من حولهم. وسيره الله سبحانه على موجبا عليهم عبادته وحده. فقال تعالى لايلاف قريش ايلافهم رحلة الشتاء والصيف ليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف. فهو مفتاح الاطمئنان ومبتدأ طيب في الزمان والمكان قال الله تعالى وضرب الله مثلا قرية كانت امنة مطمئنة. يأتيها رزقها او رغدا من كل مكان. يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بانعم الله. فاذاقها الله لباسا الجوع والخوف بما كانوا يعملون بما كانوا يصنعون. فانهم امنوا فاطمئنوا. فرغد عيشهم امن السلامة من صفوة الاعداء والطمأنينة الراحة وهدوء البال والرغد سعة العيش. وجعل الامن رأسا لانه لا تحصل الطمأنينة بدونه. قاله الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير. فالخوف يولد القلق الاضطراب فاذا امن الناس واطمئنوا قادروا على الاكتساب واصلاح معاشهم. فرغد عيشهم. وقد قال جماعة من المفسرين منهم الرازي وابو حيان الاندلسي وابن عادل الحنبلي ان الاية المذكورة تجمع اصول النعم الامن والصحة وهي الطمأنينة والكفاية في رغد العيش وانشدوا ثلاثة ليسوا لها نهاية الامن والصحة والكفاية. ويصدق هذا الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجة الذي رواه الترمذي وابن ماجة وصححه ابن حبان من حديث مروان ابن معاوية عن عبدالرحمن الانصاري عن عن سلمة عبيد الله بن محصن عن ابيه رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من اصبح امنا في سربه معافا في جسده. معافا في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا اي جمعت له الدنيا فالنعم الثلاث الامن والصحة والكفاية هي في جمل الحديث الثلاث فكل جملة فيها واحدة من تلك النعم الثلاث ومن سبل القول الناجع بيان موارد الامنة التي اذا اخذ الخلق بها حل الامن نفوسهم ونزل في ديارهم فغشيتهم غاشيته واحاطت بهم اصرته. فمن موارد الاملة الجالبة لها الله عز وجل بعبادته وحده وعدم الشرك به. قال الله تعالى الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون. فالامن والاهتداء في الدنيا والاخرة لمن امن ولم يلبس ايمانه بظلم. اي لم بشرك فعند البخاري واصله عند مسلم من حديث ابراهيم النخعي عن علقمة ابن قيس عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال لما نزل قول الله تعالى الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم قلنا يا رسول الله هنا لم يظلم نفسه فقال صلى الله عليه وسلم ليس كما تقولون لم يلبسوا ايمانهم بظلم بشرك اولم تسمعوا قول لقمان قول لقمان لابنه يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم. وقال الله الا وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنه في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن ان لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا. فوعد الله المؤمنون العاملين الصالحات بمغانم جليلة من جملتها تبديل خوفهم امنا. فيرتفع الخوف ويحل الامن اذا اذا عبدوا الله وحده ولم يشركوا به شيئا. فالموعود به ومنه الامن جزاء التوحيد وعدم الشرك. فمما تدر به الامن اقامة التوحيد وابطال التنديد. ومن موارد الامنة الايمان. قال الله تعالى الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين امنوا وكانوا يتقون. فالايمان يدفع الخوف تجلبوا الامان ولا تصدقوا دعوى الايمان الا بالعمل الصالح. ولهذا قال وكانوا يتقون. فهم يتقون الله بامتثال خطاب الشرع خبرا بالتصديق وطلبا بفعل الامر واجتناب النهي واعتقاد حل الحلال. وعند الترمذي والنسائي من حديث قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد عن محمد بن عجدان عن القعقاع بن حكيم عن ابي صالح عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن من امنه الناس على دمائهم واموالهم وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم. فالايمان يحفظ صاحبه من المبادرة الى انتهاك الحرمات. ومنها الدماء والاموال فيأمن الخلق جانبه ولا يتخوفونه على دمائهم واموالهم. واذا اصطبغ بلد من البلدان بالايمان ضرب الامن اوتاده في اركانه. ومن ابهى حلل اصطباغ البلدان بالايمان. تحكيم الشريعة فيه. قال الله تعالى الا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم. ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ومن موارد الامنة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا استجيبوا لله الرسول اذا دعاكم لما يحييكم. فبالاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم حياة الارواح. ومن حياتها اصول امنها ومن الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الله تعالى ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. واعظم الاستقامة بعد الله اتباع النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم. فمخالفة امر الرسول صلى الله عليه وسلم تفتح باب الفتنة والعذاب الاليم. فيسلب الناس وتضطرب احوالهم. وعند مسلم من حديث سعيد ابن ابي بردة عن ابيه ابي بردة عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه. ان النبي صلى الله عليه وسلم قال النجوم امنة للسماء فاذا ذهبت النجوم اتى السماء ما توعد وانا امنة لاصحابي فاذا ذهبت اتى اصحابي ما يوعدون. وكان صلى الله عليه وسلم امانا لهم باتباعهم له ومن اتبع سنته صلى الله عليه وسلم بعد موته احرز الامن والايمان. وعند ابي داوود من حديث عمر ابن عبد العزيز رحمه الله في كتاب كتب به الى بعض اصحابه انه قال فعليك بلزوم السنة فانها لك باذن الله ومن جملة عصمة السنة انها تعصم اهلها من الخوف والحزن في حل الامن في قلوبهم وبلدانهم. ومما موالد الامنة الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم. ففي حديث ابي موسى الاشعري الذي تقدم ذكره عند مسلم من حديث ابن ابي بردة عن ابيه ابي بردة عن ابي موسى الاشعري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه واصحابي امن لامتي فاذا ذهب اصحابي اتى امتي ما يوعدون. واذا ذهبت شخوصهم فقد بقيت نصوصهم. فمن بهديهم وسار بسيلهم حصل له الامن ورفلا في بحبوحته. قال ابن مسعود رضي الله عنه لا يزال الناس متماسكين ما اتاهم العلم من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن اكابرهم. فاذا اتاهم من اصاغهم هلكوا رواه معمر ابن راشد في الجامع والطبراني في المعجم الكبير واسناده صحيح. قال ابن تيمية الحفيد في منهاج النبوية والصحابة رضي الله عنهم منشأ كل علم وصلاح وهدى ورحمة في الاسلام. فمن وبسيد الصحابة رضي الله عنهم واقتفى اثارهم حصل له الامن. ومن موارد الامنة اتباع السلف الصالح رحمهم الله من القرون الثلاثة المفضلة. ففي الصحيحين من حديث ابراهيم النخعي عن عبيدة السلماني عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم والخير بالخير فمن الخير المطلوب للخلق كافة الامن. واذا التمس بطريق خير كاتباع السلف الصالح ادرك ما المقصود منه؟ فمن سار بسيرة السلف وكان على نهجهم فانه يحصل الامن اثرا لاقتباس الخير الذي كانوا فيه قال ابن الجوزي في صيد الخاطر من احب تصفية الاحوال فليجتهد في تصفية الاعمال. اي من رغب في تصفية احواله وفق ما يحب فليجتهد في تصفية اعماله وفق ما يحب. ومن تصفية الاعمال اتباع السلف رحمهم الله تعالى ومما ترجع به على العبد في خاصة نفسه وفي الناس كافة تصفية احوالهم ومن صفاء احوالهم الامن والامان فمن كان على طريقة السلف حل الايمان في قلبه واكتست به جوارحه واركانه وكانت له في الارض اثار ومن موارد الامنة الاخذ بكتاب الله علما وعملا. قال الله تعالى وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين. ومن الرحمة التي يحدثها القرآن الامن في نفس الانسان وفي ارجاء الاوطان. قال ابن كثير رحمه الله عند هذه الاية بعد كلام سبق وهو اي القرآن ايضا رحمة يحصل فيها الايمان والحكمة وطلب الخير والرغبة فيه انتهى كلامه. وفي صحيح مسلم من حديث ابي معاوية محمد ابن خاتم عن سليمان ابن مهران الاعمش عن ابي صالح عن ابي هريرة هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر حديثا طويلا وفيه قوله صلى الله عليه وسلم وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم الا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده. وما في الحديث مرتبا على تلاوة القرآن وتدارسه من نزول السكينة الرحمة وحف الملائكة وذكر الله مما يستدعى به الايمان فتحاط به البلاد والعباد. ومن موارد الامنة رد الامر الى اهله. قال الله تعالى واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به ولو ردوه الى والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم. فالامن المرغوب والخوف المرهوب لا يستمد اولهما ويدفع شر ثانيهما الا برد الامر الى اهله. وهم اولو الامر المتولون له. والامر هو الجامع للمسلمين وتدبيره موكول الى الامراء في السلطنة والحكم. والى العلماء في العلم والفتيا. فهم ابصر وبما تستقيم به الاحوال ويحفظ به الدين والدنيا. ومن جميل ما يذكر للتبصيرة والتذكرة رسالة جمعت بين قول الامير الحاكم والامين العالم تبين مظهرا من مظاهر الرد اليهم ويتحقق بها مقصود الشريعة كانت مما قرأ على جماعة من علماء نجد منهم سعد بن حمد بن عتيق ومحمد بن عبد اللطيف ال الشيخ ومحمد بن ابراهيم ال الشيخ وعبدالله بن عبد العزيز العنقري وعبدالله وعبد العزيز بن عبد الله بن باز في اخرين مما يدل على جلالتها. قال فيها الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل رحمه الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعد اما بعد فهذه عقيدة شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله الذي اظهر الله به الدين في نجده بعد ان كانوا في ضلال مبين وقوم شرائع الدين بعد ان وهت اركانه في العالمين في مراسلاته ومناصحاته ودعوته الخلق الى دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر رسالة لامام الدعوة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب قال في الشيخ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبدالوهاب الى من يصل اليه هذا الكتاب من الاخوان. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد يجري عندكم امور تجري عندنا من سابق. وننصح اخواننا اذا جرى منها شيء حتى وسببها ان بعض اهل الدين ينكر منكرا وهو مصيب لكنه يخطئ في تغليظ الامر الى شيء يوجب الفرقة بين الاخوان. وقد قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. وقال صلى الله عليه وسلم ان الله يرضى لكم ثلاثا ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وان تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وان تناصحوا من ولاه الله امركم. واهل العلم يقولون الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحتاج الى ثلاث ان يعرف ما يأمر به وينهى عنه. ويكون رفيقا فيما يأمر به وينهى عنه. صابرا على ما جاء من الاذى وانتم محتاجون الى الحرص على فهم هذا والعمل به فان الخلل انما يدخل على صاحب الدين من قلة في العمل بهذا او قلة فهمه. وايضا يذكر العلماء ان انكار المنكر اذا صار يحصل بسببه افتراض. لم يجد لم انكاره فالله الله في العمل مما ذكرت لكم والتفقه فيه فانكم ان لم تفعلوا صار انكاركم مضرة على الدين المسلم لا يسعى الا في صلاح دينه ودنياه. وسبب هذه القالة التي وقعت بين اهل الحوطة لو صار اهل الدين واجبا عليهم انكار المنكر فلما غلظوا الكلام صار فيه اختلاف بين اهل الدين فصار فيه مضرة على الدين والدنيا وهذا وان كان قصيرا فمعناه طويل فلازم لازم تأملوه وتفقهوا فيه واعملوا به فان عملتم به نصرا بالدين واستقام الامر ان شاء الله. والجامع لهذا كله انه اذا صدر المنكر من امير او غيره ان ينصح برفق خف ما يشترك احد اي ما يطلع احد فان وافق والا استلحق عليه رجل يقبل منه بخفية اي طلب من ان ينصحه خفية فان لم يفعل فيمكن الانكار ظاهرا الا ان كان على امير ونصحه ولا وافق واستلحق عليه ولا وافق في رفع الامر الينا خفية. يعني الى اهل الشأن من العلماء. وهذا الكتاب كل اهل بلد ينسخون منه يسقى الى اخر ما قال. قال الملك عبد العزيز بعد تمام رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب اذا تحققتم ذلك فاعلموا ايها الاخوان هل انتم على طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟ في عقيدته ومراسلاته ومناصحاته ودعوته الخلق الى دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ام انتم مخالفون له في ذلك؟ غير متبعين له في اقواله ورسائله ومناصحاته ومتبعون في اهواء قوم قد ظلوا من قبل واضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل. فتأملوا رحمكم الله ما قاله شيخ الاسلام في هذه رسالة التي اجاد فيها وافاد حيث قال وسببها ان بعض اهل الدين ينكر منكرا وهو مصيب ولكن يخطئ في بتغليظ الامر الى شيء يوجب الفرقة بين الاخوان الى قوله ويذكر العلماء ان انكار المنكر اذا صار يحصل بسببه افتراق لم يجز انكاره الى ان قال والجامع لهذا كله انه اذا صدر المنكر من امير وغيره ان ينصح برفق خفية ما يشترك واحد فان وافق والا استلحق عليه رجل يقبل منه خبية فان لم يفعل فيمكن الانكار ظاهرا الا ان كان على امير ونصحه ولا واستلحق عليه ولا وافق في رفع الامر الينا خبية. قال الملك عبد العزيز اذا فهمتم ذلك وتحققتم انه لا يجوز انكار المنكر ظاهرا فالواجب على المسلم ان ينكر المنكر على من اتى به بخفية خاصة خصوصا ان كان على امير فان كان على الولاة ظاهرا مما يوجب الفرقة والاختلاف بين الامام ورعيته فان لم يقبل المناصحة خفية فليرد الامر الى العلماء وقد برئت ذمته. انتهى كلامه رحمه الله وهي رسالة جامعة بين قول امير الحاكم والامين العالم ومن موارد الامنة لزوم الجماعة. قال الله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. واذكروا نعمة عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم. فاصبحتم بنعمته اخوانا. فالالفة القلبية اثمرت اخوة الايمانية وثبوتها في الانسان والارض امنا وامانا يكون بلزوم الجماعة وترك التفرق وعند ابن ابن ماجة واحمد واللفظ له واصله عند ابي داوود والترمذي من حديث عبد الرحمن ابن ابان ابن عثمان عن ابيه عن زيد ابن ثابت رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم ابدا العمل لله ومناصحة ولاة الامر ولزوم الجماعة فان دعوتهم تحيط من ورائهم. قال ابن القيم في المتحدة للسعادة في معنى هذا الحديث. اي لا يحمل الغل ولا يبقى فيه معه ولا يبقى فيه مع هذه ثلاثة فانها تنفي الغل والغش وفساد القلب وسخائمه. الى ان قال وقوله ولزوم جماعتهم هذا ايضا مما يطهر القلب من الغل والغش. فان صاحبه للزومه جماعة المسلمين يحب لهم ما يحبه لنفسه ويكره لهم ما يكرهه له ويكره لهم ما يكرهه لنفسه ويسوءه ما يسوؤهم ويسره ما يسرهم انتهى كلامه فاذا كان هذا المعنى محل نياط القلب من احدنا فانه يكون حريصا على القيام بما فرض الله عز وجل عليه من لزوم الجماعة لعظيم اثره وحميد عاقبته في حفظ امن الناس. ومن موارد الامنة السمع والطاعة لمن ولاه الله عز وجل امرنا. فان الله عز وجل امرنا بطاعة اولي الامر. فقال يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم. وفي صحيح مسلم من حديث رزيق بن حيان عن مسلم بن قرظة عن عوف بن رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال خيار ائمتكم اي امرائكم وولادكم خيار ائمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار ائمتكم الذين يبغضونهم يبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم. والحالة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في محمود حال الامراء ومذمومين مدارها على وجود الرحمة. واذا وجدت الرحمة والنصيحة بين الراعي والرعية كان من اثارها في والطاعة حصول الامن في البلاد والعباد. واذا نزع ضد ذلك واذا نزع ذلك وحل ضد الرحمة وهو الشقاء في قلوب الرعاة والرعية لم يكن بينهم الا العداوة والبغضاء. واذا مشت بينهم العداوة والغضاء والبغضاء انقلب خوفا وجماعتهم فرقة. وعند ابن ابي عاصم في كتاب السنة عن ابي الدرداء رضي الله عنه باسناد رجاله انه قال اياكم ولعن الولاة فان لعنهم الحالقة وبغضهم العاقرة. فاخبر رحمه الله ورضي عن حالين احداهما اللعن لهم وانه يكون حالقة اي يستأصل الخير الموجود المنشورة في الارض والاخرى حال النفرة والبغضاء فانها تكون العاقرة اي لا يولد بعدها بعدها خير ابدا. قال ابن رجب رحمه الله واما السمع والطاعة لولاة امور المسلمين. ففيه سعادة الدنيا وبه تنظيم مصالح العباد في معاشهم وبها يستعينون على اظهار دينهم وطاعة ربهم انتهى كلامه ومن موارد الامنة العدل فان الله عز وجل امر به فقال ان الله يأمر بالعدل والاحسان وقال واذا قلتم فاعدلوا وان العدل اذا فشى في الناس كل احد مع من يشاركه في امر بين الرجل وزوجه وبين الاب وولده وبين الحاكم والمحكوم وبين الاخ واخيه فان غشو العدل بينهم يورثهم الامن. روى مالك في الموطأ من حديث محمد ابن مسلم ابن شهاب الزهري. عن سليمان ابن يسار احد التابعين انه قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبدالله بن رواحة رضي الله عنه الى خيبر فيخلص بينه وبين يهود خيبر اي يقدر مبلغ ما خرج من الثمن في النخل عندهم. قال فجمعوا له حليا من حلي نسائهم فقالوا له هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم. فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يا معشر والله انكم لمن ابغض خلق الله اليه. وما ذاك بحامل على ان احيف عليكم. اي ان اظلمكم اما ما عرضتم من الرشوة فانها سحت وانا لا نأكلها. فقالوا بهذا قامت السماوات والارض. اي هذا قامت السماوات والارض يعني العدل. وفي التوراة بالعدل قامت السماوات والارض. ذكره المناوي وبالتيسير وهذا الحديث يروى من وجوه مرفوعة لا تخلو من ضعف مجموعها يدل على ثبوته وانه من جنس الحسن وفيه تصريح بان العدل هو قوام انتظام الحياة في السماوات والارض. ومن موارد الامنة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فبه يتحقق الخير ومن الخير الامن. قال الله تعالى كنتم خير امة اخرجت للناس يأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله. فخيرية تلك الامة في امرها بالمعروف ونهيها عن المنكر تورثه الخيرية في احوالها ومن جملة الخيرية في احوالها حلول الامن في نفوس اهلها وارجاء بلادهم. وعند البخاري البخاري ومسلم من حديث محمد ابن شهاب عن عروة ابن الزبير عن زينب بنت ابي سلمة عن ام حبيبة بنت ابي سفيان عن زينب بنت جحش رضي الله عنها انها قالت في حديث يا رسول الله انهلك وفينا الصالحون؟ فقال الله عليه وسلم نعم اذا كثر الخبث فاذا قل الخبث بالامر والمعروف والنهي بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ان دفع عن الناس الهلاك وكان من اندفاعه مد بساط العدل مد بساط الامن عليهم. وفي صحيح البخاري من حديث زكريا ابن ابي زائدة عن عامر الشعبي عن النعمان ابن بشير رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه انه قال مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فاصاب بعضهم اعلاها وبعضهم اسهلها. فكان الذين في اسفلها اذا استقوا من الماء مروا على من فقالوا لو ان خرقنا خرقا ولو انا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذي من فوقنا. فان يتركوهم وما ارادوا هلكوا جميعا. وان اخذوا على ايديهم نجوا ونجوا جميعا. فاذا تآمر الناس بينهم بالمعروف وتناهوا عن المنكر حفظوا من الهلاك. وبقي الامن بين ربوعهم. ومن الأمنة شكر الله تعالى. قال الله تعالى وضرب الله مثلا قرية كانت امنة مطمئنة ان يأتيها رزقها رغدا من كل مكان. فكفرت بانعم الله فاذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. فمنشأ ما حل بهذه القرية الامنة المطمئنة الراغبة من البلاء. كفرانها بانعم الله مفهوم المخالفة للاية ان من شكر الله سبحانه وتعالى فان الله يحفظ فيه الامن والاطمئنان العيش قال الله تعالى واذ تأذن ربكم لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم ان عذابي لشديد فاذا شكرت نعم الله سبحانه وتعالى فان الله عز وجل يسبغ الامن على الخلق. وان نعمة الامن من النعم العظيمة التي ذكر جماعة من اهل العلم انها مع عظمتها يفشوا في الناس جحدها. حتى قيل في مأتور نعمتان مجبودتان في الناس. الصحة في الابدان والامن في الاوطان. نعمتان مجحودتان في الناس الصحة في الابدان والامن في الاوطان ان يغفلوا كثير من الناس عن شهودهما ويجري عليهم من الاقوال والافعال ما يدل على غفلتهم عن هذه النعمة حتى كأنه بمنزلة الجحد لها. ومن موارد الامنة دعاء الله سبحانه وتعالى فان الدعاء هو العبادة وان الله سبحانه وتعالى امرنا بدعائه ووعدنا بالاستجابة. فقال تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم. وتقدم ان من دعاء ابينا ابراهيم عليه الصلاة والسلام لمكة واهلها لما انزل فيها زوجه هاجر وابنه اسماعيل انه قال ربي اجعل هل هذا بلدا امنا؟ فكان مفتتح دعائه عليه الصلاة والسلام دعاؤه لذلك الموطن الذي جعل فيه بعض اهله بان يكون بلدا امنا لانه اذا صار بلدا امنا استقامت الاحوال في جميع ميادين الحياة فمما يستدر الامن دوام دعاء الله سبحانه وتعالى بحصوله وحفظه. وعند البخاري في التاريخ الكبير وابن الصني في عمل اليوم والليلة من حديث عبدالله بن وهب عن معاوية بن صالح عن ابي عمرو الازدي عن بشر مولى معاوية عن عشرة من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انهم كانوا يقولون اذا رأوا الهلال اللهم اجعل شهرنا الماضي خير وخير عاقبة وادخل علينا شهرنا هذا بالسلامة والاسلام والامن والايمان والمعافاة والرزق الحسن ويروى هذا الاثر من وجوه يدل مجموعها على ان من دعاء الصحابة الذي كانوا يلازمونه عند افتتاح الشهور دعاؤه بامرين. احدهما الامن والايمان. والاخر السلامة والاسلام فالامن والايمان فالامن والسلامة بهما قوام الحياة الدنيا في المعاش والايمان والاسلام بهما قوام الحياة الاخرة في عبادات الناس ودينهم. وبعد ايها المؤمنون ان الامانة التي تقدم ذكرها تنتظم دررا تابعة في عقد واحد حباته توحيد الله والايمان واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم. والاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم واتباع السلف الصالح والاخذ بكتاب الله. ورد الامر الى اهله ولزوم الجماعة والسمع والطاعة لمن ولاه الله امرنا. والعدل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. وشكر الله ودعاؤه فهذه ثلاثة عشر درة من الدرر التي كل واحدة منها مورد واسع ومنهل فياض يستجلب به الامن. وان هذه البلاد بحمد الله حكاما ومحكومين ورعاة ورعية قد اصابوا من تلك الموارد حظا وافرا. ونصيبا زاخرا فبسط الله عليهم لباس الامن. وانهم اليوم يشهدون زحفا متنوعا. وزخما متلونا يرمي بثقله ليهتك لباس الامن ويمزقه. وان اهل العلم وطلابه من اولى الناس في القيام بواجبهم في القيام بواجبهم نحو استقرار بلادنا وقوة امنها. فليست هي وظيفة ولي امر وحده ولا هي وظيفة مؤسسة واحدة من المؤسسات الحكومية. بل هو واجب عام الحاكم والمحكوم والراعي والرعية والمواطن والمقيم. كل بحسب قدرته ومبلغ جهده واحفظوا ما رواه ابن نصر المروزي باسناد صحيح عن الاوزاعي واسمه عبدالرحمن ابن عمر الاوزاعي من اعيان اتباع التابعين انه قال كان قال ما من مسلم الا وهو قائم على ثغر من صور الاسلام ما من مسلم الا وهو قائم على ثغر من ثغر الاسلام فمن استطاع الا يؤتى الاسلام من ثغرته فليفعل. فمن استطاع الا يؤتى الاسلام من ثغرته فليفعل. وما اجمل هذا الاثر الشائع عند السلف حتى صار منشورا مأثورا يقال بينهم يرشدون فيه الى حفظ ذكور الاسلام وانه ما من واحد من اهل الاسلام الا وهو قائم على ثغر من ثغور الاسلام. واولى الناس بمعنى هذا الاثر حفظا وعملا ورعاية هم اهل العلم وحملته وطلابه. فينبغي ان يعلموا ان علي واجبا في حفظ ثغور الاسلام. وان القيام بحق الاسلام علينا متأكد بحسب ما نستطيعه فان الله سبحانه وتعالى قال واتقوا فاتقوا الله ما استطعتم. فالعبد مأمور بان يتقي الله وفق ما استطاع ولا ينبغي للمرء ان يتقاعد عن القيام بما يقدر عليه من نشر الحق والارشاد اليه وهداية خلقي الى معانيه وحثهم على ذلك. والصبر على ذلك مبتغيا الاجر عند الله سبحانه وتعالى اسأل الله سبحانه وتعالى ان يحفظ علينا وعلى هذه البلاد وعلى المسلمين جميعا ايمانهم وامنهم. اللهم احفظنا الاسلام قائمين واحفظنا بالاسلام قاعدين واحفظنا بالاسلام نائمين. اللهم اتي نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها. اللهم انا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك. ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. اللهم متعنا باسماعنا وابصارنا وقواتنا ابدا ما احييتنا واجعله الوارث منا والحمد لله رب العالمين صلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين. واشير في ختام هذه المحاضرة الى انه سيتم بعد قليل توزيع الحقائب المتعلقة بفعاليات هذا البرنامج الحصني الامين على الحاضرين من الرجال والنساء وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين