الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. اما بعد ايها المؤمنون ان من الحوادث الواقعة الفتن المتتابعة التي تمسي في بلد من بلدان المسلمين وتصبح في بلد اخر ومن بلدانه وان ذمم الخلق مشغولة فيها بانواع من الاحكام. وان من جملة هؤلاء طلاب العلم فتتعلق بذممهم احكام ترجع الى جملة من الاصول ينبغي ان يرعوها في انفسهم وان يقيموها في جميع احوالهم ليطلبوا النجاة لانفسهم والفكاكة من سؤال الله سبحانه وتعالى لهم فيما يقولون او يفعلون او يأتون او يذرون مما يتعلق بهذه الحوادث. فمن جملة تلك الاصول التي يشاركهم فيها غيرهم رد الامر الى والاستغناء بهم عن غيرهم. قال الله تعالى واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به. ولو ردوه الى والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم. فالعبد مأمور بان يرد هذه الحوادث الى اولي الامر فيها اولو الامر فيها هم القادرون على تدبير شأنها. من الحكام الذين بايديهم تدبير السلطنة والحكم والعلماء الذين بايديهم تدبير الفتيا والعلم. والله سبحانه وتعالى قال فاسألوا اهل الذكر. واهل الذكر كان المراد بهم في هذه الاية العلماء الذين يسالون فيما يحتاج العبد الى معرفته من احكام الشرع الا ان علة الحكم واحدة مع غيره فان المرء في امر دينه او دنياه انما يتوجه بالسؤال الى من له معرفة به واحاطة بعلمه فان لم تكن له قدرة عليه فلم يكن فانه لا يكون ممدوحا في نقل ولا عقل ان يتوجه الى من ليست له قدرة ولا معرفة ولا قبيل ولا دبير بهذا الشأن. ومن تمام رد الامر الى اهله الاستغناء بهم عن غيرهم. فلا يحتاج معهم الى غيرهم فاذا ردك الله سبحانه وتعالى الى هؤلاء فلا ينبغي ان تطلب غيرهم. ويتأكد هذا في حق من لا يطلب العلم من احاد الناس فان اغنيته في مثل هذه الامور هي بردهم الى اولئك الذين بيدهم الامر دون دخولهم في شيء من فروع التفاصيل التي قد تأتي على دينهم وتفسد دنياهم. ومن جملة تلك الاصول اشتغال طالب العلم بوظيفة المرادة منه فان من فلاح العبد ان يفقهه الله عز وجل في وظائف عمره فان العبد في عمره عليه وظائف فكل عمر له وظيفة وكل حال لها وظيفة. فانت حين كنت ابن سبع سنين لك وظيفة شرعية. وعندما بلغت لك وظيفة شرعية وعندما ترعرعت وارتفعت في سن الفتوة والشباب صارت لك وظيفة شرعية وتلك الوظيفة الشرعية تارة يرجع تقديرها الى عمر وتارة يرجع تقديرها الى حالي ووظيفة طالب العلم هو اقباله على طلب العلم فان الله سبحانه وتعالى اخبرنا في ايات كثيرة ان وظائف الامة في تحقيق مصالحها العاجلة والآجلة مقسومة بين اهلها. قال الله سبحانه وتعالى ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وقال تعالى وما كان المؤمنون لينفروا كافة. فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة في الدين وقال تعالى في الاية المتقدمة ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم. فوظائف تحقيق مصالح الامة مقسومة بين اهلها. وطلاب العلم لهم وظيفة ينبغي ان يقبلوا عليها وان يشتغلوا بها. وهي طلب العلم. حتى اذا اليهم وقد اوعبوا من زادهم وعلت مرابحهم وعظمت غنائمهم كان لهم من القوة والقدرة على نفع الناس ما لم يكن من قبل فينبغي ان يشتغل طالب العلم بوظيفته وهي طلب العلم وتحصيله. وذلك لا يمكن بشغل نفسه مع شيء ليس من وظيفتها فان هذا يظعف سيره ويقطعه ويقطعه عن بلوغ مراده منه. ومن جملة تلك الاصول الرفق والتأني فان الشرع جاء بمدح الرفق وحمده في كل شيء. وفي الصحيحين من حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله يحب الرفق بالامر كله. فينبغي ان يأخذ موارد الفتن برفق وتأني لانه ادعى الى التوفيق. فان الرفيق قريب من الرحمن وان المتعجل قد قريب من الشيطان فعند الترمذي من حديث عبد المهيمن ابن عباس ابن سعد ابن سعد عن ابيه عن جده سهل ابن سعد رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الاناءة من الله الاناءة من الله والعجلة من الشيطان. فالمرء اذا كان متأنيا رفيقا مستنجدا في فهمه وسيره وحاله وقاله وفعاله فانه يقرب من توفيق الله عز وجل واذا كان متعجلا طايشا من الشيطان فربما ازله الشيطان فاوقعه في مورد من موارد الهلاك والعطب فينبغي ان يتأنى طالب العلم في موارد الفتن ويرفق بنفسه ويرفق بالمسلمين. ومن جملة تلك الاصول ايضا وعدم التسارع الى نقل الشائعات والاراجيل. قال الله تعالى يا ايها الذين امنوا ان جاءكم فاسق فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين. واذا كانت هذه الاية في الفاسق فكيف فبحال من لا تعلم حاله ولا عينه ممن يتسارع ويتقاطر بعض المنتسبين الى العلم بنقل كلام عنه وهو مجهول لا يعرف وانما غاية امره ان يجد معرفا في هذه الاجهزة التي شهرت بين الناس في وسائل التواصل الاجتماعي ثم يتلقف ما دون تمييز صواب هذا القول من خطأه وصدقه من كذبه وصحته من بطلانه. والذي اوقعه في ذلك عدم اعتداده بالقاعدة شرعية في التثبت في الاخبار وعدم نقل الشائعات. والعبد منهي اشد النهي عن ان يصدر منه نسبة قول كاحد وهو منه بريء. فعند احمد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال في مؤمن ما ليس فيه سقاه الله من ردغة الخبال حتى يخرج مما قال. وردغة الخبال يعني طينة الخبال وهي عصارة اهل انه فاذا تكلم الانسان فقال ان فلانا يقول وفلانا وان فلانا يكون وان فلانا يقول وهؤلاء لم يقولوا هذا ويكون في هذا القول جور وتعد ونسبة كذب اليهم وايغار للصدور وافساد للقلوب فانه متوعد بهذا وعيدي الشديد ان الله سبحانه وتعالى يجعل من عذابه ان يسقيه من عصارة اهل النار. لان من شر النتن كان من جزائه ان يتجرع النفث. فالذي يفشي في المسلمين مقالة السوء ويقويها فيهم الله عز وجل بهذا العقاب الاليم. فينبغي ان يحذر طالب العلم خاصة. والناس عامة من نقل والشائعات والاقاويل التي توهن القلوب وتضعف الايمان وتجعل العبد ينظر الى نفسه والى الخلق بعين الازراء والعين وربما اظعف ذلك دينه ودين الناس. ومن جملة تلك الاصول ايظا تقوية النفس بالايمان والاعتزاز به وتقوية من يلونهم ويتولونهم من اخوانهم واصحابهم وابنائهم واهلي بيوتهم وسائر المسلمين بان يعلموا ان الدين دين الله. والامر والامر امر الله. والحكم حكم الله وان الله تكفل بحفظ دينه. قال تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون. وقال تعالى وجعلها يعني كلمة التوحيد وجعل كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون. وفي الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تزال طائفة من امتي على الحق منصورين لا لا يضرهم من خذلهم ولا من ولا من ناواهم الى ان تقوم الساعة فالعبد يجب ان يكون بوعد الله مؤمنا به مقبلا عليه وان يثبت قلوب المؤمنين بذلك وان يصبرهم على ما يلقى الانسان من عنت او في هذه الاحوال او وجود فتن متجددة عليهم فانها لا تكون نهاية التاريخ. بل ينبغي ان تكون حامية للعبد الازدياد من نشر الخير واقامة الحجة ونصح الناس وهدايتهم وبذل ما يستطيع في ذلك فانه اعظم لاجله. فانه اذا قل القائمون بالحق كان العامل منهم بنشر الحق له اجور جماعة من الخلق ولذلك ضعف اجر من يعمل الصالحات في اخر الزمان حتى العامل منهم له اجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم. واذا كان هذا في سائر الاعمال فانه بالجهاد في حفظ الدين وصيانته اكثر واكثر وفي صحيح مسلم من حديث محمد ابن يحيى ابن حبان عن الاعرج عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن القوي خير واحب الى الله من المؤمن الضعيف وبكل الخير. فمن قوة الايمان امتلاء القلب ثقة بوعد الله ونصر الله وتأييد الله ان الله سبحانه وتعالى ينصر من ينصره. قال تعالى والعاقبة للمتقين. وقال قال تعالى ولينصرن الله من ينصره. وقال تعالى ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم. فينبغي ان يعلم المرء ان الحق منصور. وان دين الله محفوظ ولكن الخوف عليك انت ان يسلم هذا الدين والعلم والايمان منك فينبغي ان تجتهد في حفظه في نفسك وفي حفظ في بلادك بان تنشر العلم وتبثه وتنصح الناس وتهديهم وترشدهم وتصبر على ذلك حتى تلقى الله وتعالى. فهذه جملة من الاصول الشرعية والمقامات المرعية التي دلت عليها الادلة النقلية من القرآن او السنة النبوية وهي التي ينبغي ان تمتلئ بها قلوب طلاب العلم. وان يسيروا بها ويستضيئوا بنورها ويهتدوا بمشكاتها وان يعلنوا عن كل من كان خارجا عن هذه الحقائق. فلا يملأ قلوبهم وصدورهم بما ليس من كلام الله ولا من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم. اسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا جميعا لما يحب ويرضى وان يلهمنا رشدنا وان يقينا شر انفسنا وان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباع ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ويجعلنا من انصار دينه واولياءه وحزبه مفلحين وان يتولانا في الصالحين وان يحفظنا بالاسلام قائمين ويحفظها بالاسلام قاعدين ويحفظها بالاسلام نائمين. وان يحيينا حياة سعيدة وان يتوفانا وفاة حميدة. وان يحفظ على هذه البلاد خاصة وعلى سائر بلاد المسلمين ايمانها وامنها وان يجعل ولايتها فيمن يخاف الله ويتقي والحمد لله رب العالمين