السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل حياتنا بين المبتدأ والميعاد. وعظم ما شاء بتفصيله من المعاذ واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله رسوله صلى الله عليه وعلى اله وسلم ما اعيدت العلوم. وكدرت محاسن المنطوق والمفهوم. اما بعد فان من نعم الله علي وعليكم تقدم اقراء جملة من مهمات المتون في اصول الفنون. في اواخر شهر سفر واوائل تاليه من سنة احدى وثلاثين بعد الاربعمائة والالف. ورغبة في حصول المقصود من اقرائها صح العزم على اعادة تدريسها في مجالس متفرقة من السنة الدراسية الحالية اولها هذا المجلس عصر يوم الخميس الثالث عشر من شهر ذي القعدة سنة احدى وثلاثين بعد الاربعمائة والالف. والكتاب المقروء فيه هو ثلاثة الاصول وادلتها. لامام الدعوة الاصلاحية في جزيرة العرب الشيخ محمد بن عبدالوهاب التميمي المتوفى سنة ست بعد المائتين والالف رحمه الله رحمة واسعة وقد سلف اقرؤه في المجلس نفسه عصر يوم السبت التاسع والعشرين من شهر صفر من سنة احدى وثلاثين بعد الاربع مئة والالف. واعادة الشيء مرة بعد مرة تبين جلالته ولا ادل على ذلك من امرنا باعادة الفاتحة في صلواتنا كلها. فرضها ونفلها حتى سميت الفاتحة الصلاة لالتصاقها بها. وتكرار المهمات لا يذهب رونقها. ولا يفسد بل يزيدها تألقا ويملأ النفوس بها تحققا. وتكرار قوله تعالى فباي الاء ربكما تكذبان في سورة الرحمن مرة بعد مرة حجة قاطعة في تقرير هذا المعنى وان من طريقة اهل العلم الجادين وابدائه الصادقين دوام دوام تكرار اعادة مهمات المتون لا يعتريهم ضجر ولا يقطعهم ملل. لادراكهم عظيم نفعها وعلو وشأنها في العلم فهم يعيدونها مرة بعد مرة تعلما وتعليما وتفهيما وصوت حاديهم ينشد قالوا المكرر فيه قلت المكرر احلى. قال علقمة النخاعي رحمه الله اطيلوا كر الحديث لا يدرس. يعني يبلى ويزول. وقيل للاصمعي كيف حفظت ونسي اصحابك؟ فقال درست وتركوا اي اعدته مرة بعد مرة تركوهم فضيعوا. وذكر القاضي عياض ان ابن التباني رحمه الله درس المدونة الف مرة وربما وجد في بعض كتب ابن الفارسي رحمه الله بخطه درسته الف وان في الاعادة تحقيق الافادة. وما ظهر الانتفاع به فحقه دوام اعادته. واحق العلوم بالتكرار اصولها المعتمدة. ولم يزل الناس على ذلك طبقة بعد طبقة. فالعلماء المقتدى لا ينفكون عن تدريسها ويرون ان النفع والانتفاع في ملازمتها ولم يحملهم طول جلوسهم للتدريس ان يتحولوا عنها ولا زهدوا فيها ولا ترفعوا عنها. ومن اخبار التاودي بن سودة احد شموس العلم من المغرب انه لم يزل يقرأ الاجر الرامية للناس. وخصوصا الصغار من عقبه واهلي مودته مع كبر سنه وجلالته في العلم حتى توفي. ونظيره في قطرنا ممن ادرك من شيوخنا عبدالعزيز بن باز وعبد العزيز بن مرشد وعبد الله بن عقيل رحم الله ميتهم وشفا مريضهم فانهم درسوا مختصرات المتون عشرات المرات. وذكر عن شيخنا ابن باز ابان قضائه في مدينة الدلم انه درس كتاب ثلاثة الاصول وادلتها ازيد من مئة مرة. والخروج عن جادة التعليم باقراء المتون المشهورة والغرام بالمتون المغفلة المغمورة يضيع العمر مع قلة الفائدة. الا في حق من وعى مشكور تعلما وتعليما فانه اذا استحسن شيئا زائدا من ذلك رجيت منه العائدة ووجدت فيه حسن الفائدة فلا بأس ان يزيده عن الاصول المتداولة المعتمدة. فمن اراد ان يحكم العلم معلما او متعلما عظم عنايته بالاصول المشتهرة حافظا الفاظها واعيا معانيها. وليحذر كل الحذر ممن يخذل عنها ويزهد فيها وينبزها بالكتب الصفراء فانه اوتي من جهله بالعلم وان نسب اليه وعدم ممارسته له حقا وان تكلم فيه. وقد مدحها الابعد من حيث اراد ان يذمها. فالاصفر العتيق وصفر الالوان ممدوحة في المنقول والمعقول. فان الله عز وجل لما ذكر بقرة بني اسرائيل قال صفراء لونها تسر الناظرين ومن محاسن الاموال الابل الصفراء عند العرب. وجمع العلم في اصوله المشهورة ومتونه المتداولة هو الموافق ليسري الدين. وان اصل العلم وهو القرآن الكريم قد وصفه الله عز وجل بذلك فقال ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟ فمن التزم باصول العلم من المتون المعتمدة حفظا وفهما مع بذل الجهد وقوة العزم فانه يحوز العلم. وفي الاشارة الى هذه المعاني متقدمة انشدت ناصحا لكم لا تضجروا من كرة الاعادة وشمروا ذا منهج الافادة. والحق في المعروف بالنفاعة. تكراره حتى تقوم الساعة واجدر العلوم ان تعاد اصولها وما هدى العباد. كم كرر الاشياخ للاصول؟ وما بمذهب الفضول فمن اراد العلم بالاحكام ملتمسا او مرشد الانام فليمسكا بعروة المتون وليحتفل بجوهر الفنون وليحكم الالفاظ والمعاني. مكررا كالسبع في وحاذروا نابزها بالصفرا فعدوا في العلم جاء صفرا صفرا وصفر الالوان في المنقول ممدوحة كذاك في المعقول. فاية البكر تسر النظر. والناقة الصفراء فخر النظراء الدين يسر والعلوم تقصد. ليعبد الرحمن يا من يقصد. وجمعها يناله من التزم طريقها فاين فيكم من عزم؟ نعم. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد. قال المصنف رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. اعلم رحمك الله انه يجب علينا تعلم اربع مسائل الاولى العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الاسلام بالادلة العمل به الثالثة الدعوة اليه. الرابعة الصبر على الاذى فيه. والدليل قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم والعصر ان الانسان لفي خسر. الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر قال الشافعي رحمه الله تعالى هذه الصورة لولا لو ما انزل على لو ما انزل الله حجة على خلقه الا هي وقال البخاري رحمه الله تعالى باب العلم قبل القول والعمل والدليل قوله تعالى فاعلم انه اله الا الله واستغفر لذنبك. فبدأ بالعلم قبل القول والعمل. ذكر المصنف رحمه الله تعالى انه يجب على العبد تعلم واربع مسائل فالمسألة الاولى العلم وهو شرعا ادراك خطاب الشرع ومرد الى المعارف الثلاث معرفة العبد ربه الله ودينه الاسلام ونبيه محمدا صلى الله عليه لم والمراد بالادراك معناه اللغوي. وهو البلوغ يقال ادركت الثمرة اذا بلغت اوان نضجها فقولنا في تعريف العلم هو ادراك خطاب الشرع اي بلوغ عبدي خطاب الشرع بلوغا محيطا به يصيره مطلعا عليه. والجار مجرور في قوله بالادلة متعلق باخر مذكور وهو معرفة دين الاسلام. كما يدل عليه قول فيما يستقبل الاصل الثاني معرفة دين الاسلام بالادلة. وهذا لا يختص به بل معرفة الاصول الثلاثة لا بد من اقترانها بالادلة. وظاهر كلام المصنف في تعليق الجار والمجرور بمعرفة في دين الاسلام لا يراد منه حصره فيه. ولكن لما كانت معرفة دين الاسلام اكثرها فروعا ناسب ذكر الادلة معها وتعليق الجاد والمجرور بها. وليس مقصود المصنف ايجاد اقتران كل مسألة بدليلها بل مقصوده وجوب اعتقاد العبد ان ما امن به ربا ورسولا ودينا ثابت بالادلة الشرعية. فاذا اعتقد احد من المسلمين ان ما امن به من رب ودين ورسول شهدت بصحته ادلة مقطوع بها كفاه ذلك في كون معرفته دليل ولا يلزمه معرفة افراد الادلة. فالمعرفة المستكنة في قوله بالادلة هي ادراك ان هذه المعارف الثلاث لها ادلة شرعية تثبت بها. وهذه هي المعرفة الاجمالية وهي معرفة عامة الخلق التي تجب على كل احد. فالعوام يكفيهم معرفة ان الذي امن امنوا به من رب ورسول ودين ثابت بادلة وبراهين. ولا يلزمهم الاطلاع عليها فضلا عن الاستنباط وبقاء مأخذ الحكم ومنزع الفهم في نفوسهم. اما المعرفة التفصيلية فانها فرض كفاية وقدر ما يجب منها يختلف باختلاف مقامات الناس. فما يجب على المعلم والمفتي والقاضي غير ما يجب احاد المسلمين. والمسألة الثانية العمل به. اي العمل بالعلم. والعمل شرعا هو ظهور صورة خطاب الشرع على العبد هو ظهور صورة خطاب الشرع على العبد. وخطاب الشرع نوعان احدهما الخطاب الشرعي الخبري وظهور صورته بامتثال التصديق نفيا واثباتا والاخر الخطاب الشرعي الطلبي وظهور صورته بامتثال الامر والنهي. فقول الله تعالى ان الساعة اتية لا ريب فيها وقوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد ظهور صورته في الاول بامتثال التصديق بما فيه من الاثبات. وظهور صورته في الثاني بامتثال التصديق في ما فيه من النفي. فيؤمن العبد بان الساعة وهي القيامة اتية لا ريب فيها. وان الله عز وجل لا يظلم احدا من الخلق. وقوله اقيموا الصلاة وقوله ولا تقربوا الزنا من خطاب الشرع الطلبي فظهور صورته في الاول يكون بامتثال الامر بالفعل. وظهور صورته في الثاني يكون بامتثال النهي بالكف والمسألة الثالثة الدعوة اليه اي الى العلم. والمراد بها الدعوة الى الله لانه لا يوصل اليه الا بالعلم. فمن دعا الى الله وفق المنهج النبوي فانما يدعو الى العلم والدعوة الى الله شرعا هي طلب الناس كافة الى اتباع سبيل الله الجامعة للخير على بصيرة والمسألة الرابعة الصبر على الاذى فيه. والصبر شرعا هو حبس النفس على حكم الله وحكم الله نوعان. احدهما قدري والاخر شرعي والمذكور من الصبر في كلام المصنف هو الصبر على الاذى فيه. اي في العلم تعلما املا ودعوة والاذى من القدر المؤلم. فيكون الصبر عليه من الصبر على حكم الله القدري فقول المصنف الصبر على الاذى فيه راجع الى الصبر على امر الله القدري. لان الاذى الواقع على العبد فيه هو من قدر الله الذي قدره عليه. ولكن لما كان العلم مأمورا به شرعا فان الصبر عليه هو صبر على حكم شرعي ايضا. فيكون الصبر على الاذى فيه باعتبار المعنى المتبادل منه صبرا على امر الله القدري. وباعتبار كون العلم مأمورا به صبرا على امر الله غير شرعية فيجتمع بالصبر على العلم الصبر على امر الله الشرعي والقدري معا. والدليل على وجوب تعلم هذه المسائل الاربع هو سورة العصر لان الله اقسم بالعصر ان جنس الانسان في خسر والعصر هو الوقت المعروف في اخر النهار قبل غروب الشمس. لانه المراد في الخطاب الشرعي عند وقوع هذا اللفظ فيه فتفسيره به اصح وما اشكل معناه من الالفاظ لكونه مشتركا فانه ينبغي رعاية المعنى الذي دار عليه في الكتاب والسنة. فيحمل على المعنى المعروف فيهما دون الاجنبي عنهما والمعنى المعروف في خطاب الشرع اذا ذكر العصر هو الوقت الذي يكون اخر النهار. واما تيسيروه بالدهر فانه لم يقع على ارادة هذا المعنى في القرآن ولا في السنة. فحمل اللفظ على المعنى الموجود فيهما اولى حمله على معنى خارج عنهما. ثم استثنى الله عز وجل من الخاسرين نوعا هم المتصفون بصفات اربع فقال ان الذين امنوا وهذا دليل العلم. اذ لا ايمان الا بعلم. ولا يدرك اصل الايمان وكمال الا بالعلم ثم قال وعملوا الصالحات. وهذا دليل العمل. ووصف الاعمال بالصالحات يبين ان المطلوب من العبد ليس مطلق العمل. وانما عمل مخصوص هو الموصوف بكون صالحا والصالح من العمل هو ما كان خالصا لله وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال وتواصوا بالحق. وهذا دليل الدعوة فالحق اسم لما وجب ولزم واعظم ما يجب على العبد ويلزمه هو ما كان واجبا بطريق الشرع. والتواصي تفاعل بين اثنين فاكثر وهذه هي حقيقة الدعوة الى الله. ثم قال وتواصوا بالصبر وهذا دليل الصبر. ولذلك قال الشافعي رحمه الله تعالى هذه السورة لو ما انزل الله حجة على خلقه الا هي لكفتهم. اي كفته في قيام الحجة عليهم بوجوب امتثال حكم الله الشرعي خبرا وطلبا. اي كفته في قيام الحجة عليهم بوجوب امتثال حكم الله الشرعي خبرا وطلبا. كما ذكره ابو العباس ابن تيمية الحفيد وعبد اللطيف ابن عبدالرحمن ابن حسن ال الشيخ وعبد العزيز عبد العزيز ابن باز رحمهم الله فليس معنى كلامه ان هذه السورة كافية في جميع ابواب الديانة. وانما مراده كونها كافية في قيام الحجة على العباد ان يمتثلوا خطاب الشرع خبرا وطلبا. والمقدم بين هذه المسائل الاربع هو العلم فهو اصلها الذي تتفرع منه وتنشأ عنه. واورد المصنف لتحقيق هذا كلام الامام البخاري في صحيح بمعناه لا بلفظه اذ بوب باب العلم قبل القول والعمل. واستنبطه من قوله تعالى فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات. فبدأ بالعلم قبل القول والعمل. واستنبطه قبل شيخ شيوخه سفيان بن عيينة الهلالي كما رواه عنه ابو نعيم الاصبهاني في كتاب حلية الاولياء وتبعه الغافقي فبوب في مسند الموطأ باب العلم قبل القول والعمل. نعم. اعلم رحمك الله انه يجب على كل مسلم ومسلم ومسلمة فعلم ثلاث هذه المسائل والعمل بهن. الاولى ان الله خلقنا رزقنا ولم يتركنا هملا بل ارسل الينا رسولا. فمن اطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار. والدليل قوله تعالى انا ارسلنا اليكم رسولا شاهدا عليكم كما ارسلنا الى فرعون رسولا. فعصى فرعون الرسول فاخذناه اخذا وبيلا الثانية ان الله لا يرضى ان يشرك معه احد في عبادته لا نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا غيره والدليل قوله تعالى وان المساجد لله فلا تدعو مع الله احدا. الثالثة ان من اطاع الرسول ووحد الله لا يجوز لهم موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان اقرب قريب. والدليل قوله تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاج الله ورسوله ولو كانوا ابائهم او ابنائهم او اخوانهم او اولئك كتب في قلوبهم الايمان وايدهم بروح منه ويدخلهم جنات لا تجري من تحتها الانهار فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون. ذكر المصنف رحمه الله هنا ثلاث مسائل عظيمة يجب على كل مسلم ومسلمة تعلمهن والعمل بهن. فاما المسألة الاولى فمقصودها بيان الامر بعبادة الله. وذلك ان الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هم لن اي مهملين لا نؤمر ولا ننهى. بل ارسل الينا رسولا هو محمد صلى الله عليه وسلم. ليرشدنا الى بعبادته فمن اطاعه باداء العبادة دخل الجنة. ومن عصاه بجحد العبادة دخل النار كما قال تعالى انا اوصلنا اليكم رسولا شاهدا عليكم كما ارسلنا الى تدعون رسولا فعصى في عون الرسول قد ناه اخذا وبيلا اي اخذا شديدا. واما المسألة الثانية فمقصودها ابطال الشرك بالعبادة وان الله لا يرضى ان يشرك معه احد في عبادته كائنا من كان. لان العبادة حقه. وحق الله لا يقبل الشرك فلما كانت العبادة حقا له لم يرضى ان يشاركه في هذا احد. واما المسألة الثالثة مقصودها بيان وجوب البراءة من المشركين. لان القيام بالعبادة واجتناب الشرك. وهما الامران المذكوران في المسألتين السابقتين الاولى والثانية لا يتحققان الا باقامة هذا الاصل. فالمسألة الثالثة بمنزلتك بمنزلة التابع اللازم للمسألتين الاولى والثانية. وهي ان من عبد الله ولم يشرك به شيئا لن تتم له له عبادته الا بالبراءة من المشركين. وفي هذا الاصل ضل كثير من الناس بين الافراط والتفريط. والوسخ فيه اقامته وفق ما توجبه الشريعة منزها عن الاهواء والاراء. فمن وعى ادلة المنقول لزم طريقة السابقين اولي العقول سلم من خط العشوائي فيه بين الغلو والجفاء. ومعنى قوله عز وجل في الاية من اذ الله ورسوله اي كان في حد متميز عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو الكفر فان المؤمنين يكونون في حد ويكون الكفار المشركون في حد واذا تميزت كل حزب في حد لم يكن بين الحزبين الا المعاداة. وهاتان المقدمتان المستفتحتان بقول المصنف اعلم رحمك الله هما رسالتان له ضمهما بعض تلاميذه الى رسالة ثلاثة الاصول وادلتها وتتابع النقلة على اثباتها بين يديها لحسن المناسبة بين معانيهما ومقصودها ثم اشتهر مجموعها باسم ثلاثة الاصول وادلتها. كما افاده ابن قاسم العاصمي في حاشيته. وعلمه من تسلسل علمه باخذه عن الشيوخ الى المصنف رحمه الله. فاول رسالة ثلاثة الاصول هو قوله الاتي اعلم ارشدك الله لطاعته والمتقدم عليها هو من كلام مصنفها. ضم اليها لكمال المناسبة كما سلف. نعم اعلم ارشدك الله لطاعته ان الحنيفية ملة ابراهيم ان تعبد الله وحده مخلصا له الدين. وبذلك وبذلك امر الله جميع الناس وخلقهم لها كما قال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. ومعنى يعبدون يوحدون الحنيفية لها بالشرع معنيان احدهما عام وهو الاسلام والثاني خاص وهو الاقبال على الله بالتوحيد والميل عما سواه وهي دين الانبياء جميعا فلا تختص بابراهيم عليه الصلاة والسلام. واضيفت اليه بانه اكمل الخلق تحقيقا لها. مع تقدمه بالابوة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مشاركينه في كمال التحقيق للحنيفية فهو اب من ابائه المذكورين في عمود نسبه فحسنت الاضافة للاب دون الابن تأدبا. والناس جميعا مأمورون بها ومخلوقون لها قوله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. فانما خلق الجن والانس لاجل العبادة كما في هذه الاية واذا كانوا مخلوقين لها فانهم مأمورون بما خلقوا له. فظهر بهذا الايضاح وجه دلالة الاية على المسألتين جميعا الامر بها والخلق لها. فالامر لازم لفظها. والخلق ريحوه فان الاية مصرحة بكون الحكمة من خلق الجن والانس هي عبادة الله. ولازم هذا ان يكون ما خلقوا له مما امروا به. وتفسير المصنف رحمه الله تعالى يعبدون بقوله يوحدون له وجهان. احدهما انه من تفسير اللفظ باخص افراده تعظيم له انه من تفسير اللفظ باخص الفاظه افراده تعظيما له. فان التوحيد اذا اكدوا العبادة والاخر انه من تفسير اللفظ بما وضع له فالعبادة تطلق في الشرع ويراد بها التوحيد. كقوله تعالى يا ايها الناس اعبدوا ربكم اي وحدوه والعبادة والتوحيد يجتمعان ويفترقان. فاما اجتماعهما فيكون اذا لوحظت ارادة التقرب اي قصد القلب الى العمل تقربا الى الله. فيكونان حينئذ مترادفين. فكل ابادة يتقرب الى الله بها هي توحيد له. وهذا معنى قول المصنف في القواعد الاربع فاعلم ان العبادة لا اما عبادة الا مع التوحيد. واما افتراقهما فيكون اذا لوحظت الاعمال بها فالعبادة اعم. فكل ما يتقرب به الى الله عبادة. ومن تلك التوحيد وهو مختص بالحق المتعلق به عز وجل. وهذه هي الصلة بين العبادة والتوحيد اجتماعا وافتراقا. نعم. واعظم ما امر الله به وهو افراد الله بالعبادة واعظم ما نهى عنه الشرك وهو دعوة غيره معه. والدليل قوله تعالى واعبدوا الله ولا به شيئا فاذا قيل لك ما الاصول الثلاثة التي يجب على الانسان معرفتها؟ فقل معرفة العبد ربه ودينه نبي محمد محمدا صلى الله عليه وسلم. اللهم صلي عليه وسلم. لما كانت الحنيفية مركبة من الاقبال على الله توحيد والميل عن كل ما سواه بالبراءة من الشرك عرف المصنف رحمه الله التوحيد والشرك. والتوحيد له معنيان شرعا. احدهما عام. وهو افراد الله بحقه وحق الله نوعان حق في المعرفة والاثبات وحق في الطلب والقصد والثاني خاص وهو افراد الله بالعبادة. والمعنى الثاني هو شرعا اي المراد عند ذكر التوحيد في الايات والاحاديث. ولاجل هذا اقتصر عليه المصنف فخصه بالذكر دون بقية انواعه فقال التوحيد وهو افراد الله بالعبادة مقتصر على تفسيره بالمعهود منه شرعا. فان التوحيد اذا اطلق في الشرع اريد به توحيد الله في العبادة الذي هو توحيده في الالهية. والشرك يطلق في الشرع على معنيين. احدهما عام وهو جعل شيء من حق الله لغيره والثاني خاص وهو جعل شيء من افعال العباد المتقرب لغير الله. ولا نطلق افعال العباد دون تقييد. لان افعال عبادة المطلقة يندرج فيها افعالهم التي تكون من جملة الاحكام القدرية كالاكل والشرب. بل بالمفعولة على وجه القربة فتختص بالافعال التي يراد بها التقرب. وانما عدل في حد الشرك عن الى الجعل فقلنا في حده هو جعل شيء الى اخره رعاية لامرين احدهما ان الجعل هو المعبر به في الخطاب الشرعي. فقال الله تعالى فلا تجعلوا لله اندادا وسئل النبي صلى الله عليه وسلم اي الذنب اعظم؟ فقال ان تجعل لله ندا وهو خلقك كما في حديث ابن مسعود المتفق عليه والاخر ان الجعل فيه معنى الاقبال القلبي والتأله وهذا غير موجود في كلمة صرف. لانها موضوعة لغة لتحويل الشيء عن وجهه دون التزام مقصود في المحول اليه فالاولى صناعة الا يعبر عن الشرك تفسيرا له بذكر كلمة الصرف. بل يلتزم بما وضع له شرعا وهو الجعل في ذكر معه والمعنى الثاني الذي ذكرناه للشرك وهو جعل شيء من افعال العباد المتقرب بها لغير الله هو المعهود شرعا ولذلك اقتصر عليه المصنف فقال وهو دعوة غيره معه. لان الشرك يطلق في خطاب ويراد به الشرك المتعلق بالعبادة. والعبادة يعبر عنها فيه بالدعاء. وهذا معنى وهو دعوة غيره معه اي عبادة غير الله. فهذان اللفظ الشهادان اللفظان التوحيد والشرك يقع كل واحد منهما على معنى واسع لكنهما خصا شرعا ببعض افراده تعظيما له فالتوحيد موضوع في الخطاب الشرعي لافراد الله بالعبادة. والشرك موضوع في الشرع لجعل اي شيء من افعال العباد المتقرب بها لغير الله. والاقتصار على ذكر معهودهما الشرعي ليس قصورا في العبارة بل هو جار وفق الادلة الشرعية. واذا رأيت اهل العلم تصرفوا في معنى عام وصوه ببعض حقيقته فتلمس وجه ذلك. فان عقلته فهي نعمة اسداها الله اليك بحسن فهمك وان جهلته فاياك والمبادرة بالنكير عليهم. كهذه المسألة التي ظن ان ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى قصور في العبارة. لعدم احتوائه حقيقة التوحيد والشرك كلية وعند التحقيق ليس ذلك قصورا فيها لانه التزام بالوضع الشرعي فان الشرك فان التوحيد والشرك اذا ذكر في الخطاب الشرعي فانما يراد بهما ما تعلق بالعبادة ويكون غيرها تابعا لها. واعظم ما امر الله به هو التوحيد. واعظم ما نهى عنه هو الشرك. والدليل كما ذكر المصنف هو قوله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. والاعظمية مستفادة من كون هذه الجملة هي صدر اية الحقوق العشرة. فان الله قال واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا والدين احسانا وبذي القربى واليتامى الى تمام الاية. فعدد فيها عشرة حقوق. وابتدأ تلك الحقوق بالامر بالتوحيد والنهي عن الشرك. وانما يبدأ بالاهم فهذا وجه كون اية الحقوق العشرة دالة على ان اعظم مأمور هو الامر بالتوحيد وان اعظم منهي هو النهي عن الشرك كما افاده ابن قاسم العاصمي في حاشية ثلاثة الاصول. ثم بين المصنف مسألة اخرى مرتبة على ما تقدم فقال فاذا قيل لك ما الاصول الثلاثة الى اخره وقد علمت فيما سبق ان الله عز وجل خلقنا للعبادة وامرنا بها ولا يمكن القيام بحق العباد الا بثلاثة امور. الاول معرفة المعبود. وهو الله عز وجل والثاني معرفة المبلغ عن المعبود وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. والثالث معرفة كيفية العبادة. وهي الدين. وهذه هي الاصول الثلاثة. معرفة العبد ربه ودينه ونبيه فالامر بها مندرج في الامر بالعبادة وكل امر بالعبادة هو امر بها. لان العبادة لا يمكن القيام بها الا بمعرفتها. فالعبادة تتعلق بمعبود هو الله. وبمبلغ عن المعبود يبين ما له من العبادة وهو الرسول. وبكيفية توقع بها العبادة وهي الدين. فاذا سئلت ما دليل الاصول الثلاثة؟ فاذكر الايات والاحاديث الامرة بالعبادة. فانها تشتمل على ذلك. فقوله تعالى مثلا واعبدوا الله دال على ان المعبود هو الله. وذلك المعبود لا تستقل العقول بمعرفة ما له من الحق. بل لا بد من مبلغ عنه يبين حقه. وهو الرسول. والعبادة مأمور بها في قوله واعبدوا لا بد ان تكون عن كيفية مشروعة وهي الدين. فالايات والاحاديث المتضمنة الامر بالعبادة متضمنة الامر في الاصول الثلاثة. نعم. فاذا قيل لك من ربك؟ فقل ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمته وهو معبودي ليس لي معبود سواه والدليل قوله تعالى الحمد لله ربنا وكل من سوى من سوى الله عالم وانا واحد من ذلك العالم. فاذا قيل لك بما عرفت ربه؟ فقل باياته المصنف رحمه الله يبين الاصل الاول وهو معرفة العبد ربه فقال فاذا قيل لك من ربك فقل ربي الله الى اخره. ومعرفة الله على وجه الكمال متعذرة في حق الخلق. لان كماله مما يعجز المخلوقون عن الاحاطة به. فمعرفة الرب لا تنتهي الى حد. بل كلما زاد ايمان العبد وعلمه ازدادت معرفته بربه. ومن معرفة الله قدر يتعين على كل احد. وما زاد على هذا فالناس متفاضلون فيه. واصول معرفة الله الواجبة على كل احد اربعة. اولها معرفة وجوده فيؤمن العبد انه موجود والثاني معرفة ربوبيته. فيؤمن العبد انه رب كل شيء والثالث معرفة الوهيته. فيؤمن العبد انه هو الذي يعبد بحق وحده والرابع معرفة اسمائه وصفاته. فيؤمن العبد بان لله اسماء حسنى وصفات علا الدليل على وجوب هذه الاصول الاربعة في معرفة الله هو كما ذكر المصنف قوله تعالى الحمد لله رب العالمين فالاية دالة على وجود الله. لان المعدوم لا يحمد. ودالة على ربوبية الله ففيها التصريح بها في قوله رب العالمين. ودا على الوهية الله في قوله الحمد لله فاستحقاق الحمد كائن لاولو عز وجل. وذكر الربوبية والالوهية فيها يتضمن اثبات الاسماء والصفات له ففي الاية منها اسمان هما الله ورب العالمين وفيها صفتان هما صفة الربوبية وصفة الالوهية فهذا وجه دلالة فاتحة فاتحة على الاصول الاربعة الواجبة في معرفة الله. وقول المصنف تفسيرا للعالمين وكل ما سوى الله هي مقالة تبع فيها غيره من المتأخرين. وحقيقتها اصطلاح جرى به لسان وعلماء الكلام فشاع ولا اصل له في الوضع اللغوي. فلا يوجد في كلام العرب فطلاق كلمة عالم على مجموع ما سوى الله كما افاده ابن عاشور في التحرير والتنوين. ولكن علماء الكلام رتبوا مقدمتين فقالوا الله قديم. والعالم حادث. فانتجت المقدمتان فانتجت مقدمة فانتجت المقدمتان ان ما سوى الله عالم. فهي نتيجة عقلية بقاعدة منطقية لا مدخل فيها للسان العربي. فاسم العالم في كلام العرب يستعمل للدلالة على الافراد المتجانسة فيقال عالم الملائكة وعالم الجن وعالم الانس وهلم جرا ومجموعها يسمى العالمين وما لا جنس له لا يدخل تحتها كالعرش والكرسي والنار فانها خارجة عن اسم العالمين. فلا يصح تفسير قوله تعالى رب العالمين بان كل ما سوى الله لانه اصطلاح الحادث والقرآن لا يفسر بالمصطلح الحادث. ولا يستدل بهذه الاية على عموم ربوبية الله لانها تتعلق ببعض المخلوقات وهي الافراد المتجانسة ولا تشمل غيرها وانما يستدل بقوله تعالى وهو رب كل شيء. فانه يندرج في قوله كل شيء كان من الافراد المتجانسة من العوالم وما كان خارجا عنها. نعم. فاذا قيل لك بما عرفت ربه فقل باياته ومخلوقاته ومن اياته الليل والنهار والشمس والقمر من مخلوقاته السماوات السبع ومن فيهن السبع ومن فيهن وما بينهما. والدليل قوله تعالى لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس. وقوله تعالى ومن اياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ان كنتم اياه تعبدون وقوله تعالى ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره. الا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين لما ذكر المصنف رحمه الله ان الله هو الرب وبين دليله كشف عن الدليل المرشد الى معرفة عز وجل والدليل المرشد الى معرفة الرب شيئان. احدهما التفكر في اياته الكونية والاخر التدبر في اياته الشرعية. وهما مذكوران في قول المصنف باياته. لان الايات لها معنيان احدهما الايات الكونية وهي المخلوقات. والاخر الايات الشرعية وهي ما انزله الله من الكتب. فيكون قول المصنف بعد ذلك ومخلوقاته من عطف الخاص عن عام لان المخلوقات هي بعض الايات وهي مختصة بالايات الكونية. ثم ذكر المصنف ان من ايات الله الليل والنهار والشمس والقمر وان من مخلوقاته السماوات السبع ومن فيهن والاراضين السبع ومن فيهن وما بينهما والليل والنهار والشمس والقمر والسماوات والارض وما بينهما كلها تدخل في جملة الايات الكونية يسمى مخلوقات ومع ذلك فرق المصنف بينها. فجعل الليل والنهار والشمس والقمر مخصوصة باسم الايات وجعل السماوات والارض وما بينهما مخصوصة باسم المخلوقات. وموجب هذا وموافقة غالب السياق القرآني. فان الغالب في القرآن انه اذا ذكر الليل والنهار والشمس والقمر بكونهن ايات واذا ذكرت السماوات والارض فاكثر ما يطلق عليها في القرآن هو صفة الخلق فيكون كلام المصنف غير مضطرب كما توهمه بعض الشراح بل يرجع الى رعاية السياق القرآن وانما وقع السياق القرآني على هذه الصورة ملاحظة للوضع اللغوي فان الاية في كلام العرب موضوعة للدلالة على العلامة. والشمس والقمر والليل والنهار على ما ظاهرات لانهن يتغيرن. فالشمس تشرق وتغيب. وكذلك قمر يستهل ثم يخفى. والنهار يطلع ثم يعقبه الليل. فاسم الاية لهن والخلق موضوع في لغة العرب للتقدير. والسماوات والارض لا تتغير صورتها في الليل والنهار ولا تتحول فهي مقدرة على هذه السورة. فناسبها اسم الخلق وعبر عنها باسم مخلوقات وان كانت من جملة الايات. وهذا من المواضع المهم فهمها في كلام المصنف. بل في السياق القرآني حتى تعرف سرا عن التعبير عن بعض المخلوقات تارة باسم الاية وعن بعضها تارة باسم المخلوقات. نعم كونها جميعا ايات كونية مخلوقة. ومعنى يغشي في الاية الثالثة وحديثا سريعا ومسخرات مدللات. نعم. والرب هو المعبود والدليل قوله تعالى يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون. الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء لا غناء وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله اندادا تعلمون. قال ابن كثير رحمه الله تعالى الخالق لهذه الاشياء هو المستحق للعبادة. وانواع العبادة لما بين رحمه الله الدليل المرشد الى معرفة الرب عز وجل ذكر ان الرب هو المستحق للعبادة. فمعنى قوله والرب هو المعبود اي هو المستحق ان يكون معبودا فليس كلامه تفسيرا للفظ الرب. فان لفظ الرب في لسان العرب لا على ارادة المعبود في اصح قولي اهل اللغة. ولكن تقدير الكلام والرب هو المستحق ان يكون معبودا للامر بالعبادة في قوله تعالى اعبدوا ربكم مع ذكر موجب الاستحقاق وهو التفرد بالربوبية المذكور في لقوله تعالى الذي خلقكم والذين من قبلكم الى تمام الاية. فان الاقرار بالربوبية يستلزم الاقرار بالالوهية ما بينه ابن كثير في تفسيره ونقله المصنف عنه بمعناه. فصار مقصود المصنف هنا بيان استحقاق الله للعبادة وان موجب الاستحقاق كونه ربا. ومن كان ربا وجب ان يكون هو المعبود. نعم. وانواع والعبادة التي امر الله بها مثل الاسلام والايمان والاحسان. ومنه الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والخشوع والخشية والانابة والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر. وغير ذلك من انواع العبادة التي امر الله بها كلها لله تعالى والدليل قوله تعالى وان المساجد لله فلا تدعو مع الله احدا. عبادة الله لها معنيان في الشرع. احدهما عام. وهو امتثال خطاب المقترن بالحب والخضوع والاخر خاص وهو التوحيد وعبر بالخضوع في بيان معنى العبادة دون الذل لامرين. احدهما اقتفاء الخطاب الشرعي لان الخضوع مما يعبد الله به بخلاف الذل. فهو كوني قدري لا ديني شرعي فيقال للخلق اخضعوا لله. ولا يقال ذلوا لله. فالخضوع يكون كونيا ايا قدريا ودينيا شرعيا. بخلاف الذل. فانه يختص بالاول. اي كونوا كونيا قدريا ولا يكون دينيا شرعيا. ولا يتقرب الى الله بالذل ولا يكون عبادة وانما يتقرب الى الله بالخضوع ويكون عبادة. ففي صحيح البخاري من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان صلى الله عليه وسلم قال اذا قضى الله الامر من السماء ضربت الملائكة باجنحتها خضع عالا لقوله وخضوع الملائكة عبادة لربهم وروى البيهقي بسند صحيح في قنوت عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قوله ونخضع لك ونؤمن بك. او قال ونؤمن بك ونخضع لك. فلفظ الخضوع هو الوارد في الشرع دون لفظ الذل. والاخر ان الذل قوي على الاجبار والقهر. فقلب الدليل فارغ من الاقبال بالتعظيم. الذي هو حقيقة العبادة كما انه يتضمن نقصا لا يناسب مقام العبادة. المورثة كمال الحال ومنه قوله تعالى خاشعين من الذل. وقوله ترهقهم ذلة. فالعبادة تجمع الحب والخضوع لا الحب والذل وينشد فيها وعبادة الرحمن غاية حبه مع خضع قاصده هما واضحة المسألة هذه نعيدها لكم اشتهر عند اهل العلم قول كثير من محققيهم ان العبادة تجمع الحب والذل واذا نظر الى كلمة الذل لم توجد في خطاب الشرع موضوعة لما يتقرب به الى الله بل تدل على نقص حال. ومن نظر في الايات القرآنية وجدها كذلك. كقوله تعالى خاشعين من الذل وقوله تعالى ترهقهم ذلة. وقوله تعالى وانتم اذلة. وما كان مشتملا على النقص فلا يمكن ان تكون مطلوبا شرعيا ولذلك كان كونيا قدريا فكل المخلوقات قدرا وكونا ذليلة لله. واما باعتبار ما يتقرب به الى الله سبحانه وتعالى فانما يخضع له. ولا يقال يذل له. لان الخضوع يقع او كونيا ويقع قدريا فالمخلوقات كلها خاضعة لله. ومن يعبد الله يكون خاضعا له خضوعا دينيا شرعيا فالذل يكون قدريا كونيا فقط. واما الخضوع فانه يكون شرعيا دينيا وكونيا وقدريا وما كان كذلك فهو اولى بكونه مما يتعبد به. وهو الذي وقع في النصوص. ولذلك في حديث ابي هريرة فيه ضربت الملائكة باجنحتها خضعانا اي خضوعا لله عز وجل. وفي قنوت عمر قوله ونؤمن بك ونخضع ولم يقل ونذل له لان الذل كما في الامر الثاني حقيقته الجبر بلا اختيار. فالدليل مجبور مقهور وقلبه فارغ من الاقبال على مذله. بل ينظر اليه بعين المقت. لان القهر ويتطلب المرء ان يخرج منه بما استطاع من سبيل. فلا يناسب ان يدل على العبادة. التي هي محض التقرب الى الله سبحانه وتعالى بانها منطوية على الذل. وانما يقال ان العبادة منطوية على الخضوع مع الحب. فقول ابن القيم رحمه الله الله تعالى وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده هما قطبان امثل منه موافقة للخطاب الشرعي ان يقال وعبادة ما لغاية حبه مع خضع يعني خضوع مع خضع قاصده هما قطبان وانواع العبادة كلها لله قال تعالى وان المساجد لله الاية. فالنهي عن دعوة غير الله معه دليل على ان العبادة كلها لله وحده فالله عز وجل قد نهى عن دعوة غيره فقال فلا تدعوا مع الله احدا. واشير الى العبادة بقوله فلا تدعوا لان الدعاء يقع اثما لجميع انواع العبادة تعظيما له. ومنه ما رواه اصحاب السنن بسند صحيح من حديثه النعمان ابن بشير رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الدعاء هو العبادة ولاجل هذا عبر في خطاب الشرع كثيرا عن العبادة بالدعاء فمعنى الاية فلا تعبدوا مع الله احدا. نعم فمن فمن صرف منها شيئا شيئا لغير الله فهو مشرك كافر والدليل قوله تعالى لا برهان له به فانما حسابه عند ربه. انه لا يفلح الكافرون. ذكر المصنف رحمه الله ان من صرف شيئا من العبادات لغير الله اذا هو مشرك كافر. واستدل باية المؤمنون ووجه الدلالة منها في قوله انه لا يفلح الكافرون مع في اولها ومن يدعو مع الله الها اخر. فانه يدل على ان المذكور من افعال الكافرين. والمذكور فيها هو عبادة غير الله واشير اليها بالدعاء. فمعنى قوله ومن يدعو مع الله الها اخر اي ومن يعبد مع الله الله الها اخر وتوعده بالحساب تهديد له وما اقترفه هو كفر لانه اشير الى بعد حسابه في الاخرة بقوله تعالى انه لا يفلح الكافرون. ونفي الفلاح عنهم دال على خسرانه خسران المبين وهذا جزاء الكافرين دون غيرهم. وجعلوا شيء من العبادة لغير الله شرك. والكفر يكون بالشرك وغيره والمذكور من الكفر هنا هو الشرك. ومعنى قوله تعالى لا برهان له به. لا حجة له ولا بينة عنده على الوهيته. وهذا قيد ملازم لكل من دعا غير الله. فدعوى الالهي مع الله لا تكون الا خالية مع البرهان. وفي مثل هذا يقال ان ذلك صفة كاشفة اي للحقيقة لا تفيد تخصيصا. نعم. وفي الحديث وفي الحديث الدعاء مخ العبادة. والدليل قوله تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ودليل الخوف قوله تعالى انما ذلكم الشيطان يخوف يخوف اولياءه فلا تخافوهم وخافوا ان كنتم مؤمنين. ودليل رجاء قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا. ودليل قوله تعالى وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين. وقوله تعالى ومن يتوكل على الله فهو حسبه ودليله ذو الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ودليل الخشية قوله تعالى فلا تخشوهم واخشون. ودليل الانابة قوله تعالى وانيبوا الى ربكم الاية ودليل الاستعانة قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين وفي الحديث اذا استعنت فاستعن بالله ودليل الاستعاذة قوله تعالى قل اعوذ برب الفلق وقوله تعالى قل اعوذ برب الناس ودليل قوله تعالى اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم الاية ودليل الذبح قوله تعالى قل ان صلاتي ونسكي ومحيا يوم مماتي لله رب العالمين. لا شريك له. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم. لعن الله من لغير الله ودليل النذر قوله تعالى يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا شرع المصنف رحمه الله وهو يذكر انواعا من انواع العبادة. فذكر اربع عشرة عبادة يتقرب بها الى الله. ابتدأها بالدعاء وجعل الحديث كالترجمة له. فليس معنى قوله فليس قوله وفي الحديث الدعاء مخ دليلا اخر للمسألة السابقة. بل شروع في جملة جديدة من الكلام. فالتقدير قياسا على الاتية ودليل الدعاء قوله تعالى وقال ربكم ادعوني ولما للدعاء من منزلة عظيمة في العبادة عبر عنه المصنف بحديث رواه الترمذي وفيه ضعف. مقتديا بغيره من الائمة هذا يفعله البخاري رحمه الله فربما ترجم بحديث نبوي ضعيف فقول المصنف وفي الحديث الدعاء الى اخره شروع في ذكر جملة من العبادات. رأسها الدعاء فسياق الكلام المقدر اسوة بنظائره التالية هو ودليل الدعاء قوله تعالى وقال ربكم ادعوني استجب لكم ودعاء الله شرعا له معنيان. احدهما عام وهو امتثال خطاب الشرع المقترن بالحب والخضوع. فيشمل جميع افراد عبادة لان العبادة تطلق بهذا المعنى ويسمى دعاء العبادة والاخر خاص وهو طلب العبد من ربه حصول ما ينفعه ودوامه. طلب العبد من ربه حصول ما ينفعه ودوامه او دفع ما يضمه ورفعه او دفع ما يضره ورفعه ويسمى دعاء المسألة. هذه هي العبادة الاولى. والعبادة الثانية هي الخوف وخوف الله شرعا هو هروب قلب العبد الى الله ذعرا وفزعا. هي قلب العبد الى الله ذعرا وفزعا. والعبادة الثالثة هي الرجاء. ورجاء الله شرعا هو امل العبد بربه في حصول المقصود هو امل العبد بربه في حصول المقصود مع بذل الجهد وحسن التوكل مع بذل الجهد وحسن التوكل والعبادة الرابعة هي التوكل. والتوكل على الله شرعا هو اظهار العبد عجزه لله واعتماده عليه هو اظهار العبد عجزه لله واعتماده عليه عبادة الخامسة هي الرغبة والعبادة السادسة هي الرهبة. والعبادة السابعة هي الخشوع. وقرن المصنف بين هذه اشتراكها في الدليل والرغبة الى الله شرعا هي ارادة العبد مرضاة الله للوصول الى المقصود محبة له ورجاء. هي ارادة العبد مرضاة الله بالوصول الى المقصود محبة تله ورجاء. والرهبة من الله شرعا هي هروب قلب العبد الى الله ذعرا وفزعا مع عمل ما يرضيه. هي هروب قلب العبد الى الله ذعرا وفزعا مع عمل ما والخشوع لله شرعا هو هروب قلب العبد الى الله ذعرا وفزعا مع الخضوع له. هو هروب قلب العبد الى الله ذعرا وفزعا مع الخضوع له والعبادة الكثام هي الخشية. والخشية لله شرعا هي قروب القلب هروب قلب العبد الى والله ذعرا وفزعا مع العلم به وبامره. مع العلم به وبامر والعبادة التاسعة هي الانابة والانابة الى الله شرعا هي رجوع قلب العبد الى الله محبة وخوفا ورجاء هي رجوع قلب العبد الى الله محبة وخوفا ورجاء. والعبادة العاشرة هي نعالة والاستعانة بالله شرعا هي طلب العبد العون من الله في الى المقصود هي طلب العبد العون من الله في الوصول الى المقصود. والعون المساعدة. والعبادة عشرة هي الاستعاذة والاستعاذة بالله شرعا هي طلب العبد العوذ من الله عند ورود المخوف هي طلب العبد العودة من الله عند ورود المخوف. والعوذ الالتجاء والعبادة الثانية عشرة هي الاستغاثة. والاستغاثة بالله شرعا هي طلب العبد الغوث من والله عند ورود الضرر هي طلب العبد الغوث من الله عند ورود الضرر والغوث المساعدة في الشدة ده والعبادة الحادية عشرة هي الذبح. والذبح لله شرعا ايش هذي عليكم عاد ها ايش تب سفك دم بهيمة الانعام. وهذا تفسير لللفظ بلازمه. ذكرناه في المجلس الماظي وعند تأملي فيه وجدت ان من ذكره من المغوين فسر الكلمة بلازمها وليس بحقيقتها اللغوية وهذا من دقائق علم اللغة فان ان اللفظ يفسر بما وضع له لا بما لزم منه. فمثلا انتم تسمعون في تفسير الحنيف من من يقول ان الحنيف هو المائل عن الشرك الى ايش؟ توحيد لكن هذا تفسير لللفظ بلازمه لا بما وضع اله لان الذي وضع له لفظ الحنف هو الاقبال. ومنه سمي الرجل حنيفا اذا اقبلت احدى رجليه الى والالفاظ تفسر بحقائقها التي وضعت لها لا بلوازمها ومنه ما ذهب اليه بعض اهل اللغة من تفسير الرب بالمعبود ان هذا تفسير للرب بلازم لفظه لا بما وضع له. وتفسير الذبح بسفك الدم. تفسير له بلازمه لا بحقيقته اللغوية المعروفة عند العرب. فان حقيقته المعروفة عند العرب هي قطع الحلقوم والمريء. ولذلك نقول الذبح لله شرعا هو قطع الحلق مفهوم القاعدة هذه نقول الذبح هو قطع الحلقوم والمريء ايش من بهيمة الانعام. طيب ليش ما نقول من بهيمة تحل؟ ليش قلنا من بهيمة الانعام؟ من الجواب دخل في الاخير مع من؟ نعم ايش؟ ما يسمعك لكن ما الفرق بين قولنا بهيمة تحل بين قولنا بهيمة الانعام؟ ها يا اخي؟ ايه لان الذبائح الشرعية انما وقع في مهيمة الانعام الذبائح الشرعية مثل ايش؟ الهدي ومثل العقيقة صح ومثل الاضحية هذه انما وقعت ببهيمة الانعام دون غيرها. فلذلك نقول هو قطع الحلقوم والمريء من بهيمة الانعام ولا نقول من بهيمة تحل. لان الشرع خصصها بهذا فان قال قائل فان ذبح الانسان دجاجة الا يكون متقربا بالذبح الى الله سبحانه وتعالى ما الجواب؟ لا يا ابو عمر ها ايش؟ ايش اي وش هو التقرب طيب فيها طيب اللي بيتقرب بدجاجة يمكن انت فقط كلامنا كله لابد انت الان خرجت عن كلامنا انا قلنا بهيمة الانعام وانت تقول ان بهيمة تحل لماذا؟ ايه احسنت. احسنت. ينقصك بعض الشيء في بيان وجهه. نقول كما سلف وهذه قاعدة تقررونها ان الذبائح الشرعية انما هي بهيمة الانعام. فما خرج عنها فانه يحتاج الى فهمه. ففي الحديث الوارد في الصحيحين ومن اتى في الساعة فكأنما قرب دجاجة. ومن اتى في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة. فنقول ان هذا التقرب ليس بكونها مذبوحة والا لزم من يقول انه يجوز ان تكون هديا ان يصحح ان تصح الدجاجة هديا وهو قول عند اهل العلم بل ننقل الاجماع على اختصاص الهدي ببهيمة الانعام. وانما يقصد هنا بالتقرب الاهداء العام كما في لفظ عند مسلم ومن اتى في الساعة الرابعة فكم مهدي دجاجة؟ ومن اتى في الساعة الخامسة كالمهدي بيضة يعني كالذي يبذلها اما وصدقة واما هدية او غير ذلك. فالتقرب في الشرع مخصوص بالذبائح الشرعية. ومثل هذا ارأيتم لو ان انسانا قام من بيننا فركع لله ركعة ركع ركوعا واحدا ثم انصرف. هل يصح كون فعله عبادة ما الجواب؟ لا. مع ان الله قال يا ايها الذين امنوا اركعوا واسجدوا. ولكن الركوع والسجود لا يقعان عبادتان مستقلتان الا تبعا للصلاة. واما عن الافراد فالسجود بسببه الشكر والتلاوة واما غير ذلك فلا يجوز للانسان ان يخرج ويركع ركوعا ويقول انا اتقرب الى الله او يسجد سجدة ويقول اتقرب الى الله فكذلك لا يجوز له ان يقول اذبحوا دجاجة او غيرها اتقرب الى الله بذبحها. وانما يتقرب الى الله بالصدقة بلحمها او اهداء لحمها او غير ذلك ولذلك نقول الذبح لله شرعا هو قطع الحلقوم والمريء من بهيمة الانعام تقربا الى الله على معلومة تقربا الى الله على صفة معلومة. وقولنا صفة معلومة اي مبينة شرعا بالشروط المذكورة من كتب الفقهاء والعبادة الرابعة عشرة هي النذر. والنذر لله شرعا يقع على معنيين احدهما عام وهو الزام العبد نفسه لله تعالى امتثاله خطاب الشرع الزام العبد نفسه لله تعالى امتثال خطاب الشرع اي الالتزام بدين الاسلام كله والاخر خاص وهو الزام العبد نفسه لله تعالى طفلا معينا غير معلق. الزام العبد نفسه لله تعالى نفلا معينا غير معلق واعظم ما ينبغي ان يعتنى به فيما تقدم ثلاثة امور. احدها معرفة حقائق العبادات التي ذكرت وهو الذي اقتصرنا عليه بذكر حدودها الشرعية. لان من لا يعي حقيقة العبادة الشرعية فانه لا يمكن ان يقوم بها فمن لا يعرف حقيقة الحب او التوكل او الخشية لا قدرة له على التحلي بها والتعبد لله عز وجل بامتثالها. والثاني معرفة ان منها ما يقع عبادة فقط كالذبح والنذر ومنها ما يقع عبادة وغير عبادة. عبادة وغير عبادة