السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل للخير مفاتيح والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد المبعوث بالدين الصحيح وعلى آله وصحبه اولي الفضل الرجيح اما بعد فهذا المجلس الاول في شرح الكتاب الثاني من برنامج مفاتيح العلم في سنته الثانية اثنتين وثلاثين بعد الاربع مئة والالف وثلاث وثلاثين بعد الاربع مئة والالف بمدينته الرابعة مكة المكرمة وهو كتاب ثلاثة الاصول وادلتها لامام الدعوة الاصلاحية بجزيرة العرب في القرن الثاني عشر الشيخ محمد بن عبدالوهاب التميمي رحمه الله المتوفى سنة ست بعد المائتين والالف. نعم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين يا رب العالمين. قال شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. اعلم رحمك الله انه يجب علينا تعلم اربع مسائل الاولى العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الاسلام بالادلة الثانية الثالثة الدعوة اليه. الرابعة الصبر على الاذى فيه. والدليل قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم والعصر ان الانسان لفي خسر. الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. قال الشافعي رحمه الله تعالى هذه السورة لو ما انزل الله حجة على خلقه الا هي لكفتهم. وقال البخاري رحمه الله تعالى باب العلم قبل قول والعمل والدليل قوله تعالى فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك فبدأ بالعلم قبل القول والعمل. ذكر المصنف رحمه الله تعالى انه يجب على العبد تعلم اربع مسائل فالمسألة الاولى العلم والعلم شرعا ادراك خطاب الشرع ادراك خطاب الشرع ومرده الى المعارك الثلاث معرفة العبد ربه ودينه ونبيه صلى الله عليه وسلم والمراد بالادراك هنا معناه اللغوي وهو وصول العبد اليه وتحصيله له فاذا قيل ادراك خطاب الشرع فالمعنى اصول العبد الى خطاب الشرع وبلوغه اليه والجار والمجرور في قوله رحمه الله بالادلة متعلق بالمعارف الثلاث فيكون العلم بها مصحوبا بالادلة ولا يخالف هذا التعميم قوله فيما يستقبل الاصل الثاني معرفة الاسلام بالادلة لانه لما اعاد ذكر الادلة مع معرفة الاسلام لم يرد حصر هذا المطلب في ذلك المطلوب وانما لمعنى خاص وهو كون معرفة الاسلام اكثرها قروعا وسعها مسائل فاحتيج الى اعادة التنبيه عليها بذكر الجار والمجرور معها فقيل معرفة الاسلام بالادلة. فالادلة المطلوبة لا تختص معرفتها بالاسلام فقط. بل المعارف الثلاثة العبد ربه ودينه ونبيه مفتقرة الى الادلة. لكن اعيد ذكر هذا المطلب مع معرفة الاسلام ام بمعنى اختص به وهو كون معرفة دين الاسلام اكثرها فروعا واوسعها مسائل عيد ذكرها معه للتنبيه على هذه الغاية المذكورة. وليس مقصود المصنف في قوله بالادلة ايجاب معرفة كل فرع بدليله مما يرجع الى المسائل الى المعارف الثلاث وانما مراده هو الانباه الى الارشاد الى ثبوت كون تلك المعارف الثلاث وهي معرفة العبد ربه ودينه ونبيه صلى الله عليه وسلم هي ثابتة بادلة. وهذه المعرفة هي المعرفة الاجمالية التي يتناول الخطاب بها كل عبد وتكفي في تصحيح ايمانه وما زاد عليها من المعرفة التفصيلية فزيادتها بقدر حال من تعلقت به. فما يجب من تفصيل المعرفة في حق المفتي والقاضي والمعلم واشباههم غير ما يجب من المعرفة التي تتعلق باحاد المسلمين. والمقصود ان تعرف ان معنى قول المصنف وهو معرفة العبد ربه ودينه ونبيه بالادلة لا يراد بها ان تكون كل مسألة منها معلومة عند العبد بالدليل فان ذلك مما يشق وربما خفي على المبرز في العلم ادلة جملة من المسائل التي يعتقد ثبوتها. وانما المراد الاكتفاء بالاعتقاد بان هذه المعارف الثلاث التي يدين العبد بها هي ثابتة بادلة شرعية فمن امن بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وبالاسلام دينا معتقدا ان هذه المعارك ثابتة بادلة تؤيدها كفى ذلك في تصحيح ايمانه وثبوت علمه بها. واما المسألة الثانية فهي العمل به. اي بالعلم والعمل شرعا هو ظهور صورة خطاب الشرع هو ظهور صورة خطاب الشرع وخطاب الشرع نوعان احدهما الخطاب الشرعي الخبري وظهور صورته بامتثاله بالتصديق اثباتا ونفيا. وظهور صورته بامتثاله بالتصديق اثباتا ونسي والثاني خطاب الشرع الطلبي خطاب الشرع الطلبي وظهور صورته بامتثال الامر والنهي وظهور صورته بامتثال الامر والنهي فقوله تعالى مثلا ان الساعة اتية لا ريب فيها وقوله وما ربك بظلام للعبيد هما من خطاب الشرع الخبري فيكون ظهور صورتهما بامتثال التصديق في الاول اثباتا باثبات مجيء الساعة. وظهور صورته في الثانية بامتثال التصديق نفيا بان الله عز وجل لا لا يظلم احدا من الخلق وقوله تعالى واقيموا الصلاة وقوله ولا تقربوا الزنا هما من خطاب الشرع الطلبي. فيكون ظهور صورته بالامتثال بالامر فعلا في الاول وبالامتثال بالكف والترك في الثاني والمسألة الثالثة الدعوة اليه اي الى العلم والمراد بها الدعوة الى الله لانه لا يوصل اليه الا بالعلم فمن دعا الى العلم وفق المنهج النبوي فانما يدعو الى الله سبحانه وتعالى والدعوة الى الله شرعا هي طلب الناس كافة. هي طلب الناس كافة. الى اتباع سبيل الله طلب الناس كافة الى اتباع سبيل الله والمسألة الرابعة الصبر على الاذى فيه والصبر شرعا هو حبس النفس على امر الله وحكمه حبس النفس على امر الله وحكمه وحكم الله نوعان احدهما حكم قدري والاخر حكم شرعي والمذكور من الصبر على الاذى متعلقه الصبر على الحكم القدري. لان الاذى قدر مؤلم فيكون قوله الرابعة الصبر على الاذى فيه من باب الصبر على الحكم القدري. لان اذى قدر مؤلم ولما كان العلم مأمورا به شرعا صار الصبر عليه ايضا من باب الصبر على الحكم الشرعي فطلب العلم يجتمع فيه نوعا الصبر ففيه الصبر على حكم الله الشرعي لان اخذ العلم واقتباسه والتماسه مأمور به شرعا ويأتي فيه الصبر على حكم الله القدري لان اخذ العلم لا ينفك غالبا من لحوق اذى بالعبد يفتقر فيه الى الصبر على حكم الله القدري. والدليل على وجوب تعلم هذه المسائل الاربعة هي هو سورة العصر. فان الله سبحانه وتعالى اقسم بالعصر على ان جميع جنس الانسان في خسر ثم استثنى منهم الله عز وجل من استثنى مما ممن يأتي ذكر خبره والعصر المقسم به هو الوقت المعروف اخر النهار وموجب تقديم هذا القول على غيره هو ملاحظة المعهود في خطاب الشرع فالمعهود في خطاب الشرع عند اطلاق العصر ارادة ذلك الوقت ومنه سميت صلاة العصر بصلاة العصر لانها اضيفت الى الوقت الذي تكون فيه والاقوال الاخرى التي ذكرها المفسرون في تفسير العصر لا يساعد عليها معهود خطاب الشرع فان معهود خطاب الشرع في العصر ارادة الوقت المعروف اخر النهار ومن اعظم قواعد تفسير القرآن خاصة رعاية المعهود من خطابه وهي التي تسمى بلغة الكتاب والسنة ويفزع اليها عند ورود المشكلات فمثلا قول الراوي في حديث تدنو الشمس من الخلائق حتى تكون كقدر ميل قال لا ادري ميل المسافة او ام ميل المكحلة وميل المكحل هو العود الذي يجعل في الة حفظ الكحل ثم يجعل في العين. فالراوي لا يدري اراد النبي صلى الله عليه وسلم هذا او ذاك؟ واذا رجع الى لغة الكتاب والسنة لم الف فيها مما يسمى ميلا الا ميل المسافة. فليس في الخطاب الشرع اطلاق شيء من الاخبار على ارادة ميل المكحلة. فمثل هذا يقال في نظيره المذكور هنا وهو العصر انه لا يعرض في خطاب الشرع اطلاق اسم العصر الا على الوقت المجعول قدرا اخر النهار. فاقسم الله سبحانه على ان جميع جنس الانسان في خسر الا نوعا استثناهم وهم المتصفون بصفات اربع فالصفة الاولى هي المذكورة في قوله تعالى الا الذين امنوا وهذا دليل الايمان لان معرفة الايمان اصلا وكمالا لا يكون الا بعلم. فلا ايمان الا بعلم ومن ظن انه يدرك الايمان بغير علم فانه لا يحصل له ذلك فان معرفة مفردات الايمان وخصاله تتوقف على العلم ومن لم يكن له علم كيف يحظى تكميل ايمانه والصفة الثانية هي المذكورة في قوله وعملوا الصالحات وهذا دليل العمل والمطلوب من العبد ليس عملا مجردا وانما نوعا مخصوصا من العمل وهو العمل صالح الذي يغتنفه الاخلاص لله والمتابعة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والصفة الثالثة هي المذكورة في قوله تعالى وتواصوا بالحق وهذا دليل الدعوة لان الحق اسم لما وجب ولزم واعظم ما يجب على العبد يلزمه هو حق الله سبحانه وتعالى مما وجب بطريق الشرع والتواصي تفاعل بالوصية بين اثنين فاكثر. وهذا معنى دعوتي الى الله والصفة الثالثة والصفة الرابعة هي في قوله وتواصوا بالصبر وهذا دليل الصبر. فهم يوصي بعضهم بعضا بالصبر على حكم الله. ولوفاء سورة العصر بهذه المقاصد المذكورة قال الشافعي هذه السورة لو ما انزل الله على خلقه الا هي لكفتهم. والمراد بالكفاية لكفتهم في قيام الحجة عليهم بامتثال خطاب الشرع لكفتهم بقيام الحجة عليهم بامتثال خطاب الشرع ذكره ابو العباس ابن تيمية وعبد اللطيف ابن عبد الرحمن ال الشيخ وعبد العزيز ابن باز رحمهم الله فليس معنى كون الصورة كافية الاستغناء بها عن بقية دلائل القرآن والسنة في معرفة بالاحكام خبرا وطلبا. وانما المراد حصول الكفاية بها في اقامة الحجة على الخلق. في مطالبتهم بامتثاله خطاب الشرع والمقدم بين هذه المسائل الاربع هو العلم فهو اصلها الذي تتفرع منه وترجع اليه. ولهذا قدمه المصنف رحمه الله تعالى في ذكر وعطف عليهما بعده بالرد فقال العلم ثم قال العمل به اي بالعلم ثم قال الدعوة اليه اي الدعوة الى العلم. ثم قال الصبر على الاذى فيه. اي الصبر على الاذى في العلم اصل هذه المسائل الاربع الذي تخرج منها مشكاتها وانوارها هو العلم فهو ام هذه مسائل واورد المصنف رحمه الله تعالى في تحقيق هذا المعنى كلام البخاري بمعناه في صحيحه فان رحمه الله تعالى استدل بقوله تعالى فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات على تقديم العلم على العمل. لان الله امر نبيه صلى الله عليه وسلم بالعلم اولا. ثم امره بالعمل وهو قوله واستغفر لذنبك. وسبق البخاري الى استنباط هذا المعنى شيخ شيوخه سفيان ابن الهلال رحمه الله رواه عنه ابو نعيم الاصبهاني في كتاب حلية الاولياء وقفاه بعده الغافقي فانه ترجم في كتاب مسند الموطأ باب العلم قبل القول والعمل نعم اعلم رحمك الله انه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل والعمل بهن الاولى الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملا بل ارسل الينا رسولا فمن اطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار والدليل قوله تعالى انا ارسلنا اليكم رسولا شاهدا عليكم كما ارسلنا الى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فاخذناه اخذا وبيلا. الثانية ان الله لا يرضى وان يشرك معه احد في عبادته لا نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا غيرهما. والدليل قوله وان المساجد لله فلا تدعو مع الله احدا. الثالثة ان من اطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان اقرب قريب. والدليل قوله تعالى لا تجدوا قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ابائهم او ابنائهم او اخوانهم او عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم ايمان وايدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها. رضي الله عنهم قضوا عنه اولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا ثلاثة مسائل عظيمة يجب على كل مسلم ومسلمة تعلمهن والعمل بهن فالمسألة الاولى مقصودها بيان وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فان ان الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملا اي مهملين لا نؤمر ولا ننهى. بل ارسل الينا رسولا هو محمد صلى الله عليه وسلم. فمن اطاعه دخل الجنة. ومن عصاه دخل النار. قال الله تعالى الا انا ارسلنا اليكم رسولا شاهدا عليكم. كما اوصلنا الى تدعون رسولا. فعصى فرعون فاخذناه اخذا وبيلا. اي شديدا اليما وتعقيب خبر ارسال الرسول الينا بذكر ارسال موسى عليه الصلاة والسلام الى فرعون فيه تحذير لنا من المآل الذي آل اليه فرعون وقومه لما كذبوا بالنبي الذي ارسل اليهم فاخذهم الله اخذا شديدا فهو تحذير لهذه الامة من معصية الرسول الذي ارسل اليها ان يحل بها عقاب الله واليم وعذابه في الدنيا والاخرة. واما المسألة الثانية فمقصودها ابطال الشرك ووجوب توحيد الله. فمقصودها ابطال الشرك. ووجوب توحيد الله. وان الله لا يرضى ان يشرك معه في عبادته احد كائنا من كان. لان العبادة حقه والله لا يرضى الشركة في حقه والنهي عن دعوة غير الله عز وجل دليل على ان العبادة كلها لله وحده فمعنى الاية المذكورة فلا تعبدوا مع الله احدا. لان العبادة لله وحده اما المسألة الثالثة فمقصودها بيان وجوب البراءة من المشركين فمقصودها بيان وجوب البراءة من المشركين لان طاعة الرسول وتوحيد الله المأمور بهما المأمور بهما في المسألتين الاوليين لا يتمان ولا يتحققان الا باقامة هذا الاصل فالمسألة الثالثة بمنزلة التابع اللازم للمسألتين الاوليين فلا يتحقق من العبد طاعته الرسول صلى الله عليه وسلم وتوحيده ربه عز وجل الا بالبراءة من المشركين فلا يجتمع الايمان بالله الناشئ من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم مع محبة المشركين اعداء الله. بل ليس بين المؤمن المتبع وبين المشركين بالله الا المحادة ومعنى المحادة كونه في حد بارز عنهم فيكون المؤمن مع الله ورسوله في حد والمشركون في حد واذا كان كل في حد بائن من الاخر فليس بين الفريقين الا البراءة والمعاداة وهي الامر المطلوب من المؤمن في المسألة الثالثة التي عقدها المصنف. وهاتان مقدمتان المتضمنتان المسائل الثلاثة والاربع هما من كلام المصنف رحمهم الله رحمه الله تعالى الا انهما رسالتان منفصلتان اصلا عن ثلاثة الاصول وادلتها. ثم عمد بعض اصحاب المصنف الى ادراجهما تقدمة بين يدي كتاب ثلاثة الاصول وادلتها. فاشتهر هذا المجموع باسم ثلاثة الاصول وادلتها. والا فمبتدأ كتاب ثلاثة الاصول هو قوله فيما يأتي اعلم ارشدك الله لطاعته ذكر هذا ابن قاسم العاصمي في حاشيته على ثلاثة الاصول وهو امر معلوم عند من تسلسل علمه عن المصنف باخذ هذا الكتاب يعني الشيوخ المعروفين بالعناية بكتبه رحمه الله تعالى نعم اعلم ارشدك الله لطاعته ان الحنيفية ملة ابراهيم ان تعبد الله وحده مخلصا له الدين وبذلك امر الله مع الناس وخلقهم لها كما قال تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. ومعنى يعبدون يوحدون الحنيفية في الشرع لها معنيان الحنيفية في الشرع لها معنيان احدهما عام وهو الاسلام احدهما عام وهو الاسلام والاخر خاص وهو الاقبال على الله بالتوحيد والاخر خاص وهو الاقبال على الله بالتوحيد ولازمه الميل عما سواه والحنيفية دين الانبياء جميعا فلا تختص بابراهيم عليه الصلاة والسلام وانما وقع في كلام المصنف وغيره اظافتها الى ابراهيم تبعا لما وقع في القرآن الكريم من الحنيفية اليه فان الحنيفية وقعت في القرآن مضافة الى ابراهيم. وموجب ذلك امران احدهما ان العرب الذين بعث اليهم محمد صلى الله عليه وسلم وانزل عليه القرآن ينتسبون الى ابراهيم عليه الصلاة والسلام نسبا ويزعمون انهم على دينه فاحرى بهم ان كانوا صادقين في دعواهم في الانتساب الى ابراهيم عليه الصلاة والسلام ان يلتزموا سلوك ملته. فنبه الى هذا المطلوب باضافة تلك الملة الى ابراهيم عليه الصلاة والسلام والثاني ان الله سبحانه وتعالى لم يجعل من الانبياء اماما يأتم به الانبياء احدا قبل ابراهيم بل كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام هو الذي امر الأنبياء بأن يتخذوه اماما لهم ممن جاء بعدهم فلاجل هذا المعنى اضيف الملة الى ابراهيم عليه الصلاة والسلام ذكره محمد ابن جرير الطبري في تفسيره فلإجتماع هذين المعنيين وقعت إضافة الملة إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع انها الا تختص بي بل الحنيفية هي ملة الانبياء جميعا. وهي دين الله عز وجل الذي امر الخلق به كافة والناس مأمورون جميعا بها ومخلوقون لاجلها. والدليل قوله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون. فهذه الاية صريحة في كون الخلق خلقوا لاجل توحيد الله عز وجل وعبادته وهي دالة بلازم لفظها انهم مأمورون بها. لان من خلق لشيء فهو مأمور به كونوا هذه الاية وهي قوله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون دالة على الامرين هي تدل بصريح لفظها على ان الجن والانس مخلوقون لها وتدل بلازم ذلك انهم مأمورون بها وتفسير المصنف رحمه الله تعالى قوله تعالى يعبدون بقوله يوحدون له وجهان احدهما انه من تفسير اللفظ باخص افراده انه من تفسير اللفظ باخص افراده. فاشد افراد العبادة خصوصية هو توحيد الله سبحانه تعالى وهو اكد انواع العبادة والاخر ان يكون من تفسير اللفظ بما وضع له شرعا ان يكون من تفسير اللفظ بما وضع له شرعا فان اسم العبادة موضوع في الشرع للدلالة على توحيد الله عز وجل فقوله تعالى مثلا يا ايها الناس اعبدوا ربكم معناه يا ايها الناس وحدوا ربكم فتفسير قوله تعالى اعبدون ليعبدون بقول المصنف يوحدون يأتي على هذين جميعا والتوحيد والعبادة لفظان شريفان يجتمعان ويفترقان فاما اجتماعهما فاذا كان المقصود ارادة التقرب الى الله عز وجل فاما اجتماعهما فيكون اذا كان المقصود ارادة التقرب الى الله سبحانه وتعالى فان كل عبادة يتقرب بها الى الله عز وجل هي توحيد فتكون العبادة والتوحيد بمعنى واحد اي ارادة التقرب الى الله عز وجل واما افتراقهما فيكون بالنظر الى كون التوحيد فردا من افراد ما يتقرب به الى الله فان افراد ما يتقرب به الى الله انواع متعددة فمنها الصلاة والزكاة والحج الصدقة والاحسان الى الجيران وبر الوالدين. واعظم تلك الافراد التي يتقرب بها الى الله عز وجل هو توحيد فهذا وجه الصلة بين العبادة والتوحيد اجتماعا وافتراقا. فهما يجتمعان اذا كان المعنى الملحوظ هو ارادة التقرب ويفترقان اذا كان المعنى الملحوظ هو افراد المتقرب به. فعلى الاول كل عبادة توحيد. فان كل من عبد الله سبحانه وتعالى متقربا اليه وحده. وعلى المعنى الثاني فان افراد ما يتقرب به الى الله من الاعتقادات والاقوال والاعمال انواع متعددة ومن جملة تلك الانواع بل هو اعظمها توحيد الله سبحانه وتعالى. نعم واعظم ما امر الله به التوحيد. وهو افراد الله بالعبادة واعظم ما نهى عنه الشرك وهو دعوة غيره معه. والدليل قوله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا فاذا قيل لك ما الاصول الثلاثة التي يجب على الانسان معرفتها؟ فقل معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمدا صلى الله عليه وسلم لما كانت الحنيفية مركبة من الاقبال على الله بالتوحيد والميل عن كل ما سواه بالبراءة من الشرك عرف المصنف رحمه الله التوحيد والشرك والتوحيد له معنيان شرعا والتوحيد له معنيان شرعا احدهما افراد الله احدهما وهو عام افراد الله بحقه احدهما وهو عام افراد الله بحقه وحق الله نوعان حق في المعرفة والاثبات وحق في الارادة والطلب حق في المعرفة والاثبات وحق بالارادة والطلب ونشأ من هذين الحقين انواع التوحيد الثلاثة توحيد الالوهية والربوبية والاسماء والصفات والثاني خاص وهو افراد الله بالعبادة. والثاني خاص وهو افراد الله بالعبادة والمعنى الثاني هو المعهود شرعا ومعنى قولنا هو المعهود شرعا اي المراد في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فاذا ذكر التوحيد فيهما كان موضوعا لتوحيد العبادة. كقول جابر رضي الله عنه في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم فاهل بالتوحيد والمراد بالتوحيد هنا توحيد العبادة. لان اهلاله صلى الله عليه وسلم وقع بقوله لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك الى تمام التلبية المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم. ولاجل كون التوحيد شرعا يراد به توحيد العبادة اقتصر المصنف على تفسير التوحيد به فقال رحمه الله التوحيد وهو افراد الله بالعبادة تبعا للمعهود الشرعي واما الشرك فله في الشرع معنيان احدهما عام وهو جعل شيء من حق الله لغيره احدهما عام وهو جعل شيء من حق الله لغيره والآخر خاص وهو جعل شيء من العبادة لغير الله. وهو جعل شيء من العبادة لغير الله والمعنى الثاني هو المعهود شرعا فاذا اطلق الشرك في الخطاب الشرعي انصرف الى الشرك المتعلق بالعبادة ولهذا اقتصر عليه المصنف رحمه الله تعالى فقال وهو دعوة غيره معه. والمراد بالدعوة يعني العبادة. فكأنه قال الشرك وهو عبادة غير الله معه وهذا هو المعنى الخاص للشرك وهذا هو المعنى الخاص للشرك وعدل في حد الشرك عن قولهم ترفو الى قولنا جعل. فلم نقل ان الشرك صرف شيء من العبادة الى غير الله في المعنى الخاص. ولا صرف شيء من حق الله لغيره في المعنى العام وانما قيل جعل وموجب ذلك امران احدهما اقتفاء الخطاب الشرعي فان الله عز وجل لما ذكره ذكره بالجعل ولم يذكره بالصرف فقال تعالى فلا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون ووقع نظيره في الحديث النبوي ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال اي الذنب اعظم؟ فقال ان تجعل لله ندا وهو خلقك وما قدم في الخطاب الشرعي كان حقيقا بالتقديم على غيره فعدل عن قولهم صرف الى جعل اقتفاء للخطاب الشرعي والاخر ان الجعل فيه معنى الاقبال والتأله القلبي ان الجعل فيه معنى الاقبال والتأله القلبي وهذا غير موجود في كلمة صرف لان الصرف يراد به في اللسان العربي تحويل الشيء من جهة الى اخرى دون نظر الى المقصود من المحول اليه فلفظ الجعل في الدلالة على العبادة اثبتوا في لسان العرب من لفظ الصرف فلاجل هذين الامرين قيل في الشرك انه جعل شيء ولم يقل انه صرف شيء ويتبين مما سلف ان التوحيد والشرك يقعان تارة على معنى واسع ويقعان تارة اخرى على معنى اخص فالمعنى الواسع هو المعنى العام لكل والمعنى الاخص هو ما ذكرناه من معنى خاص لكل واحد منهما وجرى المصنف رحمه الله تعالى على تفسير اللفظين بالمعنى الخاص لانه هو المعهود شرعا واعظم ما امر الله به هو التوحيد. واعظم ما نهى عنه هو الشرك واستدل المصنف على ذلك بقوله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وهذه الاية في المتبادل منها تدل على الامر بالتوحيد والنهي عن الشرك ولا تدل على الاعظمية التي اراد المصنف سوق هذه الاية دليلا عليها ولكن ملاحظة السياق الذي وقع فيه ذلك يدل على مقصوده فان قوله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وقع صدرا للاية المعروفة باية الحقوق العشرة التي قال الله فيها واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين احسانا وذي القربى واليتامى والمساكين الى تمام الاية فلما قدم الامر بالتوحيد والنهي عن الشرك علم ان التقديم دال على الاعظمية لانه ما يقدم الا الاهم ذكره ابن قاسم العاصمي رحمه الله في حاشيته فتكون هذه الاية دالة على اعظمية الامر بالتوحيد واعظمية النهي عن الشرك بدلالة سياقها لا بالمتبادل من مجرد لفظها. نعم ثم بين المصنف رحمه الله تعالى مسألة اخرى فقال فاذا قيل لك ما الاصول الثلاثة الى اخره؟ فبين ان الاصول الثلاثة هي معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمدا صلى الله عليه وسلم. وهذه المعارف الثلاث هي التي يتعلق بها الثواب والاجر. ويقع عنها السؤال في القبر. وموجب كون الدين راجعا الى هذه المعارف الثلاث لان العبادة التي امرنا بها لا تتحقق الا بمعرفة معبود تجعل له العبادة ومعرفة مبلغ يبلغ عن المعبود تلك العبادة. ومعرفة كيفية تحصل بها تلك العبادة. فمعرفة المعبود هي معرفة الله. ومعرفة المبلغ عن الله هي معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومعرفة كيفية العبادة هي معرفة دين الاسلام. ويعلم منه ان دليل الاصول الثلاثة من القرآن سنة هو كل اية او حديث فيه الامر بالعبادة. فكل اية او حديث تظمن الامر بالعبادة فان انه دليل على هذه الاصول الثلاثة لما سبق بيانه. فمثلا قوله تعالى يا ايها الناس اعبدوا ربكم دال على الاصول الثلاثة لان العبادة المأمورة بها لا تتحقق الا بمعرفة معبود تجعل له تلك العبادة ومعرفتي مبلغ عن ذلك المعبود ومعرفة كيفية توقع بها تلك العبادة. فمعرفة المعبود هي معرفة الله ومعرفة المبلغ هي معرفة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعرفة تلك الكيفية هي معرفة دين الاسلام نعم فاذا قيل لك من ربك؟ فقل ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمته وهو معبودي ليس لي معبود سواه والدليل قوله تعالى الحمد لله رب العالمين وكل من سوى الله عالم وانا واحد من ذلك العالم شرع المصنف رحمه الله يبين الاصل الاول وهو معرفة العبد ربه. فقال فاذا قيل لك من ربك فقل ربي الله الذي رباني الى اخره ومعرفة الله على وجه الكمال متعذرة في حق المخلوقين. لان الله سبحانه وتعالى لا يحاط به فيعجز المخلوقون عن الاحاطة به ومعرفته لا تتناهى الى حد ينتهى اليه. وانما تكون هذه المعرفة باعتبار ما يدركه العبد من العلم وما يصدقه من العمل فمن زاد علمه وعمله زادت معرفته بالله سبحانه وتعالى الا ومن فاته شيء من العلم والعمل حصل له من نقص المعرفة بالله بقدر ما فاته من العلم والعمل ومن معرفة الله عز وجل قدر يتعين على كل احد وما زاد على هذا القدر وما زاد عن هذا القدر فان الناس يتفاضلون فيه فمعرفة فمعرفة الله سبحانه وتعالى منها اربعة اصول تلزم الخلق كافة فالاول معرفة وجودة معرفة وجوده. فيؤمن العبد بانه موجود والثاني معرفة ربوبيته معرفة ربوبيته فيؤمن العبد بانه رب كل شيء والثالث معرفة الوهيته فيؤمن العبد بان الله عز وجل هو المستحق للعبادة وحده دون سواه والرابع معرفة اسمائه وصفاته فيؤمن العبد بان لله اسماء حسنى وصفات علا والدليل على وجوب هذه الاصول الاربعة كما ذكر المصنف قوله تعالى الحمد لله رب العالمين فالاصول الاربعة اللازمة من معرفة الله دليلها من القرآن هذه الاية وهي فاتحة الفاتحة. الحمد لله رب العالمين فكيف تدل على هذه الاصول الاربعة ما الجواب نعم خلنا نبدأ بالاول كيف تدل على الوجود لان المعدوم لا يحمد تكون دالة على وجود الله لان المعدوم لا يحمد لان الحمد في حقيقته هو الاخبار عن محاسن المحمود وكيف تكون له محاسن وهو عدم فتكون دالة على وجود الله عز وجل ودللتها على الربوبية للاخر التصريح فيها بقوله سبحانه وتعالى رب العالمين فصرح بربوبيته سبحانه وتعالى ودلالتها على الالوهية في قوله الحمد لله بذكر موجب الحمد الذي استحق الله عز وجل به الحمد وهو كونه مألوها اي معبودا تعظمه القلوب محبة وخضوعا. واما الاصل الرابع وهو الاسماء وصفات ففي قوله في الاسماء لله ورب العالمين فكلاهما من اسماء الله الحسنى والاول من الاسماء المفردة من الاسماء المضافة وهما دالان على صفتين من صفات الله هما صفة الالوهية وصفة الربوبية فهذا وجه دلالة فاتحة الفاتحة على اصول معرفة الله وقول المصنف رحمه الله تعالى تفسيرا للعالمين وكل ما سوى الله عالم هي مقالة تبع فيها غيره من المتأخرين وحقيقتها اصطلاح شاع عند علماء الكلام ثم فشى في سائر العلوم فان من مقدمات علماء الكلام قولهم الله قديم والعالم حادث فكل ما سوى الله عالم فاشتهرت هذه النتيجة الناشئة من المقدمتين السابقتين وجعلت علما على تفسير العالمين. ولا يعرف ذلك في كلام العرب فان العرب لا تطلق العالمين على ارادة ما سوى الله وانما تطلق العرب العالمين على مجموع الاجناس المتشابهة فان الاجناس المتشابهة هي التي تسمى عالما فيقال عالم الملائكة وعالم الجن وعالم الانس وعالم الطير واذا جمعت قيل العالمون وليس كل مخلوقات الله سبحانه وتعالى اجناسا متناظرة فان من مخلوقات الله عز وجل ما هو فرض لا نظير له. ومن ذلك عرشه سبحانه وتعالى وكرسيه عز وجل فان عرش الله عز وجل لا نظير له من جنسه. وكرسيه عز وجل لا نظير له من جنسه فحينئذ يمتنع ان يكون معنى العالمين كل ما سوى الله لان العرب لا تعرف هذا في كلامها. والمقدر من مخلوقات الله عز وجل يخالف هذا الاطلاق وانما اسم العالمين عند العرب يراد به ما كان من المخلوقات متجانسا كما متنا من تجانس الملائكة والانس والجن. فهذه الاية تدل على ربوبية الله عز وجل لبعض مخلوقاته وهي الاجناس المتشابهة من المخلوقات. وفي ذلك تنبيه الى فان تشابه المخلوقات ومجيئها على جنس واحد دليل على عظيم قدرة الله عز وجل فاية الفاتحة لا تدل على عموم الربوبية وانما تدل على ربوبية الله عز وجل للعالمين. تعظيما لخلق واما ما يدل على عمومية ربوبية الله عز وجل فهو قوله وهو رب كل شيء. فان هذه الاية تدل على على عموم ربوبية الله سبحانه وتعالى ومن قواعد التفسير ان القرآن لا يفسر بالمصطلح الحادث ان القرآن لا يفسر بالمصطلح الحادث فالمصطلح الذي حدث وتواطأ عليه الناس لا يكون تفسيرا لكلام الله فلا يصح ان نقول كل ما سوى الله عالم هو تفسير للعالمين لان هذا اصطلاح حادث وقل مثل هذا فيما تولد من الاصطلاحات عند الناس. فلا يحمل كلام الله عز وجل على ما اصطلحوا عليه. وانما يفسر كلام الله عز وجل بما علم من خطاب الشرع في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين. وان تعذر ذلك فزع الى اللسان العربي لان القرآن عربي فيفسر بما تعرفه العلاء العرب في كلامها نعم فاذا قيل لك بما عرفت ربك؟ فقل باياته ومخلوقاته ومن اياته الليل والنهار والشمس والقمر ومن مخلوقاته السماوات السبع ومن فيهن والاراضون السبع ومن فيهن وما بينهما. والدليل قوله تعالى لخلق السماوات والارض اكبر ومن خلق الناس وقوله تعالى ومن اياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر لله الذي خلقهن ان كنتم اياه تعبدون. فقوله تعالى ان ربكم الله الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم بامره الا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين. لما ذكر المصنف رحمه الله ان الله هو والرب وبين دليله كشف عن الدليل المرشد الى معرفة الرب عز وجل والدليل المرشد الى معرفة الرب عز وجل شيئان احدهما التفكر في اياته الكونية التفكر في اياته الكونية والاخر التدبر في اياته الشرعية وهما مذكوران في قول المصنف باياته لان الايات تقع شرعا على معنيين لان الايات تقع شرعا على معنيين احدهما الايات الكونية وهي المخلوقات والاخر الايات الشرعية وهي ما انزله الله من الكتب على رسله وانبيائه فيكون قول المصنف ومخلوقاته بعد قوله باياته من عطف الخاص على العام لان بعض الايات هي المخلوقات. فاذا قيل ايات الله شمل الايات الكونية والشرعية واذا عطف على ايات الله مخلوقاته صار معنى المخلوقات ما يرجع الى بعض الايات وهي الايات الكونية وعطف الخاص بعد العام جائز والمراد منه التنبيه الى ما في الخاص من معنى استدعى تعظيمه التنبيه الى ما في الخاص من معنى استدعى تعظيمه واضح هذا باياته ومخلوقاته. الايات عامة لانه يندرج فيها ايش الايات الشرعية والايات كونية والايات الكونية تسمى مخلوقات فقول المصنف باياته ومخلوقاته المخلوقات خاص من عام وعطف الخاص على العام جائز وموجبه معنى استدعى التنبيه الى عظمة الخاص فما هو المعنى الذي استدعى ذلك في كلام المصنف ها يا محمد ايش ارفع صوتك ما يسمعك موجب ذلك ان قوة وقع الايات الكونية في الدلالة على وجود الله اقوى عند عموم الخلق من الايات الشرعية فان الايات الشرعية التي تنزل على الانبياء يوجد في الخلق من يكون كافرا لا يستجيب لها واما الايات الكونية فان عامة الخلق مؤمنيهم وكافرهم يقرون بها. ولا يوجد على البسيطة طول ما تقدم من القرون الا نفرا يسيرا ينكرون معرفة الله عز وجل بهذه المخلوقات. فان هذه المخلوقات المدبرة تدل على خالق مدبر عندك قل لاحد الا من ارتكست فطرته وانقلب فهمه وهم قليل من نفاة وجود الرب سبحانه وتعالى ممن يسمون عند الاقدمين ابي الدهريين ويسمون عند المتأخرين بالماديين الذين ينفون وجود الخالق فدلالة الايات الكونية على الاقرار بالخالق اقوى في النفوس. واسرع استدعاء. ولما قيل لاعرابي اتعرف الله؟ قال نعم. فقيل الا بما عرفته فلم يذكر اية شرعية بل قال البعرة تدل على البعير والاثر يدل على المسير فسماء ذات ابراج وبحار ذات امواج واراض ذات فجاج الا تدل على الواحد القهار وصدق الاعرابي الذي تكلم بفطرته فهذا موجب عطف الخاص على العام في كلام المصنف رحمه الله تعالى ثم ذكر المصنف ان من ايات الله الليل والنهار والشمس والقمر وان من مخلوقاته السماء السبع ومن فيهن والاراضين السبع ومن فيهن وما بينهما وهؤلاء المذكورات جميعا وهؤلاء المذكورات جميعا كلهن يدخل في اسم المخلوقات. فالليل والنهار والشمس والقمر والسماوات والارض وما بينهما وما فيهما جميعها من المخلوقات. الا ان المصنف رحمه الله على فرق بينهما فجعل اسم الاية لليل والنهار والشمس والقمر وجعل اسم المخلوق للسماوات السبع والاراضين السبع ومن فيهن وما بينهما وهو فيما فرق به مكتف ما جاء في القرآن الكريم فان الليل والنهار والشمس والقمر اكثر ما يشار اليها اذا ذكرت في القرآن الاشارة اليها بكونها اية والسماوات والارض اذا ذكرتا في القرآن فاكثر ما يشار اليه بانها مخلوق فمن زعم ان كلام المصنف مضطرب فهو لم يعي ما وقع في كلام الله عز وجل من اطلاق اسم الاية على الليل والنهار والشمس واطلاق اسم المخلوق على السماوات والارض فهو مقتف لسياق القرآني. وموجب وقوع ذلك في السياق هو ملاحظة المعنى اللغوي لكل فالاية في لسان العرب هي العلامة والخلق في لسان العرب هو التقدير ومعنى العلامة اوصق بالليل والنهار والشمس والقمر. ومعنى الخلق الصق بالسموات والارض. ذلك ان الليل والنهار والشمس والقمر يتعاقبن فيكون النهار ثم يتلوه الليل وتطلع الشمس ثم يتبعها القمر ليلا فهن علامات ظاهرات متلاحقات واما السماوات والارض فهن مقدرات فهن مقدرات على صورة لا تتغير في الليل ولا في النهار فالارض التي تطأها في النهار هي الارض التي تطأها بالليل والسماء التي ترقبها في الليل هي السماء التي ترقبها في النهار. فلملاحظة المعنى اللغوي الغالب على كل اضيف الليل والنهار والشمس والقمر الى الايات. واضيف السماوات واضيفت السماوات والارض الى الخلق نعم والرب هو المعبود والدليل قوله تعالى يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون. الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء. وانزل من السماء ما ان من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون. قال ابن كثير رحمه الله تعالى الخالق لهذه الاشياء والمستحق للعبادة. لما بين المصنف رحمه الله الدليل المرشد الى معرفة الرب عز وجل ذكر ان الرب هو المستحق للعبادة فمعنى قوله والرب هو المعبود اي المستحق ان يكون معبودا فليس كلامه تفسيرا للفظ الرب فان الرب لا يطلق في كلام العرب على المعبود. وانما الرب وفي كلام العرب يطلق على ثلاثة معان فيراد به السيد والمالك والمصلح للشيء القائم عليه السيد والمالك والمصلح للشيء القائم عليه. ذكره ابو بكر الانباري وغيره من علماء العربية فما زاد عن هذه المعاني الثلاث عن هذه المعاني الثلاثة فلا يكون تفسيرا لللفظ بحسب ما وضع له في اللسان العربي وانما هو لازم له. ومنه قول المصنف والرب هو المعبود. اي يلزم ان يكون الرب الذي تعتقه ربوبيته ملكا ورزقا وتدبيرا ان يكون هو المعبود الذي يتقرب اليه الخلق بالعبادة واورد المصنف رحمه الله تعالى الدليل على ذلك وهو قوله تعالى يا ايها الناس اعبدوا ربكم الى تمام الاية والاية التي بعدها من سورة البقرة فان الله امر بعبادة الرب سبحانه وتعالى وذكر موجب تلك العبادة وهو ربوبيته. فقال ذاكرا بعض افراد الربوبية. الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم يتقون الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء الى تمام الاية. ومن اعظم نية تقرير الالوهية في القرآن الكريم تثبيت الربوبية ومن اعظم اودية تقرير الالوهية في القرآن الكريم تثبيت الربوبية. فانه اذا ثبت في النفوس كون الله عز وجل هو الرب وجب ان يكون هو المعبود. وقد ذكر ابن الوزير في ترجيح اساليب القرآن على اساليب اليونان عن صاحب كتاب مذاهب السلف ان في القرآن خمسمائة اية تدل على الربوبية انتهى كلامه. وانما ملئ القرآن بدلائل الربوبية مع كونها من الفطر النفسانية للخلق لما في ذلك من حمل النفوس على الاقرار بالوهية الله سبحانه وتعالى. فمن كان ربا وجب ان يكون معبودا نعم وانواع العبادة التي امر الله بها مثل الاسلام والايمان والاحسان. ومنه الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والخشوع والخشية والانابة والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك من انواع التي امر الله بها كلها لله تعالى والدليل قوله تعالى وان المساجد لله فلا تدعو مع الله احدا. عبادة الله لها معنيان في الشرع احدهما عام وهو امتثال خطاب الشرع المقترن بالحب والخضوع امتثال خطاب الشرع المقترن بالحب والخضوع والاخر خاص وهو التوحيد والاخر خاص وهو التوحيد وعبر بالخضوع في بيان المعنى العام للعبادة دون الذل لامرين احدهما اقتفاء الخطاب الشرعي لان الخضوع مما يعبد الله به بخلاف الذل فان الله لا يتقرب له بالذل وانما يتقرب له بالخضوع فالخضوع ديني شرعي كما انه قدري كوني. اما الذل فلا يكون الا قدريا كونيا وما كان قدريا كونيا لم يتقرب الى الله به. وانما يتقرب الى الله بما كان شرعيا دينيا ووقع التصريح بذلك ففي حديث ابي هريرة عند البخاري ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا قضى الله بالامر من السماء ها ضربت الملائكة باجنحتها قطعانا لقوله اي خضوعا لامر الله سبحانه وتعالى طلوع الملائكة عبادة من عباداتهم وروى البيهقي في السنن الكبرى باسناد صحيح عن عمر رضي الله عنهم في قنوته انه كان يدعو فيقول ونؤمن بك ونخضع لك ونؤمن بك ونخضع لك ولم يقل ونذل لك فليس في الخطاب الشرع جعل الذل عبادة بل لا يأتي الذل في الخطاب الشرعي الا على وجه النقص كما في قوله تعالى ترهقهم ذلة فان ذلك اعلام بالنقص الطارئ عليهم من الذلة التي تلحقهم. وما توهم من خذاف ذلك من الايات فانه ليس على مراد متوهمه. فمثلا قوله تعالى واخفظ واخفظ لهما جناح الذل من الرحمة لا يراد به مدح الذل فان الذل شيء وجناح الذل شيء ومن قواعد كلام العرب ان العرب تغير معاني الكلام باعتبار الافراد والتركيب. وهذا واقع في القرآن الكريم كما يقع فردا لا يفسر بما وقع مركبا وما وقع مركبا لا يفسر بما وقع مفردا فجناح الذل غير الذل. وجناح الذل فيه اشارة الى الارتفاع لانه انما يفعله تقربا الى الله سبحانه وتعالى. ولذلك جعله الله جناحا لان الجناح من الالات التي يرتفع بها فليس ذلا مجردا يدل على الهوان وانما هو جناح الذل والمعنى المركب غير المفرد وهذا من قواعد الكلام العربي واما الامر الاخر الذي اوجب العدول عن الذل الى الخضوع هو ان الخضوع فيه معنى التقرب فيتقرب الى الله سبحانه وتعالى به اما الذل فليس فيه ذلك المعنى بل هو ينبئ عن قهر وصغار وهذا لا يناسب مقام العبودية فان عبادة الله عز وجل تورث صاحبها كما لا فلا يمكن ان تكون في نفسها نقصا وصغارا. فالعبادة في المحقق تجمع الحب والخضوع ولا تجمع الحب والذل وانما تجمع بين امرين ممدوحين هما الخضوع والحب. اما ان يكون احدهما ممدوحا وهو الحب والاخر ناقصا وهو الذل فلا يكون كذلك ولا يوجد هذا في كلام السلف رحمهم الله تعالى وانما وجد في كلام بعض اهل العلم من المتأخرين وتقديم ما جاء في الخطاب الشرعي اولى من متابعة احد من المخلوقين في لفظه وانواع العبادة التي امر الله بها كلها لله. قال تعالى وان المساجد لله الاية فنهى الله سبحانه وتعالى فيها عن عبادة غير الله عز وجل تنبيها الى ان العبادة قل لها لا تكون الا لله وحده نعم فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر والدليل قوله تعالى ومن يدعو مع الله الها اخر لا برهان له به. فانما حسابه عند ربه انه لا يفلح الكافرون. ذكر المصنف رحمه الله ان من صرف شيئا من العبادات لغير الله فهو مشرك كافر. وعلى ما قدم تحقيقه يكون تقدير الكلام ان من جعل شيئا لغير الله فهو مشرك كافر واستدل صنفوا باية المؤمنون. ووجه الدلالة منها في قوله تعالى انه لا يفلح الكافرون مع قوله في اولها ومن يدعو مع الله الها اخر فالمذكور فيها فعل من افعال الكافرين وانتج ذلك الفعل استحقاقهم عدم الفلاح ونفي الفلاح عنهم يدل على كمال خسرانهم وذلك بدخول النار. لان الفلاح اسم موضوع في كلام العرب للدلالة على الفوز الكامل فاذا نفي الفلاح دل على الخسران الكامل والخسران الكامل يكون كون العبد كافرا في الدنيا مؤبدا ابد الابدين وجهر الداهرين في دار العقوبة عند الله وهي نار جهنم اعاذنا الله واياكم منها فمن وافق هؤلاء الكافرين في حالهم من دعوة غير الله عز وجل شاركهم في مآلهم فمن وافق هؤلاء الكافرين في حالهم بدعوة غير الله عز وجل شاركهم في مآلهم. فصار من جهنم وموجب ذلك شركه وكفره بالله سبحانه وتعالى. والكفر اعم من الشرك لان الكفر يقع بالشرك وبغيره فالشرك فرد من افراد الكفر لانه يتضمن جعل شريك لله عز وجل وليس كل كفر يكون كذلك مما فمما يندرج في قوله تعالى انه لا يفلح الكافرون ما يقع من المشركين فانهم من جملة الكافرين. ومعنى قوله لا برهان له به اي لا حجة ولا بينة له على عبادته وهذا وصف كاشف عن حقيقة كل معبود دون الله عز وجل فان كل معبود سوى الله سبحانه وتعالى تكون عبادته بدون حجة ولا بينة. وليس معنى الاية ان من ما يكون لعابده حجة في عبادته ومنها ما لا يكون كذلك بل هذا وصف كاشف عن حقيقة كل معبود سوى الله لقوله تعالى وقتلهم الانبياء بغير حق. فقوله بغير حق وصف كاش. وليس المعنى ان قتل الانبياء ان يكونوا تارة بحق وتارة بغير حق. بل قتل الانبياء كله يكون بغير حق. فقوله تعالى في هذه الاية لا برهان له به يعني لا حجة له به وصف كاشف عن كل معبود سوى الله عز وجل مما يتخذه الناس من المعبودات. وبتمام هذه الجملة من البيان نستكمل درس هذه الليلة ونستكمل باذن الله سبحانه وتعالى بقيته بعد صلاة الفجر غدا واعود منبها مرة اخرى الى ان من كان له سؤال فليتوجه به الى اعضاء اللجنة الدائمة موجودون الموجودين في المسجد الحرام هذه الايام. وارجو وامل منكم الا يتبعني احد. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه اجمعين