السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي جعل الدين يسرا بلا حرج والصلاة والسلام على محمد المبعوث بالحنيفية السمحة دون عوج وعلى اله وصحبه ومن على سبيلهم درج. اما بعد فهذا شرح والكتاب الحادي والعشرين من المرحلة الاولى من برنامج تيسير العلم في سنته الثانية. وهو قصيدة في السير الى الله ودار الاخرة للعلامة عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمه الله المتوفى سنة ست وسبعين بعد الثلاث مئة والالف وهو الكتاب الحادي والعشرون في التعداد العام لكتب البرنامج. نعم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده اما بعد قال الشيخ عبدالرحمن بن سعد رحمه الله وغفر له ولشيخنا ونفعنا بعلومهما منازل رضوان فهم الذين قد اخلصوا في مشيهم متشرعين بشلعته ايمانه بنوا منازل سيرهم بين الرجا والخوف للديانة. وهم الذين ملل اله قلوبهم بوداده محبة الرحمن وهم الذين قد افتروا من ذكره في السر والاعلان والاحيان مع وجدت التقصير والنقصان صبروا النفوس على المكاره كلها شوقا الى ما فيه من احسان نزلوا بمنزلة رضا فهموا بها قد اصبحوا في جنة وامان. شكروا الذي اولى الخلائق قبله من قلب والاقوال والاركان. صاحب التوكل في جميع امورهم عبد الاله على اعتقاد حضوره فتبوءوا في منزل احسان. نصحوا الخليقة في نظام احقوا بهم بالعلم والارشاد والاحسان. صحيف الخلائق بالجسوم وانما ارواحهم في منزل قال فعن الشواغل كلها قد فرغوها من سوى الرحمن حركاتهم وهمومهم وعزومهم نعم الرفيق لطالب السبل التي تفضي الى الخيرات والاحسان ان اجل المقاصد المرادة والغايات المطلوبة هي الوصول الى الله سبحانه وتعالى وحقيقته اصول القلب اليه. بدوام العكوف بين يديه. والملازمة لامره ونهيه وهي التي يذكرها المتكلمون في احوال القلوب بالسير الى الله فان مرادهم هو سير القلب الى الله سبحانه وتعالى بسلوك الصراط المستقيم كما اشار الى ذلك ابو الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى فذكر باستنشاق نسيم الانس ان السير الى الله يراد به سلوك طريقه المستقيم ذلكم السلوك هو بالقلب لا بالبدن كما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الفوائد ومدارج السائر الى الله سبحانه وتعالى سالك صراطه المستقيم. وقد اضاف الله سبحانه وتعالى صراطه الى سالفيه فقال صراط الذين انعمت عليهم فهي احدى الاضافتين الواقعتين في القرآن الكريم كما ذكر ذلك ابو العباس ابن تيمية الحديث وتلميذه ابن القيم في صدر مدارج السالكين اضافة الصراط المستقيم الى سالكيه جرى بعض اهل العلم على ترتيب منازل السير الى الله سبحانه وتعالى باضافتها اليهم فسموها منازل السائلين وصنف فيها شيخ الاسلام رحمه الله تعالى كتابا ذائعا اسمه منازل السائلين شرحه ابو عبد الله ابن القيم شرحا ماسعا نافعا اسمه مدارج السالكين. ومن جملة المصنفين في منازل السائلين العلامة عبدالرحمن بن عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى في هذه القصيدة التي سماها قصيدة في السير الى الله والدار الاخرة يريد بها هذا المعنى المتقدم. واستفتح رحمه الله تعالى ما ذكره من منازل سيرهم فضلهم ببشارتهم بالسعادة. فقال سعد الذين تجنبوا سبل الردى وتيمموا لمنازل الرضوان فجعل مدار سعادتهم على امرين اولهما تجنب سبل اي طرق الهلاك. والثاني تيمم منازل الرضوان. اي قصد العبادة المحققة رضوان الله سبحانه وتعالى. وهم جامعون بين هذين الامرين تجنب ما يردي وامتثال ما يرضي. فنالوا بذلك السعادة وهذان الامران هما المشار اليهما في كلام المتكلمين في هذا الباب باسم الداخلية والتحلية فان التخلية حقيقتها افراغ القلب من كل ما يضره ويلهيه والتحلية حقيقتها ملئ القلب بكل ما ينفعه ويقويه. فاشار رحمه الله تعالى الى هذين امرين بما ذكره من حالهم فانهم تخلوا من كل ردى وتيمموا الى كل هدى متحلين به ومن رعى هذا في قلبه وعمره به وتحلية استقامة له قلبه وقوية نفسه وادرك السعادة المرجوة ثم اشار رحمه الله تعالى الى اول منازل سيرهم في قوله فهم الذين قد اخلصوا في فيهم متشرعين بشرعة الايمان والاخلاص شرعا هو تصفية القلب من ارادة لغير الله كما اشار الى ذلك منشدكم بقوله اخلاصنا تصفية القلب من ارادة غير فاحذر يا فطن فسيرهم الى الله عز وجل المشار اليه في قول ناظم في مشيهم واقع على وجه الاخلاص فهم مخلصون متمسكون بالشرعة الايمانية اي متابعون للنبي صلى الله عليه ففي قوله متشرعين بشرعة الايمان بشارة الى اقتدائهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو نظير قول ابن القيم في نونيته الكافية الشافية فلواحد كن واحدا في واحد اعني طريق الحق الايمان ومقصوده تفريغ الله سبحانه وتعالى بالاخلاص وتجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ومن منازل سلوكهم ملازمة الرجاء والخوف. كما قال الناظم وهم الذين بنوا منازل سيرهم بين الرجا والخوف من الديان وقلوبهم مملوءة برجاء الله وخوفه. وحقيقة رجاء الله امل العبد ربه في حصول المقصود امل العبد بربه في حصول المقصود مع بذل جهدي وحسن التوكل. وحقيقة الخوف من الله هروب القلب هروب قلب العبد الى الله ذعرا وفزعا. وسير العبد بين الرجاء والخوف سبيل السلامة والامان. فان من غلب رجاؤه خوفه زل. ومن غلب خوفه رجاءه زل. والسلامة بحسن الملاءمة بين رجاء الله عز وجل وخوفه. ثم ذكر مما يكمل مقاماتهم بالمقامين المتقدمين محبة الله عز وجل. فقال وهم الذين من الاله قلوبهم بوداده ومحبة الرحمن والمحبة حقيقتها تعلق القلب بالله ودوام ملاحظة مرضات والود منها الخالص. فان خالص المحبة يسمى ودا. ومحبة الله مع رجائه وخوفه المتقدمين هي اركان العبادة فانها عبادة الله مشيدة على ثلاثة اركان اولها حب الله وهو بمنزلة الرأس للطير وثانيها وثالثها رجاء الله خوفه وهما بمنزلة الجناحين للطائر. فمن عبد الله عز وجل بواحد منها ضل ومن استكمل الثلاثة كملت عبادته. والرجاء والخوف ينتهيان الى حد المطلوب يؤمر به العبد فما زاد عن ذلك الحد لم يكن مطلوبا. فالمطلوب من الرجاء ما ملأ قلبك باحسان الظن بالله. ما ملأ قلبك باحسان الظن بالله مقترنا بذلك الجهل وحسن التوكل عليه. من غير استهانة بالمعصية ولا تهاون بها. والمطلوب من الخوف كما ذكر ابن رجب ما حملك على الفرائض واجتناب المحرمات. فان زاد فبلغ العبد الاياس والقنوط من رحمة الله كان محرما. واما محبة الله فانها كما ذكر ابن رجب لا تنتهي الى حد بل كلما استغرق العبد فيها استكمل الايمان لكن هذا الاستغراق يجب ان يكون وفق المأمور به شرعا. فمن اخرجته المحبة الى خلاف الشريعة فهو في دعواه فان المحب الصادق لا يخرج عن امر الله سبحانه وتعالى. وكانت طبيعة تنشد تعصي الاله وانت تزعم حبه هذا لعمر في القياس بديع لو كان حبك صادقا لاطعته ان المحب لمن يحب مطيع. ومن منازل سير هؤلاء في سلوكهم الصراط المستقيم دوام اللهج بذكره عز وجل كما قال الناظم وهم الذين قد اكثروا من ذكره في السر اعلان والاحيان فجميع اوقاتهم مملوءة بذكر الله. كما اشار الى ذلك بقوله الاحيان الاوقات ومنه حديث عائشة في صحيح مسلم قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل احياناه اي اوقاته. فهم ملازمون لذكر الله سبحانه وتعالى في السر الخافي وفي العلن البين لانهم يرون ان ذكر الله عز وجل غذاء قلوبهم ودوام كلومهم فيستغنون بذكره عن ذكر الخلق. مهتدين بقول عبد الله ابن ذكر الله دواء وذكر الناس داء وبقول مكحول الشامي ذكر الله شفاء الناس جاء ثم ذكر من مقاصدهم انهم يريدون القرب من الله عز وجل كما قال الى المليك بفعلهم طاعاته والترك للعصيان. فمحرك قلوبهم وواسع نفوسهم. وباعث هممهم في السير الى الله هو طلب القرب منه. وانما يصدق الطالب غربة اذا كان موافقا امره فمن كان صادقا في طلاب قرب الله عز وجل لازم طاعته تاركا معصيته مجتنبا مخالفة امره. ثم افصح رحمه الله عن طاعاتهم المفعولة ببيان نوعها. فقال فعل الفرائض والنوافل داب دأبهم مع رؤية التقصير والنقصان. فالطاعات كلها ترجع الى هذين النوعين فعل الفرائض والنوافل. فالفرائض اسم للشرائع اللازمة. لزوما مجزوما والنوافل اسم للشرائع المأمور بها لا الا على وجه الالزام. وهما مجموعان في الحديث الالهي الذي رواه البخاري عن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى وما تقرب اليه عبدي بشيء احب الي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى احبه فاخبر سبحانه وتعالى ان تقرب عبده اليه يكون من فرائض والنوافل وهؤلاء السائرون الى الله سبحانه وتعالى من كمل الخلق مع كمال طاعتهم وجمعهم بين الفريضة والنافلة الى انفسهم بعين التقصير والنقصان فلا تحملهم مشاهدة اعمالهم المفعولة على وجه القربة على والادلال على الله عز وجل بل هم واقفون مع شهود نقصان عملهم وتقصيرهم في جناب ربهم فهم يفعلون الحسنة ويرجون ثوابها ولا يفخرون بها. واذا عصوا الله استحضروا مشاهدة السيئة مخافة ان تكون موجبة لهم العذاب. فحرك خوفهم من المعصية ورؤيتهم التقصير من الاستكثار في الطاعة قلوبهم الى الاقبال على الله عز وجل مستكثرين من طاعاته وطلب قربه. واذا صرف العبد عن هذا فاعجب بحسنته. ونسي فانه ربما ادخلته حسنته النار وادخلته سيئته الجنة او ادخلته سيئة من الجنة كما قال سعيد ابن جبير رحمه الله تعالى ان الرجل ليعمل الحسنة يدخل بها النار وان الرجل ليعمل سيئة يدخل بها الجنة. وتفسير ذلك كما ذكر اهل العلم رحمهم الله تعالى ان عامل السيئة ان عاملا بقي دائما النظر اليها والتعلق بها. والاستعلاء بها على خلق الله سبحانه وتعالى من مع ما هو عليه الانسان من التفريط في جناب الله عز وجل. فكانت سببا في دخوله النار لما في من الفخر والفرح بها. واما فاعل السيئة فعمل تلك السيئة وبقي مشاهدا لها خائفا ان تكون موجبة له غضب الله عز وجل ونقمته. فلا يزال فعله السيئة حاضرا بين عينيه يستغفر الله عز وجل منه ويسأله العفو عنه. فلما رأى الله عز وجل ما في قلبه من خوف الله عز وجل واجلاله واعظامه غفر الله عز وجل له بما في قلبه من خوف الله عز وجل ورجائه. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى من منازل سيرهم الصبر. فقال صبروا على المكاره كلها شوقا الى ما فيه من احسان. وحقيقة الصبر شرعا هي حبس النفس على امر الله عز وجل. هي حبس النفس على امر الله عز وجل. وامر الله الله عز وجل نوعان احدهما امره وحكمه الكوني القدري والثاني امره وحكمه الشرعي الديني. فحبس النفس على حكم الله وامره الشرعي الديني يكون بتصديق الخبر وامتثال الطلب. وحبس النفس على وامره القدري يكون بالتجمل وترك الجزع والتسخط. ومع شدة الحبس على النفس وكراهيتها اياه الا ان الصادقين لا يجدون اثر تلك الكراهة نفوسهم لما يحملهم ذلك من الشوق الى الله عز وجل والاحسان في معاملته عز وجل في قدره وشرعه وهم ايضا مترقون فوق منزلة الصبر الى منزلة اعلى وهي منزلة الرضا كما قال نزلوا بمنزلة الرضا فهموا بها قد اصبحوا في جنة وامان والرضا هو تلقي احكام الله بانشراح وسرور نفس. هو تلقي احكام الله بانشراح وسرور نفس وهو شامل احكامه القدرية والشرعية. والرضا فوق الصبر والرضا فوق الصبر. ففي الرضا تطمحن المنازعة. ولا يبقى في النفس ما الى التلوم على الاقدار والجزع منها. ومن السائلين الى الله عز وجل قوم هيأ الله عز وجل لهم مقاما اعلى فنزلوا بمنزلة الشكر كما قال شكروا الذي اولى الخلائق فضله بالقلب والاقوال والاركان. وحقيقة الشكر شرعا كما حققه ابن القيم رحمه الله تعالى في المدارس ظهور ثناء العبد ظهور ثناء الثناء ظهور ثناء العبد على ربه في قلبه اقرارا. وفي لسانه اعترافا وفي جوارحه طلبا وتركا. فالصادق في شكر الله هو الذي يضر قلبه بنعمة الله ويجري لسانه معترفا بها ويحرك جوارحه واركانه فيما احبه الله عز وجل طلبا ويباعد بينها وبين ما نهاه الله عز وجل عنه هربا. وهذه المقامات الثلاثة الصبر والرضا والشكر هي مقامات القلوب في تلقي احكام الله عز وجل. فان تلقي احكام الله عز وجل القدرية والشرعية له ثلاث مراتب. الاولى الصبر والثانية الرضا والثالثة الشكر وهي مرتبة فمن الناس من يرزقه الله عز وجل الصبر. فيحبس نفسه على حكم الله القدري او الشرعي مع وجود مرارة فيها. ومن الناس من يكون اكمل حالا من يكون اكمل حالا. فيحبس نفسه لكن لا يجد للحبس اثرا بل هو منشرح الصدر مسرور النفس منطلق الخاطر ومن من هو اكمل من الطائفتين السابقتين حالا وهو من تنقلب ملاقاته لاحكام الله عز وجل فوق والسرور بها الى شكر الله عز وجل عليها. فقلبه دائم النظر الى اظهار الثناء على الله عز وجل ولسانه جار بالاعتراف بنعم الله عز وجل عليه وجوارحه محركة في طاعاته الرب عز وجل وقد ذكر هؤلاء المراتب وافاض في بيانها في مواضع عدة من كتبه جماعة محقق اهل السنة المتكلمين على احوال القلوب. منهم ابو العباس ابن تيمية الحفيد وتلميذه ابو عبدالله ابن القيم وحفيده بالتلمذة ابو الفرج ابن رجب رحمهم الله. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى مما توكلهم على الله عز وجل فقال صحبوا التوكل في جميع امورهم مع بذل جهد في رضا الرحمن فهم يصحبون يصحبون توكل الله عز وجل في جميع الامور صغيرها وكبيرها. وحقيقة التوكل على الله شرعا اظهار العبد عجزه واعتماده على الله. اظهار العبد عزه واعتماده على الله وتوكلهم صادق قوي لا مكذوب دعي فهم يتوكلون مع بذل جهدهم بموافقة امر الله طلبا لرضاه. وهم نازلون في مقام الاحسان كما قال عبدوا الاله على اعتقاد فتبوأوا في منزل الاحسان. وهذا المقام هو المشار اليه في حديث جبريل في عن عمر وفي الصحيحين عن ابي هريرة وفيه قوله صلى الله عليه وسلم عند ذكر الاحسان ان تعبد الله كانك فان لم تكن تراه فانه يراك. فالاحسان له منزلتان احداهما منزلة المشاة المذكورة في قوله ان تعبد الله كأنك تراه. والاخرى المراقبة المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم فان لم تكن تراه فانه يراك فالمحسن من عبد الله عز وجل على احدى المنزلتين والمنزلة الاولى وهي المشاهدة اعلى من الثانية. والسائرون الى الله سبحانه وتعالى السالكون صراطه المستقيم. لهم مع الخلق حال ذكره الناظم بعدما تقدم من ذكر احوالهم مع الله عز وجل فقال نصحوا الخليقة في رضا محبوب محبوبهم للعلم والارشاد والاحسان. صاحب الخلائق بالجسوم وانما ارواحهم في منزل فوقاني بالله دعوات الخلائق كلها خوفا على الايمان من نقصان. عزفوا القلوب فعن الشواغل كلها قد فرغوها من سوى الرحمن. فهذه الابيات في بيان حالهم مع الخلق. فانه ناصحون لهم في رضا اي فيما يقربهم من حصوله من الطاعات. فهم يعلمون الخلق ويرشدونهم ويحسنون اليهم ما يكون منه من اذى لانهم يدينون لله عز وجل بالنصيحة عملا بالميثاق النبوي وارد في حديث تميم الدالية رضي الله عنه عند مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة فجماع الدين كله هو بذل النصيحة التي تتضمن كما تقدم قيام الناصح بما للمنصوح من حق فهم يقومون للخلق بما لهم من حق ناصحين لهم. ولم يزل من شعار اهل السنة نصح الخلق مع رحمتهم كما قال ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى واهل السنة يعرفون هنا الحق ويرحمون الخلق. انتهى كلامه. وهم مصاحبون للخلائق بجسومهم. اما الارواح فغير واقفة مع رسوم الخلق بل هي معلقة بالله عز وجل فهم يراعون حقائق الايمان مشاهد الاحسان في كل حين وان خوفا على ايمانهم من النقصان. فحيثما جمعتهم المشاهد مع خلق والتأمت عليهم المجالس معهم الا ان بصائرهم النافذة معلقة بالله وابصارهم معلقة بخلق الله. فبواطنهم متصلة بالله وظواهرهم جارية مع الخلق لان قلوبهم محجوبة عن التشاغل بالخلق مملوءة بطلب كل ما يقربهم الى الله عز وجل. كما قال الشاعر عجب القلوب عن الشواغل كلها قد فرغوها من سوى الرحمن. وحالهم كما اشار اليه ناضل صاحب هذا المصنف حركاتهم وهمومهم وعزومهم لله لا للخلق والشيطان. وقد اشار رحمه الله تعالى في هذا البيت الى ثلاث احوال قلبية. اولها الحركة. وهي مجرد الارادة وثانيها الهم وهي الارادة المقترنة بالجزم وثالثها العزم. وهي الارادة المقترنة بالجزم مع تهيء فعل اسباب المراد فهي مراتب ثلاث واحدة دون الاخرى بل حركة دون الهم والهم دون العزم. العزم اعلاهن ودونه الهم ودونه الحركة. ومع ذلك فكل حركة تتوجه اليها قلوبهم مجردة او هم او عزم فانه الله عز وجل اليس في قلوبهم حركة ولا هم ولا عزم للخلق ولا للشيطان. واذا كانت هذه هي اقوالهم كما نعتها الناظم فهم حقيقون بالمرافقة والصحبة للجزم بانتفاع العبد بهم ولذلك قال المصنف رحمه الله تعالى نعم الرفيق لطالب السبل التي تفضي الى الخيرات والاحسان فهم اولى الخلق بطلب الرفقة. لانه يعينون من كان لهم صاحبا على سلوك هذا الصراط المستقيم وملازمة الخير ممن اراد نجاته. فمن اراد ان يأخذ بسبيل رشد بالرفقة والصحبة فليتمسك بمن هذه حاله لانه يستعين به على سوق قلبه الى الله سبحانه وتعالى فان الرفيق المقارن معين على الخير. ولاجل هذا جاءت الشريعة بمواطئة الخلق على اما قام عليه نظام حياتهم بالانس برفاقهم. فنصحت لهم في من تحسن رفقتهم وصحبتهم ممن يزيد العبد قربا الى الله سبحانه وتعالى. واذا لم يتهيأ للعبد وجود مثله ضعف سيره الى الله وربما انقطع والمرء يحمله على طلب الرفقة الاعانة على سلوك الصراط المستقيم فان سلوك الصراط المستقيم يحتاج الى مؤنة عظيمة. ومن جملة هذه المؤنة المقوية وجود القرين المعين على سلوك هذا الصراط المستقيم. والمرء اذا فرغ قلبه من شيء بفوته لم ينله نقص الا اذا فاته سلوك الصراط المستقيم المقرب الى الله عز وجل لان القلوب تلتئم على ضرورة لا تسد الا بسلوك الصراط المستقيم وعبادة الله. كما قال الله عز وجل ايها الناس انتم الفقراء الى الله. والله هو الغني الحميد. وفقرهم هو الضرورة النفسية التي يجدون في قلوبهم من الافتقار الى عبادة الله عز وجل فلا يسد هذه الضرورة الا عبادة الله عز وجل ولو ان المرأة اصاب كل ما يتمناه من مطالب الدنيا من مال وزوج وغير فان مطالب الدنيا الدنية لا تفي بسد هذه الحاجة بل يبقى مزعزع النفس الخاطر ففرق القلب حتى يرجع الى الله سبحانه وتعالى بايقاف نفسه على مقام عبودية ودوام مناجاة الله عز وجل. فينبغي ان يجتهد المرء في طلاب هذا المقصود الاعظم والمراد الاكبر من سد ضرورة نفسه بسلوك الصراط المستقيم ودوام الاستقامة عليه وتثبيت باسمه في اسماء سالكيه. فانه بذلك ينال السعادة التامة. وابتغاء وتحصين ما ذكره الناظم من المقاصد التي ينبغي ان يعتني بها المرء من منازل السير انشأت تكملة لهذه القصيدة تلحق سابقتها من نظمه رحمه الله تعالى في منازل العبودية ومقام السير له فقلت يا ايها العبد المريد نجاته جد المسير لجنة الرضوان فقر القلوب الى الاله ضرورة يا ويل قلب باء بالحرمان ان كان جسمك بالغذاء منعما. كيف السعادة دونما عرفان من كان يفقد ربه في قلبه انى يذوق حلاوة الايمان كل المطالب قد تنال بدرهم الا المصير لمنزل الاحسان فيناله من كان يملأ قلبه حب الاله معطر الاركان. ورجائه ابدا ربه ومخافة التعظيم للديان. ان الحياة حقيقة في دينه. والموت كل الموت في الكفران طاعاته سبب يمد حياتنا ومواثق قلب العبد في النكران. من كان يحسب انسه في ماله ويظن ان الفوز في الطغيان قطع اللئيم عنه قطع اللئيم عن الاله وحبه. فهوى به سفلا الى النكران مصير القلوب الى الاله يدلها. للفوز في الدارين يا اخواني. قلب الموحد لا يطوف بقبلة. قد دنست طالب الانسان فطوافه شوقا لحضرة قدسه ومنازل تفضي الى الايقان. الله اولى ان اردت عبادة خاب المشرف والجحود الواني فاربأ بقلبك ان يكون مدنسا بنجاسة الاهواء والشيطان طهر قلوب وقيت من اضرانها اولى من الاثواب والابدان. نظر الاله الى القلوب محله. لا صورة كلا فاذا خشيت منامة فاذا اردت سلامة من لومة في لبسة او شمة الانتان بان يراك موسخا في لجة تغلي من العصيان واطلب هديت منازلا تعلو بها فوق العباد بجنة الرحمن ان فاز زوج او تلطف لقمة ما فات الا منعم حيوان. خسر الحقيقة خسر ان تكون بمعزل عن ملة التوحيد والايمان هذا الطريق الى الاله فشمروا لا تحبسوا في خندق الحرمان هتف المنادي حاديا في جمعكم جد المسير لجنة الرضوان. اسأل الله العلي العظيم ان يرزقنا معرفته وان يملأ قلوبنا بوداده ومحبته وان يجعل عبادتنا بين خوفه ورجائه وان يلهمنا رشدنا ويقينا شر انفسنا اللهم ات نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها. اللهم انا نسألك الهدى والتقى والغنى اللهم احينا على الاسلام والسنة وتوفنا على الاسلام والسنة اللهم احينا على خير حال وامتنا على خير حال وقلوبنا جميعا الى خير المآل وبهذا ينتهي الكتاب الحادي والعشرين ينتهي شرح الكتاب الحالي والعشرين على نحو مختصر يفتح موصده ويبين مقاصده. اللهم انا نسألك علما بيسر ويسرا في علم وبالله التوفيق