الحمد لله الذي جعل للخير مفاتيح. والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد المبعوث بالدين الصحيح وعلى اله وصحبه اولي الفضل الرجيع. اما بعد فهذا المجلس الثاني في شرح الثالث من برنامج مفاتيح العلم في سنته الثانية اثنتين وثلاثين بعد الاربع مئة والالف وثلاث وثلاثين بعد الاربع مئة والالف بمدينته الرابعة مكة المكرمة. وهو كتاب الاربعين في مباني الاسلام وقواعد الاحكام. للحافظ ابي زكريا يحيى بن شرف النووي رحمه الله المتوفى سنة ست وسبعين وست مئة. فقد انتهى بنا البيان الى قوله رحمه الله الحديث السابع عشر نعم احسن الله اليك بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين. قال النووي رحمه الله تعالى الحديث السابع عن ابيه على شداد ابن اوس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان الله كتب الاحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة واذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد احدكم شفرته وليرح ذبيحته رواه مسلم ذو الحجة احدكم سفرته فليرح ذبيحته رواه مسلم. هذا الحديث اخرجه مسلم في صحيح عن شداد ابن اوس رضي الله عنه واوله اثنتان حفظتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الحديث ووقع في صحيح مسلم بنسخه الموجودة بايدينا فاحسنوا الذبح. فاحسنوا الذبح. وقوله صلى الله عليه وسلم كتب الاحسان على كل شيء. الكتابة المذكورة تحتمل معنيين احدهما ان تكون كتابة قدرية. فالمكتوب هو باحسان والمكتوب عليه هو كل هو كل شيء. فيكون معنى الكلام ان الله غدر الاشياء وجودا على احسن وجه واتمه. والاخر ان تكون الكتابة شرعية. فالمكتوب هو الاحسان. والمكتوب عليهم حذف ذكرهم فلم يبينوا وهم العباد. فيكون معنى الكلام ان طه شرع على عباده شرع لعباده امرا مفروضا او نفلا ان يحسنوا الى كل كل شيء والجملة صالحة للمعنيين جميعا. فكلاهما مما تواردت ادلة الشريعة على الاعتداد به. فيجوز ان تكون الكتابة ها هنا قدرية. ويجوز ان تكون شرعية ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم مثالا يتضح به المقال. بين في فيه صورة لما يقع به الاحسان في شيء وهو المذكور في قوله فاذا قتلت قم فاحسنوا القتلة. واذا ذبحتم فاحسنوا الذبح. فامر باحسان القتل في الروح من ابن ادم او الذبح بهيمة من بهائم الانعام التي تذبح قربة الى الله واحسان القتلى والذبح يكون بايقاعهما على الصفة الشرعية فاذا وافق القتل والذبح في ازهاق الروح الصفة الشرعية صار هذا واقعا على وجه الاحسان نعم. احسن الله اليكم. الحديث الثامن عشر عن ابي ذر جند ابن جنادة وابي عبد الرحمن معاذ ابن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن. رواه الترمذي. وقال حديث حسن. وفي بعض النسخ حسن صحيح. هذا الحديث اخرجه الترمذي مسندا من حديث ابي ذر وقال حديث حسن وفي بعض النسخ حديث حسن صحيح. ثم اسنده بعده من حديث معاذ ابن جبل فساقه باسناده اليه ثم قال نحوه ولم يسق لفظه بل احال على حديث ابي ذر المتقدم ثم قال الترمذي قال محمود بن غيلان احد شيوخه والصحيح حديث ابي ذر انتهى كلامه ومعنى قول محمود والصحيح حديث ابي ذر اي ان مخرج الحديث معروف من رواية ابي ذر رضي الله عنه لا مدخل لمعاذ في روايته فاخطأ بعض الرواة فجعلوه من مسنده وانما يعرف من مسند معاذ ابن جبل من مسند ابي ذر رضي الله عنه واسناده ضعيف وروي من وجوه اخرى عند غير الترمذي لا يثبت منها شيء. فالرواية في هذا الباب فيها لين. ورويت وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ ابن جبل بالفاظ متعددة منها ما في الصحيحين ومنها ما هو خارج الصحيحين. فمنها ما هو متفق على صحته كحديث عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا الى اليمن قال انك تأتي قوما اهل كتاب متفق عليه. ورويت جمل من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لا يثبت منها شيء وجمعت وصية النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة هنا بين حقين احدهما حق الله وذلك في قوله اتق الله حيث ما كنت واتبع السيئة الحسنة. والاخر حق عباده. وذلك في قوله وخالق الناس بخلق حسن. فالمأمور به في هذا الحديث ثلاثة اشياء احدها تقوى الله والتقوى شرعا هي اتخاذ العبد وقاية بينه وبين ايش بينه وبين النار. يقول الاخ اتخاذ العبد وقاية بينه وبين النار وعلى هذا التعريف اين يكون قول الله عز وجل يا ايها الناس اتقوا ربكم للقطع ان الرب المأمور باتقائه لا مدخل فيما يذكره من يذكر هذا فيقول التقوى اتخاذ العبد وقاية بينه وبين النار او بينه وبين عذاب الله. ما الجواب؟ ها يا اخي ايش؟ عذاب الله؟ ايش ليس التقوى الحامل عليها الخوف من العذاب فقط. بل ايضا ويحمل عليها طلب الثواب. هذا كلام طلق ابن وفي بحث طويل ها هذا بعظ معناها قلنا التقوى هي ايخاذ العبد وقاية بينه وبين ما يخشاه. وذلك ليعم جميع الافراد. فقوله تعالى يا ايها الناس اتقوا ربكم ربكم يدخل فيما يخشاه العبد. وقوله تعالى فاتقوا النار يدخل في افراد ما يخشاه العبد. فقول الله تعالى فاتقوا يوما ترجعون فيه الى الله يدخل في افراد ما يخشاه العبد. فالسمط الجامع للتقوى شرعا ان يقال هي اتخاذ العبد وقاية بينه وبين ما يخشاه بايش ايوسف امتثال اوامره واجتناب نواهيه. طيب قول الله عز وجل ان الساعة اتية لا ريب فيها هذا امر او نهي؟ خبر خبر طيب لماذا لا يذكر في التقوى؟ ها عبد القادر احسنت بان يقال بامتثال خطاب الشرع ليشمل الخطاب الشرعي الخبري الممتثل بالتصديق والخطاب الشرعي الطلبي الممتثل بفعل الامر وترك النهي واعتقاد حل الحلال. فما يذكر من قول بعضهم بامتثال الاوامر واجتناب النواهي هذا بعض المأمور به فيما يتعلق بالتقوى. فالصواب ان يقال التقوى شرعا هي اتخاذ العبد وقاية بينه وبين ما يخشاه بامتثال خطاب الشرع ومن افراد التقوى المأمور بها تقوى الله عز وجل. فتكون تقوى الله عز وجل حينئذ ان يتخذ العبد وقاية غاية بينه وبين الله في امتثال خطاب الشرع. فافراد التقوى باعتبار ما امر اتقاؤه انواع متعددة في والسنة اعظمها تقوى الله وهي اكثر ما يدور في النصوص. وهي عائدة الى الاصل المتقدم من ان التقوى شرعا اتخاذ العبد وقاية بينه وبين ما يخشاه بامتثال خطاب الشرع. والثاني مما امر به هو اتباع السيئة الحسنة. والمراد باتباع السيئة الحسنة بعدها. وله مرتبتان. فالمرتبة الاولى ان يفعل الحسنة بعد بعد السيئة مريدا محو السيئة ان يفعل الحسنة بعد السيئة مريدا محو السيئة والمرتبة الثانية ان يفعل الحسنة بعد السيئة دون ارادة حصول المحو دون ارادة حصول المحو. والمأمور به في الحديث هو المرتبة الاولى لانها اكمل. لان بمنزلة الدنس المفتقر الى ما يذهبه واعظم مذهب للسيئة ان يتبعها الانسان وبحسنة تمحوها. واما الامر الثالث فهو معاملة الخلق بالخلق الحسن والخلق في الشرع يطلق على معنيين. احدهما عام وهو امتثال خطاب الشرع المقترن بالحب والخضوع فان الدين اما كله خلقا. ومنه قوله تعالى وانك لعلى خلق عظيم. اي دين عظيم قاله مجاهد وغيره والثاني خاص وهو ما يجري بين العبد وبين غيره من المعاملة والمعاشرة. ما يجري بين العبد وبين غيره من المعاملة والمعاشرة وهو المراد في هذا الحديث. وحسنه بان يكون مبنيا على الاحسان في القول والفعل وحسنه بان يكون مبنيا على الاحسان في القول والفعل. مع من في الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم ايش؟ وخالق الناس وخالق الناس جميع الناس يؤمر الانسان بان يعاملهم بالخلق الحسن. حتى من اساء اليه. فمن اساء اليك فعصى الله فيك فلا تقابله بمعصية الله عز وجل فيه. بل من اساء اليك فاحسن فان هذه هي حقيقة الخلق الحسن الكامل. وهذا امر لا يرتاده العبد. في اليوم والليلة وانما يحتاج الى رياضة شاقة وملاحظة دائمة في تقويم النفس وتهذيب سلوكها الى احسان معاملة الخلق كافة صغيرهم وكبيرهم. اميرهم ومأمورهم بهم غنيهم وفقيرهم عزيزهم ودليلهم. فان هذا هو الذي يتحقق به امر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله وخالق الناس بخلق حسن. واحق الناس بملازمة الاخلاق فضيلة الحسنة هم المجتمعون على ميراث النبي صلى الله عليه وسلم ممن يطلب العلم. فلا يكمل المرء منتسبوا الى التماس العلم الا بالحرص على تهذيب الاخلاق واصلاح النفس ومداومة النظر في احواله وان يسدد ويقومها فان النفس ربما طبعت على اخلاق سيئة او تسرب اليها بالخلطة ومعاملة الاخلاق ومعاملة الاخلاط اخلاق سيئة. فلا بد من نفيها عن النفس. واذا لم يكن العبد المحاسبة لنفسه ربما سرت اليه اخلاق لا يلحظها حتى تغلب عليه. فكم من منا صار الان يغضب وهو قبل لا يعرف نفسه بالغضب. وانما حل به الغضب لاجل امر ما اكتنفه في حال من احواله ثم استولى عليه مع طول المدة. فان لم يرقب هذه الاخلاق ويتعاهدها بنفي سيئها واجتباء حسنها والا وقع له من اخلاقه ما يسوؤه. لكن من داوم رياضة نفسه على الاخلاق حسنة وتطبع بالخلال الفاضلة فانه قمن بان يدرك ما ارشد اليه النبي صلى الله عليه وسلم من الخلق الحسن. نعم. احسن الله اليك. الحديث التاسع عشر. عن ابي العباس عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال يا غلام اني اعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تزيد تجاهك. اذا اذا سألت فاسأل الله. واذا استعنت فاستعن بالله. واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك. وان اجتمعوا على ان يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك. رفعت الاقلام وجفت الصحف رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وفي رواية غير الترمذي احفظ الله تجده امامك. تعرف الى الله يعرفك في الشدة واعلم ان ما اخطأك لم يكن ليصيبك وما اصابك لم يكن ليخطئك. واعلم ان النصر مع الصبر. وان الفرج مع الكرب ان مع العسر يسرا؟ هذا الحديث اخرجه الترمذي في جامعه بهذا اللفظ لكن قال ولو اجتمعوا على ان يضروك بشيء خلاف ما اثبته النووي هنا واسناد الحديث حسن. اما الرواية الاخرى التي عند غير الترمذي فرواها عبد بن حميد في مسنده باسناد ضعيف. وسياقه اتم. ولجمله المذكورة شواهد يثبت بها سوى قوله فيه واعلم ان ما اخطأك لم يكن ليصيبك وان ما اصابك لم يكن ليخطئك فورود هذه الجملة في وصية النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس لم تروى من وجه قوي وان كانت مروية خارج هذه الوصية باسانيد ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم. لكن المقصود انه ورودها في الوصية روي باسناد ضعيف. واما بقية الجمل التي عند الترمذي وعبد ابن حميد مما ساقه اصنفها هنا فانها في رتبة الحسن اما لذاتها كرواية الترمذي. واما لغيره رواية عبدي بن حميد سوى ما استثنيناه من الجملتين المذكورتين. وفي هذا الحديث الارشاد الى حفظ امر الله عز وجل. وامر الله عز وجل نوعان. احد امر الله القدري. والاخر امر الله الشرعي فحفظ امر الله القدري يكون بالصبر على الاقدار. فحفظ امر الله القدري يكون بالصبر على الاقدار. وحفظ امر الله الشرعي يكون بامتثال خطاب الشرع تصديقا وامرا ونهيا يكون بامتثال خطاب الشرع تصديقا وامرا ونهيا فاذا وفى العبد لهذين الامرين كان حافظا. امر الله سبحانه وتعالى ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم جزاءه فقال احفظ الله يحفظك اوكي وفي الرواية الاخرى وفي الجملة الثانية احفظ الله تجده تجاهك امي التاء وتفتح وتكسر ايضا فهي مثلثة كما في القاموس وغيره. وقال في الرواية الاخرى احفظ الله تجده امامك. فمن حفظ امر الله قال نوعين من الجزاء. احدهما نصر الله وتأييده نصر الله وتأييده. والاخر حفظ الله له. والاخر حفظ الله له والفرق بين المقامين ان الاول مقام رعاية. وان الثاني مقام وقاية ان الاول مقام رعاية. وهو حفظ وهو تأييد الله ونصره له. وان الثاني وهو حفظ الله له مقام وقاية فيكتنفه الله عز وجل بوقايته ورعايته ايته فتكمل حال الحفظ له. وهي الحال الكاملة التي اوتيها النبي صلى الله عليه سلم فانه فاز من ربه بالحفظ التام الكامل رعاية ووقاية. وقوله رفعت الاقلام وجفت وجفت الصحف اشارة الى ثبوت المقادير. والفراغ من كتابتها فما الله عز وجل على الخلق من خير او شر قد فرغ منه. واثبت في صحف المقادير وقوله تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشدة مشتمل على عمل وجزاء فاما العمل فمعرفة العبد ربه. واما الجزاء فمعرفة الرب عبده فاما العمل فمعرفة العبد ربه. واما الجزاء فمعرفة الرب عبده فمن عرف ربه عملا عرفه الله سبحانه وتعالى جزاء وهذا معنى قوله تعرف الى الله في الرخاء اي عملا يعرفك في الشدة اي جزاء. ومعرفة العبد ربه نوعان ومعرفة العبد ربه نوعان احدهما معرفة تتضمن الاقرار معرفة تتضمن الاقرار بربوبيته. وهي معرفة يشترك فيها المؤمن كافر والبر والفاجر. والاخر معرفة تتضمن الاقرار بالوهيته معرفة تتضمن الاقرار بالوهيته وهي معرفة تختص بالمؤمن دون غيره ومعرفة الرب عبده نوعان ايضا. ومعرفة ومعرفة الرب عبده نوعان ايضا. احدهما معرفة عامة. تتضمن علم الله به واحاطته تتضمن علم الله به واحاطته والاخر معرفة خاصة تتضمن نصر الله عز وجل العبد وتأييده. تتضمن نصر الله العبد وتأييده. فاعظم النوعين الاولين معرفة الالوهية واعظم النوعين الاخيرين معرفة النصر والتأييد. فمن كملت معرفته بالله تألها كملت معرفة الله عز وجل به تأييدا وتسديدا. وباب معرفة الله عز وجل من اجل وبالديانة التي ينبغي ان يفرغ فيها العبد وسعه في معرفة الرب عز وجل فان اكد المعارف المطلوبة هي معرفة الله عز وجل. وبها شرف من شرف. فان النبي صلى الله عليه وسلم صار عند ربه بالمقام الاعلى والرتبة الاسمى لكمال معرفته بربه وكمال معرفة ربه به. ففي الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان اعلمكم لله واخشاكم له انا. فلما كمل علمه صلى الله عليه وسلم لربه كمل الله عز وجل مقامه. فينبغي ان يجتهد العبد في معرفة الله. فانها اهم العلوم التي تطلب. ومن جميل الحكايات في الاخبار عن الماضين ان سيبويه صاحب النحو رؤي بعد موته فقيل له ما فعل الله به؟ فقال غفر لي. فقيل له بما غفر لك؟ فقال بقول الله اعرف المعاني. قال بقول الله اعرف المعارك. فلما كانت هذه الكلمة التي ذكرها في الدلالة على العلم الموضوع لربنا عز وجل وهو اسمه الاحسن. الله جزاه الله عز وجل بالمغفرة له فكلما ازداد العبد معرفة بربه ازداد ربه اليه احسانا. وكتب الزهد للسلف رحمهم الله تعالى طافحة بهذا المعنى وهو اجل مقاصد كتبهم. فينبغي ان يعتني طالب العلم بقراءة كتب الزهد التي صنفها الاوائل كالزهد للامام احمد والزهد لصاحبه ابي داود السجستاني والزهدي لوكيع بن الجراح والزهدي لهنادي بن السري والزهدي لابي بكر البيهقي والزهدي ابن موسى فان هذه الكتب تغنيك بما فيها من احوال السلف من الصحابة والتابعين واتباع التابعين عما المتأخرون في باب معرفة الله عز وجل لما دخل من الدغل في كلام المتأخرين في باب المعرفة. فالسلامة في ان تنظر الى ما عبر به السلف رحمهم الله تعالى عما وجدوه من معاني ذلك في الكتاب والسنة. فاذا وقفت على ذلك فاجتهد في تلمس طريقهم والسير بسيرهم والاهتداء الى ابواب معرفة الله عز وجل التي بها وتعظم واذا كان احدنا يفرح اذا عرفه عظيم من عظماء الخلق فان الفرح بمعرفة الله عز وجل عند العالمين بالله وامره اعظم واجل. فلا تحرمن هذا الخير بكسلك. نعم. احسن الله اليكم الحديث العشرون عن عن ابي مسعود عقبة ابن عمر الانصاري البدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى مما ادرك الناس. احسن الله اليك. ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى اذا لم تستحي فاصنع ما شئت. رواه البخاري. هذا الحديث اخرجه البخاري. باللفظ المذكور. لكن نسخ البخاري اختلفت في جزم فعل الامر ففي بعضها تستحي بدون وفي بعضها تستحي بياء لان الفعل المذكور فيه لغتان احداهما بياء واحدة والاخرى يا عيني فعلى اللغة الواحدة اذا جزم حذف حرف العلة فلم يبق ياء فيه وعلى اللغة الثانية اذا حذف حرف العلة بقيت ياء ثانية فكلاهما لغة صحيحة ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم ان مما ادرك الناس من كلام النبوة الاولى اي مما اثر من كلام الانبياء فصار شائعا في الناس ذائعا بينهم. يتناقلونه جيلا بعد جيل هو هذه الكلمة اذا لم تستح فاصنع ما شئت. وقوله صلى الله عليه وسلم فاصنع ما شئت يحتمل معنيين صحيحين. يحتمل معنيين صحيحين احدهما ان يكون امرا على ظاهره ان يكون امرا على ظاهره والمعنى اذا كان ما تريد اذا كان ما تريد فعله مما لا يستحي منه فافعله. اذا كان ما تريد فعله ومما لا يستحي منه فافعله فلا تثريب عليه. والثاني ان يكون الا يكون من باب الامر الذي تقصد به حقيقته. الا يكون من باب الامر الذي تقصدوا به حقيقته. بل هو امر بمعنى التهديد. او امر بمعنى الخبر. بل هو امر بمعنى التهديد او امر بمعنى الخبر. فعل الاول يكون التهديد له اذا لم تستحي ولم يكن لك حياء يمنعك فاصنع ما شئت فستلقى جزاءه. فهو تهديد له على فعله ما لا يستحي منه بجرائته على ذلك. واما المراد بالخبر فهو خبر عن حال الناس ان من استحيا منهم لم يصنع ما يستحيا منه. وان من لم يستحي منه ان من لم يستحي منه فانه يصنع ما بدا له. فيكون خبرا عن حال الناس. وكلا المعنيين صحيح فيحتمل ان ليكون هكذا او كذلك. والشريعة تصدق هذين المعنيين. نعم. احسن الله اليكم الحديث الحادي والعشرون عن ابي عمرو وقيل وقيل ابي عمرة سفيان ابن عبد الله رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله قل في الاسلام قولا لا اسأل عنه احدا غيرك. قال قل امنت بالله ثم استقم. رواه مسلم. هذا الحديث اخرجه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ الا انه قال قل امنت بالله فاستقم بعطف ذلك لا ثم فهو الموجود بالنسخ التي بايدينا. وحقيقة الاستقامة شرعا طلب اقامة النفس على الصراط المستقيم. طلبوا اقامة النفس على الصراط المستقيم. وتقدم ان الصراط المستقيم هو الاسلام كما ثبت في حديث النواس ابن سمعان رضي الله عنه عند احمد باسناد لا بأس به فالمستقيم هو المقيم على شرائع الاسلام باطنا وظاهرا. فالمستقيم هو المقيم على شرائع الاسلام باطلا وظاهرا. ولذلك امر الاستقامة لا كما يتفهمه الناس من قولهم فلان مستقيم. فان اقامة النفس على الشرع تحتاج الى ملاحظة كثير من الامور في السر والجهر والعلن والخفاء فيما يتعلق بمعاملة العبد ربه بينه وبينه وبما يتعلق بمعاملة العبد غيره من الناس. لكن يرجى للعبد اذا اجتهد في طلب سلوك الصراط المستقيم ان يجعله الله سبحانه وتعالى مستقيما. وكان السلف رحمهم الله تعالى يعظموا هنا نسبة انفسهم الى العمل الصالح ويستقبحون ذلك لانهم يرون انفسهم دون ما يبتغى منهم في امتثال امر الله سبحانه وتعالى. ولهذا قيل عبد الله ابن عمر رضي الله عنه انك ممن تقبل الله عمله. يعني من الصحابة فقال لو اعلم ان الله تقبل من اني ركعتين لقلت اني من اهل الجنة. ثم تلا قول الله عز وجل انما يتقبل الله من المتقين انما يتقبل الله من المتقين. فاستعظم الامر وفي تفسير ابن جرير عند هذه الاية ان بعض عباد الكوفة لما ذكر بعمله الصالح الذي كان له قال فاين قول الله تعالى انما فيتقبل الله من المتقين. فالامر شديد لكن اذا اجتهد الانسان وتحرى سلوك الصراط المستقيم رجي له ان يكتبه الله سبحانه وتعالى في حزب المتقين المستقيمين على شرعه. ومما ينبه اليه اننا ذكرنا فيما سلف ان الاسلام جعلت فيه اسماء لاهله. افرادا وجمعا فمن الافراد تسمية المنتسب اليه مسلما او مؤمنا او محسنا او عبدا لله ومن الجمع تسمية المنتسبين اليه مسلمين او مؤمنين او عبادا لله عز وجل وما عدا ذلك فانه يطرح. ومن جملة ذلك ما تواطأ عليه الناس باخرة. من قولهم فلان ملتزم فان هذا اللفظ لفظ اجنبي عن الكتاب والسنة ولا يصادف المأمور به من امتثال الخطاب الشرعي. ولم يسمى الممتثل للخطاب الشرعي ملتزما. وانما سمي مطيعا او مستقيما او مسلما او مؤمنا او محسنا. والالتزام لا يفي بهذا المعنى. وانما نشأ اذا الدعاة متولدا من الدعوات القديمة التي كانت للاحزاب الاشتراكية والقومية فكانوا يسمون من ينضم الى الحزب ملتزما به ثم سرى هذا اللفظ من ذلك المقام الى مقام المنتسب الى الشرع وعوض عن الحقائق الشرعية التي رتبتها الشريعة فمثله يهجر ويطرح للاستغناء عنه بما سمانا الله سبحانه وتعالى به. واذا قيل فلان ملتزم فبما يلتزم. فان الالتزام يكون بالخير ويكون بالشر فمن الناس من يلتزم دأبه صباحا ومساء انواعا من الشرور. وانما يتميز من انتسب الى الشرع بما فجعل الله عز وجل له من الاسماء كالمطيع او المحسن او المسلم او المؤمن او غيرها من الاسماء الشرعية. نعم احسن الله اليكم الحديث الثاني والعشرون عن جابر ابن عبد الله الانصاري رضي الله عنهما ان رجلا سأل رسول الله صلى الله الله عليه وسلم فقال ارأيت اذا صليت الصلوات المكتوبات؟ وصمت رمضان واحللت واحللت الحلال وحرمت الحرام ولم ازد على ذلك شيئا اادخل الجنة؟ قال نعم. رواه مسلم. ومعنى حرمت الحرام اجتنبته ومعنى احللت الحلال فعلته معتقدا حلة؟ هذا الحديث اخرجه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ معنى قول الرجل واحللت الحلال اي اعتقدت حله. وقيد الفعل الذي ذكره المصنف فيه لماذا؟ لماذا قيد الفعل الذي ذكره المصنف فيه نظر في الحلال لماذا ليس شرطا؟ لان افراد المباح ليس الفعل مطلوبا لان افراد المباح لا يمكن حصرها بالفعل فيه اعتقاد حل الحلال ولو لم يفعله. فاذا اعتقد ان نوعا من الاكل او الشراب او غيره هو حلال مأذون به كفاه ذلك الاعتقاد في ان يكون ممن احل الحلال اي اعتقد كونه حلالا ولو لم يتعاطاه فان تعاطي انواع الحلال جميعا مما يشق ويعسر. ومعنى قوله وحرمت الحرام اي اعتقدت حرمته مع اجتنابه. اي اعتقدت حرمته مع اجتنابه. فلا بد من قيد الاعتقاد مع الاجتناب فان ابى هو المباعدة والترك. هو المباعدة والترك. ولا تتم هذه المباعدة الا بان يعتقد العبد بانه حرام ولو حبس الانسان نفسه عن امر ما كالزنى او الخمر فلم تناوله بل اجتنابه لكن لم يعتقد حرمته فانه لا يكون محرما للحرام. وانما يكون محرما في الحرام اذا اجتنبه معتقدا حرمته. وارشد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل الى ما يحصل به جزاؤه في دخول الجنة بقوله نعم. وتقدير الكلام نعم اذا صليت الصلوات المكتوبات وصمت رمضان واحللت الحلال وحرمت الحرام دخلت الجنة لان من القواعد الفقهية ان السؤال معاد في الجواب ان السؤال معاد في الجواب قال الناظم ثم السؤال عندهم معاد قل في الجواب لما افادوا ثم السؤال عندهم معاد قل في الجواب حسب ما افادوا. ذكره ابو بكر الاهدل في رائد البهية في نظم القواعد الفقهية. واهمل ذكر الزكاة والحج. مع كونهما من الاسلام الظاهرة اللازمة للخلق لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من حال السائل انه لا مال له تبكيه ولا استطاعة له على الحج فيحج. ففي الحديث بيان ان هذه الاعمال من موجب لباس الجنة اما بالدخول اليها ابتداء واما بالمصير اليها انتهاء بعد النال في حق من عجب فيها وهذه الاعمال هي كلها تحت رحمة الله عز وجل وفضله فان الخلق لا يبلغون قدر ما يجب عليهم من شكر الله فيما اوجب عليهم من العمل حتى يستحقوا عليه الجنة. ولكن الله عز عز وجل يتفضل على المحسن ويرحمه فيدخله الجنة. ولو اخذ الناس بما يلزمهم من حق الله لم يكن القائم بحق الله الا قليل. ولكن الخلق تحت فضل الله عز وجل ورحمته وهو سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم ذو الفضل العظيم. ولو قدر ان يقوم انسان بما يلزمه من حق الله عز وجل فانه لا يكافئ على وجه العوض والمقابلة ما انعم الله سبحانه سبحانه وتعالى عليه من النعم الظاهرة والباطنة. وقد ذكر في اخبار بعض عباد بني اسرائيل في كتب الزهد انه لما اقيم بين يدي الله عز وجل وكان تفرغ لعبادة الله سبعين سنة فلما اقيم بين يدي الله قال له الله عز وجل يا عبدي ادخلك الجنة الجنة بعملك ام برحمتي؟ فقال المغرور بنفسه الواثق بعمله بل بعملي يا رب. فقال الله لملائكته خذوا عبدي الى النار. فقال الرجل يا رب اتجعلني من اهل النار وقد عبدتك سبعين سنة. فقال الله يا عبدي اذكر ليلة كذا وكذا لما ضرب عليك عرق في رأسك؟ قال نعم يا رب. قال فان ان شكر نعمة تسكين ذلك العرق تعدل عبادة سبعين سنة. فهذا العبد اغتر بعمله يلاحظ ان الله عز وجل لما ضرب عليه عرق في رأسه سكنه الله عز وجل عنه. انظر الى نفسك انت لو لج بك ضرس او ارتعش منك طرف او اضطرب منك اضطربت منك جارحة كيف تكون حالك؟ فلا ينبغي ان يغتر الانسان بعمله فليجتهدوا في التقرب الى الله سبحانه وتعالى بالعمل ويرجو رحمة الله سبحانه وتعالى وفضله. نعم. احسن الله اليكم. الحديث الثالث والعشرون عن ابي ما لك الحارس ابن عاصم الاشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الايمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله لله تملآن او تملأ ما بين السماوات والارض. والصلاة نور والصدقة برهان. والصبر ضياء. والقرآن حجة لك او عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها او موبقها. رواه مسلم. هذا الحديث اخرجه مسلم في صحيح بهذا اللفظ. وقوله صلى الله عليه وسلم فيه الطهور شطر الايمان هو بالظم الطاء من الطهور. ويراد به فعل الطهارة. فمعنى الحديث التطهر الايمان والشطر هو النصف. والطهارة المرادة في هذا الحديث هي الطهارة المذكورة في كتب الفقهاء بالوضوء والغسل والتيمم. وادرك المصنفون في الحديث كمسلم وابي داوود والنسائي هذا الحديث في كتاب الطهارة فالمراد بالطهارة في هذا الحديث الطهارة الحسية وضوءا وغسلا وتيمما واختلف اهل العلم في كيفية وقوع الطهارة شطرا للايمان على قولين في بيان حقيقة الايمان. فالقول الاول ان المراد بالايمان خصاله واجزاؤه. ان المراد بالايمان خصاله واجزاؤه فانها تطهر الباطن. وتكون الطهارة الحسية مطهرة للظاهر. فيكون معنى الحديث الطهور شطر الايمان اي شطر شرائط الايمان فالطهور شطر يطهر الظاهر وبقية شرائع الايمان تطهر الباطن والقول الثاني ان المراد بالايمان في هذا المقام الصلاة. ومنه قوله تعالى وما كان الله ليضيع ايمانكم يعني صلاتكم فانها نزلت في من مات ممن كان يستقبل بيت المقدس قبل تحول الى الكعبة كما في حديث البراء ابن عازب في الصحيحين واصح القولين هو القول اول وان المراد بالايمان شرائعه وخصاله فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم الطهور شطر الايمان يعني الطهارة الحسية هي شطر الايمان. ووجه ذلك التشطير هو ان الطهارة الحسية تطهر الظاهر وان الطهارة وان بقية شرائع الايمان تطهر الباطن. فاذا توضأ الانسان او اغتسل او تيمم فقد طهر ظاهره. واذا صلى الانسان او زكى او حج او بر والديه فقد طهر باطنه وموجب ذلك هو حديث علي عند اصحاب السنن ان النبي صلى الله عليه وسلم قال قال مفتاح الصلاة الطهور. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الطهور بمنزلة المفتاح والمفتاح لا يبلغ شطر الشيء فلا يبلغ الطهور ان يكون شطر الصلاة فيكون موافقا لقول من قال ان المراد بالايمان ها هنا الصلاة فيكون الطهور الطهور اي التطهر لها شطرها لانه لا يبلغ ذلك وانما هو بمنزلة مفتاح الذي يولج به الى داخل شيء. فالصحيح بمعنى هذه الجملة ما ذكرنا انفا من ان الطهارة المرادة هي الطهارة الحسية وان المراد بالايمان هي خصاله واجزاؤه التي يتركب منها وان المراد بمعنى الحديث حينئذ ان التطهر بالوضوء والغسل او التيمم بدلا عنهما يطهر الظاهر وان بقية شرائع الايمان تطهر الباطن. ثم قال صلى الله عليه وسلم وسبحان الله والحمد لله تملآن. او تملأ ما بين السماء والارض هكذا على الشك. فيما يملأ ما بين السماء والارض هل كل كلمة من الكلمتين تملأ ما بين السماء والارض؟ فيكون معنى الحديث سبحان الله تملأ ما ما بين السماء والارض والحمد لله تملأ ما بين السماء والارض او ان الرواية ان الكلمتين اذا قنتا صارتا ملء ما بين السماء والارض. والصحيح في هذا الحديث هو رواية النسائي وابن ماجه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال والتسبيح والتكبير يملأ او ما بين السماء والارض والتسبيح والتكبير يملأ ما بين السماء والارض. وموجب ترجيحها امران احدهما بالنظر الى الرواية بالنظر الى الرواية فان رواية النسائي وابن ماجه اوثق رجالا واصح اسنادا فتقدم على رواية مسلم وتقديم صحيح مسلم على كتب السنن لا ان يكون كل اسناد فيه اصح من كل اسناد عند غيره من اصحاب السنن. وانما هو تقديم في الغالب فهو اصل كلي. وتخلف بعض الافراد لا يقدح في الاصل الكلي. واما الامر الثاني الى الدراية فبالنظر الى الدراية فان الحمد تملأ الميزان كما في صدر الحديث والحمد لله تملأ الميزان. فكيف اذا قرنت بكلمة اخرى وهي سبحان الله قل قدرها. فلا تملأ الا ما بين السماء والارض فان ملء الميزان اعظم من ملء السماء والارض. فالرواية المقدمة رواية ودراية هي لفظ النسائي وابن ماجه والتسبيح والتكبير تملأ او قال ملء السماء الارض فهي المقدمة المعتد بها. ثم قال صلى الله عليه وسلم والصلاة نور والصدقة والصدقة برهان والصبر ضياء. فمثل النبي صلى الله عليه وسلم الاعمال المذكورة بمقادير من الانوار. فالصلاة نور مطلق. فالصلاة نور مطلق والصدقة برهان. والبرهان اسم للشعاع الذي يحيط بقرص الشمس والبرهان اسم للشعاع الذي يحيط بقرص الشمس. والصبر ضياء وهو النور الذي يكون معه حرارة واشراق دون احراق. وهو النور الذي يكون مع اشراق وحرارة دون احراق. فهذه الاعمال الثلاثة متدلية في مقاديرها من الانوار فاعلاها الصلاة فانها نور مطلق. ودونها الصدقة فانها برهان ودونها الصبر فانه ضياء. وتقرير هذه الاعمال بما ذكر من المقادير الانوار يتعلق به شيئان. احدهما انتفاع الروح بها. احدهما دفاع الروح بها فان انتفاع الروح بها يكون بحسب مقاديرها. فانتفاع الروح بالصلاة اعظم من انتفاعها بالصدقة وانتفاعها بالصدقة اعظم من انتفاعها بالصبر. والاخر حصول الجزاء عليها وفق تلك المقادير حصول الجزاء عليها وفق تلك المقادير. فالصلاة اعظم جاء من الصدقة والصدقة اعظم جزاء من الصبر. ووقع في بعض نسخ صحيح مسلم قوم ضياء والصوم ضياء والصوم فرض من افراد الصبر وهو من اعظم ما امر الله سبحانه وتعالى به من الصبر لما فيه من الامساك عن المألوفات وفطم النفس عما تشتهيه وتميل اليه وقوله صلى الله عليه وسلم اخرا كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها او اي كل الناس يذهب اول النهار. فالغدو اسم للذهاب في اول النهار. فكل الناس يسعون فمنهم من يسعى في عتق نفسه ومنهم من يسعى في ايباقها اي في اهلاكها بما يأتي كل من الاعمال فمن اتى الاعمال الصالحة اعتق نفسه مما يخشى عليه منها ومن تدارك ومن استهلك قوته ونفسه في الاعمال غير الصالحة فانه يوبق نفسه ويهلكها بهذه الاعمال فتستحق العذاب من الله عليها. نعم احسن الله اليكم. الحديث الرابع والعشرون عن ابي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه جل وعز وجل انه قال يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عباد كلكم ضال الا من هديته فاستهدوني اهدكم. يا عبادي كلكم جائع الا من اطعمته. فاستطعموني اطعمكم يا عبادي كلكم عار كلكم عار الا من كسوته فاستكسوني اكسكم. يا عبادي انكم تخطئون بالليل وانا اغفر الذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم. يا عبادي انكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني هذا الحديث موجه لمن لمن؟ موجه لنا. موجه لنا فانت وانت تقرأ هذا الحديث وتسمعه فاستحظر انك مخاطب به. لا تنشغل بما يقطعك عن ذلك وهذه بليتنا اننا لا نصغي سمعا الى ما ينفعونه ونصغي الى كلام المتكلم من المعلمين الانتفاع بكلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه اعظم من الانتفاع بمن يبين معاني ذلك من المخلوقين. لكن قدر الانتفاع على قدر صدق الاقبال. فاذا اقبل الانسان على كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما واجلالا فتحت له معانيه ونهل من ينابيعه واذا كان الانسان يقلب الصفحات ينتظر ان ينتهي الكتاب ولا يسمع هذا الحديث فلاي شيء يجلس؟ لاي شيء يجلس اذا لم يكن همه ان علم خبر النبي صلى الله عليه وسلم وصدق عبدالله المبارك اذ قال لا تأتين بذكرنا مع ذكرهم ليس صحيح اذا مشى كالمقعد فان من الاخبار المنقولة عن السابقين ان احد الطلبة لما كان يقرأ الاربعين النووية على ابن مرزوق الحفيد احد المغرب الاوسط مما يسمى اليوم بالجزائر كان اذا قرأ عليه حديثا بكى بكاء عظيما اذا قرأ عليه حديث من الاربعين النووية قبل ان يشرع في بيان معانيه يبكي بكاء عظيم. لماذا؟ لشهوده عظمة هذه الاحاديث هذا كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. وهذه جوامع اخباره صلى الله عليه وسلم. فاذا فاتت فرفقته في الدنيا فلا تفوتك اخباره في الدنيا ان تسمعها وتصغي اليها باقبال قلب. نعم اعد الحديث. احسن الله اليكم. الحديث الرابع والعشرون عن ابي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما ما يرويه عن ربه عز وجل انه قال يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عباد كلكم ضال الا من هديته فاستهدوني اهدكم. يا عبادي كلكم جائع الا من اطعمته. فاستطعموني اطعمكم يا عبادي كلكم عار الا من كسوته. فاستكسوني اكسكم. يا عبادي انكم تخطئون بالليل والنهار وانا اغفر ذنوب جميعا فاستغفروني اغفر لكم. يا عبادي انكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكه شيئا يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا. قاموا على صعيد واحد فيه يا عبادي لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد سألوني فاعطيت كل انسان مسألتهما نقص ذلك مما عندي شيئا الا كما ينقص مما عندي احسن الله اليكم. ما نقص ذلك مما عندي الا كما ينقص المخيط اذا ادخل البحر. يا عبادي انما هي اعمالكم احصيها لكم ثم اوفيكم اياها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه. رواه مسلم هذا الحديث اخرجه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ. واوله في النسخ التي بايدينا فيما روى عن الله تبارك وتعالى. وقوله تعالى فيه يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي الى اخره فيه بيان حرمة الظلم من وجهين. فيه بيان حرمة الظلم من وجهين احدهما خبره سبحانه وتعالى عن نفسه انه حرم عليها الظلم. خبره سبحانه وتعالى عن نفسه انه حرم عليها الظلم. والاخر التصريح بالنهي عنه. في قوله تعالى واني جعلته بينكم محرما فلا تظالموا. التصريح بالنهي عنه في قوله تعالى واني حرمت الظلم عليكم فلا تظالموا. والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه. والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه. هذا احسن ما قيل في بيان حقيقته وهو اختيار ابو العباس ابن تيمية الحفيد في رسالته في شرح هذا الحديث. فان معلمينا من النظار مختلفون في بيان حقيقة الظلم على انحاء لا يسعها المقام. لكن احسن وما قيل في ذلك مما هو سالم من الاعتراض والايراد عليه ان الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه وقوله تعالى فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه هذه جملة لها معنيان صحيح ان هذه الجملة لها معنيان صحيح ان فالاول ان انها امر على حقيقته. انها امر على حقيقته. فمن وجد في الدنيا خيرا قال فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه. فانه اتي من قبل لنفسه فليعد عليها باللوم والعدل. فتكون الجملة مرادا بها الامر مبنا ان والثاني انها امر يراد به الخبر انها امر يراد به الخبر بان من وجد خيرا في الاخرة فسيحمد الله. لان من وجد خيرا في الاخرة فسيحمد الله ان وجد غير ذلك فانه يلوم نفسه ولا تمندم. ومن وجد غير ذلك فانه يلوم نفسه ولا تمندم فهو خبر عما ستؤول اليه حال الناس في الاخرة. والمعنيان مذكوران كلاهما صحيح. فالاول يتعلق بالدنيا والثاني يتعلق بالاخرة. فالاول يتعلق بالدنيا والثاني يتعلق بالاخرة. كيف يكون الاول يتعلق بالدنيا نعم ايش؟ العمل ان من عمل عملا سيجد اثره. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فليلوما نفسه فانه من ذنبه اتي. قال ابو العباس ابن تيمية الحفيد اذا عملت لله طاعة فلم تجد لها اثرا فاتهم نفسك فان الرب شكور اذا عملت طاعة فلم تجد لها اثرا فاتهم نفسك فان الرب شكور انتهى كلامه والمعنى ان من احسن لله في عمله فسيجد اثر ذلك الطاعة فيما يسبغ الله عليه من الفضل في روحه الباطنة وفي جوارحه الظاهرة وما يرزقه من سعة الحال وحسنه وان وجد غير ذلك فليتهم نفسه فانه اتي من تقصيره. ولكن شهود هذا التقصير يخفى على كثير من الناس لكثرة الذنوب. وقد ذكر ابو العباس ابن تيمية ان ابا عثمان النيس ابو لي خرج يوما الى الجمعة غاديا فانقطع شسع نعله والشسع اسم للحبل الواصل بين سير الحذاء لاصبع الابهام وبقية الاصابع. فقال اعلم من اين اوتيت؟ اؤتي في ايش؟ في قطع شزع النعل. قال اعلم من اين اوتيت ذلك اني خرجت الى الجمعة ولم اغتسل خرج الى الجمعة ولم يغتسل امر يسير عند الخلق ووقع شسع النعل منقطعا امر يسير عند الخلق ولكن لكمال حاله عرف من اين اوتي ولنقص احوالنا لا نعرف من اين نؤتى قال الفضيل بن العياض اني لاعرف اثر ذنبي. اني لاعرف اثر ذنبي في خلق زوجي ودابتي اذا تغير عليه اخلاق زوجه او دابته عرف ان هذا بذنب اصابه لان الله سبحانه وتعالى شكور للخلق. ان احسنوا افاض عليهم الاحسان. واذا غفل الانسان عن مثل هذا هذه المعاني لا يدري من اين يؤتى فتتراكم عليه الخطيئات وتتزايد عليه المصيبات ثم يقول لا ادري من اين اوتيت. وانما اوتيت من نفسك فيداك اوكتا وفوك نفخ. فينبغي ان يتعاهد كانوا نفسه فانه يجد عادل اثر عمله اما برا واحسانا واما شقاء وعناء فلا يغيبن عن وهلك هذا المعنى ومن استحضره في الصغار استحضره في الكبار ومن غفل عنه في الصغار غفل عنه في الكبار فالذي تعثر قدمه اذا مر مع درج ثم عاد باللوم بعد نهضته على من صنع هذا الدرج ومن رتبه قياسا وهندسة وغفل عن نفسه. من انه ربما اتي في هذه العثرة من ذنب اصابه فعجل الله له عقوبته في عثرة قدميه. فاذا لم يعود المرء نفسه على ما صغر لم يستطع ان يروظ نفسه على ما كبر. ولذلك تجد بعظ الناس كما ذكر ابو الفرج ابن الجوزي في صيد الخاطر. اذا مس لهم السوء ظهر اعتراضهم على الله عز وجل في اقداره. فتجد من المرظى من يئن فيقول لماذا تقدر علي يا ربي هذا؟ وهذا العبد انما وصل الى هذه الحال فخذل لانه لم يعتد دوام ملاحظة حاله من تقصيره في جناب الله سبحانه وتعالى. فهذا معنى ما ذكرناه بان الاول متعلق بالدنيا وان الثاني متعلق بالاخرة اذا صار الناس الى دار الجزاء فانهم يجدون حصاد ما عملوا وقد روى البخاري عن علي معلقا وصله ابو نعيم الاصبهاني في كتاب الحلية باسناد جيد ان قال يا ايها الناس ان الدنيا ولت مدبرة وان الاخرة جاءت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من ابنائي الاخرة ولا تكونوا من ابناء الدنيا. فاليوم عمل ولا حساب. وغدا حساب ولا عمل الانسان سيجد حصاد عمله فمن وجد خيرا فسيحمد الله. ولذلك يقول اهل الجنة اذا انتهوا الى الجنة الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله. ومن وجد غير ذلك فانه يعض اصابعه من الندم. نعم. احسن الله اليك. الحديث الخامس والعشرون عن ابي ذر رضي الله عنه وارضاه ان اناسا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ذهب اهل الدثور بالاجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول اموالهم. قال اوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ ان بكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة ولكل ولكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وامر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة. وفي بضع احدكم صدقة قالوا يا رسول الله ايأتي احدنا شهوته ويكون له فيها اجر؟ قال ارأيتم لو وضعها في حرام اكان عليه فيها وزر؟ فكذلك اذا وضعها في الحلال كان له كان له اجر. رواه مسلم. هذا الحديث واخرجه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ. ورواه في موضع اخر مختصرا مع زيادة في اوله وقول الراوي في الحديث ذهب اهل الدثور اي اهل الاموال. وقوله اوليس جعل الله لكم ما تتصدقون الحديث فيه بيان حقيقة الصدقة شرعا. وان الصدقة شرعا اسم جامع لانواع المعروف والاحسان اسم جامع لانواع المعروف والاحسان وهي نوعان ان احدهما صدقة مالية صدقة مالية وهي التي يبذل فيها المال والاخر صدقة غير مالية. وهي التي لا يبذل فيها المال كالتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. ففي ذلك بيان سعة ابواب الصدقة وان من لم يجد صدقة مالية وسعه ان يتصدق بغير ذلك من انواع الصدقة غير المالية وقوله في الحديث وفي بضع احدكم صدقة البضع بضم الباء اسم يكنى به عن الفرج. ويطلق ايضا على الجماع. فيصح ان يكون كلاهما مرادا في الحديث قاله المصنف رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم وقوله ارأيتم لو انه لارأيتم لو وضعها في حرام الحديث ظاهره ان العبد يؤجر على المباح ولو لم تكن له نية صالحة فيه. ظاهره ان العبد يؤجر على المباح ولو لم تكن له نية صالحة فيه بل تناوله مباحا. والصحيح ان هذا الظاهر مع معدول عنه حملا لهذا الحديث بما قيد به عمل المباح في احاديث اخرى من ان العبد لا يؤجر على المباح الا اذا انضمت اليه نية صالحة. فلا توابع على المباح الا بنية وهذا معنى قول الفقهاء لا ثواب الا بنية. اي لا يوجد للعبد ثواب الا بوجود نية قصد العمل فاذا اقترن المباح بنية صالحة اجر العبد عليها. فمن نكح امرأة وقصد بذلك اعفاف نفسه واعفافها وتحصيل ولد صالح بعده وزيادة هذا الامة وسعة الرزق بسبب الذرية كانت هذه نية صالحة له يحوز بها الاجر على ذلك فان تعاطى المباح مجردا عن هذه النيات الصالحة فان انه لا ثواب عليه فاطلاق هذا الحديث يحمل على ما ورد مقيدا من الاحاديث الصحاح مما يدل على ان الثواب على المباح لا يكون الا بنية وهذا من فضل الله عز وجل على عباده ان يتعاطى احدهم مباحا احله الله عز وجل فينوي فيه نية قلبية فيقرب الله عز وجل ذلك المباح الى مأجور فيكون من القربات التي يتقرب بها الانسان كالنكاح فيما ذكرنا نيته او كالاكل والشرب اذا اراد الانسان التقوي على طاعة الله او كالنوم اذا اراد الانسان ان يتقوى بنومته على طاعة الله سبحانه وتعالى قال معاذ بن جبل رضي الله عنه اني لاحتسب على الله نومتي كما احتسب عليه يعني يحتسب الاجر والثواب على الله عز وجل حال كونه نائما كما يحتسب ذلك اثناء يقظته فيما يأتيه من الاعمال الصالحة وهذا اخر البيان على هذه الجملة من الكتاب وبتمامه يتم المجلس الثاني من شرح الاربعين النووية ونستكمل بقيته ان شاء الله تعالى غدا بعد صلاة الفجر والحمد لله رب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه اجمعين