الحمد لله الذي جعل للخير مفاتيح. والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد المبعوث بالدين الصحيح على اله وصحبه اولي الفضل الرجيع. اما بعد فهذا المجلس الثاني في شرح الكتاب الاول من برنامج مفاتيح العلم في سنته الثانية اثنتين وثلاثين بعد الاربع مئة والالف وثلاث وثلاثين بعد الاربعمائة والالف. في مدينته الرابعة مكة المكرمة. وهو في باب فضل الاسلام لامام الدعوة الاصلاحية في جزيرة العرب في القرن الثاني عشر. الشيخ محمد بن عبدالوهاب التميمي رحمه الله المتوفى سنة ست بعد المائتين والالف. وقد انتهى بنا البيان الى قوله رحمه الله اه باب ما جاء في الخروج عن دعوى الاسلام. نعم. بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله والحمد لله وصلى الله وهو سلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. قال الإمام محمد ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى باب ما جاء في الخروج عن دعوى الاسلام. مقصود الترجمة بيان حكم الخروج عن الانتساب الى الاسلام الى الانتساب الى سواه. فدعوى الاسلام الاسماء الشرعية الموضوعة ولاهله والخروج عنها يكون بالانتساب الى غيرها مما لا يرجع الى الاسماء الشرعية فالاسماء المنتسب اليها في الاسلام نوعان احدهما اسماء الشرعية الموضوعة شرعا لاهله. وهي المرادة بدعوى الاسلام والثاني الاسماء غير الشرعية مما لا يرجع الى دعوى الاسلام نعم قال رحمه الله وقول الله تعالى هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا الاية وعن الاشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال امركم بخمس الله امرني بهن السمع الطاعة والجهاد والهجرة والجماعة فانه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع رفقة الاسلام من عنقه ومن دعا بدعوى الجاهلية فانه من جثا جهنم. فقال رجل يا رسول الله وان صلى وصام قال وان صلى وصام فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين عباد الله. رواه احمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح وفي الصحيح من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية وفيه بدعوى الجاهلية وانا بين قال ابو العباس رحمه الله تعالى كل ما خرج عن دعوى الاسلام والقرآن من نسب او بلد او جنس او مذهب او طريقة فهو من عزاء الجاهلية بل لما اختصم مهاجري وانصاري فقال المهاجري يا للمهاجرين وقال الانصاري ويا انصار قال صلى الله عليه وسلم ابدعوة الجاهلية وانا بين اظهركم وغضب لذلك غضبا شديدا انتهى رحمه الله ذكر المصنف رحمه الله لبيان مقصود الترجمة اربعة ادلة. فالدليل الاول قوله تعالى هو سماكم المسلمين من قبل. الاية ودلالته على مقصود الترجمة في ذكر ما سمى الله عز وجل به عباده المتبعين رسله. فانه سماهم فيما انزل من كتبه من قبل وفي هذا القرآن المسلمين. فالاسم الذي رضيه الله عز وجل لهم هو ما سماهم به. ومنه اسم المسلمين. وما خرج عما الله عز وجل به عباده فقد خرج عن دعوى الاسلام. فوقع العبد فيما لا يحبه الله ولا لان المرضي من الاسماء لاهل الاسلام ما سماهم الله عز وجل به. وما لم يسمهم الله عز وجل به فغير مرضي. والدليل الثاني حديث الحارث الاشعري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال امركم بخمس. الحديث رواه الترمذي وصححه. ورواه ايضا النسائي في وصححه ابن خزيمة وابن حبان فهو حديث صحيح. ودلالته على مقصود الترجمة من اتت وجوه اولها في قوله فانه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه. الا ان يراجع الا ان يراجع ومفارقة دعوى الاسلام هي من جملة مفارقة الجماعة. لان الله عز وجل امر عباده ان يكونوا وجعل لهم من الاسماء ما يحقق اختلاف قلوبهم واجتماع انفسهم فالمأمور به هو ما يوفر ذلك ويحققه. وما لم يكن كذلك فهو منهي عنه. واصل الربق حبل يجعل في يد البهيمة او في رأسها ليحفظها وهو معروف الاسم الى اليوم ومعنى قوله في الحديث الا ان يراجع اي الا ان يتوب وينزع عن قوله فمن مفارقة الجماعة الانتساب الى غير دعوى الاسلام. وثانيها في قوله ومن ادعى دعوى الجاهلية فانه من جثى الاسلام. فان الجاهلية كما عرفت اسم لما كان عليه الناس قبل النبي صلى الله عليه وسلم. وما اضيف اليها من قول او فعل هو محرم ومن دعوى الجاهلية كل دعوا تخالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فمن انتسب الى اسم يخالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو منتسب الى دعوى الجاهلية وقوله في الحديث من جثا جهنم فيها ضبطان احدهما من جثاء جهنم جمع جثوة. وتثلى تجيبها فيقال جثوة وجثوة وجثوة ومعناها الجماعة فيكون معنى قوله من جزا جهنم اي من جماعات جهنم. والاخر اخر ان يضبط من جهنم بياء في اخره. جمع جاث والجاثي هو الذي يقوم على ركبتيه. فيكون جمع الجاثين على اقدامهم في قوله من جثى جهنم اي ممن يكون على هذه الحال من اهلها وثالثها في قوله فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين والمؤمنين وعباد الله مما فيه الامر بلزوم الاسماء الاسلامية التي اختارها الله عز وجل لمن طاع رسوله صلى الله عليه وسلم كالمسلمين والمؤمنين وعباد الله. والامر بها دال على وجوب لزومها مع تحريم سواها. فكل اسم انتسب اليه يفضي الى مخالفة ما جاء به الرسول صلى الله الله عليه وسلم فان الانتساب اليه محرم. والدليل الثالث حديث فانه من فارق شبرا الحديث اخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ودلالته على الترجمة ما سبق ذكره من ان الانتساب الى دعوا غير دعوى الاسلام من الجماعة فاذا انتسب المرء الى غير دعوى الاسلام فقد وقع في مفارقة الجماعة المأمور بلزومها وتوعده على الموت ميتة جاهلية دال على شدة التحريم بما تقرب من من ان الى الجاهلية محرم فهو بما اقترفه تؤول حاله الى مفارقة الجماعة الخروج عنها والارتكاس بالموت ميتة جاهلية ليست موتة اهل الاسلام. والدليل الرابع حديث ابي دعوة الجاهلية وانا بين اظهركم. وهذا الحديث بهذا اللفظ انما يروى مرسلا عند ابن جرير في تفسيره عن زيد ابن اسلمة احد التابعين من اهل المدينة وانما يعرف في الصحيحين من حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما ليس فيه وانا بين اظهره وانما بدعوى الجاهلية في قصة رجلين احدهما بقصة رجلين احدهما من الانصار والاخر من المهاجرين فكسع المهاجري الانصاري اي ضربه على مؤخرته. فقال الانصاري يا للانصار وقال المهاجري يا للمهاجرين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ابدعوى الجاهلية وليس بلفظ البخاري ولا مسلم وانا بين اظهركم وانما يروى هذا في مرسل زيد ابن اسلمة عند ابن جرير كما تقدم ودلالته على مقصود الترجمة ما فيه من انكار النبي صلى الله عليه وسلم الانتساب الى اسمين مباحين وهما اسم الانصاري واسم المهاجرين لما وقع الانتساب اليهما على ما يخالف امر النبي صلى الله عليه وسلم. فلما وقع المنتسب الى الانصار والمهاجرين في مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم مما امر به من الائتلاف واجتماع المؤمنين افضى ذلك الامر بهما الى وقوعهما في دعوى الجاهلية. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى كلام جاء بالعباس ابن تيمية الحفيد في حقيقة دعوى الجاهلية. وهي بمعنى ما سبق من انه كل انتساب الى ما يخالف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. فمن انتسب الى بلد او جنس او مذهب او جماعة او لجنة او مجلس او هيئة فيما يخالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فان هذه من دعوى الجاهلية. مثاله لو سئل رجل فقال انا سعودي. فهذه القولة يختلفها احتمالان احدهما ارادته الانتساب الى بقعة من الارض تسمى السعودية هذا جائز باتفاق اهل العربية في باب النسب. والاخر ان يقول هذه القولة مريدا الاعتزاز بها والاستخارة على غيره من المسلمين وان له من الحظوة والتكريم والمقام ما ليس لغيره. فهي بهذا الاحتمال محرمة فهي بهذا المعنى المحتمل محرمة فانه ليس لاحد ممن ينتسب الى هذه البلدة فضل عن غيره في الاسلام وانما فضل الناس بملازمتهم التقوى وكمال الاتباع الى النبي للنبي صلى الله عليه وسلم مثال اخر لو قال انسان انا من جماعة كذا وكذا فان هذه القولة يكتنفها احتمالان احدها ان يكون مراده في قوله انا من جماعة كذا وكذا ارادته الانتساب الى ناس عرفوا في نسبهم بذلك فان من الاصطلاحات الجارية في اعراف الناس ليقول الانسان انا من جماعة ال فلان او من جماعة ال فلان فهذا انتساب باب جائز والاخر ان يقول ذلك منتسبا الى قوم يخالفون ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فاذا وقع في ذلك كانت دعواه من دعوى الجاهلية وهذا باب من الفقه عظيم فان الله سبحانه وتعالى اختار لنا اسماء تغنينا عما سواها من الاسماء. فالاسماء المقدمة هي الاسماء التي جعلها الله عز وجل لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم. وما عدا ذلك اذا اكتنفه مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم فانها من دعوى الجاهلية. وان خلت من ذلك كانت من جنس المباح الجائز. وان الله عز وجل قد بسعة الاسلام من ضيق الانتماءات الى البلدان او العرقيات او المذاهب او الجماعات او الاحزاب او اللجان او غيرها فلا ينبغي للانسان ان يترك سعة الاسلام الى ضيق الانتماءات التي ولدها الخلق وربما انضم اليها دعوى الجاهلية التي تجعل عصبية وغضبة وحمية لهذا دون ما سواه. نعم. قال رحمه الله باب وجوب الدخول في الاسلام كله وترك ما سواه. مقصود الترجمة بيان وجوب الدخول في الاسلام كله والمراد التزام جميع احكامه. والمراد التزام جميع احكامه والفرق بين هذه الترجمة والترجمة المتقدمة باب وجوب الاسلام ان الترجمة تتعلق بالدخول المجمل. والترجمة الثانية تتعلق بالدخول المفصل. جزاك الله خير ان الترجمة الاولى تتعلق بالدخول المجمل وان هذه الترجمة تتعلق بالدخول المفصل يده المصنف بقوله كله. فانه اراد الاعلام الى ان المراد ليس الدخول الاجمالي الذي يكون به العبد مسلما وانما المراد الدخول التفصيلي الذي يكون به العبد ملتزما جميع احكام الاسلام في ابواب بالخبر والطلب. وقوله رحمه الله وترك ما سواه هو في معنى الجملة الاولى من الترجمة الا انه رحمه الله تعالى اراد الجمع بين الاتصاف والتحلية المذكور في الجملة الاولى وبين الترك والتخلية المذكور في الجملة الثانية فكأنه اراد ان ينبه الى ان كمال الدخول في الاسلام يكون بامرين احدهما في الالتزام باحكامه اتصافا وتحلية احدهما الالتزام باحكامه اتصافا وتحلية والاخر ترك ما سواه اجتنابا اصلية والاخر ترك ما سواه اجتنابا وتخلية وهما امران متلازمان لكن المبالغة في البيان ادعى الى الوصول الى الاتقان. نعم. قال رحمه الله الله وقول الله تعالى يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة. الاية وقوله تعالى الا المتر الى الذين يزعمون انهم امنوا بما انزل اليك الاية وقوله تعالى الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء. الآية قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. قال تبيض وجوه اهل السنة والائتلاف. وتسود وجوه اهل البدع والاختلاف. وعن عبد الله ابن وعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتي ان على امتي ما اتى على بني اسرائيل حذو النعل بالنعل. حتى ان كان فيهم من اتى امه علانية كان في امتي من يصنع ذلك وان بني اسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة. وتمام الحديث قوله وستفترق هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة. قالوا من هي يا رسول الله؟ قال ما نعليه اليوم واصحابي. فليتأمل المؤمن الذي يرجو لقاء الله كلام الصادق المصدوق في هذا المقام خصوصا قوله ماء عليه اليوم واصحابي يا لها من موعظة لو وافقت من القلوب حياة. رواه الترمذي ورواه ايضا من حديث ابي هريرة وصححه. ولكن ليس فيه ذكر النار وهو وهو في حديث معاوية عند احمد وابي داود وفيه انه سيخرج في امتي قوم تتجارى بهم تلك الاهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه. كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل الا دخله وتقدم قوله ومبتغ في الاسلام سنة الجاهلية. ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة ثمانية ادلة لا فالدليل الاول قوله تعالى يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة ودلالته على مقصود الترجمة في الامر بالدخول في السلم. اي الاسلام والامر للايجاب التأكيد بقوله كافة اي في جميع احكامه. وذلك متضمن ترك ما سواه. لان ان العبد لا يتحقق له امتثال شيء بالخروج الا بالخروج عن مقابله. والدليل الثاني قوله تعالى الم تر الى الذين يزعمون انهم امنوا. الاية ودلالته على مقصود الترجمة في تمامها يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به. فان الله استنكر على المنافقين فعلهم اذ يزعمون انهم امنوا بما انزل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يريدون التحاكم الى الطاغوت الذي امروا بالكفر به. فامرهم بالكفر بالطاغوت يدل على وجوب ترك سوى الاسلام ولا يتحقق هذا الترك الا بالدخول في الاسلام كله. فالاية في وجوب الكفر بما سوى الاسلام ولا يتحقق ذلك الترك الا بالدخول في الاسلام كله. والدليل قوله تعالى ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء. ودلالته على مقصود الترجمة في كون تفريق الدين باخذ بعضه وترك بعضه ليس من هدي النبي صلى الله الله عليه وسلم بل برئ النبي صلى الله عليه وسلم ممن يفرق الدين بالاعتداد ببعض واخذه والعمل به واضطراح بعضه وعدم المبالاة به. فالذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو اخذ الدين كله والاجتماع عليه. وليس المراد بالاخذ والترك هو ان الانسان ببعض ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ويترك بعضه فان هذا يرد في ابواب من الاحكام في السنن المتنوعة ولكن المنهي عنه هو ان يعتقد العبد ان مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم شيء يعتد به به ويؤخذ ويقبل عليه بالعناية وشيء اخر لا يبالى به ولا يعتمد دينا فلا تجد عزمته في الاخر كعزمته في الاول. اما المؤمن الموحد فهو تأخذ ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كله ويجعله دينا. فالدين كله مستو في قدره اعظامه واجلاله لا يفرق بعظه عن بعظ ولا ينزل بعظه عن بعظ. والدليل الرابع قوله تعالى يوم تبيض وجوهه وتسود وجوهه. واورد المصنف رحمه الله تعالى فيها كلام عبد الله ابن كلام عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما تفسيرا وهو قوله تبيض وجوه اهل السنة والجماعة وتسود وجوه اهل البدعة والاختلاف. وهذا الاثر رواه عن ابن عباس رضي الله عنهما ابن ابي حاتم في تفسيره واللا ذكائي في شرح اصول اعتقاد اهل السنة والجماعة. واسناده ضعيف جدا لكن من قواعد اهل العلم المسامحة في المنقول في التفسير اذا صح معناه المسامحة في المنقول في التفسير اذا صح معناه لان المراد من التفسير هو بيان معنى كلام الله عز وجل. فاذا كان المفسر به من كلام احد من الصحابة او التابعين صحيحا في نفسه تسامحوا في اسناده وليس المعنى تسامحهم في اسناده انهم لا يحكمون عليه بالضعف بل يحكمون عليه بالضعف ولكنهم يدخلونه في كتبهم وبيانا فهذا معنى المسامحة وهو الذي جرى عليه المصنفون في التفسير قاطبة ولم يزل ذلك دأب اهل الاسلام رحمهم الله تعالى في ايراد اشياء من كلام الصحابة او التابعين في تفسير الاية ربما ظعفت اسانيدها لكن صحة معناها حملت على الاعتداد بها وادخالها في تفسير كلام الله عز وجل ككلام ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الاية فانه كلام صحيح فان الابيظ والاسود يكون بقدر متابعة السنة. ويدل على ذلك ما جاء في السنة نفسها مما رواه الامام احمد في مسنده من حديث ابي غالب قال رأيت رؤوسا منصوبة على درج مسجد دمشق فقال ابو امامة كلاب النار كلاب النار كلاب النار ثم قرأ قول الله عز وجل يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. فقال ابو غالب اسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لو لم اسمعه الا مرة او مرتين او ثلاثا او اربعا او خمسا او ستا او سبعا ما حدثتكموه. فهذا حديث مرفوع فيه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم الاية لما فذكر قوما من اهل البدع والضلال وهم الخوارج. فنزل عليهم قول الله سبحانه وتعالى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فيدل ذلك على صحة كلام ابن عباس رضي الله عنهما وان له اصلا مرفوعا. واما اما باعتبار حقيقة معنى قول الله عز وجل يوم تبيض وجوه انها وجوه المؤمنين. ويوم تسود وجوه انها وجوه الكافرين. والسنة والجماعة من شعار المؤمنين. والبدعة والظلالة من شعار الكافرين فاذا قيل انها تبيض وجوه اهل السنة والجماعة كان مندرجا بالقول ببضاض وجوه المؤمنين. واذا قيل ان انها تسود وجوه اهل البدعة والضلالة كان ذلك مندرجا في اسوداد وجوه الكافرين. فان اهل السنة والجماعة هم واهل البدع والضلال هم من جملة من لهم مشابهة وافرة لاهل الكفار وربما الت بهم بدعهم الى الخروج من الاسلام كما سيذكره المصنف فيما يستقبل. والدليل الخامس حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتين على امتي ما اتى على بني اسرائيل. الحديث رواه الترمذي لكن من حديث عبدالله ابن عمرو لا ابن عمر واسناده ضعيف وله شاهد بمعناه سوى الجملة الاخيرة عند الطبراني في الكبير من حديث عوف ابن بن زيد واسناده ضعيف ايضا. والجملة الاولى لها شاهد في الصحيحين من حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع. ولاخره شواهد لا تخلو من ضعف. ودلالة الحديث على مقصود للترجمة من وجهين. احدهما في ذكر الاستراقة. احدهما في ذكر الافتراق وموجبه اخذ بعض الدين وترك بعضه. والوعيد عليه برهان حرمته وعيدوا عليه برهان حرمته. والاخر ذكر ان الناجي هو الباقي على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه. والذي كانوا عليه هو الاسلام كله فوجب الدخول فيه جميع. والدليل السادس حديث ابي هريرة هريرة رضي الله عنه بمعنى حديث ابن عمرو ولفظه افترقت اليهود على احدى او اثنتين وسبعين فرقة وافترقت النصارى على احدى او اثنتين وسبعين فرقة وتفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة اخرجه اصحاب السنن سوى النسائي واسناده حسن. ولفظه تام في بيان عدد الفرق التي تفترق عليها هذه الامة. وجلالته على مقصود الترجمة ما ذكره صلى الله عليه وسلم من افتراق هذه الامة المتحصل من اخذ بعض الدين وترك في بعضه فانهم اذا اخذوا بعض الدين وتركوا بعضه صاروا اوزاعا كل طائفة فرحة بما تجده من دين الله تعتد به وتتعصب له وتغار عليه وتقابلها طائفة اخرى جعلت لها من حظا تتعصب وتحمى له وتغار عليه. والدليل السابع حديث معاوية رضي الله عنه وفيه وانه سيخرج في امتي قوم تتجارى بهم الاهواء. الحديث اخرجه ابو داوود وغيره واسناده حسن وفيه ذكر الوعيد بالنار على الافتراق. وان المفترقين من هذه الامة المفارقين ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه متوعدون بالنار والكلب اسم داء يصيب الانسان من عضة كلب فيه مثل الجنون اسم داء يصيب الانسان من عضة كلب به داء كالجنون. فيجن الانسان ويخبل ويفقد ويفقد عقله بسبب تلك العضة. ودلالته على مقصود الترجمة من ثلاث وجوه فالوجهان الاول والثاني هما المتقدمان في حديث عبد الله ابن لعمرو واما الوجه الثالث فهو في تسميتهم اهواء. فالاهواء ضلال وتجاريهم بها اي تماديهم بها يدل على غلبتها على قلوبهم واستيلاءها عليهم حتى تخرجهم من الهداية الى الضلالة. وذمهم على ذلك دال على حرمته ووجوب مقابله وهو الاخذ بالدين كله. والدليل الثامن حديث ومبتغ في الاسلام سنة الجاهلية وهو عند البخاري من حديث عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما وتقدما لفظه في باب وجوب الاسلام. ودلالته على مقصود الترجمة ان من ابتغى في الاسلام سنة جاهلية فانه يترك بعظ الاسلام وياخذ بعظه لانه سيقيم فيه ما ليس منه اقول به ذلك الى اخذ بعض الدين وترك بعضه. وبغضه دال على فعله فان بغض العبد ومحبته توجبها اعماله فاذا عمل عملا موافقا امر الله وشرعه احبه الله واذا عمل عملا موافقا مخالفا امر الله وشرعه ابغضه الله. فمن جملة ما يبغضه الله الله سبحانه وتعالى اخذ بعض الدين وترك بعضه فيدل ذلك على حرمته ووجوب مقابله وهو اخذ الدين كله. نعم. قال رحمه الله باب ما جاء ان البدعة اشد من الكبائر مقصود الترجمة بيان عظم شر البدع بيان عظم شر البدع وجليل خطرها. وان البدعة اشد ضررا واكبر خطرا من الكبائر والبدعة شرعا هي ما احدث في الدين من ما ليس منه بقصد التعبد ما اذا في الدين مما ليس منه بقصد التعبد. والكبيرة شرعا ان ما نهي عنه على وجه التعظيم ما نهي عنه على وجه التعظيم يندرج فيها كل منهي عنه تعظيما له. ومن افراد ذلك الشرك والبدعة الا ان الاصطلاح خصص اسم الكبيرة بما سوى الشرك والبدعة. فاخراج الشرك والبدعة من اسم الكبيرة اتفاق اصطلاحي. وليس وضعا شرعيا. فاخراج الكبيرة والبدعة من فاخراج الشرك والبدعة من اسم الكبيرة مواظعة اصطلاحية وليست وضعا شرعيا. فاسم الكبيرة في الشرع عام لكل ما نهي عنه على وجه التعظيم في ذلك الشرك والبدعة. واما في الاصطلاح فان اهل العلم رتبوا الذنوب العظام على درجات فعلوا اعلاها الكفر والشرك ثم بعد بعدها البدعة ثم بعدها الكبيرة وهذا هو والذي قصده المصنف رحمه الله تعالى في قوله ان البدعة اشد من الكبائر اي بالمعنى الاصطلاحي لا بالوضع شرعية واشتداد امر البدعة حتى صارت اعظم من الكبائر التي تنفر منها النفوس هو بالنظر الى متعلقها وما فيه من الاستدراك على الشريعة. فان البدعة نسبة شيء الى الدين استدراكا عليه. فان واضع البدعة يعدها دينا فهو نستدرك على الشرع ويلحق فيه ما ليس منه. واما صاحب الكبيرة فانه لا يستن الكبير ولا يفعلها على كونها دينا وانما يحمله هواه شبهة او شهوة على فعل هذه الكبيرة. فبملاحظة هذا الامر صارت البدعة اكبر من الكبيرة وان كانت النفوس بطبعها تنفر من افراد الكبائر كالزنا واللواط شرب المسكرات اعاذنا الله واياكم والمسلمين منها. ولكن الشرع وجه النظر الى امر اعظم وهو كون المبتدع مستدركا على الشرع. وذلك استدراك على كمال الرسالة. فكان محسن البدع يعد الدين الذي جاء به من النبي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من ربه ناقصا مفتقرا الى التكميل فلاجل قبح هذا المعنى وسوء هذا المدرك صارت البدعة اعظم من الكبيرة نعم قال رحمه الله وقول الله تعالى وقوله تعالى اظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم. وقوله تعالى وهم كاملة يوم القيامة. الاية. وفي الصحيح انه صلى الله عليه وسلم قال في الخوارج. اينما لقيتموهم فاقتلوهم وقال لئن لقيتهم لاقتلنهم قتل عاد. وفيه ايضا انه وفيه ايضا انه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل امراء الجور ما صلوا. وعن جرير ان رجلا تصدق بصدقة ثم تتابع الناس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن في الاسلام سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها من بعدي من غير ان ينقص من وجوه شيء ومن سن في الاسلام سنة جاهلية كان عليه وزرها ووزر من عمل بها. ووزر من عمل بها من الى يوم القيامة من غير ان ينقص من اوزارهم شيء. رواه مسلم. وله مثله من حديث ابي هريرة رضي الله عنه من دعا الى هدى ثم قال ومن دعا الى ضلالة. ذكر المصنف رحمه الله تعالى لتحقيق مقصود الترجمة سبعة ادلة فالدليل الاول قوله تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به الاية على مقصود الترجمة ما في الاية من كون الشرك غير مغفور لصاحبه اما ما دونه فهو تحت مشيئة الله. ومما دون الشرك البدعة والكبيرة والبدعة اشد لصوصا واعظم شبها بالشرك من الكبيرة. فلشدة مشابهة البدعة الشرك وقوة شبهها به فان الخوف على صاحبها ان الله لا يغفر له ذنبه يشبه ما اخبر الله عز وجل به صدقا من انه لا يغفر للمشرك ذنبه بخلاف حال الكبيرة فان خطيئته دون خطيئة صاحب بدعة فصاحب الكبيرة ارجى في المغفرة. وصاحب البدعة الخوف عليه اشد من الا يغفر له ذنبه فيكون له حظ من قول الله عز وجل ان الله لا يغفر ان يشرك به. والدليل الثاني قوله تعالى من اظلم ممن افترى على الله كذبا الاية. ودلالته على مقصود الترجمة ما في الاية من صدق اسم الافتراء على الله كذبا على صاحب البدعة بخلاف صاحب الكبيرة لان المبتدع ينسب بدعته الى الدين. ويجعلها منه. واما صاحب كبيرة فانه لا ينسب كبيرته الى الدين. ولا يجعلها منه. فالمفتري على الله كذبا منهما هو المبتدع فتكون البدعة اشد واعظم خطرا من الكبيرة. والدليل الثالث قوله تعالى ليحملوا اوزارهم كاملة ودلالته على مقصود الترجمة ما فيه من الخبر عن الكافر المضل غيره انه يحمل وزر من اضل يوم القيامة كاملا لا ينقص من وزره شيء. وموجب حمله وزره اضلاله له. وتقدم ان البدعة اتى اشبه بالكفر من الكبيرة. فكما يحمل الكافر المضل غيره من الجاهلين اثمهم فان المبتدع اجدى واولى من تحميله وزر من اتبعه املا من صاحب الكبيرة. ووقع التصريح بذلك في الاحاديث التي ذكرها المصنف ويأتي بيانها باذن الله والدليل الرابع حديث انه صلى الله عليه وسلم قال في الخوارج اينما لقيتموهم فقتلوهم. اخرجه البخاري ومسلم من حديث علي رضي الله وعن ودلالته على مقصود الترجمة في الامر بقتال الخوارج في الامر بقتال الخوارج هم اهل بدعة وامر بقتالهم استعظاما لشرهم. ولم يأتي مثل هذا في اصحاب كبائر فالامر بقتالهم على بدعتهم مما يدل على ان البدعة اشد من والدليل الخامس حديث لئن لقيتهم لاقتلنهم قتل عاد. اخرجه البخاري ومسلم ايضا من حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه. ودلالته على مقصود الترجمة في خبره الصادق صلى الله عليه وسلم عن عزمه على قتل الخوارج اذا لقيهم حسما لمادة بدعتهم ومبالغة في بيان قبح جريرتهم وسوء فعلتهم ولم يأت من مثل هذا في اصحاب الكبائر. فعلم ان البدعة اشد من الكبيرة. والدليل السادس انه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل امراء الجور ما ضلوا. وهو عند مسلم بمعناه ودلالته على ما صلوا ودلالته على مقصود انه نهى عن قتال امراء الجور ما صلوا ودلالته على مقصوده ترجمة في نهيه صلى الله عليه وسلم عن قتال امراء الجور وهم اهل الظلم. والجور كبيرة من كبائر فنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتال هؤلاء وهم اهل كبيرة مع امره صلى الله عليه وسلم اهل البدع من الخوارج يدل على ان البدعة اشد من الكبيرة فامر الكبائر المتعلقة بحقوق الخلق من الولاية اخف من امر بدعة فضلا عن الشرك والكبيرة. والدعوات التي تخرج لتستنقذ حق الناس من الناس. ولا تخرجوا لتستنقذ حق الله من الناس هي دعوات ناقصة. فان الغضب على انتهاك حرمة التوحيد بظهور مظاهر الشرك من المشاهد والمزارات وفشو البدع والموالد البدعية مع عدم الغضب لها دال على نقص تلك الدعوات وكما يغضب المرء لهظم حقوق المسلمين من من يعسفهم بالظلم من الولاة فانه ينبغي عليه ان يغضب اعظم واعظم في انتهاك حق الله عز وجل في توحيده وحق النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه فمن اراد ان تكمل دعوته فلا بد ان ان يرقب حق الله اعظم من ملاحظة المخلوقين والدليل السابع حديث جرير ابن عبد الله رضي الله عنه ان رجلا تصدق بصدقة الحديث رواه مسلم ودلالته على مقصود الترجمة في قوله ومن سن في الاسلام سنة سيئة حديث والسنة السيئة في الاسلام هي البدعة. لان صاحبها يستنها وينسبها الى الاسلام وهو مسيء بما استنى لانه جعل في الاسلام ما ليس منه. ويبلغ عظم ذنبه ان يجعل عليه وزره ووزر من اتبعه في بدعته الى يوم القيامة ولم يأتي مثل ذلك في الكبائر. فيدل ذلك على ان صاحب البدعة ببدعته اعظم شراء من صاحب الكبيرة لكبيرته. فان صاحب البدعة يلحقه اثم عمله في نفسه واثم من عمل بهذا العمل ممن تبعه عليها. واما صاحب الكبيرة الذي يدعو اليها فانه لا يلحقه اثم من عمل بتلك الكبيرة وانما يلحقه حظ من ذلك الاثم فالفرق بينهما ان وزر البدعة يلحق مستنها كاملا واما صاحب الكبيرة فانما يلحقه حظ منها. والدليل على ذلك القرآن والسنة فاما القرآن فقوله تعالى ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها والكفل هو الحظ والنصيب. والشفاعة السيئة المخالفة لامر الشرع هي كبيرة من الكبائر لما من هضم حق لغير وجه حق معتد به شرعا. فيكون على من فعل ذلك حظ من الذنب. ولا عليه الذنب كله. واما السنة فحديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه. في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من نفس تقتل ظلما الا كان على ابن ادم الاول ايش منها او قال حظ منها. وذلك انه سن القتل. ووقع في القرآن والسنة تسميته ابن ادم. ولم دليل صحيح تسميته بقابيل ولا تسمية اخيه بهابيل. والمقصود ان القرآن والسنة دل ان الداعي الى الكبيرة الذي استن به فيها لا يلحقه الاثم كاملا ممن تبعه وانما يلحقه بعض الاثم. واما صاحب البدعة فانه يلحقه الاثم تاما صاحب البدعة يلحقه اثم الضلال والاضلال. واما صاحب الكبيرة فانما يلحقه اثم الاضلال وصاحب البدعة يلحقه اثم الضلال والاضلال يعني في كونه جعل شيئا من الدين فهو جعل ضلالا يلحقه اسم الاضلال اي اثم اظلاله غيره بالدعوة الى البدعة. واما صاحب الكبيرة فانما يلحقه اسم الاضلال اي اسم تلك الدعوة فيكون عليه طفل منها وهذا من دلائل كون البدعة اشد من الكبيرة والدليل التامن حديث ابي هريرة رضي الله عنه ولفظه من دعا الى هدى ثم قال ومن دعا الى رواه مسلم ايضا وهو في معنى حديث جرير الذي ساق المصنف لفظه ودلالته على مقصود في قوله ومن دعا الى ضلالة كان عليه من الاثم مثل اثام من اتبعه لا ينقص ذلك من اثامهم شيئا وتقدم الاعلام بان الداعي الى البدع يلحقه اثم من من اتبعه كاملا بخلاف صاحب الكبيرة فيكون ذلك دالا على ان البدعة اشد من الكبيرة وقوله في حديث ابي هريرة ومن دعا الى ضلالة يفسر ما جاء في حديث جرير من سن في الاسلام سنة سيئة. فالسنة السيئة بالاسلام هي الضلالة. وهي التي سمتها سمتها الشريعة بدعة نعم قال رحمه الله باب ما جاء ان الله احتجر التوبة عن صاحب البدعة مقصود الترجمة كسابقتها من تعظيم شر البدع والمبالغة في التنفير منها لكن المصنف اراد تبيان ذلك من وجه اخر. وهو سوء عاقبة البدعة على صاحبها وما يلحقه من الشؤم بسببها من ان الله سبحانه وتعالى يحتجر عنه التوبة ولفظ حديث مرفوع يأتي في الباب. ومعنى احتجار التوبة عنه نزع الرغبة فيها من قلبه نزع الرغبة فيها من قلبه. فهو لا يوفق اليها. ولا يحدث نفسه وبها لان هواه قد استمكن من قلبه واستولى عليه وتجارت به بدعته فلا ان ينزع منها وذلك هو معنى قول الله عز وجل واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه. قال بعض السلف يريد ان يتوب فلا يتوب. ويريد ان يهتدي الا يهتدي فهذا معنى احتجار التوبة لا يراد انه اذا تاب من بدعته لم يقبل الله توبته فان هذا غير مراد بالاتفاق. فما من تائب من ذنب كالكفر فما دونه الا اذا صدق في توبته تاب الله عليه ولكن معنى احتجال التوبة عنه ان لا يوفق الى طلبها وان لا يهتدي اليها. بل يكون مائلا عنها غير راغب فيها وهذا من اعظم حجب القلب. وكما يحجب المرء عن احد من الخلق بحجاب من الابواب والقائمين عليها فان الحجب الاعظم هو حجب قلب العبد عن ربه سبحانه وتعالى وكل شيء ابعد قلبك عن الله سبحانه وتعالى فهو حجاب القلب درجات في كثافة الستر. فمن استغلظت خطيئته استغلظ حجابه. ومن اعظم بالمستغلظة التي تحجب القلب عن الله عز وجل البدعة. فان من اشرب قلبه البدعة ضرب على قلبه بحجاب كثيف يحوله بين يحوله يحول بينه وبين الله عز وجل ومن اثار ذلك الحجب الا يوفقه الله سبحانه وتعالى الى التوبة. ولو تدبر المرء هذا المعنى لا اعظم امر البدع واشتد خوفه منها اذ يكون محجوبا عن الله سبحانه وتعالى مبعدا عنه مطرود واذا كان احدنا يلحقه العنت والعنا اذا ابعد عن معظم من المخلوقين كامير او عالم او غني فان الم القلب في ابعاده عن الله عز وجل اعظم واعظم لكن لا يدرك ذلك الا من عرف قلبه الانس بالله سبحانه وتعالى. فانه اذا اصيب بشيء علم ان هذا من اثار خطيئته فوجد غصة في قلبه كما يجد الشارق غصة في حلقه لكن اصحاب غصص الحلوق مشغولون بالظواهر واصحاب غصص القلوب مشغولون بالباطل وشتان بين مشرق ومغرب. نعم قال رحمه الله هذا مروي من حديث انس رضي الله عنه من مراسيل الحسن وذكر ابن وضاح عن ايوب قال كان عندنا رجل يرى رأيا فتركه فاتيت محمد ابن سيرين فقلت اشعرت ان فلانا ترك رأيه قال قال انظر الى ماذا يتحول ان اخر الحديث اشد عليهم من اوله يمرقون من الاسلام ثم لا يعودون اليه. وسئل احمد بن حنبل رحمه الله تعالى عن معنى ذلك فقال لا يوفق للتوبة ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة ثلاثة ادلة. فالدليل الاول حديث انس رضي الله عنه مرفوعا ان الله حاجب التوبة عن صاحب كل بدعة. اخرجه اسحاق ابن راهويه. في مسنده والطبراني في المعجم الاوسط ولا يصح اسناده بل قال الذهبي في الميزان منكر. ويروى هذا الحديث بلفظ وحجر وحجز. فكلها بمعنى واحد حجب وحجر وحجز ودلالته على مقصود الترجمة ظاهرة للمطابقة بينهما مما فيه من الخبر ان الله عز وجل يحجب صاحب التوبة عن التوبة فلا يتوب ومعنى هذا كما تقدم الا يعان عليها وهو معنى كقول احمد لا يوفق للتوبة. والدليل الثاني حديث الحسن البصري اخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها وهو مرسل ومرسل الحديث ما اضافه تابعي الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو من جنس نوع الحديث الضعيف. فهو ضعيف لارساله. ومرسل الحسن هو احسن المروي في هذا الباب والدليل الثالث حديث يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون اليه. وهو في الصحيحين من حديث ابي سعيد الخدري وليس عند مسلم ثم لا يعودون اليه. والقصة التي ساقها المصنف عند ابن وضاح اسنادها صحيح. ووقع الحديث فيها مرسلا. لكنه في الصحيحين من حديث ابي سعيد الخدري موصولا فالغنية به ودلالته على مقصود الترجمة في قوله في رواية البخاري ثم لا يعودون اليه. ثم لا يعودون اليه. لان الاهواء تتجارى بهم. وتغلب قلوبهم وتتمكن منها فلا ينزعون عن البدعة التي ترعوا فيها. والامر كما اخبر عنهم ابن سيرين رحمه الله تعالى من ان من كرع من مستنقع الهوى يخرج من هوى الى هوى الا ان يلهمه الله عز وجل رشده ويقيه شر نفسه. ولاجل هذا عظم السلف رحمهم الله تعالى امر الشبهات والخصومات. ونهوا عنها لانها تنقل العبد بين الاهواء الوانا. لانها اتنقل العبد بين الاهواء الوانا فهو يخرج من لون الى لون من الاهواء كما قال عمر بن عبدالعزيز من اكثر الخصومات تلون في دينه من اكثر الخصومات تلون في دينه فاذا ولغ الانسان في حمأة الهوى من البدع والاراء المخالفة للشرع يخرجه من هواه الا هوى اخر يتحول اليه ولاجل هذا كثر تحذيرهم من امر الشبهات وهي الامور التي لا تتضح كانوا ينهون عن الشبهات. قال الذهبي رحمه الله تعالى في سير اعلام النبلا لان القلوب ضعيفة والشبه خطافة. لان القلوب ضعيفة والشبهة خطافة انتهى كلامه. فالقلب ضعيف من لحم ودم. والشبهة اشبه بكلاب من حديث اذا غرس في القلب اجتثته من قرار اليقين. فاذا اورد الانسان على نفسه الشبهات وقع فيما يحذره من فساد دينه فتلون وتغير وتحول. وعند ابن بطة في كتاب الابانة الكبرى وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه انه قال انه ستكون مشتبهات فعليك بالتؤدة فلا ان يكون احدكم تابعا في الخير خيرا له من ان يكون رأسا في الشر. وصدق رحمه الله تعالى. واذا اردت ان تعلم صدق هذا انظر الى حالك وهل انت ممتثل الوصية الصدر الاول من الحذر من الشبهات وهي الامور التي لا تتبينها؟ ام انت بالغ فيها وانظر الى ما ملأ الفضاء الواسع من مشتبهات ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها فاذا رأيت حال المنتسبين الى الدين من طلاب العلم فيه وجدت صدق كلام ابن مسعود انه ستكون امور مشتبهات ووجدت صدق ما حذروا منه من عرض الخصومات على القلب وانها تؤول بالانسان الى التلون في دينه هو تارة يصرخ مناطحا وتارة يتمدد منبطحا وليس بين هذه الحال وتلك الحال الا مدة يسيرة. فما جعله مناطحا الا الهوى. وما جعله منبطحا الا الهوى. واما المستقيم على دينه انه لا يزال يسير بتؤدة على الصراط المستقيم حتى يصل الى الله سبحانه وتعالى ويجزيه الله عز وجل الجزاء الاوفى فالحذر الحذر يا طلاب العلم من احوال تخالف حقيقة العلم الذي تنتسبون اليه. واحرصوا على ان تتمسك في زمن الفتنة واختلاط الاهواء واختلاف الخلق واعجاب كل ذي رأي برأيه بما تسلمون به عند الله سبحانه وتعالى. وان من النكد ان يكون خوف المنتسب الى الشريعة صوت السلطان اعظم من خوفه من صوت الرحمن وغضبه. وهذا من ادلة قلة توقيره الله عز وجل. فانه يسر بكلام يخاف فيه غضبة السلطان وصوطه ويشهر بحال توجب غضب الله سبحانه وتعالى وسوطه. نعم قال رحمه الله باب قول الله تعالى وما كان من المشركين مقصود الترجمة بيان ان مآل البدعة رغبة صاحبها عن الاسلام. بيان ان مآل البدعة رغبة صاحبها عن الاسلام وهذا معنى قول بعض الادباء البدعة شرك الشرك البدعة شرك الشرك. والشرك حبالة الصائد التي ينصبها ليقتنص طيرا او غيره فكان البدعة في منزلة حبالة الشيطان التي ينصبها فاذا علق بها الخلق اخرجهم من الاسلام الى الشرك. فمستحسن البدع يوشك ان يتخذ غير الاسلام دينا نعم قال رحمه الله وقوله تعالى وفيه حديث الخوارج وقد تقدم. وفي الصحيح انه صلى الله عليه وسلم قال ان الآب فلان ليسوا لي باولياء انما اولياءه المتقون. وفيه ايضا عن انس رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له ان بعض الصحابة قال الاخر اما انا فاقوم ولا انام وقال الاخر اما انا فلا النساء فقال الاخر اما انا فاصوم الدهر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكني انام واقوم واصوم وفيطر وتزوج النساء واكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني فتأمل اذا كان بعض افاضل الصحابة لما ارادوا التبثل للعبادة قال فيه هذا الكلام الغليظ. وسمى فعله رغوبا عن السنة. فما ظنك بغير هذا من من البدع وما ظنك بغير الصحابة؟ ذكر المصنف رحمه الله تعالى لتحقيق مقصود الترجمة خمسة ادلة. فالدليل الاول قوله تعالى يا اهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم الاية دلالته على مقصود الترجمة ان اليهود والنصارى لما افترقوا واختلفوا رغبوا عن ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وجادلوا فيه بغير علم وكذلك فعل الذين ابتدعوا ومن هذه الامة فانهم بما صنعوا مخالفون مختلفون. فان اهل البدع طرائق مختلفة وهم باختلافهم راغبون عما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة مسلكهم الرغبة عن الاسلام. وربما تزايدت هذه الرغبة بهم فافضت بهم الى الخروج عن الاسلام والدليل الثاني قوله تعالى ومن يرغب عن ملة ابراهيم الاية ودلالته على مقصود الترجمة في قول الا من سفه نفسه. ومن سفه النفس المتعلق بالرغبة ابراهيم الوقوع فيما نهى الله سبحانه وتعالى عنه من النفاق والكفر. فكل مفارقة للدين هي سفه فيه. فالناس في ذلك مستقل ومستكثر. ومن جملة سفه الدين الوقوع في البدع. فربما تزايد ذلك السفه بالعبد حتى يخرجه من الاسلام كما ان الحمقى اذا تكاثر من العبد وازداد سفهه ربما اخرجه من اسم الاحمق الى اسم المجنون فان الاحمق هو الذي يعتريه فقد العقل في احوال تكتنفه. واما المجنون فهو الذي فقد العقل الكلية فذلك كحال صاحب البدعة فربما تزايدت به هذه البدع فغلبت على قلبه حتى رغب عن دين الاسلام كلية. والدليل التالت حديث الخوارج المتقدم وهو حديث يمرء من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية. الحديث في الصحيحين عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه واللفظ البخاري ودلالته على مقصود الترجمة ما فيه من الخبر عن مروق اهل الاهواء عدم رجوعهم الى الاسلام لرغبتهم عنه الى سواه. وهذا المروق هو بالخروج من السنة الى البدعة وهذا المروق هو بالخروج من السنة الى البدعة في قول جمهور لاهل العلم وقيل بل مروء اولئك المذكورين من اهل الاهواء وهم الخوارج هو بخروجهم من الاسلام الى كفر وهو قول جماعة من اهل العلم. والاول اصح لما تقرر من اجماع من قول عن ان الصحابة لم يكونوا يرون ان الخوارج كفارا بل كانوا يعدونهم من اهل الاهواء والبدع ذكر اجماعهم ابو العباس ابن تيمية الحفيد رحمه الله تعالى. فعلم من هذا الاجماع ان المروق المذكور في الحديث هو بالخروج من السنة الى البدعة لا بالخروج من الاسلام الى الكفر. والدليل الرابع حديث انه صلى الله وسلم قال ان ال ابي فلان ليسوا لي باولياء. الحديث ولم يوجد هذا الحديث بهذا اللفظ مع توارد جماعة من العلماء عليه وانما حقيقة الامر دخول حديث في حديث فناشأ منهما لفظ ثالث فان المحفوظ في هذا على حديثان احدهما ما في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان ال ابي فلان ليس لي باولياء وانما ولي الله وصالح المؤمنين. ووقع ابهام ال فلان في الحديث سترا لهم ولعدم الحاجة الى تسميتهم. والحديث الاخر حديث معاذ ابن جبل رضي الله عنه عند احمد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان اولى الناس بي المتقون. ان اولى الناس بي متقون من كانوا وحيث كانوا. واسناده حسن فجمع بين هذين الحديثين في انتقال الذهن فصار حديثا واحدا باللفظ الذي ذكره المصنف وذكر قبله جماعة من اهل العلم رحمهم الله تعالى. ودلالته على مقصود الترجمة ان من احدث في الاسلام بالبدعة ولو كان من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ الرسول صلى الله عليه منه فلم يكن له وليا. لان اولياء النبي صلى الله عليه وسلم هم المتقون. والبدعة تفارق حقيقة التقوى فعلم ان المبتدع ممن برئ النبي صلى الله عليه وسلم منه لانه ليس له ولي وهذه البراءة منه ربما تشتد بصاحبها حتى يخرج من البدعة الى الاسلام فتتوافر عليه البراءة الكاملة. لان البراءة الشرعية المأمومة بها نوعان احدهما البراءة الكاملة وهي البراءة من الكافر. فيبرأ العبد من دينه كله. والنوع الثاني البراءة الجزئية وهي البراءة من المؤمن المتلطخ بما يقارفه مما يخالف الشرع. كبدعة او كبيرة. فانه يبغض منه ما فارق فيه الشرع كالبدعة والكبيرة. ويبقى له اصل الموالاة باصل الاسلام. فمن كان من اهل الذي لا اله الا الله ثبت له اصل الموالاة. لا كمالها. بخلاف من كان كافرا. فانه لا موالاة معهم. ويبرأ الانسان منه. والمراد بالبراءة بغض دينه الذي هو عليه. وليس خذوا بالبراءة عدم معاملته. بل جاء في الشرع معاملته بانواع من المعاملة كالبيع والشراء والهدية والزيارة والعيادة وغيرها مما ثبت من احوال النبي صلى الله عليه وسلم. فعلم ان البراءة المراد بها بغض دينه واما من فسر من العصريين البراءة بان المراد بالبراءة هي البراءة من الكافر المقاتل فقط دون الكافر غير المقاتل فهذا من اسانين افكاره. وزبالة ذهنه مما ليس له اصل وثيق الشرع ولا يعرف عن احد من اهل الاسلام بل العبد مأمور بالبراءة من الكفار كلهم معاديهم ومسالمهم صاحبهم ومفارقهم والمراد بالمعاداة والبراءة هي معاداة دينهم وبغض ما هم عليه ونزع محبة ذلك من القلوب ولا يمنع ذلك ما جاء في الشرع من انواع المعاملة بيننا وبينهم والحسن بين سيئتين والهدى بين ضلالتين. والدليل الخامس حديث انس رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له ان بعض الصحابة قال الحديث متفق عليه بالفاظ متقاربة ودلالته على مقصود الترجمة في قوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس مني اي من ترك طريقتي فليس مني. والرغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم نوعان والرغبة عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم نوعان احدهما الرغبة عنها باعتقاد ان غيرها اكمل هديا مع اعتقادي ان غيرها اكمل هديا واسلموا طريقا فهذا كفر مخرج من الملة. والاخر الرغبة عنها بتأويل الرغبة عنها بتأويل لا يعتقد فيه فاعله ان غير هدي النبي اكمل من هديه لا يعتقد فيه صاحبه ان غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم اكمل من هديه. فهذا يكون بدعة تارة ويكون كبيرة تارة راء فالرغبة عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم قل ذلك ام كثر مما يعظم امره لان النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث من رغب عن سنتي فليس مني فبرئ منه. فان كان آآ من الاول فقد برئ منه براءة كاملة لانه صار كافرا. وان كان من الثاني فقد برئ منه في فعله ذلك فقد برأ منه في فعله ذلك. والعناية بالقواعد الشرعية الموجودة في الكتاب والسنة ينبغي ان تكون عند طالب العلم اعظم من العناية بقواعد الفقهاء وغيرهم فهذا الحديث قاعدة كلية عظيمة في الدين. ان من رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم فليس من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يذهبن وهلك الى ان الرغبة عن سنة النبي صلى الله او عليه وسلم تكون في باب دون باب او مقصد دون مقصد. بل كل رغبة عما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في اي باب فالنبي صلى الله عليه وسلم بريء منها. فكما ان النبي صلى الله عليه وسلم بريء من جور الولاة على الرعية فان النبي صلى الله عليه وسلم بريء من تحكيم ديمقراطية فمن ينظر الى هذا وهذا يقع له الحق ومن تكون له عين واحدة ينظر الى بعض الدين لا يفهم من معنى رغبة الا الرغبة عن العدل وايصال الحقوق الى اهلها في مظالم الولاية فاذا جعل السقف المطلوب لدفع هذا ظلم هو الديموقراطية رحب بها وهو يرحب بشيء يخالف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. واذا اعتبرت هذا فانظر الى معنى قوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فهذا راغب وذاك راغب وانما بولي الناس من مدد مديدة بفهم الدين بعضه دون بعضه. واخذ بعض الدين دون بعض. وهذه الحال ان صلحت للدهماء والعوام انها لا تصلح لطالب العلم فان طالب العلم ينتسب الى معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. وكيف يصح هذا الانتساب طالب العلم وانت تفهم بعض الدين بما تريد وتترك بعضه وتأخذ بعض الدين وتترك بعضه فينبغي ان يحكم الدين كله على نفسه فيأمر بالعدل فيه راع ورعية صغيرا وكبير دعوة سابقة دعوة حاضرة ومن جعل مناط معرفته ومتعلق قلبه حالا دون حال فانه تؤول الى اخذ بعض الدين وترك بعضه وهي الحال التي عليها المسلمون اليوم. فمن الناس من يأخذ ببعض الدين في السياسة ويترك بعضه. ومنهم من يأخذ البعض الديني في الاقتصاد ويترك بعضه ومنهم من يأخذ ببعض الدين في الاخلاق ويترك بعضه ومنهم من يأخذ ببعض الدين في الاعتقاد ويأخذ بعضه وهذه الحال حال مردودة كما تقدم وانت تتعلم الان فضل الاسلام ومن فضل الاسلام كماله ومن حقيقة كماله كمال اعماله. لا ان تعمل بعضه وتهمل بعضه. فتخرج فتخرج من حقيقة اهله الكاملة. نعم قال رحمه الله باب قول الله تعالى فاقموا وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها الاية. مقصود الترجمة الامر بالاستقامة على الاسلام. الامر بالاستقامة على الاسلام والثبات عليه لانه دين الفطرة. لانه دين الفطرة. والتحذير من البدع والتحذير من البدع لانها تغيير للفطرة واعوجاج عنها. والتحذير من البدع لانها تغيير فطرة واعوجاج عنها نعم وقال رحمه الله وقول الله تعالى ووصى بها ابراهيم بنيه ويعقوب. الاية وقوله تعالى ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا. الاية. وعن ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان لكل ان لكل نبي ولاة من النبيين وان ولي منهم ابي ابراهيم ربي ثم اقرأوه والله ولي المؤمنين. رواه الترمذي. وله عنه ايضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ينظر الى اجسامكم ولا الى اموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم. ولهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا فرطكم على الحوض وليرفعن الي رجال من امتي حتى اذا هويت لاناوي لهم اي ربي اصحابي فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك وله ما عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وددت انا قد رأينا اخواننا واخواننا الذين لم يأتوا بعد قالوا فكيف تعرف من لم يأتي بعد من امتك؟ قال ارأيتم قال ارأيتم لو ان رجلا له خيل غر محجلة بين ظهراني خير دهم بهم الا يعرف خيله؟ قالوا بلى قال فانهم يأتون محجلين من الوضوء وانا فرضهم على الحوض. الا ليدادن رجال يوم القيامة عن حوضي كما يداد البعير الضال اناديهم الا هلم فيقال انهم قد بدلوا بعدك. فاقول سحقا سحقا. وللبخاري بينما انا قائم اذا زمرة حتى اذا عرفتهم وعرفوني. خرج رجل بيني وبينهم. فقال هلم فقلت الى ان الى اين؟ قال الى النار والله قلت ما شأنهم؟ علينا مرتد بعدك على ادبارهم القهقرة. ثم اذا زمرة فذكر الحديث هم الا مثل همل النعم. ولهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما فاقول كما قال العبد الصالح ما دمت فيهم الاية ولهم اعن مرفوعا ما من مولود يولد الا على الفطرة فابواه يهودانه او ينصرانه او يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدع؟ حتى تكونوا انتم تجدعونها ثم ابو هريرة رضي الله عنه الا متفق عليه؟ وعن حذيفة رضي الله عنه قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وانا اسأله عن الشر ان يدركني فقلت فقلت يا رسول الله انا كنا في جاهلية وشر. فجاء الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال نعم. وقلت هل بعد هذا الشر من خير؟ قال نعم وفيه دخن قلت وما دخنه؟ قال قال قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هدي تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال نعم. فتنة عمياء ودعاة على ابواب جهنم من اجابهم اليها قذفوه فيها يا رسول الله صفهم لنا. قال قوم من جدتنا يتكلمون بالسنتنا. قلت يا رسول الله فما تأمرني ان اذقت ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وامامهم قلت فان لم يكن لهم جماعة ولا امام قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو ان تعض على اصل شجرة حتى يأتيك الموت وانت على ذلك. زاد مسلم ثم ماذا قال؟ ثم يخرج الدجال معه نهر ونار فموته وقع في ناره وجب اجره وحطا وحط عنه وزره وما وقع في نهره وجب وزره وحط اجره قلت ثم ماذا قال هي قيام الساعة؟ وقال ابو العالية تعلموا الاسلام فاذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه وعليكم بالصراط مستقيم فانه الاسلام ولا تنحرف عن الصراط شمال ولا يمينا وعليكم بسنة نبيكم واياكم وهذه الاهواء الكلام بالعالية هذا ما اجله وعز زمانه الذي يحذر فيه من الاهواء التي من اتبعها فقد رغب عن الاسلام وتفسير والاسلام بالسنة والاسلام وخوف وخوفه على اعلام التابعين وعلمائهم من الخروج عن الاسلام والسنة ولك معنى قوله تعالى اذ قال له ربه اسلم. وقوله تعالى والصابحات ابراهيم بني ويعقوب وقوله تعالى ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه واشباه هذه الاصول التي هي اصل الاصول والناس عنها في غفلة واما الانسان الذي يقرأها واشباهها وهو امن مطمئن انها لا تناله. ويظنها في ناس كانوا فبانوا امنا مكر الله فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ثم قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه وقرأوه سبيله رواه الامام احمد والنسائي. ذكر المصنف رحمه الله في تحقيق مقصود الترجمة ثلاثة عشر الدليل الاول قوله تعالى فاقم وجهك للدين حنيفا ودلالته على مقصود الترجمة ما فيه من الامر باسلام الوجه لله عز وجل ما في من الامر باسلام الوجه على الله الى الله عز وجل بالاقبال عليه. لان حقيقة الحنيفية هي الاقبال على الله سبحانه وتعالى. وذلك هو الموافق للفطرة. والدين المستقيم. فمن خرج عن ذلك تبديلا او تغييرا فقد عدل عن الفطرة. والبدعة تنافي الاسلام وتناقض الفطرة. والدليل الثاني قوله تعالى ووصى بها ابراهيم بنيه الاية. ودلالته على مقصود ترجمة وصية إبراهيم ويعقوب عليهما الصلاة والسلام بلزوم الاسلام حتى الموت لان دين الله المصطفى هو الاسلام. ومن رغب عن شيء منه اخل بوصية النبيين كريمين وليس وراء الدين المصطفى الا الرديء المطرح فماذا بعد الحق الا الضلال؟ ومن جملة ذلك البدع فالبدع ليست من الدين المصطفى. بل من المطرح الرديء. والدليل الثالث قوله تعالى ثم اوحى اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا. الاية ودلالته على مقصود الترجمة. في قوله تعالى ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا لما فيه من الامر باتباع ملة ابراهيم حال كونه حنيفا. والحنيفية كما سلف هي الاقبال على الله سبحانه وتعالى. ومن الاقبال على الله التدين بشرعه والانكثاف عن الابتداع فان الله امرنا ان نعبده بما شرع لا بالاهواء والبدع. فمن عبد الله ببدعة فقد عدل عن حقيقة الحنيفية. لان حقيقة الحنيفية تتضمن الاقبال على الله. ومن الاقبال على الله ان تكون عبادته بما شرع لا بالاهواء والبدع. والدليل الرابع حديث ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان لكل نبي غلاة الحديث رواه الترمذي وغيره ولا يصح ودلالته على مقصود الترجمة في موالاته صلى الله عليه وسلم ابراهيم وكونه اولى به هو من اتبعه من المؤمنين. وانما كانوا كذلك لكمال اتباعهم ملته واستقامتهم عليها. ومن حقيقة اتباعهم ملته عبادة الله عز وجل بالشرع لا بالبدع. فمن وقع في البدع فقد خرج عن ملة ابراهيم عليه الصلاة والسلام ولن تتم موالاته له. فانما تتم موالاته ابراهيم عليه الصلاة والسلام بالكون على ما كان عليه من كمال الاقبال على الله عز وجل المتضمن عبادته عز وجل بالشرع لا الهوى والبدعة والدليل الخامس حديث ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ان الله لا ينظر الى اجسامكم. الحديث رواه مسلم. ودلالته على مقصود الترجمة ما فيه من ان محل نظر الله من العبد هو قلبه وعمله. ما فيه من ان محل نظر الله من العبد هو قلبه وعمله فهو احق بالعناية واولى بالرعاية. واس عنايته ورعايته هو الاستقامة على الاسلام. وتحصين العبد قلبه وعمله من الاهواء والبدع والحديث السادس والدليل السادس حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا فرضكم عن الحوض الحديث متفق عليه. ومعنى قوله انا فرطكم اي متقدمكم وسابقكم الى الحوض ودلالته على مقصود الترجمة في بيان سوء عاقبة الاحداث والميل عن الصراط في بيان سوء عاقبة الاحداث والميل عن الصراط المستقيم. فان المذكورين فيه رجال من امة محمد صلى الله عليه وسلم رفعوا له حتى اذا اهواه ليناولهم من حوضه اختلجوا دونه اي اقتطعوا واخذوا دون النبي صلى الله عليه وسلم وانتزعوا منه. وموجب حرمانهم هو احداثهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهؤلاء قوم كانوا صحبوه صلى الله عليه وسلم ثم نافقوا وارتدوا وظن صلى الله عليه وسلم انهم باقون على العهد الذي كانوا معه حال حياته وشفع لهم بصحبتهم له فقال اي رب اصحابي فاخبر عن حقيقة حالهم من كونهم احدثوا وخرجوا عن اما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فكل من احدث شيئا فهو متوعد الحرمان من الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم. وجميع اهل البدع مبدلون محدثون وجميع اهل البدع مبدلون محدثون قاله ابن بطال في شرح البخاري فكل صاحب بدعة هو مستحق الوعيد بالحرمان من الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم. كما قال العراقي يسقى بها السني كما قال القحطاني يسقى بها السني اعذب شربة ويداد كل مخالف فالثاني فكل مخالف لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم يزاد عن حوضه. وهذا من وجوه حرمان اهل بالبدع والاحداث في حرمانهم السقي من حوضه صلى الله عليه وسلم. والدليل السابع حديث ابي هريرة خيرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وددت ان قد رأينا اخواننا الحديث متفق عليه ايضا واللفظ لمسلم ولفظ البخاري قريب منه. وهو عند البخاري مختصر. ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين احدهما في فضيلة الاستقامة على دين الله في فضيلة الاستقامة على دين واستحقاق اخوة النبي صلى الله عليه وسلم بها. واستحقاق اخوة النبي صلى الله عليه وسلم بها فمن بعد زمانه عن النبي صلى الله عليه وسلم ممن جاء بعده هو اخ له وصلى الله عليه وسلم اذا كان مستقيما على الدين. والاخر سوء عاقبة الاحداث سوء عاقبة الاحداث في المنع عن الحوض وفيه زيادة تقرين للمعنى المتقدم ببراءته صلى الله عليه وسلم منهم ودعائه عليهم. فقوله صلى الله الله عليه وسلم سحقا سحقا دعاء عليهم بالهلكة. والدليل الثامن حديث بينما انا فاذا زمرة الحديث اخرجه البخاري من حديث ابي هريرة رضي الله عنه وجلالته على مقصود الترجمة كسابقيه من بيان سوء عاقبة الاحداث في المنع من حوض النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرده. وقوله وفي الحديث فلا اراه يخلص منهم الا كهمل الا مثل همل النعم. ويضبط ايضا اراه. فقوله اراه اي اظنه وقوله اراه اي اعلمه ومعنى همل النعم يعني ما كان مهملا غير محفوظ من النعم وهي الابل. فكانه او لا يخلص منهم الا قليل ممن يرد على الحوض يرجو ان يشرب منه. والدليل التاسع حديث ابن عباس رضي الله عنهما فاقول كما قال العبد الصالح الحديث متفق عليه ايضا ودلالته على مقصود الترجمة في براءته صلى الله عليه وسلم من المبدلين المحدثين والعبد الصالح هو عيسى ابن مريم. ووقع التصريح باسمه في هذا الحديث عند البخاري والدليل العاشر حديث ابي هريرة رضي الله عنه ما من مولود يولد الا يولد على الفطرة الحديث متفق عليه ايضا. ودلالته على مقصود الترجمة في خبره صلى الله عليه وسلم ان الناس يولدون على الاسلام وانه دين الفطرة. فالخروج عنه بالتبديل والاحداث عدول عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها. والدليل الحادي عشر حديث حذيفة رضي الله عنه قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت اسأله عن الشر. الحديث متفق عليه ايضا والزيادة التي عزاها المصنف بعد الحديث الى مسلم ليست عنده. في النسخ التي بايدينا وانما هي عند ابي داود باسناد فيه ضعف. ولعل المصنف اراد في عزمه هذه الزيادة الى ابي داوود الى مسلم مع انها عند ابي داوود اراد اصل الحديث لا لفظة وهذه طريقة شائعة عند اهل العلم فانهم ربما عزوا حديثا الى كتاب لا يريدون لفظه وانما يريدون اصله والى ذلك اشار العراقي بقوله والاصل يعني البيهقي ومن عزا وليت اذ زاد الحميدي ميزا فلا تعجلن بتغليط اهل العلم اذا التمست حديثا في كتاب فكشفته فلم تجده فانه ربما اراد اصل الحديث وهذا مأخذ معتد معمول به عند اهل العلم. ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين. احدهما ذكره صلى الله عليه وسلم ما سيقع بعده من الاحداث والتبديل. ذكره صلى الله عليه وسلم ما سيقع بعده من الاحداث والتبديل تحذيرا منه وتنفيرا عنه. والاخر وصيام صلى الله عليه وسلم بالاستقامة على الاسلام والثبات عليه ولزوم جماعة المسلمين وامامهم فان لم يكن جماعة ولا امام اعتزل العبد تلك الفرق كلها ولو ان يعض وان يشد باسنانه على اصل شجرة حتى يدركه الموت وهو كذلك. لما في النفس الفتن من الخطر على القلب فربما اورد العبد نفسه على مهمه الفتن فخرج بذلك من الاسلام او تلطخ بذنب عظيم لا يبرأ منه. فالاعتزال في الفتن مأمور به شرعا. وليس هو من جنس رفظ الواقع او خوفه وانما هو من خوف الله سبحانه وتعالى. واما اهل الواقع المشغول به فسيعلمون اذا انقلبوا الى الله عز وجل اي منقلب عليه يكونون. فان الخطرة التي يخطر بها الانسان رمزا او اشارة فيجر بها على المسلمين شر عظيم فيها من الله عز وجل سؤال عظيم ما بالك اذا كان الامر ليس اشارة ولا رمزا؟ وانما تصريحا وتشريعا وتسريعا للدخول في الفتن فالسؤال قالوا بين يدي الله سبحانه وتعالى عظيم. واذا كان العبد في حال كان يخاف سؤال احد من من الخلق ممن له ولاية فلما خلع وذهب ملكه تجرأ فانه ينبغي ان يكون خوفه من الله ان يتجرأ على حق الله سبحانه وتعالى فيتكلم فيه بما لا يأذن الله عز وجل به وهو الوقع وهو الذي وقع في كثير من الناس فان الناس في الفتن التي حاقت بالمسلمين ووقعوا في مخالفات كثيرة اقلها صلاتهم في مقامات كالميادين العامة لا تصح فيها الصلاة على اصول المذاهب الاربعة التي ينتسب اليها هؤلاء من الشافعين او المالكية او الحنابلة او الحنفية. فهذا في امر صغير عندهم وهو امر الصلاة. فكيف فيما فوقه من الهرج والمرج والجراءة على الدماء وتصاغر امرها. فمن عرف قدر هذا خاف الله سبحانه وتعالى. وعرف ان اعتزال الفتن من دين وليس خوفا من الواقع ولا رهبة له وانما هو تمسك باصل ارشد اليه النبي صلى الله عليه وسلم. ومن جميل قواعد علم اجتماع قول بعض علمائه من الامريكان ان التاريخ كدورة الماء يعيد نفسه وصدق فان هذه الفتن التي تحق للمسلمين شرقا وغربا ليست اول مرة ترد عليه بل وردت عليهم في زمن الصحابة رضي الله عنهم لما خلع بعض امراء العراق وغيرهم فوقع فيها من الهرج والمرج والبلاء والفتنة شيء كثير وكان للصحابة فيها حال ومقال. فمن اراد ان ينجو فلينظر الى ما كان عليه حال الصحابة في تلك الفتن ومن احسن الكتب التي اوردت تلك الاحوال مسندة كتاب طبقات ابن سعد فانه اخرج كثيرا من الاثار التي تتعلق بتلك الفتن حالا ومقالا مما كان من الصحابة. ومن ما رواه من ان رجلا جاء الى حذيفة وابي مسعود البدري رضي الله عنهما وهما في الجامع. فقالا اتجلسون في المسجد وقد خلع الناس اميرهم والله انا لعلى السنة انظر من الذي يقول من الذي رجل يقول لمن؟ يقول لرجلين صحبا النبي صلى الله عليه وسلم. هذا حال الفتن. يظن الانسان انه على الحق فقال حذيفة والله لا تكونون على السنة حتى تنصح الرعية ويشفق الراعي حتى تنصح الرعية ويشفق الراعي هذه هي السنة. فان لم يكن كذلك اعتزلهم الانسان. فاذا قام الانسان ان ينجو له دينه فلينظر الى ما كان من الصحابة رضي الله عنهم في هذه الاحوال وليقتدي به فانه منجاته وانك ستنقلب الى ربك عز وجل وانه سيسألك فاعد للسؤال جوابا وللجواب صوابا وانما يهدى الى الصواب من اخذ بما كان عليه كمل الخلق من الانبياء والصحابة رضي الله عنهم. والدليل الثاني عشر اثر ابي العالية الرياح رحمه الله تعالى احد التابعين قال تعلموا الاسلام الاثر اخرجه عبدالرزاق في مصنفه باسناد صحيح وزاد واياك وهذه الامور التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء. واياكم وهذه الامور التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء. ودلالته على مقصود الترجمة ما فيه من امره رحمه الله تعالى من تعلم الاسلام وعدم الرغبة عنه ولزوم الصراط المستقيم. والتحذير من الانحراف عن وبيان شؤم الاهواء. وانها توقع بين الناس العداوة والبغضاء. وصدق رحمه الله فان الهوى واذا دخل بين الناس ابغض بسببه الاب ابنه. والاخ اخاه. فينبغي ان يحذر الانسان من الاهواء المرجية التي تخالف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. واذا عرظ له امر فليعرضه على الكتاب والسنة فاذا وزنه بميزان الكتاب والسنة فعرف ما فيهما فليلظ به وليتعلق وان خفي هذا الامر فلا يهجمن بالولوج على امر لا يتبينه. والدليل الثالث عشر حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا الحديث رواه احمد النسائي في كبراه واسناده حسن ويروى من وجوه عدة عن ابن مسعود لا يرتاب الناظر معها ان الحديث صحيح وقد صححه الحاكم وابن القيم. وجلالته على مقصود الترجمة في بيان ان سبيل الله هو صراطه المستقيم. وذلك هو الاسلام. فمن خرج عنه يمينا او شمالا فقد خرج الى سبيل من سبل الشياطين. فما من سبيل الا وعليها شيطان يدعو اليه وهذا الشيطان تارة يكون شيطانا انسيا وتارة يكون شيطانا جنيا. فالواجب على العبد هو الصراط المستقيم والحذر من السبل ومجانبة دعاتها الداعين اليها. نعم صلوا عليه. قال رحمه الله باب ما جاء في غربة الاسلام وفضل الغرباء مقصود الترجمة بيان وقوع غربة الاسلام. بيان وقوع غربة الاسلام وفضل الغرباء وغربة الاسلام تكون بقلة العاملين به. وانفرادهم عن غيره ولفظ الغربة شرعا يتعلق بمن كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه. فمن كان كذلك هو الغريب حقا فلا يتناول وصف الغرباء كل مسلم وانما يختص بمسلم متمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان مسلما وعنده مخالفة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فارق بها الجماعة فهذا لا يشمله وصف الغريب. وانما يكون غريبا بالغربة القدرية. وذلك بغربته عن اهل الكفر. فالغربة التي تتعلق بالمسلمين نوعان. فالغربة التي تتعلق بالمسلمين نوعان ان احدهما الغربة القدرية الغربة القدرية وهي انفراد المسلمين عن الكافرين. وهي انفراد المسلمين عن كافرين وهي حظ كل مسلم وهي حظ كل مسلم. والنوع الثاني الغربة الشرعية الغربة الشرعية وهي غربة اهل الاسلام المتمسكين بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا النوع الثاني هو المراد في النصوص وهذا النوع الثاني هو المراد في النصوص. فمثلا الاحاديث الاتية طوبى للغرباء وما جرى مجراه لا يراد به طوبى للمسلمين. وانما يراد معنى خاص وهو طوبى للمسلمين المتمسكين بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الدين الذي بعثه الله عز وجل به. نعم قال رحمه الله وقول الله تعالى طيب سؤال الناس الان يقولون عرفنا ان الغربة في الشرع محمودة ممدوحة. الناس يقولون ما غريب الا الشيطان ما غريب الا الشيطان. ما حكم هذه الكلمة ما الجواب ها لا تجوز لماذا اصله من هو اللي اصل المعروف لا هم يقولون ما غريب الا الشيطان. موب يقولون مجهول يقولون ما غريب الا الشيطان يعني صحيحة وغير صحيحة اوسع من ذلك تقول لان حال الشيطان التفرغ. هذه الكلمة صحيحة لان حال الشيطان التفرط ومنه حديث ابي داوود وغيره الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب فالمراد ما هم عليه من حال التفرد فان التفرد والانعزال من احوال الشيطان فمعنى قولهم ما غريب الا الشيطان يعني لا يتفرد بحاله ولا يتميز عن الخلق فلا يشاركهم ما هم فيه الا انسان يشابه في هذا التفرد الشيطان. نعم سلام عليكم قال رحمه الله وقول الله تعالى فلولا كان من القرون من قبلكم ولو بقية ينهون عن الفساد في الارض فلا عن ابي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بدأ الاسلام غريبا وسيعود وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء مسلم ورواه الامام احمد من حديث ابن مسعود وفيه يصلحون اذا فسد الناس. ورواه الامام احمد من حديث سعد ابن ابي وقاص وفيه فطوبى يومئذ للغرباء اذا فسد الناس وللترمذي من حديث كثير ابن عبد الله عن ابيه عن جده طوبى للغرباء الذين يصلحون الذين يصلحون ما افسد الناس من سنة وعن ابي امي قال سألت ابا ثعلبة الخشيني فقلت يا ابا ثعلبة كيف تقول سألت ابا ثعلبة الخشني فقلت يا ابا ثعلبة كيف تقول في هذه الاية؟ يا ايها الذين امنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم. الاية قال اما والله لقد سألت عنها خبيرا. سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى اذا رأيتم شحا مطاعا وهو متبعا ودنيا مؤثرة واعجاب كل ذي رأي برأيه. فعليك بسنتي ودع عنك العوام. فعليك بنفسك ودع عنك العوام ان من ورائكم ايام الصبر القابض فيهن على دينه كالقابض على الجمر. للعامل فيهن مثل اجر خمسين رجلا يعملون عملكم قلنا من قلنا منا او منهم. قال بل منكم رواه ابو داوود والترمذي. وروى ابن وضاح وروى ابن وضاح معناه من حديث ابن عمر رضي الله عنه ولفظه ان من بعدكم اياما الصابر فيها المتمسك بمثل ما انتم عليه اليوم له اجر خمسين منكم. ثم قال انبأنا محمد بن سعيد قال انبأنا اسد. قال اخبرنا سفيان ابن عيينة عن عن البصري عن سعيد اخ الحسن يرفعه قال انكم اليوم على بينة من ربكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتجاهد في سبيل الله ولم تظهر فيكم السكرتان. سكرة الجهل وسكرة حب العيش. وستحولون عن ذلك فالمتمسك يومئذ بالكتاب والسنة له اجر خمسين. قيل منهم قال بل منكم وله بإسناده عن المعثري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى للغرباء الذين يتمسكون بكتاب الله حين يكره ويعملون بالسنة حين تطفى ذكر المصنف رحمه الله تعالى لتحقيق مقصود الترجمة تسعة ادلة. فالدليل الاول قوله تعالى فلولا كان من من قبلكم اولوا بقية ينهون عن الفساد في الارض. الاية ودلالته على مقصود الترجمة في قوله تعالى الا قليلا ممن انجينا منهم. فالناجي قليل والقليل قريب بين الكثير والنجاة دالة على الفضل. فمن فضل الغرباء انهم هم الناجون وتبع المصنف رحمه الله تعالى في ايراد هذه الاية دليلا على الغربة ابى اسماعيل الهروي صاحب كتاب صاحب كتاب منازل السائلين الذي شرحه ابن القيم في كتابه مدارج السالكين فانه عقد ابا للغربة فقال باب الغربة وقول الله تعالى ثم اورد هذه الاية والاستدلال بهذه الاية على الغربة شهوف نظر وكمال فهم لكلام الله عز وجل. ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين لما ثبت مستقرا في اخبار النبي صلى الله عليه وسلم من ان الناجي قليل وذلك الناجي هو سمى بالغريب فصارت هذه الاية صالحة للدلالة على حقيقة الغربة في القرآن الكريم والدليل الثاني حديث ابي هريرة رضي الله عنه بدأ الاسلام غريبا. الحديث اخرجه مسلم. ودلالته على مقصود الترجمة في خبره الصادق صلى الله عليه وسلم عن غربة الاسلام مع بيان فضل الغرباء في قوله فطوبى للغرباء. والطوبى فعلة من الطيب فهي تجمع كل طيب فلهم الحال الطيبة الكاملة وهم الفائزون بالحياة الطيبة في الدنيا والاخرة والدليل الثالث حديث ابن مسعود رضي الله عنه وفيه مثل حديث ابي هريرة وقال ومن الغرباء؟ قال النزاع من القبائل. اخرجه احمد. وهو عند الترمذي دون هذه الزيادة اسنادها صحيح. اما الرواية الاخرى في حديث ابن مسعود الغرباء الذين يصلحون اذا فسد الناس فاخرجها الاجري في الغرباء وابو عمرو الداني في كتاب الفتن باسناد ضعيف. وروية هذه الجملة في احاديث مرفوعة لا يثبت منها شيء. وانما يثبت ذلك من كلام عبد الله ابن عمر. رضي الله عنه اخرجه ابن المبارك في كتابه الجهاد قال طوبى للغرباء. الذين يصلحون اذا فسد الناس ودلالته على مقصود الترجمة كسابقه من الاخبار عن غربة الاسلام وبيان فضل الغرباء. وفيه وصف الغرباء انهم النزاع من القبائل اي المنزوعون من اعراق شتى وانساب متفرقة واجناس مختلفة ووصفهم بالغربة يدل على صلاحهم اذا فسد الناس. فهذه الجملة الذين يصلحون اذا فسد الناس هي ثابتة وان لم تكن ثابتة رواية يعني انها لا تعرف بلفظها محفوظة في الاحاديث الصحيحة. واما معناها فان ان وصف الغرباء الممدوح في حديث ابي هريرة عند مسلم وغيره لا يصدق الا اذا كان الانسان صالحا اذا فسد الناس فبفسادهم تتحقق غربته. والدليل الرابع حديث سعد ابن ابي وقاص رضي الله عنه وفيه فطوبى للغرباء اذا فسد الناس. رواه الامام احمد ورجاله ثقات لكن وقع فيه عن ابن سعد عن سعد وابن سعد مبهم والمبهم مما يوجب ضعف الحديث. لكن نهى ان ابن سعد المبهم هذا هو عامر ابن سعد ابن ابي وقاص احد الثقافات عامر ابن سعد ابن ابي وقاص احد الثقات فاسناده صحيح. ودلالته على مقصود الترجمة كسابقه من الخبر عن الغربة وبيان جزاء اهلها. وانهم يكونون على صلاح بين فساد الناس. والدليل الخامس حديث عوف بن زيد رضي الله عنه طوبى للغرباء الذين يصلحون ما افسد الناس الحديث اخرجه الترمذي واسناده ضعيف ودلالته على مقصود الترجمة كسابقيه من الاعلام بوقوع الغربة وفضل الغرباء. وحقيقة غربتهم انهم يصلحون ما افسد الناس فان الغريب يكون متمسكا بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وداعيا اليه فكمال غربته في وجود دعوته لا ان يكون صالحا بنفسه فان هذا بعض معنى الغربة. لكن الغربة التامة ان يكون عاملا بالشرع داعيا اليه والدليل السادس حديث ابي ثعلبة الخشني رضي الله عنه بل ائتمروا بالمعروف الحديث اخرجه اصحاب السنن الا النسائي واسناده ضعيف لكن يروى لجمله شواهد تثبت بها. فهو بتلك الشواهد مما يدخل في جملة الاحاديث ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين. ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين. احدهم في بيان غربة الاسلام ايام الصبر والقبض على الجمر. في بيان غربة الاسلام ايام الصبر والقبض على الجمر والاخر ان للعامل فيها اجر خمسين من اصحاب سيد المرسلين المرسلين صلى الله عليه وسلم ان للعامل فيها اجر خمسين من اصحاب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم. فاذا عمل العامل بالمتمسكين في اخر الزمان بالدين بعمل اوتي على ذلك العمل اجر خمسين من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. واضح معناه طيب هل يقتضي هذا ان يكون افضل منهم؟ الجواب نعم يا اخي لا لماذا لانهم بمجموع فضائلهم يكونون افظل فهم بمجموع الفظائل يكونون افظل ممن جاء بعدهم وان عمل فاوتي عليه اجرا خمسين. ومن فضائلهم صحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم. فهم لا يدرك شهوهم ولا يلحق غدرهم بما حازوه من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يبين لك عظم حرمة الصحابة. وان تعظيم وتوقير جنابهم مما جاء به الشرع فهو اصل اصيل. لم تمله تقلبات الدول ولا تحولاتها وانما قرر في الشرع فمما يجب لهم من الحق توقير ذلك الجناب وتعظيم تلك الحرمة. ومن هتك ستر تلك الحرمة فهذا قد هتك ستر اصل من اصول الاسلام واضح؟ الصحابة ثبت جلالة قدرهم ووفور حرمتهم بالدليل من الكتاب والسنة. ليس بالاهواء والاراء وثبوت هذه الحرمة يوجب ان يصون الانسان هذا هذا الجانب وان لا يتجرأ عليه. واما الدعوة الى تعريض ذلك الجناب الى النقد فهي مقدمة لتعريض جناب النبي صلى الله عليه وسلم الى النقد. ولا تظنون ان هذا يأتي من الكفرة واهل النفاق. بل يأتي من المنتسبين الى الشرع. فانهم يدعون اليوم ممن يدعو الى ذلك الى وزن احوال الصحابة وعرضها على القواعد وانتقاد ما كانوا عليه مما اثر في التاريخ الاسلامي بزعمهم وسيأتي يوم يدعون فيه الى نقد بعض السنة. وهذا اليوم قد اتى من قبل لكنه يتكرر. ففي القرن الماضي كان ممن ينتسب الى الشريعة ممن يتعرض لبعض الاحوال النووية في النقد في الحكم والسلطنة باعتبار انها ليست شرعا وانما هي خيار لرجل كان متوليا في زمن من الازمان فذلك الخيار الذي رآه صالحا لذلك الزمان يمكن الا يكون صالحا لهذا الزمان. وسيأتي يوم بعد برهة يسيرة فقط ويصدح بعض الناس بهذا وان الدولة الاسلامية التي انشأها الرسول صلى الله عليه وسلم هي دولة صالحة عظيمة في زمن ابي جهل اضرابه. واما في زمن الشرق والغرب والاحمر والابيض والشيوعية والرأسمالية. فانه يمكن ان تكون هناك دولة اسلامية يصلح بها الحال. وهذا من الاباطيل التي تدل على وهن دين الناس وضعفه وقلة علمهم بشرع الله سبحانه وتعالى وقلة توحيد جناب الشرع في قلوبهم وان زعموا انهم ينتسبون الى الاسلام فهم مسلمون بما معهم من اصله ولكن كما لا الاتصاف بالاسلام هو في كمال الاستسلام. واين ما ذكرناه انفا من ان الاسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد. والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك واهله. فحقيقة الاسلام ان تسلم وتستسلم للشرع كله وكبيره قليله وكثيره جريره ودقيقه. واما زملات الاذهان وحثالات الافكار فانها تداس بالاقدام ولا تبرز بالاقلام وانما يبرز بالاقلام من حكم بصوابه ما حكم بصوابه من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كلام الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم في التحذير من مبتكرات الاراء وفير. فهذا سهل رظي الله عنه يقول اتهموا اتهموا الرأي. فلقد رأيتني يوم ابي جندل لو استطعت ان ارد على النبي صلى الله عليه وسلم امره لفعلت انظر الى شدة الامر هذا صحابي يقول لو اني استطعت ان ارد على النبي صلى الله عليه وسلم خياره في رد ابي مكبلا في وثاقه الى المشركين لفعله. فاذا كانت هذه الحال ترد على صحابي فكيف يمتنع ورودها على امثالنا؟ لكن نجاة ذلك الصحابي لما القى رأيه وراءه ظهريا وسمع واطاع النبي صلى الله عليه وسلم. فنجاتنا نحن في بامر النبي صلى الله عليه وسلم والقاء تلك الاراء والاهواء وراءنا ظهريا. ومن جملتها الدعوة الى تعريض مقام الصحابة الى النقد ووزن احوالهم التي تتعلق بالولاية وتدبير الملك على القواعد العقلية وما تصلح به حياة الناس فان هذا مقدمة لمحاكمة طريقته صلى الله عليه وسلم في الدولة وتدبير شؤون الملك. ولكن البدع والشرور تبدأ صغيرة حتى تعود كبيرة اعاذنا الله واياكم والمسلمين من تلك الشرور. والدليل السابع حديث ابن عمر رضي الله عنهما ان بعدكم اياما الحديث اخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها واسناده ضعيف وهو في معنى حديث ابي المتقدم ودلالته على مقصود الترجمة كدلالة سابقه. والدليل الثامن حديث سعيد البصري اخي الحسن قال انكم اليوم على بينة من ربكم الحديث اخرجه ابن وضاح ايضا واسناده ضعيف لانه مرسل والدليل ودلالته على مقصود الترجمة حذو نظيريه السابقين فانه بمعناهما. والحديث الدليل التاسع حديث بكر ابن عمر المعافر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى للغرباء الحديث اخرجه ابن وضاح وهو مرسل ايضا يكون ضعيفا ودلالته على مقصود الترجمة ظاهرة من اخباره عن وقوع الغربة وفضل الغرباء وما فيه من الغرباء من انطفاء السنة وترك العمل بالكتاب فيه نظر فان الله عز وجل لا يزال يبقي بين اظهر للناس من يأخذ بكتابه ويتابع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في احاديث الفرقة الناجية والطائفة صورة فانه لا يزال بين الناس قائم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حتى يرث الله الارض ومن عليها فيما ذكر في هذا المرسل من وصف الغرباء نظر لمخالفته لاحاديث الفرقة الناجية والطائفة المنصورة. نعم عليك قال رحمه الله باب التحذير من البدع مقصود الترجمة التحذير من البدع بالتخويف منها وبيان خطرها لتجتنب فيلزم العبد السنة ويفارق البدعة. فلا يركن اليها ولا الى اهلها وهذا المعنى عقد فيه المصنف رحمه الله تعالى ترجمتين متقدمتين الاولى باب ان البدعة اشد من الكبائر والثاني ان الله احتجر التوبة عن صاحب عن صاحب كل بدعة. واكد رحمه الله تعالى هذا المعنى ثالثة بايراد هذه الترجمة التحذير من البدع حوار المباني لتقرير المعاني. فتكرار المباني لتقرير المعاني. فان اهل العلم كمال علومهم لا يكررون مبنى لزيادة حجم كتاب. وانما ليقررون معنى فهو اراد تأكيد المعنى المتقدم من التحذير من البدع والتنفيذ عنها وبيان خطرها فختم كتابه بهذه الترجمة. نعم. قال رحمه الله عن العرباض ابن سارية رضي الله عنه قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. قال اوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة ان تأمر عليكم عبد فانه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من من بعد تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. واياكم محدثات الامور فان كل محدثة بدعة. وكل بدعة ضلالة الترمذي حديث حسن صحيح. وعن حذيفة رضي الله عنه قال كل عبادة لا يتعبدها اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا اتتعبدوها فان الاول لم يدع للاخر مقالا فاتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم رواه ابو داوود وقال الدارمي واخبرنا الحكم ابن المبارك عمرو بن يحيى قال سمعت ابي يحدث عن ابيه قال قال كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قبل صلاة الغداة فاذا اخرج مشينا معه الى المسجد فجاء ابو موسى رضي الله عنه فقال اخرج عليكم ابو عبدالرحمن بعد؟ قلنا لا. قال فجلس معنا فلما خرج قمنا اليه جميعا. فقال ثواب موسى يا ابا عبد الرحمن اني رأيت انفا في المسجد والحمد لله لم ارى الا خيرا. قال فما هو فستره. قال رأيت رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي ايديهم حصى. فيقول كبروا فيكبروا مئة فيقولوا هللوا مئة فيهلوا مئة فيقول سبحوا مئة فيسبح مئة قال فماذا قلت لهم؟ قال ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك قال افلا امرتهم ان يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم الا يفوت من حسناتهم شيء. ثم مضى ومضينا معه حتى انتهى حلقة من تلك الحلق فقال ما هذا الذي اراكم تصنعون؟ فقالوا يا ابا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح قال فعدوا سيئاتكم فانا ضامن الا يضيع من حسناتكم شيء. ويحكم يا امة محمد ما اسرع هلكتكم. هؤلاء اصحاب صلى الله عليه وسلم بينكم متوافرون. وهذه ثيابه لم تبلى وانيته لم تنكسر. والذي نفسي بيده انكم هذه ثيابه لم تنكسر ثيابه وان لم تنكسر الجملة اللي قبلها. وهذه ثيابه لم تبلى. لم تبلى. وهذه ثيابه لم تبلى وانيته لم تنكسر. والذي نفسي بيده انكم لعلى ملة هي اهدى من ملة محمد صلى الله عليه عليه وسلم او مفتتحوا باب ضلالة. قالوا والله يا ابا عبدالرحمن ما اردنا الا الخير. قال وكم مرئكم وكم من مريد للخير لن يصيبه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا ان قوما يقرأون القرآن لان قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ويل والله لا ادري لعل اكثرهم يكون منكم. ثم تولى عنهم. قال عمرو بن سلمة رأيت وعامة اولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهر يوم النهروان مع الخوارج. والله اعلم بالصواب وصلى الله على محمد واله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الى يوم الدين ذكر المصنف رحمه الله لتحقيق مقصود الترجمة ثلاثة ادلة. فالدليل الاول حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الحديث اخرجه اصحاب السنن سوى النسائي واسناده ودلالته على مقصود الترجمة من ثلاثة وجوه. احدها امره صلى الله عليه وسلم بلزوم سنته. وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده. وانها كافية مغنية عما سواها فما خرج عنها فهو حقيق بالحذر والبدع والضلالات ليست من سنته صلى الله عليه وسلم ولا سنة الخلفاء الراشدين المهديين. مما يوجب الحذر منها والنفرة عنها. وثانيها في تصريحه صلى الله عليه وسلم بالتحذير من البدع في قوله واياكم ومحدثات الامور. فان المحدثة هي البدعة. ففي صحيح مسلم من حديث جابر فان كل محدثة بدعة. فالمحدثات تسمى شرعا بالبدع. وثالثها اخباره صلى الله عليه وسلم ان كل بدعة ضلالة. وهذا يوجب الحذر منها. لان الضلالة تؤول بصاحبها الى النار ضلال ينفر منه ويفر لانه يؤول بالعبد الى دخول النار اعاذنا الله واياكم منها. والدليل الثاني حديث حذيفة موقوفا قال كل عبادة لم يتعبدها اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. الحديث رواه ابو داوود عزاه اليه ابو شامة المقدسي في الباعث. ثم تبعه الناس وهو من الاثار التي عزيت الى سنن ابي داود وفقدت في النسخ التي اتصلت بنا مخطوطة او مطبوعة فهذا الاثر ليس في نسخ سنن ابي داود التي انتهت الينا وربما كان في نسخة رويت من سنن ابي داوود لم تصل الينا بعد ولا وجدته مرويا بسند عند احد من الائمة المصنفين الذين يروون احاديثهم المرفوعة والموقوفة بالاسناد فهو من اثار الطيارة التي لا يعرف لها زمام ومن جملة ما يروى ويذكر من الاثار ما يكون مشهور ولا يعرف بلفظه في كتاب من الكتب التي بايدينا. مما يدل على فقد جملة من تلك الاثار لم يتصل علمها بنا فنتوقف عن القول بصحتها حتى نتحقق ثبوتها عمن نسبت اليه. وان سلم بصحة معناها فهذا الذي ذكره حذيفة الذي ذكره حذيفة رضي الله عنه معنى صحيح لان اجدر الناس بمعرفة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم هو اصحابه. وفي معنى هذا قال سعيد بن جبير كل عبادة لم يتعبدها البدريون فلا تتعبدها. والبدريون من قدماء اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاذا فاتهم العلم بعبادة من العبادات المشهورة الظاهرة فذلك يدل على لانها ليست بذلك المقام في الشرع. فدلالته على مقصود الترجمة في الامر بلزوم ما كان عليه اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لانهم كانوا بهديه اعرف وعلى سنته اوقف وفي اتباعه اصدق فالسلامة هي في اتباعهم. وما حدث بعدهم من البدع والضلالات. مما يرغب عنه وينفر منه فيحذره والدليل الثالث حديث عمرو بن سلمة رحمه الله قال كنا نجلس على باب عبد الله ابن مسعود قبل صلاة الغداة اخرجه الدارمي في سننه بتمامه. واسناده جيد. والمرفوع منه عند الترمذي وابن ماجة باسناد اخر حسن ودلالته على مقصود الترجمة من وجهين. احدهما في انكاره رضي الله عنه عليهم وتغليظه القول لهم في انكاره رضي الله عنه عليهم وتغليظه القول لهم حتى قال انكم لعلى ملة اهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم او مفتتحوا باب ضلالة. فهم لا يخلون من حالين. الحال الاولى ان يكونوا ممن يعتقد ان هديه اكمل من هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيكون بذلك كافرا من الاسلام وهذا معنى قوله انكم لعلى ملة اهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم. والحال الثاني ان يكونوا مفتتحي باب ضلالة ان يكونوا مفتتحي باب ضلالة اذا لم يدعوا ان ما هم عليه اكمل من هديه صلى الله عليه ان ما هم عليه اكمل من هديه صلى الله عليه وسلم ولكنهم احدثوا شيئا لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم فهم مفتتحوا باب ضلالة بالاحداث والابتداع في الدين والاخر تفرسه رظي الله عنه فيهم تفرسه رظي الله عنه فيهم بالاخبار عما ستؤول اليه حالهم بالاخبار عما ستؤول اليه حالهم. لانهم ستعظم بدعتهم وتتشعب بهم الاهواء حتى يحملوا السيف على المسلمين. فوقع ما وقع مما تفرسه رضي الله عنه من امر الخوارج في الصدر الاول. فكان هؤلاء من جملة من كان يطاعن الصحابة رضي الله عنهم في ايام الخوارج فابتدأت بهم البدعة صغيرة حتى عادت كبيرة وفي هذا التحذير الشديد من البدع التي قد يغر بها الانسان فانها تبدأ صغيرة ثم تتمادى حتى تفظي الى شر عظيم. فكانت اول بدعة احدثها هؤلاء اجتماعهم على الذكر واتباع لواحد يأمرهم ان يسبحوا عددا فيسبحوا عددا. فكان منتهى امر هذا الابتداع الخفيف في نظر الخلق الى امر عظيم وهو حمل السيف على المسلمين. وربما اغتر الانسان مثل هذه الاحوال في بوادرها فاذا انكشف الغطاء تبين حقيقة ما تحته وانظر هذا الى علم ابي سعيد الخدري بحقيقة امرهم وعلم ابن مسعود رضي الله عنه بحقيقة امرهم فان ابا سعيد الخدري استنكر ولكنه قال ما رأيت الا خيرا. فوقعت عنده النكرة من مخالفة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم لكنه تردد في الانكار عليهم لانه رآهم على خير من ذكر الله عز وجل. فلما رد الامر الفقيه الكامل والعالم العامل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو ممن اشرب هدي النبي صلى الله عليه وسلم ووعى دينه وسنته اخبر ان هؤلاء على شر عظيم وانهم اما ان يكونوا على ملة غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم او مفتتحوا باب ضلالة. وهذا يرشدك الى ان الامور المدلهمات تخفى على للخلق وربما خفيت على بعض من ينسب الى العلم ويعد من كبار اهله. لكن لا يترشح الى ذلك الا العالم راسخ الكامل فانه يميزها ويتبينها. قال الاوزاعي ان الفتنة اذا اقبلت خفيت على الجاهل وعلمها العالم فاذا ادبرت علمها العالم والجاهل فانها اذا انعقد سحابها واقبلت ظلالها تبينها العالم انها فتنة. واما الجاهل فقد تخفى عليه فيدخل فيها. فاذا ارتفع الغطاء تبينت الحقائق وعرفت الغباري فرس ام حمار وهذا مما يوجب على العبد ان ينأى بنفسه عن الولوج في وان اكثر الخلق لا يتبينونها وتأمل هذا في حال ابي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي استنكر ذلك وخفي عليه وجه الانكار عليهم فلما جاء الى ابن مسعود بين له وجه الانكار عليهم وان هؤلاء القوم اما ممن يظن ان انه على ملة اهدى من ملة صلى الله عليه وسلم او هو مفتتح باب ضلالته. وكم سمعنا كلاما من العلماء الكبار الراسخين يظن انه مما لا يصلح قوله فاذا تمادت الايام تبين ان ما تكلموا به هو الحق فينبغي فينبغي للانسان ان يحفظ نفسه ودينه والا يعرض دينه لما يسلمه ومن جملة ذلك هجمه على الامور المدلهمة التي لا يتبينها وان يبتغي النجاة لنفسه بمعرفة الدين. الذي رظيه الله عز وجل لنا مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون وائمة الهدى رحمهم الله تعالى ومشكاة الانوار التي تهديك الى ما كانوا عليه هي مشكاة العلماء فاذا اقبل الانسان على العلماء وصدر عما يقولون فتكلم بما تكلموا وسكت اذا سكت فهذا سبيل النجاة. ولا تظنن ان العالم اذا سكت ان النجاة تكون في من تكلم. فان هذا لا يكون ابدا. والله عز وجل لا يستأمن على دينه من يقوله وانما جعل الله عز وجل العلم عند من يحفظه ويكلأه ويرعاه فان العلم امانة الله في واذا كان الثري ينأى ان يجعل ماله في حفظ من يخون فان الله عز وجل لا يجعل دينه في حفظ من يخونه فانظر الى حالهم فاذا تكلموا فتكلم بكلامهم واذا سكتوا فاسكت كسكوتهم فان فانهم عن علم كامل وببصر نافذ سكتوا وربما شاركهم النابغون من طلاب العلم في العلم ولكنهم لا يشاركونهم في البصر النافذ فالبصر النافذ يفتقر الى تجربة طويلة وخبرة عظيمة والعالم الذي مرت عليه عقود طويلة بالامة ورأى تحولاتها في اختلاف اطيافها وامورها يعي حقائق الامور. فيكون في كلامه من الترياق الشافي والجواب الكافي ما لا يكون في جواب غيره. فمن اخذ بما ارشد اليه نجا. ومن عدل عن كلامهم الى كلام غيرهم فانه ستتبين له حقيقة امره فيما يستقدم من الايام. وبتمام هذا الباب يكون بحمد الله عز وجل قد فرغنا من كتاب الاسلام