الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. قلتم شيخنا غفر الله لنا ولكم في كتابه البينة ثقة باس العلم الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى فله الحمد الاخرة والاولى واصلي واسلم على محمد واله صلاة وسلاما بالمكيال الاوفى. اما بعد فانه لم الذين يقتبسون العلم منفكين عن خبطهم زائلين عن خلقهم حتى تأتيهم بينة واضحة وحجة موضحة توجه حائرهم وتنبه غافلهم. وقضي لي فيما سلف تصير مقيدة في مدارج العلم بعشر وصايا وغرمت ما شاء الله فتلقفها فئام يسترشدون. واستفاد منها خيار مرشدون. وامتدت اليها يد جائرة افرغتها في وعاء اي موقع من مواقع شبكة العنكبوتية منحوتة لداعي لم يخترع معنى ولم يخترع مبنى سره وكرهت لجتهم فارتفعت عن لجتهم. لان المقصود اصابة الاجر انها لا يسوء صادقا طيبته بث العلم وهداية الخلق. فالله يغفر لي وله. ثم حسن لي موفق سلم صالحا وبوح وصالها توسعة في الافادة فاجبت الداعي وحققت مؤمله في اقتباس العلم والله يهدي من يشاء الى صراط مستقيم. بين المصنف وفقه الله في ديباجة هذه الرسالة ان طلاب العلم لن يزالوا اخذين في خبطهم متقلبين في خلطهم في اخذ العلم لجهلهم بطريقه. فان الجهل بالطريق والمقصود والافات يضيع به عمر كثير في محصول قليل ذكره ابن القيم في كتاب الفوائد فاذا اهتدى الانسان الى الطريق الذي توصله الى العلم ويفضي به اليه حصل في المدة القصيرة خيرا كثيرا. وكان من ما استوف نعت هذا الطريق لبعض الاخوان الراغبين في ذلك مقيدة في مدارج العلم كتبتها قديما وانتفع بها من شاء الله عز وجل ان ينفعه ثم جار عليها احدهم بالعدوان فاختلسها ونسبها بقضها وقضيضها. ومبناها ومعناها الى نفسه فبلغني بعض ان نصح في فعله فكرهت التعرض له فيما اخترعه بنسبتها الى نفسه رأيت المبادرة الى نشرها عسى الله عز وجل ان يكثر النفع بها. واقتنصت للمختار منها ما اسم البينة في اقتباس العلم والحذق فيه. والاقتباس هو الاخذ للعلم هو الاتقان له وهو بكسر الحاء وفتحها لغتان مشهورتان فهذا كتاب بينة في اقتباس العلم والحلق فيه مظهرا رجاء ان ينتفع الملتمس ويرتفع المقتبس وينقمع المختلف. نعم. احسن الله اليكم ما قصده صاد من العلم دراره ونال منه غراره. ومن فسدت نيته وساء قصده لم يصب من الصيد الا ارذله مصائب ولا يبشر به رائدا. ومن كنوز السنة انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى وبتصحيح النيات تدرك الغايات. ومدار نية العلم على اربعة امور من اجتمع له قصدها كملت نيته في العلم رفع الجهل عن النفس بتاريخها طريق العبودية. وثانيها رفع الجهل عن الخلق بإرشادهم الى مصالح دنياهم وآخرتهم وثالثها العمل به فإن العلم يراد للعمل. ورابعها احياؤه وحفظه من الضياع. وهذا المعنى متأكد في حق وهذا المعنى متأكد في حق المتأهل المتهيأ له في حق المتأهل المهيأ له القادر عليه واليهن اشرت بقول ونية للعلم رفع الجهل عن نفسه فغيره من النسم والثالث التحصين للعلوم من ضياعها وعمل به زكن. ومعنى عما شمل والنسم النفوس جمع نسمة وسكن اي ثبت. ابتدأ المصنف وفقه الله بذكر البينة الاولى من البينات المرشدة الى اقتباس العلم ارضي فيه فذكر ان العلم صيد. والعلم الذي يراد به كونه صيدا هو علم الكتاب والسنة وهو صيد للارواح. كما ان ما يتمتع به من انواع الصيد يتمتع به في الابدان فان العلم متعة للروح ولذة لها. وهو فوق ذلك عبادة يتقرب بها الى الله سبحانه وتعالى وكل صيد فله شراك. اي حبالة تنصب لاقتناصه. فان الشراك هو الحبالة التي تلقى لاجل اقتناص الصيد من طير او غيره. فالعلم صيد وشراكه الذي ينصب لاقتراصه النية. فمن صحت نيته وحسنت وكملت اصاب من العلم اعظم الصيد. ومن فاتته النية الصالحة الصحيحة في العلم فاته الخير. ومن كنوز السنة قوله صلى الله عليه وسلم الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى. وبتصحيح النيات تدرك فمن صحت نيته بلغ غايته ومن ساءت نيته انقطع دون مؤمله فلم يبلغه ثم ذكر المصنف ما تتحقق به نية العلم. فان لكل عمل نية تختص به. ونية العلم مدارها على اربعة امور احدها رفع الجهل عن النفس. فينوي ان يرفع الجهل عن نفسه بتعريفها بطريق العبودية وثانيها رفع الجهل عن الخلق بارشادهم الى مصالح دنياهم واخرتهم. وثالثها العمل به فان العلم يراد للعمل. ورابعها احياؤه وحفظه من الضياع. وهذا المعنى يتأكد في حق المتأهل المهيأ القادر عليه ذكره في الفروق فمن زاد حفظه وحسن فهمه فان ما يلزمه من العلم الواجب فوق ما يلزم سائر المشتغلين بطلب العلم لما اتاه الله من الالة التي يمكنه بها ان ينفع وينتفع في حفظ الدين من والضياع ثم ذكر ضابطا حسنا في الاشارة الى هذه المقاصد وهو قوله ونية للعلم رفع الجهل عم يعني شمل عن نفسه فغيره من النسم يعني من النفوس جمع نسمة والثالث التحصين للعلوم من ضياعها اي الحفظ للعلوم من ضياعها. وعمل به زكن اي وعمل بالعلم ثبت نعم قد قيل ومن لم تكن له عزيمة لم يفرح بغنيمة فإن العزائم جلابة الغنائم فاعزم تغنم واياك واماني البطالين قال ابن القيم رحمه الله في كتابه فوائد اذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة وردفه قمر العزيمة اشرقت الارض وبنور ربها وانما يحل عقدة العزم ثلاث ايد. اولها الف العوائد مما جرى عليه الخلق في رسومهم واحوالهم وثانيها وصل العلائق وهي تعلقات القلب وصلاته. وثالثها قبول العوائق من الحوادث القدرية التي تكتسح العبد من من قبل غيره فان لهن سلطانا على النفس يحول بين العبد وبين مطلوبه. ويقعده عن مرغوبه العوائل تحسم بالهجر والعلائق تحسم بالقطع والعوائق تحسم بالرفض. فمن هجر العوائد وقطع العلائق قضى العوائق فهو سلطان نفسه. وحسام النفوس اجل من حسام الروس. وتمد قوة العزل ثلاثة موارد اولها مورد الحرص على ما ينفع. وثانيها مورد الاستعانة بالله عز وجل. وثالثها مورد خلع ثوب العجز والكسل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فجمله الثلاث منابع الموارد واحدا واحدا حذو القذة بالقذة. ومما يحرك العزائم ادمان مطالعة سير المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ايها الصالحين الاعتبار بحالهم وتعرف مصاعد هممهم يثور عزمتك ويقوي شكيمتك فلا احرم نفسك من اثارهم وطالع ما استطعت من سيرهم. ذكر المصنف وفقه الله بالبينة الثانية ان العزم مركب الصادقين. والمراد بالعزم الارادة الجازمة. فعلامة الصادق ان ينضم قلبه على ارادة جازمة في تحصيل مطلوبه. لان الذي يدعي التماس شيء ثم لا يوجد في قلبه عزما عليه فانه كاذب في دعواه. فمن عزم ادرك مناه من مراداته. فان الامر كما فقال فان العزائم جلابة الغنائم. اي يحصل الانسان الغنائم وتجتلب اليه على عزيمته ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى كلام ابن القيم رحمه الله تعالى انه قال اذا طلع نجم الهمة في سماء في ظلام ليل البطالة وردفه قمر العزيمة اشرقت الارض بنور ربها. فمتى وجدت الهمة الصادقة والعزيمة المحققة استنار حال الانسان واستقام له امره ثم ذكر ان الارادة الجازمة التي تعلو بعض القلوب فورا ثم تتلاشى فورا اخر انما تنحل باحد سبب من الاسباب الثلاثة المذكورة. فاولها الف العوائد اي العادات التي تواطأ الخلق عليها واجتمعوا فيها. فمن الفها؟ ولزمها ورغب فيها عادت على عزيمته بالنقض. وتانيها وصل العلائق وهي تعلقات القلب وصلاته فان للقلب في علائق شتى بحسب ما يطيب له ويلوح له من مراداته ورغباته. فاذا جعل المرء نفسه تبعا ان لصلات قلبه ووسائجه التي يتطلبها اخذت به هذه الصلات كل مأخذ اودته في اودية مختلفة متباينة واضعفت عزمه. وثالثها قبول العلائق قبول والمراد بالعوائق الحوادث القدرية التي تكتسح العبد من قبل غيره فان الانسان في هذه الدنيا لا ينفك عن اقدار مؤلمة تعرض له. وهذه الاقدار المؤلمة ربما كانت عوائق تعيقه عن مواصلة سيره فاذا وردت هذه العوائق فقبلها المرء واستسلم لها فان عزمه ينحل بخلاف من احسن ملائمة حاله مع تلك العوائق وجاهدها فانه يستقيم له امره ويثبت له عزمه. ثم ذكر المصنف ما يحصل به دفع هذه الافات الثلاث. فقال فالعوائد تحسم بالهجر. اي ان ما اعتاده الناس مما يفسد عزمتك ويحلها يمكنك ان فاستنقذ نفسك منه حسمه بالهجر بان تهجر هذه العوائد واما العلائق فتحسم بالقطع. فيقطع الانسان تعلقات قلبه بملذاته. التي يميل اليها فاذا قطعها قوي عزمه ولم ينحل. واما العوائق فهي تحسم بالرفض. فاذا عرض عائق رفظ الاستسلام له ولم يجري معه بل صارعه مجاهدا حتى يغلبه او ان يبقى على بقدر ما يستطيع من حال على قدر ما يستطيع من حاله. اما الاستسلام لهذه الواردات عند ورودها فانه او يفسد الانسان وهذا هو حال اكثر الخلق عامة. ومنهم طلاب العلم. فان احدنا لا يزال مبتلى بحال اهل دنيا من الف العوائد واتباع العلائق والاستسلام للعوائق لكن ينبغي ان يصارع الانسان مكابدا في الجهاد في ابتغاء اطراح هذه الواردات والتغلب عليها بمواد الحسم التي ذكرناها. ثم قال اصنف وحسام النفوس اجل من حسام الرؤوس. اي ان حسم الانسان نفسه بمنع من مألوفاتها ومراداتها اجل من كون الانسان شجاعا يضرب بسيف يحسم به رؤوس الخلق لان المرء اذا انتصر على نفسه قوي واما من ينتصر على غيره وينهزم امام نفسه كذلك انسان ضعيف وان كان في الصورة انه انسان قوي ثم ذكر ثلاثة موارد عظيمة تمد قوة العزم اولها مورد الحرص على ما ينفع. فاذا حرص الانسان على ما ينفعه قوي عزمه وثانيها مورد الاستعانة بالله عز وجل. لان المرء لا مكنة له في درك مبتغاه الا بعون من الله عز وجل والشاعر يقول اذا لم يكن عون من الله للفتى فاول ما يجني عليه اجتهاده وثالثها ترك العجز وخلع ثوبه فيخلع الانسان ثوب العجز والكسل عن نفسه. ثم ارشد الى او ورود هذه الموارد الثلاثة في قول الناصح الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم اذ قال احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز بكسر الجيم وتفتح ايضا فيقال ولا تعجز ولا تعجز رواه مسلم في صحيح ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى مما يحرك عزم الانسان ويقوي قيمته ويهون عليه السير في الطريق الى مبتغاه ان يديم النظر في سير الماظين مما وصل الى الله سبحانه وتعالى من الانبياء والعلماء والشهداء والصالحين. فان النظر في سيرهم ودوام تقريبا تقليب الفكر في اخبارهم يقوي سير الانسان ويحمله على الاجتهاد في الاقتداء بهم قال ابو الفرج ابن الجوزي رحمه الله تعالى لا اجد لطالب العلم شيئا انفع من ادمان النظر من سير السلف لا اجد شيئا انفع لطالب العلم من ادمان النظر في سير السلف. انتهى كلامه وموجبه ان المرء اذا اطلع على السير تحرك عزمه وقويت نفسه للاقتداء بهم وقد ذكر ان ابا سعيد الحسن ابن ابي الحسن ابن ابي الحسن البصري رحمه الله تعالى وعظ الناس فذكرهم بحال من كان كان قبلهم فقام رجل فقال يا ابا سعيد رحمك الله انك ذكرت قوما مضوا على دهم بهم اي على مراكب فارهة جيدة وهي الخيل الدهم البهم في الوانها. وانا حمر عرج. اي وان حالنا حال من يخرج في سفره وهو يتخذ ظهر حمار اعرج مركبا له فقال الحسن البصري رحمه الله تعالى من سار على طريق القوم وصل من سار على طريق القوم وصل اي من اخذ بما كانوا عليه واستن بهديهم وسار بسيلهم فانه يصل الى ما وصلوا اليه فهذه منفعة النظر في سير السلف انها تحمل على الاقتداء بهم والتشبه باحوالهم نعم. احسن الله اليكم. البينات الثالثة التبحر في العلم فضيلة والمشاركة في كل فن غنيمة. قال يحيى ابن مجاهد رحمه الله كنت اخذ من كل علم طرفا. فان سماع اللسان قوما يتحدثون وهو لا يدري ما يقول غمة عظيمة. قال ابو ابن حزم كتيبة الاندلسيين عقب ذكره له ولقد صدق. وما احسن عيد اهل الذوق والواجد من طلاب المعاني قول بني الورد من كل فن خذ ولا تجهل به فالحر مطلع على الاسرار. ويقبح بالمرء ان تكون له قدرة وليست له همة وعن استنباط علم مع القدرة عليه ويتباعد عنه مع قرب طريق وصوله اليه. وهذا ضرب من الحرمان فان العلم خير وان المؤمن ان لا يشبع من الخير حتى يكون منتهاه الى اصله الزخار ومنازله الاولى. فحي على جنات عدد فانها منازلك الاولى وفيها المخيم ومن خصائص علوم الديانة ارتباط بعضها ببعض فمحلها الى النورين القرآن والسنة واذا كان المنبع واحدا كان الارتباط واضحا. قال الزبيدي رحمه الله في الفية السند بشرط بعض المرتبطة والتفريق بين هذه الاقتصار على فن واحد دون تحصيل اصول بقية الفنون من اثار الاقتداء بعلوم اهل الدنيا هي التي سرت في كثير من المشتغلين التي سرت في كثير من المشتغلين بعلوم الشريعة وثبوت القدم على الصراط الاتم هو في تحصيل اصول الفنون دون اتساع فيها ثم التشاغل بما شاء العبد منها مما وجد قوته فيه وقدرته عليه وحصول الكفاية في علوم الديانة جميعا. فليس متهيأ لكل احد بل يختص به الله من يشاء من خلقه ملاحظة الاختصاص تهون المغامرة فيه امال الا لصابرين. ذكر المصنف وفقه الله في البينة الثالثة ان التبحر في العلم فضيلة. اي التوسع فيه فان التبحر موضوع في كلام العرب للدلالة على الاتساع. والمشاركة في كل فن غنيمة. واقل ذلك الغنم ان يرتفع عن الانسان الغم في جهله بشيء من العلم المنقول كما ذكر عن يحيى ابن مجاهد قال كنت اخذ من كل علم طرفا. فان سماع الانسان قوما يتحدثون وهو لا يدري ما يقول اي لجهله بينهم غمة عظيمة قال ابو محمد ابن حزم كتيبة الاندلسيين اي بمنزلة الكتيبة من الاندلسيين مع كونه واحدا بجلالة علمه وكان ابن القيم يسميه منجنيق الغرب في كتاب زاد المعاد. قال بعده ولقد صدق اي صدقة بان الانسان اذا سمع قوما يتكلمون في علم وهو لا يفهم ما يتكلمون به فانه يلحقه اذا كان حر النفس ابيها يلحقه غم عظيم. ثم ذكر قول ابن الودي من كل فن خذ ولا تجهل به فالحر مضطر على الاسرار ويقبح بالمرء ان تكون له قدرة وليست له همة كما قال المتنبي ولم ارى في عيوب عيبا كنقص القادرين على التمام. فمن كانت له قدرة على بلوغ مراده فان من نقصه تركه ذلك المقصد المبتغى ثم بين ان هذا ضرب من الحرمان فان العلم خير وان المؤمن لا يشبع من الخير حتى يكون منتهاه الى اصله الزخار ومنازله الاولى وهي جنات عدن جعلنا الله واياكم من اهلها. ثم ذكر ان من خصائص علوم الديانة ارتباط بعضها ببعض وموجب هذا الارتباط ان محلها اي الموضع الذي ترجع اليه هو النوران القرآن والسنة وهما وحي من الله. فاذا كان المنبع واحدا كان واضحا ثم ذكر قول الزبيدي في الفية السند فان انواع العلوم تختلط وبعضها بشرط بعض مرتبط فالعلوم الاسلامية المتعلقة بفهم الكتاب والسنة اصلا وفرعا مقصدا والة بعضها يأخذ بعض ولا يتصور انفصامها عن بعض لتخلف تمام الفهم اذا تخلف واحد منها. فمثلا من علي من علم النحو او البلاغة او الاصول كيف يفهم الكتاب والسنة؟ فلا يفهم الكتاب والسنة فهما كاملا تاما الا من اخذ بما يحتاج اليه من العلوم التي تكون الة للوقوف على مقاصد الفاظ الكتاب السنة ثم ذكر آبدة من الاوابد مبينا علتها فقال والتفريق بينها اي بين علوم الديانة بالاقتصار على فن واحد دون تحصيل بقية الفنون من اثار الاقتداء بعلوم الدنيا التي سرت في كثير من المشتغلين بعلوم الشريعة. لان علوم الدنيا في العادة الجارية لا يفتقر بعضها الى بعض. فالمهندس ولا يفتقر الى علم الطبيب والطبيب لا يفتقر الى علم المهندس. واما الفقيه فانه يفتقر الى علم المفسر. والمفسر يفتقر الى الى علم الفقيه فلا يكون المرء كاملا في العلم حتى يلحق علومه بعضها ببعض بوصل بعضها ببعض وكيفية الوصل تكون بان يتعاطى الانسان من كل فن مختصرا فتكون له معرفة اجمالية بمقاصد الفنون الاسلامية ثم له ان يتوسع بعد ذلك فيما شاء من البنون فنا واحدا او اكثر بحسب ما يوافق رغبته ويجد فيه قوته. ثم ذكر المصنف ان ثبوت القدم على الصراط الاتم هو وما ذكر انفا من تحصيل اصول الفنون دون اتساع فيها. ثم التشاغل بما شاء العبد منها بما وجد قوته فيه وقدرته عليه ثم قال اما بلوغ الكفاية اما بلوغ الغاية وحصول الكفاية في علوم الديانة فليس متهيئا لكل احد بل يجذب الله عز وجل من يشاء من خلقه فيرزقه فيرزقه من فيرزقه من انواع العلم والفهم في علومه الديانة ما لا يتهيأ لافقر الناس في اكثر طبقات الامة وقرونها. لكن اذا لاحظ الانسان ان التبحر في العلم بالاطلاع على فنون علوم الديانة كافة انه نوع اختصاص هان عليه امر المغامرة والاجتهاد في فبذل قوته وقوته ونفسه ونفيسه في التماس العلوم الشرعية كافة. فمن كانت له قوة على ذلك ممن جاد فهمه وقوي حفظه وحسن طبعه للعلم فانه ينبغي له ان يستبلغ قوته في ذلك ومن علم من حظ نفسه انها لا تبلغ كذلك فلا اقل من ان يتقن في كل علم من علوم الديانة مثنا مختصرا حتى اذا اتقن هذا المتن واحاط علما بكليات ذلك الفن من الفنون المتعلقة بعلوم الديانة له بعد ان يتوسع في معرفة علوم الديانة الاصلية بحسب ما يحب منها ويجد نفسه فيها. اما ان يكون المرء منتسبا الى التفسير فاقدا العلم بمقدمات النحو او مقدمات مصطلح الحديث او مقدمات اصول الفقه فهذا لم كن في قرون الامة السابقة وانما وقع في هذه القرون المتأخرة حتى صرت تسمع ممن ينتسب الى التفسير وهو لا يعرف الفرق بين الحديث المرفوع والحديث الموقوف. او من ينتسب الى الفقه ولا يعرف الفرق بين بعض القواعد الاصولية المحتاج اليها في الفقه. فمثل ذلك لا يكون ابدا. لكن لما سرت علوم الدنيا في الناس تشبه المشتغلون بالعلوم الشرعية بهم فظنوا ان التخصص في علم واحد لا يفقه الا هو ان هذا مرادا وليس هذا من حال الاولين نعم من حالهم التخصص بالتبريز في فن واحد او اكثر. اما ان يكون لا يفهم الا هو فلا تكون له بغيره لا من عربية ولا فقه ولا اصول ولا تفسير ثم ينسب نفسه الى الحديث فان هذا لا يكون ابدا الا عند الناس من المتأخرين الذين فسدت عندهم قوانين العلوم فادخلوا فيها ما ليس منها واخرجوا منها ما هو منها؟ نعم. احسن الله اليكم. البينات الرابعة ينبغي ان يكون هم الطالب الاعظم تحصيل علوم المقاصد في الوحيين فلا يشتغل بغيرها الا بقدر ما يقف به على مقاصد العلم المنظور فيه. دون ادامة نظر تبلغه غوره فان العلوم الالية كثيرة العدد ثقيلة العدد. وهي للعلم بمنزلة الملح للطعام. ان زاد ساء وان قصص. قال ابن خلدون رحمه الله في المقدمة اعلم ان العلوم المتعارفة بين اهل العمران على صيفين علوم مقصودة بالذات كالشرعيات وعلوم ووسيلة لهذه العلوم. فاما العلوم التي هي مقاصد فلا حرج في توسعة الكلام فيها. وتفريع المسائل واستكشاف الادلة والانظار فان ذلك يزيد طالبها تمكنا من ملكته وايضاحا لمعاليها المقصودة. واما العلوم التي هي الة لغيرها مثل العربية والمنطق وامثالها فلا ينبغي ان ينظر فيها. الا من حيث هي الة لذلك الغير. الا من حيث هي الة لذلك غير فقط ولا يوسع فيها الكلام ولا ولا تفرع المسائل. لان ذلك مخرج لها عن المقصود المقصود منها ما هي الة له لا غير. فكلما خرجت عن ذلك خرجت عن المقصود. وصار الاشتغال بها لغوا مع ما فيه من صعوبة على ملكتها بطولها وكثرة فروعها. وربما يكون ذلك عائقا عن تحصيل العلوم المقصودة بالذات. بطول وسائلها مع شأنها اهم والعمر مع ان شأنها اهم والعمر يقصر عن تحصيل والعمر يقصر عن تحصيل الجميع على هذه الصورة ولا يتأتى للطالب الظفر بما يؤمله من علوم المقاصد والوسائل حتى يكون. نهاذا للفرص مبتدأ للعلم من اوله آتيا له مما دخله منصرفا عن التشاغل بطلب ما لا يضر جهله. ملحا في ابتغاء درك ما استصعب عليه غير مؤمن له قال الماوردي رحمه الله في اداب الدنيا والدين. فينبغي لطالب العلم الا يني في طلبه. وينتهز الفرصة به. فربما الزمان بما سمح وظن بما منح. ويبتدأ من العلم باوله ويأتيه من مدخله. ولا يتشاغل بطلب ما لا يضر جهله فيمنعه ذلك من ادراك ما لا يسعه جهله. فان لكل علم فضولا مذهلة وشذورا مشغلة. انصرف اليها نفسه قطعته عما هو اهم منها انتهى. قال رحمه الله ولا ينبغي ان يدعوه ذلك الى ترك ما استصعب عليه اشعارا لنفسه ان ذلك من فضول علمه واعذارا لها في ترك الاشتغال به فان ذلك مطية النوكى وعذر المقصرين. ومن اخذ من العلم ما تسهل وترك ما تعذر كان كالقناص اذا امتنع عليه الصيد تركه فلا يرجع الا خائبا اذ ليس يرى الصيد الا ممتنعا كذلك العلم صعب على من جهله سهل على من علمه. لان معانيه التي يتوصل اليهم التي يتوصل اليها. مستودعة في كلام في كلام مترجم عنها وكل كلام مستعمل فهو يجمع لفظا مسموعا ومعنا مفهوما. فاللفظ كلام يعقل بالسمع والمعنى فاللفظ يفهم بالقلب انتهى. ذكر المصنف وفقه الله في بينة الرابعة انه ينبغي ان يكون هم الاعظم تحصيل علوم المقاصد. لان علوم المقاصد مما اشتمل عليه الكتاب والسنة هي الحقيقة بالطلب لانها مقصودة لذاتها. فينبغي ان يشتغل بها المرء اشتغالا تاما ولا يشتغل بغيرها الا بقدر ما يقف به على مقاصد العلم المنظور فيه. فيكون مراده من مطالعة علم من العلوم الالية كالنحو او الاصول او مصطلح الحديث هل هو الوقوف على مقاصد ذلك العلم دون طلب استقصاء رأي فروعه ومسائله لان الامر كما قال المصنف فان العلوم الالية كثيرة العدد ثقيلة العدد وهي علم بمنزلة الملح الملح للطعام ان زاد ساء وان نقص ساء ثم ذكر كلام ابن خلدون الله تعالى في مقدمته من تقسيم العلوم المتعارفة بين اهل العمران على صنفين احدهما علوم مقصودة بالذات والاخر علوم غير مقصودة بالذات وانما هي علوم الية الاول يتعلق بالعلوم الشرعية المحضة المتعلقة بالكتاب والسنة في الفقه والحديث والتفسير والاعتقاد والثاني يتعلق بجميع العلوم الالية التي تعين على فهم كلام ربنا عز وجل كلام رسوله صلى الله عليه وسلم ثم قال ابن خلدون فاما العلوم التي هي مقاصد فلا حرج في توسعة الكلام فيها تفريع المسائل واستكشاف الادلة والانظار فان ذلك يزيد طالبها تمكنا من ملكته وايظاحا لمعانيها المقصودة فهو لا يجوز فهو لا يزال يتزايد في الاحاطة بفوائدها واستنباط علومها ومعارفها. واما العلوم التي هي الة لغيرها فلا ينبغي ان ينظر اليها الانسان الا من حيث هي الة اي بقدر حصول الخدمة بها لانها الة للوصول الى مراد مطلوب لذاته. ولا ينبغي له ان يوسع الكلام فيها ولا ان يفرع لان ذلك يخرج عن المقصود كما ذكر وربما كان ذلك ذلك عائقا عن العلوم المقصودة بالذات وهي العلوم الشرعية وهذا واقع في حق كثيرين من المشارقة والمغاربة الذين شهروا بالعلوم العقلية او العربية فحملهم اشتغالهم بتلك العلوم على التقصير في الاشتغال بعلم الكتاب والسنة. ثم ذكر انه لا يتأتى للطالب الظفر بما يؤمن حتى يكون نهازا للفرص. يعني مغتنما لها. فاذا لاحت له فرصة فليغتنمها مبتدأ للعلم من اوله فيأخذه من اوله متدرجا فيه آتيا له من مدخله لأن العلم بيت من بيوت والبيوت تدخل من ابوابها فالعلم يدخل من بابه وذلك بتلقي العلم عن اهله في الكتب التي جرى العمل على تلقي العلم منها فمن اخذ العلم كذلك فقد اتى العلم من مدخله ثم قال منصرفا عن التشاؤم اي مائلا عن التشاغل بطلب ما لا يضر جهله ملحا في ابتغاء ترك ما استصعب عليه غير مهمل له. ثم ذكر كلام الماوردي رحمه الله تعالى في ادب الدين والدنيا في التحريض على عدم الضعف في اخذ العلم والاشتداد في بذل في تحصيله والابتداء به من اوله واتيانه من مدخله. ثم ذكر كلامه في حال بعض الناس. الذين اذا عرظ لهم من العلم ما صعب عليهم تركوه والتمسوا لهم عذرا في ترك الاشتغال به فانه كما قال فان ذلك مطية اي المركب الذي يتخذه النوكة والنوكة هم الحمقى. ثم ذكر ان من اخذ من العلم ما تسهل وترك ما تعذر كان كالقناص يعني الصائب الذي يقنص الصيد. اذا امتنع الذي يقنص الصيد اذا امتنع عليه الصيد تركه فلا يرجع الا خاليا فانه اذا ترك من الصيد ما امتنع فاته انفس الصيد فان انفس الصيد اقواه وانما يمتنع القوي من الصيد فاذا كان الصائد اذا لاح له شيء استصعبه تركه فانه لا يرجع بشيء وكذلك صاحب العلم اذا لاح له في العلم صعوبة ثم ترك العلم لهذه الصعوبة التي لاحت ولم يجتهد في طلبه فانه ينقطع عنه ثم قال رحمه الله في كلام نافع كذلك العلم طلبه صعب على من جهله سهل على من علمه وصدق رحمه الله الله لان العلم هو بيان دين الله وهذا الدين يسر كما ثبت عند البخاري من حديث ابي هريرة فالعلم لمن عرف مدخله وكيفية اخذه سهل ميسور اذا سار في الطريق الموصلة اليه واتم بأهله المعروفين به فإن العلم الشرعي مجموع الله عز وجل في بيان جامع هو بيان الشرع وما يحتاج اليه من العلوم الالية التي تواطأ اليها الناس هو نزر يسير تحصل به الغاية عند تعاطي جملة منه. ولكن الشأن في معرفة تلك الطريق اولا. ثم في الصدق في التماس العلم. فما صدق الله صدقه الله. ومن التمس العلم راغبا في الانتساب الى ميراث النبي صلى الله عليه وسلم. فان الله لا يرده خائبا نسأله سبحانه وتعالى الا يردنا عن مجالس العلم خائبين والحمد لله رب العالمين