والمنارة العاشرة مفتاح التأصيل اذا اردنا ان نبحث عن مفتاح شيء فينبغي ان ننظر الى تأريخه وقد عرفت فيما سلف ان التأصيل ممتد في هذه الامة موجود في طبقاتها فينبغي لمن اراد ان يبحث عن المفتاح ان يتأمل في المبادئ التي تواطأ عليها الناس في هذه الامة على تقديمها في حق كل متعلم ومن سبر تاريخ المسلمين وجد ان هذه المبادئ ثلاثة اولها القراءة وثانيها الكتابة وثالثها الحساب فكل طبقة من طبقات الامة كان صغارها يبدأون بهذه المطالب الثلاثة بان يتعلموا القراءة والكتابة والحساب وكل واحد من هذه المبادئ الثلاثة له ثلاث مراتب فالقراءة مراتبها ثلاث المرتبة الاولى معرفة الحرف والمرتبة الثانية معرفة حركاته والمرتبة الثالثة معرفة مخرجه وصفته فيعرفوا هذا الحرف من حروف الهجاء كالدال والذال والراء والزاي ثم يعرف حركاته وهي المشهورة بالقاعدة البغدادية محركا ومسكنا كري رو ار والمرتبة الثالثة معرفة مخرج الحرف وصفته وهي مراتب متتالية فالمقدم ان يعرف المتلقي الحرف ثم يعرف حالاته في حركاته ثم يعرف مخرجه وصفته ويمتثل كل ذلك والكتابة ايضا لها ثلاث مراتب المرتبة الاولى معرفة رسم الحرف فيعرف كيفية كتابة حرف الدال او الدال او الراء او الزاي اللاتي تقدم ذكرهن ويعرف رسم الحرف مفصولا وموصولا فكيف يكتب حرف العين اذا كان موصولا بغيره ككلمة علم وكيف يكتب اذا كان مفصولا عن غيره ككلمة شرع وثانيها تحسين الخط وذلك بالاجتهاد بان يكون خطه حسنا مقبولا مستحسنا في اعين الناظرين وثالثها تجويد الخط بالارتقاء فوق مرتبة تحسين الخط الى اتقانه بمعرفة انواع الخطوط كالثلث او النسخ اي الرقعة او غيرها من انواع الخطوط الاخرى والاعداد كذلك ثلاث مراتب اولها معرفة العدد وثانيها معرفة درجة العدد وثالثها معرفة العمليات الاربعة المتعلقة به فهو اولا يعرف العدد واحد اثنان ثلاثة الى اخر الاعداد ثم ثانيا يعرف درجات العدد وهي الاربع الاحاد والعشرات والمئات والالوف ثم يعرف العمليات الاربع وهي الجمع والطرح والضرب والقسمة فهذه الجملة المتعلقة بالقراءة والكتابة والحساب هي مفتاح التأصيل فكل واحد منها مفتقر اليه فيما يستقبل من التأصيل. فكيف يرتقي الى طلب التأصيل من لا يعرف القراءة او لا يعرف الكتابة او لا يعرف العدد وهذا شيء لم يعد ممكنا وكان مما ينبغي التنبيه اليه ان هذا القول الذي اذكره هو باعتبار ما انتهت اليه صناعة العلم عند الناس لا باعتبار ازمنة محددة فان لكل زمن جادة يوصل بها الى العلم فمثلا كان ادراك العلم في عهد الصحابة والتابعين واتباع التابعين على حال غير الحالة التي وقعت في القرن الرابع والخامس والسادس. وكذلك ما وقع بعد ذلك من السابع والثامن والتاسع والعاشر لها حال وهكذا فهذا الذي نذكره لا ينبغي ان يشوش عليه استجرار الحقب الزمنية الماضية والاحوال التي كانت عليها الناس فلا يأتي احد ويذكر عدم الحاجة الى الحساب مستدلا بالحديث الوارد في الصحيحين نحن امة امية لا نكتب ولا نحسب فهذا محدد بحال وزمان ومكان وحكم وليس اصلا كليا بل الاصل الكلي في الشريعة الامر بتعلم ذلك. وبيانه له مقام اخر