والمنارة الحادية عشرة ادوات التأصيل سبق ان عرفت ان التأصيل عماده شيئان هما الحفظ والفهم وكل واحد منهما له ادوات لابد من وجودها للوصول الى المطلوب في الحفظ والفهم فاما ادوات الحفظ فهي عشر اولها تعيين المحفوظ بان يميز المحفوظ المراد وهذا التعيين يكون بمرشد يرشد اليه ودال خبير بالطريق يعرف به فمبتدأ الحفظ تعيين المحفوظ وثانيها افراده وتوحيده بان لا يخلط بغيره فعند عزمك على حفظ شيء عينته فلا ينبغي ان تخلطه بغيره هذه هي القاعدة الكلية. وقد يدعو زمان او مكان الى ملاحظة غيرها فمثلا اذا نظر الى هذه الاداة وهي افراد المحفوظ وتوحيده بخصوص القرآن فاذا كان المتلقي صغيرا تأكد التوحيد والتفريط بان لا يخلط بغيره اما ان كان كبيرا فلا فقد سئل الامام احمد الرجل يحفظ القرآن ام يطلب العلم؟ فنظر الى السائل فوجده كبيرا فقال يطلب العلم لكن هذا لا يمحو القاعدة الاصلية بتوحيد المحفوظ وتفريده لكون ذلك لوحظ فيه عارض اوجبت رعايته في حق تحقيق العبودية نقل العبد الى غيره ولداته الثالثة اختيار النسخة الصحيحة والتزامها فيختار له نسخة صحيحة يلتزم بها وهذا يجمع شيئين احدهما ان تكون النسخة صحيحة مجودة وثانيها ان يلزم هذه النسخة في كل حال اي في بقية تحفظه ومراجعته وتكراره فلا يغادر هذه النسخة وهذا يرجع الى اصل موجود في التربية المعاصرة وهو التصوير الذهني. وذلك ان الذهن تنطبع فيه صورة لما يحفظ او يفهم تبقى فيه ومما يعين عليها في الحفظ التزام النسخة المحفوظ منها ولا ذات الرابعة جعل المحفوظ اقساما بان يجعل هذا المحفوظ على مقادير ويجتهد في تقليلها فيقسمه اقساما فقد يكون المحفوظ عشرين مقدارا او ثلاثين مقدارا او مئتي مقدار بحسب حال المحفوظ وقدرة الحافظ لا ان يجعله مرسلا سبهللا ولا كما واحدا ومن الموارد النافعة في الحفظ عند الشناقطة ما يسمى بالاقفاف وهي عندهم جمع قف واصله من قف بان ينتهي المتحفظ الى قدر يوقف عنده فيقال له قف فيكون هذا قفا اي مقدارا ثم يتبعه ثاني ثم يتبعه ثالث حتى يتم المتن وتجد ان نقل المحفوظ عندهم والاعتناء به اورث ان تكون هذه الاقفاف مشهورة غير مجهولة فمختصر خليل وهو متن مالكي مشهور هو عندهم ثلاثمائة وستون قفا اي مجعولا على هذه العدة من المقادير والاداة الخامسة تصحيح قراءة المحفوظ بان يصححه قبل حفظه لان لا يحفظ خطأ والاداة السادسة تحفظ المحفوظ اي طلب حفظه تحفظ المحفوظ اي طلب حفظه والناس اليوم يجعلون سنام التحفظ رفع الصوت به. فهو اذا اراد ان يتحفظ مثلا سورة الاخلاص شرع يقول قل هو الله احد قل هو الله احد قل هو الله احد وهذا جزء من التحفظ وكمال التحفظ يرجع الى امور اربعة اولها كتابة المحفوظ وثانيها رفع الصوت به كما مثلنا وثالثها استماعه بان يسمعه من مخزون صوتي مسجل ورابعها صلة بعضه ببعض بان يرد هذا المقدار على الذي قبله وذاك المقدار بعدهما على المقدارين قبله وهكذا حسب الخطة الموضوعة له والاداة السابعة تكرار المحفوظ بان يكرر المحفوظ كثيرا. والتكرار شيء زائد عن التحفظ ولا يشرع في التكرار الا بعد وجود الحفظ فهو لا يعد عندما يقول رافعا صوته قل هو الله احد قل هو الله احد قل هو الله احد ان هذا تكرارا. فهذا حال فاذا انتهى الى الحال التي يكون فيها المحفوظ في ذهنه فعند ذلك يطالب بالتكرار وكلما زاد التكرار عظم الانتفاع فقوة حفظك على قدر تكرارك ولا ينبغي ان يقل عن عشرين مرة فاذا امكنه ان يصل الى الخمسين فذلك خير. واذا امكنه ان يصل الى المئة فذلك اعظم. وهذه ارقام قليلة ازاء ما شهر عن جماعة من تكرار محفوظهم خمسمائة مرة او الف مرة وذكر اكثر من ذلك ايضا والاداة الثامنة عرض المحفوظ. فلا يكفي ان تحفظ بل لا بد من عرظه على غيرك اما قرين مشارك او شيخ ملاحظ معتن. فاذا حفظت ذهبت اليه فعرظت محفوظك. والاداة التاسعة مذاكرة المحفوظ وهي تالية لعرضه على الشيخ بان تجتمع مع غيرك من اقرانك فتتذاكر هذا المحفوظ على وجه المداولة بينكم. بان تقرأ بابا ويقرأ هو بابا اخر او بان تقرأ بابا ويقرأ هو الباب نفسه. والاداة العاشرة مراجعة المحفوظ وهذه المراجعة تارة تكون حال الحفظ فتراجع محفوظ اليوم الماظي او اليومين الماضيين او محفوظ الايام الثلاثة او الايام الاربعة بحسب الموضوعة لذلك وتارة تكون هذه المراجعة بعد الفراغ منه. فاذا فرغت منه راجعته اما حالا قبل الاشتغال اخر والا بان يبقى معك في وقت من السنة تراجع فيه هذا المحفوظ وامثاله الاجازة الصيفية واما ادوات الفهم فهي عشر ايضا الاداة الاولى تعيين المفهوم والقول فيه كالقول فيما سبق من تعيين المحفوظ اي تمييزه ولدات الثانية افراده وتوحيده بان لا يجمع بينه وبين غيره. وهذا هو الاصل فان تعذر تتغير الاحوال في زماننا وقلة المعلمين وكثرة الشواغل فلا بأس لكن ان امكنه ان يجمع نفسه على مفهوم واحد فهو افضل. والاداة الثالثة اختيار النسخة الصحيحة والتزامها ليفهم فهما صحيحا فانه قد يقع الغلط في الفهم للغلط في النسخة. ولا ذات رابعة جعل المحفوظ جعل المفهوم اقساما وهو الذي يسمى بالدروس فهذه الدروس لابد منها للحصول على فهم متمكن وشواهده في الدراسة النظامية ان المرء لا يأخذ المقرر دفعة واحدة ولكنه يجعل له دروسا مفرقة. والاداة الخامسة تصحيح قراءة المفهوم قبل فهمه والاداة السادسة تفهم المفهوم قبل استشراحه وهو ان تعمد الى المفهوم الذي تريد استشراحه عند معلم او شيخ فتتفهم جمله. وهذا من انفع ما يكون في تفتيق الاذهان وتقوية العقل فتأتي الى الجملة التي تريد ان تستشرحها ثم تنظر فيها دون شرح. وانما بنظرك انت فتتفهم المعاني المذكورة وهذا يربي عندك ملكة الفهم ويجعلك قادرا على الاحاطة بما يلقى اليك من القول. وينشئ في نفسك الايرادات والاشكالات. ومنه تعرف الخطأ والصواب فانت ستعود الى شيخك الذي يشرح لك ثم تفهم ان بعض ما فهمته صواب وان بعض ما فهمته خطأ يؤول الى صفاء الذهن فيكون الذهن بعد ذلك صافيا قادرا على تمييز ما يلقى اليه من اسرع وهلة. فالاجوبة الذكية التي نراها من بعض المفتين هي نتيجة من النتائج التي اوصلت اليها مثل هذه المهارة. والاداة السابعة تلقي المفهوم بالشرح والايضاح فتتلقى هذا المفهوم عن معلم او شيخ يبين لك معانيه ولا يمكن ان يكون ذلك الاستشراح من كتاب فالكتاب صامت ولا يمكن ايضا ان يكون من مسجل وهو ما يسمى بالشريط الصوتي او المخزون الصوتي على اختلاف اوعيته. وهذا انما ينتفع به عند عدم وجود من لاختصاص هذه الامة بكون التلقي يكون فيها بالنقل المباشر ففي سنن ابي داوود باسناد قوي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم فهذا هو الاصل في تلقي العلوم في هذه الامة. والاداة الثامنة تقييد الشرح المتلقى وكتابته فالشرح الذي يلقى اليك لا تنتفع به الا مع التقييد بان تقيد كاتبا ما يلقى اليك هو الاداة التاسعة مذاكرة المفهوم بان تجتمع مع غيرك من اقرانك وتذاكر ما اليك من الشرح والاداة العاشرة مراجعة المفهوم بان تجعل هناك وقتا لهذا المفهوم الذي فهمته تراجع فيه ما القي اليك كيبقى راسخا ثابتا في نفسك