المنارة الثامنة عشرة هذا التأصيل الذي يأخذ بالبابنا وقلوبنا كبادرين للخير وناشرين له وبكم ايضا كمحبين للعلم وراغبين فيه ينبغي ان تعلموا انه يشتمل على مزاله فمن جملة تلك المزالق اهمال تزكية النفس فاللهث وراء المعلومة جعل لنا جعلنا نقصر في تزكية انفسنا بالاعمال الصالحة والاكثار مما يقربنا من الله سبحانه وتعالى. فصار الزهد والرقائق والاخلاق والسلوك شيئا بعيدا عن اسمك تأصيل ولا يمكن التأصيل الا بوجودها كما ذكر ابن تيمية الحفيد في كلام الله ان القلب اذا كان لينا سهلا ام ان يحفظ العلم ويفهمه وان يزكو فيه العلم ويثمر ويصل الى ما يريد بلا المعاني النافعة. المزلق الثاني سيطرة الفكرة ووهنوا الانجاز فتجد مبتغي التأصيل تسيطر عليه فكرته دون انجاز فيه فيستسلم للفكرة دون احراز شيء من الانجاز فيعظم الفكرة دون ملاحظة التنفيذ والانجاز فيبقى يردد التأصيل التأصيل دون وجوده في الواقع والمزلق الثالث اعمال القاعدة العامة والغفلة عن ملاحظة الافراد فتجد من الناس من يجعل مسالك التأصيل قاعدة كلية لكل الافراد. ويغفل عن انه قد يوجد في فرض لشخص او زبان او مكان ما يستدعي ملاحظته فهذه المسالك موضوعة كخطوط عامة كما يقال ولابد من ملاحظة احوال الافراد. فتارة قد تنعت في تأصيل النحو متونا محددة وتجد طالبا ضعيف الفهم فيحتاج الى تقوية فتزيده اما متنا واما تدريبا واعرابا. وتارة تجد طالبا قويا فتحمله على الانفع له من الاجتهاد فالمسالك توضع باعتبار العموم لكن لا تكون قاعدة مسلطة على كل احد. والمزلق الرابع التعسير والتنفير. فان من الناس من يجعل التأصيل اغلالا تقيد الخلق بتعسيرها عليهم وتنفيرهم منها بانه لا يقدر على هذا الا كذا وان قد تعبت انا حتى حصلت كذا ويكون في كلامه ما ينفر الناس عن تأصيل العلم. والمزلق الخامس القياس على النوابغ بان ينظر علية الناس في في الحفظ والفهم ويجعل معيارا للتأصيل. وهذا غلط. فان النوابغ استثناء من القواعد وخروج عن الاصل. فلا يجعلون اصلا ولا قاعدة مستمرة والمزلق السادس اللهث وراء الظواهر المجتمعية. فتجد من يكون مشتغلا بالتأصيل ثم تبرز في مجتمع الظاهرة ايا كان نوعها فتجده يهمل مسلك التأصيل الذي اختط له ثم يلهث وراء هذه الظاهرة فتارة يلهث وراء الظاهرة وظاهرة العناية بالتربية ثم يموت هذا فيه وفي الناس ثم ينتقلون الى ظاهرة اخرى وهي ظاهرة الاعتناء بالمدارس الفكرية ثم تموت فيه وفي الناس وتظهر ثالثة فيتبعها وهذا يجعله عليلا كليلا. ان كل ما يتعلق بالتربية والاصلاح وفهم الافكار مرده الى فهم الاصول الموجودة في العلوم الشرعية واللغوية. ومتى كان الانسان ممتلئا بها فهو القادر على التربية. وهو القادر على الاصلاح وهو القادر على محاربة الافكار ولذلك صنف شيخ ابن باز رحمه الله في نقد القومية العربية وصنف الشيخ ابن عثيمين رحمه الله والشيخ صالح حفظه الله في نقد الشيوعية وصنف العلامة ابن سعدي في نقد الالحاد. ان اولئك لم يكونوا قادرين على طاعة الفكر الا بسيف العلم. واذا اردنا ان نقارع هذه الافكار او ان نربي الناس فلا نبحث في مخرجات اخرى عيده عن الاصول التي ننشأ عليها في مدارك الشرع وما تلقتها هذه الامة في طبقاتها طبقة بعد طبقة والمزلق السابع وهم الامتلاء وهم الامتلاء بان يعمد الانسان الى سلوك طريق التأصيل ويحفظ ويفهم ثم يتوهم انه صار ممتلئا من العلم ان التأصيل جزء من تحصيل العلم. والمزلق الثامن توهم انتهاء التحصيل اليه. بان يظن ان تحصيل العلم غايته هو التأصيل والمزلق التاسع اعمال التنزيل بان ينتقل من التأصيل الى اعمال هذه القواعد تنزيلا الافتاء او التعليم او التأليف مع عدم وجود الاهلية. وهو يسلك مسلكا حسنا في تأصيل نفسه. لكن انتقاله الى التنزيل دون وجود الاهلية يضر به. وهذا هو الواقع في حال كثير من المتعلمين. ينتقلون الى تنزيل التأصيل اما بمؤلف او ببحث واما بتعليم او افتاء فيقعون على امهات رؤوسهم وربما اوقعوا الناس. والمزلق العاشر تكثير المقررات في المقصد الواحد دون حاجة اليها او تقليلها مع الحاجة اليها. فتجد مثلا اذا اردنا ان نتكلم عن اللغة ستجد ان علوم اللغة كثيرة جدا واذا اردنا ان نجعل هناك تأصيل في كل علم من علم اللغة سيعمد الانسان الى المترادفات والى كذا واذا كذا ويجعل لها متنا يحفظ ويفهم وهذا تكثير لا حاجة له. وتارة يقلل كما يدعو بعض الناس الى ان تقتصر على دون ملاحظة المختصرات وهذا ايضا خطأ. من جملة المزالق ايضا وهو المزلق الحادي عشر تغيير مسلك التأصيل دون داع موجب بان يعمل مسلكا يسير عليه هو او من يصحبه ثم يغيره دون داع موجب. فالاصل بقاء هذه المسالك كما هي لكن لا يعني انها قرآن منزل لا تتغير. هي قابلة للتطوير بحسب ما تدعو اليه الحاجات المتعلقة بالمعلم او بالمتعلمين. ففرق بين مطلق التغيير وبين التغيير لداع موجب معتمد عند المغيب والمزلق الثاني عشر شخصنة المسلك بان يعمد احدهم الى رسم مسلك للتأصيل ثم يجعله ميدانا لافكاره فيجعل له متن في اصول الفقه ومتن في المصطلح ومتن في النحو ومتن في العقيدة الى اخر ذلك وهذا غلب لان هذه العلوم لها اصول معتمدة عند الناس قد تتابع عليها. لكن ينبغي ان نميز بين شخص المسلك وامداد المسلك بما يغذيه. فتارة يحتاج الناس الى الزيادة. ويدعو اليها امران احدهما سد الاحتياج. والاخر تقديم العون. فتارة تجد ان المسلك التأصيلي يحتاج الى سده. في شيء لا يوجد ما يناسبه. فمثلا شيخ شيوخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله صنف منظومة في القواعد الفقهية معروفة ومشهورة وهذه المنظومة صنفها لاجل سد الاحتياج لان الحنابلة ليس عندهم منظومة سهلة يحفظها الطلاب فهو صنفها لسد الاحتياج. لا يقال حينئذ ان ابن سعدي رحمه الله شخصن مسلكه وحمل طلابه على حفظ منظومته وانما هو عمد الى هذا لاجل نفع الطلبة واما تقديم العون فتارة يحتاج الطلبة الى معونتهم لادراك علم وهذا ما يمارسه المشايخ المعلمون ومنهم عبدالرحمن بن سعدي العلامة عبد الرحمن السعدي والعلامة حافظ الحكمي لا يأتي إنسان ويقول هؤلاء وضعوا مسالك ما كانت عند من قبلهم هم وضعوها للحاجة فمثلا عمد رحمه الله الى نشأت الطلبة عند بعض تلاميذه وهما الشيخ علي الصالحي وصاحبه الشيخ المطوع رحمهم الله على كتابين له احدهما القول السديد على كتاب والاخر منهج السالكين والحامل له تقديم العون للطلبة. لان الزمن تغير فاحتاجوا الى تذليل العلم وتقريبه فصنف لهم هذا وذاك في الفقه والاعتقاد