بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المسلمين. قال المؤلف رحمه الله تعالى فصل في بحكم من وصل الى الميقات بغير اشهر الحج. اعلم ان الواصل الى الميقات له حالان. احداهما ان يصل اليه في غير اشهر الحج رمضان وشعبان فالسنة في حق هذا ان يحرم بالعمرة فينويها بقلبه ويتلفظ بلسانه قائلا لبيك لبيك عمرة او اللهم لبيك عمرة ثم يلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم وهي لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. ويكثر من هذه التلبية ومن ذكر الله سبحانه حتى يصل الى البيت فاذا وصل الى البيت قطع التلبية وضاف بالبيت سبعة اشواط وصلى خلف المقام ركعتين ثم خرج الى الصفا وطاف بين الصفا والمروة سبعة اشواط ثم حلق شعر رأسه او قصره وبذلك تمت عمرته وحل له كل شيء حرم عليه بالاحرام الثانية ان يصل الى الميقات في اشهر الحج وهي شوال وذو القعدة وذو القعدة والعشر الاول من ذي الحجة فمثل هذا يخير بين ثلاثة اشياء وهي الحج وحده والعمرة وحدها والجمع بينهما. لان النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل الى الميقات في ذي القعدة في حجة الوداع خير اصحابه بين هذه الانساك الثلاثة. لكن السنة في حق هذا ايضا اذا لم يكن معه هدي ان يحرم بالعمرة. ويفعل ما ذكرنا في حق من وصل الى الميقات في غير اشهر الحج. لان النبي صلى الله عليه وسلم امر اصحابه لما قروا من مكة ان يجعلوا عمرة واكد عليهم في ذلك بمكة فطافوا وسعوا وقصروا وحلوا امتثالا لامره صلى الله عليه وسلم الا من كان معه الهدي فان النبي صلى الله عليه وسلم امره ان يبقى على احرامه حتى يحل يوم النحر. والسنة في حق من اشتاق الهدي ان يحرم بالحج والعمرة جميعا. لان النبي صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك وكان قد ساق الهدي وامر من ساق الهدي من اصحابه وقد اهل بعمرة ان يلبي بحج مع عمرته والا يحل حتى يحل منهما جميعا يوم النحر. وان كان الذي ساق الهدي وقد احرم بالحج وحده بقي على احرامه ايضا حتى يحل يوم النحر كالقارن بينهما. وعلم بهذا ان من احرم بالحج وحده او الحج والعمرة وليس معه هدي لا ينبغي له ان يبقى على احرامه بل السنة في حقه ان يجعل احرامه عمرة فيطوف ويسعى ويقصر ويحل كما امر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدي من اصحابه بذلك الا ان يخشى هذا فوات الحج لكونه قدم متأخرا فلا بأس ان يبقى على احرامه والله اعلم. وان خاب المحرم الا يتمكن من اداء نسكه لكونه مريضا او خائفا من عدو ونحوه اذ تحب له ان يقول عند احرامه فان حبسني حابس فمحلي حيث حبستني بحديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنهما انها قالت يا رسول الله اني اريد الحج وانا شاكية فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم حجي واشترطي واشترطي ان حيث حبستني متفق عليه. وفائدة هذا الشرط ان المحرم اذا عرض له ما يمنعه من تمام نسكه من مرض او صد عدو. جاز له التحلل ولا شيء عليه. ذكر المصنف رحمه الله تعالى فصلا اخر. من الفصول ببيان احكام الحج ترجم له بقوله فصل في حكم من وصل الى الميقات في غير اشهر الحج. ومراد بالميقات الميقات المكاني. وهو الانواع الخمسة التي تقدمت في فصل سابق فذكر ان من وصل الى ميقات مكاني له حالان اثنتان احداهما ان يصل اليه في غير اشهر الحج كرمضان وشعبان. فاذا وصل العبد الى الميقات في غير الحج فالسنة في حقه ان يحرم بالعمرة. فينوي نسكها ويتلفظ بشعارها لا بنية قائلا لبيك عمرة او اللهم لبيك عمرة ثم يلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة ويكثر من هذه التلبية حتى يصل الى البيت فيأتي بعمرة تامة يطوف فيها سبعة اشواط حول البيت خلف المقام ركعتين ثم يخرج الى الصفا ويطوف بين الصفا والمروة سبعة اشواط ثم يحلق شعره رأسه او او يقصره فتتم عمرته ويحل له كل شيء حرم عليه بالاحرام. فالمشروع في حق الواصل الى الميقات في غير في اشهر الحج استحبابا انما هي العمرة على الوصف الذي ذكره المصنف رحمه الله. فان احرم بالحج في غير اشهره كان يصل الافاقي الى الميقات في شعبان او رمضان ثم يحرم بالحج فهل ينعقد احرامه ام لا؟ قولان لاهل العلم اصحهما ما جاءت به الاثار عن الصحابة ان عمرة ان حجه ينقلب عمرة ولا يكون احرامه بالحج منعقدا بل يقلب نية حجه ان نواها الى عمرة ثم يأتي بافعالها ويتحلل منها وهذا هو مذهب الشافعي رحمه الله وهو الموافق للاثار المنقولة عن الصحابة رضي الله عنهم فعقد نية الحج لمن وصل الى الميقات تختص باشهره. اما ما ذلك فان الناس لو نواه وعقده لا يكون حجا بل ينقلب عمرة في حقه. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى تلبية عزاها الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ثم يلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم وذكرها وهذا هو الذي ثبتت به الاحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وما عدا ذلك من الاحاديث التي فيها زيادة شيء في الفاظ تلبيته صلى الله عليه وسلم على هذا اللفظ فلم يصح منها شيء. وما سوى هذا اللفظ من الفاظ التلبية فهو ثلاثة اقسام. القسم الاول ما لبى به الصحابة رضوان الله عنهم وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم منهم فلم ينكر عليهم. وهو قولهم لبيك اله المعالج. فهذه التلبية ثبت الخبر بها ان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يلبون بها ويسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم. فيعد هذا مما اقره النبي صلى الله عليه وسلم من التلبية. ونوع الثاني ما زاده اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت انهم لبوا به في حضورته كما صح عن عمر رضي الله عنه انه كان يقول لبيك مرغوبا او مرهوبا لبيك ذي النعماء والفضل الحسن. وثبت عن ابنه عبد الله انه كان يقول لبيك وسعديك. والخير بيديك والعمل والرغباء كله اليك. وثبت عن انس عند البزار انه كان يقول لبيك حقا حقا لبيك تعبدا ورقا. فهذه الاثار وما كان جنسها من جنسها مما الصحابة لم يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم. وهو من افضل ما يلبى به بعد المأثور عنه صلى الله عليه وسلم والقسم الثالث ما زيد فيها غير المأثور عن اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سواء مما زادوه وسمعه او زادوه بعده والاصل فيه الجواز فاذا زاد الانسان لفظا من الالفاظ المعظمة لربنا سبحانه وتعالى في تلبيته كأن يقول لبيك يا رحمن يا رحيم لبيك يا حليم يا كريم. فهذه من جنس الجائزين لكنها ليست مما يستحب والاولى ان يلزم الانسان المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم. واذا خشي ملل نفسه او رفقته مزج ذلك بما اثر عن الصحابة رضوان الله عنهم وامثاله ما كانوا يزيدونه ويسمعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو لبيك اله المعارج ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى الحالة الثانية وهي ان يصل الى الميقات في اشهر الحج وعد رحمه الله تعالى اشهر الحج شوالا وذا القعدة والعشر الاول من ذي الحجة وهذا احد قولي اهل العلم. والقول الثاني ان تمام ذي الحجة مندرج كله في جملة الاشهر الثلاثة. فالاشهر الثلاثة هي شوال وذو القعدة وذو الحجة ذو الحجة تاما وهذا هو قول ابن عباس رضي الله عنه وهو الاسعد بالدليل. فان تسمية بعض الشهر باسمه لا تعرف في الخطاب الشرعي. وانما يطلق الشهر على ما كان تاما. فقوله تعالى انا الحج اشهر معلومات دال على ادراج شهر ذي الحجة تاما ولو كان المراد اوله لنبه على ذلك كما امرت المعتدة بان تزيد عشرا ولم تسمى بعد الاربعة اشهر ولم تسمى شهرا خامسا بل قال الله عز وجل يتربصن بانفسهن اربعة اشهر وعشرا. ولو كان تتميم العدد شهرا يراد به بعض الشهر لجعلت خمسة اشهر وهذا هو المعروف في خطاب الشهر. في خطاب الشرع في ان اشهر الحج هي شوال وذو القعدة وذو الحجة وهذا مذهب الامام مالك رحمه الله تعالى وذكر ان من وصل الى الميقات في اشهر الحج خير بين ثلاثة اشياء هي الحج وحده والعمرة وحدها والجمع بينهم ماء وهذه الانساك الثلاثة هي انساك الحج فان الحج له ثلاثة انساب احدها الافراد وهو الاحرام بالحج وحده وثانيها القران وهو الاحرام بالعمرة مع الحج. من غير فصل بينهما وثالثها التمتع وهو الاحرام بحج وعمرة مع فصل بينهما بتحلل. فالقران والتمتع يشتركان في اجتماع نسكين هما الحج والعمرة ويفترقان في تحلل المتمتع بخلاف القارئ واسم التمتع يطلق في الشرع عليهما جميعا. كما قال الله عز وجل فمن تمتع العمرة الى الحج فالتمتع يراد به في خطاب الشرع ما يجمع هذا وهذا لان العرب كانت اذا الحج افردت نسكه فلم تجمع اليه عمرة بل كان منسك الحج عند العرب في عهد الجاهلية يفرد بالحج وحده ولا يخلط بعمرة. فلما جاء الشرع بزيادة ذلك كان متعة في حق المؤمنين فلهم ان يأتوا بعمرة وحج في سفرة واحدة. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى الموجب فلذلك هو ان النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل الى الميقات في ذي القعدة في حجة الوداع خير اصحابه بين هذه الانساك. لكن ان السنة في حق العبد اذا لم يكن معه هدي ان يحرم بالعمرة. فان الواصل الى الميقات اما ان يكون سائق للهدي معه مدخلا له من الحل الى الحرم واما ان لا يكون سائقا له فاذا كان لم يكن معه هديه فالسنة ان يحرم بالعمرة ويفعل ما تقدم مما ذكر انفا. لان النبي صلى الله عليه وسلم امر اصحابه لما قدموا مكة لما قلوا قربوا من مكة ان يجعلوا احرامهم عمرة في حق من لم يسق الهدي منهم. اما من ساق الهدي منهم فامره النبي صلى الله عليه وسلم ان يبقى على احرامه والا يحل حتى يحل منهما جميعا يوم النحر وهذا الامر في حق من ساق الهدي عام سواء قرأ انا مع حجه عمرة او افرد نسك الحج وجاء بالهدي معه على وجه التقرب الى الله سبحانه وتعالى فان المفرد لا هدي عليه لكن ان اراد ان يتطوع بالتقرب الى الله سبحانه وتعالى بهدي يدخله من الحل الى الحرم ويذبحه هناك كان هذا امرا مستحبا بل مسنونا. فان النبي صلى الله عليه وسلم كان يهدي ولم يحج كما ثبت ذلك في الصحيحين قبل حجة الوداع. فاذا ساق المحرم المفرد الهدي فانه يبقى على احرامه حتى يحل يوم النحر اذا ذبحه وعلم بما تقدم ان من احرم بالحج وحده او بالحج والعمرة وليس معه هدي لا ينبغي ان يبقى على احرام بل السنة ان يرتقي في نسكه من مجرد افراد الحج او بينهما مع دون فصل الى مرتبة افظل وهي مرتبة التمتع فيطوف ويسعى ويقصر ويحل من احرامه كما امر امر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك من لم يسق الهدي. وهذا مذهب الحنابلة رحمهم الله تعالى في تفضيل التمتع على غيره من الانساك. فان اهل العلم رحمهم الله تعالى مختلفون في التفضيل بين الانساك الثلاثة المتقدمة على ثلاثة اقوال فالقول الاول ان افضلها هو القران. وهذا مذهب الحنفية وثانيها ان افضلها الافراد. وهذا مذهب المالكية والشافعية وثالثها ان افضلها هو التمتع. والمختار والله اعلم ان اطلاق القول بتفضيل نسك ما منها على غيره ينظر فيه الى حال الناس. فاذا قامت فيه قرينة تدل على شيء له على اخر من هذه الانساك كان القول بتفضيله في حقه مقيدا لاجل ما قام به من حال كما اختار ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. فمن ساق الهدي مثلا فان الافضل في حقه ان يكون قارنا ومن لم يسق الهدي فالافضل في حقه ان يكون متمتعا. لكن كان غير سائق الهدي قد قدم سفرة مفردة للعمرة فالافضل حقه حينئذ الافراد لتنفرد كل شفرة بنسك مفرد. فينظر الى الحال المتعلقة بالناسك ويحكم من افضل باعتبارها. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى الاشتراط في النسك فقال وان خاف المحرم وان لا يتمكن من اداء نسكه لكونه مريضا او خائفا من عدو ونحوه استحب له ان يقول عند احرامه فان حبسني حابس فمحيي حيث حبستني وذكر دليل ذلك وهو حديث ضباعة رضي الله عنها في الصحيحين وقد اختلف اهل العلم رحمهم الله هل للاشتراط هل الاشتراط سنة مطلقا؟ ام انها سنة مطلقة مقيدة بحال الحاجة اذا خيف العدو او المرض والصحيح من القولين ان الاشتراط وفي النسك مقيد بحاجة بالحاجة اليه كخوف الانقطاع بمرض او عدو صائل ونحو ذلك فان هذا هو الذي يدل عليه امره صلى الله عليه وسلم لضباعة دون غيرها من اصحابه. فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد الناس معه الى الاشتراط. وانما خص من كانت له حال داعية الى ذلك وهي ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها ومنفعة الاشتراط في النسك لمن احتاج اليه ان المحرم اذا عرض له ما يمنعه من تمام بنسكه بنسكه من مرض او صد عدو جاز له ان يتحلل من نسكه حينئذ ولا شيء عليه