قال فصوتي ادلتي وجوب الحج والعمرة والمهدى والمبادرة الى ادائهما. اذا عرف هذا فاعلموا وفقني الله واياكم لمعرفة الحق اتباعه ان الله عز وجل قد اوجب على عباده حج بيته الحرام وجعله احد اركان الاسلام قال الله تعالى ولله على الناس تحج البيت من استطاع اليه سبيلا. ومن كفر فان الله غني عن العالمين. وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال بني الاسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام في سننه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال لقد هممت ان ابعث الى هذه الامصار فينظر كل من كان له جدة ولم يحج ليضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم مسلمين وروي عن علي رضي الله عنه انه قال من قدر على الحج فتركه فلا عليه ان يموت يهوديا او نصرانيا ويجب على من لم يحج وهو يستطيع الحج ان يبادر اليه لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الى الحج يعني فريضة فان احدكم لا يدري ما يعرض له رواه احمد. ولان اداء الحج واجب على الفور في حق ما السبيل اليه بظاهر قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا وقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ايها الناس ان الله فرض عليكم الحج فحجوا اخرجه مسلم. وقد وردت يدل على وجوب العمرة منها قوله صلى الله عليه وسلم في جوابه لجبرائيل لما سأله عن الاسلام قال صلى الله عليه وسلم ان تشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله. وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتعتمر. وتغتسل من الجنابة الوضوء وتصوم رمضان. اخرجه ابن خزيمة والدارقطني من حديث ابن عمر ابن الخطاب من حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه. فقالت دعوة هذا اسناد ثابت صحيح. ومنها حديث عائشة رضي الله عنها انها قالت يا رسول الله هل على النساء من جهاده؟ قال جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة. اخرجه احمد وابن ماجة باسناد صحيح. ولا يجب الحج والعمرة للعمر الا مرة واحدة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الحج مرة فمن زاد فهو تطوع ويسن الاكثار من الحج والعمرة تربعا لما في الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة. عقد المصنف رحمه الله تعالى هذا الفصل لبيان الحج والعمرة. وقد صرح رحمه الله تعالى بحكمهما اذ قالا فصل في ادلة بوجوب الحج والعمرة. فالحج والعمرة عنده واجبان. وقد ذكر رحمه الله تعالى ادلة ذلك وابتدأ ببيان ادلة وجوب الحج فذكر في ذلك دليلا من القرآن والسنة ومن اثار الصحابة رضوان الله عنهم فاما دليل القرآن فهو قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. الاية وهذه الاية اصل في بيان وجوب الحج. ودلالتها على ذلك من وجهين اثنين احدهما في الاتيان بحرف الجر على في قوله تعالى ولله على الناس. فان حرف الجر على موضوع في خطاب الشرع للدلالة على الامر. كما صرح بذلك ابن القيم في بدائع الفوائد ومحمد بن ومحمد ومحمد بن اسماعيل الامير في طرح منظومته في اصول الفقه. والالفاظ الموضوعة للدلالة على الامر نوعان اثنان احدهما ما وضع لذلك لغة وشرعا وهي الالفاظ الصريحة المجموعة في قول شيخ شيوخنا حافظ للحكمي في وسيلة الحصول واللؤلؤ المكنون اربع الفاظ بها الامر دري افعل افعل اسم فعل مصدري والنوع الثاني الالفاظ الموضوعة للدلالة على الامر شرعا وهي الالفاظ غير الصريحة والابن القيم في بدائع الفوائد والامير في شرح منظومته كلام مستطاب في بيان في جملة كثيرة من هذه الالفاظ الموضوعة في الشرع للدلالة على الامر ومن جملتها الاتيان بعلى كقوله تعالى ولله على الناس حج البيت. وثانيهما في قوله تعالى ومن كفر فان ان الله غني عن العالمين. فان الكفر لا يذكر الا على ترك مأمور به واجب سواء كان الكفر الذي يفضي اليه كفرا اكبر او فحيث رتب الكفر على الترك فاعلم ان ما رتب عليه الكفر واجب واما رتبة الكفر عند تركه فتختلف باختلاف مأخذ حكمه وباعتبار الحج فمن ترك الحج جاحدا له فكفره اكبر ومن تركه غير جاحد له مع القدرة عليه والمكنة منه باجتماع الشروط وانتفاء الموانع كفر اصغر فقد اتى ذنبا من عظائم الذنوب. واما دليل السنة فحديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال بني الاسلام على خمس ثم ذكرها وعد منها في اللفظ الذي اورده المصنف وحج بيت الله الحرام. وهو بهذا اللفظ ليس في الصحيح اين؟ بل ولا في شيء من كتب الرواية المسندة المشهورة. وانما فيها وحج البيت ومن قواعد الرواية بالمعنى اجتنابها حال التصنيف لان المصنف يجمع قوته وتمكنه مراجعة الاصول. فينبغي ان يحقق الالفاظ كما هي في مخارجها من تأليف ائمة الرواية ودلالة هذا الحديث على وجوب الحج في عده من مباني الاسلام واركانه عظام فان اركان الاسلام التي يبنى عليها واجبة اذ لو لم تكن واجبة لما صح اطلاق الركنية عليها. فصارت دالة على وجوب الحج من جهة عده ركنا من اركان الاسلام واما الاثار الواردة عن الصحابة اورد المصنف رحمه الله تعالى اثرين احدهما عن عمر والاخر عن علي وكلا لهما اسناده ضعيف. وانما صح عن عمر رضي الله عنه انه قال من اطاع الحج فلم يحج فسواء عليه يهوديا مات او نصرانيا اخرجه الاسماعيلي والبيهقي في سننه الكبرى واسناده صحيح كما ذكر ابن كثير وابن حجر رحمهم الله رحمهما الله. ودلالة هذا الاثر وما في معناه على وجوب الحج في تصير من ترك الحج مع القدرة عليه في حكم اهل الكتاب من اليهود والنصارى وهم محكوم بكفرهم. كما قال تعالى لم يكن الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين الاية والحاق من ترك الحج بهم دال على اقترافه ذنبا عظيما من افعال اهل الكفر. وسواء تركه جحدا او غير جحد فان ذلك كفر حال القدرة عليه كما قال الله فيما سلف ذكره ومن كفر فان الله غني عن العالمين وبينا وجهه ذلك فهذه الادلة دالة على وجوب الحج وانعقد على ذلك اجماع المسلمين وهو من الشعائر الظاهرة التي لا تحتاج الى نقل خاص في بيان وجوبها لاستفاضة ذلك في اهل للاسلام. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى مسألة تتعلق بوجوب الحج وهي فوريته والمراد بالفورية المبادرة الى فعله عند اول التمكن منه المبادرة الى فعله عند اول التمكن منه واورد المصنف رحمه الله تعالى للدلالة على ذلك حديث ابن حديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تعجلوا الى الحج. الحديث رواه احمد وهو عند ابي داود وغيره بلفظ من اراد الحج فليتعجل. وفي اسناده ضعف وروي من وجه اخر ومن اهل العلم من يحسنه باعتبار اجتماع طرقه والاشبه والله اعلم ضعف هذا الحديث. ومما يوجب على العبد المبادرة الى الحج عند استطاعته ما ذكره المصنف في قوله لان اداء الحج واجب على الفور في حق من استطاع السبيل السبيل اليه في ظاهر قوله تعالى ولله على الناس حج البيت اية وهذا التفريع مبني على قاعدة اصولية وهي ان الوجوب على فور في اصح قولي اهل العلم. فاذا وجب على العبد شيء فانه لا تبرأ ذمته ولا يسلم من عهدته حتى يبادر اليه غير متأخر عنه لان الاحكام مبنية على طلب ابراء الذمة وهو معنى الفورية. كما قال الله سبحانه وتعالى فاستبقوا الخيرات في دلائل اخرى مذكورة في تأليف الاصوليين فمن استطاع الحج وجب عليه ان يبادر اليه فورا دون تأخير وفورية الحج هي مذهب جمهور اهل العلم فان جمهور اهل العلم على ان الحج واجب على الفور. خلافا وانما ذهب من ذهب الى القول بعدم فورية الحج اخذا بان فرضه كان في السنة السادسة واداؤه صلى الله عليه وسلم له كان في السنة التاسعة. فحيث تأخر بعد ورود الامر دل ذلك على انه على التراخي للفور. وهذا المذهب فيه لان فرض الحج لم يكن بقول الله سبحانه وتعالى واتموا الحج والعمرة لله. النازلة سنة وانما كان بقوله تعالى ولله على الناس حج البيت. فالاية الاولى انما في الامر باتمام الحج والعمرة عند الدخول فيهما وليس فيها بيان وجوب الحج والعمرة ابتداء وانما وقع ذلك بغيرها من الدلائل. والصحيح ان والحج انما وقع في سنة تسع واختار هذا جماعة من المحققين كابي العباس ابن تيمية وتلميذه ابي عبدالله ابن وشيخ شيوخنا محمد الامين الشنقيطي رحمه الله تعالى. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى دليلا اخر من السنة يدل على الفورية وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته ايها الناس ان الله فرض عليكم الحج فحجوا اخرجه مسلم ودلالته على ذلك هو ما تقرر في اصح قول اهل العلم بالاصول ان الامر للفور فقوله صلى الله عليه وسلم فحجوا دال على فورية الحج لكونه امرا وما كان امرا فان الخطاب به امتثالا يقع على الفور وعدم التراخي. وبعد ان فرغ المصنف رحمه الله تعالى من بيان دلائل وجوب الحج اتبعه بدلائل وجوب العمرة. ولم يذكر شيئا من اي القرآن يدل على وجوب العمرة لخلو ذلك من ايه. وقوله تعالى واتموا الحج والعمرة لله لا يدل على وجوب العمرة ابتداء وانما يدل على وجوب اتمامها بعد الدخول فيها. ولهذا فالمعول عليه عند القائلين بوجوب العمرة انما هو الاحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم. والاحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ايجاد العمرة نوعان اثنان احدهما ما هو حديث صريح غير صحيح والثاني ما هو حديث صريح صحيح لكن زيادة ذكر العمرة فيه شادة وهذا هو حكم الاحاديث التي اوردها المصنف رحمه الله تعالى كحديث عمر في قصة جبريل وفيه قوله الله عليه وسلم وتحج البيت وتعتمر فان اصل الحديث صحيح لكن هذه لكن هذه الزيادة ضعيفة وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة فان اصل هذا الحديث صحيح الا ان هذه الزيادة بذكر العمرة شاذة. وكل حديث جاء فيه وجوب العمرة مقرونة بالحج فلا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. والاحاديث المروية في ايجاب في جاب العمرة لا يثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم. لكن صح هذا عن جماعة من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كابن عباس وغيره. والصحيح من قول اهل العلم وجوب العمرة كما هو مذهب الشافعي واحمد. ودليل الوجوب هو الاثار المروية عن الصحابة ولا نعلم بينهم خلافا في ذلك. واتباع اذهار الصحابة من طريقة اهل السنة والحديث والاثر. ثم ذكر مسألة متعلقة بوجوب الحج والعمرة فقال ولا يجب الحج والعمرة في العمر الا مرة واحدة. فالذي تبرأ به الذمة ويحصل به الامتثال هو اداء الحج والعمرة مرة واحدة في العمر. وما زاد عنها كان واورد المصنف رحمه الله تعالى دليلا على ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس الذي اخرجه الاربعة الا الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الحج مرة فمن زاد فهو تطوع. وهذا الحديث فيه ضعف فان اصل القصة في وليس فيه ذكر هذا اللفظ لكن الاجماع منعقد على هذا. وان العبد مأمور باداء هذا النسك الحج مع العمرة مرة واحدة في عمره. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان من السنن الاكثار من الحج والعمرة تطوعا كما ثبت في الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرة الى كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء الا الجنة فاذا امكن للعبد ان يستكثر من اداء العمرة والحج تطوعا فذلك من افضل الاعمال