السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي انزل القرآن ايات بينات. ففسره رسوله بالاحاديث الشريفة واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله. اللهم صل محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد. اما بعد فهذا المجلس الرابع عشر في شرح الكتاب الاول من برنامج التفسير النبوي للقرآن وهو كتاب الاربعين المدنية في تفسير القرآن بالسنة النبوية فيه صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي فقد بلغ بنا البيان الى قوله الحديث الرابع والعشرون. وقبل الشروع في بيان معانيه والكشف عنها يحسن رجع القول في جمل مما مضى ذكره في المجلس السابق فانا كنا ابتدأنا المجلس السابق بشرح الحديث العشرين فما بعده. بشرح الحديث العشرين فما بعد ده وهو في تفسير قوله تعالى ومبشرا برسوله يأتي من بعدي اسمه احمد فذكرنا مبدأ الامر ان هذا الحديث من رواية جبير بن مطعم وهو احد اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وهو الجبير بن مطعم بن عدي القرشي النوفلي يكنى ابا محمد اسلم رضي الله عنه بعد الحديبية هو مات سنة سبع وخمسين وقيل ثمان وخمسين وقيل تسع وخمسين رحمه الله تعالى. ثم ذكرنا ان هذا الحديث من المتفق عليه الذي رواه البخاري ومسلم ثم بينا ما يتعلق به من تفسير الاية وهي قوله تعالى ومبشرا برسول يأتي من بعد اسمه احمد فذكرنا ان البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم في خبر عيسى وافقت خبره صلى الله عليه وسلم عن اسمائه اذ قال انا محمد وانا احمد. فاخبر صلى الله عليه وسلم اسمه احمد كما بشر به عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام. ثم بينا في الحديث الحادي والعشرين في تفسير قوله تعالى واخرين منهم لما يلحقوا بهم ان هذا الحديث من رواية ابي هريرة الدوسي وهو عبدالرحمن بن صخر بن عبد للشرى الدوسي. مشهور بكنيته توفي سنة كم؟ تسع لسبع وخمسين وله من العمر ثمان وسبعون سنة رحمه الله تعالى ثم بينا ان هذا الحديث ايضا من المتفق عليه المخرج عند البخاري ومسلم. ثم ذكرنا ما يتعلق ومنه بتفسير الاية المذكورة وفيها ان النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على سلمان الفارسي وقال لو كان الايمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء. اي من فارس. ثم ذكرنا ان فارس عند العرب يراد بها المشرق كافة. فكل ما كان في جهة المشرق تسميه العرب فارس ثم ذكرنا في تاليه وهو حديث ابي هريرة ايضا في تفسير قوله تعالى وانفقوا مما رزقناكم من قبل لان يأتي احدكم الموت فهو متفق عليه ان اتيان الموت فسر في قوله صلى الله عليه وسلم ولا تمهلوا حتى اذا بلغت الحلقوم. ففسر النبي صلى الله عليه وسلم ورود الموت ببلوغ النفس الحلقوم كقوله تعالى حتى اذا بلغت الحلقوم وانتم حينئذ تنظرون وهو عين قوله تعالى كلا اذا بلغت التراقي وقيل من راق. فان التراقي اسم للعظام التي دون ثغرة النحر. فانها عينت الموضع الادنى كما ان الاية السابقة عينت الموضع الاعلى فابتداء خروج الروح يكون من عند هذه اذ تبتدئ في اسفل الحلقوم ثم تتطاول فيه حتى تستقر فيه فيكون قوله تعالى حتى اذا بلغت الحلقوم ثم تخرج من جهة البصر فيتبعها النظر كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ذكرنا في الحديث الثالث والعشرين في تفسير قوله تعالى وضرب الله مثلا للذين امنوا امرأة فرعون ان الحديث وقع فيه تسمية امرأة فرعون وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم الا اسية امرأة فرعون. ووقع عند النسائي في هذا الحديث باسناد صحيح ذكر نسبي ذكر اسم ابيها فهي اسية بنت مزاحم ووقعت تسميته ايضا في حديث ابن عباس عند النسائي ايضا واسناده قوي. وهذا الحديث هو من المتفق عليه. وراويه هو او موسى الاشعري واسمه عبد الله ابن قيس ابن سليم الاشعري مشهور بكنيته توفي سنة اربع واربعين وله من العمر بضع وستون سنة. نعم. الحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين. قلتم غفر الله لكم ونفعنا بعلومكم. في كتابكم الاربعين في تفسير القرآن بالسنة النبوية. الحديث الرابع والعشرون. في تفسير قوله تعالى يوم يكشف عن ساق ويدعون الى السجود فلا يستطيعون. عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة فيبقى كل من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد يعود ظهره طبقا واحدا متفق عليه واللفظ للبخاري. موارد القول في هذا الحديث فيه ثلاثة فالمورد الاول في تعريف راوي الحديث. وهو سعد بن مالك ابن سنان الانصاري الخزرجي الخدري يكنى ابا سعيد وبها اشتهر كانت اول مشاهده مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وتوفي سنة اربع وسبعين. ومن اخباره رضي الله عنه انه لما وقعت الحرة وهي موقعة اهل الشام لما قصدوا المدينة قال رحمه الله ورضي عنه غارا فجلس فيه فجاءه شامي يعني من الجند فقال له اخرج فقال ابو سعيد لا اخرج وان تدخل علي اقتلك. فدخل عليه الشامي. فلما دخل عليه الشامي وظع ابو سعيد سيفه وقال ضوء باثمك. يعني اصب الاثم الذي ستصيبه. فقال الشامي انت ابو سعيد الخدري قال نعم. قال فاستغفر لي. رضي الله عنه وارضاه. ومن اقواله الله عنه ما صح عنه انه كان يقول تحدثوا فان الحديث يهيج الحديث يعني اذكروا العلم فان العلم يذكر بالعلم. واما المولد الثاني في تخريج الحديث فهذا الحديث متفق عليه اي مما رواه البخاري ومسلم مع فاخرجه البخاري رحمه الله تعالى قال حدثنا ادم قال حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن ابي هلال عن زيد بن اسلم عن وابن يسار عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه فذكره بهذا اللفظ. واخرجه البخاري ايضا قال حدثنا يحيى ابن بوكية قال حدثنا الليل به بسياق تام اطول من هذا السياق. واخرجه مسلم في في صحيحه قال حدثني سويد بن سعيد قال حدثني حفص بن ميسرة عن زيد بن اسلمة عن عطاء بن يسار عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه به بسياقه الطويل وفيه محل الشاهد الذي اقتصر عليه البخاري في الرواية الاولى واخرجه مسلم ايضا من حديث هشام ابن سعد عن زيد ابن اسلمة عن عطاء ابن يسار عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه. فالحديث عليه من رواية زيد ابن اسلمة عن عطاء ابن يسار عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه. والمولد بيان ما يتعلق منه بتفسير الاية وهي قوله تعالى يوم يكشف عن ساق ويدعون الى السجود فلا يستطيعون فان الله عز وجل اخبر خبرا صادقا في كتابه انه يكشف عن ساق في يوم وذلك اليوم هو يوم القيامة. ولم يقع في القرآن الكريم اضافة الساق الى شيء بل وقعت منكرة غير مضافة الى ما يبينها. وجاء الحديث مبينا تلك الاظافة لمن ففيه قوله صلى الله عليه وسلم يكشف ربنا عن ساقه. فاضيفت الساق الى الله سبحانه وتعالى والقول فيها كالقول في سائر الصفات في اثباتها كما يليق بجناب ربنا سبحانه تعالى منزها عن التحريف والتعطيل والتمثيل والتكييف بما امرنا به في في قوله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فان الاية المذكورة هي قاموس الجامع لما يجب في صفات الله سبحانه وتعالى جمعا بين نفي ما نفى عن نفسه في قوله ليس مثله شيء واثبات ما اثبته لنفسه في قوله وهو السميع البصير. وهي طريقة السلف رحمهم الله تعالى ونقل ابو عمر ابن عبد البر الاجماع على ذلك ووقع في كلام بعض صحابتي غير هذا القول فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنه انه قال يوم يكشف عن ساق قال عن كرب شدة وهذا تفسير صحيح باعتبار ظاهر القرآن. لان القرآن لم تقع فيه اضافة الساق الى شيء. فلم ما اخليت الساق من الاضافة صح التفسير الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنهما بيد انه لما صح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في اضافتها الى ربنا عز وجل صار الحديث صالحا لبيان مبهم الساق ذكره القرطبي في تفسيره وابن عاشور في التحرير والتنوير. فورود الحديث المذكور عن ابي سعيد الخدري ان الساق التي وقعت مبهمة في القرآن هي ساق مضافة الى الله سبحانه وتعالى. فيكون تفسير ابن عباس صحيح باعتبار ظاهر القرآن الخالي من الاضافة. فاذا ضم ظاهر القرآن الى ما ورد في الحديث انا مبينا معناه كاشفا تفسيره فحمل عليه وصار تفسير قوله تعالى يوم يكشف عن ساق ان يكشف ربنا عن ساقه. وما ذكره ابن عباس رضي الله عنه ملازم لوصف يوم القيامة فهو من جنس التفسير باللازم فان يوم القيامة يوم كرب وشدة فيكون الامر على ما ذكره ابن عباس رضي الله عنه وارضاه ولم يثبت عن غير ابن عباس من الصحابة معنى اخر. فما روي عن عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه انه قال يكشف عن نور عظيم لا يصح لا موقوفا ولا مرفوعا عنه. فالحجة في الباب شيئان. احدهما المرفوع الوارد عن ابي والاخر الموقوف الوارد عن ابن عباس رضي الله عنهما وكلاهما صحيح ومعناهما متلازم والاصل في البيان ما ورد في الحديث وما ذكره ابن عباس هو معنى ملازم لما ذكر في الحديث فان يوم القيامة يوم كرب وشدة اجارنا الله واياكم من تلك الكروب. ثم وقع في الحديث تفسير قوله تعالى ويدعون الى السجود فلا يستطيعون ان يسألوا منهم ان يسجدوا لله عز وجل فلا يستطيعون. وبين سبب عدم الاستطاعة في صلى الله عليه وسلم فيعود ظهره طبقا واحدا اي مصمتا لا يستطيع ان يثنيه يتصلب ظهره ولا تكون له قدرة على السجود. جزاء سوء صانعه في الدنيا فانه في الدنيا اما ممتنع عن السجود وهذه حال الكافر او يسجد رياء وسمعة وهذه حال المنافق. فمن كان على تلك الحال فانه اذا سئل السجود يوم القيامة فاراد ان يسجد فانه يحرم من ذلك ولا يسجد لله سبحانه وتعالى لانه لا ايسجد لله عند الشدة يوم القيامة الا من كان يسجد له عند الرخاء في الدنيا. ومن راقب في اعماله الدنيوية جزاء اجزها عند الله عز وجل حصل له من الخير من جنس ما ينتظره من ربه سبحانه وتعالى كما في صحيح مسلم من حديث الاعمش عن ابي صالح عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب بالدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. فلما كان عونا لاخيه في تنفيس شدته في الدنيا وقع الجزاء له يوم القيامة بان ينفس الله عنه من كرب ذلك اليوم. وانما اخر جزاؤه الى ذلك اليوم لان كل في الدنيا مهما عظمت فانها لا تبلغ شيئا عند ادنى كرب يوم القيامة فتعظيما لاجره وتكبيرا لجزاءه وتوفيرا لقدره اخر جزاؤه الى المقام الاعظم وهو كرب يوم القيامة في نفس الله عنه من كربه بقدر سعيه في تنفيسه عن كرب اخوانه المؤمنين في الدنيا. نعم. احسن الله اليكم. الحديث الخامس عشرون في تفسير قوله تعالى انا سنلقي عليك قولا ثقيلا عن عائشة بنت ابي بكر رضي الله عنها انها قالت ان كان لا يوحى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب بجيرانها رواه احمد وصححه الحاكم وزاد وتنت قول الله عز وجل انا سنلقي عليك قولا ثقيلا موارد القول في هذا الحديث ثلاثة. فالمورد الاول في تعريف راوي الحديث. وهو عائشة بنت ابي بكر واسمه عبدالله بن عثمان القرشية التيمية القرشية التيمية. تكنى ام عبدالله تكنى ام عبدالله وهي ام المؤمنين وحبيبة رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم. كانت امرأة عالمة فقيهة ولم يكن في زمانها احد من النساء افقه منها. وكان اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض كما قال مسروق ابن الاجدع رحمه الله تعالى توفيت الله سنة ثمان وخمسين عند الاكثر. وقيل قبلها بسنة اي سنة سبع وخمسين والاول اكثر واشهر انها ماتت سنة ثمان وخمسين بالمدينة النبوية. ودفنت بها رضي الله عنها وارضاها وكانت امرأة سخية ندية فقد ذكرت ام درة من صاحب هباتها انها فرقت يوما قبل المغرب مئة الف مئة الف درهم. ثم قالت له ام درة لو ابقيت درهما تشترين به لحما تفطرين علي. فقالت لو اذكرتني لعملت يعني لو انك اخبرتني بذلك ونبهتني اليه لعملت ذلك واشتريت لنا شيئا نفطر عليه فمن سخائها رظي الله عنه لم تبالي بنفسها ولا ذكرت حالها بل انفقت المال الذي كان معها رضي الله عنها ولم تبقي شيئا ان تفطروا عليه رضي الله عنها وارضاها. واما المولد الثاني فهو في تخريج الحديث. فهذا الحديث اخرجه احمد كما عزاه اليه المصنف والعزو الى احمد يراد به انه اخرجه في مسنده. وهذا الحديث عنده فيه قال حدثنا سليمان ابن داوود قال اخبرنا عبد الرحمن عن هشام ابن عروة عن ابيه عن عائشة رضي الله عنها فذكرت الحديث واخرجه الحاكم في المستدرك بالزيادة المذكورة من حديث زيد ابن المبارك عن محمد ابن دور عن معمر عن هشام ابن عروة عن ابيه عن عائشة رضي الله عنها. وهذان الاسنادان رجالهما الا ان الحديث لا يحفظ مرفوعا وانما يحفظ من حديث هشام ابن عروة عن ابيه عروة بن الزبير مرسلا لم يذكر فيه عائشة رضي الله عنها فالمعروف في الحديث انه حديث مرسل وتقدم ان الحديث الموصل حديث ضعيف لا يثبت. واما معناه ففيه احاديث حديث تأتي فيكون هذا الحديث غير محفوظ فيه الوصل وانما يعرف فيه الارسال فهو مضعف لذلك واما المولد الثالث وهو بيان ما يتعلق منه بتفسير الاية وهي قوله تعالى انا سنلقي عليك قولا ثقيلا. يعني القرآن الكريم. ووقع في الحديث بيان وجه ذلك الثقل في قولها ان كان ليوحى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته اين فتضرب بجرانها. والجيران هو باطن العنق. فهي لثقل ما يكون من القرآن اذا انزل على النبي صلى الله عليه وسلم تلقي بنفسها حتى تضع جيرانها اي باطن عنقها على الارض. فان الابل اذا رامت ان تستريح مدت اعناقها فجعلتها على الارض فهي لشدة ما تغلب به من ثقل تنطرح حتى تبلغ هذه الحال من مد عنقها على الارض طلبا للراحة من من الثقل الذي على وهذا المعنى ثابت في احاديث عدة منها ما عند البخاري في قصة الافك واصله عند مسلم ايضا ان عائشة رضي الله عنها قالت وانه ليتحدر منه العرق مثل الجمان في يوم شاة من ثقل ما ينزل عليه. فبينت ان النبي صلى الله عليه وسلم تعتريه في نفسه حال من الشدة والكرب اذا انزل عليه القرآن حتى يتصبب منه العرق وهو في حديث ابن عباس ايضا في الصحيحين ووجه ذلك ما اخبرت عنه في قولها من شدة ما يدخل عليه صلى الله عليه وسلم اذا انزل عليه وعند احمد بسند فيه ضعف من حديث ليث ابن ابي سليم عن شهر ابن حوشب عن اسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت اني لاخذة بزمام العضباء اذ انزلت عليه صلى الله عليه وسلم سورة المائدة فكادت ان تدق من ثقلها عضدها فكادت ان تدق ان تدق من ثقلها اي من الشدة التي وقعت على الناقة كادت ان تسقط وتندق عضدها لثقل ما وقع عليها. وهذه الاحاديث تبين معنى الثقل الذي اخبر عنه الله عز وجل في قوله ان سنلقي عليك قول انت قيل اي ثقيلا في محمله. ولاهل العلم رحمهم الله تعالى كلام مختلف في بيان هذا الثقل سوى ما جاء في الاحاديث فمنهم من قال انه ثقل باعتبار العمل به فان القيام بحق ما في الكتاب من العمل امرا ونهيا وتصديقا للخبر ثقيل على النفوس. ومنهم من قال انه ثقيل في صوابه وسداده يعني القرآن الكريم ومنهم من قال انه ثقيل في جلالته وعلو قدره. وما ذكر من معاني هذه الاية عند المفسرين لا يخرج عن نوعين. احدهما ثقل الحال اخر ثقل الجلال احدهما ثقل الحال والاخر ثقل الجلال. فمما يرجع الى ثقل الحال ثقل محمله الذي كان يكون عليه صلى الله عليه وسلم اذا انزل عليه القرآن. وكذلك منه ثقل العمل به. ومن ثقل الجلال كونه صوابا لا يعتريه خلل ومنه ايضا قول بعضهم الثقيل المهيب فانه راجع الى هذا المعنى لكن الموافق لما ورد من الاحاديث النبوية في معنى الثقل انه ثقل المحمل وان النبي صلى الله عليه وسلم اذا انزل عليه القرآن وقع عليه حمل حمل ثقيل فيكون هذا الثقل مشهودا في بصورته صلى الله عليه وسلم وفيما اتصل به. فاما شهوده في صورته صلى الله عليه وسلم فهو ما كان يتصبب منه من العرق صلوات الله وسلامه عليه حتى في اليوم الشديد البرد. وانما يكون كذلك اذا كان مكروبا من شدة ما حل به وكذلك يعرض هذا لما يتصل به صلى الله عليه وسلم من مركب كالناقة او كصاحب كما وقع لزيد ابن ثابت رضي الله عنه لما وقع صلى الله عليه وسلم على فخذه قال فكادت تندق فخذي يعني من النبي صلى الله عليه وسلم فهذا فهذا القول هو احسن الاقوال. واختاره ابو بكر ابن العرب من المالكية وهو الموافق لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاحاديث المتقدم ذكرها فيكون معنى قوله تعالى انا سنلقي عليك قولا ثقيلا يعني ثقيلا في محمله اذا انزل عليك. واذا كان ثقيلا في محمله عليه صلى الله عليه وسلم فانه يندرج في ذلك جلالة معناه ورفعة رتبته وعظم قدره في العمل به فان هذه من التي تستلزم ثقل الحمل. وعند ابن عبد البر في كتاب الجامع ان رجلا قال للامام مالك اسألك مسألة سهلة فغضب وقال ليس في العلم سهل الم تسمع قول الله تعالى انا عليك قولا ثقيلا فكره مالك رحمه الله مقالته لما تبدى منها من الاستخفاف بمقادير العلم الموروث الوارد في الكتاب والسنة. فكره هذه الكلمة منه وانكرها عليه واورث عليه قول الله سبحانه وتعالى انا سنلقي عليك قولا ثقيلا تعظيما لمقام علم الشريعة. نعم. احسن الله اليكم والعشرون في تفسير قوله تعالى يسألونك عن الساعة ايام مرساها عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة حتى انزل عليه يسألونك عن الساعة ايام قال فانتهى. رواه الحاكم وصححه على شرط البخاري ومسلم. وقال ولم يخرجا فان ابن عيينة كان يرسله باخره موارد القول في هذا الحديث ثلاثة فالمورد الاول في تعريف راوي الحديث فهو عائشة بنت ابي بكر واسمه عبد الله بن عثمان القرشية التيمية تكنى ام عبدالله وهي حبيبة رسول رب العالمين وامي وام المؤمنين رضي الله عنها وارضاها توفيت سنة ثمان وخمسين عند الاكثر وقيل سنة سبع وخمسين وتقدم ذكرها قريبا. واما المولد الثاني فهو في تخريج فهذا الحديث معزول الى مستدرك الحاكم وذلك ان قول احد عند عزوه لحديث رواه الحاكم مراده انه اخرجه في كتاب المستدرك على الصحيحين. وهذا الحديث اخرجه الحاكم في المستدرك قال حدثنا علي ابن حمشاذ العدل قال حدثنا بشر بن موسى الاسدي. قال حدثنا قال حدثنا سفيان عن هشام ابن عروة عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها. وهذا اسناد رجاله ثقات لكن محفوظة فيه هو الارسال فهو الذي اشار اليه الحاكم في قوله فان ابن عيينة كان يرسله باخره يعني يجعل من حديث عروة مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهكذا اخرجه الشافعي اخرجه البيهقي في معرفة السنن والاثار من طريق ابي العباس محمد ابن يعقوب عن الربيع ابن سليمان عن الشافعي عن سفيان عن الزهري عن عروة ابن الزبير قال لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة حتى انزل عليه فيما فمن ذكراها فالمحفوظ في هذا الحديث هو الارسال وتقدم ان الموصل من انواع الحديث الضعيف هذا حديث ضعيف لا يثبت. وقول الحاكم فان ابن عيينة كان يرسله باخره هذه الكلمة الاخيرة لها تلافيها ثلاث لغات. الاولى باخره كالمثبت وثانيها بمد واخرها تاء تأنيث باخرة باخرة وثالثها بلا مد مع تاء التأنيث باخرة. وكلها بمعنى واحد واما المولد الثالث وهو بيان ما يتعلق منه بتفسير الاية وهي قوله تعالى يسألونك عن الساعة كان مرساها ففيه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل عن الساعة وانما كان يسأل عن ساعة لانه كان صلى الله عليه وسلم يسأل عنها. فكان صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة اسأل ربه عن الساعة. والسائلون عن الساعة نوعان. احدهما منكرون جاحدون منكرون جاحدون مكابرون ككفار قريش واهل النفاق اخر مستفهمون مسترشدون مستفهمون مسترشدون وعامتهم من الاعراب وعامتهم من الاعراب. لان من صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر معه ووقر في قلبه العلم لم يرى ان العبد مطالب بعلم الساعة وانما مطالب بالعمل لتلك الساعة فان العلم بها لا ينفع وانما النافع هو العمل لها. وهذه هي حكمة اخفائها ان علم الساعة اخفي عن الخلق ليجتهدوا في الاعمال الصالحة المقربة الى الله سبحانه وتعالى. ولا يخفى في الشرع الا النفوس للعمل الصالح. كاخفاء ساعة الاجابة او اخفاء ليلة القدر فان المراد من اخفاء هذه المعظمات هو تحريك النفوس الى العمل للاجتهاد فيه طلبا لتخليص نفسي من الاوزار واجتهادها في الاعمال الصالحة المقربة الى الله سبحانه وتعالى. ولما كان صلى الله عليه وسلم يسأل وكان يسأل ربه لم يزل كذلك حتى انزل عليه قوله تعالى يسألونك عن ايام موساها يعني منتهاها. شبهت بالسفينة الجارية التي اذا رست انقطع جريانها فكذلك الساعة تجري بذكرها حتى تقوم بحقها. فكذلك الساعة تجري بذكرها حتى تقوما بحقها فان ذكر الساعة في طبقات هذه الامة قال نم بعد قرن حتى تقوم بحقها اي يظهر للعيان الحق والذي وعد الله سبحانه وتعالى به من مجيء يوم القيامة الذي لا يتخلف عن وعد الله الذي اخبر عن خبر الله الذي اخبر به سبحانه وتعالى. ثم قيل فيما انت من ذكراها يعني من طلب ذلك وذكره الى ربك منتهاها اي علمها كما قال تعالى عنده علم الساعة وعنده علم الساعة انما انت منذر من يخشاها اي ان الوظيفة التي جعلت لك هي انذار الناس ورود يوم القيامة فهو الامر الذي ينبغي ان تقبل عليه فتبلغه. فوظيفته صلى الله عليه وسلم هو البلاغ عن ربه لاتقاء ذلك اليوم الذي قال الله عز وجل فيه واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله. يعني يوم القيامة فامر النبي صلى الله عليه وسلم بالاشتغال بالامر الاعظم وهو البلاغ تبشيرا انذارا بيوم القيامة لتقبل النفوس على مصالحها التي تنتفع بها في ذلك اليوم. نعم. احسن الله اليكم الحديث السابع والعشرون في تفسير قوله تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين عن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى غب احدهم رشحي الى انصاف اذنيه متفق عليه واللفظ للبخاري. موارد القول في هذا الحديث ثلاثة. فالمورد في تعريف راوي الحديث وتقدم وهو من اربعة وسبعون وله من العمر. احسنت. هو عبد الله ابن عمر ابن الخطاب القرشي العدوي يكنى ابا عبد الرحمن توفي سنة اربع وسبعين وقيل ثلاث وسبعين. ونقل ابن عبد البر في الاستيعاب الاتفاق على وله من العمر خمس وثمانون سنة. وذكر مالك ان عمره يوم توفي سبع وثمانون سنة. الا انه باستقراء حاله رضي الله عنه من انه كان يوم احد ابن اربعة ابن اربع ابن اربع عشرة سنة يظهر صواب القول الاول انه مات وله من العمر خمس سنة استظهره الذهبي في سير اعلام النبلاء. واما المولد الثاني فهو في تخريج الحديث فهذا الحديث من المتفق عليه. اخرجه البخاري في صحيحه قال حدثني ابراهيم ابن قال حدثنا معن قال حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما فذكر الحديث واخرجه مسلم قال حدثنا عبد الله ابن جعفر ابن يحيى قال حدثنا مالك ولم يذكر لفظه بل احال على رواية غيره ورواه مسلم من حديث جماعة اخرين عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا احد احاديث الامام ذلك التي لم يروها في موطئه والبخاري يخرج كثيرا من حديث مالك الذي ليس في الموطأ من طريق شيخه ابراهيم ابن المنذر عن معن ابن عيسى عن ما لك رضي الله عنه باسانيده ومنها هذا الاسناد المشهور عنه وهو مالك عن نافع عن ابن عمر. واما المولد الثالث فهو بيان ما يتعلق منه بتفسير الاية وهي قوله تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين. فان النبي صلى الله عليه وسلم فسر قيامهم بقوله حتى يغيب احدهم في رشحه وتحرك الشين ايضا فيقال في رشحه. اي عرقه الى انصاف اذنيه. فيكون حينئذ قياما في العرق لخبر النبي صلى الله عليه وسلم بان احدهم يغيب في رشحه والرشح هو والعرق سمي رشحا لانه ينزف خارجا من البدن وكل ما كان كذلك يسمى رشحا ورشحا ومنه تسمية الزكام بالرشح فلما يخرج من الانسان حال اعتراء هذا المرض له سمي ذلك المرض وهذا العرق الذي يعلو الناس سببه دنو الشمس منهم. فعند مسلم في صحيحه من حديث عبد الرحمن ابن يزيد ابن جابر عن سليم ابن عامر عن المقداد ابن الاسود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون كمقدار ميل قال الراوي لا ادري ميل المسافة ام ميل المكحلة؟ وميل المكحلة هو الاداة التي تجعل في المكحلة ثم يؤخذ بها الكحل ويوضع في العين فانه يسمى ميلا. والصحيح ان المراد الميلي هو ميل المسافة لماذا؟ ها احسنت لانه المعهود في الخطاب النبوي فان المعهود في الخطاب النبوي وفي كلام الصحابة والتابعين اطلاق الميل على ارادة ميل المسافة. قال حتى تكون منهم كمقدار ميل. فيعرق فيكون الناس في العرق. فيكون الناس في العرق فيعلوه العرق بسبب قرب الشمس. ومقادير هذا هذا ومقادير العرق منهم مختلفة. ففي في المقداد رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فمنهم من يكون الى عقبيه ومنهم من يكون الى ومنهم من يكون الى حقويه ومنهم من يكون الى منكبيه. ومنهم من يلجمه العرق ان اما ان يعلوه علوا تاما. ومقادير هذا العرق منهم وقع في صحيح مسلم في حديث المقداد رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فيكون العرق منهم على قدر اعمالهم وقوله على قدر اعمالهم مبهم لم يتعين. المراد به اهوى الاعمال مطلقا ام الاعمال السيئة الثاني لانه نوع عقوبة لهم ووقع التصريح به في حديث ابي امامة الباهلي باسناد حسن عند الامام احمد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فيكون العرق منهم على قدر خطيئاتهم. فقوله على قدر خطيئتهم يفسر الاعمال التي وقعت مبهمة غير موصوفة في صحيح مسلم. وان المراد بذلك هو الاعمال السيئة. فيكون عرق الانسان الذي يعلوه هو بحسب عمله السيء. فمنهم من يخف من يخف منه عمله السيء فيكون الى قدر عقبيه ومنهم من يزداد فيكون الى ركبتيه ومنهم من يكون الى حقويه باعتبار زيادة سيئاته ومنهم من يجيمه العرق الجاما لشدة سيئاته وعظمها وهذه تكاد تكون حال اهل الكفر والنفاق فانهم الذين ينغمرون في الاعمال السيئة فيكون جزاؤهم ان يغمروا بالعرق عقوبة من الله عز وجل في ذلك اليوم فيكون قوله تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين اي في العرق الذي يعلوهم اذا اذني منهم الشمس كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهو دال على شدة ذلك اليوم وعظم اهواله ففيه معنى ما تقدم في قوله تعالى يوم يكشف عن ساق. فيوم القيامة يوم كرب وشدة. وتنفيذ الانسان عن نفسه في ذلك اليوم يكون بحسب حاله في الدنيا. فمن عمل الصالحات خف عليه ذلك اليوم ومن عمل السيئات اشتد عليه ذلك اليوم. ومن خلط عملا صالحا واخر سيئا وقع له من الشدة قدر ووقع له من التنفيس فيها قدر فينبغي ان يشتد الانسان في العمل الصالح رجاء التخفيف عنه ذلك اليوم وقد قيل لبعض السلف انك تكثر الصيام حتى في الهواجر الصائفة اي في ايام الحر الشديدة فقال ادفع من حر ذلك اليوم. وما ذكره هو معنى ما جاء في الصحيح ان الحمى حظ المؤمن من ادنى فمن خفف عن نفسه من السيئات واستكثر من الصالحات رجي له ان تكون تخفيفا له عن شدة ذلك اليوم وكربه. نسأل الله سبحانه وتعالى ان يعاملنا جميعا بعفوه ورحمته. وان يستعملنا في طاعته وان يزيدنا من فعل الخيرات ويجنبنا المعاصي والسيئات. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين