السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له. واشهد ان محمدا عبده ورسوله يا ايها الذين امنوا اتقوا الله حق تقاته. ولا تموتن الا وانتم مسلمون. يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام. ان الله كان عليكم رقيبا يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا. يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم. ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما. اما بعد فان اصدق الحديث كلام الله واحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة بعد ايها المؤمنون سبق في المجلسين السابقين نعت الطريق المأمون والجادة السالمة لمن سلكها يروم ان يتلقى تفسير القرآن الكريم. فمتى ترقى فيها مرتبة مرتبة؟ انتهى به ذلك الترقي الى كمال التلقي بمعاني القرآن الكريم. وصارت له وصارت له قدم راسخة في فهم كلام الله سبحانه وتعالى باعتبار ما انتهى اليه علمه فيما اخذه درسا وحفظا مما نعتنا وبينا نقله في المجلسين السابقين. ووراء هذه الطريق التي نعتناها واد افيح ومرتع اذا نزله القلب فتح له من الفهم في كلام الله سبحانه وتعالى ما ذاق به جنة القلب وغاية المطلوب وهي التي شغل بها السلف رحمهم الله تعالى فكانوا يقرأون القرآن فيزدادون له محبة ويعظموا في نفوسهم. لان القرآن صار ملء سمعهم وابصارهم وقلوبهم. فلم يكن لهم شغل الا فيه ولا تدبر الا معانيه ولا تلذذ الا بتكرار النظر فيه. وهذا المرتع الخصب والواجب هو حصول ملكة التفسير التي ينتقل بها متلقي التفسير من مجرد معرفته للمنقول في تفسير كلام الله سبحانه وتعالى حتى يكون علم التفسير ممتزجا بروحه. ظاهرا في كل علومه فهو اذا تكلم في باب الفقه ظهرت معرفته بتفسير كلام الله سبحانه وتعالى. واذا تكلم في باب السنة النبوية معرفته لكلام الله سبحانه وتعالى. فان الفقهاء مثلا درجوا على استفتاح كتبهم في اغلب المذاهب كتاب الطهارة واكثر المتكلمين من الفقهاء لا يفهمون من الطهارة المذكورة في كتبهم الا الطهارة الحسية قل منهم من يوجه انظار الناس الى طهارة اعظم واجدى والمقام مناسب لها وهي الطهارة المعنوية القلوب التي جاءت في القرآن الكريم في مواضع عدة. بل ان المتكلم منهم عند ذكره اقسام المياه واراده على قسم مشهور منها وهو الماء الطهور ينسى الوصل بينه وبين قول الله سبحانه وتعالى وسقاهم ربهم شرابا طهورا فان المؤمنين لامر الله لما علموا ان ازالة الاحداث والاخباث لا تكون الا بماء كان الجزاء لامتثالهم في هذا الباب ان سقاهم الله سبحانه وتعالى شرابا طهورا. واذا تكلم في السنة النبوية مثلا اشعر المستمعين بان السنة النبوية تتعلق بما وقع بعد البعثة النبوية لان الله سبحانه قال لرسوله صلى الله عليه وسلم ووجدك ضالا فهدى. فالزمن الذي كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لا تعلق له بالسنة النبوية. وانما ما كان بعد هدايته صلى الله عليه وسلم الى ما اريد منه. ذلك هو الذي يتعلق به علم السنة النبوية. والمقصود بذلك ان يكون علم التفسير ملكة للعبد. والمراد بالملكة الهيئة الراسخة الثابتة فاذا استولى علم التفسير على قلبه واستقام في نفسه وامتزج بروحه ظهر على سائر علومه وهذه هي المرتبة العظيمة فوق ما نعتناه انفا من كيفية تلقي علم التفسير. ونحن ننعت اليوم الله وحوله وقوته الطريق الموصلة الى كيفية تحصيل ملكة التفسير. ونريد كما سبق الهيئة الراسخة في النفس التي يتحقق بها في علم التي يتحقق بها في نفس الانسان معرفة وبتفسير كلام الله سبحانه وتعالى حتى يتجلى في علومه كلها. سواء ما يتعلق بباب الخبر او بباب الطلب او ما تعلق بالاداب والاخلاق. ذلك ان القرآن الكريم كما سلف كتاب هداية ومقتضى ذلك ان يكون القرآن الكريم في كل باب من ابواب العلم والدين. فاول ما ينبغي ان يحوز ان يحوزه المرء ان يصل الى ملكة التفسير تعظيم القرآن واجلاله. وهذه البابة هي اول درة من فهم كتاب الله عز وجل وتلاوته. وينبغي لمن يلقن كتاب الله عز وجل الصغار في الكتاب قبل كبار ان يعلمهم بانهم يتلقون كلام الله عز وجل. كما قال الله عز وجل وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله. فاذا عظم القرآن الكريم في قلب الانسان تلقاه بشدة وزيادة محبة وتغرغرت روحه بلذته. وقد قال بعض الادباء قديما كلام الملوك ملوك الكلام اي ان كلام ملوك البشر يجعل مقدما بين كلام البشر كلهم. واذا كان الامر كذلك فان كلام ملك سبحانه وتعالى اجل من كلام غيره. فينبغي ان يأخذ الانسان كتاب الله عز وجل بتعظيم واجلال كما قال الله سبحانه وتعالى ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم. فهو قرآن عظيم هذه الكلمة من ادل الكلمات في لسان العرب على بلوغ الشيء غايته. فانك اذا اخبرت عن رجل او قصر عظيم او غير ذلك مما ينسب الى العظمة فانك تخبر عن جليل القدر. فاذا اخبر عن القرآن لانه عظيم فاعلم ان اول ما ينبغي ان تتلقنه في تحصيل ملكة التفسير خاصة بل في اخذ كتاب بالله عز وجل عامة ان تعظمه وان تجله بان تعلم ان هذا هو كلام الله سبحانه وتعالى. واول باب ينبغي ان يلقن للصغار والكبار في تلاوة كتاب الله او في معرفة معانيه او باستنباط في احكامه هو باب القرآن كلام الله. فان العبد اذا عرف ان هذا الكلام الذي يتعاطاه قراءة وتدبرا وتفسيرا واستنباطا للاحكام. هو كلام الله عز وجل جل في اعينه وعظم في نفسه. فاوجب ذلك التعظيم ان يكون تلقيه للقرآن الكريم تلقيا مباركا. وقد روى الدارمي وسعيد ابن منصور غيرهما عن ابراهيم الناخعي قال كان يقال عظموا القرآن. وعند الدارمي وغيره ايضا عن ابي قيمة العبدي ان عليا رضي الله عنه كان يمر بهم وهم يكتبون المصاحف فيقف عليهم فيعجبه صنيعهم وكتابتهم فيقول نوروا ما نوره الله. وكل ذلك مما يندرج في تعظيم كلام الله سبحانه تعالى فاول درة في عقد بناء ملكة التفسير ان تعظم القرآن وتجله وان توقن ان هذا الكلام الذي تتلقاه وتتلوه وتتعرف الى تفسيره هو كلام الله سبحانه وتعالى فينبغي ان يؤخذ بالاجلال والاعظام. وقد روى الدارمي وابن ابي داود في المصاحف من حديث ابن ابي مليكة عن عكرمة ابن ابي جهل رضي الله عنه انه كان يتلو القرآن ثم يضع المصحف على وجهه ويقول كتاب ربي كتاب ربي وهو يبكي. فقد وجد من عظيم اثر هذا الكلام ما ارق نفسه واجرى دمعته واقشعر معه جلده وقلبه فلان الى الله سبحانه وتعالى فارسل الدمع مدرارا واجرى اللسان مقالا كتاب ربي كتاب ربي. وانظر هذه الجملة الاسمية ما فيها من الحصر والثبوت والاستقرار وجلالة المعنى في معرفة ان ما يأخذه الانسان بيديه هو كتاب الله سبحانه وتعالى نسأل الله عز وجل ان يرزقنا اجلال القرآن وتعظيمه. واما الدرة الثانية في جواهر هذا العقد فهو الفرح بالقرآن ومحبته والتمسك به. فان القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى. ولو ان احدكم بعث اليه محبوبه من البشر كتابا في رسالة اخذه بمحبة وربما قبله واشتدت عليه يداه فكيف بكلام الله سبحانه وتعالى؟ وقد سئل العلامة عبدالرحمن الدوسري احد علماء القرن الماضي عن الة المفسر فقال اولها الفرح بالقرآن الكريم. وصدق رحمه الله تعالى اذ ذلك امتثال قول الله عز وجل قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. قال ابي ابن كعب رضي عنه فضل الله الاسلام ورحمته القرآن. فينبغي ان يفرح الانسان بكتاب الله سبحانه وتعالى كيف ان الله عز وجل من عظيم رحمته وواسع فضله انزل على رسولنا صلى الله عليه وسلم كتابا يتلى هو القرآن الكريم ثم لم يزل يتنقل في طبقات الامة وقرونها حتى انتهى الينا. فاي فخر اعظم من هذا الفخر اذا كان هذا الكتاب الذي تقرأه كما قال حافظ الحكمي هو الكتاب الذي من قام يقرأه كانما خاطب الرحمن في الكلم فالذي يفرحون بمخاطبة الملوك قمين بالمؤمنين ان يفرحوا بمخاطبة ملك الملوك سبحانه وتعالى وتأملوا رحمكم الله كيف فرحت الجن لما سمعوا القرآن الكريم كما قال الله تعالى واذ صرفنا اليك نفرا من الجني يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين قالوا يا قومنا انا كتابا انزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه. فهذا الكتاب تلقته الجن بالفرح. ورأوه كتابا مصدقا وفي سورة الجن انا سمعنا قرآنا عجبا فاخبروا ان هذا كتاب عجيب وفرحوا به وتلقوه تمسكوا به فهداهم الله سبحانه وتعالى الى الحق والى طريق مستقيم وقد كان السلف رحمهم الله تعالى يوصون بمحبة القرآن الكريم ولهم رحمهم الله تعالى في ذلك كلام كثير اكثرهم فيه كلاما واعظمهم له بيانا صاحب القرآن ابو عبدالرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ولن تجد احدا من الصحابة تكلم في اجلال القرآن ومحبته والتلذذ فيه كابن ام عبد رضي الله عنه. فانه كان يقول كما رواه الطبراني في المعجم الكبير من اراد ان يعلم انه يحب الله ورسوله فلينظر هل يحب القرآن فانه ان كان يحبه فانه يحب الله ورسوله. وروى الدارمي عنه انه كان يقول من احب القرآن فليبشر. يعني فليبشر بكل خير وسينال بهذه المحبة كل خير. وهذه المحبة تقتضي للانسان ان يكون دائرا مع القرآن الكريم. لان المحب اذا احب شيئا دار معه كما انشدت رابعة تعصي الاله وانت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع. لو كان حبك صادقا لاطعته ان المحب لمن يحب مطيع فلو كان الانسان فرحا بالقرآن صادقا في محبته لعظم استمساكه به. ولذلك امر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستمساك به كما قال تعالى فاستمسك بالذي اوحي اليك وفي صحيح مسلم في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم التي رواها مسلم من حديث اسماعيل ابن ابراهيم ابن علية قال حدثني ابو حيانة عن يزيد ابن حيان عن زيد ابن ارقم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر حديثا فيه خطبة وفيه قوله صلى الله عليه وسلم بكتاب الله. فالعبد مأمور ان يستمسك بكتاب الله سبحانه وتعالى. ليظهر بذلك صدق محبته فلا يقدم عليه شيئا ابدا كائنا من كان. وعند ابن ابي شيبة من حديث طارق بن شهاب ان سلمان الفارسي رضي الله عنه قال لزيد ابن صوحان ارأيت يا زيد ان اقتتل السلطان والقرآن مع من تكون؟ فقال اكون مع القرآن. فقال نعم الزييد انت يعني نعم الرجل المسمى زيدا انت لانك استمسكت بالقرآن وروى سعيد ابن منصور ان رجلا جاء الى عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه فقال له اوصني بكلمات جوامع النوافع نوافع بكلمات جوامع فقال تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتزول مع القرآن حيث زال فمتى امتلأ القلب القلب بالفرح بالقرآن والتمسك به وتقديمه على كل شيء فتح للانسان مقام اخر في فهم في كتاب الله سبحانه وتعالى. اما الدرة الثالثة من درر عقد بناء ملكة التفسير. فهي ادامة ادامة قراءة القرآن وتكرار النظر فيه. فان الله سبحانه وتعالى قال لرسوله واتل ما اوحي اليك من ربك وامرنا النبي صلى الله عليه وسلم بان نديم قراءة القرآن الكريم. ففي صحيح مسلم من حديث معاوية بن سلام عن زيد بن سلام عن ابي سلام وهو منصور الحبشي قال سمعت ابا امامة رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اقرأوا القرآن فانه يأتي يوم القيامة شفيعا لاصحابه ولما وعى السلف رحمهم الله تعالى هذا الاصل امتلأت دواوين اخبارهم رحمهم الله تعالى بكثرة ما يذكر فيها من تكرار قراءة القرآن الكريم الاف المؤلفة. وعظمت وصيتهم به. فروى ابن ابي شيبة وبوب عليه عن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه انه كان يقول اديموا النظر في المصحف. وروى عن يونس ابن عبد الاعلى قال كان خلق الاولين النظر في المصحف وسئل نافع عن عمل عبد الله ابن عمر فقال انكم لا تستطيعون الوضوء لكل صلاة والمصحف بينهما اي انه كان يقرأ طول وقته. وروى عبدالله ابن روى ابن ابي حاتم في مقدمة الجرح والتعذير عن عبد الله ابن وهب قال كنا نعجب من نزع مالك من القرآن فسألنا اخته فقالت اما انه كان اذا دخل البيت لم يكن له شغل الا القرآن فينبغي ان يديم الانسان النظر في القرآن الكريم. وكان بعض السلف كعبد الله ابن المبارك يقلب المصحف وينظر فيه ولا يقرأ لان هذا من علامات شدة التعلق بالقرآن الكريم فاذا عجز اللسان عن تكرار اياته بقراءتها وترتيلها فانه لا ان يمل النظر من التكرار في اعادته مرة بعد مرة في كلام الله سبحانه وتعالى. واذا كان المرء اذا رأى صورة حسنة اطلق لنفسه العنان في ادامة التمتع بها فان كلام الله سبحانه وتعالى اعظم واعظم. وقد روي في حديث في مقال النظر في المصحف عبادة لكن هذا المعنى ثابت عن جماعة من السلف رحمهم الله تعالى ورضي عنهم فينبغي ان يجعل الانسان القرآن الكريم شغله بالتلاوة والقراءة. وان يجعله شغل قلبه. كما قال عبدالله بن مسعود ان هذه القلوب اوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره. وكان رحمه الله تعالى يقول اعمروا قلوبكم وعمروا بيوتكم يعني بالقرآن الكريم. فينبغي ان يكون للانسان نصيب عظيم من قراءة كتاب الله سبحانه وتعالى ومآثر السلف قد بلغكم علمها في كثرة ما يذكر عنهم الله تعالى من الاف المرات في قراءة القرآن الكريم. اما الدرة الرابعة من درر عقد جوهر بناء ملكة التفسير فهي سلامة القلب وطهارة الباطن. فان القرآن الكريم كتاب كريم اخبر الله عز وجل عنه فقال لا يمسه الا المطهرون وهم الملائكة. فاذا كانت ايات الكتاب في اللوح المحفوظ لا تمسها الا الملائكة. والمصحف لا يمسه الا طاهر كما جاء في حديث ابي بكر محمد ابي بكر ابن عمر ابن حزم في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم اليه عند النسائي وغيره فكذلك معاني القرآن الكريم تصل اليها الا القلوب الطاهرة. فكما ان من لم يكن طاهرا يمنع من مس المصحف فكذلك القلب النجس يفهم من معاني القرآن الكريم. وشاهده قول الله سبحانه وتعالى ساصرف عن اياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق. قال سفيان بن عيينة في هذه الاية امنعهم فهم القرآن. وقال الفريابي في هذه الاية احرمهم تدبره فاذا كان القلب مشتملا على غل او غش او حقد او غير ذلك من الاجناس والاجناس القلبية ان فهمه للقرآن الكريم يضعف وقد كان سهل ابن عبد الله التستري رحمه الله تعالى يقول حرام حرام على قلب ان يدخله النور وفيه شيء مما يبغضه الله سبحانه وتعالى قال عبدالعزيز ابن يحيى الكناني علم القرآن كالاسد في غيره يمنع غيره. يعني ان الاسد في غيره في غابته لا يرضى بان يكون معه غيره مما ينازعه. وكذلك القرآن اذا كان في القلب شيء من النجاسات القلبية من الكبر او العلو او الحسد او الغش او غير ذلك فان فهم القرآن لا يمازجه. فلا بد ان يطهر الانسان قلبه طهارة كاملة حتى تكون له ملكة حسنة في فهم كلام الله سبحانه وتعالى اما الدرة الخامسة في عقد جوهر بناء ملكة التفسير فهي تلقي التفسير بسلوك جادة الموصلة اليه لان العلم كله في اي فن من فنونه لا يؤخذ الا بطريق تسلك فتوصل الى ومن ظن انه يناله بغير تلك الطريق فلا يتعنى. لان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه مسلم ابن الحجاج من حديث الاعمش عن ابي صالح عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكر حديثا وفيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة. فبين ان للعلم طريقا تسلك. كالطرق التي تاكلي الوصول الى الجنة وهي الاعمال الصالحة التي بينتها الشريعة. وكذلك كل علم له طريق توصل اليه مدارها الاعظم على الحفظ والفهم. فاذا اخذ الانسان علم التفسير وفق هذه الجادة فانه يصل بتلقيه عن اهله واذا رمقت احوال السلف رحمهم الله تعالى وجدت لهم بناء مشيدا وحالا مجيدا في هذا الامر. فقد صح عن مجاهد رضي الله عنه انه عرض المصحف ثلاث مرات على ابن عباس يوقفه عند كل اية ويسأله عنها. وجاور ابو الجوزاء الربعي رحمه الله تعالى ابن عباس عشر سنين يسأله عن معاني القرآن الكريم. فلا بد ان يأخذ الانسان علم التفسير وفق جادة مأمونة يتلقاها على شيخ اما راسخ القدم فيه واما قادر على افادته بهذا العلم لان ارباب العلم منذ امد قديم وهم قليل لكن يستعين الانسان بمن له مكنة في اي باب من الابواب التي ذكرنا فيما سلف فيجعله معينا له على الاحاطة بعلم التفسير وقد نعتنا فيما سلف تسع مراتب يترقى فيها طالب العلم مرتبة مرتبة وفق ما امليناه فهو يبدأ بما افتتحنا به وهو معرفة كليات الالفاظ في التفسير ثم يترقى الى غريب القرآن الى تمام هذه التسع واحدة واحدة وفق الكتب المعينة وتلك الكتب التي ارشدنا اليها لا يظنن احد انها تخلو من غلط بل يوجد فيها اغلاط لكن متى كان للانسان او لمعلمه مكنة في علم الشريعة خبرا وطلبا اعتقادا وفقها واحكاما فانه يرشده الى ذلك لكنها الكتب التي دار علم التفسير عليها. والمقصود من الارشاد اليها دلالة طالب العلم الذي يريد ان يتلقن هذا العلم وفق هذه المراتب. واما غيره فربما ينتفع بكتب اخرى من كتب التفسير فمثلا احاد الناس ينعت لهم التفسير الميسر الصادر عن وزارة الشؤون الاسلامية في هذه البلاد او ينعت لهم ابن سعدي رحمه تفسير ابن سعدي رحمه الله تعالى لكن المخصوص بالكلام هنا الارشاد الى الكتب التي تجعل في هذه الجادة التي يتلقى بها طالب العلم التفسير مرتبة مرتبة. اما الدرة السادسة في عقد جواهر بناء ملكة تفسير فهي معرفة اصول التفسير وقواعده. وكل علم من العلوم المعظمة له اصول وقواعد. والمراد بالاصول ما تتقدمه فيبنى عليها. والمراد بالقواعد ما تخلفه وتنتج منه فتكون معينة على فهمه. وابين شيء ذلك المعنى في علم الفقه اصولا وقواعد واما في غيره من العلوم فقد وقع فيها امتزاج القول وعدم تبينه كالواقع في اصول تفسيره وقواعده فان المصنفين في هذين الفنين خلطوهما بعضا ببعض وادخلوا ايضا في مقامات اخرى علوما القرآن بحيث لم تتبينوا بحيث لم تتبين حقيقة علم اصول التفسير وقواعد التفسير. والمراد اصول التفسير هي القواعد التي يعرف بها معاني القرآن الكريم هي القواعد التي يعرف بها معاني القرآن الكريم والمراد بقواعد التفسير القضايا الكلية التفسيرية المنطبقة على ايات متفرقة من سور متعددة. القضايا الكلية التفسيرية المنطبقة ايات متفرقة من سور متعددة فذلك هو الحقيق بالاصول وهذا هو الحقيق بالقواعد. والواقع في تصانيف الناس المزج بينهما من غير فصل لحقيقة هذا وذاك وان كان الاصطلاح اللغوي وان كان المعنى اللغوي والاصطلاح العلمي يؤول الى ما ارشدنا فمثلا يعلم ان من اصول التفسير ما ذكره المتكلمون في دلالة الالفاظ في علم اصول الفقه. فان هذا الة لفهم الوحي واعظم الوحي هو القرآن الكريم الخاص والعام والمطلق والمقيد واشباه ذلك مما يتعلق وباصول التفسير. واما قواعد التفسير فهو ما ينتج بعد سبل القرآن الكريم تفسيرا من قضايا كلية تضطرب كما مثلنا بكلام جماعة من السلف رحمهم الله تعالى كقول عبد الله ابن عباس كل سلطان في القرآن فهو حجة فهذه تفسيرية تعمل في ايات كثيرة من سور متعددة يتجلى بها معنى السلطان ويصير بينا اما الدرة السابعة من عقد جوهر بناء ملكة التفسير فهي دراسة دراسة ما اليه من علوم القرآن. وعلوم القرآن مضاف ومضاف اليه. والمراد بمعنى الاضافة هنا علوم للقرآن اي انها تعين على فهمه والاحاطة به علما. وليس المراد بذلك العلوم التي تستنبط منه فان العلوم التي تستنبط من القرآن هي في كل طريق وصعيد. فان الفقيه يستنبط منه علما وان المحدث يستنبط منه علما وان الطبيب يستنبط منه علما وان الفلك يستنبط منه علما بحسب بعلمه الذي هو فيه. وليس المراد من هذا القول الابانة عن ان القرآن الكريم يحتوي علوم البشر كلا فان القرآن الكريم فوق علوم البشر ولكن قد يوجد فيه اشارات الى ذلك وقد تعسف المتأخرون في مزج ما وصلوا اليه من احوال الكون بالقرآن الكريم مما يسمى بالاعجاب العلمي وهذه التسمية خاطئة لان العلم ليس محصورا فيما توصلوا اليه من قواعد ومعلومات تتعلق بالفضاء او بالكيمياء او بالفيزياء بل اعظم العلم علم الخبر والطلب من الاحكام الشرعية كما ان لفظ الاعجاز فيه ما فيه وسبق الاشارة الى هذا على وجه التوسع في غير هذا المقام وانما يسمى ذلك دلائل صدق الكريم وما يذكرونه فيه ما يكون القرآن دالا عليه وفيه ما يكون ذكره على وجه التعسف والغلط فيه ينبغي لمثل هؤلاء ان يتكلموا في تفسير القرآن وانما يأخذون علم التفسير من اهله فما وجدوه مصدقا لعلومهم اشاروا اليك. اما ان يبحثوا في القرآن الكريم عن علم الكيميائي وعلم الفيزياء وعلم الفظائي فليس القرآن الكريم محلا لذلك والمقصود الاشارة الى ان العلوم التي ينبغي ان تعتني بها من علوم القرآن هي العلوم التي يحتاج اليها في فهمه وهي انواع كعلم اسباب النزول وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم مناسبات سور القرآن الكريم وعلم رسم القرآن الكريم وعلم الوقف والابتداء في قائمة طويلة من العلوم ومن اوسع الكتب المصنفة فيها كتاب الاتقان للعلامة جلال الدين عبدالرحمن بن ابي بكر السيوطي رحمه الله تعالى وللناس في ذلك كتب دون هذا الكتاب من الكتب كمنظومة الزمزم فانها في علوم القرآن مع طرف من اصول التفسير وكذلك كتاب القول المنير في علم اصول التفسير للعلامة اسماعيل ابن عثمان الزين رحمه الله تعالى فانه كتاب يشتمل على جملة من علوم القرآن بل كثير من علوم القرآن وسبق املاء شرح عليه يوجد مبثوثا في الشبكة العنكبوتية في موقع برامج الدعوة والارشاد اما فالدرة الثامنة من عقد الجواهر بناء ملكة التفسير فهي اصابة حظ وافر من علوم الالة المعينة على كشف معاني القرآن. اصابة حظ وافر من علوم الالة المعينة على فهم القرآن هذه العلوم هي علوم العربية. لان القرآن عربي. كما قال الله سبحانه وتعالى انا انزلنا ناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون. وقال ان جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون. وقال بلسان عربي مبين. فلا يتمكن المرء من الاحاطة بعلم التفسير واستيلاء قلبه على ملكته حتى يكون له حظ وافر من علوم اللسان ولا سيما علوم النحو والبلاغة والتصريف. فان هذه العلوم هي اعظم العلوم التي اليها في كمال فهم القرآن الكريم. وقد روى ابن ابي شيبة ان عن عبيد الله ابن عبد الله ان ابن عباس الله عنهما كان يسأل في القرآن فينشد فيه الشعر يعني في معانيه لان علم اللغة مفرداتها يعني مفرداتها من العلوم التي يحتاج اليها المفسر واللغة تفتقر الى شواهد تصدق ما يذكره اللغوي من المعاني. ومن لم يكن له علم باللسان العربي فانه لا يتكلم في القرآن العربي وكان مالك رضي الله عنه يقول ان اوتي الي برجل غير عالم غير عالم بالعربية يفسر القرآن جعلته نكالا. يعني انزلت به عقوبة عظيمة. لان القرآن الكريم لا يفسره الا من كانت له مكنة في اللسان العربي. ولا نعني بهذا كما يتوهم بعض الناس قدرا يسيرا من اللغة بل كلما اوغل المرء في لسان العرب كلما كمل له فهم القرآن الكريم. ومن الناس باخرة من ان علم البلاغة لا شغل للمفسر به وهذا من الغلط. فان علم البلاغة تتجلى به المعاني العظيمة للقرآن الكريم فانه ربما تكلم متكلم في قول الله تعالى الحمد لله رب العالمين. فبين معناها لكن بقي وراءها من بلاغة القرآن ان الله سبحانه وتعالى جاء بحمده في هذه الاية في جملة اسمية للدلالة على الدوام والثبات فان الجملة الاسمية موضوعة في لسان العرب في معاني الكلام عندهم للدلالة على دوام الشيء وثباته فبذلك ارشاد الى دوام حمد الله عز وجل وثباته. وكذلك قوله سبحانه وتعالى ان شانئك هو الابتر. ولم يقل ان شانئك كابتر بل ادخل الضمير وزيد وصلا للدلالة على ان الابتر وحقيقة هو مبغض النبي صلى الله عليه وسلم فلا بد ان يشتغل الراغب في بناء ملكة التفسير بعلوم العربية خاصة. وادرج علم اصول الفقه بما فيه من العناية بدلالات الالفاظ فان علم اصول الفقه اعتنى المصنفون فيه كثيرا بدلالة الالفاظ ونوعوها انواعا وجعلوها ابوابا فيحتاج اليها كذلك. اما الدرة التاسعة بعدما سبق فهي استيفاء قدر متين من علوم الدين استيفاء قدر متين من علوم الدين. فمن رسخت قدمه في العلم كمل علمه بالقرآن الكريم كما قال الله سبحانه وتعالى وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم على عطف الراسخون على باسم ربنا سبحانه وتعالى فالراسخون لهم في العلم لهم مكنة في معرفة تأويل كلام الله عز وجل. وقال الله عز وجل ايضا بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم. فمن كمل علمه بالدين كمل علمه بكلام الله عز وجل وقد ذكر ابن عطية في اوائل المحرر الوجيز ان اكثر علوم الدين مما يمس فهم القرآن السنة والسيرة النبوية وصدق رحمه الله تعالى فان هذين العلمين لهما اثر ظاهر قوي في معرفة معاني كلام الله سبحانه وتعالى وكذلك ما تراهما من العلوم التي اصطلحا عليها الناس كعلم الفقه وعلم الاعتقاد وغيرهما تعين مدركها على فهم القرآن فهما اعظم من غيره فانه ربما قرأ الانسان الاية او فهم من تفسيرها شيئا وعزب عنه علم اشياء اهله بعلم من علوم الشريعة. فلو قرأ قارئ مثلا قول الله سبحانه وتعالى فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي وظن ان الاية خاصة بما اصطلح عليه الفقهاء في تسميته بمنسك التمتع. واما في الوضع الشرعي وعند الفقهاء المحققين لا يختص التمتع بمنسك التمتع بل القران مندرج فيه. لان القران والتمتع كلاهما هما توسعة من الله فان العرب لم تكن تجمع بين عمرة وحج. ثم جاء الشرع بالجمع بينهما في القران والتمتع وسمي جميعا لحصول الانتفاع بالتمتع بهما في جمع العمرة والحج معا اما الدرة التاسعة في بناء ملكة التفسير او العاشرة فهي الاعتناء بثني القرآن في بعضه على بعض وتصديق بعضه ببعض. فان الله عز وجل قال الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها متان. اي يرجع بعضه على بعض ويثنى بعضه على بعض لانه متشابه. اي يصدق بعضه بعضا. ومن لم يجعل القرآن مصدقا بعضه لبعض فانه ينقص حظه منه وربما اوصله ذلك الى الكفر كما قال الله عز وجل في حق الكافرين الذين جعلوا القرآن عضين يعني متفرقا تصدقوا بعظا وكذبوا بعظا وكذلك من لا يكون له شغل في وصل القرآن بعظه ببعظ ويظن ان اية من القرآن لا تتعلق بغيرها فله نصيب من هذه التفرقة. ولكن من امتلأ قلبه بان القرآن كتاب متشاء بان القرآن كتاب متشابه يصدق بعضه بعضا فرد بعضه الى بعض تجلى له من معانيه ما يزيده ايمانا وايقانا ما قال الله عز وجل ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وفي القراءة الاخرى لوجدوا فيه اختلافا لكن من رد بعضه على بعض وصدق بعضه ببعض تجلى له فهم القرآن تاما. وهذا الرد لبعضه على بعض تارة يكون من دلالة السياق. فان الانسان اذا قرأ ايات القرآن الكريم ينبغي له ان ينضمها في سلك واحد ولا يظنن ان اية من هذه السورة منفصلة عن ما قبلها وما بعدها. لان كلام البليغ ينزه عن فكيف بكلام رب العالمين سبحانه وتعالى؟ وهذه الدلالة وهي دلالة السياق في القرآن وغيره من اعظم الدلالات كما اشار الى ذلك ابو محمد ابن عبد السلام في كتاب الامام ونقل كلامه الزركشي في البحر المحيط واشار الى هذا المعنى بعد له ابن القيم في بدائع الفوائد فان دلالة السياق تعين المحتمل وتبين المجمل وتقيد مهمل فالمرء محتاج الى الفزع اليها في فهم كلام الله عز وجل او ترجيح بعض الاقوال المذكورة في التفسير على بعض كقوله سبحانه وتعالى وثيابك فطهر فان معنى الثياب ها هنا تنزع فيه فقيل هو الملبوسات فقيل هو الثياب الملبوسات وقيل هو الاعمال الملابسات. والصحيح منهما الثاني وعليه اكثر السلف. ورجحه ابو جعفر ابن ابو جعفر ابن جرير لان السياق دال على ذلك لان السياق في تعظيم الله واجلاله وتنزيهه والمناسب لذلك في الدعوة والبلاغ هو تطهير اعمال ومن هذا الجنس مما يرجع الى تصديق القرآن بعضه ببعض وفيه تتجلى ملكة التفسير حقا تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالقرآن هو اصح المطالب العلمية في تفسير الايات القرآنية وهو نوعان احدهما تفسير منفصل تفسير متصل ومنه قوله تعالى بسورة الطارق والسماء والطارق وما ادراك ما الطارق ثم قال النجم الثاقب فان هذا تفسير للطارق على وجه اتصال الكلام. واما النوع الثاني فهو المنفصل. ومنه في قول الله تعالى في سورة الفاتحة مالكي يوم الدين فان مالك يوم الدين تفسرها ايات اخر في سورة الانفطار في قول الله سبحانه وتعالى وما ادراك ما يوم الدين ثم ما ادراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفسه شيئا. والامر يومئذ لله. فهذه الايات تفسر تلك الاية لكن ان بينهما انفصالا. وهذا التفسير للقرآن بالقرآن نوعان احدهما لفظي كالامثلة التي ذكرنا وهو في القرآن قليل والاخر معنوي وهو معترك الانظار والبحر الواسع العظيم لمن فتح الله عز وجل له فهما فان الانسان اذا قرأ اية من كتاب الله عز وجل فغمض عليه معناها فلربما وجد على وجه التصديق لها ما يبين المعنى لكن ليس بلفظها. فمثلا قول الله سبحانه وتعالى ووجدك ضالا فهدى. اي ضلال كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم ما الجواب ولا ينبئك مثل خبير. ولما ترك بعض الناس كلام العليم الخبير وقعوا في اشياء لا تليق بمقام النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن لكن العارف بكتاب الله عز وجل يقول يبينها قول الله سبحانه وتعالى وكذلك اوحينا اليك روحا من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان وقوله سبحانه وتعالى في سورة يوسف نحن نقص عليك احسن القصص ايش بما اوحينا اليك هذا القرآن. وان كنت من قبله لمن الغافلين. فالضلال الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم هو غفلته عما اريد منه. وعدم علمه بما رشح له صلى الله عليه وسلم. فهذا تفسير للقرآن بالقرآن باعتبار المعنى. ومن امعن النظر فهمه فهما بينا. وانظروا فيما تكرر في المفصل كثيرا من ذكر احوال السماء في الاخرة فانك تجد الله سبحانه وتعالى يقول فاذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان وقال سبحانه وتعالى اذا السماء انشقت وقال اذا السماء انفطرت وقال يوم تكون السماء كالمهل في ايات اخر جمعها يبين لك تفسير كل اية منها وهذا هو الذي صاغه المتأخرون باسم التفسير الموضوعي. وان جنح بعضهم هذا المسمى الى خارج مقام القرآن الكريم. لكن حقيقة التفسير الموضوعي هو تصديق القرآن بعضه ببعض وهو تفسير للقرآن بالقرآن لكن لا على وجه اللفظ بل على وجه المعنى وكلهما كلاهما مقام حميد. لكن مقام اللفظ في القرآن قليل كالامثلة التي ذكرنا اما مقام المعنى فهو الاكثر وهو يحتاج الى اعمال نظر ولا ينبغي ان ينظر الانسان الى كلام المفسرين قبل ان ينظر الى كلام رب العالمين فانه اذا نظر كذلك فهم القرآن وقد كان شيخ شيوخنا محمد الامين الشنقيطي رحمه الله تعالى يقرأ اللوح الواحد من القرآن مائة مرة يقرأه مئة مرة لانه يتبدى له من الفهم فيه. ورد بعضه الى بعض ما لا يكون في المرة الاولى فالثانية فالثالثة والرابعة فالخامسة فالسادسة اما الدرة الحادية عشر وهي الاخيرة من درر عقد جوهر بناء ملكة التفسير فهي تدبر القرآن وامعان النظر في استنباط معانيه. لان الله عز وجل امرنا بذلك فقال ليدبروا اياته كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا اياته. وقال سبحانه وتعالى افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها وقال افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. والمراد تدبر القرآن نظر القلب الى معاني القرآن لبلوغ غايتها. نظر القلب الى معاني القرآن لبلوغ غايتها. والدليل على انه نظر القلب قوله تعالى افلا يتدبرون ترون القرآن ام على قلوب اقفالها؟ فذكر القلوب لانها محل التدبر. والمراد من ذلك النظر القلبي هو الوصول الى غايات الاي والسور. لان اثم التدبر مأخوذ من دبر الشيء وهو اخره. فهو ينظر بقلبه في الاية للوصول الى المراد منها اي ما سماه المتأخرون استنباطات او احكاما تدبر فعل عمل قلبي؟ ام فعل ظاهري ما الجواب؟ عمل قلبي على ما ذكرنا في قول الله افلا يتدبرون القرآن فهو عمل القلب. وهذا التدبر ماذا لا قبل العمل فهم القرآن ينتج معرفة معاني القرآن وفهمه على الوجه الكامل. والتفسير درجات. والدرجة العالية لا يبلغها المرء الا بتدبر القرآن الكريم. فان المفسر الصرف هو الذي يهو يد في تدبر القرآن الكريم. وهذا النظر التام في غايات السور هو الذي يجعل الانسان عاملا بالقرآن الكريم. ولاجل هذا لما ذكر التدبر عند الحسن قال هو العمل به يعني انه يورث بعد نظر القلب الامتثال لمقاصد هذه الاي ثم خروج ذلك عملا واما بدو اثره مدونا مكتوبا فهو علم التفسير. ولاجل هذا تجافى السلف رحمهم الله تعالى وائمة العلم بالقرآن ان يسموا كتبهم تدبر القرآن. ولم يوضع كتاب من الكتب باسم تدبر القرآن الا في القرن الخامس عشر. فانكم لا تجدون احدا من الاولين ابدا. الف كتابا في تدبر القرآن. لان تدبر القرآن مما يكتب ويسمى تدبر القرآن ليس هو تدبر القرآن وانما هو اثره من الفهم ومعرفة المعاني واما تدبر القرآن فانه عمل قلبي والمتكلمون اليوم في تدبر القرآن طائفتان فالطائفة الاولى قوم ارادوا تعظيم القرآن ورد الناس اليه بالنظر فيه ومعرفة تفسيره. وهؤلاء محسنون ولكنهم خالفوا ما كان عليه الاوائل من تسمية ذلك تفسيرا لان التفسير درجات. واما الطائفة الثانية فطائفة ارادوا ان يكون القرآن كتاب فلسفة للحياة يتكلم فيه كل من يشاء بما يشاء. وهذا هو الذي صار للناس ممن يتكلموا في تدبر القرآن. فاذا وقع في ذهنه معنى او خاطر من الخواطر تكلم به وقال هذا ما هو معنى الذي يدل عليه التدبر وليس الامر كذلك؟ وانظروا البول الشاسع والفرق البعيد بين العالمين بالقرآن ومن الخطرات فان بعض المتكلمين في هذا الباب ذكروا ان الله سبحانه وتعالى لم يذكر تحريم لحم في القرآن الا لحما خنزير ثم اشار الى ان موجب ذلك هو ان اطعمة العالم اليوم اكثرها لحم الخنزير. فجيء به للدلالة على عالمية فالقرآن عالمي ينبه على كل زمان والات. وليس الامر كذلك. وانما الامر ما ذكره الراغب الاصفهاني في كتاب الذريعة الى مكارم الشريعة انه لما كانت العرب اكثر خلطة للنصارى من اليهود فان اليهود والعرب كانت بينهم نفرة واما النصارى في جهات الشام فكان للعرب من بني تغرب وغيرهم خلطة بهم. فلما كان للعرب معهم خلطة اراد الله سبحانه تعالى ان يرسم عرى خلطتهم بهم بتحريم اعظم مآكل النصارى واكثرها عندهم وهي لحم الخنزير فنبه عليه بالقرآن مرارا فانظر بين تدبر العالم بالقرآن وبين من يتكلم بخطره. وقد اطلعت على شيء من المقيدات بهذا رأيت فيها زللا عظيما لان الناس صاروا يتجرأون على كلام الله سبحانه وتعالى. وكان السلف يقولون كما قال الشعبي وغيره اتقوا تفسير فانما هو الرواية عن الله. وقال مسلمة ابن قال مسلم ابن يسار اذا اخبرت عن الله فانظر ما قبله وما بعده يعني اذا اردت ان تفسر القرآن فلا بد من نظر تام فالكلام بالخواطر وما يقع في قلوب الناس مما يسمى تدبرا ليس والدليل تجافي السلف في هذا المعنى مع انهم اولى به. وقد تكلم بعض الناس ممن صار ينصر ديمقراطية او القومية او الوطنية او غيرها باشياء يزعم انها من تدبر القرآن الكريم وهذا من الغلط في التفسير وعدم اجلالك الله سبحانه وتعالى. وينبغي ان يرد المرء الى نفسه بان يكون المطلوب من التدبر نظر قلبه في القرآن الكريم يستنبط ما فيه من المعاني. وهذا الاستنباط متى استولى على قلب الانسان فانه يظهر له من المعاني في فهم كلام الله عز وجل ما لم يكن له ما لم يكن له ولا لغيره من قبله وانظروا الى امر تقرأونه جميعا في كتاب الله عز وجل. وهي الحروف المقطعة. ولعلكم جميعا رأيتم تلك كالحروف المقطعة ولكن هل وقع في نفس احدكم سؤال لماذا جيء بالسور بالحروف المقطعة في السور ولم تجعل في اواسطها ولا في اواخرها. فلا تجد في القرآن الكريم حرفا مقطعا موجودا في وسط السورة في اخرها وانما جعل في مقدمتها. ولا ينبغي ان يقع هذا الا بامر مراد. والمراد من ذلك هو الاشارة ان ما بعد هذه الحروف المقطعة هو من جنسها فهو من كلام العرب الذي تتكلم به فتح اداهم الله عز وجل به واشار الى كون ذلك المراد من الحروف المقطعة قدماء اهل العربية كالخليل ابن احمد وقطب والمبرد ونصره المحققون من المفسرين كالزمخشى وابي العباس ابن تيمية الحفيد رحمه الله تعالى فان الحروف المقطعة لا يقال لا تعلم معناها بل هي حروف من جنس الحروف التي يتكلم بها العرب نبه الله عز وجل بايرادها في اوائل السور الى ان الكلام المنسوج بعدها هو مما تركب من هذه الحروف فان كان لكم ايها العرب قدرة على مجاراته فجاروه. ولاجل هذا ذكر ابن كثير ومحمد الامين الشنقيطي رحمهما الله انه لا توجد سورة استفتحت بشيء من الحروف المقطعة الا وفيها ذكر القرآن الكريم. بل زاد محمد الامين الشنقيطي بيانا فقال ان الله سبحانه وتعالى اذا ذكر الحروف المقطعة اشار الى تنزيل القرآن الكريم ثم قرن باسمائه الدالة على عظمته. كقوله تعالى حا ميم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم. ولما ذكره في سورة يس قال يس والقرآن الحكيم ثم قال في اثنائها بعد ايات تنزيل العزيز الحميد الامعان في بيان عظمة القرآن وانه منزل من الله سبحانه وتعالى المسمى بهذه الاسماء. وهذا التدبر وما يرزقه الانسان من فهم القرآن هو الحقيق بقول الله عز وجل ومن يؤتى الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا. قال ابراهيم في تفسير هذه الاية ومن يؤتى الحكمة قال الفهم للقرآن. فقد اوتي خيرا كثيرا. واذا طهر القلب وكم التدبر خرج للانسان من العلم الشيء العظيم ويؤثر عن علي رضي الله عنه انه كان يقول لو شئت لاوقرت لكم من الفاتحة سبعين بعيرا لو شئت لاوقرت لكم من الفاتحة سبعين بعيرا. اي من العلوم المستخرجة منها. واذا كان هذا الحال علي رضي الله عنه فلا يستبعده الانسان لانه وقع لمن دونه ما هو مستعظم. فان ابا بكر ابن العربي رحمه الله ذكر في تفسير اية الوضوء انه تذاكر الاحكام المستنبطة والمعاني المستفادة منها مع اصحابه في بغداد فاستخرجوا منها ازيد بدأ من خمسين وثمانمائة حكم اية واحدة وذكر ابن القيم في الجواب الكافي ان في سورة يوسف الف فائدة فاذا كمل العلم رسخ الايقان والايمان فان الانسان يفتح له من فهم القرآن الشيء العظيم فهذه الدرر الاحد عشر الاحدى عشر هي التي يسلك فيها عقد جوهر بناء ملكة التفسير فمتى استوفاها الانسان وصار له حظ منها فان ملكة التفسير تقر في قلبه ويكون مفسرا بالنفس كما يقال في الفقهاء فقيه بالنفس يعني ان روحه ونفسه ممتزجة بالفقه فكذلك من تبوأ هذا المقام صارت روحه ونفسه ممتزجة بتفسير كلام الله سبحانه وتعالى وبهذا نكون بحمد الله تعالى قد اتينا على المقدمتين اللتين اردت ان اتقدم بالكلام فيهما قبل ان انتقل الى بعض المجالس في تفسير كلام الله سبحانه وتعالى ونشرع غدا ان شاء الله تعالى في مثل هذا المقام في قراءة كتاب معاني الفاتحة وقصار المفصل. ونعلق عليه تعليقا بما يناسب المقام وهو كتاب سبق توزيعه في هذا المسجد مرتين ولعل كثيرا من الاخوان عندهم نسخة منه فنبتدأ باذن الله سبحانه وتعالى غدا في والتعليق عليه بما يناسب المقام. نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا من اهل القرآن وخاصته. وان يرزقنا فهمه والعلم به وان ارزقنا علما نافعا يقربنا اليه. وان يجعل القرآن الكريم هاديا لنا ودليلا. ومرشدا الى جناته جنات النعيم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا واجعله امامنا وقائدنا الى جناتك جنات النعيم. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وغمومنا والحمد لله رب العالمين