الحمد لله رب العالمين رب السماوات ورب الارض رب العرش العظيم واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما مديدا. اما بعد فهذا هو المجلس الثاني من الدرس الثاني من برنامج اليوم الواحد الثاني والكتاب المقروء فيه هو كتاب مقاصد الصوم لابي محمد ابن السلام السلمي رحمه الله تعالى وقد انتهى بنا القول الى الفصل الخامس في التماس ليلة القدر نعم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين قال الله تعالى الفصل الخامس في التماس ليلة القدر. هل الفصل عقده المصنف رحمه الله تعالى لبيان مشروعية تطلب ليلة القدر وقوله رحمه الله تعالى التماس ليلة القدر جرى فيه وفق المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم من الامر فان النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح التمسوها في العشر البواقي والتعبير بلفظ جاء في خطاب الشرع اولى من التعبير بغيره كما نص على هذا المعنى ابو عبد الله ابن القيم رحمه الله تعالى في اواخر كتابه اعلام وليلة القدر هي احد زمنين فاضلين اخفيتا في هذه الشريعة. اما احدهما فهو ليلة القدر واما آآ الوقت الاخر فهو ساعة الاجابة يوم الجمعة. فان هذين الوقتين قد خفي على العباد وغبي ليلتمسهما العلم ويجتهد في العبادات المشروعة فيهما والفرق بين هذين الوقتين الفاضلين من اربعة وجوه اولها ان ليلة القدر تكون مرة واحدة في السنة. واما ساعة الاجابة فانها تكون في كل جمعة وثانيها ان ليلة القدر وقت ليلي. وان ساعة الاجابة وقت نهاري. وثالثها ان ليلة القدر تستوعب زمنا مديدا وهو ليلة بكاملها. اما ساعة الاجابة فتختص ببعض وقت النهار وهو كما جاء تقديره في الاحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ساعة. ولذلك سميت بساعة الاجابة ورابعها ان ليلة القدر يستحب احياؤها بالقيام. واما ساعة الاجابة فان عمارتها تكون بالدعاء فحصل بهذه الفروق الاربعة تمييز هذين الوقتين الفاضلين احدهما عن الاخر. ليلة القدر ليلة شريفة فضلها الله على الف شهر ليس فيها ليلة القدر. وقد صدح بهذا الشرف قول الرب سبحانه وتعالى ليلة خير من الف شهر وهذه الاية فيها بيان عظيم شئ هذه الليلة ورفيع رتبتها بحيث تكون مفضلة عند الرب سبحانه وتعالى على الف شهر يجزم بانه ليس فيها ليلة القدر لانه لو قيل بان في تلك الشهور ليلة في كل شهر منها ليلة قدر لتسلسل الفضل ولكن معنى الاية ان ليلة القدر تكون افضل من الف شهر ليس ففي شيء منها ليلة القدر وسميت ليلة القدر اما لشرف قدرها وعلو منزلتها واما لان الارزاق والاداب من السنة الى السنة تقدر في تلك الليلة ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة علة تسمية هذه الليلة بليلة القدر وقد اختلف اهل العلم رحمهم الله تعالى في ذلك فذكروا اسبابا عديدة جماعها يرجع الى ثلاثة اشياء اولها انها سميت ليلة القدر على ارادة معنى التعظيم لقدرها هنا فالمراد بالقدر هنا التعظيم كقوله تعالى وما قدروا الله حق قدره فتكون ليلة القدر يعني ليلة ذات قدر وتعظيمها وقع لامور عظيمة منها نزول القرآن فيها. ومنها ما ينزل فيها من السلام والرحمة والمغفرة. وثانيا ان القدر هنا بمعنى التضييق لقوله تعالى ومن قدر عليه رزقه وكقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المخرج في الصحيح فان غم عليكم فاقدروا له في قول من يقول بان المعنى هو تضييق الشهر وكأنها ضيقت لاجل اخفائها او لكونها ليلة واحدة او لان الارض تضيق فيها عن الملائكة وقد روي في ذلك حديث في مسند احمد وفي اسناده ضعف. وثالثها ان المراد بالقدر هنا ما يكون بمعنى القدر الذي هو مؤاخي القضاء يدري انه تقدر فيها الاقدار والاجيال لقول الله عز وجل فيها يخلق كل امر حكيم سميت بليلة القدر مختار ان هذه الاسباب الثلاثة كلها موجبة لتسميتها بليلة القدر. واذا امكن حمل اللفظ على جميع معانيه كان ذلك هو اللائق كما جرى على ذلك جماعة من المحققين منهم ابو العباس ابن تيمية الحديث رحمه الله تعالى في رسالته في اصول التفسير وشيخ شيوخنا محمد الامين الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسيره اضواء البيان وتنزل الملائكة والروح في تلك الليلة. فيسلمون على المجتهدين واختلف العلماء. هل يسلمون عليهم من تلقاء انفسهم او يبلغونهم السلام عن ربهم. وان ليلة يأتي فيها العيد فيها تسليم رب العالمين عليه. لجديرة ان تكون فيها العبد وفي العبارة ركاكة لكن المجزوم به ان هذه اللفظة ليست العيد وانما العبد وان ليلة يأتي فيها العبد فيها تسليم رب العالمين عليه لجزيرة ان تكون خيرا من الف شهر. وبان يلتمسها الملتمسون لا قلوبها الطالبون. ولذلك التمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحبه والصالحون من بعده. من شرف هذه الليلة كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى تنزل الملائكة والروح فيها كما صرح بذلك في القرآن الكريم. وقد اختلف اهل العلم في المراد بالروح ها هنا على اقوال اصحها ان الروح هو جبريل. لقول الله عز وجل نزل به الروح الامين فاذا اطلق الروح فالمراد به جبريل عليه الصلاة والسلام ونزول الملائكة قد قيل فيه انهم ينزلون ثم اختلف القائلون بهذا هل هم يسلمون من تلقاء انفسهم؟ او يبلغون السلام عن الرب سبحانه وتعالى لعباده المتهجدين وليس في هذه المسألة الا اثار عن التابعين رحمهم الله تعالى. اما الاحاديث النبوية فليس فيها ان الملائكة تسلم على المتهجدين ولا تبلغهم السلام عن الرب سبحانه وتعالى. واذا كانت هذه الليلة بهذه المنزلة العظيمة حيث يتنزل فيها الملائكة والروح فانها حقيقة ان تكون خيرا من الف شهر وجديرة بان التمسها الملتمسون ويطلبها الطالبون كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ومن بعده فعل الصالحون. وهي في العشر الاواخر من رمضان الاوتار اقرب منها الى الاشباع والظاهر انها ليلة الحادي والعشرين لان رسول الله صلى الله عليه وسلم رآها ثم اوسيها ذكر عنه سجد في صبيحتها في ماء وطين. وصحى ان المسجد وقف ليلة الحادي والعشرين. وروي اثر الطين على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقه وترجحت ليلة احدى وعشرين بانه اخبر ان القمر كان ليلته كشق جفنة ولا يكون القمر في الا ليلة السابع وليلة الحادي والعشرين. فمن فضيلة هذه الليلة ان من قامها ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه والدليل على ما ذكرناه قوله صلى الله عليه وسلم اوليت ليلة القدر ثم ايقظني بعض اهلي فنسيتها فالتمسوها في العشر غوادر والغوادر البواقي. وقال صلى الله عليه وسلم تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الاواخر من رمضان. وقال ابو هريرة تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ايكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شق جفنه وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة مسألتين اثنتين. الاولى القول في تعيين ليلة القدر. وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في تعيين هذه الليلة على اقوال كثيرة بلغها ابو الفضل ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري اكثر من اربعين قول واصح هذه الاقوال ان ليلة القدر كائنة في العشر الاواخر من رمضان وهي اكد الاوتار من الاشفاع وتتنقل كل سنة من ليلة الى ليلة فقد تقع في ود وقد تقع في شبع وقد تكون وفي هذه السنة ليلة الحادي والعشرين وقد تكون في السنة التي تليها على خلافها. فالمختار عدم الجزم بكون ليلة من الليالي هي بعينها ليلة القدر بحيث يستديم ذلك في كل سنة. وان ذهب بعض اهل العلم الى هذا ابتداء من عهد الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم من قرون الامة. وهذا الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى انها ليلة الحادي والعشرين هو قول الشافعي رحمه الله تعالى الذي هو مقلده لان ابا محمد رحمه الله تعالى شافعي المذهب وما ذكره من الاحاديث التي فيها تعيين ليلة الحادي والعشرين انما هو بحسب تلك السنة التي اخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم فهذه الاحاديث المخرجة في الصحيح فيها تعيين ليلة الحادي والعشرين في تلك السنة التي حدث النبي صلى الله عليه وسلم فيها بتلك الاحاديث حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الرؤيا ووقع من امر المطر والطين ما وقع مما جاءت به الاخبار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن المقطوع الذي دل عليه مجموع الاخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم هو ان هذه الليلة تتنقل بين العشر الاواخر وهي في الاوتار اقرب منها الى الاشباع. اما المسألة الثانية فهي بيان فضيلة قيام ليلة القدر وفي ذلك الحديث المخرج في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من قام ليلة القدر ايمانا واحتساب غفر له ما تقدم من ذنبه. ففي هذا الحديث اعلام بان القائم لليلة القدر ايمانا بوجوبها واحتسابا لثوابها فانه يغفر له ما تقدم من ذنبه. وسبق ان عرفت ان ما جاء من الاحاديث فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم غفر له ما تقدم من ذنبه انه لا تصح الزيادات الواردة فيه بقول وما تأخر. كما ان الذنوب التي تغفر وبهذا العمل انما هي الصغائر دون الكبائر كما هو قول الجمهور خلافا لابي محمد ابن حزم وابي العباس ابن تيمية في كتاب الايمان وقد ذكر هذه المسألة مبينة بطولها وفصولها جماعة من الحذاق منهم ابو عمر ابن عبد البر في كتاب التمهيد وابو الفضل خرج ابن رجب في جامع العلوم والحكم وذكر ان غير هذا القول الذي هو قول الجمهور انه من شذوذ العلم والحق ان الاديب الصحيحة الجلية دالة على اختصار تكفير هذه الاعمال للصغائر دون الكبائر. والمستحب لمن رآها ان من الثناء والدعاء وان يكون اكثر دعائه اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعف عني. وان اقتصر على الثناء فهو لما روي عنه عليه الصلاة والسلام انه قال قال الله عز وجل من شغله ذكري عن مسألتي اعطيته افضل ما اعطي السائل وقال امية ااذكر حاجتي ام قد كفاني حياؤك ان شيمتك الحياء اذا اثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرض به البلاء ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا ان المستحب لمن رأى ليلة القدر وعلمها اما برؤيا منامية او غيرها فانه يكثر من الثناء والدعاء ويكون اكثر دعائه اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعف عني وهذا الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى ثم رجح بعده ان الاقتصار على الثناء افضل فيه نظر بما تقرر ان اعمار ليلة القدر انما يكون بقيامها باطالة الصلاة فيها وقراءة القرآن في اثناء تلك الصلاة. لقول النبي صلى الله عليه وسلم من قام ليلة القدر فهذا الحديث المخرج في الصحيح دال على ان العبادة المستحبة في ليلة القدر هو قيام تلك الليلة انما يكون قيامها باطالة الصلاة وكثرة قراءة القرآن في اثناء تلك الصلاة. واما ما عدا ذلك من الاعمال فهو دون مرتبة في الصلاة نعم يشرع للعبد اذا قام تلك الليلة بالصلاة وقراءة القرآن ان يدعو ربه عز وجل فانه على رجاء اجابة لا لاجل ان ليلة القدر مجاب الدعاء فيها لعدم الدليل. فانها ليلة القدر ليست من الاوقات الفاضلة التي يجاب الدعاء فيها. وانما لاقتران هذا الدعاء بعمل فاضل وهو قيام الليل في وقت فاضل وهو ليلة القدر فيكون دعاء العبد على رجاء اجابة والاحاديث المروية في تعيين نوع من الدعاء في تلك الليلة لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم منها شيء واشهرها حديث عائشة فهذا المخرج عند بعض اصحاب السنن واسناده ضعيف لانقطاعه فلا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في تعيين نوع من انواع دعائي دون غيره ليلة القدر بل يدعو العبد بما شاء ربه ان يدعوه مع الاقبال على اعمار هذا الوقت وهو وقت ليلة القدر باقامة الصلاة فيها واطالتها لانه هو العمل الذي جاء تعيينه من الشرع. فالمستحب لمن رأى ليلة القدر هو ان يطيل قيامها ويكثر قراءة القرآن فيها. وهذا الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى تبعا لغيره من امكان اطلاع احد من العباد على ليلة القدر جاء في الاحاديث الصحاح ما تقدم ان النبي صلى الله عليه وسلم قري ليلة القدر. فالسبيل الى ذلك اما بالرؤية المنامية التي يراها الانسان. واما كبار ما يقع في قلب بعض الناس من تعيين هذه الليلة فيكون من ثلج اليقين وبرده في قلبه ان يعرف ان هذه الليلة ارجى ان تكون ليلة القدر وقد ذكر هذا المعنى ابو العباس ابن تيمية الحديث رحمه الله تعالى. لكن ينبغي ان يعلم العبد ان هذه المرائي وما كان في معناها انما يطمئن بها العبد ولا يركن اليها فما يفعله بعض الناس من الحرص على سؤالي عن رؤية منامية عينت ليلة القدر ثم يقبلون على الله عز وجل في تلك الليلة ويتركون الاقبال عليه في الليالي كله من خلاف الشريعة. فاننا لم نتعبد بالمرائي وانما تعبدنا بالشريعة. وقد امر النبي صلى الله عليه وسلم ان نلتمس ليلة القدر في جميع ليالي العشر ولم يعين النبي صلى الله عليه وسلم ليلة دون ليلة. هذا اذا كانت الرؤيا معروفا قائلها تصدر عن ثقة عدل. واما اذا كانت الرؤيا منقولة عن مجهول فهذا اولى لان تطرح ولا يلتمس العبد منها التفاتا اليها واقبالا عليها الفصل السادس في الاعتكاف والجود وقراءة القرآن في رمضان. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا الفصل ثلاثا من السنن العظيمة في شهر رمضان وهي الاعتكاف والجود والاحسان وقراءة القرآن في رمضان وانما صرح بها تصليح الادلة الشرعية الواردة في تعيينها وكونها من اعظم اعمال البر في هذا الشهر. قال الله تعالى الطائفين والعاكفين والركع السجود. وقال تعالى ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد والاعتكاف زيارة الله في بيت من بيوته والانقطاع اليه فيه وحق المزور ان يكرم زائره. وكذلك جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال من غدا الى المسجد او راح اعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا او راح والنزل الضيافة والمستحب ان يعتكف العشر الاواخر من رمضان لطلب ليلة القدر. لانه اخر ما استقر عليه اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الاواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف ازواجه من بعده. وعنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا دخل العشر احيا الليل وايقظ اهله وجد واشد الميزاب وفي رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الاواخر ما لا يجتهد في غيره. وقولها شد ائزر كناية عن ترك الاستمتاع بالنساء. وقيل عبارة عن الجد في العبادة والتشمير فيها. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة السنة الاولى وهي الاعتكاف في شهر رمضان. وحقيقة الاعتكاف هي لزوم المسجد لعبادة الله من عبد مخصوص على صفة مخصوصة. وقولنا لزوم المسجد لانه هو المكان الذي جاء تعيينه في الادلة الشرعية من القرآن والسنة النبوية. وقولنا لعبادة الله هو اولى من قول كثير من الفقهاء لطاعة الله كما صرح بذلك ابو العباس ابن تيمية الحديث في شرح العمدة لان الطاعة تختص بموافقة الامر اما العبادة فانها تشمل المأمور به وغيره فيندرج في جملة ذلك المباحات اذا فعلها العبد بقصد التقرب الى الله سبحانه وتعالى وقولنا من عبد مخصوص على صفة مخصوصة يعني وفق ما جاء بيانه في الادلة الشرعية. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى ايتين قرآنيتين دالتين على الاعتكاف وهما ظاهرة الدلالة وفي الاية الثانية التصريح بان محل الاعتكاف هو المساجد كما قال تعالى وانتم عاكفون في المساجد فمن اراد ان يعتكف فانه المسجد وحقيقة الاعتكاف كما قال ابن رجب رحمه الله تعالى في لطائف المعارف هو قطع العلائق عن الخلائق للاتصال الخالق لا كما يفعله كثير من الناس من جعلهم محل اعتكافهم محطا للزوار ومجلسا للمعاشرة فان هذا الاعتكاف لون والاعتكاف النبوي لون اخر كما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد فينبغي العبد اذا رامى الاعتكاف ان يقطع صلته بالخلائق وان يقبل على الله عز وجل وهذا من ابلغ تكميل اقبال المرء على ربه سبحانه وتعالى فان المرء اذا خطب نفسه عن الاكل والشراب كان في ذلك اعظم فطامها عن شيء من المألوفات التي اذا زاد قدرها افسدها وكذلك يحتاج العبد الى ان يتقلل من انواع اخرى من المألوف اذا زادت على نفسه افسدتها كالنوم والكلام والخلطة فيكون تحصيل ذلك بالاعتكاف. ومن هنا دأب النبي صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف كافي العشر الاواخر كما انتهى الى ذلك اعتكافه صلوات الله وسلامه عليه. وقد اجمع اهل العلم رحمهم الله تعالى قاطبة على استحباب الاعتكاف كما نقله جماعة منهم ابو بكر ابن المنذر رحمه الله والنووي وابن تيمية في جماعة اخرين ووقع الخلاف من بعدهم كما ذكر بعض فقهاء الحنابلة في حق المرأة الشابة فكره القاضي ابو يعلى منهم والمختار ان استحباب الاعتكاف عام لجميع المتعبدين من الرجال والنساء لا فرق بين شاب ولا شيخ وقول المصنف رحمه الله تعالى ها هنا والاعتكاف زيارة الله في بيت من بيوته والانقطاع اليه فيه الى اخره هو من التجوز في العبارة الذي يمكن تخريجه عن الحديث المروي في صحيح مسلم ان الله عز وجل قال يا عبدي مرضت فلم تعدني قال يا رب وكيف اعودك وانت رب العالمين؟ الحديث. ففي هذا الحديث دليل على اثبات عيادة الله عز وجل بمعنى زيارة عبد من عباده لما مرض فيجوز ان يتوسع في القول كما توسع المصنف رحمه الله تعالى فعبر عن بقوله زيارة الله في بيت من بيوته. والاولى الركون الى الالفاظ المستعملة في الشريعة وترك غيرها لما فيها من الاجمال الذي قد يورد العقبة والهلكة عند من لا يعقله ولا يدرك مقصد قائله. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان الوقت المستحب كاف هو العشر الاواخر وهذا هو مذهب الجمهور رحمهم الله تعالى بل نقل الاجماع عليه فيستحب للعبد ان يكون اعتكاف في العشر الاواخر لانه اخر ما استقر عليه اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الاواخر ما لا يجتهد في غيرها من الايام رجاء اصابة ليلة القدر لان ليلة القدر كما عرفت هي كائنة في هذه العشر وكان من اجتهاده صلى الله عليه وسلم انه اذا دخلت العشر احيا الليل يعني قامه بالصلاة وايقظ اهله وجد اجتهد في العبادة وشد المئزر وقد اختلف اهل العلم رحمهم الله تعالى في معنى قولها رضي الله عنها في وصف النبي صلى الله عليه وسلم وشد المئزر على قولين اثنين ذكرهما المصنف اولهما ان ذلك كناية عن ترك الاستمتاع بالنساء وثانيهما ان ذلك عبارة عن الجد في عبادة والتشميل فيها والاول هو المختار كما رجحه ابو الفرج ابن رجب في لطائف المعارف وابو الفضل ابن حجر في فتح الباري لان الجد في العبادة اغنى عنه قولها قبل ذلك وجد فان قولها رضي الله عنها وجد يعني اجتهد وشمر في العبادة فلا بد ان يكون اللفظ الذي يعقبه مؤسسا لمعنى جديد. وهذا المعنى الجديد هو الكناية عن ترك صلى الله عليه وسلم بالنساء فينبغي للعبد ان يكون له من وقته في العشر الاواخر وقت يقدره حسب حاله واكمله ان يعتكف العشر الاواخر جميعا ان امكنه والا فانه يعتكف بعضها. ويستحب الاكثار من تلاوته قرآن ومن الجود والافضل في هذا الشهر للمعتكف وغيره. لان الفقير يعجز بسبب صومه عن الشهوات والتقواه والسؤال. وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم اجود الناس وكان اجود ما يكون في رمضان كان اجوده قال النووي رحمه الله تعالى الرفع اشهر والنصب جائز. فالاولى في قوله وكان اجود ان تكون بالرفع وكان اجود ما يكون. وقد اخرج ابن مالك الرفع على ثلاثة اوجه والنصب على وجهين من ارادها يراجعها في المطولات كشرح النووي وفتح الباري نعم وكان اجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه عليه السلام كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فاذا لقيه جبريل عليه السلام كان اجود ذو الخير من الريح المرسلة ومعنى قوله من الريح المرسلة في اي في عمومها واسراعها وصح ان جبريل عليه السلام كان يعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن في كل رمضان مرة فلما كان العام الذي توفي فيه عقبه عارضه مرتين. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة سنتين في اثنتين اولاهما استحباب الاكثار من تلاوة القرآن. وقد كان هذا داء السلف رحمهم الله تعالى فانهم كانوا يجتهدون في ختم القرآن الكريم مرات عديدة في شهر رمضان. فقد كان منهم من يختم القرآن الكريم كل عشر. ومنهم من كل سبع ومنهم من يختمه كل ثلاث. وذكر في ترجمة ابي عبدالله الشافعي رحمه الله تعالى انه كان له في رمضان تدينا ختمة. وهذا امر يمكن لاصحاب النفوس القوية المقبلة على الله عز وجل ان يدركوه ويعقلوه. اما من ضعفت قواه وقل اقباله على مولاه فانه يستبعد هذا ويجعله ضربا من الخيال. وقد صح عن عثمان رضي الله عنه انه قام بالقرآن كله في ركعة واحدة وانما قوي على ذلك بكمال اقباله على ربه سبحانه وتعالى واشتغاله بالتلذذ بقراءة القرآن الكريم وقد روي عنه بسند فيه ضعف انه قال رضي الله عنه لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام ربنا فاذا كان القلب طاهرا كان تلذذه وبكلام الرب سبحانه وتعالى اعظم من تردده بغيره فيحمله هذا على الاستكثار من الختمات. واذا كان هذا واقعا في الزمان البعيد فقط وقع نظيره في الزمان القريب فقد حدثني الشيخ عبد العزيز الاحمد الخظيري المتوفى عن ثمان سنين بعد المئة انه كان شيخه شيخ حمد ابن فارس رحمه الله تعالى يختم في رمضان ثلاثين ختمة وكان شيخه الشيخ عمر ابن سليم رحمه الله تعالى يختم والقرآن الكريم في رمضان ستين ختمة. هذا حال قوم لم يكن بيننا وبينهم الا عقود قريبة لا تعدو السنين التي تصل الى السبعين سنة او الستين سنة ولكنهم بلغوا هذه المرتبة العظيمة لانهم اعتنوا بالتلذذ بكلام الله سبحانه تعالى فكان في دارك اعظم الشغل لهم عن سواه وبلغ بهم ختم القرآن في رمضان الى هذا القدر الذي ذكرناه روي من الاحاديث الصحاح عن كراهة ختم القرآن قبل ثلاث انما محله في غير الاوقات الفاضلة والاماكن المفضلة كما ذهب الى ذلك الامام احمد هو اسحاق ابن راهوين واختاره ابن رجب فلا يكره في الاوقات الفاضلة في رمضان ولا في الاماكن المفضلة كمكة المكرمة ان يستكثر الانسان من الختمات كما كان هذا دأب السلف رحمهم الله تعالى فلا يعارض هذا الاحاديث المروية لان الاحاديث المروية في الزج عن ختم القرآن في اقل من ثلاث انما هو في حق من داوم على ذلك وصار عادة له طول عمره اما من اشتغل بذلك في الاوقات الفاضلة والاماكن المفضلة فهذا مما جرى عليه عمل السلف رحمهم الله تعالى جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن. اما السنة الثانية فهي الجود. وقد ذكر ابو الفضل ابن حجر رحمه الله تعالى معنى الجود بكلمة جامعة فيفتح الباري فقال الجود اعطاء ما ينبغي لمن ينبغي فالمراد بالجود هو ان يتفضل الانسان بما ينبغي مقدما اياه لمن ينبغي ان يسدى اليه هذا الجود. وقد كان جود النبي صلى الله عليه وسلم في كل حال الا ان اكمل جودة كان في حال لقي جبريل عليه الصلاة والسلام له في رمضان اذ يدارسه القرآن كل ليلة فينبغي للعبد ان يستكثر من الجود والافضل على عباد الله الفقراء والمساكين ويتصدق عليهم اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في فعله. اما الاحاديث المروية في فضل الصدقة في رمضان فقد عرفت فيما سلف ان كل حديث قولي مرويا في فضل الصدقة في رمضان لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وانما يصح ذلك من فعله صلوات الله وسلامه عليه الفصل السابع في اتباع رمضان بست من شوال صاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال من صام رمضان ثم اتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر وانما كان كصيام الدهر لان الحسنة بعشر امثالها فيقابل كل يوم بعشرة ايام. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا فصلا في الحث على اتباع رمضان بست من شوال. وهو متبع في ذلك للسنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وهي بمنزلة النافلة بعد الصلاة الفريضة. فكما ان الفرائض من الصلوات تكمل بما من النوافل فكذلك صيام رمضان جعل بعده من الصيام النفل ما يردفه مكملا له وهو صيام ست من شوال والاصل في ذلك هذا الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مخرج في صحيح مسلم. وقد تكلم بعض اهل العلم في صحته والاشبه انه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد نقل بعض الفقهاء اجماع اهل العلم على صيام الست من شوال وفي هذا الاجماع نظر فان مشهور مذهب الامام مالك رحمه الله تعالى كراهية صومها الا ان الصحيح هو مذهب في استحباب صيام ست من شوال. وقد دل حديث ابي ايوب رضي الله عنه الذي ذكره المصنف ان صيام ست من شوال الذي يحدث الاجر الذي ذكر في الحديث مشروط بشرطين اثنين. اولهما ان يكونا ايقاع هذه الست بعد صيام رمضان فلا ينبغي لمن عليه قضاء من رمضان ان يتطوع بهذه الست حتى يقضي ما عليه لان النبي صلى الله عليه وسلم قال من صام رمضان فلا يقع الاجر والثواب المرتب الا بتقدم صيام رمضان. فمن كان في حقه قضاء من رمضان كيوم او يومين فانه يقدم هذا القضاء بين يدي صيام الست من شوال ثم بعد ذلك يشرع يصوم الست من شوال واما الشرط الثاني هو ان يتبع هذه الست جميعا في شوال فلو صام بعضها في شوال وبعضها في الشهر الذي يليه لم يقع له الاجر. فمن صام اربعة ايام في شوال ثم صام يومين في ذي لم يستحق هذا الثواب المذكور في هذا الحديث. بل لا بد ان تتبع هذه الايام في شوال جميعا يوما بعد يوم اما على المتابعة واما على التفريط والاحاديث المروية في ايجاد المتابعة بلا تفريق لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وثبت عن الصحابة الترخيص في التفريق بينها فاذا شاء صام الصائم يوما وافطر اخر او اتبعها جميعا وهذا ابلغ في العبادة وله ان يبتدئها من اليوم الثاني بعد عيد الفطر ثم ينهيها في اليوم الثامن الذي يسميه بعض زهال بعيد الابرار وهذه التسمية كما ذكر جماعة من المحققين منهم ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى هي تسمية مبتدعة واذا اعتقد العبد كونه عيدا فقد ادخل في شرع الله عز وجل ما ليس منه. واذا صام العبد هذه الست بعد رمظان كان ذلك مؤلفا لصيام الدهر جميعا لان الحسنة بعشر امثالها. فيقابل كل يوم بعشرة ايام. فيكون صيام الستة عن صيام شهرين كاملين. ويكون صيام رمظان عن عشرة اشهر فيكمن للعبد الذي صام رمظان ثم اتبعه بستة جوال يكمل له صيام الدهر كله. الفصل الثامن في الصوم المطلق قوله رحمه الله تعالى الصوم المطلق يعني الذي لم يقيد بسبب فان من الصيام النفل ما يقيد بسبب وسيأتي في باب في فصل مفرد يذكره المصنف رحمه الله تعالى فيما يستقبل ذكر ما قيده الشرع وعينه من صيام النفل. وما عدا الف وهو صوم مطلق يقال له نفل مطلق. والفرق بين النفل المطلق والنفل المقيد هو ان المقيد يشترط له تقدم نيته من الليل ليحصل للعبد الاجر. اما النفل المطلق فانه لا يشترط للعبد ان يقدم نية الصيام من الليل فما كان مقيدا من الايام كالست من شوال او يوم عرفة او يوم عاشوراء فانه لا بد ان تتقدم النية من الليل لان العمل المذكور في الشريعة هو يوم واليوم يبتدأ من طلوع الفجر فلا بد ان تكون النية سابقة للعمل فيقدم الصائم عند ارادة النفل المقيد يقدم نيته من الليل. اما النفل المطلق فان له ان يصوم نفلا مطلقا في اي ساعة من النهار على المختار لكن ليس له اجر الا من هذا الوقت الذي عينه في القول الصحيح من قولي اهل العلم رحمهم الله تعالى شريطة الا يكون اتى شيئا من المفطرات قبل هذه النية فمن اصبح مثلا في يوم الاربعاء الذي ليس من جملة الايام المعينة ثم اراد ان يصوم وكانت نيته مبتدئة من الساعة السابعة بعد طلوع الشمس فانه يصح صيامه ويكون ثوابه على صيامه من الساعة السابعة الى اخر النهار لان النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح انما الاعمال بالنيات وهذا انما نوى الصيام من الساعة السابعة فلا يكون ثوابه الا من بدء نيته شريطة الا يكون قد تناول قبل ذلك شيئا من المفطرات. فاذا تناول قبل ذلك شيئا من المفطرات بعد طلوع الفجر فانه او لا يصح منه صيام النفل المطلق. اما النفل المقيد فانه لا يقع للعبد الثواب الا ان يكون قد امضى من الليل اما صحة صيامه فانه يصح منه الصيام. وتصوير ذلك ان من نوى مثلا صيام يوم عرفة في الساعة التاسعة من النهار ولم يكن قبل ذلك قد تناول شيئا من المفطرات فانه يصح صيامه ويكون ثوابه قيامه من الساعة التاسعة الى غروب الشمس لكن لا يقع له الاجر المرتب على صيام يوم عرفة وهو كفارة سنتين قبل سنة وبعده سنة لان الحديث الواردة في ذلك جاء مشروطا بان يصوم يوم عرفة كاملا. وهذا لم يصم يوم عرفة كاملا وانما صام اكثر اليوم وهذه مسألة يغلط فيها كثير وقد نبه على بعض افرادها جماعة من اهل العلم منهم شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ ابن عثيمين في مسألة صيام الست من شوال فذكر انه لابد من تقدم النية من الليل فيقال مثل هذا في كل النفل المقيد انه لابد من تقدم النية من الليل. وهذا التقدم انما هو لتحصيل الثواب المرتب. اما صحة صيام فانما النوى في اثناء يوم مقيد كان له اجر باعتبار وقت صيامه لكنه لا ينال الاجر الذي ورد في الاحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من عبد يصوم يا الله في سبيل الله الاباعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا. فقالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه لم يصوموا حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط الا رمضان وقالت معاذة العدوية سألت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة ايام قالت نعم ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا الفصل اية وثلاثة احاديث فيها بيان فضل للصوم المطلق فاما الاية فان الله عز وجل لما عدد انواعا من العاملين للصالحات في سورة الاحزاب ومن جملتهم صائمون والصائمات قال اعد لهم مغفرة واجرا عظيما. فمن اعظم الجزاء للصائمين ما اعده الله عز وجل لهم من المغفرة والاجر عظيم وقد سبق ان عرفت بعض ما جاء بالايات القرآنية والاحاديث النبوية من فضل الصيام. واوثقه واعظمه ان الصيام ليس له جزاء بل يوكل جزاؤه الى الرب سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث الالهي المخرج في الصحيحين ان الله عز وجل قال كل عمل ابن ادم له الا الصيام فانه لي وانا اجزي به. وفي ذلك قول الله عز وجل انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب فان الصبيين في هذه الاية كما عرفت سابقا هم الصائمون في اكثر الاقوال وقد استدل بهذه الاية على عدم رجوع اجر الصيام الى حج جماعة من اهل العلم منهم سفيان بن عيينة وابو عبيدة القاسم ابن سلام صاحب غريب الحديث وتبعه ابو الفضل ابن حجر في فتح الباري. واما الاحاديث فاولها قول النبي صلى الله عليه وسلم ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله الاباعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا. والمراد بالخريف السنة كاملة. فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم باعد الله بذلك اليوم وجهه عن يناير سبعين خريفا يعني سبعين عاما. وقد ورد في بعض الاحاديث تقدير ذلك بمئة عام فتكون السبعين قد خرجت مخرج التكفير لان العرب غلب عليها اذا ارادت التكفير ان تذكر السبعة والسبعين الا ان الاحاديث المروية في ذكر المئة فيها ضعف والثابت ما جاء في الصحيح ان المباعدة تكون بسبعين خريفا وهذا الصيام المذكور في هذا الحديث هل المراد في سبيل الله الجهاد ام المراد في سبيل الله طاعة الله عز وجل لاهل العلم اصحهما ان المراد بسبيل الله هو الجهاد. وان هذا الفضل يختص بمن صام في جهاده وقد جزم بهذا ابو الفرج ابن الجوزي رحمه الله تعالى وما لا اليه ابن دقيق العيد وهو ظاهر تصرف الامامين الجليلين ابي عبد الله البخاري وابي عيسى الترمذي في سننه فانهما جميعا اورد هذا الحديث في كتاب الجهاد مما يدل على ان مرادهما بايراد هذا الحديث ان السبيل ها هنا هو الجهاد وهذا القول هو الاقوى والارجح هو الاثبت. اما الحديث الثاني فهو حديث عائشة وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم. وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط الا رمضان وقد دل هذا الحديث كما ذكر النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم انه لا ينبغي للعبد ان يخلي شهرا من سنته من صيام كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. وقد جاءت الاحاديث في تقدير الصيام في الشهر لثلاثة ايام كما سيذكره المصنف رحمه الله تعالى في فصل مستقبل ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يستكمل صيام شهر قط الا رمضان اما الاحاديث الواردة في ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله فقد جاء في الحديث نفسه ان عائشة رضي الله عنها قالت كان يصوم شعبان كله كان يصومه الا قليلا. فدل قوله وكان يصومه الا قليلا على ان المراد بالكلية هنا ليس العموم وانما الاغلب. فكان حال النبي صلى الله عليه وسلم انه يصوم اغلب شعبان ولم يصم النبي صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا لا ينقص منه شيئا الا رمظان لانه الفظل الذي عينه الله عز وجل. اما الحديث الثالث وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من كل شهر ثلاثة ايام كما سئلت عائشة عن ذلك فقالت نعم ثم سئلت عائشة من ايام الشهر كان يصوم قالت لم يكن يبالي من ايام الشهر يصوم. وقد دل هذا الحديث على ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كن يخلي شيئا من الشهور من صيام كما تقدم ذلك عن النوي رحمه الله تعالى وكان ذلك بان يصوم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة ايام من كل شهر وقد اختلف اهل العلم رحمهم الله تعالى في تعيين الايام التي كان يصومها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه من الشهر على ستة اقوال استوعبها الحافظ ابو الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى في لطائف المعارك. وليس في هذه الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تعيين هذه الايام الثلاثة دون غيرها فلم يثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم اياما من الشهر بعينها وانما ترك النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالا يظن بمواظبته تعين هذه الايام دون غيرها كما ذكره ابو زكريا النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم. وان كان النبي صلى الله عليه وسلم قد رغب في صيام ام البيض كما سيأتي اما من فعله صلى الله عليه وسلم فلم يثبت انه كان يصوم يوما بعينه من الشهر بل كان يصوم صلى الله عليه وسلم ثلاثة ايام من الشهر ولم يكن يبالي من اي ايام الشهر يصوم كما قالت عائشة رضي الله عنها. وفرق بين فعل النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه وبين ما يحث عليه امته فسيأتي ان النبي صلى الله عليه وسلم اخبر ان افضل الصوم هو صوم شهر الله المحرم. اما فعله صلى الله عليه وسلم فكان اكثره صيام شعبان. كما سيأتي ذكر هذا في باب في فصل استقبل من كلام المصنف رحمه الله تعالى وهذا اخر ما يتعلق بالتقرير على الفصول المتعلقة بالصيام مما ذكره المصنف مما قرأه القارئ في هذا المجلس والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين