رب الارض رب العرش العظيم واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه على اله وصحبه وسلم تسليما مزيدا. اما بعد فهذا هو المجلس الاول من الدرس الثاني من برنامج الواحد الثاني والكتاب المقروء فيه هو كتاب مقاصد الصوم لابي محمد ابن عبد السلام السليمي رحمه الله تعالى وقبل الشروع في الغائه لابد من ذكر مقدمات ثلاث. المقدمة الاولى التعريف بالمصنف وتنتظم في ستة مقاصد المقصد الاول جر نسبه. هو الشيخ العلامة عبدالعزيز ابن ابن عبد السلام ابن ابي القاسم السلمي الدمشقي الشافعي بابي محمد ويعرف بعز الدين ويلقب بسلطان العلماء المقصد الثاني تاريخ مولده ولد سنة ثمان وسبعين بعد الخمسمائة وقيل في السنة التي قبلها والاول هو الثابت عنه. المقصد الثالث يمهرة شيوخه تلقى رحمه الله علوم عن جماعة من اكابر العلماء منهم عبد اللطيف ابن اسماعيل البغدادي وبركات ابن ابراهيم الخشوعي وحنبل ابن عبد الله وعبدالرحمن ابن محمد المعروف بابن عتاكة المقصد الثالث جمهرة تلاميذه استفاد منه رحمه الله طوائف من الطلبة منهم عبدالرحمن بن اسماعيل المعروف بابي شامة المقدسي هو ابن دقيق العيد هو عبد المؤمن ابن خلف الدمياطي ابواب الحسن البادي المقصد الخامس ثبت مصنفاته تنوعت اثار ابي محمد ابن عبد السلام تشارك في فنون عدة وخلف مصنفات جديدة منها قواعد الاحكام في مصالح الانام وبداية السول وترغيب اهل الاسلام ومقاصد الصلاة ومناسك الحج المقصد السادس تاريخ وفاته توفي رحمه الله في العاشر من جمادى الاولى سنة ستين وست مئة بالقاهرة وله من العمر اثنان وثمانون سنة فرحمه الله رحمة واسعة المقدمة الثانية التعريف بالمصنف وتنتظم في ستة مقاصد ايضا. المقصد الاول تحقيق وعنوانه ذكر الداودي رحمه الله هذه الرسالة في طبقات المفسرين باسم كتاب في الصوم وفضله وذكرها حاجي خليفة في كشف الظنون باسم مقاصد الصوم. ووقع في موضعين من المخطوط تسميته بفوائد الصوم فهذه اسماء ثلاثة اولاها ما هو موجود في غير موضع من المجموع المخطوط. المقصد اثبات نسبته اليه سبق ان الداودي وحاجي خليفة تعدى هذه الرسالة في جملة مصنفات ابي محمد ابن عبد السلام وعزيت اليه في مواضع عدة من المخطوط. المقصد الثالث بيان موضعه ضم هذه الرسالة الوجيزة عشرة فصول شريفة جمعت مهمات احكام الصوم بدءا بوجوبه وفضائله وادابه وما يجتنب فيه ومرورا بالتماس ليلة القدر والاعتكاف واتباع رمضان بست من شوال وانتهاء باحكام الصوم المطلق وصوم التطوع والايام المنهي عن صيامها المقصد الرابع ذكر رتبته ان الرسائل المفردة في باب الصوم مما صنفه العلماء المتقدمون عزيزة الوجود والظفر بواحدة منها تصلح للمدارسة والمذاكرة غنيمة باردة فهذه فضيلة لهذه الرسالة ووراءها فضيلة ثانية وهي حسن ترتيبها وسهول عبارتها ووضوح مقاصدها المقصد الخامس توضيح منهجه هذه الرسالة مرتبة في عشرة فصول كما عرفت بنيت على الادلة من القرآن الكريم والسنة النبوية مع ايضاح ما لابد منه من معانيها دون ذكر ذاهب الفقهاء ولا اشارة الى مواضع الخلاف الا مرة واحدة عند ذكر الكحل في ما يجتنبه الصائم المقصد السادس العناية به بقيت هذه الرسالة مع جلالتها حديثة نوع عن واحد من العناية وهو طباعتها مرة واحدة طبعة لم تخلو من تحريفات شنيعة وهذه الرسالة جديرة بمزيد من العناية بها فهي تصلح متنا يتدارسه المتعلمون مع تجدد احكام الصيام في كل سنة المقدمة الثالثة ذكر السبب الموجب لاقراءه. اقرأوا هذه الرسالة يرجع الى ثلاثة في اشياء اولها ما تقرر ان كل ما وجب العمل به فتقدم العلم عليه واجب وسبق ان عرف ان هذا هو ضابط العلم الواجب عند جماعة من المحققين منهم ابو عبد الله ابن القيم والقرافي وشيخ شيوخنا محمد علي ابن حسين المالكي رحمهم الله. فيجب على الصائم ان يتعلم احكام الصيام قبل دخوله لئلا يفسد عبادته من حيث لا يشعر. وثانيها ان التهيؤ للعبادة يعين على ايقاعها كاملة غير منقوصة. ومن التهيؤ للصيام تعلم احكامه. وثالثها ان مما يقرر به العلم رعاية فقه المناسبات الذي يقوم على تداخل احكام شعائر الاسلام عند وفود وقتها كالصيام والاعتكاف وزكاة الفطر واحكام العيدين والحج شغل المتعلم بين يدي كل مناسبة بمراجعة احكامها سيكون ذلك اعون على احكامها والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. قال المؤلف رحمه الله تعالى الرحمن الرحيم. كتاب الصوم وفيه عشرة فصول من فصل الاول في وجوبه. قال الله تعالى وعز وجل يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. معناه لعلكم النار بصومه فان صومه سببا لغفران الذنوب. الموجبة للنار. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال بني الاسلام على خمس على ان تعبد الله وتكفر بما دونه. واقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا الفصل وجوب صيام شهر في رمضان سيكون الضمير في قوله الفصل الاول في وجوبه عائدا على كلمة صوم المتقدمة قبله ويكون المراد بالصوم هنا صوم رمضان فتكون ال عهدية وليس باستغراقية. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة دليلين اثنين على ووجوب صيام رمضان اولهما اية قرآنية وثانيهما سنة نبوية. فاما اية قرآنية فقوله تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم. ووجه الدلالة منها على وجوب صيام رمضان هو ان هذا البناء كتب وما تفرع منه موضوع في لسان شرع للدلالة على الامور الواجبة المتحكم فعلها. فكيف ما رأيت في اية قرآنية او حديث نبوي كتب وما تفرع منها كالمصدر مثلا كتاب فاعلم ان ذلك دال على ان ما ورد فيها مأمور به وهذه الصيغة هي احد صيغ الامر غير الصريحة. فان صيغ الامر تنقسم الى قسمين اثنين. اولهما صيغ الصريحة وهي اربع جمعها قول شيخ شيوخنا حافظ الحكمي رحمه الله تعالى في وسيلة الى مهمات الاصول اربع الفاظ بها الامر دري افعل لتفعل اسم فعل مصدري فجمع البيت صيغ الامن الصريحة الاربع. وثانيهما صيغ الامن غير الصريحة. ولابن القيم رحمه الله تعالى في بدائع الفوائد فصل ماتع ذكر فيه الفاظا كثيرة من صيغ الامر غير الصريحة التي جاءت في القرآن والسنة وقد تبعه ايضا الامير محمد بن اسماعيل الصنعاني في شرح منظومته في الاصول فذكر طرفا مما ذكره ابو وعبدالله ابن القيم رحمه الله تعالى في بدائع الفوائد. ومن افراد سير الامر غير الصريحة كما تقدم هو هذا البناء كتب وما تفرق منه فاذا وجدت هذا اللفظ في اية او حديث فاعلم انه دال على الامر فدلت هذه الاية السابقة على ان صيام رمضان واجب لقول الله عز وجل يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم وهذه الاية جاء الامر فيها بالصيام مجملا. ثم بين في الايات التي تعقبها بقوله تعالى شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن ثم قوله سبحانه وتعالى في اثنائها فمن شهد منكم الشهر فليصمه فجلت هذه الاية على تفسير الاجمل في الاية السابقة وهي قوله تعالى يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم فان هذه الاية لا تدل الا على ان الصيام واجب. اما تعيين الصيام الواجب فقد جاء في الاية التي ترجفها في سورة البقرة كما عرفت سابقا وهذه الاية فيها بيان اعظم العلل الشرعية والحكم المرعية في شرعية الصيام وهي قول الرب سبحانه وتعالى لعلكم تتقون. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان معناها لعلكم تتقون النار بصومه فان صوم سبب لغفران الذنوب الموجبة للنار. وهذا بعض معنى التقوى. فان التقوى في الاية لم تأتي مقيدة بالخوف من النار بل جاءت مطلقة تعم الخوف من النار وغيرها. والعبد يجب عليه ان يتخذ وقاية بينه وبين ما ومن ذلك اتقاؤه لربه كما قال الله عز وجل يا ايها الناس اتقوا ربكم فكان الحري بالمصنف ان يقول في معنى قوله تعالى لعلكم تتقون يعني لعلكم تجعلون وقاية بينكم وبين ما تخشونه. وتكون هذه الوقاية كما تقدم في امتثال خطاب الشرع فان العبد اذا امتثل خطاب خطاب الشرع حصل له اتقاء ما يخشاه اما الدليل الثاني فهو سنة نبوية وهو ما ورد في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي الله عليه وسلم قال بني الاسلام على خمس فعدها وذكر فيها صوم رمضان وقد اختلفت الروايات في صحيحين وغيرهما في تقديم الحج على الصوم او عكس ذلك او تقديم الصوم على الزكاة والمحبوب تقديم صوم رمضان على الحج في عد هذه الخصال كما صرح بذلك ابن عمر رضي الله عنهما في صحيح مسلم يكون غيره من الرواية بالمعنى فالمحفوظ في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ذكر صيام رمضان قبل هج وما عدا ذلك فانه رواية بالمعنى. وفي هذا الحديث عدوا صيام رمضان من جملة اركان الاسلام. وهذا دال على وجوبه لان اركان الاسلام بالاجماع واجبة على المسلمين جميعا ومن افرادها صوم رمضان كما ترى في هذا الحديث واللفظ الذي ساقه المصنف رحمه الله تعالى هو لمسلم دون البخاري والذي في النسخة التي بايدينا منه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال بني الاسلام على خمس على ان يعبد الله ويكفر بما دونه. وهذه الاية حديث الدالان على وجوب صيام رمضان قد انضم اليهما الاجماع فقد نقل جماعة من اهل العلم اجماع المسلمين على وجوب صيام شهر رمضان كما صرح بذلك جماعة منهم ابو عمر ابن عبدالبر والعباس ابن تيمية الحفيد رحمهما الله. فعلم بهذا ان فريضة صيام رمضان واجبة على المسلمين في نص القرآن والسنة والاجماع الصحيح الذي نقله جماعة من اهل العلم رحمهم الله الفصل الثاني الفصل الثاني في فضائله للصوم فوائد رفع الدرجات وتكثير الخطيئات وكسر الشهوات وتكفير الصدقات وتوفير وشكر عالم الخفيات والانزجار عن خواطر المعاصي والمخالفات. بعد ان بين المصنف رحمه الله تعالى وجوب صيام شهر رمضان اردفه بذكر فصل في بيان فضائله لان النفوس تتشوف الى معرفة ما اعده الله عز وجل للصائمين من الاجر العظيم والفضل العميم. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى سبعا من فوائد الصيام اجمالا ثم فصلها وهذا من محاسن التأليف فان الاجمال ثم اردافه بالبيان يجعل القلوب اوعى لما اليها وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى سبعا من الفوائد ابتداء فلما انهاها اردفها بذكر فوائد اخرى صيام وفوائد الصيام اكثر من هذا الا ان ما ذكره المصنف الا ان ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو من مجامع تلك الفضائل طيب فاما رفع الدرجات فلقوله صلى الله عليه وسلم اذا جاء رمضان فتحت ابواب الجنة ابواب النار وصفدت الشياطين. ولقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه عز وجل. كل عمل ابن ادم له الا فانه لي وانا اجزي به. والصيام جنة. فاذا كان يوم صوم احدكم فلا يرفث يومئذ ولا يسخر فان سابه احد ابن او قاتله فليقل اني امرؤ صائم اني صائم والذي نفس محمد بيده نقلوا ففي الصائم اطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك والاسرائم فرحتان يفرحهما اذا افطر فرح بفطره واذا لقي ربه فرح بصومه صلى الله عليه وسلم انه قال كل عمل ابن ادم يضاعف الحسنة عشر امثالها الى سبعمائة ضعف. قال الله عز وجل ان الصوم فان ولا اجزي به يدع شهوته وطعاما من اجلي. فقال صلى الله عليه وسلم ان في الجنة بابا يقال للريان ومنه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم احد غيرهم. يقال اين الصائمون؟ فيدخلون منه فاذا دخل اخره ان اغلق فلم يدخل منه احد. وفي رواية ان في الجنة بابا يدعى الريان. يدعى به الصائمون منك من كان صائما كان من الصائمين دخله ومن دخله لم يظمأ ابدا. وقال عليه السلام ان الصائم ان ان الصائم تصلي عليه الملائكة اذا ارسل عنده حتى يصرخوا. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة الفائدة الاولى من فوائد الصيام وهي رفع الدرجات والمتبادر الى الذهن عند اطلاق هذا اللفظ ان المراد برفع الدرجات رفع الدرجات في الجنة وليس في شيء من الاحاديث التي اوردها المصنف رحمه الله تعالى ان الصيام يرفع صاحبه درجات في الجنة ليس هذا مرادا للمصنف وانما مراد المصنف والله اعلم هو ان الصيام يرفع درجات العبودية للعبد ان العبد اذا صام للرب سبحانه وتعالى حصلت له هذه الاجور العظيمة التي ذكرت في هذه الاحاديث الشريفة المصنف رحمه الله تعالى فيما يستقبل تفسير جملها فعلم بهذا ان المراد برفع الدرجات هو ترقية العبد فيما مقامات العبودية فان العبد اذا حصلت له هذه الخيرات كان ذلك اكمل لعبوديته وارقى فيها وكلما ازداد المرء تكميلا لنفسه بالعبودية كلما كلما كان ذلك ارفع لمنزلته عند ربه سبحانه وتعالى. وهذه الاحاديث التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى عامتها احاديث صحاح مخرجة في الصحيحين الا الحديث الاخير الذي ذكره من صلاة الملائكة على الصائم اذا اخذ عنده فان هذا الحديث مخرج عند بعض اصحاب السنن كالترمذي والنسائي واسناده لا بأس به. وقد اقتصر المصنف رحمه الله تعالى عند ذكر الاحاديث الاخير بالسلام النبي صلى الله عليه وسلم ومدى ابو جماعة من اهل العلم كراهة لاقتصاره على السلام دون الصلاة وتقدم غير مرة ان الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم تأتي على ثلاثة احوال اولها الجمع بينهما بان يجمع عبدوا بين الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك من الالفاظ وهذه هي اكمل الرتب واعلاها وهي التي جاءت في القرآن الكريم. كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. وثانيها الاختصار على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها الاجر المرتب المروي في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا. والثالثة الاقتصار على السلام على النبي صلى الله عليه وهو دون المرتبتين السالفتين. وبالقول بكراهته نظر لكن الاكمل هو ان يجمع العبد بين الصلاة والسلام النبي صلى الله عليه وسلم اما تفتيح ابواب الجنة فعبارة عن تكثير الطاعات الموجبة لفتح ابواب الجنان وتغليق ابواب النار عبارة عن قلة المعاصي الموجبة لاغلاق ابواب النيران. وتفصيل الشياطين عبارة عن انقطاع وسوستهم عن الصائمين لانهم لا لا يطمعون في اجابتهم الى المعاصي شرع المصنف رحمه الله تعالى يبين معاني الاحاديث المندرجة فضيلة رفع الدرجات فذكر ان تفتيح ابواب الجنة عبارة عن تكسير الطاعات وان تغليق ابواب النار عبارة صنع قلة المعاصي الموجبة لاغلاق ابواب النار وان تصفيد الشياطين عبارة عن انقطاع وسوستهم عن الصائمين. وقد ذكر نحو هذا المعنى احتمالا القاضي عياض رحمه الله تعالى في شرح مسلم. ومال اليه والاحتمال الثاني ان تكون هذه الاحاديث على حقيقتها فيقع في رمضان تفتيح ابواب الجنة وتغريق ابواب النار وتسفد الشياطين. وقد رجح هذا الزين ابن المنير من المالكية رحمه الله تعالى في حاشيته على صحيح البخاري وهذا هو القول الذي تحتمله هذه الاحاديث وتعرفه العرب من لسانها فان الاحاديث مصرحة بان ابواب الجنة تفتح وان ابواب النيران تغلق وان شياطين تصفد فلا مناص على من عرف لغة العرب ان يكون بحقائق هذه الاحاديث فتأويلها متكلم وكثير من الشراح يفزعون الى مثل هذه الحال. في الالفاظ التي يتوهمون منها معاني لم تعرفها العرب في السنتها ولا يعرف عن السلف رحمهم الله تعالى وقد نبه الى هذا ابن القيم رحمه الله تعالى في الوابل الصيب والواجب على العبد ان يطرح التأويلات تكلم وان يأخذ بظواهر الالفاظ وحقائقها كما تعرفه العرب بلسانها. فقول من قال بان فسيح ابواب الجنة انما فهو عبارة عن تفسير الطاعات وتغليق ابواب النار انما هو عبارة عن قلة المعاصي وان تصفيد الشياطين انما هو عبارة عن انقطاع وسوستها الصايمين هذا قول ضعيف لانه احتمال متكلف لا تدل عليه اللغة ولا يعرف عن السلف رحمهم الله تعالى هذه المسائل الثلاث بينة ظاهرة فان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم فتحت ابواب الجنة يعني زينت الجنة ابوابها على الحقيقة ومثل ذلك قل في تغريق ابواب النيران فان ابواب النار تغلق اذا دخل رمظان. اما تفسيد الشياطين فهو جعلها في الاغلال وسلسلتها كما جاء ذلك في رواية في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال وسلسلت الشياطين وهل يعم الشياطين جميعا ام يخص بعضها دون بعض قولان لاهل العلم رحمهم الله تعالى اولهما ان التصفيد يعم جميع الشياطين وهذا هو المتبادر من الفاظ الحديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم. وثانيهما التصديد يختص ببعض الشياطين دون بعض. وقد اختلف القائلون في هذا القول على قولين اثنين احدهما ان الشياطين التي تصفد هي مشترقة السمع. وقد نص على هذا الكليمي رحمه الله تعالى في المنهاج في شعب الايمان تعليمهما ان الشياطين التي تصفد هي المردة العاتية منها. وقد مال الى هذا ابو بكر ابن خزيمة رحمه الله تعالى في صحيحه والصحيح هو القول الاول ان الشياطين جميعا تصفد لا تفريق بينما يفترق السمع من ولدنا ولا بين مرزتها وغيرها. الا انه ينبغي ان يعلم ان هذه الشياطين المراد بها شياطين المنفصلة الخارجة عن الانسان. اما القرين الملازم للانسان فانه لا يصفد بحال. وكل الاحاديث الواردة في فيما يتعلق بالشيطان المراد بها الشيطان الخارج عن الانسان. اما الشيطان المقارن للانسان وهو القرين فانه لا ينفع عن الانسان بحال من الاحوال. كالحديث الوارد مثلا فصل ما بين بني ادم واعين الجن يقولوا بسم الله هذا الحديث مع ضعفه المراد به الجن والشياطين الخارجة عن الانسان. اما القرين فانه لا ينفك عن الانسان البتة. وقوله عز وجل كل عمل ابن ادم له الا الصيام فانه لي وانا اجزي به اضافه اليه تشريفه انه لا يدخله رياء رياء لانه لا يدخله رياء لخفائه. ولان الجوع والعطش لا يتقرب بهما الى احد من ملوك الارض ولا التقرب الى الاصنام. وغير المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة ان الاضافة في قول الله عز وجل في الحديث للمتقدم الا الصيام فانه لي انها اضافة تشريف. واختلف اهل العلم رحمهم الله تعالى في السر في هذه الاظافة على اقوال كثيرة بلغها ابو الخير الطلقاني في حظائر القدس اكثر من خمسين قولا وقد ذكر وهذه الاقوال من كتابه ابن حجر رحمه الله تعالى في كتاب اللباس من فتح الباري. وكان رحمه الله تعالى في اثناء شرح بكتاب الصيام يذكر انه لم يقف على كتاب ابي الخير الطلقاني فلما بلغ كتاب اللباس من فتح الباري وقف على ذلك الكتاب فنقل ما فيه وقد ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى اقوى هذه الاقوال وهي عشرة اقوال في كتاب الصيام الا ان هذه الاقوال العشرة يمكن ردها الى امرين اثنين كما اختار ذلك جماعة من الحجاج منهم القرطبي في تفسيره وابو الفرج ابن رجب في لطائف المعارف اولهما ان الصيام عمل خفي لا يدخله التسميع ولا الرياء فهو سر بين العبد وبين ربه. بخلاف بقية الاعمال فان شعائر الاسلام الظاهرة كالصلاة الزكاة والحج ليست سرا خفيا بين العبد وربه بخلاف الصوم فانه سر خفي بين العبد وربه لا يطلع عليه احد الا الله وثانيهما لما في الصيام من ترك حظوظ النفس وشهواتها وما تميل اليه من الاكل والشرب والجماع والتقرب الى الله سبحانه وتعالى. ففي الصيام اقام للنفس عن مألوفاتها فلاجل هذين المعنيين الشريفين اضيف الصيام الى الرب سبحانه وتعالى اضافة تشريف. وقد سبق العرب ان هذا المعنى هو الذي اختاره جماعة من المحققين منهم القرطبي في تفسيره وابو الفرج ابن رجب في لطائف المعارف الا انه ينبغي ان تعلم ان هذا الصيام الذي شرفه الله سبحانه وتعالى فاضافه الى نفسه المراد به صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا كما نقل ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى الاتفاق على ذلك في فتح الباري فالصيام الممدوح المضاف الى الرب سبحانه وتعالى هو الصيام السالم من كل معصية من قول او فعل اما الصيام المتلطف بالمعاصي والاثام فانه لا يضاف الى الرب سبحانه وتعالى لنقصه عن الكمال. وانما يضاف الى ربي سبحانه وتعالى الكامل من الاعمال. وقوله على وان كان هو على جميع الطاعات معناها الجازي. وان كان هو الجازي وان كان هو الجازي على الطاعات معناه تعظيم جزاءه بانه هو المتولي لاسداءه. هذه الجملة وفيها قول الرب سبحانه وتعالى انا به انما اريد بها تعظيم اجر الصوم لان الرب سبحانه وتعالى هو الذي يجزي العبد على جميع طاعات وانما اريد بها في هذا المحل تعظيم اجر الصيام. بانه لا ينتهي الى قدر. لان الصوم من الصبر كما قال الله عز وجل انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب. والمراد بالصابرين في هذه الاية هم الصوام في اكثر للاقوال عند اهل العلم وقد استدل بهذه الاية على هذا المعنى الذي ذكرناه جماعة من السلف رحمهم الله تعالى فمن بعدهم منهم سفيان ابن عيينة وابو عبيد القاسم ابن سلام وما لا اليه ابن حجر العطلاني في فتح الباري فلاجل ان ان الصيام من جملة الصبر والرب سبحانه وتعالى يجزي الصابرين بغير حساب جاء قول الله عز وجل في هذا الحديث الالهي وانا اجزي به اشارة الى ان اجره لا ينتهي الى حد. وقوله الصيام ثم معناه الصوم وقاية من عذاب الله هذا هو قول اكثر اهل العلم في تفسير هذه الجملة يريدون ان الصيام جنة لصاحبه من عذاب الله في نار جهنم من عذاب الله في نار جهنم. وقد جزم بهذا ابو عمر ابن عبد البر رحمه الله تعالى بل الصيام جنة لصاحبه من الشهوات وقيل من الاثام وقيل من جميع ذلك وبهذا جزم النووي رحمه الله تعالى في شرح صحيح مسلم ولا ريب ان لفظ الحديث يحتمل هذه المعاني جميعا فان الصيام يكون جنة بل لصاحبه من الاثام ومن الشهوات ومن نار جهنم. الا ان المروية في الاحاديث النبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم هو تعيين الاول وهو ان الصيام يكون جنة لصاحبه من نار جهنم ولا يمتنع حينئذ ان يكون الصيام جنة للعبد من غيرها سيكون جنة لصاحبه من الشهوات وجنة لصاحبه من الاثام وفوق ذلك هو جنة ووقاية من نار جهنم. فاحش الكلام والسخب الخصام. قوله فليقل اني صائم معناه انه يذكر نفسه بالصوم ليكشف عن المشابهة والمقابلة احسن الله اليك قوله فليقل اني صائم معناه انه يذكر نفسه بالصوم ليكف عن المشابهة والمقابلة. وانه في هذا الحديث فليقل اني صائم. فيه امر صائم اذا سب او خوصم ان يقول اني صائم. وها هنا مسائل اولها هل يشرع للعبد ان يقول اني صائم في كل صيام من فرض او نفل او يختص بالفرض دون النفل قولان باهل العلم رحمهم الله تعالى. وقد ذكر ابو بكر ابن العرب في عريضة الاحولي اتفاق اهل العلم على قول هذا الذكر اني صائم على قول هذه الجملة اني صائم في صيام الفرض وان اهل العلم انما اختلفوا في صيام النفل. واصح القولين ان هذه الجملة اني صائم يقولها العبد في حالين سواء كان في صيام النبل او صيام الفرض وهذا اختيار جماعة من المحققين منهم ابو العباس ابن تيمية الحفيد وابن عثيمين رحمه الله تعالى. والمسألة الثانية الوارد في الفاظ الصحيحين ان العبد يقول هذه الجملة مرتين اني صائم اني صائم. المسألة الثالثة ان المحفوظ في الالفاظ المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر اللهم فلا يشرع للعبد ان يقول اللهم اني صائم كما يفعله بعض الناس وانما يقول اني صائم اني صائم بدون زيادة اللهم في اول كلامي بعدم ورودها. المسألة الرابعة لا يشرع للعبد غير هذا القول اذا صب او خوصم حال صيامه واما ما جاء في بعض الفاظ الاحاديث عند ابن خزيمة وغيره ان النبي صلى الله عليه وسلم قال وان كنت قائما فاجلس فهذه اللفظة لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وانما يثبت امر الصائم اذا سب او خصم ان يقول اني صائم اني صائم دون غيرها. واما قوله لخلوه فمن الصائم اطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك ففي الكلام حب تقديره ولا ثواب خلوف فم الصائم يطيب عند الله بريح المسك. قوله في هذا الحديث لقلوب فيه ضبطان اثنان احدهما الضم وهذا ضبط صحيح لا اختلاف بين اهل العلم في ذلك والثاني لخلوه بفتح الخاء المعجمة وهذا ذكر بعض اهل العلم صحته ومن اهل العلم كالخطابي والنووي من يذكر انه خطأ لا يصح. فالمتفق عليه عند اهل العلم هو الظبط الاول الصحيح والمراد بخلوه للصائم هي الرائحة التي تنبعث من الابخرة التي تكون في معدة الصائم اذا خلت فان معدة الصائم اذا خلت لا شئت من ذلك ابخرة ظهرت رائحتها الفم فهذا هو المراد بالخيوط. وقد ذهب ابو محمد ابن عبد السلام الى ان المراد بهذا الحديث ان ثواب خلوق من الصائم اطيب عند الله من ريح المسك. والقول في هذا التأويل كالقول في نظيره المتقدم فانه تأويل متكلف لا دليل عليه. بل الحديث على حقيقته كما تعرفه العرب من لسانها بان رائحة فم المتغيرة المسماة بالقلوب هي اطيب عند الله من ريح المسك. وهل هذا الطيب كائن في الدنيا؟ فقط ام كائن كائن في الاخرة فقط ام كائن في الدنيا والاخرة والاخرة جميعا قولان لاهل العلم رحمهم الله تعالى وهذه المسألة احدى المسائل الكبار التي تنازع فيها القرينان الشهيران ابي محمد ابن عبد السلام وابي عمر ابن الصلاة رحمهم الله كما نص على خلافهما فيها ابو عبد الله ابن القيم في الواجب الصيب وابن حجر في فتح الباري والزبيدي السادس المستقيم فذهب ابو محمد ابن عبد السلام الى ان هذا الطيب انما يكون في الاخرة فيكون فبالصائم اطيب عند الله يوم القيامة من ريح مصر. وذهب ابو عمرو ابن الصلاح الى ان هذا الطيب كائن في الدنيا والاخرة ومال الى هذا ابن القيم رحمه الله تعالى في الوابل الصيب وابو الفرج ابن رجب في لطائف ابن معارف وهو الظاهر فان طيب خلوف فم الصائم كائن عند الله سبحانه وتعالى اطيب من المسك في الدنيا وكذلك كائن عنده كذلك في الاخرة وترك النزاع في المسألة كما ذكر ابن القيم ان الذي يوجد في الدنيا هو اثر العبادة والذي يكون في هو ثوابها وكلاهما عند الله سبحانه وتعالى اطيب من ريح المسك. واما الفرحة الثالثة احدهما لتوفيق لاكمال العبادة والاخرى فلجزاء الله اذا اداه. بين المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة الفرحتين اللتان اللتين يفرحهما الصائم. فذكر ان الفرحة الاولى التي تكون عند فطره هي لتوفيقه لاكمال العبادة. وذهب بعض اهل العلم الى ان الفرحة التي تكون للصائم عند فطره هي بسبب رجوع النفس الى مألوفاتها من الاكل والشرب والجماع. والتحقيق ان الفرحة كائنة بالامرين جميعا. كما ذهب فالى ذلك ابن حجر العسقلاني في فتح الباري فيكون فرح الصائم عند فطره جامع لامرين اثنين احدهما فرح بامر حسي وهو رجوعه الى مألوفه من الطعام والشراب والجماع. والاخر امر معنوي وهو توفيقه الى اكمال هذه العبادة على الوجه الذي يرضاه الله سبحانه وتعالى. فحين اذ يحدث الصائم فرح بسبب وجود هذين الامرين جميعا حسا ومعنى وكونهما من فضل الله سبحانه وتعالى عليه ورحمته وقد قال الله عز وجل قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. وقد ذكر ابو الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى في لطائف المعارف ان شرط وقوع هذه الفرحة بان يفطر الصائم على حلال فاذا افطر الصائم على حلال وجبت له حينئذ هذه الفرحة حسا ومعنى. اما اذا افطر على حرام فانها لا تحدث له اما الفرحة الاخرى وهي التي تكون للقائه بربه فذهب بعض اهل العلم الى ان الفرحة تكون بسبب اثابته الى قيامه وقيل لسروره بربه سبحانه وتعالى. والاول اصح وقد رجحه ابو الفضل ابن حجر في فتح الباري فان العبد اذا رجع الى ربه سبحانه وتعالى فاثابه على صيامه واظهر له اجر صيامه كان ذلك موجبا فرحته بلقاء ربه سبحانه وتعالى والسرور بالرب عز وجل يحدث بغير هذا المعنى فلا معنى لاختصاص ذكر الفرح للصائم في هذا الحديث الا بان يكون على معنى انه يفرح بثواب الصيام اذا لقي الله عز وجل وقوله يدع شهوته وطعامه من اجل ما لا وانه لما اكل طاعة ربه على طاعة نفسه مع قوة الشهوة وغلبة الهواء اثابه الله من تولى جزاؤه بنفسه ومن اثره الله فانه ينزل العبد من نفسه حيث انزل من نفسه ولهذا من هم بمعصية ثم فتركها خوفا من الله فان الله يقول للحفظة اكتبوها له حسنة. فانما فانه انما ترك شهوته من جراء من اجل ذلك رحمه الله تعالى في هذه الجملة معنى قول الرب سبحانه وتعالى في الحديث القدسي المتقدم يدع شهوته وطعامه من يعني ان العبد يؤثر طاعة الرب سبحانه وتعالى على طاعة نفسه وهواه مع قوة الشهوة وغلبة الهوى وان في الطبع فان العبد ملازم لهذه المألوفات مواقع لها فهو يأتي شهوته وطعامه وشرابه في اناء الليل واطراب النهار ثم اذا فطم نفسه عن هذه المألوفات تقربا لله عز وجل كان ذلك من اعظم الدليل على اخلاصه وتقربه به للرب عز وجل وارادته وجهه سبحانه وتعالى. فلكونه ترك هذه المألوفات لاجل الرب عز وجل. كان الجزاء عظيما ومن اثر الله على نفسه اثره الله سبحانه وتعالى. ومن اراد ان يعلم منزلته عند ربه فلينظر الى منزلة الرب سبحانه وتعالى من نفسه فاذا عظم الصائم ربه عز وجل بقطع عن مألوفاتها كان ذلك من اوفر ما يجمع له الثواب والاجر في الدنيا والاخرة وقوله سبحانه وتعالى في هذا الحديث يدع شهوته المختار ان الشهوة هي الجماع كما جاء في الصحيحين قول الصحابة رضوان الله عليهم ايأتي احدنا شهوته؟ يعني الجماع؟ ويستفاد من هذا ان ما سوى الجماع لا يكون شهوة فلو انزل عبد فانه لا يفطر بذلك بان هذا ليس من الشهوة خلاف لمذهب الجمهور فان جمهور اهل العلم يذهبون الى ان المذي مفطر والصحيح ان المذي ليس بمفطر لانه ليس من جملة الشهوة وانما تكون الشهوة بالجماع بانزال المني او ما في معنى الجماع كالاستمناء في مذهب جمهور اهل العلم. وقد نقل الاجماع على ذلك وذكر سدود لبعض اهل العلم رحمهم الله تعالى في ان الاستمناء لا يفطر الصائم والمختار انه ملحق بالجماع الشهوة في كل. واما تخصيص دخولهم الجنة بباب الريان فانهم ينجزوا بذلك الباب لتميز لعبادتهم وشرفها وان رأى المصنف رحمه الله تعالى هنا معنى الحديث المتقدم في ان لاهل الجنة بابا يقال في ان لاهل الصيام بابا في الجنة يقال له باب الريان وانما ميزوا بهذا الباب لتميز عبادتهم وقد ذكرى النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم عن العلماء ان تخصيص هذا الباب بهذا الاسم فيه تنبيه للصائم للاجر الذي يكون له على قيام الهواتف فانه اذا ظمأ بقطع نفسه عن الماء طعام كان من جزائه ان يرويه الله عز وجل في الجنة. وكان المرشد الى اروائه في الجنة تسمية هذا الباب بباب الريان المشتقي من الري الذي هو بلوغ العبد حاجته من الشراب. وقد جاء في هذا الحديث نكتة لطيفة اشار اليها ابن المني رحمه الله تعالى وهي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان للجنة ان في الجنة بل ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم ان للجنة بابا وانما جعل هذا الباب من جملة الجنة مجلولا على ذلك في الظرفية فقال ان في الجنة بابا ليستشعر العبد نعيم الجنة فان هذا الباب معدود في جملة النعيم الذي يكون في الجنة. فلاجل تقريب النفس وتشويهها الى نعيم الجنة. دعي هذا الباب من جملتها ليكون اقوى للصائم على ابتغاء الثواب والاجر عند الله عز وجل. فعزل عن قول ان للجنة بابا الى قول ان في في الجنة بابا للاشعار بان الدخول في هذا الباب دخول الى حبول الجنة ونعيمها وانه يكون في الباب المذكور ما يكون في الجنة من النعيم والراحة. واما صلاة الملائكة على الصائم اذا اكل عنده فان فان تركه الطعام مع حضوره بين يديه بالغ في قمع نفسه فاستوجب لذلك صلاتهم عليه. وصلاتهم عبارة عن عن دعائهم والمغفرة هذه الجملة فيها تفسير معنى الحديث المتقدم ان الملائكة تصلي على الصائم اذا اكل عنده قد ذكر المصنف رحمه الله تعالى ان صلاة الملائكة عبارة عن عن دعائهم له بالرحمة والمغفرة. وهذا الذي ذكره تصنف على ارادة التأويل هو الحقيقة المحضة. فقد صح بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح انه انه قال وان الملائكة لتصلي على احدكم ما دام في مصلاه تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه. في هذا الحديث جلي ان صلاة الملائكة على العبد تكون بالدعاء له اللهم اغفر له اللهم ارحمه. والنكتة في ذلك كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى هو ان ترك الطعام مع حضور هذا الطعام بين يدي الصائم دليل على شدة قمع الصائم لنفسه بطنها عن مألوفاتها فاستوجب لذلك هذا الفضل العظيم وهو صلاة الملائكة عليه. وسيأتي ان شاء الله تعالى وما يستحب للصائم اذا دعي الى طعام او اكل عنده ماذا يقول او يفعل؟ واما تكفير الخطيئات فما بالك ولقوله صلى الله عليه وسلم رمضان الى رمضان مكفرات ما بينهن اذا اجتنبت الكبائر. هذا الحديث فيه بيان فضل صيام قال وانه يكفر الخطيئات اذا اجتنبت الكبائر. وهذه الجملة الاخيرة فيها ضبطان صحيحان محفوظان في اصول صحيح مسلم اولاهما رمضان الى رمضان مكفرات ما بينهن اذا اجتنب الكبائر وهذا هو اكثر ما في اصول صحيح مسلم. وثانيهما اذا اجتنبت الكبائر. وهذا وقع في في بعض اصول صحيح مسلم والمراد ان العبد اذا توضأ الكبائر كان صيام رمضان الى رمضان مكفرا لما بين هذين الصيامين من الصغائر. واما كسر واما فقوله وقوله عليه الصلاة والسلام من صام رمضان ايمان واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه معناه ايمانا لوجوبه واحتسابا لاجره عند ربه. هذا الحديث جال ايضا على ان صيام يكفر للعبد خطيئاته. وهي في قول الجمهور الصغائر دون الكبائر. وذهب بعض اهل العلم الى ان صيام رمضان يوجب للعبد تكفير ذنوبه كلها صغيرها وكبيرها وما لا الى هذا ابو محمد ابن حزم وابو العباس ابن تيمية الحفيد في كتاب الايمان الكبير والذي عليه الجمهور هو اختصاص تكفير قال للصغائر وقد نقل فيه الاجماع وعد خلافه شدولا كما نص على ذلك ابو عمر ابن عبد البر رحمه الله تعالى في كتاب التمهيد وابو الفرج ابن رجب في جامع العلوم والحكم وهو المختار ان صيام رمضان انما يكفر الصغائر دون الكبائر كما جاء التصريح بذلك في الحديث المتقدم. وقد بين المصنف رحمه الله تعالى معنى قوله ايمانا وهو الايمان بوجوبه وفرضه وانه شعيرة تعبد الله عز وجل بها العباد. وان معنى قوله احتسابا يعني للاجر والثواب عند الرب سبحانه وتعالى. واما كسر الشهوات فان الجوع والظمأ يقصران شهوة المعاصي وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه يغض للبصر الارض ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء. والباءة هي النكاح والوجاه هو ربح نزل صلى الله عليه وسلم كثرة الصوم لشهوة منزلة رب الانتيين في حسب الشهوة. وقد جاء في حديث ان الشيطان يجزي من ابن ادم مجرى الدم فضيقوا مسالكه بالجوع. هذه هي الفائدة الثالثة من فوائد الصيام. وهو انه يكثر شهوة تلعب وذلك ان الجوع والظمأ يكثران شهوة المعاصي فان العبد اذا جاع وظمأ لم ترتفع نفسه الى طلب المحرمات وكانت اقرب الى الله سبحانه وتعالى. ومن هنا مدح الفقر لانه يجنب صاحبه الشهوة التي لتعترمه فتبعده عن ربه سبحانه وتعالى. وهذا معنى قول ابن القيم رحمه الله تعالى فيما نقله ابن حجر في الدرر الى انه كان يقول بالفقر واليقين تنال الامامة في الدين. فان مراده رحمه الله تعالى بالفقر ما يحمل العبد على انظر فيكسر به شهوات المعاصي. وهذا معنى قول شيخه شيخ الاسلام ابن تيمية بالصبر واليقين كنال الامامة بالدين ونقل عن من السلف رحمهم الله تعالى كابي محمد سفيان ابن عيينة. وقد ارشد النبي صلى الله عليه وسلم الى الصيام لاجل تحصيل هذه الفائدة فانه امر الشباب بالزواج في قوله يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه اغض للبصر واحصن للفرج ثم ارشد صلى الله عليه وسلم من لم يستطع الى الصيام فقال ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء والوجاء هو رب انثيين الفعل. فكان العبد اذا صام منع الشهوة عن نفسه وقطعها فكان بمثابة الفحل الذي ربت انثيه فلم يعد له شهوة بل حسمت شهوته برفض انثيه الحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى للتدليل على هذا المعنى وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم ان الشيطان يجري من ابن ادم فمجرى الدم فضيقوا مسالكه بالجوع لا يثبتوا بهذا الثمام. فان هذه الزيادة فضيقوا مسالكه بالجوع. لا تثبت في شيء من طرق الحديث بل لا اصل لها كما نبه على ذلك الزين العراقي رحمه الله تعالى في تخريج الاحياء الصغير وانما المعروف في الحديث ما جاء في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم وفي لفظ ان الشيطان يجري من ابن ادم مبلغ الدم. يعني حيثما يبلغ دمه فان الشيطان يجري معه هذا الحديث هو على حقيقته في اصح قولي اهل العلم فان الله عز وجل اقدر الشيطان على ذلك فهو من ابن ادم بمثابة هذه المنزلة من جريان الدم فيه. وما عدا ذلك من التعويلات فهي متكلفة لا دليل عليها واما تكفير الصدقات فلان الصائم اذا جاء تذكر ما عنده من الجوع فحثه ذلك على اطعام الجائع فانما يرحم فانما يرحم العشاق من عش فانما فانما يرحم العشاق من عشق. انما يرحم العشاق. فانما يرحم العشاق من عشق وقد بلغنا ان سليمان او يوسف عليهما السلام لا يأكل حتى يأكل جميع المتعلقين به. فسئل عن ذلك فقال اخاف ان اشبع افأنسى الجائع هذه هي الفائدة الرابعة من فوائد الصيام وهي ان العبد يكثر صدقاته اذا صام وجه ذلك كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى هو ان الصائم اذا جاع تذكر ما عنده من الجوع فحثه ذلك على اطعام فتكون مناسبة حاله بحال الجائعين حاملة له على ان يتصدق عليهم بالاطعام. وهذا معنى صحيح وقد جاءت احاديث في فضل الصدقة في رمضان لا يثبت منها شيء. كقوله صلى الله عليه وسلم افضل الصدقة في رمضان فان هذا حديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وانما يندرج في جملة جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان في الصحيحين كثرة الصدقة فان من جود العبد ان يكثر من صدقاته. فيشرع للعبد ان يكثر من الصدقات في رمضان انه زمن فاضل ولهذا ذكر اهل العلم رحمهم الله تعالى قاعدة جليلة تندرج فيها سائر اعمال البر في رمضان وهي انه يستحب للعبد ان يكثر من اعمال الخير والبر في رمضان. والحامل على ذلك عندهم هو كون رمضان زمنا فاضلا تعظم فيه الاجور فينبغي للعبد ان يستكثر من انواع البر ومن جملتها الصدقة في رمضان واما توفير الطاعات فلانه تذكر دعاء اهل النار فحثوا ذلك على تكسير الطاعات لينزلوا بها من هذه فائدة خامسة من فوائد الصيام وهو انه يحمل ويحمل صاحبه على الاستبثار من الطاعات فيوفق العبد من نفسه طاعات كثيرة يسابق اليها ويسارع. وقد علل المصنف ذلك بان جوع العبد وظمأه يذكره بجوع اهل النار وظمأهم فيكون ذلك حاملا له على الطاعة. واحسن من ذلك ما جاء في الاحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم من بيان الاجور العظيمة في اعمال الطاعات في رمضان فيكفي بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وقوله صلى الله عليه وسلم من قام رمضان ايمانا ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وقوله صلى الله عليه وسلم من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. فان هذه الاجور العظيمة المذكورة على بعض اعمال رمضان تحمل العبد على ان يستكثر من الطاعات وان يسارع اليها واما ستر عالم الخفيات اذا صام عرفة نعمة الله عليه بالشبع والري لشكر اهل ذلك فان النعم لا يعرف لا يعرف مقدارها الا فان الشكر لا فان النعم لا يعرف مقدارها الا بفقدها. هذه فائدة سادسة من فوائد الصيام وهو انه يحمل العبد على شكر ربه سبحانه وتعالى. فان الصائم اذا فقد الطعام والشراب ذكر انعام الله عز وجل عليه بالاطعام والسقيا. فاذا تذكر هذه النعمة اوجب له هذا التذكر ان يقوما بالشكر للرب سبحانه وتعالى. والنعم لا تعرف مقاديرها الا بفقدها عند عامة الناس. اما العقلاء الكمل من عباد الله فانهم يعرفون مقادير نعم الرب سبحانه وتعالى وان قلت. واما الغافل الساه فانه يحتاج الى تذكيره بانواع النعم ومن هذا التذكير شرع الصيام حتى يتذكر العبد نعمة الاطعام والسقيا يعرف للرب سبحانه وتعالى نعمته عليه اذ اطعمه وسقاه. واما الانزار عن خواطر المعاصي والمخالفات لان النفس اذا شبع طمحت من المعاصي وتشوفت الى المخالفات. واذا جاعت وظمئ التشوفت الى المطعومات والمشروبات وطموح النفس قيل المناجاة واشتغالها بها خير من تشوهها الى المعاصي والزلات. ولذلك قدم بعض السلف الصوم على سائر العبادات فسئل عن ذلك فقال لان لان يطلع الله على نفسه وهي تنازعني تنازعني الى الطعام والشراب احب الي من ان يطلع عليها وهي تنازعني الى معصيته اذا شبعت. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا الفائدة السابعة من فوائد الصيام وهو انه يزجر صاحبه عن خواطر المعاصي والمخالفات. واعظم الحراسة حراسة خواطر كما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى ومما يعين العبد على حراسة خواطره اشغالها بالطاعات فان النفس اذا اشغلت بطاعة الصيام مثلا انقطعت عن التشوف الى المخالفات وكان تسوفها الى رجوعها الى مألوفاتها من طعام وشراب جماع فتشتغل بهذا التشوه عن التشوف الى المحرمات والخواطر الفاسدة. ويكون هذا الاشتغال بالمطعوم المشروب حاملا لها على التخلي عن المعاصي والزلات وحاملا لها على الاقبال على مناجاة الرب سبحانه وتعالى ودعائه ولهذا ذهب بعض السلف رحمهم الله تعالى الى تفضيل الصوم على سائر العبادات ومذهب الجمهور رحمهم الله تعالى تقديم الصلاة على سائر الاعمال كما بين ذلك ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري وللصوم فوائد كثيرة اخر كصحة الاذهان وسلامة الابدان وقد جاء في حديث قوموا تصحوا هذه فائدة زائدة عن الفوائد التي تقدم ذكرها مجملة في اول كلام المصنف. فمن فوائد الصيام انه يصح الابدان وتسلم به وتطيب من عللها. والاحاديث المروية في هذا الباب ومن جملتها الحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. فكل الاحاديث المروية في هذا اللفظ وما في معناه تسانيدها ضعيفة معللة. ولا ريب ان الصيام من جهة الطب يسبب لصاحبه صحة في ذهنه في بدنك لانه يصفي البدن من اخلاقه ويذيب شحومه ومن هنا دأب بعض الاطباء لا على مداواة جملة من العلل بامر اصحابها بالصيام. وقد بين هذا المعنى مطولا جماعة منهم ابن القيم رحمه الله تعالى في المعاد ومن شرف ومن شرفه انه من فطر صائما كان له مثل اجره وقال صلى الله عليه وسلم من فطر صائما كان له مثل اجره من غير ان ينقص من اجر الصائم شيء. فمن فطر ستة وثلاثين صائما في كل سنة فكانما صام الدهر ومن كثر الفطر الصائمين على هذه النية كتب الله له صوم عصور وذهور. فضيلة اخرى من فضائل وهي ان من فطر صائما كان له مثل اجره. والعمدة في هذا الباب على حديث زيد ابن خالد الجهني رضي الله عنه المخرج في سنن الترمذي وابن ماجه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من فطر صائما كان له مثل اجره من غير ان ينقص من اجره للصائم شيء وهذا الحديث مع شهرته لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. فان لهذا الحديث علة قل من تفطن لها وهو انه من رواية عطاء بن ابي رباح عن زيد بن خالد الجهني وقد ذكر علي ابن المديني رحمه الله ان عطاء لم يسمع من زيد ابن خالد الجهني. فعلم بهذا ان السند منقطع بينهما. وانقطاع السند مما يوجب ضعف الحديث لكن لا ريب ان تفطير الصوام مندرج في جملة الصدقة في رمضان فيحث عليه الناس من هذا الباب وينجى الثواب فيه من هذه الجهة فان المفطر للصائم متصدق عليه بهذا الاطعام والرجل الحديث المروي في هذا الباب صريحا وهو حديث زيد ابن خالد فانه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن شرفه انه من قام من قام ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه لقوله صلى الله عليه وسلم من رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. من شرف رمضان هو ان من قام رمظان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه كما جاء ذلك صريحا في هذا الحديث وسبق ان عرفت ان معنى قوله صلى الله عليه وسلم ايمانا يعني ايمانا بوجوبه وتصديقا بذلك. وان معنى قوله صلى الله عليه وسلم يعني احتسابا ورجاء لاجره وثوابه. وعرفت ايضا ان المغفرة التي توجب للعبد بهذا العمل هي مغفرة الصغائر دون الكبائر فالكبائر لا يكفرها صيام رمضان ولا قيامه عند الجمهور خلافا لبعض اهل العلم رحمهم الله تعالى وقد جاء في بعض الفاظ هذا الحديث غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وحسنه ابن حجر رحمه الله تعالى فيفتح الباري وفي كتابه الخصال المكفرة وفي ذلك نظر فان بالاسانيد الصحيحة هو دون هذه الزيادة. فلا يثبت في هذا الحديث زيادة وما تأخر. وكل الاحاديث المروية بان عملا من الاعمال يكفر ذنوب العبد كلها ما تقدم منها وما تأخر لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم منها وانما يصح في ذلك صيام يوم عرفة انه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده اما التكفير العام التام بحيث يكون العمل مكفرا لما تقدم من الذنوب وما تأخر فجميع الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا يثبت منها حديث. وقيام رمظان قد جاء البيان الشافي من النبي صلى الله عليه وسلم بالطريق المحصلة له وهو ما ثبت عند اصحاب السنن من حديث ابي اذا رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الرجل اذا قام مع الامام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة فافاد هذا الحديث ان قيام ليلة من رمظان يكون بان تصلي مع امامك حتى ينصرف بان يسلم من فمن لزم الصلاة مع امامه طول الشهر بحيث لا ينصرف من صلاته حتى ينصرف الامام فانه حينئذ يكتب له قيام رمظان تاما كاملا. والمراد بالانصراف في هذا الحديث هو التسليم وجوبا والخروج بابا فاذا صلى المصلي مع امامه نفلا في رمظان بقيام الليل فانه يجب عليه الا ينصرف من صلاته بالتسليم حتى ينصرف الامام بالتسليم. فلا يسلم قبل سلام امامه. واما الخروج من المسجد فان انه يكون صراطا مستحبا فيستحب للمأموم اذا صلى مع امامه الا يخرج من المسجد حتى يخرج امامه ما لم من عادة الامام انه يبقى طويلا بحيث يشق على المأموم انتظاره فانه حينئذ يخرج بلا كراهة بقي امر يتعلق بحديث زيد المتقدم على القول بصحته وهو ما المراد الصائم هل هو مجرد اطعامه؟ ام لابد من اشباعه؟ ذهب ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى الى ان الاجر لا يقع لمفطر الصائم حتى يحصل لمن افطر عنده الشبع. فاذا اشبع الصائم كان له مثل اجره. وهذا المعنى الذي ذكره ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى من اشتراط الاشباع فيه نظر بل الصحيح اشتراط الكفاية بان يطعمه ما يكفيه بحيث ينقطع طوقانه الى الطعام لانه يقوم بعد فطره الى صلاة وليس في شيء من الاحاديث اشتراط الشبع والشبع قدر زائد عن الاطعام. وليس من عادة الناس جميعا انهم يشبعون اذا طعموا بل ذهب بعض اهل العلم الى كراهة الشبع وان كان الصحيح ان الشبع لا يكره لكن المقصود ان هذا الحديث حمله على اشتراط الاشباع محل نظر والاقرب حمله على الكفاية مع فمن اراد الاجر المذكور في هذا الحديث فانه يطعم الصائم كفايته بحسب قدرته فاذا كان لا يقدر الا ان يطعمه ثمرا كفايته كان هذا سببا لتحصيله الثواب المذكور. واذا كان لا يستطيع التمر وانما يستطيع ان يفطره على ماء بما يكون بذلك كفايته فانه يحجز له يحصل له الاجر المذكور في هذا الحديث الفصل الثالث الفصل الثالث في ادابه وهي ان بين المصنف رحمه الله تعالى وجوب صيام شهر رمضان واردفه بذكر طرف من فضائله اردف الفصلين المتقدمين بفصل ثالث في اداب الصيام والاداب جمع ادب. وهو اجتماع خصال الخير في العبد كما قال ابو عبد الله ابن القيم في مدارس وهذا احسن ما قيل في حد الادب انه اجتماع خصال الخير في العبد وذكرت اقوال اخرى لا تسلم من معارضة وهذه الاداب تكون تارة واجبة مفروضة وتكون تارة اخرى سنة مستحبة ومن توهم ان الاداب محصورة في باب النوافل فقد غلق. وقد نص على هذا المعنى ابن عماد الشافعي كتابه اداب الاكل. فبين ان الاداب قد تكون واجبة وقد تكون نافلة. فما يتوهمه كثير من ان الاداب هي من جملة النوافل غلط على الشريعة. ويدل على هذا تصرف المصنفين في كتب الاداب كالبخاري رحمه الله تعالى على صاحب الادب المفرد والبيهقي صاحب كتاب الاداب وابن مفلح صاحب كتاب الاداب الكبرى الوسطى والصغرى والذي بايدي الناس منها هو الاداب الكبرى. نعم. وهي ستة احدها حفظ اللسان والجوارح المخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور والعملة من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه شرابه وقال عليه الصلاة والسلام رب قائم حظه من قيامه الشهر ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطاء هذا هو الادب الاول من اداب الصيام وهو ان يحفظ العبد لسانه وجوارحه. لان المقصود من الصيام هو ان يصوم العبد عما حرم الله. قال ابن القيم رحمه الله تعالى الصوم هو صوم الجوارح عن الاثام وصوم البطن عن الشراب والطعام انتهى كلامه. فليس مراد الشرع ان يمنع العبد نفسه عن مألوفه من عن مألوفه من الطعام والشراب فحسب بل مراد الشرع الاكبر هو ان ينزجر العبد عن المعاصي وان يحفظ لسانه وجوارحه ويتقي الله سبحانه وتعالى مستعينا على ذلك بالصيام. قال ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح السعادة ما استعان احد على تقوى الله واجتناب محارمه وحفظ حدوده بمثل الصوم. انتهى كلامه فمن راقب الله سبحانه وتعالى في تصحيح صيامه كان اللائق به هو ان يحفظ لسانه وجوارحه عما حرم الله عز وجل اعظم من حفظ نفسه عن الطعام والشراب فان الصيام عن الطعام والشراب امر هين كما قال بعض السلف اهون الصيام ترك الشراب والطعام. انتهى. وانما اعظم الصيام هو الصيام عن الاثام وهو مراد الشرع الاكبر كما قال الله عز وجل يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. وقد جاء بذلك في هذا الحديث الصريح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به. وفي رواية للبخاري والجهل فالصائم منهي عن هذه الامور الثلاثة وهي قول الزور والعمل به والجهل. والمراد بقول الزور والعمل به كل باطل فان الزور اسم جامع لكل باطل. فالعبد منهي عن قول الباطل وعن العمل به ومنهي عن الجهل الذي والسفه والطيش بترك العمل بالعلم الذي اوجبته الشريعة. واذا لم يكن العبد تاركا لما حرم الله عز فان صيامه لا منفعة منه لانه لا يجدره عما حرم الرب سبحانه وتعالى يوجب ذلك له نقص ثوابت وربما ذهب بثوابه كله. فان الامر بالصيام كالامر كالامر الصلاة فان الرجل ينصرف منها ولم يكتب له الا عشرها الا تسعها الى اخر الحديث المروي في سنن ابي داوود من حديث ابن ياسر بسند حسن وكذلك الصيام قد ينصرف العبد من يومه فيفطر ولم يكتب له الا عشر اجره او تسع او ثمنه ورب بعضا من الخلق ينصرف من صيامه ولا يكتب له شيء من الثواب وانما تبرأ به ذمته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش. وعوام الناس مشغولون بتحصيل هذا الامر وهو كف انفسهم عن الطعام والشراب مع الغفلة عن كف جوارحهم عن المآكل والحرام. والمتقرب الى الله عز وجل بالصيام العاقل لحقيقته يعلم ان الامر الاعظم هو ان يكف لسانه وجوارحه عن المعاصي والاثام الثاني اذا دعي الى طعام وهو صائم فليقل اني صائم لقوله صلى الله عليه وسلم اذا دعي احدكم الى طعام وهو صائم فليقل اني قائل يذكر ذلك اعتذارا من الداعي لان لا ينكسر قلبه فان خاف الرياء والراب عذر اخر. هذا الادب الثاني ذكر فيه المصنف رحمه الله تعالى ان من دعي الى طعام وهو صائم فليقل اني صائم كما جاء الامر بذلك في الحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى وهو مخرج في صحيح مسلم. والذي دلت عليه الاحاديث النبوية في حق من دعي الى طعام وهو صائم انه يجيب من دعاه. فاذا اجاب من دعاه ففي حقه حينئذ سنتان اثنتان الاولى ان يقول عند تقريب الطعام اني صائم كما جاء في هذا الحديث فليقل اني صائم والمشروع هو ان يقولها مرة واحدة بخلاف ما اذا سابه احد او قاتله فان المشروع هو ان يقولها مرتين اثنتين كما تقدم بيان. ولم يأتي في شيء من الفاظ الحديث الصحيحة ان الصائم يقول اذا قرب له طعام يقول اني صائم مرتين وانما يقولها مرة واحدة. ولا ينبغي له ان يعدل عن هذا اللفظ. فقد روى ابن ابي شيبة في كتاب المصنف بسند صحيح عن ثابت البناني رحمه الله قال اوتي الى انس بن مالك رضي الله عنه بطعام فقال لبن يعني امرني بالدنوء منه فقلت لا اطعم فقال قال لا تقل لا اطعم وقل اني صائم. فدل هذا الاثر اللطيف على ان المشروع للعبد هو ان يوافق المأثورة في السنة النبوية بقوله اني صائم. ولا ينبغي له ان يعدل عنها اذا سواها كأن يقول لا اطعم او لا اكل او غيرها من الالفاظ. والسنة الثانية انه يدعو لداعيه كما جاء في الحديث في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا دعي احدكم فليجب فان كان صائما فليصل وان كان مفطرا فليطعم. وفي قوله صلى الله عليه وسلم فان كان صائما فليصل ارشاد له ان يصلي هل الصلاة المراد بها الدعاء ام الصلاة الحقيقية؟ ذات الركوع والسجود قولان لاهل العلم. اصحهما وهو قول ان المراد بالصلاة الدعاء. فيستحب لمن دعي الى مأدبة وهو صائم ان يدعو لمن دعاه فاذا حضر الى الطعام ترك الطعام ثم دعا لمن دعاه الى هذه المأدبة امتثالا لهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي كلا هاتين السنتين تطييب لخاطر الداعي واعتذار له. وحسن ملاطفة في حقه ومحل هذا الذي تقدم من الاعتذار انما يكون في صيام النفل. اما صيام الفرض انه لا يجوز له ان يخطئ وانما محل ما تقدم هو قيام النافل فمن دعي وهو صائم صيام نفل فليقل اني ما هي بمعتذرا الى الداعي؟ وهل الافضل له ان يبقى على صيامه؟ ام يجيب داعيه فيفطر اهل العلم اصحهما ان ذلك بحسب المصلحة. فاذا كانت المصلحة دائرة مع تناول الطعام ملاطفة له وجرا لخاطره كان ذلك افضل واذا لم تكن هناك مصلحة في فطره فان بقاؤه على صيامه افضل الثالثة الثالث ما يقول اذا افطر وهو ما روي عنه عليه الصلاة والسلام وانه كان يقول اذا افطر ذهب الضبأ العروق وثبت الاجر ان شاء الله. وروي ايضا انه كان يقول يقول اللهم لك صمت وعلى رزقك افطرت وفي حديث اخر الحمد لله الذي اعانني فصمت ورزقني فافطرت. هذا ادب ثالث من اداب الصيام ذكر فيه المصنف ما يقوله الصائم اذا افطر. وقد قصر المصنف رحمه الله تعالى في استيعاب الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقوله الصائم اذا افطر فان المنقول في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ان الصائم اذا افطر يشرع له امران اثنان فيما يقول الاول ما يقوله متعلقا بحق مفطره ومن ذلك قوله افطر عند هم الصائمون واكل طعامكم الابرار وصلت عليكم الملائكة فانه يشرع للصائم اذا افطر لاحد ان يقول هذا الدعاء لمفطره. والثاني ما يقوله الصائم اذا افطر متعلقا بنفسه. وهذا نوعان اثنان احدهما الدعاء العام كما جاء عند ابن ماجة بسند حسن من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان للصائم عند فطره لدعوة ما ترد. فيشرع للصائم اذا افطر ان يستكثر من الدعاء. وهذا الدعاء المطلق يكون عند فطره. اما ما يفعله بعض الناس من على الدعاء قبل الفطر فهذا غير مشروع. والاقتصار عليه غير وارد وانما الصائم ان يدعو في جميع يومه. كما جاء في الحديث الذي اخرجه الترمذي وابن ماجة. من حديث ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة دعوتهم لا ترد وذكر منهم الصائمة حتى يفطر. فقوله صلى الله عليه وسلم حتى يفطر دال على استغراق جميع الوقت. فمن بعد صلاة الفجر حتى غروب الشمس يشرع للصائم ان يستكثر من من الدعاء لان دعاء الصائم على رجاء قبول. اما الرواية التي فيها حين فانها لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويغني عنها الحديث المتقدم ان للصائم عند فطره لدعوة ما ترد والثاني دعاء الخاص وهو ما يقوله الصائم اذا افطر متعلقا بنفسه وقد رويت عن النبي صلى الله عليه سلم في ذلك احاديث لا يثبت منها الا حديث واحد وهو ان يقود الصائم ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت فالاجر ان شاء الله في شرع للصائم اذا افطر ان يقول بعد فطره ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الاجر ان شاء الله فقد روي هذا بسند لا بأس به عند ابي داوود في سننه. وما عدا هذا الذكر من الادعية الواردة فانها لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهل يختص هذا الدعاء؟ بالصيف فلا يقوله الصائم الا اذا كان الوقت قيظا ام يعم جميع الاوقات في الصيف والشتاء؟ قولان لاهل العلم. اصحهما ان الصائم يقول هذا الذكر اذا افطر في كل احيانه في صيف او شتاء لعدم على التخصيص اولا فمن ذهب الى انه يقال في الصيف دون الشتاء ليس معه دليل من الشرع على تخصيص هذا الدعاء بالصيف دون الشتاء. وثانيهما ان العلة المذكورة في الحديث موجودة على كل حال. فان الظمأ ونقص الماء في العروق واقع في الصيف والشتاء الا انه يكون في الصيف ظاهرا بحيث يجده العبد ويكون في الشتاء باطنا لا يحسه العبد وهو موجود بالحقيقة فان الماء اذا انقطع عنه العبد ساعات طويلة قل قدره في الدم سواء كان ذلك في الصيف او الشتاء فدلت هاتان القرينتان على ان هذا الذكر عام في الصيف والشتاء لا يخص وقتا دون وقت. اذا علم هذا وهو ان الصائم يقول ما تقدم عند الفطر. فهل للصائم ان يقول شيئا عند السحر ما الجواب الجواب يشرع للصائم ان يفطر من الاستغفار عند السحر لقول الله عز وجل وبالاسحار هم يستغفرون في اي اخر. قال الحسن البصري قاموا الليل فلما انتهوا الى السحر استغفروا ربهم عز وجل وهذه سنة يغفل عنها كثير من الناس في وقت السحر ولا سيما في رمضان الذي يوفق فيه كثير من الناس الى اليقظة في وقت السحر ثم يقصرون في استغفار ربهم عز وجل. وهذا الذكر هو المشروع للمتسحر ان يقوله ولا يختص به وانما يختص بوقت السحر في حق الصائم وغيره. وليس في الاحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ان الصائم يذكر شيئا عند سحره. الرابع ما يفطر عليه وهو رطب وصبر اولى لانه روي عنه صلى الله عليه وسلم انه كان يخطئ يفطر قبل ان يصلي على رطباء على رطبات فان لم ثمرات ان لم يكن حسى حسوات من ماء. فقال عليه الصلاة والسلام اذا كان احدكم صائما فليفطر على التمن فان لم يلد فعلى الماء فان الماء طابور. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا ادب رابعا وهو في بيان بما يفطر عليه الصائم فبين رحمه الله تعالى ان الصائم يفطر على رطب او تمر او ماء واستدل على ذلك بحديث انس رضي الله عنه المروي في السنن ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل ان يصلي على فان لم يكن فجمرات فان لم يكن حسى حسوات من ماء. وبحديث سلمان ابن عامر الضبي المروي سنن ايضا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اذا كان احدكم صائما فليفطر على التمر فان لم يجد فعلى الماء فان الماء طهور والمحفوظ من هذين الحديثين هو الحديث الثاني. فان اسناده لا بأس به وقد صححه جماعة من الاكابر كالترمذي وابن خزيمة وابن حبان رحمهم الله. اما الحديث الاول وهو حديث انس المشهور ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات فان لم يكن فتمرات فان لم يكن حسى حسوات من ماء فهذا حديث لا يصح وقد اعله الحافظ الكبيران ابو حاتم الرازي وصاحبه ابو زرعة الرازي. فانه من منكر حديث عبد الرزاق ابن همام الصنعاني عن جعفر ابن سليمان عن ثابت عن عن ثابت عن انس ولم يروه احد غير عبد الرزاق فهذا حديث منكر لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وانما الثابت هو قوله صلى الله عليه وسلم اذا كان احدكم صائما فليفطر على التمر فان لم يجد فعلى الماء فان الماء طهور والرطب من جملة التمر لكن الفرق بينهما ان الرطب اسم يختص بما كان لينا رطبا من التمر فما كان من التمر لينا رطبا مملوءا بالماء فيقال له ربب وما كان يابسا جافا مرصوصا مكبوسا هو الذي يقال له التمر في عرف الناس. فاذا افطر الانسان على رطب او على تمر يابس فكل ذلك داخل في جملة مسمى التمر لكن دعوة تفضيل الرطب على التمر اليابس من جهة الشريعة لا يثبت فيها حديث وانما يثبت الامر بالفضل على التمر فان لم يجد فعلى الماء. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد كلاما لطيفا في نكتة ذلك وهو ان هاتين المادتين من اعظم ما يحصل للعبد به استعادة قواه وتقوية بدنه نفسه مرة اخرى ومن لطيف ما يذكر ها هنا ان هذه الطهارة للماء لم يذكرها الفقهاء رحمهم الله تعالى فان الفقهاء يقتصرون بالكلام على طهارة الماء على الطهارة المتعلقة بطهارة الاعضاء الخارجية. اما تطهير الماء الباطل فانهم لا يذكرونه مع قول هذا مع قول هذا الحديث صريحا في ان الماء يطهر الباطن في امر النبي صلى الله اي وسلم بان يفطر عليه الصائم وعلل ذلك بقوله فان الماء طهور فعلم بهذا ان طهارة الماء نوعان اثنان احدهما طهارة للاعضاء الخارجة عن البدن وهي التي يذكرها الفقهاء رحمهم الله تعالى في فواتح والنوع الثاني طهارة باطنة وهي المذكورة في هذا الحديث. وبقي على المصنف رحمه الله تعالى ان يذكر ما يندرج في جملة هذا الادب ما يتسحر عليه الصائم فان الفطر والسحور مخرجهما واحد والذي يستحب ان يتسحر عليه الصايم هو التمر كما ثبت في ذلك الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا من دقائق حكم الشريعة ان الصائم يستحب له ان يفطر على تمر وان يتسحر على تمر لان التمر ذو حلاوة الصائم بين هاتين الحلاوتين حلاوة الطاعة فان حلاوة التمر عند فطره مذكرة بفظيلة يوم سلف صيامه وحلاوة التمر عند سحوره مذكرة بحلاوة طاعة مقبلة وهو صيام اليوم الذي يتسحر له. الخامس والسادس تعجيل الفطري وتأخير وتأخير السحور. لقوله صلى الله عليه وسلم تسحروا فان في السحر بركة. فقال صلى الله عليه لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ما عجلوا الفطر. وقال عليه الصلاة والسلام قال الله عز وجل احب عبادي الي اعجلهم فطرا. فقال صلى الله عليه وسلم لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس لان اليهود والنصارى يؤخرون قال عمرو بن قال عمرو بن ميمون كان اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اعجل الناس ذكرا وابقرهم سحورا سيدنا الشيخ سارة. ايش صار؟ ما شاء الله عليك. قال عمر ابن ميمون كان اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اعجل الناس افطارا وافطرهم سحورا. وانما اخر السحور ليتقوى به على الصوم. كي لا كي لا فتقعده عن كثير من الطاعات. فقد كان بين سحور رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين صلاته قدر خمسين اية وانما عزل الفطر لان الجوع والعطش ربما ضر به فلا فلا وجه الى اطار النفس لذلك. مع فالى قربة ابيه وقد رؤي بعض ضعفاء السلف يأكل في السوق فقيل له في ذلك فقال مطل الغني ظلم لعله انطال النفس لذلك وليس ايطال النفس. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة الاثنان من جملة اداب الصيام احدهما تأجيل الفطر والاخر تأخير السحور. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى احاديث عدة عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة ذلك. وكل ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من الاحاديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم اما بسند صحيح او حسن. الا الحديث الذي فيه ان الله عز وجل قال احب عبادي الي اعجلهم فطرا فان هذا حديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. والاحاديث الثابتة دالة على هذين الادبين العظيمين وهما تعجيل الفطر وتأخير السحور. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى ايضا دلالة النظر على استحباب تأخير السحور وتعجيل الفطر وذلك ان تأخير السحور فيه حفظ لقوة البدن فيكون اعون على الوفاء بعبادات الصائم في اثناء نهاره. وان تعجيل الفطر فيه تقريب للنفس بمألوفاتها ومبادرة لها بها. لانه لا منفعة لها في بطنها عن هذه المألوفات مع اذه الشريعة وتعجيل الفطر يكون بان يبادر الصائم الى فطره بعد غروب الشمس باختفاء قوس الشمس خلف الافق ولا يضر بقاء الحمرة. فاذا غربت الشمس واحتجب قنصها فان ذلك وقت الفطور. وحينئذ يكون التعجيل بايقاعه في هذا الوقت وتأخيره عن هذا الوقت مخالفة للسنة. فمن يؤخره حتى يتزايد الظلام. او تتشابك النجوم كل ذلك مخالف لامر النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل الفطور. فاذا ذهب النهار منها هنا واقبل الليل من ها هو هنا فقد افطر الصائم ويكون ادبار النهار واقبال الليل بغياب اوصي الشمس واحتجابها خلف الافق ولو بقيت حمرتها اما تأخير السحور فانه يكون بايقاعه في وقت السهر. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فصل ما بين صيامنا وصيام اهل الكتاب اكلة السحر فدل هذا الحديث على ان السحور هو الطعام الذي يكون في السحر لقوله صلى الله عليه وسلم اكلة السحر وتقدم التنبيه على ان وقت السحر مسألة دقيقة من دقائق العلم. فما هو وقت السهر؟ سمي عبد الله تذكر البيت فيه تقدم التنبيه على ان وقت السحر هو الوقت الكائن بين الفجر الكاذب والفجر الصادق. فما كان بين هذين الفجرين فانه يسمى بوقت السحر كما حققه ابو الفضل ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري واختاره شيخ شيوخنا محمد حبيب الله ابن ما يأبى الشنقيطي في اضاءة الحارث وذكر قول بعض المغاربة ما بين كاذبا وصادق سحر على الذي اختاره ابن حجر. وتكون اكلة السحر يا رب هي الطعام الذي يتناول في هذا الوقت. ولهذا ذكر زيد ابن ثابت كما في الصحيحين انه لم يكن بين تحويلهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وقيامه الى الصلاة الا قدر ما يقرأ القارئ خمسين اية مما يشعر بان هذا وقت يسير. ويعلم بهذا ان تناول الطعام قبل هذا الوقت على نية السحر لا يكون له الاجر المرتب وانما يكون من جملة العشاء الذي يتغذى به الصائم فمن تسحر بدعمه في الساعة الثانية عشرة او في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل او في الساعة الثانية مما لم يدخل بعد فيها وقت السحر فانه لا يحصل له اجر السحور ولا يكون متسحر وانما يكون متناولا لطعام عام يقوي به بدنه. وانما يحصل اجر السحور بان تأخذ عام السحور في وقت السحر وهو الوقت الكائن بين الفجر الصادق والفجر كاذب وقد قدره بعض اهل العلم بربع ساعة وقدره اخرون بثلث ساعة واكثر ما ذكر في تقديره خمسة واربعون دقيقة وفيه نظر الا ان ان الوقت متردد بين هذه التقادير التي ذكرها اهل العلم والمنقول عن الصحابة رضوان الله عليهم في اثار عنهم انهم كانوا يخطئون بسحورهم فيؤخرونه تأخيرا شديدا رغبة في اصابة الاجر ومعنى ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى عن بعض الظرفاء من السلف انه اكل في السوق فقيل له في ذلك يعني عيب عليه اكله في السوق لان ان الاكلة في السوق دناءة وهو من خوارج المروءة عند عدم الحاجة كما ذكره الجماعة فقال هذا الاكل مطل الغني ظلم فالمراد بالمطل فان من عليه دين يسوف بصاحب الدين ويماطله فهذا هو معنى الحديث مطل الغني الواجد الذي يجد سداد دينه هو ظلم لصاحب الدين. فكأن هذا الظريف نزل تناوله طعامه بهذه ورأى ان تأخير وتناول الطعام حتى يصل الى البيت لان هذا فيه موافاة لنفس وتسويف لها بالوعد فعجل لها بالطعام وافعال الضعفاء لا يقتدى بها. والمشهور عند اهل العلم وذكره بعضهم بما تسقط به الشهادة ان يأكل الانسان طعامه في السوق مع عدم الحاجة الى ذلك فان هذا دناءة وهو خلاف فعل المروءة التي تعرفها العرب في بلدانها الفصل الرابع فيما يجتنب فيه وهو انواع احدها الوصال قال ابو هريرة ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا الفصل جملة من الافعال التي يجتنبها الصائم وما يجتنبه الصائم نوعان اثنان اما ان يكون محرما واما ان يكون مكروها. فهذا الفصل جامع للنوعين جميعا. وقد ذكر المصنف رحمه الله على فيه خمسة انواع. وقد اصاب رحمه الله تعالى اذ بوب بقوله فيما يجتنب فيه. فان الاجتناب عام للمسروق سواء كان محرما او مكروها كما ان الاجتناب فيه ارشاد الى ترك مع ترك الطرق الموصلة اليه. ولذلك يأتي التعبير بالامر بالاجتناب في لسان الشرع في القرآن والسنة في ايات في ايات واحاديث كثيرة يراد منها ترك الفعل مع ترك الطرق المؤدية اليه. نعم وهو انواع احدها الوصال قال ابو هريرة رضي الله عنه لا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النصال فقال رجل من المسلمين فانك يا رسول الله تواصله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وايكم مثلي؟ اني ابيت يطعمني ربي ابيت وابيت. اني ابيت يطعمني ربي ويسقيني. فلما ابوان فلما ابو انس ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال لو تأخر الهلال لزدتكم المنكل لهم حين ابوا ان ينتهوا. وانما نهي عن الوصال لما فيه من اضعاف القوى واضمار الاجساد من غير عبادة فاما الرسول صلى الله عليه وسلم وان كان اكله وشربه عند ربه حقيقة فانه فان كان موسما واما الرسول صلى الله عليه وسلم فان كان اكله وشربه عند ربه حقيقة فانه لم يواصل ايه العبد وان عبر بالاكل والشرب عن قوة الانس بالله والسرور بقربه فقد قام ذلك مقام الاكل والشرب في انعاش قوة وابلغ من الطعام والشراب وقد وقد صمت عن لذات دهري كلها وقد صمت الذات ده هي كلها ويوم لقائي ويوم لقاء ذات فطر صيامي. ولقد وجدت ولقد وجدت لذاده لك في الحشاء ليست لمأكول ولا مشروب. الدائرة المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة النوع الاول مما يجتنب في الصيام وهو الوصال. وحقيقة الوصال ان يؤخر الصائم فطره الى السحر او زيادة فاذا اخر الصائم فطره الى السحر كان مواصلا. فاذا زاد عليه بتأخير فطره الى غروب الشمس في اليوم الثاني فانه يكون قد واصل زيادة عن يوم قد صامه مع ليل. وقد اختلف اهل العلم رحمهم الله تعالى في حكم الوصال فمنهم من قال بتحريمه ومنهم من قال بكراهته والمختار ان الوصال نوعان اثنان احدهما وصال مباح وهو الوصال الى السحر بان الصائم فطره الى سحوره فيجتمع في طعام السحور الفطر والسحور جميعا. ويدل على هذا ما ثبت في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال فايكم ان اراد ان يواصل فليواصل الى السحر. ففي هذا الحديث اباحة الوصال الى السحر فلا يفطر الصائم مع غروب الشمس بل يؤخر الفطر الى وقت السحر يتناول اكلة واحدة تكون فطوره وسحورا والنوع الثاني وصال مكروه وهو ما زاد عن هذا القدر. فاذا واصل الصائم الى يوم ثان او ثالث او رابع فان ذلك مكروه في اصح قولي اهل العلم رحمهم الله تعالى وقد ثبت هذا عن عن بعض الصحابة كعبد الله بن الزبير انه كان يواصل خمسة عشر يوما واجداده صحيح وجاء هذا ايضا عن جماعة من السلف والصحابة هم اولى الناس بفهم السنن المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله الصحابي والاقرب هو ان الوصال مكروه غير محرم اذا زاد عن الرجل الذي تقدم ووصال النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كوصال غيره فقد علله النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وايكم مثلي اني ابيت يطعمني ربي ويسقيني. فقد دل هذا الحديث على انه يحصل له صلى الله عليه وسلم الاطعام والاسقاء. وهل هذا اطعام واسقاء حقيقة؟ او هو تعبير عن الاكل والشرب بما يجد من قوة الانس بالله والسرور بقلبه قولان باهل العلم والجمهور على القول الثاني وهو ان انه لكمال انسه بربه عز وجل وسروره سروره بقلبه بقربه انقطعت نفسه عن الالتفات الى المألوفات وقد نصر هذا القول ابو عبد الله ابن القيم رحمه الله تعالى في مفتاح دار السعادة وابو الفرج ابن رجب في لطائف المعارف ومما ينبه اليه ان ما يذكره بعض الناس في هذا الحديث من قولهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اني ابيت عند ربي يطعمني ويسقيني لا اصل له بهذا اللفظ. وانما المحفوظ اني يطعمني ربي ويسقيني. ليس فيه ان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت عند ربه الثاني القبلة قال عائشة رضي الله عنها كان رسول الله سواء الطريق في البيت ولقد وجدت ولقد وجدت لذاذة لك في الحشاء فما ظبطه به المحقق خطأ محظوظ نعم. القبلة قالت عائشة رظي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشره وهو صائم ولكنه املكهم ان كان شيخا يأمن على نفسه من من تحريك الشهوة واسناد الصوم فلا بأس بها. وان كان شابا لا يأمن. وان كان شابا لا يأمن من كرهت له بما فيها من تعريض العبادة للافساد والمخاطرة بها. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا نوعا ثالث ثانيا مما يجتنبه الصائم وهو القبلة والمراد بالقبلة الصاق الشفتين البدن ومنه تقبيل الرأس واليد والخد. فانها جميعا يشملها اسم القبلة. والقبلة باعتبار تعلقها بالصيام نوعان اثنان. النوع الاول قبلة ليست محلا للشهوة. كتقبيل الوالد لولده او الولد لوالده فان هذه القبلة ليست محلا للشهوة فهي ليست مكروهة ولا مأمورا باجتنابها باتفاق اهل العلم رحمهم الله تعالى والنوع الثاني قبلة هي محل للشهوة. بان يقبل الرجل زوجه مثلا وهذا النوع ثلاثة اقسام في حق الصائم. الاول ان يقبل الصائم عن الامن على نفسه من تحرك الشهوة. ولا تكره حينئذ. فمن امن على نفسه تحرك شهوته جاز له ذلك سواء كان شيخا او شابا والثاني من لا يأمن على نفسه تحرك الشهوة ولكنه يعرف من نفسه انها لا تتعدى القبلة الى ورائها مما حرم الله وهذا القسم مكروه. والثالث من لا يأمن على نفسه تحرك الشهوة ويخشى ان تتجاوزها الى ما ورائها مما حرم الله. وهذا القسم محرم على الصائم. فمن عرف من انه اذا قبل تحركت شهوته ثم تمادى به الامر حتى وقع زوجه فان القبلة حينئذ تكون محرمة تحريم وسائل. اما اذا كان لا يأمن على نفسه تحرك الشهوة. ولكنه يعرف من نفسه انها لا تتجارى به حتى توقيعه في الحرام فانها حينئذ تكون مكروهة في حرقه اما من امن على نفسه تحرك الشهوة فانها لا تكون بحقه فلتكون مباحة ولا فرق في هذه الاقسام بين الشيخ والشاب فان حركة الشهوة لا تتعلق بالسن وان كانت في الشاب اقوى وتعليقها بمحل ورودها وهو تحركها بدون تفريغ هو اولى من جهة الادلة وهنا يرد اشكال لطيف وهو ان الفقهاء رحمهم الله تعالى فرقوا في المذهب وغيره بين العبد اذا كان يأمن على نفسه تحرك الشهوة اذا كان لا يأمن على نفسه تحرك الشهوة. وكيف يعلق الحكم بشيء لا يكون الا بعد القبلة تحرك الشهوة لا يكون الا بعد ان يقبل الانسان. فكيف علق الفقهاء رحمهم الله تعالى الحكم بشيء يكون عاقبا للمسألة نفسها فما الجواب احسنت ان الفقهاء رحمهم الله تعالى ارادوا بذلك رد علم كل عبد الى باعتبار ما يعلم من نفسه فمن علم من نفسه انه تتحرك شهوته بعد القبلة فهذا يحكم لنفسه بان شهوته ستتحرى. ومن كان يعرف من نفسه خلاف ذلك فانه يحكم لها بذلك. والفقهاء رحمهم الله تعالى تبعا قد يردون بعض الاحكام الى نظر العبد نفسه كما يقولون في الدم الفاحش الكثير يقولون كل احد بحسبه. فمن حكم بان الدمع في حقه فاحش كثير كان هذا حكم متعلقا به هو الثالث الحجامة صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم وسئل انس ما كنتم تكرهون حجامة للصائمين قال لا الا من اجل الضعف. فمن اضعفته الحجامة كره له الا يأمن من الفطر او من او من ثقل العبادة عليه فيتبرم بها فيكره فيكره عبادة الله. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا ثالثا مما يجتنبه الصائم وهو الحجامة والمراد بالحجامة اخراج الدم الفاسد من البدن على صورة مخصوصة معروفة عند اهل الطب. واخراج الدم على هذه الصورة هل هو مكروه للصائم ام محرم؟ قولان باهل العلم رحمهم الله تعالى. ومذهب الجمهور ان الحجامة تقرأ للصائم ولا تكون مفطرة. والقول الثاني هو ان الحجامة محرمة على الصائم ومن احتجم فقد افطر. وهذا القول هو القول الاسعد بالدليل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في السنن افطر الحاجم والمحجوم فدل هذا الحديث المحكم على ان من احتجم او حجم افطر بذلك فالحجامة حرام على الحاجم والمحجوم وما عدا هذا من الاحاديث فاما ان تكون احاديثا لا تثبت كالاحاديث الواردة في نسخ الفطر بالحجامة فان الاحاديث المروية في نص الفطر والحجامة لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. واما الاحاديث الواردة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم انه احتجم وهو صائم فانها لا تسلم من المعارضة كما ذكر ابن القيم في زاد المعاد فانه يحتاج الى معرفة هل كان في صيام نفل ام فرض ويحتاج الى معرفته هل كان مريضا او غير مريض ويحتاج الى معرفة هل كان مسافرا ام كان مقيما وكل ذلك مما لا سبيل اليه. وقد اختلف الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم في هذه على القولين المتقدمين. والنظر دال على تحريم الحجامة لما فيها من اظعاف الصائم وتعريض نفسه للهلكة فالقول بان الحجامة مفطرة محرمة على الصائم هو القول الاسعد بالدليل وهو مذهب اكثر وهاي اهل الحديث كما ذكره جماعة منهم ابن خزيمة رحمه الله وابن المنذر رحمه الله وما لا الى هذا ابو العباس ابن تيمية الحفيد في جماعة من المحققين. وهذا عام للحاجم والمحجوم. لقول النبي صلى الله عليه وسلم افطر الحاجب والمحجوب. فاما المحجوم فلاجل ما الى بدنه من الضعف. واما الحاجب فعلة تفطيره بالحجامة فاختلف فيها اهل العلم الى قولين اثنين القول الاول ان الحاجب يحكم بفطره ويحرم عليه فعل حجامة لانه يعين المحجوم على ذلك. وهذا اختيار شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى. فلاجل كونه معينا على حرم حكم بفطره. والقول الثاني ان الحاجم انما حكم بفطره لانه يتوصل الى فعل الحجامة بمغص الدم بنفسه بالة مهيئة لهذا الفعل. فلاجل انه يعرض نفسه الدم الى جوفه حكم بفطره. وهذا اختيار ابي العباس ابن تيمية الحبيب وهو اقوى. وعلى هذا فاذا حجم الحاجم بغير هذه الصفة كأن يحجم بالة لا يستعين فيها بشفط الدم بنفسه فانه لا يكون مفطرا لاجل عدم العلة والحكم يدور مع علته وجودا وعدما قد ذهب اكثر اهل العلم من القائلين بالتفسير بالحجامة وهو مذهب لان من كان في معناها بفصل والتبرع بالدم والرعاة وغيرها انها اليست مندرجة في الحكم؟ وهذا القول قول ضعيف. بل الصحيح ان ما كان في معنى الحجامة فله حكمها كالتبرع بالدم او الفخ او الارعاف عمدا. فاذا حمل الانسان نفسه على الرعاة عمدا ليخف رأسه فان هذا في معنى الحجامة كما ذكر ابو العباس ابن تيمية الحديث وهو الموافق القياس الصحيح اما تحليل الدم فليس في معنى الحجامة لان تحليل الدم انما يكون فيه قدر يسير والقدر اليسير لا يضر. واما التبرع بالدم ففيه قدر كبير يضعف البدن. كما يعرفه اهل العلم بالطب فيكون التبرع بالدم في معنى الحجامة ممنوعا له مفطرا للصائم اما تحليل الدم فلا يكون في هذا المعنى ومما يلحق بها ايضا غسل الكلى فان غسل الكلى فيه اخراج للدم واعادة له بتغييره ففيه معنى الحجامة يكون مفطرا للصائم. الرابع الكحل كان انس كان انس يكتحل وهو صائم. فقال ما رأيت احدا من اصحابنا يكره الكحل الصائم. وكان ابراهيم يرخص ان يكتحل الصائم بالصبر. بالصبر. فلا فرق بين بين كحل الحاد الذي ينفذ الى الحلقوم وبين غيره والاولى اجتنابه. خروجا من خلاف العلماء. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا نوعا رابعا مما يجتنبه الصائم وهو الكحل. وقد اختلف اهل العلم رحمهم الله تعالى في هذا فجمهور اهل العلم على ان الكحل ليس ممنوعا للصائم ولا مفطرا له. وذهب بعض اهل العلم وهو يذهب الحنابلة الى ان الكحل يحرم على الصائم فاذا اكتحل افطر لكنهم يفرقون بين يجد الصائم طعمه في حلقه فيكون مفطرا عنده وبين كحل لا يجد الصائم طعمه في حلقه فلا قولوا مفطرا عندهم. والمختار ان الكحل كيفما كان لا يفطر الصائم لعدم ثبوت شيء من احاديث الواردة في هذا الباب كما ان العين ليست منفذا الجوف ولا الكحل في معنى الطعام والشراب الذي جعل من جملة المفطرات فيجوز للصائم ان يتحل في عينه بما شاء حالة صيامه ولا يكون ذلك جارحا بصيامه ولا مفسدا له. الخامس الاستنشاق في الوضوء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيط ابن صبرة اسبغوا الوضوء وخلل بين الاصابع وبالغ في الاستنشاق الا ان تكون صائما فنهى عن المبالغة لما في من المخاطرة بالعبادة وتعريفها للافساد والله اعلم. ذكر المصنف رحمه الله تعالى هنا نوعا خامسا مما يجتنبه الصائم. وقد سقط هذا النوع الخامس من الاصل المقصود. وعبر عنه المعتني بهذه النسخة بقوله الخامس الاستنشاق في الوضوء. وهذا تعبير خلاف مقتضى الحديث وصواب العبارة الخامس المبالغة في الاستنشاق في الوضوء. فان الذي يكره للصائم هو المبالغة بالاستنشاق. لا مجرد لان مجرد الاستنشاق هو من افعال الوضوء المأمور بها. فينهى الصائم عن المبالغة من بالاستنشاق في الوضوء ويكره له ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم وبالغ في الاستنشاق الا ان تكون صائما. فينهى العبد عن ان يبالغ استنشاقه بما في ذلك من المخاطرة بالعبادة وتعريضها للافساد. فلا ينبغي للصائم ان يتساهل في الاستكثار من الاستنشاق بالماء بل يتخفف منه ويكتفي بالقدر الواجب منه بدون مبالغة. واذا استنشق الصائم فوصل شيء من الماء الى جوفه فانه لا يفطر ذلك بعدم القصد ومن قواعد المفطرات ان الصائم اذا لم يقصد مفطرا بل غلب عليه بلا ارادة فانه لا يفطر به كمن الى جوفه ماء اثناء مضمضته او دخل الى جوف ماء اثناء استنشاقه او نحوه ذلك فانه لا يكون مفطرا لعدم قصده لتناول هذا المفطر. وهذه جملة ما يجتنبه الصائم مما ذكره المصنف رحمه الله تعالى واليها ينتهي المجلس الاول من مجالس هذا الدرس والله اعلم وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله اجمعين