الحمد لله رب العالمين رب السماوات ورب الارض رب العرش العظيم واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله اما بعد فهذا هو المجلس الثاني من الدرس الثالث من برنامج اليوم الواحد الثاني والكتاب المقروء فيه هو كتاب المواهب الربانية في الايات القرآنية للعلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى وقد انتهى بنا المقام الى قوله الداعي الى الله والى دينه له طريق ووسيلة الى اخره نعم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم. قال المؤلف رحمه الله كان الداعي الى الله والى دينه له طريق ووسيلة الى مقصوده. وله مقصودان فطريقة الدعوة الحق الى الحق للحق فاذا اجتمعت هذه الثلاثة بان كان يدعو بالحق اي بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن وكان يدعو الى الحق وهو سبيل الله تعالى وصراطه الموصل لسانك الى كرامته وكانت دعوته للحق اي لله تعالى قاصدا بذلك وجه الله. حصل له احد المقصودين لا محالة وثواب الداعين الى الله واجر ورثة الرسل بحسب ما قام به من ذلك واما المقصود الاخر وهو حصول هداية الخلق وسلوكهم في سبيل الله الذي دعاهم اليه. فهذا قد يحصل وقد لا يحصل فليجتهد الداعي في تكميل دعوتك ما تقدم وليستبشر بحصول الاجر والثواب. واذا لم يحصل المقصود جوامع ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في كتابه هذا هذه الجملة الوافية في طريقة الدعوة تبين رحمه الله تعالى ان الادلة بينت ان طريقة الدعوة ان تكون بالحق الى الحق للحق ثم بين رحمه الله تعالى هذه الكلمة المكررة ثلاثا فذكر ان معنى قوله بان كان يدعو بالحق اي بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن كما قال تعالى ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن فهذه الاية بينت ان طريق الدعوة ان يدعو الانسان بالحكمة بحسب ما يصلح للمدعو فان المدعو تارة قد يكون عنده قبول للحق فهذا يدعى بالحكمة وتارة قد يكون عنده تردد في القبول فهذا فيدعى بالموعظة الحسنة وتارة يكون عنده معاندة للحق فهذا يدعى بالمجادلة بالتي هي احسن. فهذه الاية قسمت فيها هذه الاحوال الثلاثة باعتبار مقامات المدعوين كما بينه ابو العباس ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ثم ابن ابي العز في شرح العقيدة الطحاوية ثم ذكر رحمه الله تعالى ان هذه الدعوة بالحق يجب ان تكون دعوة الى الحق وهو سبيل الله عز وجل لقول الله عز وجل في صدر هذه الاية ادعوا الى سبيل ربك فالداعية مأمور بان تكون دعوته الى سبيل الله وهو الشرع الذي النبي صلى الله عليه وسلم من ربه ثم هذه الدعوة الكائنة بالحق الى الحق يجب ان تكون دعوة للحق يعني خالصة لله رب العالمين ليس للعبد فيها شيء من الحظوظ كما قال تعالى في سورة يوسف قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين ففي قوله تعالى ادعو الى الله تنبيه الى الاخلاص في الدعوة كما ذكر امام الدعوة شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد في باب الدعاء الى شهادة ان لا اله الا الله ففي هذه الاية التنبيه الى الاخلاص في الدعوة فان كثيرا من الناس كونوا في الظاهر داعية الى الله واما في الباطن فهو يدعو الى نفسه او حزبه او بلده او امر من الامور الخفية التي لا يطلع عليها عموم الناس فنهي العبد عن ذلك وامر بان تكون دعوته خالصة لله رب العالمين. فاذا اتفق هذا للداعية لان كانت دعوته بالحق الى الحق بالحق فانه لا بد ان يحصل له مقصود لا منزع عنه ولا محيض. وهو ان ان الله عز وجل يثيبه على هذه الدعوة. ومن ثوابه ان يكتب الله عز وجل له اجور العاملين الذين دعاهم اليه واما المقصود الاخر وهو حصول هداية هؤلاء المدعوين فهذا قد يحصل وقد لا يحصل وقد قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم انك لا تهدي من احببت. وقد جاءت هذه الاية مخاطبا بها النبي صلى الله عليه وسلم تنبيها لغيره فاذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يهدي من يحب فغيره اولى الا يهدي من يحب مما يصبر العبد على مكابدة الدعوة ومشقتها فاذا تخلفت اجابة الدعاء فان لم يكن ذلك فاتا في عضده ولا مظعفا لعزمه واذا لم يحصل المقصود الثاني وهو هداية الخلق او حصل منه معارضة او اذية له بالقول او بالفعل فليصبر ويحتسب ولا يوجب له ذلك وكما ينفعه فهو القيام بالدعوة على وجه الكمال ولا يضيق صدره بذلك فتضعف نفسه وتحضره الحسرات بل يقوم بجد واجتهاد ولو وما حصل من معارضة العباد وهذا المعنى تضمنه ارشاد الله بقوله تعالى فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك وضائق به صدرك ان يقولوا لولا انزل عليه كنز او جاء معه ملك انما انت نذير. والله على كل شيء وكيل فامره بالقيام به بجد واجتهاد مكملا لذلك غير تارك لشيء منه ولا حرج صدره لاذيتهم وهذه وظيفته التي يطالب بها فعالمه ان يقوم بها. واما هداية العباد ومجازاتهم فذلك الى الله الذي هو على كل شيء وكيل. سبق ان عرفت ان للداعية مقصودين احدهما تحصيل الاجر والثواب بدعوة هؤلاء والثاني هداية هؤلاء المدعوين. وعرفت ايضا ان الامر الثاني قد يتخلف لحكمة اقتضتها حكمة الرب سبحانه وتعالى وسابق علمه وتقديره. فاذا اتفق للعبد هذه الحال مدعوين بان دعاهم فلا يستجيب له فانه يجب عليه ان يصبر ويحتسب والا يكون ذلك مضعفا لعزمه ولذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات الى هذا الباب لما فيه من الشر. فقيل له فلا تذهب نفسك عليهم حسرات وتلي بقوله انك لا تهدي من احببت ليثبت الداعية على دعوته ويعلم ان الاجر والثواب مكتوب له وان لم يستجب له احد ومع ركبان هذا الامر وهو كتابة الاجر والثواب يزداد الداعية صبرا في دعوته فانه اذا رأى المدعوين يتخلفون عن قبول هذه الدعوة مع التفافه الى كونه مأجورا مثابا على هذا العمل كان ذلك من اشد ما يقوي عزيمته. واما ما عليه حال كثير من الناس في ازمنة متطاولة على المسلمين من كونهم اذا لم تقبل دعوتهم حصل لهم تغير وضعف وخور واذا رأى احدهم الاسلامي وهو ان اهله اعترته الكآبة والحزن وربما بكى ويظن ان هذا مقام حميد في الدين. وليس هذا المقام محمود فان المقام المحمود في هذه الحال هو ان يتصبر الانسان وان يحتسب وان يعلم انه مأجور غير مأجور وان الله عز لم يتعبده بان يجاب بدعوته وانما تعبده الرب سبحانه وتعالى بان يدعو الناس الى الخير. فان اجابوه فذلك خير وان لم يجيبوه فقد كتب الله عز وجل له الاجر اذا صدق العبد في حبه ما امر الله به وكراهته لما نهى الله عنه وبذل جهده في فعل المحبوب وترك المكروه واستعان بالله تضرع اليه بالتوفيق لفعل ما يحبه والحفظ مما يكرهه. فان الله اكرم الاكرمين ولا يخيب عبدا هذا شأنه ولو توالت وتكاثرت الاسباب المعارضة فان هذا السبب المجتمع من ثلاثة من ثلاثة هذه الاشياء لا يتخلف عنه عند مسبب وانما يأتي العبد النقص من اقلاله بها او باحدها ولهذا لما اجتهد يوسف الصديق عليه السلام في السلامة من شر مراودة اخي العزيز ومن اعانها على مرادها وصدق في حبه وايثاره طاعة الله على طاعة النفس وتضرع الى الله تعالى وتوكل عليه في حفظه وصيانته استعصمه حفظه الله وصرف عنه السوء والفحشاء فقال عليه السلام رب السجن احب الي مما يدعونني اليه والا تصرف كيد النصب اليه الناس من الجاهلين. فاختار السجن المتضمن للعقوبة والاهانة على مراد النفس الدنيء. المثمر الدائم وتملق الى الله وتضرع في صرف كيدهن واجتهادهن في فتنته وفوض الامر الى ربه وعلم ان الله ان وكله الى نفسه فلم يصرف عنه كيدهن فلابد ان يصبو اليهن ويفعل افعال الجاهلين لان هذا طبع النفس الا من رحم الله. مما يبلغ به المرء حاجته ويشبع نهمته في مطلوبه ان تجتمع عنده هذه الامور الثلاثة العظيمة واولها المحبة الصادقة للرب سبحانه وتعالى ولا تظهروا هذه المحبة الا بالاقبال على امره واجتناب نهيه. ولذلك ابتلي الناس باتباع النبي صلى الله عليه وسلم اذ يتميز بذلك المجيب للامر والمعرض عنه كما قال الله سبحانه وتعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوه يحببكم الله وكان الحسن البصري رحمه الله تعالى يسمي هذه الاية اية المحنة. وثانيها الاستعانة بالرب سبحانه وتعالى لان العبد لا قوة له على درك مطلوبه حتى يكون معانا من ربه عز وجل وانما تحسن هذه الاعانة طلب الاستعانة ولذلك فان جماع القرآن الكريم كله هو هذه الاية اياك نعبد واياك نستعين كما جاء عن الحسن البصري رحمه الله تعالى وبذلك يقول ابو العباس ابن تيمية الحديث رحمه الله تعالى اياك نعبد تدفع الرياء واياك تعيين تدفع الكبرياء. والمراد ان العبد اذا جرد العبادة في الله عز وجل لم يلتفت الى غيره فلم يكن مضائيا. وكذلك اذا تبرأ من كل حول وقوة وجعل الاستعانة بالله وحده ذهب عنه كل دعوة من دعاوى الكبرياء. واما الامر الثالث فهو التضرر الى الله سبحانه وتعالى واللياذ به وادمان سؤاله وقرع بابه عز وجل بتتابع الدعاء مرة بعد مرة كما سبق هذا لنبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام فيما وقع له من الفتنة التي فتن بها ثم اخذ بهذه الامور الثلاثة فاظهره الله عز وجل وابطل كيد الكائدين. وتأمل ان يوسف عليه الصلاة والسلام اختار السجن وابى ان يبقى طليقا مع الاجابة الى تلك البلية لان السجن في الظاهر سجن لبدنه الا انه راحة لروحه واما الذنب فان انه في الظاهر راحة لبدنه الا انه سج لروحه واعظم السجن سجن الارواح. واذا كانت الاغلال قيد الايدي والارجل فان الذنوب قيود القلوب. قال ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى المأسوم من اثره هواه محبوس من حبس عن الله فلما اعرض يوسف عليه الصلاة والسلام عن حمس روحه الى حبس جسده وقبل بحبس جسده مع بقائي روحي قوية طليقة نشيطة كان الجزاء ان اظهره الله عز وجل وكتب له لسان صدق في العالمين ابطال قول الخصم قد يكون بابطال الدليل الذي استدل به او ابطال دلالته على مطلوبه وقد يكون بابطال نفس المقالة التي ينصرها اجسادها وقد يكون باثبات نقيض ما قاله الحكم قولا ودليلا لان النقيض للشيء متى صح احدهما بطل الاخر وقد اجتمعت هذه الامور في قول يوسف عليه السلام محتجا على صحة التوحيد وابطال الشرك يا صاحبي السجن ارباب متفرقون خير ام الله الواحد القهار لا تعبدون من دون الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ما انزل الله بها من سلطان ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الا الا اياه ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لا يعلمون. فابطل الشرك وصور قبحه عقلا ونقلا. وانما يدعى من دون الية المتفرقة كل فريق يزعم صحة قوله وابطال الاخر. والحال انه لا فرق بينهما وان المشرك به شركاء وان هذه المعبودات من دون الله ليس فيها شيء من خصائص الالهية فليس بها كمال يجب ان تعبد لاجله ولا تعال بحيث تنفع وتضر فتخاف وترجى. انما هي اسماء لا حقائق لها ومع ذلك كما انزل الله بها من سلطان على عبادتها فليس بجميع الحجج الصحيحة. لا يدل على صحة عبادتها بل اتفقت الحجج والبراهين كلها على ابطالها وفسادها وعلى اثبات العبادة الخالصة لله الواحد الذي انفرد بالوحدانية والكمال المطلق من جميع الوجوه الذي ليس له شبيه ولا نظير ولا مطالب وهو القهار لكل شيء. فكل شيء تحت قهر الله وناصيته بيد الله. الواحد القهار هو الذي يستحق الحب والخضوع والانكسار لعظمته والذل لكبريائه من علوم المشتغلين بالشريعة ولا سيما اهل الفقه والاصول علم الجدل الذي تنمى فيه ملكة طالب العلم على طرائق ابطال دعاوى الخصوم ومن ابلغ هذه الطرائق ما تضمنه القرآن الكريم من ابطال دعاوى المبطلين ولا سيما تلك الوسائل التي اعتنى بها الشرع الحكيم في ابطال دعاوى اهل الشرك وسد الذرائع الموصلة اليه فانها من مبلغ الابواب التي توصل طالب العلم الى فهم طرائق الابطال لدعاوى الخصوم. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا ان هاتين الايتين من سورة يوسف تضمنت اربع طرائق من طرائق ابطال دعاوى الخصوم فالطريقة الاولى ابطال الدليل الذي استدل به المدعي فان هؤلاء استدلوا على صحة عبادتهم لما يعبدون من دون الله بانهم ارباب. والرب يعبد ابطل هذا الدليل بان هؤلاء متفرقون وكيف يصح ان يكون هؤلاء ارباب مع تفرقهم؟ فكانت طريقة الابطال لهذه الدعوة بسلوك ابطال الدليل ليستدل به على تصحيح عبادتهم لكون هؤلاء اربابا فاعترض عليهم بكيفية كون هؤلاء اربابا من دون الله عز عز وجل وهم متفرقون والطريقة الثانية ابطال دلالته على مطلوبه فان هؤلاء استدلوا بان هؤلاء يعبدون لانهم ارباب وهذا الذي استدلوا به باطل. لان الرب هو كما ذكر الله عز وجل في قول يوسف ام الله الواحد القهار فالرب حقيقة الذي يعبد هو من اتصف بكونه واحدا لا شريك له ولا نظير له ولا كفؤ له ولا ثمي له فهو القهار القاهر لغيره بخلاف اولئك الارباب فانهم لم يكن احد منهم ظاهرا على غيره من الارباب والطريقة الثالثة ابطال نفس المقالة التي ينصرها وافسادها وذلك في قول يوسف ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم فهنا ابطلت المقالة التي ادعاها هؤلاء والطريقة الرابعة اثبات نقيض ما قاله الخصم قولا ودليلا وذلك في قول الله عز وجل ان الحكم الا لله فجاءت هذه الاية دامغة لدعوى اولئك بان هؤلاء ارباب يعبدون من دون الله عز وجل وفي هذه الاية من ابطال الشرك واظهار قبحه وابراز فساده واضعاف من يدعى من دون الله عز وجل وانهم شركاء متشاكسون يعني مختلفون ما لا يوجد في غيرها من الاية القرآنية التي سلكت هذا المسلك. وكما سبق في صدر القول ان من اعظم الطرائق التي ينبغي تعلمها في ابطال دعاوى الخصوم طريقة القرآن الكريم في ابقان دعاوى المبطلين المتعلقة بتوحيد الله عز وجل سعي الانسان في دفع اسباب التهمة السيئة عن نفسه والعار والفضيحة ليس بعار بل ذلك من شيم الاخيار ولهذا لم يجب عليه الصلاة والسلام الداعي حين دعاه الى الخروج من السجن والحضور عند الملك حتى يتحقق الناس براءة ما قيل فيه فلما جاء الرسول قال ارجع الى ربك فاسألوا ما بال النسوة اللاتي قطعن ايديهن ان ربي بكيدهن عليم من فوائد سورة يوسف وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في الجواب الكافي ان في سورة يوسف اكثر من الف فائدة ومن جملة هذه الفوائد ان سعي الانسان في دفع اسباب التهمة السيئة عن نفسه والعال والفضيحة ليس بعار. بل هذا من شيم الاخيار كما وقع هذا من يوسف عليه الصلاة والسلام فانه لما دعي الى الخروج من السجن لم يجب حتى يتحقق ابطال تلك اوى الباطلة وهذا انما يكون في حق الدعاوى التي لحقت في الظاهر. فاذا ظهرت الدعوة وابرزت ولحقت المتهم فانه حينئذ يلجأ الى هذا بطلب البراءة منها. اما اذا كانت التهمة لم تلحق الانسان لم توفق به ولم تكن في سورة الثابت عليه فانه لا ينبغي للانسان ان يلتفت اليها لان مثل هؤلاء انما يقطعون الطريق على العبد. وكما قال الشاعر ما يضر البحر انت زاخرا الرما فيه غلام بحجر ولو ان المتأله التفت الى كل احد يقول فيه سوءا قبل ان يلحق هذا السوء به ولا يكون ظاهرا عليه لو انه التفت اليه لقطعه عن ربه عز وجل ولهذا لما قال عبد الله بن الامام احمد لابيه يا ابتي ان فلانا يتكلم فيك افلا ترد عليه؟ فقال يا بني الله يكفي وهذا حق كما قال الله عز وجل اليس الله بكاف عبده فان الله عز وجل يكفي عباده الصالحين الا ان محل هذا الاعراض اذا لم تكن التهمة لاحقة لاصقة بالانسان اما اذا كانت لاحقة لاصقة بالانسان فانه ينبغي له حينئذ ان يسعى في تربية نفسه كما وقع من نبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام قوله تعالى انا نحن نزلنا الذكر انا له لحافظون اشتملت على فوائد عديدة او الاولى والثانية ان القرآن كلام والله غير مخلوق وان الله تعالى علي على خلقه وهذا مأخوذ من قوله نزلنا الذكر فانه نزل به جبريل من الله عزيز عليم فكونه نازلا من عند الله يدل على علو الله وكونه ايضا من عنده يدل على انه كلام الله فان الكلام صفة متكلمي ونعت من نعوته. وهاتان الفائدتان ظاهرتان. لان النزول انما يكون من علو الى سبل. فاذا كان القرآن من الله فهذا دال على علو الله عز وجل. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في اجتماع الجيوش الاسلامية وغيره ان في القرآن الكريم والسنة النبوية والاجماع والعقل والفطرة المستقيمة اكثر من الف دليل تدل على علو الرب سبحانه وتعالى من جملتها هذه الاية ووجه استدلال بها مطرد في ايات اخر. كما ان في هذه الاية الاعلام بان القرآن كلام الله لان انه نزل من عنده فهو منه كما قال الله عز وجل ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ومن هنا دالة على الابتداء فابتداء القرآن كان من الرب عز وجل مما يدل على ان القرآن هو كلامه سبحانه وتعالى الثالثة عظمة القرآن ورفعة قدره وعلو شأنه حيث اخبر تعالى في هذه الاية بما اخبر انه الذي تولى انزاله وحفظه ولن نكل ذلك الى احد من خلقه ولذلك حصل الفرق بين كتب اهل الكتاب وهذا الكتاب العظيم والقرآن المبين. فان الله عز وجل تكفل بحفظ القرآن في قوله انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون. واما كتب اهل الكتاب فانها وكلت اليهم. كما قال الله عز وجل والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء. فلما وقع وكل الكتب السابقة الى اهلها حصل فيها تبديل والتغيير واما القرآن الكريم فلما تكفل الله بحفظه بقي محفوظا لا يلحقه تحريف ولا تبديل وقد ابدى هذا المعنى من القدماء ابو محمد سفيان ابن عيينة رحمه الله تعالى ثم تبعه جماعة وهو ظاهر من هذه الاية مع اختها. نعم الرابعة ان القرآن مشتمل على كل ما يحتاج العباد اليه من امور الدنيا وامور الدين ومن الاحوال الظاهرة والباطنة فان معنى الذكر انه متضمن لتذكير العباد وتنبيههم لكل ما يحتاجون اليه وتتعلق به منافعهم ومصالحهم والامر كذلك فانه مشتمل على امور الدين والدنيا ومصالحهما على اكمل وجه واشمله. بحيث لو تذكر الخلق بتذكيره ومشوا على فارشاده لاستقامت لهم جميع الامور. ولا اندفعت عنهم الشرور. ولهذا اكثر الله في القرآن من حث العباد على الاهتداء به في كل شيء تفكر وتدبر لمعانيه النافعة ويترتب على هذا المعنى الفائدة الخامسة هذه الفائدة الرابعة يصدقها قول الله سبحانه وتعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين فكل امر من امر الدنيا والدين فان بيانه في القرآن الكريم كما قال ابن مسعود رضي الله عنه من اراد العلم فليثور القرآن. وقال مسوق رحمه الله تعالى ما شيء نسأل عنه اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الا وهو في القرآن لكن علمنا قصر عنه وينسب الى ابن عباس رضي الله عنه انه كان ينشد جميع العلم في القرآن لكن تقاصروا عنه افهام الرجال. فما من ابدة من ولا امر من الامور ولا نازلة من النوازل تتعلق بامور الناس في دينهم او دنياهم الا وهي في القرآن الكريم علمها من علمها وجهلها من جهلها وفي هذا تنبيه الامة عموما الى الفزع الى تتبع هدي القرآن الكريم في اصلاح جميع احوالهم في جميع ميادين حياتهم وان القرآن الكريم كفيل بذلك. وفيها التنبيه خصوصا على طلبة العلم بان اعظم العلم النافع هو ما جاء في القرآن الكريم. ولذلك قال ابن مسعود كما تقدم من اراد العلم فليثور القرآن. وانما جاء النبي صلى الله الله عليه وسلم من ربه بالقرآن الكريم والسنة تابعة له فانهما يجتمعان في كونهما وحيا ومدح من اراد الله به خيرا بالتفقيه بالدين فجاء كما في الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من يرد الله به خيرا فقهه في الدين فاعظم الهمم هي همة طالب العلم المشتغل بتفهم القرآن والسنة كما ذكر ابن القيم في كتاب الفوائد الفائدة الخامسة وهي ان من قام بالقرآن وتذكر به كان رفعة له وشرفا وفخرا وحسن ذكر وثناء. وبهذا اول قوله الا وانه لذكر لك ولقومك اي شرف ورفعة لمن تذكر به واستقام عليه يعني ان من قام بالقرآن الكريم وتذكر به فانه يناله نصيب من رفعة هذا القرآن. فلما كان القرآن شريفا مرفوعا معظما فكذلك الاخذ للقرآن يعظم ويشرف كما قال الله عز وجل وانه لذكر لك يعني شرف ورفعة لك ولقومك. فاكثر الناس شرفا واعظمهم مقاما هم اهل القرآن لانهم اخذوا بارفع ما جاء من عند الله عز وجل من الحق وهو القرآن الكريم. وفي صحيح مسلم من حديث عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله يرفع بهذا القرآن اقواما ويضع به اخرين. ورفعته لاقوام به ووضعه لاقوام لاعراضهم عنه. ولذلك حصلت الرفعة للنبي صلى الله عليه وسلم لانه اعظم الناس اخذ للقرآن كما قال الله عز وجل ورفعنا لك ذكره فارتفع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لانه انزل عليه الذكر فكان صلوات الله وسلامه هو اعلى الناس حظا من الذكر فكان جزاؤه ان يكون ارفع الناس مقاما في الدنيا والاخرة السادسة ان التذكير بغيره غير مفيد ولا مجد على صاحبه نفعا لانه اذا ثبت وتقرر انه مادة التذكير لجميع علم ان ما ناقضه وخالفه وبضد هذا الوصف ولهذا اتى بالالف واللام المفيدة للاستغراق والعموم ومن هنا تعلم ان جماع التذكير النافع هو التذكير الذي يخرج من مشكاة القرآن والسنة. ولهذا قال الله عز وجل في سورة بعد ان ذكر اهوالا عظيمة وشدائد كثيرة قال في اخرها فذكر بالقرآن من يخاف وعيد. وانما امر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا لان ابلغ الذكر وامضاها في النفوس والينها للقلوب هي ذكر القرآن الكريم ومن لم ينتفع بتذكير القرآن الكريم فانه لا ينتفع بتذكير غيره. ولهذا قال ابو زرعة الرازي رحمه الله تعالى من لم يعظه الكتاب والسنة فلا وعظه الله وبهذا تعلم ان اعراب كثير من المتصدرين للوعظ عن الوعظ القرآن والسنة الى القصص وذكر احوال الناس وتغيراتهم وما يلحقهم من الامور انه ضعف في التذكير. فان ابلغ التذكير هو ان يذكر الانسان بقال الله قال رسوله قال الصحابة هم الاخيار رضي الله عنهم وارضاهم. واذا كان تذكير العبد هذا فانه يحصل له القبول ولذلك قال عبدالله بن بكر لابيه بكر ابن عبد الله المزني يا ابتي ما لك تعظ الناس فيبكون ويعظهم غيرك فلا يبكون. فقال يا بني ليست النائحة التكلى كالنائحة المستأجرة. يعني لان من يصدق في وعظه ليس كغيره. ومن جملة الصدق في الوعظ ان يعظ الانسان بالقرآن والسنة. فان النفس قد تتوق الى ذكر لان الناس في الظاهر يرتفع عندهم من يذكر القصص بانه مطلع على احوال الناس خبير بها او يطيب للنفس ان تردد قصيدة وعظية بصوت شجي فيتوهم هذا الواعظ انه اذا وعظ بمثل هذا حصل بذلك نفع وكل هذا من تلبيس الشيطان على الناس بوعظهم لان كلامك وكلام غيرك من البشر ليس له سلطان على القلوب. واما القرآن الكريم فان من صفته ان الله عز وجل جعله مهيمنا فهو مهيمن على ما مضى من الكتب باحكامها واخبارها وهو مهيمن على القلوب فان القرآن الكريم اذا لامس شغاف القلوب كان اثره فيها اكثر من كلام غير الرب سبحانه وتعالى من البشر فينبغي للواعظ ان يجتهد في ان تكون عظته بالقرآن والسنة. قال بعظ السلف ان هذا الامر جد فمتى خلقتموه الهزل مجته قلوب الناس لان قلوب الناس مجبولة على فطرة غرسها الله عز وجل فيهم فاذا جاء داع من القرآن والسنة يحيي هذه الفطرة استيقظت واذا كان الداعي غير القرآن والسنة كقصة مضحكة او مبكية فانه لا يكون اثرها في استجابة الداعي واذعانه وقبوله وانقياده كاستجابة من يدعى بالكتاب والسنة. ولهذا انظر حال الصحابة رضوان الله عليهم من الاخبات والخشوع والقبول والانقياد والتسليم لامر الله مع انهم ليس بينهم وبين الجاهلية الا وقت وترى احوال كثير من الناس تصلح امورهم في الظاهر لكنهم لا يقيمون اصلاح قلوبهم على القرآن والسنة وانما يصلحون قلوبهم اما بالسماعات المحدثة او بالقصص التي تفعل فعلا يسيرا لكن فعلها سرعان ما يذهب اذا ذهب الانسان الواعظ اما القرآن هو السنة فانه يبقى مهيمنا على النفس مطيعة له منقادة له ومن وعى هذا الامر علم ان الاشتغال بوعظ الناس بالكتاب والسنة اعظم نفعا وارفع قدرا من اشغال الناس بقصص وحكايات ربما يكون بعضها ثابتا ويكون بعضها غير ثابت. وانظر الى قدر ما في القرآن والسنة من القصص وانظر الى قدم فيها من التذكير بغير قصص فان التذكير بالقصة حق لكن ليس على هذا الوجه الذي ال اليه امر الناس ان تجد جميع الموعظة من ولهذا الى اخرها يسند فيها قصص كثيرة ولا تذكر فيها الا اية او ايتين وربما كان من المواعظ من لا يسمع فيه اية فبالله عليكم كيف يعظ الناس؟ من لم يجد اثرا للقرآن الكريم والسنة النبوية بنفسه حتى يخرجه للناس فتصبح هذه احوالهم نسأل الله ان يصلح احوال المسلمين السابعة انه اتى بما يوافق العقل الصحيح والفطر المستقيمة فليس به شيء مخالف ولا مناقب للمحسوس ولا معاكس الصحيح فلا مضاد للعدل والقسط والميزان والحق لان الله سماه ذكرا والذكر هو الذي يذكر العباد ما تقرر من فطرهم السليم قتلوا عقولهم الصحيحة من الحق والحث على الخير والنهي عن الشر فهو مذكر لهم ما عرفوه مجملا فلم يهتدوا الى كثير من تفاصيله تزداد العقول وتتفتق الاذهان وتزكوا الفقر ولشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا المعنى كتاب موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح يصدق هذه الجملة من كلام الله عز وجل قوله تعالى في سورة الاسراء ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم فالقرآن الكريم يهدي للتي هي اقوم في الاقوال ويهدي للتي هي اقوم في الاعمال ويهدي للتي هي اقوم في الاحوال فيكون موافقا للعقل الصحيح والفطر المستقيمة فليس في القرآن الكريم شيء مخالف ولا مناقض للمحدوث ابدا ولا معاكس للقياس الصحيح. وكلما ازداد اقبال الانسان على القرآن فانه عندئذ يزداد عقله ويتفسق ذهنه وتقوى ملكة حفظه وفهمه ومن جرب هذا عرف وذلك ان الله قال كما تقدم في بفضل هذه المجالس واذكر ربك اذا نسيت. واعظم الذكر لله عز وجل قراءة القرآن. فيكون من جزاء الذاكر لله عز وجل بقراءة القرآن وتكراره ان يوفقه الله عز وجل الى تنمية قدره العقلية سواء في الفهم او الحفظ. ولهذا رأينا وراء الناس ان المقبل على الاعتناء في مبادئ سنه على حفظ القرآن الكريم تقوى ملكته في الحفظ وتجود. لانه اخذ سبب عظيم وهو القرآن الكريم. فينبغي لطالب العلم ان لا يغفل الاهتمام بالقرآن الكريم في كثرة قراءته وحفظه لان ذلك من اعون الاسباب التي تفتق ذهنه وتقوي ملكته. واكثر الناس يسلبون بالثواب الخادع كقراءة الكتب المصنفة او حفظ المتون من القصائد العلمية او غيرها ويغفلون هنا عن حفظ القرآن والسنة مع ما فيها من عظيم النفع يظنون ان هذه تزيد طالب العلم علما وبالحقيقة لا يزيدك علما العلم الصحيح وهو القرآن الكريم والسنة النبوية ثامنة ان الله تكفل بحفظه حال زانه فلا يمكن ان يقربه شيطان في غيره ويزيد فيه وينقص او يختلط بغيره هي القوي الامين جبريل على قلب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. القلب الذكي الذكي الذي هو اكمل قلوب الخلق على الاطلاق لرسوله وقرآنه وبيانه. فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثمان علينا ديانة وهذا المعنى الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى في تكفل الله بحفظه حال انزاله وانه لا يقربه شيطان ابدا ظاهر من قوله تعالى وانا له لحافظون فان الرب سبحانه وتعالى تكفل بان يحفظ القرآن الكريم. فيحفظه سبحانه وتعالى من ان يقربه اي شيطان سواء كان من شياطين الانس ام من شياطين الجن؟ فان الله عز وجل يدفع شرهم عنه لان الله عز وجل لا تكفل بذلك من بدء انزاله بالروح الامين عليه الصلاة والسلام الى النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى في سورة الشعراء نزل فيه الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين. ثم اخبر الرب سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بكيفية تلقيه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم انا علينا بيانه. فامر النبي صلى الله عليه وسلم بان يتبع الهيئة في قراءة القرآن الكريم وكما ان هذا امر للنبي صلى الله عليه وسلم فانه امر لنا كما قال في المراقي لنا ما امر الرسول كونوا سوى ما خصه الدليل فالافضل ان كل ما امر به النبي صلى الله عليه وسلم فنحن مأمورون به فكما امر النبي صلى الله عليه بان يقرأه على هذا النحو فاننا مأمورون بان نقرأه على هذا النحو وهذه الاية من اظهر الادلة على الترتيل الذي بعظه ما يسمى بتجويد القرآن الكريم. لان الله عز وجل تكلم بالقرآن على هيئة مخصوصة قال ورتلناه ترتيلا ثم امر النبي صلى الله عليه وسلم بان يقرأه على تلك الهيئة فقال ورتل القرآن ترتيلا ثم اكد هذا بقوله في هذه الاية فاذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم انا علينا بيانه ويدل على هذا قول ابن مسعود رضي الله عنه اقرأوا القرآن كما علمتم. فلا يجوز للانسان ان يقرأ القرآن بوجه لم يقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم. اما اذا بوجه قرأ به النبي صلى الله عليه وسلم فانه لا يكون اثما في ذلك. كبعض اوجه الاداء في القراءة لحفظ او لغيره تكون عند حفص ولا يكون عند غيره فلو ان عاميا من الذين يقرأون القرآن مثلا قرأ بهذا الوجه الذي لا يقرأ به حفص لكنه محبوب عن النبي صلى الله عليه ان من قراءة اخرى صحيحة فان التالي للقرآن لا يكون اثما كظنة الادغام مثلا عند الياء والواو فان حظ يدغمها غنة وغيره لا يدغمها بغنة فلو ان احدا تلا القرآن الكريم من غير ايجاد هذا الادغام بغنة فانه لا يكون اثما وان كان مقتضى تلقي القرآن الكريم ان يقرأه على وجه واحد تلقاه هو قراءة عفط عند عموم الناس بهذه البلاد التاسعة وتكفل الله ايضا بحفظه بعد ما نزل وتقرر فاكمله الله تعالى واكمل به على عباده النعمة واستحفظه لهذه الامة اختلاف طبقات علمائها وائمتها ووكلهم به وائتمنهم عليه فكل قرن حمل عدوله وازكيائه الذين ضمن الله لهم العصمة فعند اتفاقهم الفاظه ومعانيه غضبة طرية لا تغيير فيها ولا تبديل. فكل من اراد ادخال شيء فيه او اخراج شيء منه قد والله من يدب عنه ويحفظه وهذا من حفظه. ويؤيد هذا يعني ان من حفظ القرآن الكريم ان الله عز وجل يقيم في كل قرن من الامة من يحفظ القرآن الكريم سواء كان ذلك الحفظ حفظ مبنى او كان حفظ معنى او كان حفظ رعاية فحفظ المبنى هو ما يتعلق بتلقي القرآن الكريم وضبطه وحفظ المعنى هو ما يتعلق بتفسير القرآن الكريم وحفظ الرعاية هو ما يتعلق بالعمل بالقرآن الكريم وتحسينه. فاما الامر الاول وهو تلقي القرآن الكريم فانك تجد الامة على تطاول قرونها ان خبى في بلد من بلدانها العناية بالقرآن الكريم حفظا وتلاوة وتلقيا فان الله عز وجل في بلد اخر كما نراه اليوم في بعض البلاد الاسلامية التي ظلت لقرون طويلة ذات عناية مشهورة بالقرآن الكريم وقراءته وتلقيه فلما الحال فيها تحولت هذه العناية الى بلدان اخرى. وكذلك القرآن الكريم محفوظ حفظ معنى وهو ما يتعلق بتفسيره فلا يزال الله عز وجل يظهر في كل قرن من له يد طولى في تفهيم القرآن الكريم وحل مبانيه والوقوف على معانيه مقاصده. واما حفظ الرعاية فان الله عز وجل لا يزال يبقي في هذه الامة من يعمل بالقرآن الكريم. سواء في خاصة الناس ام في عمومهم فتجد في كل قرن من قرون الامة دولة قامت على تحكيم شرع الله. ولهذا فانه ولا يسقط لواء تحكيم شرع الله في بلد من بلدان الارض الا ويظهر الله سبحانه وتعالى دولة اخرى ترفع لواء تقييم القرآن لان هذا من حفظ القرآن بالرعاية والعمل. ومن قرأ تاريخ الدول الاسلامية وجد صحة هذا. وكل هذا داء مندرج في قول الله عز وجل ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر؟ فان الله عز وجل يسر هذا للناس فوقع لهم حفظه مبنا ومعنى ورعاية وعملا ومن لطيفه ما يذكر ها هنا ان هذه الطبعة جاءت فيها كلمة عدوله مقسومة الى كلمتين هكذا عندك فكيف تقرأ عدو له وهذا من اقبح التصنيف ولذلك فان احد الزنادقة استعدى على الصالحين في التحذير منهم بالحديث المشهور. الا انه قرأه خطأ فاستدل به خطأ فقال قال النبي صلى الله عليه وسلم يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له فاراد ان يدلل بان قرون الامة لا تخلو ممن ينتسب الى العلم وهو عدو له. والجاهل اتي من جهله في معرفة كيفية نقل السنة النبوية والا فان الحديث وان كان ضعيفا يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ويؤيد هذا الفائدة العاشرة ان هذا من ادلة صدقه وصدق ما اشتمل عليه وصدق ما من جاء به وهو محمد صلى الله عليه وسلم فانه تعالى خبر بانه انزله وانه حافظ له فوقع كما اخبر الله تعالى فقال هذا اية وبرهان على صدقه وصحة ما جاء به كما اشهد بذلك الواقع يعني ان من ادلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل السنين المتتابعة يذكر ان هذا الكلام جاء من ربه والله مع ذلك يؤيده وينصره. ولو كان هذا الرجل كاذبا لم يمكن له الله عز وجل تصحيح هذه الدعوة ويظهر هذا قول الرب سبحانه وتعالى في سورة الحاقة ولو تقول علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من احد عنه حاجزين. فمن دلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم انزال القرآن عليه قوله تعالى ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من افواههم يقولون الا كذبا ابطل به قول من زعم ان لله ولدا من من صلاتك اوجه بل من اربعة احدها انه قول بلا علم ومن المعلوم ان القول بلا علم من اعظم المختلقات وان ذلك من الجهالات ضلالات خصوصا في اعظم المسائل واهمها وهي مسألة التوحيد وتفرد الباري جل جلاله بالكمال وتنزهه عن كل ما لا يليق بجلاله من انواع النقائص المنافسة لكمال الربوبية وعظمة الهية فنبى عنهم العلم ونهى عنهم التقليد لاهل العلم فلم يقولوا شيئا يعلمونه ولقد اقتدوا بالعالمين منهم واباؤهم في ضلال مبين والمدن الثانية قوله كبرت كلمة تخرج من افواههم اي عظمت وزادت في الشناعة الى حد يستعجب كيف نطقوا بها وكيف خرجت هذه الكلمة جميعة من اصاحهم التي تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال والجبال هدا ان دعوا للرحمن ولدا انما كانت شنيعة جدا لانها متضمنة لشتم رب العالمين وسبه كما قال تعالى في الحديث الصحيح شتمني ابن ادم ولم يكن له ذلك فكذبني ابن ادم ولم يكن له ذلك اما شتمه اياي فقوله ان لي ولدا وانا الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة يا ولد ولم يكن له كفوا احد الى اخره فاي شتم اعظم من هذا الشتم الذي مضمونه؟ حاجة رب العالمين الى اتخاذ الصاحبة والولد ومنافاة وتفرده بالكمال الوجه الثالث وقوله ان يقولون الا كذبا فسجل على ان قولهم هذا هو الكذب الصراح والافك المبين. فتأمل كيف ارتقى في ابطاله من وجه يبطله الى وجه اخر يزيد في ابطاله الى وجه ثالث. لا يبقي ريب ولا شك لكل ذي بصيرة في ابطاله. فنفى العلم بوجوهه وشنع وعظمه واخبر عن مرتبة وانه قول فيها خلف المراتب واسفلها وهو الكذب والافتراء والوجه الرابع ما يحصل به من مجموع هذه الاوجه فان الهيئة الاجتماعية يحصل منها اثر ودلالة غير ما حصل بكل وجه على انفراده من تصليح الدلالة ما يتضح به الحق وينجلي. وهكذا كل مسألة عليها عدة ادلة فانه يحصل بكل دليل على انفراد العلم. ثم يحصل دليل اخر علم اخر ثم يحصل باجتماعهما علم اخر وهكذا كلما كثرت وتعددت وتعددت وبهذا ونحن نعلم ان المسائل الكبار كمسألة التوحيد وفروعه ومسألة المعاد ومسألة النبوة ان من تتبع ادلته واستقرأ براهينها فانه يحصل له من حق اليقين ومن العلم الكامل فيها ما لا يحصل في غيرها من المسائل التي هي دونها وهذا من اجل قواعد الايمان وافضل العلوم النافعة واعظم ما يقرب يا رب العالمين هذه الاية من سورة الكهف اعظم الايات التي جاءت بالقرآن الكريم بابطال قول من زعم ان لله ولدا من النصارى او غيره من المشركين فان الله سبحانه وتعالى ابطل هذه الدعوة من وجوه اربعة اولها انه قول على الله بلا علم. والقول على الله بلا علم هو من اعظم الرزايا واشد البلايا. ولذلك ختم الله عز وجل الاية الواردة في ذكر المحرمات الكبرى التي اتفقت عليها الملل والديانات بهذا الامر. فقال سبحانه وتعالى قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن. والاثم والبغي بغير الحق. وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا. وان قولوا على الله ما لا تعلمون. فختمت هذه الاية بهذه البلية العظيمة وهي القول على الله عز وجل بلا علم لشدتها وعظمها والوجه الثاني تشنيع هذه الكلمة وبيان قباحتها وتعظيم ذلك لانها متظمنة لشتم الرب سبحانه وتعالى كما جاء بيان ذلك في الحديث القدسي الصحيح شتمني ابن ادم ثم بين كيفية الشتم له سبحانه وتعالى بان الناس يقولون ان له ولد وهو سبحانه وتعالى الواحد الاحد الصمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولد. فلا شتم اعظم من هذا الشتم الذي مضمونه افتخار ربي سبحانه وتعالى وحاجته الى اتخاذ الصاحبة والولد. وسياق الحديث الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى لا يوجد بهذا التمام للصحيح فان لفظ الفرض لا يوجد في حديث صحيح ابدا. وكل الاحاديث التي وردت في ذكر ان الفرد من اسماء الله عز وجل لا يثبت منها شيء فليس الفرد من اسماء الله عز وجل وانما قد يخبر عن الله عز وجل بانه فرض مع انه لا حاجة الى هذا الاخبار لان الاخبار انما يسوغ لحاجة كما ذكره ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في درء تعارض النقل والعقل او في منهاج السنة نبوية وهذه الحاجة مدفوعة بان لله اثنين كاملين ينبئان عن هذا المعنى وهما الواحد والاحد وفي ذلك سورة ثلاث قل هو الله احد الى اخرها والوجه الثالث ان الله عز وجل سجل على هؤلاء القائمين ان قولهم كذب صراح وافك مبين. فهذه المقولة التي اخترعوها وجاؤوا بها كذب على الرب عز وجل. واذا كان يعظم عند الناس الكذب على اشراف الناس من العلماء واهل الخير والاحسان فان الكذب على الله عز وجل اعظم واقبح لان الله عز وجل هو رب العالمين فمن افترى على الله كذبا فقد وقع في العقاب الوخيم والوجه الرابع ما يحصل به مجموع هذه الا وجه لان الهيئة المجتمعة لهذه الادلة تورث علما جديدا فان الوجه الاول ينشئ علما الوجه الثاني ينشأ علما اخر. والوجه الثالث ينشأ علما ثالثا فاذا اجتمعت هذه الوجوه جميعا حدث عند العبد علم رابع وهو العلم بهذه الهيئة الاجتماعية من جهة بقوة الاستدلال فيها وظهور الادلة الواردة من القرآن والسنة على تحقيقها. وهذه هي طريقة القرآن في المسائل الكبار كمسألة الالوهية والنبوات والمعاد التي هي اصول العلوم الخبرية. فان تقرير القرآن الكريم لهذه المسائل الثلاث تتنوع براهينه وادلته والدتكاتر ويحصل من تكاثرها ايضا هيئة اجتماعية يقوى بها الدليل. ومن محاسن الرد في هذه الاية ان الرد فيها جاء مبنيا على التوقي. من وجه الى وجه اشد منه واعظم وهذا من محاسن الضد فينبغي لمن اراد ان يرد على مبطل او ان ينقض مقالة خاطئة او مخطئة فانه يبدأ بما هو هين ثم يرتقي الى ما هو فوقه ثم يرتقي الى ما هو فوقه لان تسامع هذا الترقي يجعل في الناس ابطانا لها ودفعا لهذه الدعوة وابعادا عنها سورة مريم عليها السلام قد اشتملت على تفاصيل عظيمة من ذكر رحمة الله بانبيائه واصفائه واحبابه وما من عليهم به في الدنيا من نعم الدين والدنيا والنعم الظاهرة والباطنة وما يكرمهم به من الذكر الجميل والثناء الحسن ووصفهم باحسن اوصافهم ونأتيهم باشرف نعوتهم وما يكرمهم به في الاخرة من الثواب والفضل العظيم وذكر رحمته ايضا بادائه حيث عاملهم بالحلم والصفح وتصنيف الايات لعلهم يرجعون ما عظم ما اتوا به من ايضا مع عظم ما ترضيه من الشرور وعظائم الامور ولذلك اكثر الله فيها من ذكر اسم الرحمن الذي هذه اثار ومن ذكر الرحمة فنسأله تعالى ان يدخلنا برحمته في عباده الصالحين من قواعد التفكير المعينة على حل الاشكالات ودفعها في اية القرآن الكريم معرفتك بمقصد السورة التي بها الاية التي تتطلع الى معرفة تفسيرها فان التالي للقرآن اذا عقل مقاصد هذه السورة فهم ما يشكل عليه منها. ومن هنا اعتنى اهل العلم رحمهم الله تعالى ببيان مقاصد الصور بان معرفة هذه المقاصد تعينك على فهم الايات الواردة فيها ومن ابرز من اعتنى بذلك شيخ المفسرين من العجم من المتأخرين عبد الحميد الفواهي رحمه الله تعالى فان الشيخ عبد يضارع الشيخ محمد الامين الشنقيطي رحمه الله تعالى وكانا متعاصرين. وهذا شيخ المفسرين من العرب وهذا شيخ المفسرين من العجب وقد صنف في ذلك كتابا نافعا اسمه نظام القرآن واعتنى رحمه الله تعالى ببناء ما كتبه من تفسير على هذه الهيئة فانه جعل لكل سورة نظاما يرقب فيه مقصد واحد او مقاصد عدة مما يعين على فهم اياتها ومن جملة هذا ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى في سورة مريم وان من مقاصدها بيان رحمة الله عز وجل باظهار ما والمصنف رحمه الله تعالى من التفاصيل الواردة بها المتعلقة برحمة الله قوله تعالى يا يحيى خذ الكتاب بقوة ذكر كثير من المفسرين ان تقديره فوهبنا له يحيى وقلنا يا يحيى الى اخره فيحتاج الى هذا ولا يحتاج الى هذا فانه صرح اولا بهبته يحيى في قوله يا زكريا انا نبشرك بغلام اسمه هو يحيى فلو ذكر بعد ذلك لكان تكرير لا يحتاج اليه ايران تقدم ان التكرار في القرآن الكريم لابد ان يكون مشتملا على بلاغة وافادة في المعاني وما ذكره كثير من المفسرين ان تقدير قوله تعالى يا يحيى خذ الكتاب بالقوة تقديره فوهبنا له يحيى ثم قلنا له يا يحيى خذ الكتاب بقوة الا هذا التقدير ضعيف لان التصليح قد تقدم بذكر يحيى عليه الصلاة والسلام بالبشارة به في قوله تعالى يا زكريا انا نبشرك بغلام اسمه يحيى فلاجل تقدم التصريح به لم يحتج حينئذ الى تفريغ الكلام لانه لا يظهر فيه معنا جديد. ومما ينبغي ان يعلم ان الاستغناء عن التصريح بالمراد بالقرآن الكريم اما ان يكون لتقدمه كما في هذه الاية فانه لم يذكر فوهبنا له يحيى يا يحيى خذ الكتاب بقوة وانما قيل يا يحيى خذ الكتاب بقوة استغناء بتقدم ذكر يحيى عليه الصلاة والسلام في بشارة ابيه زكريا به وقد يكون تارة لظهوره كقوله تعالى حتى توارت بالحجاب فان المراد بالحجاب هنا الشمس ولم تكن الشمس مذكورة في السياق من قبل. وكقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته والمراد بذلك الهلال الا انه لم يكن قد تقدم في السياق ذكر الهلال لكن العلم به وظهوره اغنى عن اعادته وهذا من بلاغة الكلام قوله تعالى فطلب من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا اي عذابا مضاعفا شديدا تبع الشهوات بما فلذلك قال اتبعوا ولم يقل تناولوا واكلوا ونحوه. بهذا المعنى لان هذا الزمن كما يتناول متبعي الشهوات فمهما اشتهت نفوسهم فعلوه. على انه المقصود المتبوع ومن المعلوم ان النفس من طبعها انها امارة بالسوء فاذا كان هذا طبعها علم ان ذمهم على اتباع شهوات يدخل به المعاصي كلها. ولذلك رتب على هذا العقاب البليغ في قوله فسوف يلقون وهذا بخلاف المؤمن المطيع لله فانه وان تناول الشهوات فانه لا يتبعها ولا تصير اكبر عمه ولا مبلغ علمه بل يتناولها على اود ان تكون هي تابعة لغيرها لا متبوعة. وخواص المؤمنين يتناولون الشهوات بقصد التوسل بها الى القربات فتنقلب طاعات. هذه الجملة ذكر فيها المصنف رحمه الله تعالى من قواعد التفسير تعيين لفظ يختار في التعبير عن المراد دون لفظ اخر فان الرب سبحانه وتعالى هنا لما ذمهم قالوا واتبعوا الشهوات ولم يقل سبحانه وتعالى وفعلوا الشهوات او تناولوا الشهوات لان تناول الشهوة جبلة في النفس كما قال الله عز وجل زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين الاية فان النفس مطبوعة على محبة الشهوة اذن للمؤمن في تناولها كما قال الله عز وجل قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق فاذن الله عز وجل للمؤمنين خاصة بان يتناولوا هذه الشهوات ولذلك فهم يتناولونها ويتمتعون بها عليها واما الكفار فانهم وان تمتعوا بها في الدنيا فانهم يعاقبون عليها في الاخرة ولذلك لا تكون خالصة في يوم القيامة الا للذين امنوا كما ذكر الرب سبحانه وتعالى. فليس الذم على اتخاذ الشهوة والميل اليها وتناولها وانما ذموا بانهم قد ملكتهم شهواتهم فصاروا تبعا لها فانها كالحاكم عليهم فحيثما دارت بهم الشهوة داروا معها وحيثما مالت بهم الشهوة مالوا معها فيذم من الشهوة اتباعها لا تناولها فينبغي ان تفرق بين مقامين اثنين يتعلقان بالشهوة احدهما تناول الشهوة كالاكل من مطعم حسن او الشرب من مشرب هنيء او التمتع بالازواج او طلب الذرية فان هذا تناول لشهوات اذن الله بها والثاني اتباع الشهوات بان تكون هي الغالبة على العبد. الحاكمة له فاذا حكمت عليه بشيء تبع حكمها كما كان يفعل هؤلاء الخلف الذين ذمهم الله سبحانه وتعالى بكونهم يسيرون مع الشهوات لا يخالفون فعندئذ كان لهم العقاب ونظير هذا ان الذي تناوله الظن هو اتباع الهوى وهو كونه متفوعا بان يتخذ العبد الهه هواه لا مجرد ان يكون للعبد فكل احد له هوى ولكن المؤمنين كما قال تعالى واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى يعني ان العبد لا يذم على وجود الهوى معه فان كل انسان له هوى والمراد بالهوى ها هنا الميت فان لكل انسان ميلا الا ان الذي يذم هو ان يغلب عليه الهوى حتى يكون الهوى حاكما عليه بمنزلة الاله. كما قال الله عز وجل افرأيت من اتخذ الهه وواه فليس العبد مقبوحا مذموما لكونه يشتمل على هوى وانما يذم اذا غلب عليه هذا الهوى حتى كان حاكما له يدور معه. ويمدح العبد اذا نهى النفس عن هواها. واما مجرد الميل فهذا لا يذم عليه العبد وهذا ينبئك عن ان الهوى قد يطلق ويراد به مجرد الميل. وليس الميل الى الضلال. فان للهوى معنيين اثنين. احدهما الميل الى الضلال وهذا اكثر ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية والثاني مجرد الميل سواء كان الى هدى او الى غير. كما جاء في صحيح البخاري ان عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ما اما ربك الا يسارع في هواك. يعني في ميلك الذي تميل اليه. وليس المراد في اظلالك. ومثله ما في الحديث الضعيف لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. فان الهوى هنا يراد به الميل. لا الميل الى الضلال قوله تعالى رب السماوات والارض وما بينهما فاعبدوا الصبر لعبادته هل كان له سميا؟ اشتملت على اصول عظيمة على سيد الربوبية وانه تعالى رب كل شيء وخالقه ورازقه ومدبره. وهذا ظاهر من قوله تعالى رب السماوات والارض وما لهما فان كونه ربا يقتضي انه سبحانه وتعالى يوحد توحيد الربوبية وتقدم ان توحيد الربوبية هو افراد الله بافعاله وعلى توحيد الالوهية والعبادة وانه تعالى الاله المعبود على ان ربوبيته موجبة لعبادته وتوحيده ولهذا اتى فيه بالفائق في ولهذا اتى فيه بالفاء في قوله ولهذا اتى فيه بالفاء في قوله فاعبدوه الدالة على السبب اي فكما انه رب كل شيء فليكن هو المعبود حقا فاعبده هذه الاية دالة ايضا على توحيد الالوهية والربوبية. وسبق ان عرفت ان توحيد الالوهية هو افراد الله بالعبادة. ووجه الدلالة منها ذلك ان الله عز وجل بعد ان بين ربوبيته قال فاعبده والفاء هنا للسببية يعني لاجل كونه له الربوبية الكاملة والملك التام النافع فانه يجب ان يكون هو المعبود. ومن اوسع طرائق القرآن في تقرير توحيد الالوهية هو ذكر توحيد الربوبية. وقد ذكر ابن الوزير رحمه الله تعالى في كتاب ترجيح اساليب القرآن على اساليب في باليونان عن صاحب كتاب مذاهب السلف ان في القرآن الكريم خمسمائة اية تدل على الربوبية انتهى كلامه ولم يحشر هذا قدر من الايات الا لكون الربوبية معراجا الى الالوهية. فاذا ايقن العبد وانقاد واذعن من ربوبية الله لزمه ان يكون هذا الرب هو المالوه المعبود لا سواه ومنه الاصطبار لعبادته تعالى وهو جهاد النفس وتمرينها وحملها على عبادة الله تعالى فيدخل في هذا اعلى انواع الصبر وهو الصبر على الواجبات والمستحبات والصبر عن المحرمات والمكروهات بل يدخل في ذلك الصبر على البليات فان الصبر عليها وعدم تسخطها والرضا عن الله بها من اعظم العبادات بقوله واصطبر لعبادته. من الاصول العظيمة التي دلت عليها هذه الاية الامر بالاصطبان لعبادة الله عز وجل لقوله تعالى واصطبر بعبادته والزيادة في الوزن تدل على الزيادة في المعنى. فان الاصطبار غير الصبر والفعل من الصبر قولك اصبر فعلوا من الاصطبار قولك واصطبر. فان الانسان يحتاج لبلوغ هذه المرتبة وهي ان يكابد مشقة والنفس وعنتها ولا يزال في منازعة معها ومثل هذا قوله عز وجل في اخر سورة ال عمران يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا فجاء بصابر الدال على المفاعلة فقاتلوا الدال على المقاتلة ونحو ذلك. فالمرء لا يمكن من المقام العظيم وهو المثابرة والاستمار الا بمشقة. والعبد دائر بين مأمور يفعله ومحظور اتركه وقدر ينزل عليه. ولا تستقيم حاله الا بالتضرع بالصبر في تعاطي هذه الامور الثلاثة. فيصبر على فعل المأمور ويصبر على ترك المحظور. ويصبر على نزول المقدور واشتملت على ان الله تعالى كامل الاسماء والصفات عظيم النعوت جليل القدر وليس له في ذلك شبيه ولا نظير ولا سمي. بل قد تفرد بالكمال المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات ودل على ودل على هذا اكبر الادلة على انه الذي لا تنبغي العبادة الظاهرة والباطنة القلبية والبدنية والمالية الا لوجهه الكريم خالصة مخلصة كما خلصنا والكمال والعظمة والكبرياء والمجد والجلال بين المصنف رحمه الله تعالى في هذه الاية ان من الاصول العظيمة التي قررتها هذه الاية بيان كمال اسماء الله عز وجل وصفاته وعظيم نعوله وجليل قدره لانه سبحانه وتعالى لا سبيل له. فلا كفؤ له ولا ند له ولا مثل له سبحانه وتعالى وهو المستحق للعبادة. ولا يكون مستحقا للعبادة حتى يكون كاملا في اسمائه وصفاته فتوحيد الالوهية متضمن لتوحيد الاسماء والصفات فان المألوه المعبود يجب ان يكون على اكمل وجه في اسمائه وصفاته ولذلك تجاوزوا صفات اسمائه بالحسنى كما قال الله عز وجل ولله الاسماء الحسنى للدلالة على كمالها. وجاء وصف صفاته بالعليا كما قال الله عز وجل ولله المثل الاعلى يعني الوصف الاعلى كما قال ابن عباس رضي الله عنه في اخرين من اهل العلم والصفات الله عز وجل هي الذروة بالوصل كما ان اسمائه هي الذروة في الحسن ومنها بطلان الشرك عقلا ونقلا فكيف يليق بالعاقل ان يجعل المخلوق الناقص الذي لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورن الدا لمن لا كفؤ له ولا سمي ولا مشابه بوجه من الوجوه. بل هذا فهل هذا الا من السفه والضلال والجهل المفرط الظالم كل الوجوه مما يدل على بطلان الشرك عقلا ونقلا الفرق بين الخالق والمخلوق وهذا الطريق من اعظم الطرق التي جاءت في القرآن الكريم لابطان الشرك فالتفريق بين صفات المخلوق وصفات الخالق يبين ان المخلوق لا يستحق شيئا من العبادة. وان الخالق سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة جميعا. ولذلك قال تعالى ايشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون الى اخر الايات من سورة الاعراف. فبين الله عز وجل ظعف هذه المعبودات لكونها مخلوقات. وما كانت عليه من الصفات لا يوجب لها استحقاق العبودية. واما سبحانه وتعالى فلكمال صفاته واسمائه وافعاله عز وجل فهو سبحانه وتعالى المستحق للعبادة وحده ودلت على ان الشرك قد تقرر في العقل قبحه وان التوحيد قد تقرر في العقل حسنه فكما لا سمي لله فلا احسن من عبادته واخلاص ولا امثال العبد من ذلك ولا اصلح ولا ازكى ومن المتقرب شرعا ان الاحسان في عبادة الله تعالى الذي هو سبب كل خير عاجلا واجل بل سبب لاعلى المراكب واكمل الثواب هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك فكلما حقق العبد هذا الامر كان له نصيب وافر من العبادة بل هو اهم الامور ولهذا امر النبي صلى الله عليه وسلم معاذ ابن جبل ان يسأل الله تعالى ان يعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته وهذا امر يقل من الخلق من يحققه ويتصل به على وجه الكمال لمشقة ذلك على النفوس. فاذا امتثل العبد لامر ربه بالاستقبال وحبس النفس وتوطينها على احسان العبادة خصوصا افضل العبادات واعظمها وهي الصلاة كما امر الله بالاختبار عليها خصوصا فقال فامر اهلك بالصلاة واصطبر عليها استنار قلبه بالايمان وباشر حلاوته فانجذب الى عبادة الله واخلاص العمل له وعلم ان هذا هو الفلاح الدائم والربح المتضاعف الذي لا خسارة به فصبر نفسه قليلا احد اعظم اللذات طويلة فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. كما تضمنت هذه الاية من الاصول تقرير قبح الشرك في العقل فانها قد دلت على حسن التوحيد في العقل. فاذا كان الله سبحانه وتعالى لا سمي له. والعبد مأمور بقوله تعالى فاعبده واصطبر لعبادته فانه لا انفع للعبد من القيام بعبادة ربه سبحانه وتعالى وكل كلما ازداد المرء توقيا في هذه العبادة ازداد كمالا. قال ابو العباس ابن تيمية الحفيد رحمه الله تعالى من اراد السعادة الابدية فليلزم عتبة العبودية. ومن هنا يعلم المرء ان اعظم التوفيق هو توفيق العبد لعبادة ربه سبحانه وتعالى وان اكرم الخلق على الله هم الموفقون الى هذه العبادة. قال ابو العباس ابن تيمية الحفيد رحمه الله تعالى اعظم والكرامة لزوم الاستقامة. وقال بعض المتأخرين لزوم الاستقامة اعظم من الف كرامة. ووجه ذلك ان الكرامة مطلوب النفس والعبادة مراد الرب وانقياد العبد لمراد الرب سبحانه وتعالى بعبادته هو اعظم من انقياد النفس لمطلوبها وهو الكرامة الا ان العبد لا يتحقق بهذه اللذة حتى يحسن هذه العبادة بان يأتي بها على اكمل وجه وهو المقام الذي ارشد اليه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل وفيه ان تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك. فاذا بلغ العبد هذه رتبة وحسنت عبادته عند ذلك استحالة استيعاب الشاقة على النفوس في حقه هينة يسيرة سهلة. وبهذا تعلم الفصل بين حالنا وحال من تقدمنا كما قال ابن المبارك لا تأتين بذكرنا مع ذكرهم ليس الصحيح اذا مشى كالمقعد فان الناس في هذه الاعصان مثلا يستعظمون ما صح عن عثمان رضي الله عنه انه قرأ القرآن الكريم كله في ركعة واحدة في ليلة واحدة وذلك انه كثرت قلوبهم وحجبت عن كمال العبادة واحسانها لله رب العالمين فعند ذلك شق عليها الاتيان بهذه الاعمال ونظائرها. اما الصحابة فانهم لما كملت احوالهم استحالت هذه العبادات التي نراها في انفسنا خيالا استحالت عندهم حقائق سهلة عليهم رضوان الله عليهم قوله تعالى ولا تمدن عينيك الى ما متنا به ازاد منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وابقى تضمنت التنزيل في الدنيا وان غضارتها وحسنها الذي متع به المترفين ليس لكرامتهم عليه وانما ذلك للابتلاء واننا ضارتنا صلى الله عليه وسلم وان نضارتها وحسنها الذي متع به المترفين ليس لكرامتهم عليه وانما ذلك للابتلاء والاختبار لينظر ايهما احسن عملا وايهما والعقل فان العاقل هو الذي يوتر النفيس الباقي على الدني الفاني ولهذا قال ورزق ربك اي الذي اعده للطائعين الذين لم يذهبوا مع اهل رونق الدنيا وبهجتها الزائلة بل نظروا الى باطن ذلك حين نظر الجهال الى ظاهرها وعرفوا المقصود ومقدار التفاوت ودرجة الامور فرجت رزق الله بهؤلاء خير وابقى اكمل في كل صنف من اصناف الكمال وهو مع ذلك باق لا يزول. واما ما متع به اهل اهل الدنيا فزهرة الحياة الدنيا تمر سريعا وتذهب جميعا. ولهذا نهى الله ورسوله ان يمد عينيه الى ما متع به هؤلاء ومد العين ومد العين ومد العين هو التطلع والتصرف لذلك لا مجرد نظر العين وانما هو نظر القلب. ولهذا لم يقل ولا تنظر الى ما متعنا به ازواجا الاية فمد العين متضمن لاستحسان القلب وتطلعه الى ذلك. هذه الاية تخرج من قاعدة التفسير المتقدمة وهو ان العدول عن لفظ الى لفظ اخر يشتمل على معنى مستكن فيه. فلم يقل الله عز وجل ولا تنظر بعينيك ولكن الله عز وجل قال في هذه الاية ولا تمدن عينيك ليعلم انه ليس المراد بالنهي مجرد النهي الى النظر بالعين. وانما المراد بالنهي تطلع القلب وتشوهه الى هذه زينة من زهرة الحياة الدنيا فاذا اشتمل نظر العبد الى تطلع قلبه بمباح من المباحات فانه ينهى عن ذلك فاذا فنظر العبد الى المراكب الفارهة والقصور الشاهقة نظرا كان فيه تطلع القلب اليها وطمعه فيها ومحبته لها وتعظيمها فانه ينهى عن هذا النظر لما فيه من افساد قلبه. واما النظر المجرد اليها من غير تطلع القلب او كان ذلك النظر مشتملا على احتقارها والزهادة فيها فانه لا يمنع منه العبد وقد افتى ابن الرفعة رحمه الله تعالى وهو من علماء الشافعية وفيه يقول ابو العباس ابن تيمية لقد رأيت رجلا تتقاطر فروع الشافعية من لحيته افتى رحمه الله الله تعالى بحرمة دخول القاهرة والنظر اليها لما بناها الجوهر الصقلي. لان ذلك النظر اليها سيكون مشتملا على تطلع القلب اليها فلما كان في نظر الناس اليها واعجابهم بها صرف لقلوبهم عما فيه مصلحتها وافساد لها رحمه الله تعالى بالمنع منها واطرد هذه القاعدة والفتيا في كل امر ينظر اليه نظر تطلع وتشوف واعجاب فانه يمنع منه حماية للقلوب من الفساد. ثم ذكر الله سبحانه وتعالى ما يسلي به النبي صلى الله عليه وسلم عند نهيه عن هذا المد في قوله تعالى ورزق ربك خير وابقى. فوصف رزق الرب سبحانه وتعالى بامرين احدهما ان رزق الله سبحانه وتعالى خير من رزق غيرك. واضيف الرزق الى غيره. وان كان الله هو الرزاق على الحقيقة. لان ذلك رجل مالك له وقل هذه القاعدة في الاشياء التي تضاف الى المخلوقين فانه في الحقيقة لا يملكونها ولا يرزقون بها فان المالك صادقة في الحقيقة هو الله ولكنها تضاف اليهم لانها بايديهم. فرزق الله عز وجل خير. والمراد بخير يعني اخير لان العرب درجت على اسقاط الف افضل من هذه الجملة كما قال في الشافية وربما اغناهم خير وشر عن قولهم اخير منه واشر. واما الامر الثاني فهو وصفها بان رزق الله عز وجل ابقى كل نعيم من نعيم الدنيا يزول ولا يبقى. واما النعيم في الاخرة الذي يتفضل الله عز وجل به على من يشاء من عباده فانه يبقى لا يتحول ولا يزول مثل ذلك قوله وصل نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا فهذه الاية بينت المراد من تلك الاية وان نظر العين المقرون بارادة زينة الحياة الدنيا ونظير ذلك قوله تعالى ولقد اتيناك سبع من المثاني والقرآن العظيم. لا تمدن عينيك الى ما متعنا به ازواجا منهم ولا تحزن عليهم واختم جناحك للمؤمنين. فنبهه الله تعالى على الارتباط بما اتاه الله من المثاني والقرآن العظيم. وامتن عليه بذلك وانه الخير والفضل والرحمة الذي يحق الفرح والسموه به فان ذلك خير مما يجمع اهل الدنيا ويتمتعون به وانما الذين ينظرون ويغبطون هم المؤمنون الذين لم يغتروا بما كر به المعرضون فلهذا فقال واخفض جناحك للمؤمنين هذه الاية من سورة الكهف تعين على فهم تفسير اية سورة طه المتقدمة فان المد هو ما اشتمل على ارادة الحياة في الدنيا بتطلع القلب اليه ولذلك قال الله عز وجل في اية سورة الكهف ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا اذا كان القلب مشتملا على ارادة زينة الحياة الدنيا وزهرتها فانه عند ذلك يمنع من مد عينيه اليه. وتأمل في هذه الاية ان الله سبحانه وتعالى مع سابقتها من سورة طه ان الرب سبحانه وتعالى لما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم وامر بحبس نفسه عما فيه في الظاهر نعمة سلاه بذكر ما ينعم الله عز وجل به عليه. فقال له ورزقك ربك خير وابقى. وقال له ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم. تسلية له صلى الله عليه وسلم عن هذه النعمة التي ظنوا بالظاهر انها مفقودة وهذا نظير ما تقدم في درس الصباح من ان الله عز وجل اذا سلب العبد نعمة فانه يسليه بغيرها كما اتفق هذا لموسى وابراهيم ونوح عليهم الصلاة والسلام كما ذكرناه بدلائله ومنه ما وقع للنبي صلى الله عليه عليه وسلم في هاتين الايتين قوله تعالى ان الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكب فيه والباد ومن يرد فيه بالحات بظلم نذقه من عذاب اليم واذ بوأناني ابراهيم مكان البيت الا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركاء السجود فيه الذم للذين كفروا وصدوا عن بالحرام عباده المؤمنين من وجهين من جهة ان مختصوا بي ومنعوا غيرهم مع ان الناس فيه سواء. ومن جهة ان المؤمنين احق به منهم في مرتبة ثانية فأباحوه من ابعد من ومنعوه اقربين. فان الله امر ابراهيم عليه السلام وان يطهره للطائفين والقائمين وكانت وجود فهؤلاء احق الخلق بهن اما حزب الله واولياؤه وما كان المشركون وما كان المشركون اولياءه ان اولياءه المتقون هاتان الايتان قد تضمنتا الذم للذين كفروا وصدوا عن المسجد الحرام عباد الله المؤمنين من وجهين ذكرهما المصنف احدهما انه مختص به ومنعوه غيرهم مع ان الناس فيه سواء فالناس فيه سواء وانما كان هذا في حال تلك الجاهلية وليس الكافر احق من المشرك. اما بعد الاسلام فقد ثبت في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث في الحجة التي خرج فيها علي وابو بكر رضي الله عنهما قبل حجة الوداع بعث منادي ينادي الا يطوف بالبيت في عريان ولا يحج بعد اليوم مسلم. فصار المشركون ممنوعون من البيت الحرام بعد ان كان الناس فيه سواء فصار الامر كما قال الله عز وجل انما المشركون نجس الاية. والوجه الثاني ان المؤمنين احق بالبيت الحرام من المشركين. ويدل على هذا قول الله سبحانه وتعالى ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين امنوا. واولى الناس بابراهيم وميراثه هم النبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه من المؤمنين ومن ميراثه صلوات الله وسلامه عليه بناء المسجد الحرام واقامة الشعائر المعروفة دين الاسلام فيه فاولى الناس بنيل حيازة هذا البيت والقيام عليه ولبلوغه والوصول اليه هم المؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم وهم المتبعون لابيهم ابراهيم عليه الصلاة والسلام حنفاء غير مشركين والى هنا ينتهي المقام في التعليق والتقرير على المجلس الثاني من كتاب المواهب الربانية وسوى يهون الله عز وجل بفضله ومنه اكمال الكتاب لامرين اثنين. احدهما امر قدري وهو ان ليل الشتاء اطول من خالد فسيتهيأ ان شاء الله تعالى من القراءة في الليل ما لم يتهيأ في النهار والاخر امر من لطف الله عز وجل وهو ان هذا القدر من الكتاب المتقدم في هذين السنتين اشتمل على القواعد والكليات واما ما سيأتي فانه من جنس ما يسمى بالتفسير الموضوعي. حيث سيذكر المصنف رحمه الله تعالى في مواضع طويلة مما يتعلق بالتفسير الموضوعي كصفات المؤمنين فانه ليس بها تقرير قاعدة وانما التنبيه الى رعاية تفسير القرآن الكريم تتبع المعاني التي جاءت متعلقة بموضوع من الموضوعات وكذلك في الادعية القرآنية فان رحاها دارت حول دعاء الله عز وجل باسمه الرب وساق المصنف رحمه الله تعالى قطعة مستكثرة منها فسيهون هذا ان شاء الله تعالى قطع الكتاب وتتميمه وتكميله وقد قرأ الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى صحيح البخاري على ابي عمرو الحيري النيتابوري في ثلاثة ايام فلله درهم رحمهم الله تعالى ما اقوى عزائمهم وما ارفع هممهم فليس بمستكثر علينا ان يتفق لنا ان نقرأ في مجلس واحد ستين صفحة فقد مضى اقوام يقرأون مئات الصفحات في مجلس واحد نسأل الله ان يسلكنا طريقهم وان يبلغنا منازلهم هذا يسأل عن قوله تعالى القى الشيطان في امنيته وهذه الاية ستأتي في موضع من كلام المصنف ذكر هنا يقول في قوله واضاعوا الصلاة هل المقصود باضاعة الصلاة تركها ام بالتهاون في ادائها او عدم الخشوع بها وهذا مخرج على قاعدة التفسير المتقدمة وهو انه لا يعدل عن اللفظ الى لفظ اخر الا لمعنى مستكن فيه. فان الله لم يقل وتركوا الصلاة وانما قال واضاعوا الصلاة. وهذا الذي ذكره السائل مما يندرج في جملة اضاعة الصلاة بخلاف قولك وترك الصلاة مثلا فانه قد لا يشتمل على معنى الخشوع فيها وقد سبق ان بينا معنى هذا في شرح رسالة مقاصد الصلاة لامام الدعوة محمد بن عبد الوهاب. وقد ذكر رحمه الله تعالى مما يرجع الى معنى اضاعة الصلاة والسهو عنها ثلاثة امور واستدل لها بحديث وارد في صحيح مسلم فينبغي لطالب العلم ان يراجع ذلك الموضع هذا يسأل سؤالا جاء في كلامه يتعلق بمسألة عقدية يحتاج تقريرها الى وقت بقي سؤال واحد في التفسير احد عنده سؤال اورد الاخ اشكالا على قوله ويقللكم في اعينهم. فان المشركين راو المؤمنين قليلا قال اليس الافضل ان يكون الجيش كثيرا؟ الجواب نعم هو افضل في حق من يريد شد الحملة بان يكون كثيرا لكن هؤلاء المشركين كانوا قد جاؤوا وفي انفسهم التطلع الى الايقاع بالمؤمنين. فمما يزيدهم اقبالا على التطلع ان تروا هؤلاء المؤمنين قليلا لانهم لو رأوهم كثيرا وكانت عزائمهم قد جاءت مجتمعة على انهم قليل ثم كثروا في اعينهم فعند ذلك تضعف عزائمهم وربما انصرفوا عن لقائهم. لكن لتحقيق طمعهم فيهم جاءت هذه الحكمة بان يكونوا قليلا في اعين المشركين فيعظم في قلوب المشركين الطمع بهم بان يوقعوا بهم فلا ينصرفوا عنهم بخلاف لو كثرهم الله عز وجل في اعين المشركين وربما انصرف المشركون عنهم وتركوا مقاتلهم واراد الله عز وجل ان يقضي امرا مفعولا والله اعلم حكمة الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله