الحمد لله رب العالمين رب السماوات ورب الارض رب العرش العظيم واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما مزيدا اما بعد فهذا هو المجلس الثالث من الدرس الثالث من برنامج اليوم الواحد الثاني والكتاب المقروء فيه هو المواهب الربانية من الايات القرآنية للعلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى وقد انتهى بنا القول الى قوله رحمه الله تعالى فائدة عظيمة بل هي من اعظم الفوائد على الاطلاق بسم الله الرحمن الرحيم. قال المؤلف رحمه الله تعالى فائدة عظيمة بل هي من اعظم الفوائد على الاطلاق. الايمان هو اعلى واشرف المراتب اكمل المناقض بل لا يمكن ان تكون فضيلة ولا ثوابا الا بالايمان وحقوقه. ولذلك اثنى الله فيه على خيار والمصطفين من عباده فقال في كل من نوح وابراهيم ومتظاهرون واليأس وغيرهم من الانبياء انه من عبادنا المؤمنين. فعلل ما حصل لهم من الخيرات وزوال السرور بايمانهم وقد علق الله الفناء او دخول الجنان على الايمان في قوله قد افلح المؤمنون ثم ذكر صفاتهم الناشئة عن عن ايمانهم ثم قال اولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون. وقال تعالى وبشر المؤمنين وقال الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين امنوا وكانوا يتقون. وقال تعالى ان الله يدافع عن الذين امنوا. ان الله قال يحب كل قوام كفور وان الله مع المؤمنين وغير ذلك من نصوص الكتاب والسنة ذلك على فضله وفضل اهله وان الخير كله وان الخير كله فيه فعلى العبد الذي يريد نجاة نفسه ويقصد كما رأى فلاحا يسعى غاية جهده ويبذل مقدوره في هذا الوصف وهو الايمان اننا معرفة وعملا وحالا ووصفا. وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم الايمان بكم وسبعون شعبة اعلاها قول لا اله الا الله ادناها اماطة الاذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان. فوصفه باقوال اللسان التي يحبها الله ورسوله وذكرها على هذه الى عباد الله لا يستقيم وذكر اعناها وبالاحسان الى عباد الله اي اي احسان اي اي احسان كان حتى اماطة الاذى عن طريقهم وباعمالهم يقول وبالتي اصبع الحياء فان من اتصل بالحياء من الله فقد ان صبغ قلبه بمعرفة الله وحبه وخوفه ورجائه والتحبب اليه فيما ما امكنه وحقيقة هذا ان الايمان اسم جامع للشرائع الظاهرة والباطنة ولاقوال اللسان واقوال القلب واعمال القلوب واعمالي الجوارح وان من قام بهذه الامور كلها ونفع بها واحسن كان اكمل الناس ايمانا واما من نقص منها معرفة وعلما وعملا وحالا نقص من ايمانه بقدر ذلك. ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا فائدة وصفها بانها عظيمة وانما عظمت هذه الفائدة بل هي من اعظم الفوائد على الاطلاق لتعلقها باعظم مطلوب. فان اعظم مطلوب اريد من العبد هو ايمانه بالله عز وجل المشتمل على انقياده وتسليمه وتصديقه الجازم لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الدين كله وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى في صدر هذه الفائدة مسائل ثلاث اولاها تعظيم امر الايمان وان امر الايمان عظيم فان الله سبحانه وتعالى علق عليه الفلاح ودخول الجنان كما قال سبحانه وتعالى قد افلح المؤمنون فذكر فلا بسبب ايمانهم ثم بين اوصافهم الكاملة وما يكون لهم في الاخرة. في ايات اخرى يذكر الله سبحانه وتعالى فيها عظيم اثر الايمان ككون البشارة لهم كما قال تعالى وبشر المؤمنين او ان الله عز وجل معهم كما قال الله عز وجل وان الله مع المؤمنين او اخبر الرب سبحانه وتعالى بانه يدافع عنهم ويدفع كما قال الله عز وجل ان الله عن الذين امنوا وفي القراءة الثانية ان الله يدفع عن الذين امنوا والمسألة الثانية تحريض العبد على الاقبال على هذا الامر العظيم وتهييج نفسه الى طلبه فان في ذلك نجاته. وبذلك يحصل كماله وفلاحه. ومتى عرف العبد هذا دعا اليه غاية الجهد وبذل فيه اكبر المقدور الذي يكون في وسعه والمسألة الثالثة بيان حقيقة الايمان. وان الايمان جامع للشرائع الظاهرة والباطنة ولاقوال اللسان واقوال القلب واعمال القلوب واعمال الجوارح. وقد اشار اليهن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المخرج في الصحيحين واللفظ للبخاري وهو اثبت الايمان بضع وستون شعبة ثم ذكر اعلاها وهو قول فقال اعلاها قول لا اله الا الله ثم ذكر ما يدل على العمل الظاهر بالجوارح وهو اماطة الطريق فقال وادناها اماطة الطريق ثم اشار الى اعمال القلوب بقوله والحياء شعبة من الايمان الناس في الايمان درجات متفاوتة فاكمل ممن وصل في علوم الايمان الى علم اليقين وحق اليقين وفي اعماله من وفى مرتبة الاحسان الله على وجه الحضور والمراقبة وفي احوال الايمان من كانت ادابه واخلاقه صبغة لقلبه وحاله اما عن يقين يبدو انها هنا سقطا وعين اليقين لان عين اليقين مقام كائن بين علم اليقين وحق اليقين فلا بد من ذكره الى علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين وعلم اليقين وعين اليقين الى علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين وفي اعماله من وفى مرتبة الاحسان وعبد الله على وجه الحضور والمراقبة وفي احوال الايمان ما كانت اعداده واخلاقه صبغة لقلبه وحالا غير حائلة غير حالا غير عائلة بل ان اردل ان وله ما يشوش عليه ايمانا وبادر بالحال لازالته ورجع الى نفسه ووصفه شبرة الله ومن احسن من الله صبغة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم اكمل المؤمنين ايمانا احسنهم خلقا فان لم يتغير ايمانه عند المعارضات كالشهوات والارادات السيئة واتيان الامر مخالفا مخالفا لمراد النفس كان هذا المؤمن حقا ولهذا قال تعالى انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا فجاهدوا باموال ثم انفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون ولهذا كان من كمال الايمان ان تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عن من ظلمك. ولهذا ايضا كان اخراج محبوب النفس وهو المال لله الا دليلا على الايمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والصدقة برهان ولهذا ايضا كان الصبر من الايمان كالرأس من الجسد لما عظم المصنف رحمه الله تعالى قدر الايمان وهيج النفوس الى طلبه وذكر حقيقته وانه جامع للشرائع الظاهرة والباطنة بين رحمه الله تعالى ان الناس يتفاوتون في حظوظهم من هذه الحقيقة وهم درجات متفاوتة في الايمان وهذا مبني على ما تقرر عند اهله بالسنة والجماعة من ان الايمان يزيد وينقص. فكما يكون الايمان زائدا تارة وناقصا اخرى في حق في الواحد من العباد فانه كذلك يكون متفاوتا بين العباد جميعا. فمن الناس من يثقل ايمانه ويعظم ومن الناس من يضعف ايمانه وينقص وقد ذكر رحمه الله تعالى ان الكمل من المؤمنين هم الذين يسلم لهم ايمانهم عند ورود المعارضات كالشهوات الارادات السيئة والاوامر التي تخالف بها النفس ما امر به الشارع ولا يمكن للمرء قمع جماح النفس حتى يكمل ايمانه. ولذلك اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله مال المؤمنين ايمانا احسنهم اخلاقا ان من المعارف التي يبلغ بها كمال الايمان ان يكون العبد حسن الخلق وتقدم الاعلام بان الخلق يطلق في الشرع على معنيين اثنين احدهما الدين كله كما قال سبحانه وتعالى في وصف نبيه وانك لعلى خلق عظيم. قال مجاهد وغيره من المفسرين لعلى دين عظيم والمعنى الثاني معنى خاص وهو ما يقع من ادب المعاملة بين المخلوق وغيره ولا يحسن للعبد كمال الايمان حتى له حظ ونصيب من كمال هذين المعنيين في الخلق وحسنهما ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى في جملة ما يندرج في تشمير رتب الايمان ان تصل من قطعت وتعطي من حرمك وتعفو من ظلم لان في هؤلاء الثلاث نزع لحظ النفس. فان النفس تنزع الى ان تقطع من قطعها وتحرم من حرمها وتظلم من ظلمها فاذا بادر العبد الى فطامها عن مألوفها وصرفها عن ما الفته بان وصل من قطعه واعطى من حرمه وعفا عمن كان ذلك اكمل لايمانه الا ان هذه المنزلة تحتاج الى مجاهدة عظيمة لانها فطام صعب وقد يسهل فطام الرضيع عن الحليب ويصعب فطام النفس عن مألوفاتها. ومن جملة ذلك ايضا ان اخراج محبوب النفس وهو المال الله تعالى دليل على الايمان فان النفس زين لها حب المال كما قال الله عز وجل زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير بالمقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والانعام والحرث وما ذكره الله سبحانه وتعالى بعد البنين هو من جملة المال الذي حبب للنفس جبلة وفطرة وغريزة. فاذا ابت النفس الانقياد لهذه الغريزة واخرجت حق الله سبحانه وتعالى من المال كان ذلك دليلا على الايمان كما جاء في الحديث المخرج في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الصدقة برهان عقب قوله الصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء وكون البرهان بمعنى الدليل في هذا الحديث هو احد اقوال اهل العلم. واحسن من هذا ان النبي صلى الله عليه وسلم ترى في هذا الحديث اعمالا ثلاثة. ثم قسم قدرها من النور بحسب قوتها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة نور يعني نور مطلق. ثم قال الصدقة برهان والبرهان هو الشعاع الذي يلي وجه الشمس وهو اظعف من نورها ثم اخبر بان الصبر ضياء كضياء القمر وهو النور الذي لا يشتمل على احراق وانما يشتمل على افراط فلما كانت الانوار مرتبة بهذه القوة رتبت الاعمال بحسبها. فالنور المطلق هو اقوى الانوار ودونه البرهان ودونه الظياء فكذلك الصلاة اعظم ودونها الصدقة ودونهن الصبر والصبر في هذا الحديث كما جاء في بعض الروايات وتدل عليه ايات القرآن الكريم هو الصيام فدل هذا الحديث على تفاضل هذه الاعمال بحسب ما يكون لصاحبها من من الانوار ثم ذكر ايضا في جملة ما يتعلق بتثمير الايمان ان العبد لا يكمل ايمانه حتى يكون عبدا صبورا. ولذلك قال بعض السلف الصبر من الايمان كالرأس من الجسد. فمن لا صبر له لا ايمان له. لان المرء مفتقر الى الصبر في اداء المأمورات وترك المحظورات والصبر على المقدورات. فلا يمكن للمرء ان يأتي بهن حتى يكون له حظ من الصبر فاذا اذا كان له حظ من الصبر كان ذلك الحظ حافظا لايمانه مكملا له ومن علامات الايمان ما ذكره الله بقوله انما المؤمنون الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون اولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة كريم ووصف المؤمنين بانهم الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم اي خضعت وخشعت وذلت لعظمته وانكسرت وان كانت لكبريائه فتركت معاصيه وخافت عقابه واطمأنت بذكره. الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب وانهم اذا تليت عليهم اياته دارتهم ايمانا اي ازدادوا بها علما وبصيرة ورغبة في الخير ورهبة من الشر. فنمى الايمان في قلوب وكان ايمانا ناشئا عن اعظم الادلة والبينات. كما قالوا ربنا اننا امنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار. فقالوا ربنا فاننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا بربكم فامنا وكما قال مؤمن الجن وانا لما سمعنا الهدى امنا به فبحسب ايمان العبد يزداد ايمانه عند تلاوة كتاب الله والحكمة وهذا اعلى ما يكون من الايمان. فانت انه ايمان على اكبر البراهين وايمان على بصورة لا لا كايمان ضعفاء المؤمنين. اما عن العادات والتقليد الذي هو للعوارض والعوائق. فاما هذا الايمان فهو ايمان لا تزعزعه الشبهات ولا تعارضه الخيارات بل يزداد مع صاحبه مدى الاوقات ووصفهم بتحقيق التوكل عليه فاعظم الناس ايمانا اعظمهم توكلا على الله خصوصا التوكل العالي الذي هو الاعتماد التام على الله لتحصيل محابه ومرضه ودفع مساخطه. ولهذا يجعل الله التوكل ملازما للايمان في كثير من الايات. كقوله وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين فالمؤمن حقا تجده قائما بما امر الله به من الاسباب معتمدا على مسببها ومصرفها واثقا بربه لا يقلقه تشوشا ولا يحزنه اتيانها على غير مراده. قد هدى الله قلبه فاطمئن الى ربه ورضى به وفوض اليه امرا ومن يؤمن بالله يهدي قلبه قد تحقق قوله تعالى الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض ان ذلك في كتاب ان ذلك على الله يسير قولي لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم قد رضي بكفاية ربه وسلم اليه الامر. ومن يتوكل على الله وحسبه ووصف المؤمنين حقا في هذه الاية بانهم الذين يقيمون الصلاة اي يقيمونا بقيام بقيام مكملاتها ظاهرا وباطنا ويؤتوا ولا الزكاة فالصلاة فيها الاخلاص للمعبود والزكاة فيها الاحسان الى عباد الله كان يقيمونها بقيام ظاهرا وباطنا هذا سبب قلم اما من المصنف او من غيره فانه ليس في الاية ويؤتون الزكاة وانما فيها ومما رزقناهم ينفقون يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون فتحول الى ومما رزقناهم ينفقون ان يقيمونا بقيام مكملاتنا ظاهرا وباطنا ومما رزقنا منفقون. والصلاة فيها الاخلاص للمعبود والزكاة فيها الاحسان الى عباد فبحسب ايمان العبد يكون قيامه بالصلاة والزكاة الذين هما ام العبادات واجلها. واعلاها واعظمها نفعا ثمرات شرع المصنف رحمه الله تعالى يبين علامات الايمان وذكر اية من سورة الانفال اشتملت على خمس صفات من صفات المؤمنين اولها انهم اذا ذكر الله وجلت قلوبهم والوجل هو الخوف الوارد على القلب عند ذكر من يخاف سلطانه وعقوبته او لرؤيته كما يعلم من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين فالمؤمنون اذا ذكر الله اصل لقلوبهم هذا الخوف تعظيما لله عز وجل واجلالا وانقلب هذا الخوف الى مقام منه وهو الوجل فان الخوف قدر من الهروب والذعر لكن يتفاوت قدره في القلب فتختلف درجته فتارة يكون الخوف وجلا وتارة يكون خضوعا وتارة يكون خشوعا وتارة يكون خشية وتارة يكون رهبة فان هذه الاسماء بينها قدر مشترك وهو خروظ القلب وذعره وفزعه لكن تختلف في معنى لاجله اختلفت في الاسماء وثانيها انهم اذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا لان ايات الرب سبحانه وتعالى مشتملة على ما ينمي الايمان ويزيده فهم اذا سمعوا القرآن الكريم زاد ايمانهم بربهم عز وجل اذ عظمت عندهم الادلة والبينات وتواردت على نفوسهم الحجج الواضحات فزاد عند ذلك ايمانهم وثالثها انهم على ربهم يتوكلون وتقديم الجار والمجرور فيه اشارة الى حصر التوكل بالرب سبحانه وتعالى فلم يكن الله عز وجل ويتوكلون على ربهم وانما قال وعلى ربهم يتوكلون ليعلم انهم لا يتوكلون الا على الله عز وجل وحقيقة هذا التوكل انهم يفوضون الامر الى الله عز وجل ويسلمون ويثقون بوعده عز وجل ورابعها انهم يقيمون الصلاة وهذه الاقامة تشمل معنيين اثنين كما يفهم من كلام المصنف رحمه الله تعالى وغيره اولهما الاقامة الباطنة بكمال اقبال القلب على الصلاة واشتغاله بمحاب الله فيها والاخر الاقامة الظاهرة في اداء الصلاة كما جاء نعتها عن النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي المصلي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيحصل بهاتين الاقامتين اقامة الصلاة على الحقيقة وخامسها انهم ينفقون مما رزقهم الله وهذا وان كان يتبادر ابتداء الى ما اوجب الله سبحانه وتعالى للزكاة والنفقات الواجبة غير انه يندرج فيه كذلك الصدقات المستحبة فهم لا يقصرون عطاياهم ونفقاتهم على ما اوجب الله بل يتصدقون تطوعا وتبررا ورغبة في الاجر عند الله عز وجل وكمل المؤمنين لا تقف نفقتهم مما رزقهم الله على المال بل هم يجودون بكل ما من الله عليهم به فاذا من الله عز وجل على احدهم بعلم او جاهل او بيان انفق من هذا العلم والجاه والبيان ولهذا فان من طرائق الازدياد من العلم والجاه والبيان مدوا يد النفقة فيه والجود به وقد اشار الى هذا المعنى الالمبيري رحمه الله تعالى في منظومته اذ يقول في العلم يزيد بكثرة الانفاق منه وينقص ان به كفا شددتا فاذا زاد المرء من نفقته فيما رزقه الله عز وجل غير المال من العلم او الجاه او البيان فان الله عز وجل يبسط له من جوده وفضله في علمه وجاهه وبيانه فكذلك وصف الله المؤمنين في قوله قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم يكاد فاعلون والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم او ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فاولئك هم العادون والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون والذين هم على صلوات يحافظون. اولئك هم الوارثون. فهذه الاوصاف العظيمة بها يكمن كانوا يتحقق وهو ميزان للخلق. فالمؤمنون المصلحون اهل الفردوس هم الذين اقاموا الصلاة ظاهرا وباطنا بحقوقها وخشوعها الذي واتوا الزكاة المأمورة بها وحفظوا السنتهم من الكلام السيء والفحش ومن اللغو والكلام الباطل. ولهذا نبه بلادنا الذي هو اللغو على ما هو اولى منه. فاخبار الله انهم عن اللغوي معرضون. الذي هو الكلام الذي لا منفعة فيه يدل على انهم تركوا المحرمة وحفظوا فروجهم عن الحرام لله تعالى وتمام حفظها حزب البصر وعدم قربان الفواحش ومقدماتها كما قال تعالى قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ان الله خبير بما يصنعون. ووصفهم بمراعاة عهودهم واماناتهم وهذا عام للعهود والامانات التي بينهم وبين ربهم فانهم قد عقدوا بينهم وبين ربهم عقد الطاعة والسمع والالتزام ولهذا ذكرهم الله بهذا العهد في قوله واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي وافقكم به ان قلتم سمعنا واطعنا والعهود والامانات التي بينهم وبين الخلق ان لا ينقضوا وهو ان يؤدوا الامانة وان يؤدوا الامانات الى اهلها. ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان علامة الايمان ان يكون العبد مؤتملا على الدماء والعمال فقال المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من امنه الناس على دمائهم واموالهم وقال لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ووصف المنافق بضد ذلك. هذه الجملة من كلام المصنف رحمه الله تعالى اشتملت على طائفة اخرى من اوصاف المؤمنين ذكرها المصنف رحمه الله تعالى مستنبطة مما ذكر الله عز وجل في صدر سورة المؤمنون فان الله عز وجل وصف المؤمنين فيها بصفات ست اولها انهم في صلاتهم خاشعون وسيأتي في كلام المصنف رحمهم الله تعالى اصل مفرد فيما يتعلق بالخشوع وثانيها انهم عن اللغو معرضون واللغو اسم جامع لكل ما لا يعتد به من الكلام واذا كانوا قد اعرضوا عن الكلام الذي لا نفع فيه ولا طائل تحته فهم احرى ان يكونوا قد اعرضوا عن الكلام السيء القبيح الفاحش المخالف للشريعة وثالثها انهم للزكاة فاعلون فهم يؤتون الزكاة ويخرجونها في مصارفها التي امر الشرع بها. ورابعها انهم لفروجهم حافظون وهذا الحفظ يرجع الى امرين اثنين احدهما حفظ الفرج نفسه والثاني حفظ الوسائل المفضية الى اثارته كحفظ البصر وغيره كما وقع في كلام المصنف رحمه الله تعالى وخامسها انهم لاماناتهم وعهدهم راعون فهم يرعون العهود التي بينهم وبين الله سبحانه وتعالى ويرعون العهود التي بينهم وبين الخلق ولذلك امروا بذلك بصفة الايمان. فقيل لهم يا ايها الذين امنوا اوفوا العقود ليعلم ان الوفاء بالعقد من جملة الايمان وقد مدحهم الله عز وجل بوفائهم بعقودهم فقال يوفون بالنذر فان النذر في هذه الاية في الاصل هو العهد العام الذي الزم الانسان به نفسه بدخوله في الاسلام. فالمؤمنون يوفون بالعهد فمدحهم الله عز وجل بذلك وكان ذلك سببا لنجاتهم في الاخرة. وثالثها انهم على صلاتهم يحافظون فهم يحافظون على الصلاة وقد ذكر الله عز وجل نحو هذا المعنى من سورة المعاني. لكنه فرق بين وصين فتارة وصفهم بانهم على صلاتهم دائمون ووصفهم ثانية بانهم على صلاتهم يحافظون وفرق بين الوصفين فان الديمومة متعلقة بالصلاة نفسها فيما يتعلق في فعلها وادائها واما المحافظة فهي متعلقة بما هو خارج عنها كشروطها من دخول الوقت ورفع الحدث وازالة الخبث فلاجل ان المؤمنين قد اختصوا بهذين الوصفين وصفهم الله عز وجل بهما جميعا فليس بالكلام تكرار كما قد يتوهم متوهم وانما في كل صفة ما ليس في الاخرى ووصف المؤمنين بالايمان بجميع الحق الذي نزله الله ورسله الذين ارسلهم الله فقال امن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنين كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير. فالمؤمن لما كان وصفه انه متطلب لرضوان لله متبع هداه اينما كان امن بجميع الالهية والرسل والتزم الدخول في طاعة الله وطاعة رسوله في كل شيء فسأل الله ان غفر له ما قصر فيه وان يتجاوز عنه اذا قدم عليه. من صفات المؤمنين انهم يؤمنون بجميع الحق الذي نزله الله ويؤمنون بالرسل الذين ارسلهم الله عز وجل كما ذكر الله عز وجل عنهم في هذه الاية من سورة البقرة ومعنى قول المصنف رحمه الله تعالى اينما كان امن بجميع الالهية يعني امن بجميع اوجه التأله التي اوجبها الله سبحانه وتعالى عليه ففيها معنى قول الله سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة فان الداخل في السلم كافة الاخذ بجميع شرائع الدين يكون قد امن بجميع الالهية يعني بجميع ما يشتمله معنى التأله لله عز وجل فمن صفات المؤمنين انهم يحكمون الله ورسوله في جميع امورهم فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله واذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه. ان الذين يستأذنونك اولئك الذين الذين يؤمنون بالله ورسوله فاذا استأذنوك لبعض شأنهم فاذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله ان الله غفور رحيم انما قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بين من يقولوا سماء فرق بينها الايات التي تكتب متتابعة وهي من سور مخترقة يفرق بينها لقولك وقوله او وقوله حسب المعنى الاعرابي لكن ادخال هذا اللفظ لئلا يتوهم السامع ان هذه الايات متتابعة في سورة واحدة كما يقع مثلا في الواسطية فان الواسطية فيها ايات من سور شتى فاذا قرأها القارئ توهم سامعه انها ايات جاءت متتابعة في سورة واحدة فلقطع هذا التوهم فان مما يقدر لفظا وان لم يكتب خطا ان تقول وقوله وقوله حتى يعلم انها من سور منفصلة وقد عرفت هذا المعنى على شيخنا الشيخ فهد بن حمين والشيخ عبد الله بن عقيل حفظهما الله فاستحسناه واستجاداه. فينبغي للقارئ اذا قرأ ان يفرق بين الايات التي تركت في عقد واحد حتى لا يتوهم انها من سورة واحدة احسن الله له وقوله انما كان قول المؤمنين اذا دعوا الى الله ورسوله ليحكم بين من يقولوا سمعنا واطعنا واولئك هم المفلحون وقوله فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خيره واحسن تأويلا فالمؤمن اخلص دينه لله وكتاب في الاقتداء برسول الله ولم يقدم على قوله وحكمه ولم يقدم على قوله وحكمه قول غيره وحكمه بل اذا تبينت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعدل عنها الى غيرها وبحسب تحقيقه لهذين العصرين يتحقق ايمانه ويقوى يقينه وعرفانه. وهذا اصل عظيم فان المؤمن مأمور بان يكون الحكم كله لا كما قال الله عز وجل ان الحكم الا لله. ولذلك امر المؤمنون بهذا بصفة الايمان. فقال الله عز وجل يا ايها الذين امنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله. فمن قدم بين يدي الله ورسوله يسلب من الايمان بقدر ما قدم. فتارة ينقص ايمانه وتارة يزول ايمانه بالكلية. والمؤمن الكامل هو الذي يرظى باجراء حكم الله سبحانه وتعالى عليه من غير ولذلك قال الله سبحانه وتعالى ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما والايات التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى كلها تدور حول هذا المعنى وهو من اعظم المقامات التي تعظم على النفوس واكثر الناس لا يفهمون من معنى اجراء الحكم الذي جاء به الشرع الا فيما يتعلق باحوال الدول. ويعزب عن علم احدهم ان اول الامر ان تنظر الى امضاء حكم الله عز وجل عليك. فينبغي للعبد ان يلتفت الى نفسه ويتفقدها. فرب امرئ يتطلب وامورا ليست من حقه وقد غفل عن امور اوجبها الله سبحانه وتعالى عليك. فانظر الى حكم الله عز وجل عليك في باطنك وظاهرك حتى ترى هل انت ممن كمل ايمانك بامضاء حكم الله سبحانه وتعالى عليك في كل دقيق وجليل؟ ام انك مما خفيت كمعالم الحكم الحقيقية فصرت تهتم بامور بعيدة المنال عنك وتنسى امورا هي اولى بك. ولذلك فان من اول ما اتنقظ عرى الاسلام به؟ هو نقض عروة الحكم كما ثبت بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه احمد بسند قوي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تنقض عرى الاسلام عروة عروة فاولها الحكم. وهذا كما يكون في حق المسلمين عامة فانه كذلك كائن في حق المسلمين خاصة فانت اذا رأيت الى تحول ايمان الناس وظعف يقينهم وتزعزع ديانتهم في الازمان المتأخرة علمت ان منشأ هذا هو من عدم امظائهم لحكم الله عز وجل في انفسهم مما جرهم الى الوقوع في عدم امضاء حكم الله عز وجل فيما يقع بينهم من المعاملات العامة فمن صفات المؤمنين انهم متحابون متوالون متراحمون متعاطفون كما قال تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز اتنين فقال انما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. وقال تعالى والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل قل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم. فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه فكلما ازداد الاتصال بقرابة وجوارنا وحق من الحقوق تزداد هذا المعنى وتأكد الاحسان اليه. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فمن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الاخر قل خيرا او يصمت فقال من غشنا فليس منا وقال الدين النصيحة الا ايها الكتاب ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم يدنون يدينون الله بالنصيحة له في ان لله فالمؤمنون يدينون لله بالنصيحة لهم في عبوديته ولكتابه في تعلمه وتفهمه والعمل به والدعوة لذلك ولرسوله الكتاب في متابعته في اقواله وافعاله وجميع احواله ولائمة المسلمين وعامتهم بارشادهم الى مصالحهم الدينية والدنيوية ومعاونتي على البر والتقوى كثير من الاثم والعدوان بحسب القدرة كما قال تعالى في الاية السابقة بوصفهم انهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟ من صفات المؤمنين موالاتهم لاخوانهم من المؤمنين. كما ذكر الله عز وجل والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض وبحسب حظ المؤمن من الايمان يكون حظه من الموالاة فاحق الناس بقوة الموالاة ووثوقها هم كملهم من العلماء والصالحين والصديقين والزهاد وكل مؤمن له حظ من الموالاة باعتبار حظه من الايمان ولو نقص ايمانه فانه لا يزال له حظ من الايمان فلا يزال له حظ من الموالاة فانزال الايمان زالت الموالاة. وكلما ازدادت سبل الاتصال بالمؤمن عظم حقه فاذا كان جارا او ضيفا فانه يكون له من حق الموالاة ما لا يكون لغيره ومن اثار هذه الموالاة ان من شعار المؤمنين انهم يدينون لله بالنصيحة كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى في عقيدة له مفردة قال فيها في ذكر اعتقاد اهل السنة والجماعة قال ويدينون بالنصيحة لله فهم يقومون قمنا بهذا الواجب دينونة لله عز وجل وتقربا ويتبعون في ذلك ما امر به النبي صلى الله عليه وسلم لما بين موارد النصيحة في حديث تميم الداري وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الدين النصيحة قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم فكمل المؤمنين يقومون بهذا الواجب لانه من شعار الموالاة لاخوانهم. واذا فرط في اداء هذا الواجب او حول عن وجهه عند ذلك انفصمت عرى المولاء. فما يراه الانسان من الخلل الواقع بين المؤمنين. والتباغض هو باحد امرين اولهما حجب هذا الاصل وعدم القيام بالنصيحة. وثانيهما عرض النصيحة في وجه لم تأذن به الشريعة فلاجل غياب هذا الاصل العظيم او وجوده على وجه لم يأذن به الله سبحانه وتعالى حصل الخلل في الموالاة نأتي بين المؤمنين ووقع بينهم التباغض والتعادي. فمن اراد ان ينفي هذا التباغض والتعادي الواقع بين المؤمنين فانه الى اقامة شعيرة النصيحة وفق ما اذنت به الشريعة. لان تغييب هذه الشريعة يؤول بالامة الى الشر كما ان اظهارها على وجه لم تأذن به الشريعة يزيد في الامة الشر. وقد صنف ابو الفرج ابن رجب رحمه الله تعالى رسالة لطيفة متعلقة بهذا المقام اسمها الفرق بين النصيحة والتأيير لا غنى للمتعبد عنها ومن صفاتهم الحميدة ومناقبهم السبيدة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ثلاث من كن فيه وجد فيهن حلاوة الايمان لان يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما. وان يحب المرء لا يحبه الا لله وان يكره ان يعود في الكفر. بعد اذا انقذه الله منه كما فجعل تحقيق الايمان ووجد حلاوة وجد حلاوته لكون المحبة لله ولرسوله وتقديمه على سائر المحاب وجعل تبعا ويحب المرء لما قام به واتصف به من محاب الله وما من الله به من الاخلاق الفاضلة. فكلما قويت فيه ثابت محبته ورغبتكم ومحبة المؤمن دائرة مع محبة الله ويحب الله ورسوله ويحب من يحبه من الاعمال والاشخاص. فتكون كراهته للكفر المضاد للايمان اعظم من ما اعظم من كراهته للنار اعظم من كراهته للمال التي سيقدم فيها ومثل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ذاق طعم الايمان من رضي بالله ربنا بالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وقد تقدم قول هرقل وسألتك هل يزيدون او ينقصون فذكرت انهم يزيدون وكذلك الايمان اذا وقر في القلب فسألتك فيزيدونهم ينقصون اذا ذكرت انهم يقدم لم يتقدم معنا وسألتك قد يكون هذا بسبب تغيير الترتيب لان هذا الكتاب ليس المواهب الربانية وانما ترتيبها. لكن اظن الحديث كذلك لم يأتي فيما يستقبل من الكتاب وسألتك ايزيدون ام ينقصون فذكرت انهم يزيدون وكذلك امر الايمان حتى يتم وسع الكفاءة يرتد احد سخطة لدينه بعد ان يدخل فيه فذكرت الله وكذلك الايمان حين تخالط بشاشته القلوب الحديث في صحيح البخاري وقال صلى الله عليه وسلم اولها ذلك الايمان فعلا بين وسألتك لا وقر في القلب ايش معنى قد تقدم قول هر كذا قال الذي في صحيح البخاري هكذا النساخ ينسخ احدهم عن الاخر حتى يمسخ الكتاب فان النسخة القديمة صفحة اربعة وخمسين منها ان الشيخ كتب الحديث قال وقد تقدم قول هرقل الى قوله اذا وقر في القلب جيد يعني السطر الاول واضح ثم جاء ناشرها جزاه الله خيرا ومد في عمره على طاعة وقد نشرها قبل ثلاثين او اكثر كتب تعليقا ادخله في صلب الكتاب فقال معلقا على الحديث الذي اورده الشيخ الذي في صحيح البخاري بعد وقر في القلب قال الذي في صحيح البخاري وسألتك ايزيدون ام ينقصون ثم اورد الحديث ثم قال فلعل النقل سقط من كلام المؤلف رحمه الله ثم جاء هذا الطابع وقال فلعل النقص سقط من كلام المؤلف ثم جاء هذا الصابع فحذف كلمة الذي في صحيح البخاري وادخل الحديث في الحديث وزاد كلمة الحديث في صحيح البخاري والحاصل ان ما بعد القلب ليس من كلام المصنف رحمه الله تعالى وانما كتب استدراكا عليه. لان الحديث في صحيح البخاري ليس بهذا اللفظ وانما باللفظ الذي ذكره المستدرك فينتهي كلام المصنف الى قوله اذا وقر في القلب وقال صلى الله عليه وسلم يا معشر من امن بلسانه ولم يدخل الايمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فانه من اما من يتبع عورة اخيه يتبع الله عورته. ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته. ذكر المصنف رحمه الله تعالى من صفات المؤمنين ايضا ما تضمنه الحديث المخرج في الصحيحين ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الايمان الحديث. فان الله عز وجل ذكر ثلاث صفات من صفات المؤمنين اولها قول الله ورسوله احب الى العبد مما سواهما والثانية ان يحب المرء لا يحبه الا لله فلا يحمله على محبة غيره من المؤمنين مماثلته في شكل او اكل وانما يحمله على ذلك ما فيه من معاني التعبد والتأله لله عز وجل وثالثها ان يكره ان يعود في الكفر بعد اذ انقذه الله منه كما يكره ان يقذف في النار فاذا وجدت هذه الصفات الثلاث في العبد وجد حينئذ حلاوة الايمان لما في هذه الصفات من كمال التصديق الجازم والانقياد لامر الله وامر رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا هو الذي اشار اليه هرقل في سؤاله لابي سفيان عندما قال له وسألتك هل يزيدون او ينقصون؟ فذكر انهم يزيدون فقال هرقل وكذلك الامر الايمان حتى يتم ثم سأله هل يرتد منهم احد شخصة بدينه بعد ان يدخل فيه؟ فذكرت الا يعني كراهية لدينه بعد ان دخل فيه فذكرت وكذلك الايمان حين تخالط بشاشته القلوب فان الايمان اذا وقر في القلب لم يعدل صاحبه عنه. واما من كان ايمانه على لسانه ولم يدخل الايمان قلبه فانه بضد هذه الحال. كما اخبر النبي صلى الله عليه وسلم من احوال لهؤلاء ممن يغتابوا المسلمين ويتتبعوا عوراتهم فان هؤلاء انما امنت السنتهم ولم يدخل الايمان في قلوبهم ان حقيقة دخول الايمان بقلوبهم الا يغتابوا المسلمين ولا يتتبعوا عوراتهم ومن علاماتهم ان الله قد شرح صدورهم للاسلام فانقضوا لشرائعه قواما واختيارا ومحبة قد اطمأنت في ذلك نفوسهم وساروا على بينة من امرهم فهم يمشون بنورهم بين الناس قال تعالى فمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه. فقال فمن يرد الله ان يهديه او يشرح صدره للاسلام فقال صلى الله عليه وسلم اذا دخل الايمان في القلب اتسع وانشرح قالوا والداك علامة يا رسول الله؟ قال نعم الانابة الى دار الخلود في انذار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله. فلما قال له حادثة اصبحت مؤمنا حقا. قال وما حقيقة ايمانك؟ قال عذبت النفس عن الدنيا فاسهرتني لو اظمأت نهاري فكأني انظر الى عرش ربي بارزا والى اهل الجنة يتزاورون فيها والى اهل النار في النار يتعاونون فيها. قال عبد نور الله قلبه فوزا. من صفات المؤمنين وعلاماتهم. كما ذكر المصنف ان الله قد شرح وهم للاسلام فهم يصدقون خبره ويقبلون طلبه امرا او نهيا. لا يلوذون عن شيء منه قد اطمأنت لذلك نفوسهم ورضيت به فانهم على بينة من امرهم. ولذلك امتن الله عز وجل عليهم بشرح الصدر. وبين الفرق بين منشرح صدره ومن كان صدره ضيقا حرجا كانما يصعد في السماء وقد امتن النبي صلى الله عليه وسلم على المؤمنين خاصة في هذا الامر كما قال الله عز وجل الم نشرح لك صدرك والشرح الذي عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس هو شرح صدره عند غسل قلبه. الذي وقع في مكة وانما وراء ذلك ما هو اعظم واعلى وهو شرح صدره صلى الله عليه وسلم واستنارته بالهدى والنور حتى يقبل ما امر الله عز وجل به من الشرع فتحقيق الايمان على متنه سهولة العبادات والتلذذ بالمشقات في رضا رب الارض والسماوات والتصديق التام بالجزاء والعمل وهذا اليقين وكذلك قال الحسن رضي الله عنه ليس الايمان بالتحلي ولا بالتبني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الاعمال. من علامة تحقيق ايمان الذي دندن المصنف حوله ان تسهل العبادة على العبد وان يتلذذ بالمشاق في رضا الله سبحانه وتعالى كما وقع لعبدالله ابن رواحة اذ يقول هل انت الا اصبع دميتي وفي سبيل الله ما لقيت وهذا حرام ابن ملحان رضي الله عنه يطعن بالحربة في بطنه فينضح الدم على وجهه ويقول فزت ورب الكعبة فانهم انقلبت عندهم هذه الالام والمشاق لذاذة وحلاوة لكمال ايمانهم وصدق يقينهم. ومن هنا قال الحسن البصري رحمه الله تعالى ما قال اذ قال ليس الايمان بالتحلي ولا بالتمني يعني ليس الايمان بالدعاوى الباطلة ولا الامان العاطلة. ولكن حقيقة الايمان ما في القلب وصدقته الاعمال ومن هنا سبق ابو بكر رضي الله عنه كما قال ابو بكر بن عبدالله المزني ما سبقهم ابو بكر رضي الله عنه بكثرة صيام ولا صلاة ولكن سبقهم بشيء وقر في القلب. وعلامة وقور شيء في القلب هو ان يتلذذ بالعبادة وان يسهل عليه شاقها لانها وفق مراد الله سبحانه وتعالى. فمن حقيقة ايمانه بربه عز وجل ان يسارع الى هذه العبادة ولذلك جاء الامر بالعبادات على دية المسابقة والمسارعة والدخول فيها اظهارا الايمان بالرب سبحانه وتعالى ولهذا من اجل علاماتهم ان الايمان يصل بهم الى حد اليقين والصديقين كما قال تعالى هم الذين امنوا بالله ورسل اولئك هم الصديقون فلما فذكر النبي صلى الله لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتفاع غرف الجنة وعلوها العظيم قالوا يا رسول الله تلك منازل الانبياء لا يبلغها فقال بلى والذي نفسي بيده رجال امنوا بالله وصدقوا المرسلين. ولهذا كانت الصديقية التي اثنى بها على خواص خلقه هي تكفين مراتب الايمان علما وعملا ودعوة من علامات المؤمنين ان ايمانهم لا يزال يترقى بهم حتى يبلغهم حد اليقين. وينزلهم منزلة الصديقين بعد رتب النبيين وذلك بان يكملوا مراتب الايمان علما وعملا ودعوة. كما وقع هذا لابي بكر الصديق رضي الله عنه فانه انزل مرتبة الصديقية لما كانت عليه حاله من تكميل ايمانه قولا وعملا وعلما ودعوة وكما ان من تحقيق الايمان ان تكون الاعمال الصالحة مصدقة له من فمن تحقيقه ايضا ان يكون المؤمن متنزها عن الاثم والفسوق وانواع المعاصي بقوله تعالى الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون. وقال تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين. الخطاب الشرعي الطلبي دائر بين امرين احدهما مأمور يفعل وثانيهما منهي يصرف ولا يحصل الايمان الا بفعل المأمورات واجتناب المحظورات. واكثر ما في القرآن بمخاطبة المؤمنين بما فيه فعل المأمورات كما في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقوله سبحانه يا ايها الذين امنوا امنوا بالله ورسوله وقوله سبحانه يا ايها الذين امنوا اوفوا بالعقول وجاء في ما يدل على ان ترك المحظورات من جملة ما يدخل العبد في الايمان ويظهر حقيقته عليه كما في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا في اية اخر ومن موجبات الايمان صرف الاموال في مصارفها الشرعية ووضعها مواضعها واقامة الحدود التي حد الله ورسوله. قال تعالى واعلموا ان ما ظلمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول وذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم امنتم بالله وما انزلنا على عبدنا يوم الفرقان. فقال تعالى الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم ما رادكم في دين الله ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر فقال وحرم ذلك على المؤمنين الى غير ذلك من النصوص بالكتاب والسنة الدالك على وصف المؤمنين واما العبد لا يستحق حقيقة الايمان حتى يتصل بها وفي الجملة فكلما قال تعالى يا ايها الذين امنوا افعلوا كذا وفي كذا كان امتثال ذلك الامر واجتناب ذلك النيل من مقتضيات الامام وموجباته الذي لا يتم الا بها فبهذا ونحوه تعرف حقيقة الايمان وللذي جعله الله عنوان السعادة ومادة الفلاح. وسبب الفوز بكل مطلوب والنجاة من كل مرغوب. فنسأله تعالى ايمانك امنا يهدي به قلوبنا الى معرفتي ومحبتي والانابة اليه في كل امر والشيتنا الى ذكره والثناء عليه وجوارحنا الى طاعته قال تعالى ان الذين امنوا من هو عمل الصالحات يهديهم ربهم بايمان تجري من تحتهم الانهار في جنات النعيم من موجبات الايمان ودلائل تحقق العبد به ان تصرف الاموال في مصارفها الشرعية وتوضع في مواضعها التي امرت بها وان تقام الحدود التي حد الله ورسوله كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هؤلاء الايات التي ذكر فان حقيقة الايمان تملي على العبد ان يصرف المال فيما اوجب الله وان يكف نفسه عما حرم الله وان يبادر الى اقامة الحدود التي امر الله عز وجل بها فان ذلك جميعا مما يندرج في حقيقة الايمان ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا قاعدة نافعة تتعلق بتفسير الايات التي تستفتح بقول الله عز وجل يا ايها الذين امنوا وبثها ان تعلموا ان هذا النداء اذا خلفه امر او نهي فاعلم ان ذلك الامر او النهي داخل في اصل الايمان او كماله فاذا ورد الامر بعد قول الله عز وجل يا ايها الذين امنوا فاعلم ان الذي امر به اما مما يندرج في اصل الايمان واما من جملة ما يندرج في كمال الايمان واذا جاء الخطاب يا ايها الذين امنوا وقد خلفه نهي فاعلم ان هذا المنهي عنه مما يتعلق باصل الايمان او ويتعلق بكماله. مثاله قوله تعالى يا ايها الذين امنوا امنوا بالله ورسوله فان هذا الامر داخل بايش؟ في الاصل والحقيقة في اصل الايمان وقوله سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا اوفوا بالعقود داخل في في كمال الايمان لان من لم يفي بالعقد لا يكون كافرا وان كان ناقص الايمان وهذه قاعدة نافعة في تفسير طائفة مستكثرة من كلام ربنا عز وجل في القرآن الكريم فمن صفاتهم الجليلة ان الله يهديهم الى الحق في المواطن المشتبهات في محال المتاهات التي لا تحتملها عقول كثير من الناس ويزدادون ايمانا ويقينا في المواضع التي يزداد بها غيرهم ريبا وشكا. قال تعالى ان الله لا يستحيي ان يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها واما الذين امنوا فيعلمون انه الحق من ربهم واما الذين كفروا فيقولون ماذا اراد الله بهذا مثلا؟ فقال تعالى وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته كيف ينسق الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله اياته والله عليم حكيم. ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرضوا قاسيات قلوبهم وان الظالمين لفي شقاق بعيد. فليعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم. وان ان الله يهدي الذين امنوا الى صراط مستقيم. وقال تعالى وما جعلنا اصحاب النار الا ملائكة وما جعلنا عدتهم الا فتنة للذين كفروا الذين اوتوا الكتاب وازداد الذين امنوا ايمانا ولا يرتاد الذين اوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم رضوا والكافرون ماذا اراد الله هذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك الا هو وما هي الا ذكرى للبشر. وقال تعالى والراسخون في العلم يقولون كل من عند ربنا وما يذكر الا اولوا الالباب. فما معهم من الايمان واليقين يهديه من الحقائق واقوم الطرائق وارشد الامور واصلح الاحوال ولهذا كان القرآن تذكرة ورحمة وبشرى للمؤمنين. قال تعالى ان الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بايات ربهم يؤمنون قال ان في ذلك لايات لقوم يؤمنون ومواضع اخرى فلما مشوا في نور ايمانهم في ظلمات الجهل والشرور وتولاهم مولاهم. الله ولي ستين عاما يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اوليائهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات. اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون والله ولي المؤمنين ومشوا في نورهم يوم القيامة يوم ترى المؤمنين والمؤمنات لسان نورهم بين ايديهم وبايمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم. فلما كانت تجارة ما جل للتجارات ولما كانت تجارتهم اجلت تجارات كان ربحها النعيم المقيم في غرف الجنان يا ايها الذين امنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله ورسوله فتجاهدون في سبيله لله باموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا صفة جليلة من صفات المؤمنين ليست لغيرهم وهي ان الله عز وجل يهديهم الى الحق في المواطن المشتبهة وللصواب في محال المتاهات المشكلة التي لا تحتملها عقول الناس. ويعلم بهذا ان خروج العبد من المشتبهات على قدر ايمانه. فكلما ازداد ايمانه هيأ الله سبحانه وتعالى له اسباب معرفة الحق. ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم ملظا بسؤال الله عز وجل كل ليلة ان يهديه الى ما اختلف الناس فيه من الحق كما جاء في حديث عائشة في صحيح مسلم في استفتاح صلاة الليل وفيه اهدني لما اختلف فيه من الحق باذنك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم فان النبي صلى الله عليه وسلم لما كمل ايمانه لم يغب عنه انه لا يمكن للعبد ان يصل الى الحق الا بتكميل الايمان ومن طرائق تكميل الايمان دوام سؤال الله عز وجل ان يري العبد الحق حقا ويرزقه اتباعه وان يريه الباطل باطلا ويرزقه اجتنابه. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى ايات ثلاث تستشكل فيها الامور فيبين الله عز وجل الحق للمؤمنين. فذكر ضرب الامثال الذي تتزعزع به القلوب الملائكة وما يلقي الشيطان في امنيته اذا قرأ النبي وهي الامنية فان الشيطان يلقي في قراءة النبي فينسخ الله عز وجل ما يلقي الشيطان ويحكم اياته. وفي هذا المعنى جاءت قصة الغرانيط وهي قصة السلف اهل العلم فيها وحاصلها ان النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ فرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى نطق الشيطان فقال وانهن الغرانيق العلا وان شفاعتهن لترتجى. وقد اختلف اهل العلم في هذه القصة وما الحافظ ابن حجر الى ثبوتها وفيه قوة ومعناها كما بينه مطولا شيخ شيوخنا محمد الامين الشنقيطي في رحلة الحج بان الشيطان قرأ هؤلاء الكلمات بصوت يشابه صوت النبي صلى الله عليه وسلم ليتوهم المشركون بان هذا من جملة للقرآن وبه تفسر هذه الاية وليس معنى الاية ان النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بنفسه هؤلاء الايات وادخلها في جملة القرآن فان القرآن محفوظ من ذلك. ولا يمكن للعبد ان يكون على الحق عند ورود المسكنات الا مع الايمان واليقين والرسوخ بالعلم ولذلك مدح الله عز وجل كمل المؤمنين بالرسوخ في العلم فقال والراسخون بالعلم يقولون امنا به كل من عند ربنا وما يذكر الا اولو الالباب كما تقدم بيان هذا المعنى في درج الصباح ولا يحصل للعبد ايمان يقين حتى يمشي مع النور فان الله سبحانه وتعالى نور السماوات والارض. كما قال الله عز وجل الله نور السماوات والارض. وقد انزل الينا النور وهو القرآن الكريم. وكان انزال هذا النور في جبل النور لتحقيق معنى عظيم وهو ما ذكر الله عز وجل في قوله الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور. فيجعل الله عز وجل لهم بالنور الذي اتبعوه وهو القرآن النازل من رب في السماوات والارض الذي هو نور السماوات والارض يجعل لهم نورا في الدنيا يميزون به بين الحق والباطل ويكون من جزاء ان يجعل الله عز وجل لهم نورا في قبورهم ذلك انه يفتح لهم باب الى الجنة فيأتيهم من احوالها ومن جملة احوال الجنة انها نور ثم اذا اقيموا من هذه القبور وادخلوا وسيقوا الى الجنة يحصل لهم حينئذ النور التام يوم ترى المؤمنين المؤمنات نورهم يسعى بين ايديهم وبايمانهم في اية اخر دالة على هذا المعنى. وهذا الامر مبني على انهم اشتغلوا بتجارة لم يشتغل بها اكثر الناس وهي التجارة مع الله سبحانه وتعالى وفيها هذه الاية وسيأتي بسطها في كلام المصنف رحمه الله تعالى ومن صفاتهم ان الله ينزل في قلوبهم السكينة والطمأنينة في مواضع الحرج والقلق. قال تعالى هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين اشهدوا ايمانا مع ايمانهم ولله جنود السماوات والارض وكان الله عليما حكيما هذا من دقائق صفات المؤمنين وهو ان الله عز وجل ينزل في قلوبهم السكينة والطمأنينة كما ذكر الله عز وجل في هذه الاية فاذا ضاقت نفوس وتشوشت خواطر فان الكمل من المؤمنين تنزل عليهم السكينة. وتأمل هذا في احوال كمل العلماء اذا وردت الفتن فانك تراه على حالهم من كمال الاقبال على ما فيه مصالحهم وعدم التشوش بهذه الواردات ما لا يكون لغيرهم واقرأ ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين في منزلة السكينة عندما ذكر انه كان اذا وردت عليه البلايا وتكاثرت عليهم المصائب وتصايحت بهم الفرق والطوائف جاءوا الى شيخ الاسلام ابي العباس ابن تيمية فما يجلس في مجلسه حتى يجدوا برد السكينة والطمأنينة. فانظر لكمال حاله رحمه الله تعالى من الايمان نزلت السكينة على قلبه وكان لهذه السكينة اثر على المؤمنين من حوله. وبهذا تعرف شيئا واحدا من اثار صحبة العلماء كبار الراسخين بالعلم وان صحبتهم خير وانفع واعظم من صحبة الناشئة من طلبة العلم وان كان طلبة العلم الناشئة في الظاهر اعظم علما الا ان عند اولئك من الحقائق القلبية ما لا يكون عند الناشئين من طلبة العلم كمثل هذه الحال التي فيها عليهم السكينة والطمأنينة فيكون لذلك اثر على من حولهم بتطمينهم وتسكيرهم وصرفهم الى ما فيه مصالحهم ومن تلمس هذا في الفتن التي مرت على هذا البلاد ونظر الى ما كان عليه العلماء الكبار رحمهم الله تعالى كابن باز وابن عثيمين من ثبات اقدامهم وطمأنينة قلوبهم وسكينة نفوسهم وعدم تغير احوالهم عما نشأوا عليه عرف الفرق بين العلماء الراسخين ومن لم تمسح قدمه فان من لم تمسح قدمه يتحير ويتغير ويتلون واما الراسخ قد فانه يبقى على سير واحد وطريق واحد لان المراد واحد والطريق واحد والسائق واحد فالمراد الله والطريق سبيل الله والسائق طلب رضا الله عز وجل. فاذا اختلف شيء من هذه الامور الثلاثة بان كان المراد غير الله او كان الطريق غير الطريق التي امر الله او كان السائق غير السائق الذي اذن به الله فعند ذلك يحصل للعبد تغير وتحور تطور في احوال كثيرة انما يسلمك منها ان تحرص على صحبة العلماء العاملين الراسخين الذين كبرت اسنانهم وعظمت اقدارهم وظهرت علومهم وثبتت اقدامهم وظهر لكل ذي عينين انهم الثابتون وغيرهم المتغير وانهم المصيبون وغيرهم المخطئون نسأل الله ان يهدي ضال المسلمين قوله تعالى والذين هم لامانتهم واعذهم راعون ان يكونون لذلك رعاة متعاهدين مجتهدين في كل سبب تقوم به الامانات والعهود وتكمن وتتم مبعدين عن كل سبب يناقب ذلك وكذلك قوله والذين هم بشهادات قائمون. تقدم هذا المعنى وذكرنا ان رعاية الماء وذكرنا ان رعاية المؤمنين باماناتهم اوجبت لهم المديحة عند ربهم فمدحهم بقوله عز وجل يوفون بالنذر المراد بالنذر هنا ما التزموه عامة والزموه لانفسهم وهو الدخول في الاسلام قوله تعالى ام يقولون به جنة بل جاءهم بالحق واكثرهم بالحق كارهون ولو اتبع الحق واهواءهم لفسدت السماوات والارض ومن فيهن بلا كيلاء دلت على ان مخالفتهم للرسول صلى الله عليه وسلم لاجل ما جاء به من الحق مخالف لاهوائهم. وان اهوائهم فاسدة يمتنع ان يلد الحق ان يرد الحق بما يوافقها. ان يرد الحق بما يوافقها لان الحق هو صلاح السماوات ويرضى من فيهن ولو وافق الحق اهواءهم لفسدت السماوات فدل هذا على ان الحق جاء بما تشهد العقول الصحيحة والفطر المستقيمة بصحته واستقامته واعتداله وكماله وان من الحق فليساد في عقله وانحراف في فطرته وانه اختار الظهر على النافع فلهذا قال فلا تنعم بذكر فهم عن ذكرهم معرضون بين المصنف رحمه الله تعالى ها هنا قاعدة كلية تتعلق بمعرفة الحق وان الحق هو ما كان فيه مخالفة للهوى. ولذلك لما كان ما جاء به النبي صلى الله عليه سلم مخالفا لاهواء المشركين ردوا الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم. ولو وافق الحق اهواءهم لفسدت السماوات والارض لان اهوائهم مطبوعة على ما يخالف العقول الصحيحة والفطر المستقيمة. اما الحق الثابت الذي لا يتغير فهو المخالف للهوى الذي تشهد العقول الصحيحة والفطر المستقيمة بصحته واستقامته واعتداله وكماله لولا فضل الله ورحمته لما شرع لعباده الاحكام ولولا فضله ورحمته لما فصلها وبينها فلولا فضله ورحمته ان الله تواب حكيم لما الضحى ما يحتاج اليه العباد ويسره غاية التيسير ولولا فضله ورحمته لما شرع اسباب التوبة والمغفرة ولما تاب على التائبين. ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ابدا لكن الله يزكيه من يشاء والله سميع عليم كما فسر ذلك في صدر سورة النور. من مقامات امتنان الله سبحانه وتعالى على عباده تذكيرهم بفضله ورحمته في ايات كثيرة يبين بها الله سبحانه وتعالى نعما وصلت اليهم فضلا من الله ورحمة. ففي فضل الله ورحمته شرعت الاحكام وبفضل الله ورحمته فصلت شرائع الاسلام وبفضل الله ورحمته وفق الله التائبين الى التوبة وقبلها منهم. ولذلك فان اولى امر يفرح به الانسان هو فضل الله ورحمته. وقد قال الله عز وجل منبها الى هذا في سورة يونس قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون الاتيان باللفظ العام في قوله ولا يأتن اولو الفضل منكم والسعة ان يؤتوا اولي القربى والمساكين والمساكين والمهاجرين في سبيل لله وليعفوا وليصفحوا الا تحبون ان يغفر الله لكم والله غفور رحيم مع انها نزغت في شأن ابي بكر الصديق رضي الله عنه حين تألى الا ينفق على مسطح حين شائع اهل الاثم مما يحقق ان القرآن العظيم نزل بداية عامة وانه يتناول ماء ملل وانه يتناول من لم ينزل على من لم ينزل عليهم من الامة ومن نجاتهم موجودون ومن كان له سبب بنزول يا وغيره وهكذا يقال في جميع الايات التي نزلت في قضايا جزعية خاصة ويتناول القضايا الكلية العامة وبهذا ونحن تعرف ومعرفة اسباب نزول الايات وان كان نافعا فغيره انفع واهم منه وتدبر الالفاظ العامة والخاصة والتأمل في سياق الكلام والاهتمام بمعرفة مراد الله بكلامه وتنزيله على الامور كلها. والامر الاهم وهو المقصود وهو الذي تعبد الله العباد به وهو الذي يحصل به العلم والايمان. ومما يدل على ان معرفة اسباب النزول ليس كمعرفة معنى ما اراد الله سلامة انه لا يتوقف معرفة معاني القرآن على معرفتها ولذلك تجد المفسرين يذكرون في اسباب النزول اقوالا كثيرة مختلفة لا يهتدي الانسان الى معرفة ففي الصحيح من ابي الغالب وكذلك المعتنين بها تضعف معرفتهم بتفسير القرآن كما ينبغي ولست اقول ان الاعتناء باسباب النزول ليس بنافع هنا قد يتوقف فهم كمال المعنى عليه. وانما قولي ان الاعتناء بتدبر الالفاظ والمقاصد هو الاهم ومع ذلك فاذا عرض للانسان سبب نزول سبب نزول بعض الايات ببعض الواقعات فلا يذهب همه اليه وحده بل يكون مرجعه الى كبير فيعرف ان القضية التنفيزية التي نزلت الاية فيها بعض المعنى وفرض من افراده والمعنى قاعدة كلية يدخل فيها افراد كثيرة من جملة تلك الافراد تلك الصورة والله المستعان في جميع الامور. المرجو لتسليم كل صعب والاعانة على كل شديد. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة قاعدة جليلة من قواعد التفكير وهي انه ينبغي ان يكون للناظر في معاني القرآن الكريم ان يرقب مقاصد الالفاظ ومعانيها والا يقف عن مجرد ما تبادروا منها بسبب نزول او نحوه فقد تكون الاية نزلت لاجل شيء لكنها عممت من جهة الالفاظ لان قاعدة الشريعة انها تبني الاصول الكلية الجامعة العامة. ولا تعتني ببيان الافراد الجزئية الخاصة لان الدين جاء للناس جميعا ومما يعين على بيانه للناس جميعا ان تعلم ان ما نزل من الايات بسبب من اسباب النزول فان فهم ما جاء في هذه الايات لا يوقف عند سبب النزول بل ينبغي ان يتطلع المستشرف الى معاني ما جاء في فاضي ومقاصدها فمثلا سورة الاخلاص جاء من حديث ابي وهو حسن على طريقة اهل التفسير لانه مروي بنسخة تفسير ان المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك يعني بين لنا نسبه فنزلت هذه الاية قل السورة قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد. فلا تقف عند فهم ان هذه السورة فيها مجرد بيان نسب الرب سبحانه وتعالى وانه الواحد الاحد. بل في هذه الصورة من المعاني العظيمة ما جعلها ثلث القرآن كما اخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله قل هو الله احد ثلث القرآن وقد صنف ابو عباس ابن تيمية رحمه الله تعالى رسالة مفردة في بيان ما تضمنته سورة الاخلاص من المعاني العظيمة. فاذا رقب المطالع للتفسير والمعتني ببيان معاني القرآن هذه القاعدة وكانت بين ناظريه فتح الله عز وجل له موارد من الفهم لم يكن ان يقف عليها اذا قصر نظره عند مجرد سبب النزول كهذه الاية من سورة النور فان نزولها بابي بكر رضي الله عنه وصاحبه مسطح رظي الله عنه اما اللفظ فانه عام يشمل هذه الصورة وما كان في نعم الاتيان بقوله يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا. احسن من قوله تستأذنوا لانها تستأنسه تتضمن تتضمن الاستئذان وزيادة التعليم وان الحكمة التي شرع الله الاستعداد لاجلها هي حصول الاستئناف من عدم الوحشة ويدل ذلك ايضا على انه الاذن والاستئذان بكل ما يدل عليه عادة وعرفا لكن قد يقال ان الاستئذان ايضا يدخل في قد يقال فليطالب لكن قد يقال ان الاستئناف لانها ايراد ولا يمكن ان يكون بمعنى الاستئذان لكن قد يقال ان الاستئناف لكن قد يقال ان الاستئناس ايضا يدخل فيه الاستئذان اللفظي والعرفي والله اعلم هذه الجملة مبنية على القاعدة التي تقدمت غير مرة وهي ان العدول عن لفظ الى لفظ اخر يكون فيه معنى مستكن فان الله عز وجل عدل عن قوله حتى تستأذنوا الى قوله حتى تستأنسوا لان تستأنس تتضمن وشيئين اثنين احدهما طلب الاذن بالدخول وهو الاستئذان والثاني زيادة التعليل للاستئذان وهو حصول الانس وزوال الوحشة فان المقصود من الاستئذان البلوغ الى هذا المقام الحميد وهو الانس وعدم الوحشة قوله تعالى وانكحوا الايام منكم والصالحين من عبادكم وايلائكم يكون الفقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم والاصلاع في الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت ايمانكم فكاتبوهم ان علمتم بهم خيرا واتوا مما لله الذي اتاكم وما تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فان الله من بعده والله ان غفور رحيم اشتملت هذه الايات على الامر بسعيد الاسباب المباحة التي ينال بها الرزق كالنكاح ونحوه. وفي معناه قوله تعالى في سورة الملك هو الذي جعل لكم الارض وذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه. فذكر المشي في مناكب الارض ارشاد الى السعي الى اسباب الرزق المباحة وعلى ان من لم يحصل له ساعة فليلزم تقوى الله تعالى والكف عن محارمه وينتظر فهو ينتظر فضل الله ورزقه وغناه. وفي معناها قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب. فاذا اتقى العبد ربه فان الله عز وجل يفتح له ابواب ابوابا من الرزق لم تكن في خلده لان الله هو الرزاق كما قال تعالى ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين. وقال تعالى نحن نرزقك والعاقبة التقوى وعلى تحريم الصعيد الاسباب المحرمة في قوله ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء والله اعلم ولم لما كان التوكل به حياة الاعمال والاقوال وجميع الاحوال وبه كمالها قال تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت فامر بالتوكل والاعتماد على الحي من الحياة فاذا حقق العبد التوكل على الحي الذي لا يموت احيا الله له اموره كلها وكملها واتمها. فهذا من المناسبات الحسنة التي ينتفع العبد استحضارها وثبوتها في قلبه فنسأل الله تعالى ان يرزقنا توكلا يحيي به قلوبنا واقوالنا وافعالنا ودنيا ودنيانا ولا يكلنا الى انفسنا ولا الى غيره طربة عين ولا اقل من ذلك انه جواد كريم. وهذه الاية فيها معنى لطيف فان الله عز وجل امر بالتوكل على الله عز وجل بذكر اسم من اسمائه لمعنى المراد فقال وتوكل على الحي الذي لا يموت اعلم ان من يموت لا يصلح التوكل عليه. وهذه الاية قاطعة لدعوى صحة التوكل على المخلوقين. فمن يصحح قول قائل توكلت على الله وعليك او قوله توكلت على الله ثم عليك فانه معارض بهذه الاية التي بينت ان التوكل لا يكون الا على الحي الذي لا يموت لان حقيقة التوكل هي تفويض العبد الامر واعتماده في من يسنده اليه عليه ولا يكون هذا صالحا الا في حق الرب سبحانه وتعالى فهو الحي الذي لا يموت والجن والانس يموتون قوله تعالى ولم يكن لهم اية ان يعلمه علماء بني اسرائيل تدل على ان اهل العلم بهم يورثوا الحق من الباطل والحلال من الحرام الوسائل بين الله وبين عباده. ولهذا استشهد الله بهم على التوحيد وعلى النبوة وعلى صحة القرآن كما في هذه الاية. وعلى التوحيد في قوله الله انه لا اله الا هو والملائكة واولو العلم وعلى القرآن في قوله بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم وتدلها هذه الايات على ان العلم الحقيقة هو ما جاءت به الرسل نزلت به الكتب. فما فرق بين الحق والباطل فما سوى ذلك وان كان يستحق صاحبه ان يكون من اهل العلم الذين امر الله بالرجوع اليهم. وانما هو من اهل الذكر الذين قال الله فيهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لا تعلمون تتبع ايات القرآن وتصفحها دل على الاستشهاد لاهل العلم في مقامات ثلاث المقام الاول الاستشهاد بهم فيما يتعلق بالمنزل وهو الرب سبحانه وتعالى فاستشهد الله عز وجل بالعلماء على توحيده وثانيها الاستشهاد بهم فيما يتعلق بالمنزل وهو القرآن فاستشهد الله عز وجل بالعلماء على صحة القرآن وثالثها الاستشهاد بهم فيما يتعلق بالمنزل عليه وهو محمد صلى الله عليه وسلم فاستشهد الله بالعلماء على تصحيح نبوته ورسالته فقير بمن من الله عليهم بشيء من العلم ان يكونوا اسرع الناس انقيادا للحق وابعد الناس عن الباطل ولهذا شدد الله الظن بمخالفة هذين امرين على اهل العلم كقوله الم ترين الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبس والطاغوت وقوله الم تر الى الذين اوتوا نصيب من الكتاب يشترون دون الضلالة وقوله الم ترى الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يدعون الى كتاب الله ليحكموا بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون جدير باهل العلم كما ذكر المصنف ان يكونوا اسرع الناس انقيادا للحق وابعد الناس عن الباطل لان هذا هو الذي يوجبه العلم فان المراد بالعلم هو ايصال العبد الى المقامات المحمودة من العمل والدعوة الى الله عز وجل والصبر على ذلك كله ومن فارق هذا الاصل فانه يكون ممن اوتي نصيبا من العلم لكنه لم يتحقق بالعلم كلية والمتحقق بالعلم كله نية هو الذي يبلغ منزلة الفقيه. ولهذا اجمع السلف رحمهم الله تعالى كما نقله ابن القيم في مفتاح دار السعادة الفقه لا يقع الا على من جمع مع العلم العمل فانه هو الفقيه حقا لانه ضم الى علمه عملا صالحا اما من كان العلم على لسانه ولم يخالط الايمان قلبه فلم تكن اعماله موافقة لما يحمله من العلم فهذا انما اوتي نصيبا من الكتاب كلما ازداد العجز قربا من الله بالايمان به والتحقق بحقائقه ومعرفته بالله ومحبته والانابة اليه واخلاص العمل له. حفظ له الخير والسرور وانوار الشرور وزالت عنه المخاوف عليه وهذا هو المعنى الذي اراد الله بقوله لموسى لا تحظ اني لا يخاف لدي المرسل الا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء ويدل على هذا قوله لا يخاف لدي ولم يقل لا يخاف مني اي لا خوف يعلال من ينال من منت عليه باكمله الحالات واشرف المراكب وهي الرسالة ولكل مؤمن نصيب من هذا بحسب ما قام به من اتباع المرسلين ويدل ايضا عن ان المراد هذا المعنى العام ايضا ان المراد هو وهذا المعنى ويدل ايضا ان المراد هو هذا المعنى العام الحسن الجليل لان السياق والقرينة تدل عليه دلالة بينة فان الخوف الصادر من موسى انما هو ولما رأى صوت اهتز كانها جامد فخاف حينئذ من تلك الحية بحسب الطبيعة البشرية فاعلمه الله تعالى ان هذا محل القرب من الله لا يليق ولا يكون في خوف وانما في الامر التام. ولهذا قالت الاية الاخرى اقبل ولا تخضعن الامنين ويدل على هذا المعنى ما دل عليه الاستثناء في قوله الا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فاني غفور رحيم فان الاستثناء ميزان العمومي والاصل ان يكون من جنسه المستثنى منه فالمعنى الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون فان ظلموا وانفسهم ثم رجعوا الى ربهم وضجاوا سيئاتهم حسنات رجعوا الى مرتبتهم وازال عنهم الغفور الرحيم موجب الظلم واساءتي والله اعلم المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة ان ازدياد العبد قربا من ربه عز وجل بالايمان والتحقق بحقائقه يبلغ العبد معية الله عز وجل التي يحصل بها على الامن ولذلك فذكر الله عز وجل كثيرا من الاعمال الصالحة ثم كان الجزاء فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فانهم لما خوفهم من الله عز وجل كان امنهم عنده سبحانه وتعالى. والجزاء من جنس العمل. والله سبحانه وتعالى خابوا منه فمن خاف منه لم يخف لديه. ومن لم يخف من الله عز وجل فانه يكون عليه الخوف يوم القيامة. ولهذا من خيف منه فر منه الا الله سبحانه وتعالى فانه اذا خيف منه فر اليه كما قال الله عز وجل ففروا الى الله. قال بعض من خاف الله فر اليه ومن خاف غيره فر عنه. ولاجل هذا من خاف الله عز وجل في الدنيا واحسن كان الجزاء انه امن يوم القيامة لا خوف عليه. كما قال الله عز وجل الذين امنوا ولم يلبسوا ايمانهم قل اولئك لهم الامن وهم المهتدون. فلهم امن كامل ولهم اهتداء كامل. بحسب كمال ايمانهم مهما تنقلت بالخلق الاحوال واعطوا الاسباب العظيمة من التمكين في الارض والاقتدار على مصالحها فلا بلغوا ولا يبلغون ما بلغه سليمان عليه السلام من الريح التي غدوها شهر ورواحها شهر وتجري بامره رخاء حيث اصاب ومن تسخير الشياطين كل بناء وغواص واخرين مقرنين في في ومن تسهيل الاسباب التي تدرك فيها المطالب قال قال يا ايها الملأ ايكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين قال افريتم من الجن انا اتيك قبل ان تقوم من مقامك واني علي لقوي امين قال الذي عنده علم من الكتاب انا اتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك فلما رأوا مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني اأشكر ام اكثر؟ ومن كاين الطير والوحوش وتعلم المنطقها مما هو من اعظم الادلة على ان هذا امر سماوي ليس في قدر المخلوقات استطاعته هذه الجملة ذكر فيها المصنف رحمه الله تعالى الحالة التي كان عليها سليمان عليه الصلاة والسلام من الملك الكامل وهذه الحال تورث العبد شيئين اثنين احدهما تعظيم الخالق فان العبد اذا نظر الى عظمة ما اوصل الى هذا المخلوق من المكنة والقدرة كان في ذلك ارشادا له على ان عظمة الرب سبحانه وتعالى فوق ذلك فلا يقدر او غدوها كما قال الله عز وجل وما قدروا الله حق قدره وثانيها تحقير النظر الى المحدثات والصنائع وما بايدي اهل الكفر والشرك من الصنائع التي بلغوا بها علما عظيما فانها مهما عظمت لن تبلغ شيئا عند المكنة التي كانت عند سليمان فان الله سبحانه وتعالى اتاه ما لم يؤت احدا من العالمين. الا ان الفرق بينهم وبين سليمان ان هؤلاء يعلمون ظاهرا من الحياة دنيا وهم عن الاخرة هم غافلون واما سليمان عليه الصلاة والسلام فقد كان له علم من الاخرة وعلم من الدنيا ما يجري على الاخيار ويحصل لهم فيه النفع خصوصا ولغيرهم عموما وهذا من بركة الله لهم وبركته فيه ومن مسعهم بالخلق. ولهذا لما رأى سليمان عليه والصلاة والسلام على سبأ مستقرا عنده قد احضر في اسرع وقت قال هذا من فضل ربه ليبلوني اشكر او اكفر ومن شكر فانما يشكر ومن كفر فان ربي غنيا كريم. الا ترى كيف اعترف بفضل الله ان شكر الله على ذلك واقر لله تعالى بالحكمة واخبر عن كرم الله كان في ضمن كلامي هذا الحظ للعباد على هذه الامور. وبهذا اتى بالنفل العام ومن شكر ومن كفر واذا تأملت جميع القضايا التي تجري على الانبياء واتباع ما ورثتهم وجدتها بهذه الحالة ينتزعون بها وينفع الله بها الخلق بسببهم. فنسأل الله تعالى ان فكرة نادية فيما اعطانا من نعم الدين والدنيا فان بركة الله لا نهاية لها وجوده لا حد له. والقليل اذا بارك الله فيك صار كثيرا لا قليل في نعم ربنا فله الحمد والشكر بجميع انواعها حمدا على ما له من انواع الكمالات وشكرا على ما اسدى الى الخلق من صلاة موجبات في القلب واللسان والجوار والجوارح كثيرا طيبا مباركا فيه. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة منفعة من منافع صحبة الاخيار وذلك انهم اذا جرى عليهم نفع فانه يعم غيرهم كما اتفق هذا لانبياء الله ومن جملتهم سليمان عليه الصلاة والسلام في هذه القصة فانه اعترف بفضل الله وشكر الله على ذلك ثم حظ غيره على شكر الله عز وجل وحذره من كفره فاخبر ان من شكر شكر لنفسه ومن كفر فانما يكفر عليها وال داود ممن جاءت فيهم الايات المتعلقة بالشكر وابلغها قول الله عز وجل اعملوا ال داوود شكرا وقليل من يشتكوك لان الشكر من اعظم المقامات القلبية التي يحاز بها الخير. فلما كان اهل ذلك البيت على هذا المقام الحميد برعاية رتبة شكر بلغهم الله عز وجل من النعم والالاء ما لم يكن لغيرهم كما وقع لداوود وسليمان عليهما الصلاة والسلام ومن جملة هذا ما وقع لنبينا صلى الله عليه وسلم فان كل ما اورده الله عز وجل عليه من الخير العميم والفظل العظيم صار اثره على جميع المسلمين فهذا من بركة الله لهم وبركته فيهم صلوات الله وسلامه عليه قوله تعالى واذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين اليه ثم اذاقهم منه رحمة اذا فليقم منهم بربهم يشركون ونحوها من الايات التي فيها هذا المعنى فاذا كان هذا ثابت في اصل الدين ان الناس اكثرهم اذا مسهم الضر انابوا الى الله لعلمهم انه كاشف الكربات وحده لا شريك له وللضرورة التي تضطرهم ثم اذا زالت الضرورة عادوا الى شركهم فكذلك الامر ثابت في فروع الدين وفي سائر الامور تجد الناس مستجلبين لداء الغفلة مقيمين على ما يكرهون رحمه الله غافلون عن ذكر ربهم ودعائهم. فاذا مستهم نائبة من نوائب المحن اقبلوا الى ربهم متضرعين. ولكشف ما بهم دائم فاقبلوا وانا ثم اذا ازال الله شدتهم وكشف كربتهم عادوا الى غفلتهم وغيرهم يعمون. ونسوا ما كانوا يدعونه اليه من قبل كانه ما كان وهذه الحالة من اعظم الانحرافات واشد البليات التي يبتلى بها العبد لا يعرف ربه الا في الضرورة هذه شعبة من شعب الشرك ومن كان فيها هذا الامر ففيه شبه ظاهر من حال المشركين وانما المؤمن كامل الذي يعرف ربه في السراء والضراء والعسر ويسرف هذا هو العبد على الحقيقة وهذا الذي له العاقبة الحسنة والسعادة الدائمة وهذا الذي يحصل له النجاة من الكروب اذا وقع فيها. قال تعالى بعدما ذكر عند النون عن ذي النون ان عن ذا النون انه بسبب عبادتي في رخاء عرفه الله في الشدة قال تعالى بعد ما ذكر عندي النون انه بسبب عبادته في الرخاء عرفه الله في الشدة فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون وقال ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم تعرف الى الله في الرخاء يعرفك في الشدة فقريب من هذا المعاناة ما ذكر الله من حال المترفين لدعوة المرسلين حيث قال وكذلك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير الا قال اتركوها انا وجدنا ابائنا على امة وانا على اثارهم مقتدون فاخبر ان السبب في رده لدعوته كونهم مترفين فدل على ان اقترب هو الانغماس في نعيم الدنيا ولذاتها والانكباب عليها والتنوع في مآكلها ومشاربها رواتبها والاسراف في ذلك يحدث بالانسان خلقا خبيثا يمنعه من سرعة الانقياد لامر الله والاستجابة لداء الله فكما انه ثابت واقع في اصل الدين فانه واقع ايضا في شرائعه وفروعه فكم منع الترف من عبادات وكم صوت من قربات؟ وكم كان سببا للوقوع في المحرم فان الشرف كثرة وكثرة العرفان تصل تسير الانسان شبيها بالانعام التي ليس لها هم الا التمتع في الاكل والشرب. وكذلك يرهن البدن ويكسرها ويكثروا ويفتقروا عن الطاعة ويسألوا قلبه في مرادات النفس ومراداتها كما حملت صاحبها على جمع الاموال من غير حلها وحملت النفس على الاثر والبطل والرياء والفقر والخذلاء والاستكثار من قرناء السوء. وفي الجملة بالترف والشرف من مضاد اضعاف واضعاف ما ذكرنا. وفي قبل ان يكون مقتصدا في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه وغير ذلك من حوائجه التي لابد منها فلا فلا يعلق قلبه الا بما يحتاجه منها ولا استعمل زيادة عن حاجته ويعود نفسه على ذلك لتتمرن النفس على الاخلاق الجميلة ويسلم من كثير من الافات والشرور المترتبة على لما فتحت الدنيا على المسلمين ايام عمر رضي الله عنه وكثرت الاموال كان رضي الله عنه ينهى المسلمين اشد نهي عن الترف يأمرهم بالخشونة والاقتصاد الذي به صلاح المعاش والمعادن. وبالله التوفيق. ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذه الجملة امرين اثنين مما تفسد بهما القلوب وتمرض النفوس. اولهما قصر معرفة الله عز وجل والتعرف عليه. في حال الشدة والضرورة وهذا حال كثير من الناس الذين لا يتعرفون الى ربهم عز وجل الا في حال الشدة والضرورة. وهذه شعبة من شعب الشرك. ومن قامت به هذه الشعبة فقد وقع فيه مشابهة للمشركين الذين ذكر الله عز وجل عنهم انهم لا ينيبون ولا يخلصون دينهم لله رب العالمين حتى تمسهم الشدائد فاذا مستهم الشدائد عند ذلك رجعوا الى الله عز وجل منيبين مخلصين. اما المؤمن الكامل هو المتعرف الى الله عز وجل في كل حال في السراء والضراء والعسر واليسر وعاقبة هذا التعرف ان الله عز وجل يملأه ويرعاه اذا وقع في كريهة او ضر او شر كما وقع هذا لنبي الله يونس عليه الصلاة والسلام فان انه كان سبب نجاته من الضراء التي ال اليها في بطن الحوت انه كان متعرفا الى الله عز وجل في حال الرخاء بتسبيح فلما كان مسبحا لله عز وجل متعرفا اليه بذلك في حال الرخاء كان الجزاء ان الله عز وجل فرج كربته وثانيهما الترف وهو الانغماس في الملذات من نعيم الدنيا وان كانت حلالا فان العبد اذا غمس نفسه في هذه ذات جره ذلك الى الوقوع فيما لم يأذن به الله ولهذا فان من علامات المعاقبين في القرآن المعاجلين بذنوبهم انهم غلب عليهم التواف وغرهم ما هم فيه من امر الدنيا فلما استووا على تلك الحال كان الجزاء ان الله عز وجل عاجلوا بعقوبتهم وليس في السرف خير وانما الخير في ان يتناول الانسان من المباحات بقدر ما تصلح به حياته اذا زاد تناول المباح عن القدر المأدون به فقد وقع الانسان في الترف ولابد ان يؤول به ذلك الى الشر ومن من هنا كان من حكمة عمر رضي الله عنه وصائب رأيه انه لما فتحت على الناس في زمانه ابواب الدنيا من كنوز قيصر وكسرى كان يكتب الى عماره انت معدد واخشوشنوا كما ثبت ذلك عنه عند علي ابن الجعد في مسنده وغيره ومعنى تمعددوا اي الزموا حال العرب المنسوبين الى معدي ابن عدنان واخشوشنوا يعني اصيبوا من الدنيا حظا فيه خشونة واياكم والترف فان الترف يورد على الانسان الشر قوله تعالى فانظر الى اثار رحمة الله كيف يحي الارض بعد موته ان ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير. فاذا كانت الارض الخاشعة الخالية من كل اذا انزل الله علينا المطرة فنزلت وربت وانبتت من كل زوج بهيج وقت لطلبتها كثرت اصنافه ومنافعه وجعله الله تعالى من اعظم الادلة الدالة على وسعة رحمته وكمال قدرته وانه سيحيي الموتى من الجزاء فالدليل في القلب الخالي من العلم والخير حين يلزم الله عليه غيث الوحي فيكز بالنبات وينبت من كل زوجة وينبت من كل زوج بهيج من العلوم المختلفة النافعة والمعارف الواسعة والخير الكثير والبر الواسع والاحسان العزيز والمحبة لله ورسوله واخلاص الاعمال الظاهرة اخلاص الاعمال الظاهرة والباطنة لله وحده لا شريك له والخوف والرجاء والتضرع والخشوع لله وانواع العبادات واصناف التقربات والنصح لله لرسوله ولكتابه ولائمة المسلمين وعامتهم وغير ذلك من العلوم والاعمال الظاهرة والباطنة والفتوحات الربانية مما لا عين رأت ولا سمعت ولا خطر على قلب بشر اعظم من الارض بكثير على سعة رحمة الله واسعد وتنوع هبات وكمال اقتداره وعزته وانه يحيي الموتى لجزاء وان عنده في الدار مصر من الخيرات والفضل ما لا يعلمه احد غيره فقد نبه الله على ان حياة القلوب بالوحي لمن زاد حياتنا ضد الغيث وان القلوب الخالية من الخير بمنزلة الارض الخبيثة. فقال تعالى والبلد الطيب هو الذي خبث لا يخرج الا نكدا. كذلك يصرف الايات لقومه يشكرون ذكر المصنف رحمه الله تعالى ها هنا فائدة لطيفة حسنة بانه كما يحصل احياء الارض بعد موتها بانزال المطر عليها كما قال الله عز وجل ومن اياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت ان الذي احياها للموتى وانه على كل شيء قدير. فكذلك القلوب اذا اغيثت بالهدى والنور فان في ذلك حياتها. وفتح ابواب الخير زيها كما قال الله عز وجل اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس خارج منها فان هذا النور الذي وقع له هو الغيث الذي انسجم على قلبه وهو نور الهداية من القرآن والسنة فاوجب لقلبه حياتها وجلب لنفسه سعادتها. وقد اوصد الى هذا النبي صلى الله عليه وسلم بضرب المثل في الحديث المخرج في هي عين عن ابي موسى رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث اصاب ارضا فذكر النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء به موصوفا بوصفين اثنين احدهما انه غيب فكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فيه صلاح للقلوب. ولذلك فان الارض لا تنتفع بكل ماء نازل. وانما تنتفع بالغيث منه وقد تمطر الارض مرة واخرى وثانية فلا يحصل بالمطر نفع لانه ليس بغير وصفه الثاني ان الغيث الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كثير ففيه كل خير ولا يخرج عما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم شيء من خير الدنيا والاخرة. ثم قسم النبي صلى الله عليه وسلم قلوب ازاء ما جاء به الى ثلاثة اقسام اولها ما كان بمنزلة الارض النقية التي امسكت الماء وانبتت الكلى. فانتفع الناس وثانيها ما كان بمنزلة الارض الاجادل التي امسكت الماء ولم تنبت كلأ فانتفع الناس بما امسكت من الماء وثالثها القلوب التي هي بمنزلة القيعان فلم تمسك ماء ولم تنبت كلأ وكما ان هذا مشهود من في العيان لظاهر الارض فكذلك هو كائن في القلوب. فان القلوب منها ما يصيبه هذا الهدى والنور فيكون به ذلك القلب فينبت الكلأ ويمسك الماء فينفع نفسه وينتفع به الناس ومن القلوب من يمسك الماء به نوع نفع ومن القلوب من لا يمسك شيئا من الخير فذلك هو القلب الميت. نسأل الله العلي العظيم ان يرزقنا قلبا سليما وان يقينا امراض القلوب وافاتها واوظارها قوله تعالى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل هذه الاية جمعت كل علم صحيح وذلك ان العلم اما مسائل نافعة واما دلائل مصيبة تنفع المسائل المشتملة على الحق وهو الصدق والعدل والقسط والاستقامة ظاهرا وباطنا. اهدى السبائع واهدى الدلال واهدى الدلائل واهدى الدلائل وارشدها ما هدى السبيل الموصل الى المطالب العالية والمراتب السامية فالكتاب والسنة كفيلان بهذين الامرين على اكمل الوجوه وما اسوأ ذلك فهو باطل وضلال. وماذا بعد الحق الا الضلال؟ وما بعد الهداية الا وما بعد الهداية الى السبيل المستقيم الهداية من السبيل الى سبيل الجحيم. ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق واحسن تفسيرا هذا المعنى الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى مصدق بدلائل كثيرة من الكتاب والسنة فان كل علم نافع صحيح هو في القرآن والسنة ولا يخرج عن القرآن والسنة علم ينتفع به العبد في اصلاح احواله. ففي القرآن والسنة شفاء القلوب وصلاح النفوس وجميع المصالح التي تستقيم بها احوال الناس في الدنيا والاخرة. فماذا بعد الحق الا الضلال الا ان حظ الناس من هذا الحق والنور على قدر ما يوفقهم الله عز وجل اليه من النور كما قال الله عز وجل فمن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. فالمرء ولو تزيد بكثرة الكتب وادمان النظر فيها ولم يجعل الله له نورا فانه لا ينتفع بهذه الكتب. وليست العبرة بكثرة الكتب وقلتها. ولكن العبرة بصلاحية القلوب ان تكون محلا للعلم. فان العلم امانة الله في هذه الارض. ولا يضع الله سبحانه وتعالى امانته في كما ان الرجل الحكيم اذا كانت عنده جوهرة فانه لا يضعها في مزبلة. وكذلك العلم انما يوضع في القلوب لحملة واما مجرد جمع الكتب وادمان النظر فيها اذا لم يوفق العبد الى هذا النور فانه لا ينتفع بها كما قال ابو العباس ابن تيمية في الوصية الصغرى ومن لم يجعل الله له نورا لم تجده كثرة الكتب الا حيرة وضلالا الاخلاص والالتجاء الى الله على الدوام والرجوع اليه في كل امر هو السبب الاعظم في حصول الهداية الى الصراط المستقيم علما وعملا قال الله تعالى عن الخليل عليه السلام وقال اني ذاهب الى ربي سيهدين وقال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فقال تعالى قال ربي اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي فقد استجاب الله له هذا الدعاء ووقع الامر هؤلاء الايات اللاتي جاء فيها اجابة الله عز وجل لدعاء الانبياء السبب الاعظم فيها هو اخلاصهم لله عز وجل فان الاخلاص يجمع للعبد كل خير ويبلغه المقامات التي تضعف عنها النفوس. فان من اخلص خلص ومن كانت نيته صحيحة كان بمثابة من كانت مطيته ثمينة. والمطية الثمينة تقطع بصاحبها القصار والفيافي وكذلك النية الصحيحة تقطع بصاحبها القفار والفيافي وتوصله الى المطلوبات العظيمة. ومن احسن ما سمعت من الابيات الطيارة المتعلقة بهذا المقام ما سمعته من شيخنا علامة حايل سليمان رحمه الله تعالى فانه كان ينشد بالاخلاص بيتا جميلا فيه اعمل لوجه واحد يكفيك كل الاوجه. والمعنى ان من عمل مخلصا لله عز وجل شفاه الله عز وجل سائر الوجوه ووفقه الى مطلوباته قوله تعالى فلما اسلم وتله للجبين لما كان قوله اسلما توطينا لنفسه على امر الله واسلما مقرونا بالاخلاص والامتثال والعزم ربما وتخلف عنه ذكر الفعل بقوله وتله للجبين فاجتمع العزم والفعل ولكن تخلف اثر الفعل وهو وقوع الذنب كما ذكر تعالى انه ابدل اوليدي بحين عظيم فداء له هذه الاية فيها بيان ان قوله وتله للجبين ليس تكريرا لقوله فلما اسلم لان الاسلام والتسليم فيه الدلالة على العزم على الفعل ثم قوله وتله للجبين فيه الاعلان بايقاع هذا الفعل فاجتمع العزم والفعل في هذه الاية توصل اذا وفق الحاكم ان يحكم بالحق والعلم لا بالجهل والباطل وبالعدل وحسن القصد لا بالظلم واتباع الهوى. فقد سلك سبيل الانبياء قال تعالى يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله. ان الذين يضلون عن سبيل الله على من شديد يوم الحساب سبق بيان ان السياسة النافعة للناس هي السياسة الشرعية كما بين هذا في التقرير على رسالة محمد الامين الشقيقي الاسلام دين كامل. ومن جملة السياسة الشرعية ان يتبع العبد ما جاء من ذلك عن الانبياء فان الانبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يحكمون بالحق والعلم لا بالجهل والباطل. فمن حكم الحق والعلم كان متبعا لهم فوفق للسياسة الشرعية. وكان حاكما بالعدل ومن عدل عنها فقد وقع في غيرها من انواع السياسات الباطلة وصار ظالما متبعا بهواه غير مقدم للعلم ولا خائفا من الرب قوله تعالى وينجي الله الذين اتقوا فيما فازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون. فوعد الله المتقين بنفي العذاب عنهم ظاهرا وباطنا كما لهم في اخر سورة النعيم ظاهرا وباطنا من قوله زنارا حتى اذا جاءوها او فتحت ابوابها قال لهم ندعوا سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين فقابل الله عز وجل في هاتين الايتين بين نوعين احدهما يتعلق بعذاب منفي والاخر يتعلق نعيم واصل فاما العذاب المنفي فان الله عز وجل نفى عنهم عذاب الباطن والظاهر. فاما عذاب الظاهر ففي قوله تعالى لا يمسهم السوء واما عذاب الباطن فبقوله تعالى ولا هم يحزنون. وفي مقابل هذا ذكر نوعين من النعيم الواصل اليهم تكميلا وهو نعيم باطن بطيبهم فاخبر بانهم طيبين بقوله تعالى طبتم ونعيم ظاهر في كونهم خالدين في قوله تعالى فادخلوها خالدين ان قلت ان الله اخبر في غير موضع انه لا يهدي القوم الظالمين ولا يهدي القوم الفاسقين والقوم الكافرين والمجرمين ونحوهم والواقع انه هداك انه هدى كثيرا من الظالمين والفاسقين والقوم الكافرين والمجرمين ما ان قولا صدق وحق لا يخالفه الواقع ابدا الجواب ان الذي اخبر انه لا يهديهم هم الذين حقت عليهم الشقوة وكلمة العذاب فانها اذا حقت وتحققت وثبتت ووجبت فان هذا لا يتغير ولا يتبدل. قال تعالى وكذلك حقت كلمات ربك على الذين كفروا انهم اصحاب النار وقال كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا انهم لا يؤمنون. وقال ان الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل اية حتى روى ذهب الاهلي وغير ذلك من الايات الدالة كان هذا المعنى وهؤلاء هم الذين اقتضت حكمة الله تعالى انه لا يهديهم لكون لا يصلحون للهداية ولا تليق بهم فلو علم فيهم خيرا لاسمعهم ولو اسمعهم لتبلغوهم هم الذين مرضوا على اسباب الشقاء ضربوها اختاروها على الهدى واما من سبقت لهم من الله الحسنى فان الله تعالى يهديهم ولو جرى منهم ما جرى فانه تعالى هدى كثيرا من ائمة الكفر المحاربين فله ولرسوله وكتبه فصاروا من المهتدين والله عليم حكيم فالذين اخبر عنهم انه لا ياتيهم هم الذين حقت عليهم الشقوة والذين هداهم هم الذين سبقت لهم منهم الحسنى واقعا على شيء والهداية واقع على شيء اخر فلم يحصل تناقض ولله الحمد هذه الجملة ذكر فيها المصنف رحمه الله تعالى موضعا يتعلق بمشكل القرآن. فان من العلوم النافعة العظيمة المتعلقة بالقرآن معرفة في مشكلة ففي هؤلاء الايات الكثيرات اخبر الرب عز وجل انه لا يهدي الظالمين ولا يهدي الفاسقين ولا يهدي الكافرين ثم اذا نظر الى الواقع وجد ان من ائمة الكفر وصناديده من كتب الله عز وجل له الهداية. وحل الاشكال ان يعلم ان الذين لا يهديهم الله عز وجل من الكافرين والظالمين والفاسقين هم الذين حق عليهم العذاب. فهؤلاء هم الذين لزمتهم الضلالة والفسق والكفر فلا ينفكون عن البتة اما الذين لم يحق عليهم القول في الضلالة والفطر والكفر فان الله عز وجل يوفقهم للهداية. وهذا النوع من انواع علوم القرآن نوع نافع اذ به يتمرن الطالب على فهم وحل الاشكالات التي تتعلق بالايات البينات سواء ما كان متعلقا بالقرآن الكريم وهو حقيقة ان يفرد باسمه مختلف القرآن تبعا لافراده الحديث او كان متعلقا بمشكل القرآن الذي يختص بوقوع مناقضة في الظاهر بين القرآن او حديث او القرآن او الواقع فمن مثال هذا الباب ان الله عز وجل تارة نفى الانساب يوم القيامة. فقال فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون. واثبت الله عز وجل وجوده في ايات منها قول الله عز وجل يوم يفر المرء من ابيه وامه واخيه وصاحبته وبنيه فما الجمع بينهما الدروس في التمرن ترى ليست للافتاء تمرن الانسان وجه قريب وهو ان المراد بالنسب المنفي هو النسب الذي ينفع. لان الاصل ان صلة النسب حاملة على نفع القريب لقريبه واما النسب المثبت فهو الحقيقة الثابتة من جهة الصلة بينهم بان هذا والد لهذا وهذا ابن لهذا فائدة وهي في الحقيقة تابعة للايراد السابق في اخبار الله انه لا ينهي الظالمين والكافرين ونحوهم مع انه وقع من هداية لمن اتسع بذلك وجوابه السابق وهو ان انك واقع على من حق عليه انه مجرم من اهل النار وان الهداية الحاصلة لمن لم يكن كذلك ثم تبين لي في يومي هذا وتوضحت معنى ما زال مشكلا علي حتى وضحه الله وله الحمد وهو حل هذه الاية الكريمة واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابة من الارض تكلمهم ان الناس كانوا باياتنا لا يوقنون. وانها تقرير الاية التي قبلها فان الله تعالى قال لرسوله مصليا بعدم ايمان وعالدين وان هذا لا يضر الحق شيء اذا ولوا مدبرين وما انت بهاد عمي عن ضلالة ان تسمع الا من يؤمن باياتنا فهم مسلمون فلما بين له ان اجتهادا صلى الله عليه وسلم في هداية الضالين انما ينتفع به ويسمعه سمع قبول وقياد. فليؤمن باياتنا فهم مسلمون واما الموتى الذين ليس في قلوبهم ادنى حياة لطلب الحق فكما ان صوتك لا تسمع به الاموات موت حسيا فصوتك ايضا في الدعوة الكاملة به موت القلوب وغف للمعرضين المدبرين عن الحق. ولا الذين صاروا الاعمال هم وقفا والغي لهم نعتى فهؤلاء هم الذين ختم الله على قلوبهم وسمعهم وابصارهم اولئك هم الغافلون وهؤلاء هم الذين حق عليهم القول واذا حق القول اشقياء فهم لايات والتذكير كما لا تنفعهم الايات التي يصير الايمان عند اضطراره وهي الايات الكبار التي تكون مقدمة الساعة فانها اذا طلعت الشمس من مغربها بها لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قلبها وكسبت في ايمانها خيرا حينئذ حق القول على الاشقياء انهم لا يزالون على شقائهم فيخرج لهم دابة من الارض تكلمهم وتغير المسلم من الكافر فالقول اذا لا يتغير ولا يتبدل ويحصل اليأس من ايمان الكافرين. ولو كانت الايات اكثر الايات فالاية تقرر ما قبلها وتدل على العلة الجامعة وهي ان من حق عليه القول لو جاءت كل اية لم يؤمن حتى يرى العذاب الاليم. والله اعلم وهذا المعنى الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى هو مصدق بما تقدم تقريره لان المحرومين من الهداية هم الذين حق عليهم قول الله الله عز وجل ولزمتهم الضلالة فلا يتحولون عنها حتى يروا الايات البينات فاذا رأوا الايات البينات واولها طلوع تمشي من مغربها فعند ذلك يكون ايمانهم اضطراريا لا اختياريا. وانما ينتفع العبد بالايمان الاختياري للاضطراري كما ما تقدم بيانه بذبح الصباح تصل الى العزم الذي مدح الله به خيار خلقه كقوله فاصبر كما صبر اولي العزم من الرسل هو قوة الارادة وجزمها على الاستمرار على امر الله والهمة التي ولا تذكر في طلب رضوان الله وحسن معاملته وتوطين النفس على عدم التقصير في شيء من حقوق الله. ولذلك نام الله ادم عليه السلام قاموا بعدم استمراره على الامر وحصول الاغترار منه لعدوه باسم الشجرة التي عهد الله له بالامتناع من قال تعالى ولقد عهدنا الى ادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما فحصول الفتور وفلتات التقصير كما منات كمال العدل ولهذا لم يكن كمال هذا الوصف الا لمن بلغوا الدرجة العالية في الفضائل والنقص انما يصيب العبد من احد امرين ما من عدم عزله على الرشد الذي هو الخير واما من عدم ثباته واستمراره على عزمه ولهذا كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اني اسألك الثبات في الامن والعزيمة على الرشد. ومن امثال الادعية واجمعها للخيرات ومن اعانه الله من انفع الادعية واجمعها للخيرات فمن اعانه الله على نية الرشد والعزيمة عليها والثبات والاستمرار فقد حصل له اكبر اسباب السعادة ونصب هذا المقام درجات بحسب درجات بحسب قيامهم بهذه من امرين وحسب ذي وحسب ذي الفضل فضلا ان تكون العزيمة على وصفه واثارها من العلم والعمل نعته. واذا حصل له نوع فتور وقلل في هذا المأمور رجع الى اخيه واخبثه ودعوى هذا الداء بالتذكر والاستغفار. قال تعالى ان الذين اتقوا الى نفسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون. اي تذكروا الخلل الذي دخل عليه من الشيطان وان نقص الذي حصل لهم به الخسران فابصروا ذلك فبادروا الى سبه والعودة الى ما عودهم وليهم من لدوم الصراط المستقيم نسأل الله تعالى ان يجعلنا منهم بمنه وكرمه امين من مقامات النفس الحميدة ان تكون تلك النفس ذات عزيمة فانها اذا كانت ذات عزيمة وفقت بهذه العزيمة الى بلوغ المقامات العالية. ولهذا لم ينل خلص الانبياء المقامات الا لما اتصفوا بهذا العدل. وفي ذلك قال الله عز وجل لنبيه فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل. واذا لم قل للعبد عزيمة فانه لا يترقى الى تلك المقامات ولا يصل اليها. والعبد يلحقه نقص من احد امرين كما ذكر المصنف رحمه الله تعالى احدهما من عدم عزمه على الرشد الذي هو الخير. فتجده كثير التردد والتلج. وقد قال الشاعر اذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فان فساد الرأي ان تتردد. فمتى عقل المرء امرا حسنا؟ ينبغي ان تكون عزيمته ماضية الغير مترددة وتعنيهما انه لا يثبت على ابتغاء هذا الامر الذي طلبه ولا يداوم عليه. فكم من انسان يريد وصوله الى شيء لكنه شرعان ما تزل قدمه عنه وتضعف نفسه دونه. وما احسن قول الشاعر لكل الى العلا وثباته ولكن عزيز في الرجال ثبات. فاذا ثبت المرء ورسخت قدمه في تحصيل مطلوبه فانه حين اذ يدركه لا محالة الاخلاص لله تعالى اعظم الاسباب بعون الله للعبد على جميع اموره ولثبات قلبه وعدم انزعاجه عند المقلقات والشدائد. قال الله تعالى يا ايها الذين الله ينصركم ويثبت اقدامكم. اي اذا كان قصدكم في جهاد الاعداء نصر الله وان تكون كلمته هي العليا. نصركم الله على وثبت اقدامكم في مواطن اللقاء فالنصر سبب خارجي وتثبيت الاقدام سبب داخلي وبهذين الامرين يتم الامر هذا المعنى تقدم غير مرة في بيان عظيم اثر الاخلاص او في كونه ايضا سبب من اسباب النصر. نعم كمال العبد في تمام النعمتين نعمة الدنيا ونعمة الدين ونعمة الدنيا فيهما تحسن السعادة العاجلة والعاجلة فنعمة الدين بالعلم الهادي الى الصراط المستقيم بتقوى الله التي هي امتثال امره واجتنا بنيه ونعمة الدنيا بان ينقطع العبد عن رجاء المخلوقين والافتقار اليهم ويرزقه الله العفة عن القبائل ثم تغريه بالحياة الطيبة والخير الذي يكون عونا له على عبادة ربه. قال تعالى والذين اهتدوا زادهم هدى واتاهم تقواهم. قال تعالى وليستعففوا الذين لا دون نساء حتى يغنيهم الله من فضله. قد تضمن هذا هذه الامور الاربعة الدعاء الذي ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان بهذا الدعاء اللهم اني اسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ونعمة الدين هي نعمة الروح كما ان نعمة الدنيا هي نعمة البدن ولا يبلغ العبد حظه من هاتين النعمتين الا بما ذكر رحمه الله تعالى فان الروح تتنعم بالعلم الهادي الى الصراط المستقيم وبتقوى الله والبدن يتنعم بان ينقطع العبد عن رجاء للمخلوقين والاستقال اليهم ويرزقه الله العفة عن القبائح فاذا اجتمع هذان الامران عند العبد فانه ينال حظه الكامل من نعمة الدين والدنيا ونعمة الروح والبدن قوله تعالى يا ايها الذين امنوا اذا قيل لكم ففسحوا في المجالس وامسحوا يفتح الله لكم واذا قيل انشدوا فانشدوا وارفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات والله بما تعملون وخبير فيها فضيلة التأدب بالاداب الشرعية ورفعتها عند الله ولو ظنها الانسان من قصة فليس النقص غير الاخلال بعذاب الله لعباده وهذا المعنى ظاهر من نصوص كثيرة من القرآن والسنة ان العبد تحصل له السعادة على قدر ما يكون معه من التأدب بالاداب الشرعية. كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى اداب عنوان سعادة المرء وفلاحه وقلة الادب عنوان خسار المرء وبوارثه فينبغي للعبد ان يحرص على التلمس الاداب الشرعية وان يقيم نفسه فيها حتى يكون في ذلك تكميلا لعبوديتك ومن الفوائد ايقاع الظاهر موقع المظمل في هذه الاية فانه الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات فلم يقل يرفعكم ليدن ذلك على فضيلة الامام والعلم عموما وان بهما تحصل الرفعة في الدنيا والاخرة. فيدل على ان من ثمرات العلم والايمان سرعة الانقياد لامر الله وان هذه الاداب ونحوها انما ونحوها انما تنفع صاحبها ويحصل له بها الثواب. اذا كانت صابرة عن العلم والايمان وهو ان تكون خالصة لوجه الله لا لغير ذلك من المقاصد تقدم ان قاعدة الاظهار في موقع اظمار تكون لنكتة في المعنى كما في هذه الاية فان الله عز وجل اظهر ولم يضمر لابراز فضيلة الايمان والعلم عموما فلم يقل الله عز وجل يرفعكم مع تقدم الخطاب بالضمير وانما اظهر فقال يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات ليبرز فضيلة العلم والايمان قوله تعالى هو الذي اخرج الذين كفروا من اهل الكتاب من جارهم او للحشر ما ظننتم ان يخرجوا وظنوا انهم ما نهتهم حصونهم من الله فاتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يطربون بيوتهم بايديهم وايدي المؤمنين فاعتبروا يا اولي الابصار ما اضعف اليقين في قلوب كثير من المؤمنين تجدهم الان استولى عليهم اليأس وظنوا ان امر الافراج الغربي الان سيظهر وسيدوم ان اهل الايمان لا قيام لهم وانهم لابد مغلوبون واعدائهم لابد ولو سبب هذا نظرهم الى الاسباب المدركة بالحس وقصر النظر عليها ولم يقع في قلوب من لورى على اسباب مشاهدتها اسبابا غيبية اقوى منها وامور صورة الهية لا تعارض ولا تمانا وافاكم تطأ تطأ تطري احسن الله اليكم وافاكم تطري وقوات تزور وضعفا اطراف وفاة تطرى وقوات وقوات تزول وضعفا يزول وامورا لا تدخل تحت الحساب. فهؤلاء اهل الكتاب ذو القوة وظنوا ان حصونهم على الهمزيان كما هو لغة لبعض العرب نعم فهؤلاء اهل الكتاب ذوو القوة والشوكة قد غرتهم انفسهم وظنوا ان حصونهم مانعتهم وانهم يمتنعون فيها ولم يخطر في قلوب المؤمنين خروجهم منها حتى دعاءهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون واستولى عليهم الضعف والخراب من حيث لا يشعرون وللكافرين امثالها. فالمؤمن حقا هو الذي ينظر الى قدر الله وقومه وماله من العزة والقدرة ويعلم ان هذا لا تعارضه الاسباب وان عظمت وان نمو الاسباب ونتاجها اذا لم يعارضها القدر فجاء القدر انحل عذره عنده عنده طب وما حل عنده كل شيء ولكن الاسباب محل حكمة الله وامره فامر المؤمنين بالاستعداد لعدوهم ظاهرا وباطنا. فاذا فعلوا المأمور ساعدهم المقدور هذه الجملة من احوج ما تكون اليه حاجة الناس في هذه الاوقات فان كثيرا من الناس لما رأوا غلبة الكفار ظنوا انهم يمكنون من اهل الاسلام. كيف والله عز وجل يقول ومن اصدق من الله حديثا يقول ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا الا ان قدر الله عز وجل نافذ. فان المؤمنين قد يحصل منهم من التقصير عن الشريعة والتفريط في ما يوجب امضاء العقوبة لهم حتى تحملهم العقوبة على الرجوع اليها. كما وقع هذا في غزوة احد كما ذكره وابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد حتى اذا اذن الله عز وجل بظهور مقدوره وابراز الغلبة للمؤمنين الله عز وجل لذلك الاسباب الا ان الامر الثابت الذي لا محيص عنه ان الله عز وجل لا يسلط على هذه الامة عدوا يستبيح بيضتهم جميعا. بل لا بد ان تبقى بعض بلاد الاسلام نافذة لا يد للعدو عليها. ومن قرأ التاريخ عرف حقيقة معنى الايات والاحاديث الواردة في هذا الامر قوله تعالى والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم لا يمكن ان تكون القبلية في في قوله من قبلهم راجعة الى الدار دون الايمان بان اللفظ لا يسعد ولا هذا لان الوصف بالجار والمجرور ولا يصلح اسف لان الوصف بالجار والمجرور لا يصلح الا ان يعود على المعطوف والمعطوف عليه فالى اين يعود وقد علم وتقرر ان المهاجرين قد تقدم ايمانك منهم على الانصار فالجواب ان هذا عائد من الدار والايمان على اللفظ مصرح به وهو التبوؤ والاستقرار ان اهل الايمان لهم حال تبوأ تمكينه يتمكنون فيه من اقامة دينهم وقيامهم في انفسهم وفي غيرهم ولهم حال وجود للايمان منهم دون تمكين فلم يحصل التمكين الا بعد ما الى المدينة صار لهم دار اسلام وبهذا يتبين المعنى. هذه الاية من سورة الحشر قد يتوهم متوهم انها مشكلة لان الانصار لم يتبوأوا الايمان قبل المهاجرين بل كان المهاجرون هم السابقون الى الايمان ومعنى هذه الاية ان الانصار سبقوا باجتماع الامرين فبمجموع الامرين حصل لهم السبق فصاروا قبلا فهم الذين تبوأوا الدار والايمان فكانوا مؤمنين وكانت لهم دار ايمان واسلام اما المهاجرون فانه لم يحصل لهم الا الايمان. واما كينونتهم في دار ايمان واسلام فهذا لم يقع لهم الا بعد الهجرة الى فصار الانصار سابقون بهذا الامر التجارة نوعان احدهما تجارة الربح والجنات وانواع الكرامات وصنوف اللذات وهي تجارة الايمان والجهاد في سبيل الله. قال تعالى يا ايها الذين امنوا هل ادلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله باموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون فهؤلاء هم الرابحون حقا وهم الذين تحققوا بالايمان ظاهرا وباطنا فاذ اجتهدوا في علوم الايمان ومعارف الايمان في اعمال الباطنة كمحبة الله ورسوله في رجائه وفي اعماله الظاهرة كالاعمال البدنية والمالية والمركبة وجاهدوا انفسهم على هذا وجاهدوا اعداء الله بالحجة والبرهان والسيد والشمال فثاني ما تجارته ذبح الخسران واصناف الحسرات وهي كل تجارة مشملة عن طاعة الله ومفوتة لتلك التجارة الرابحة. قال تعالى واذا رأوا تجارة فقال قل ما عند الله خير من له ومن التجارة والله خير الرازقين. وكم في القرآن من منهج كالتجارة والحث عليها والثناء على اهلها يعني هو من ضمن التجارة الاخرى والزجر على ود من اهلها. واهل التجارة الرابحة اذا اشتغلوا بالزيارة المعاش لم تكن قاطعة لهم عن تجارتهم بل ربما كانت عونا لهم عليها اذا احسنوا فيها النية وسلموا من المكاسب الردية واخذوا منها مقدار الحاجة قال تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة. فلم يقل انهم لا يتجرون ولا يبيعون بل اخبر انهم لو فعلوا ذلك لم يشغلهم عن المقتول وهم ذكر الله العبادات وعطف البيع على التجارة وان كان البيع داخلا فيها لانه اعظم الاسباب التي تحصل بها التجارة وانواع المكاسب وابركها والله واعلم بهذه القسمة التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى يتبين الجمع بين الايات التي جاء فيها ذكر السيجارات وان تجارات تتنوع الى نوعين اثنين احدهما تجارة ربحها الجنات وانواع الكرامات وصنوف اللذات وهي التجارة مع الرب سبحانه وتعالى بالايمان والجهاد في سبيله. فاهل وها هم الرابحون صدقا وحقا والنوع الثاني تجارة الربح والخسران واصناف الحسرات وهي كل تجارة مشغلة عن طاعة الله عز وجل ومفوتة لتلك التجارة الرابحة وهي التي ذكرها الله عز وجل في سورة الجمعة. فلما كانت هذه التجارة حائلة بين العبد وبين اقباله على ربه كانت تجارة مذمومة تورث صاحبها الخسارة ولا ينجو من الاشتغال بتجارة المعاش الا من وقف اشتغاله بها على ما فيه اصلاح امر دنياه مع عنايته باصلاح امر دينه. اما من جمع قلبه على تجارة المعاش مصلحا لدنياه غافلا عن اصلاح دينه فانه تجره تلك التجارة الى عواقب وخيمة وعذاب شديد في الدنيا والاخرة كما ذكر الله سبحانه وتعالى في اية سورة الجمعة. ولذلك فان التجارة انما تحمد اذا اشتغل بها العبد مع بقاء اتصاله بربه واقباله عليه. اما اذا حالت بين العبد وبين الرب فانها تكون مذمومة. ومن هنا ذهب بعض كل المؤمنين الى نبذ التجارة اذا شغلت عن العبادة. كما جاء عن ابي الدرداء رضي الله عنه انه اشتغل بالتجارة ثم تركها سئل عن ذلك فذكر انه وجدها قاطعة له عن الله عز وجل فباع تلك التجارة الكاسدة الرخيصة وهي تجارة واش واشترى تجارة رابحة عظيمة وهي تجارة مع الله سبحانه وتعالى بالايمان والعمل الصالح كل من قام بحقنا ودعا الينا وسعى في انكار منكر وابطال باطل واجبت معاونته ومساعدته على ذلك وهو داخل في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا وانصار الله ودلت هذه الاية ونحوها بالنجوم على الامر بالسعي بالاسباب التي تتم بها نصرة الحق كالتعلم والتعليم للعلوم النافعة ونحوها وهذا من بعض ما جاءت به الموالاة بين المؤمنين في قوله تعالى والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض فان هذه الموالاة ان كل من قام من المؤمنين بحق امرا بالمعروف نهيا عن المنكر فانه يعان على ذلك ولذلك قال في تتميم الاية المتقدمة بوصف المؤمنين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وفي مثلها قال الله يا ايها الذين امنوا كونوا انصار الله قوله تعالى يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه فيه ان غير المجرم لا يرد ذلك لانه قد افتدى في الدنيا من عذاب يومئذ للتقوى وانما هو في هذا اليوم لا يحزنه الفزع الاكبر ويعمل اجتماعه بمن صلح من ادائه وابنائه واحفاده في جنات النعيم. ففرق بين المجرم وغيره في الاخرة فان المجرم يوم القيامة يود لو يفتدي من عذاب ذلك اليوم باقرب الاقربين اليه اما غير المجرم فانه لا يود ذلك. لان المؤمن قد ابتدى من عذاب يومئذ بما قدمه من الايمان والعمل الصالح ومن تتبع هذه الكلمة في القرآن الكريم مع جمعها اعني كلمة المجرم وجدها لا تطلق في القرآن الكريم الا على الكافر. واما من جنى جناية في الاسلام من اهله فانه لا يطلق عليه اسم المجرم. وان صح من جهة اللغة لكنه لا يصح من جهة الشريعة لان اسم المجرم في الشريعة مختص بمن كان كافرا قوله تعالى يا ايها المدثر قم فانذر نبه الله تعالى فيها على حال رسوله وكماله واتمام نعمة الله عليه وكم بين ابتداء امره من الوحي وتدثره من شدة ما لاقيه والى اخر امره. حين اتم الله اموره كلها ولهذا امره بتكميل نفسه وتكميل غيره وارشده الى ما ينال به ذلك وهو القيام التام على وجه النشاط والتعظيم لربه وتكبيره في باطنه وتفعيل اعماله وثيابه الظاهرة في كل شر ودنس واستعمال رح الاعمال. وهو الاخلاص في كل شيء حتى في العطاء. فلهذا قال ولا تمن تستكثر ثم ارشده الى ما يعينه على كل الامور وهو الصبر لوجه الله فقال ولربك فاصبر ثم تكفل له بحفظه من الاعداء وحفظ ما جاء به بتوعده قم بالعذاب خصوصا لاكثرهم عنادا واعظمهم عداوة وهذا تمام النعمة. هؤلاء الايات من سورة المدثر من ابلغ الايات التي جاءت ببيان ترقي حال النبي صلى الله عليه وسلم في الكمال. فان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على تلك الحال كما قال الله عز وجل ووجدك ضالا فهدى يعني وجدك غافلا عما يراد بك فهداك الى هذا المراد العظيم وكانت هذه الهداية مرتبة على هذا النحو الذي ذكره الله عز وجل في صدر سورة مدثر ونثره المصنف رحمه الله تعالى بما من البيان فصل قوله تعالى كل نفس بما كسبت رهينة اي كل نفس مرتهنة محبوسة وموثقة بكسبها السيء وحبسها في العذاب السيء. وذلك لان الجزاء من جنس العمل اذا كما حدث المجرمون ما لديهم لله ولخلقهم من الحقوق اللازمة فلا نؤدي الصلاة التي هي اكبر العبادات المتضمنة المعبود ولا اطعم المساكين من الحق الذي اوجبه الله لهم في اموالهم ولا حبسوا نفوسهم على مشرع وقيدوها بقيود الدين بل اطلقوها بما شاء ومن المرادات الفاسدة فخاضوا بالباطل مع الخائضين ولا صدقوا ربهم ورسله مع تواتر الايات. بل كانوا يكذبون بيوم الدين فلذلك حبسوا في هذا المحبس الفظيع وادخلوا في سقر فلما كان اصحاب اليمين قد حبس حبسوا نفوسهم في الدنيا لاسرع الله تصفيقا وعملا واطلقوا السنتهم وجوارحهم في طاعة الله ومرضاته اطلق الله اسارهم وفكهم وفك رهنهم فلم يكونوا في ذلك اليوم مرتانين. بل كانوا مطلقين في مشتات انفسهم غدت عيونهم. فعمل العبد في الدنيا اما ان يكون سببا وسببا لخلاص بلي الاصل ان الانسان في حبس وان عمله سيركان لانه ظلوم وجهول طبعا الا من خلصه الله من هذا ومن سيد الصبر وعمل الصالحات ولهذا جعل الابتكار عاما واستثنى منه اصحابه فقال تعالى كل نفس بما كسبت رقيقة الا اصحاب اليمين. حاصل هذه الجملة ان العبد في الدنيا لا يخلو من حالين الحال الاولى ان يكون مقيدا نفسه وفق مراد الشرع والحال الثانية ان يكون مطلقا لنفسه عن ما نهى غير مقيد لها بما جاءت به الشريعة ويكون الجزاء يوم القيامة ان من قيد نفسه بمرادات الشرع اطلق الله عز وجل وثاقه وان من كان مطلقا للنفس عنانها في الدنيا عاقبه الله عز وجل برهنه الى عمله السيء. ولذلك ينزع الى بطبعه فتكون كل نفس بما كسبت رهينة الا اصحاب اليمين لان اصحاب اليمين كانوا في الدنيا قد قيدوا نفوسهم طعنوها بما جاءت به الشريعة فكان الجزاء الا يقيدوا يوم القيامة بشيء من القيود بل هم مطلقون منعمون في جنات النعيم شرع الله الدين والعبادات والاوامر والنواهي لاقامة ذكره ولهذا يذكر ان العبادات ناشئة عن ذكره كما قال تعالى قد افلح من تزكى وذكر اسم رب فصلى فجعلت صلاتنا ناشئة عن الذكر ومسببة ومسببة عنه كما جعلت صلاة الاقامة فقال واقم الصلاة لذكري وقال في تركه الذنوب والاستغفار منها والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم فجعل الاستغفار ما شأن للذكر بدل ذلك على ان الذكر لله هو الاصل الجامع الذي يتصل به المؤمن الكامل فيصير الذكر صلة لقلبه فيفعل لذلك المأمورات ويترك المنهيات ناشئ عن تعظيم الله تعالى وذكره وهو دليل على ذلك وهو اعظم المقصودات بالعبادات. قال تعالى ان الصلاة عن الفحشاء والمنكر وذكر الله اكبر. وقال تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين. وقال تعالى ان في خلق السماوات والارض اولي الالباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فكل من كان في عبادة فهو في ذكر الله ومن ترك منهيا لله فهو في ذكر الله وهذا. والمعنى الذي خلق الله الخلق لاجله وشرع الشرع لاجله. وجعل النعم الظاهرة والباطنة مقصودة لاجله ومعينة عليه. فنسأله تعالى ان يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ويجعلنا من الذاكرين ان الله كثيرا والذاكرات امين. حافظوا هذه الجملة تحقيق ان معنى الذكر يستوعب العبادة جميعا فان العبادات كلها تدوم مع ذكر الله عز وجل. وبه تعلم ان الصلاة من ذكر الله وان قراءة القرآن من الله وان طلب العلم من ذكر الله وان الجلوس في حلقه من ذكر الله ومن احسن من بين هذا المعنى واوضحه ايضاحا تاما بما لا يوجد عند غيره ابن القيم رحمه الله تعالى في صدر الوابل الطيب. فان له كلاما حسنا في بيان حقيقة الذكر واقسامه لا يوجد لغيره وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم من المناسبات الحسنة ان اكبر البراءة وهو براءة الله ورسوله من المشركين. امر الله باعلان ياتي يوم الحج الاكبر فالذنوب والمعاصي جميعها لا تشترط في البراءة من الله ورسوله وعدمه ولاة. ولكن البراءة التامة التي ليس معها من الموالاة مثقال ذرة انما هي من كل مشرك وكافر بالله العظيم وتمام موالاة المؤمن بالله ورسوله الموافقة التامة على هذه البراءة ولهذا كانت سورة قل يا ايها الكافرون لا اعبد ما تعبدون ولا انتم بدون ما اعبد وانا عابد ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد لكم دينكم ولي دين. متضمنة لهذا البراءة مستلزمة للاخلاص لله تعالى في جميع الدين. من الاصول العظيمة التي جاءت الشريعة ببيانها وتقريرها وكرر ذلك في القرآن غير ما مر من الشرك واهله وهي البراءة العظمى فان البراءة تنقسم الى قسمين اولاهما البراءة الصغرى وهي البراءة من الذنوب والمعاصي. فيجب على العبد ان يتبرأ من كل ذنب ومعصية ولو كان فاعله مؤمنا والنوع الثاني البراءة الكبرى وهي البراءة من كل مشرك وكافر وهذه هي البراءة التامة التي ليس معها من الموالاة مثقال ذرة وتنام موالاة المؤمن بالله ورسوله الموافقة التامة على هذه البراءة فالمؤمنون يوافقون الرب سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما برئوا منه فيبرؤون من الشرك واهله ومن الذنوب والمعاصي جميعا فصل سؤال ما هو الغيب الذي اثنى الله على المؤمنين به واخبر عن سعادتهم وفلاحهم واستحقاقهم النعيم المقيم فلعل العبد يعرفه ويتعرف الا ومواضعه فيجتهد في تحقيق الايمان ليكون من المفلحين فان اكثر الناس بل اكثر المؤمنين ليس عندهم في هذا الباب الا امور مجملات والفاظ غير محققة وهذا نفعه دون نفع التنويع والتفسير والتوضيح والتبين لكثير كثير فاذكرونا بحسب قدرتكم بطاعتكم فانا لا نطلب منكم شططا والا فقد تقرر ان هذه المسألة لا يتمكن خواص الخلق من ايتام حقها فبيان امرها مفتونة مأجورين الجواب ومن لا يستعين واليه اضعاف الهداية فيها وفي غيرها الغيب هو خلاف الشهادة ولهذا تقول سم الاشاوط اثنين غيبية ومحسوسة محسوسة المجاهدة لم يعلم يعلق الشارع عليها حكم من احكام الايمان الذي يفرق به بين اهل السعادة وغيرهم وذلك كالسماء والارض وما فيها من المشاهدة والطبائع المعلومة المعقولة انما يذكر الله تعالى من هذا النوع الادلة والبراهين على ما اخبر به واخبرت به رسله. القسم الثاني وهو الغيب الذي امر بالايمان ايه ومدح المؤمنين به في غير موضع من كتابه وضابط هذا القسم انه كلما انه كل ما اخبر الله به واخبر فيه رسله على وجه يدعو الناس الى والايمان به وذلك انواع كثيرة اجلها وعلاها وافضلها وانفعها واسرها ما اخبر به في كتبه واخبرت به رسله من اسماء الله الحسنى وصفاته العليا ونعوته الجليلة الجميلة وافعاله الحميدة وفي الكتاب والسنة من هذا النوع شيء كثير جدا بحسب الحادث اليه فانه لا اعظم حادثا وضرورة من معرفة النفوس بربها ومليكها الذي لا غنى لها عنه طرفة عين ولا صلاح لها ولا زكاة الا بمعرفته وعبادته وكل ما كان العبد اعرف باسماء ربه وما يستحق من صفات الكمال وما يتنزه عنه مما يضاد كان اعظم ايمانا بالغيب واستحق من الثناء والمدح بحسب معرفته وموضع هذا تدبر اسمائه الحسنى التي وصفه سلمى بها نفسه في كتابه وعلى لسان رسله. فيتأملها العبد اسما اسما يعرف معنى ذلك وان له تعالى من ليس الاسم اكمل واعظمه وان هذا الكمال والعظمة ليس له منتهى ويعرف ان كل ما ناقض هذا الكمال وان كل ما ناقض هذا الكمال ليتم الوجود فان الله تعالى منزه مقدس عنه ولما كان هذا النوع هو اصل الايمان بالغيب فاعظمه واجله. قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ان وتسعين اسما مائة الا واحد من احصاها دخل الجنة اي ضبط الفضاء فمعانيها وتعقلها في قلبه وتعبد الله بها وتقرب لمعرفتها الى رب العالمين. هذا السؤال الذي ذكره المصنف رحمه الله تعالى سؤال جليل. لانه يتعلق بامر فرق الله عز وجل به بين المؤمنين والكافرين فان الكافرين لا يؤمنون الا بما كان مشهودا. واما المؤمنين فانهم يفضلون عليهم بانهم بالغيب ولهذا اذا ذكر الله مجايح المؤمنين مدحهم بانهم يؤمنون بالغيب كما قال الله عز وجل في صدر سورة البقرة الذين يؤمنون بالغيب فلما كانوا كامل الايمان بالله سبحانه وتعالى انقادت نفوسهم وسلمت لان تؤمن بالغيب الذي خفي والغيب اسم جامع لكل ما خبي. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى انه انواع كثيرة من اجلها وانفعها وايسرها ما اخبر الله عز وجل به من اسماء الله الحسنى. فان من الغيب الذي حجبه الله عز وجل عن معرفة حقائق هذه الاسماء فاننا نعقل من الاسماء والصفات معانيها الا اننا لا نعرف حقائقها فاننا نعرف وصى الله بالعلم ونؤمن بان الله عليم له العلم. الا اننا لا نقدر قدر هذا العلم ولا نعرف حقيقته. ونؤمن بان لله عز وجل وجها ونعرف معناه الا اننا لا نقف على حقيقته. فمن ابلغ الايمان بالغيب الايمان بالاسماء الحسنى والصفات ذات العلا وكلما ازداد العبد تدبرا في معانيها وقطع نفسه عن الطمع في معرفة كيفيتها ازداد ايمانه ولذلك كان من احصى هذه الاسماء بمعرفتها وحفظها ودرك معانيها والتقرب الى الله عز وجل بها كان جزاؤه يدخله الله سبحانه وتعالى الجنة لان ذلك اعظم الغيب الذي حجبه الله عز وجل عن الخلق فينبغي للمؤمن الناصحي لنفسه ان يبذل ما استطاع من مقدوره في معرفة اسماء الله وصفاته وتقديسه ويجعل هذه المسألة اهم المسائل عنده واولاده واحقها بالتحقيق ليفوز من الخير ولهذا لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الانصاري عن سبب ملازمته قرأ بسورة قل هو الله احد في صلاته فقال لانها صلة الرحمن فاحب ان اقرأ بها فقال حبك اياها ادخلك الجنة عليه وثبت ان حب العبد لصفات الرحمن وملازمة تذكرها واستحضار ما دلت عليه من المعاني الجليلة والتفاهم من معاني التي معانيها من اسباب دخول الجنة وطريق ذلك ان يجمع العبد الاسماء الحسنى الواردة في القرآن وهي قريبة من ثمانين اسما وفي السنة زيادة على ذلك دبروها فيتدبرها ويعطي كل اسم منها عموم ذلك المعنى وكماله واكمله. ومن علامة ذلك الحب حرص العبد على معرفة تفسير كلام الله عز وجل. فان اكثر الغيب ومن جملته الاسماء الحسنى جاء في القرآن الكريم فمن له شرف بعلم التفسير ومحبة له فذلك من دلائل كمال ايمانه بالغيب لانه يسعى الى تفهم هذه المعاني التي ذكرها الله عز وجل عن الغيب الذي حجبه عن الخلق وهذا من علائم فرحه بالقرآن الكريم ومن اعظم الات العبد التي تعينه على فهم القرآن ان يكون فرحا بالقرآن محبا له كثير التعلق به ولهذا لم ما سئل الشيخ عبدالرحمن الدوسري احد المفسرين من القرن المنصرم لما سئل عن الة المفسر ذكر ان اولها فرحه بالقرآن فان الانسان اذا كان فرحا بالقرآن محبا له كثير الترديد لمبانيه وقافا عند تفهم معانيه فانه يفتح له حينئذ في باب التفسير وسبق ذكر حال الامام مالك رحمه الله تعالى وانه كان اذا دخل البيت لم يكن له شغل الا القرآن فاذا تدبر اسم الله عرف ان الله تعالى له جميع وله جميع معاني الالهية وهي كمال الصفات والانفراد بها وعدم الشريك بالافعال لان المال فانما يؤلم لما قام به من صفات الكمال فيحب ويخضع له ويخضع له ويخضع لها الله اليكم ويخضع لاجلها والباري جل جلاله لا يفوته من صفات الكمال شيء بوجه من الوجوه او يؤله ويعبد من اجل نفعه وتوليه ونصره يقلب النفع لمن عبده ويدفع عنه الضرر. ومن المعلوم ان الله تعالى هو المالك لذلك كله وان احدا من الخلق لا يملك لنفسه ولغيري نفعا ولا ضرا ولا موت ولا حياة ولا نشورا. فاذا تقرر عنده ان الله وحده مألوف واوجب له ان يعلق بربه حبه وخوفه ورجاءه. واناب اليه في كل وقطع الالتفات الى غيره من المخلوقين. ممن ليس له من نفسه كمال ولا له افعال ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ويتدبر مثلا اسم الاسم العليم في علم ان في علم ان العلم كله بجميع وجوهه واعتباراته لله تعالى فيعلم تعالى الامور المتقدمة امورا متأخرة اجلا وابدا وان اعلم ذليلا اموري وحقيرها وصغيرها وكبيرها ويعلم تعالى ظواهر الاشياء وبواطنها غيبها وشهادة ما يعلم الخلق منها وما لا يعلمون. ويعلم تعالى الواجبات او المستحيلات والجائزات ويعلم تعالى ما تحت الارض استبلى كما يعلم ما فوق ويعلم تعالى بزيات الامور وقبائل الصدور وخفايا ما في ارجاء العالم وانحاء المملكة فهو الذي احاط علمه بجميع في كل الاوقات ولا يعلم تعالى ولا نسيان. ويتلو على هذه الايات المقررة له كقوله في غير موضع ان الله بكل شيء عليم وقوله ان الله عليم بذات الصدور وقوله يعلم ما في السماوات والارض ويعلم ما تسرون وما توعدون والله عليم بذات الصدور. وقوله وان تجدر بالقول انه يعلم السر واخفى قوله سواء منكم ولا شر القوم زار به ومن هو مستقسم بالليل وسارغ بالنهار. وقوله الم تعلم ان الله يعلم ما في السماء ان ذلك على الله يسير. وقوله ان الله لا يخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء وهو الذي يصوركم الى الارحام كيف يشاء لا اله الا هو العزيز الحكيم. وقوله ان الله يعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما نفسكم باياظ تموت وان ان الله عليم خبير فقوله وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما في السقم ورقة لا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا بطن ولا يعبس الا في كتاب مبين فقوله الم ترى ان الله طيب خبير. وقوله عالم الغيب فلا يظهر على احدا الا من ارتضى بالرسول وقوله يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعبد فيها وهو الرحيم الغفور ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمد من بعده سمعت وادخل مما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم ما خلقكم وما بعثكم الا كنفس واحدة ان الله سميع بصير. المتر ان الله يريدني في النهار ويولد النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري الى اجر مسمى وان الله بما تعملون قدير. قوله والله خبير بما تعملون وقوله المتر ان الله يعلم ما في السماوات وما في الارض فيكون من نجوى ثلاثة الا ورابعهم ولا خمسة الا وسادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ان الله بكل شيء عليم. وقوله فلا تعلم نفس ما اخرجهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون وغير ذلك من النصوص الكثيرة على هذا المعنى فان تدبر بعض ذلك يكفي المؤمن البصير معرفة باحاطة علم الله تعالى وكمال امتي وجليل قدره وانه الرب العظيم المالك وكذلك يتدبر اسمه الرحمن وانه تعالى واسع الرحمة له كمال الرحمة ورحمته قد ما قد ملأت العالم العلوي والسفلي وجميع المخلوقات الدنيا والاخرة ويتدبر الايات الدالة على هذا المعنى كقوله تعالى ورحمته وسعت كل شيء وقوله ان الله بالناس لرؤوف رحيم وقوله تنظر الى اثر رحمة الله كيف يحي الارض بعد موته فان ذلك ليحيي الموتى وقوله الم تروا ان الله سخر لكم ما في السماوات وما في الارض واسرع عليكم نعمه صلته وباطنه وقوله وما بكم من نعمة فمن الله ثم اذا مسكم الضر فاليه تشعرون وقوله وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها ان الانسان لظلوم كفار. واذ قال ابراهيم رب اجعل هذا البلد امنا واجنبني وبني ان نعبد الاصنام ومن تبعني فانه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم. ويتلوا سورة النخل الدالة على اصول النعم وفروعها التي هي نفحة واثر من اثار رحمة الله ولهذا قال في اخرها كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون. ثم تدبر سورة الرحمن من اولها الى اخرها فانها عبارة عن شرح وتفصيل لرحمة الله تعالى. فكل ما فيها من دروب المعاني وتصاريف الالوان من رحمة الرحمن. ولهذا اختتم فاعد الله للطائعين في الجنة من النعيم المقيم الكامل الذي هو اثر من رحمته تعالى ولهذا يسمي الله جنة الرحمة بقوله واما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون وفي الحديث ان الله قال للجنتان في رحمتي ارحم بك من اشاء من عبادي وقال تعالى وهو ارحم الراحمين. وفي الحديث الصحيح ان الله ارحم بعباده من الوالدة بولدها او في الحديث الاخر ان الله كتب كتابا عنده فوق عرشه ان رحمتي سبقت غضبي وفي الجملة فالله خلق الخلق رحمته وارسل اليهم الرسل برحمته وامرهم ونهاهم وشرع لهم الشرائع برحمته. واسبق عليهم النعمة الظاهرة والباطنة برحمته ودبرهم بانواع التدبير ليصرفهم بانواع التصريف برحمته وملأ الدنيا والاخرة من رحمته فلا طابت الامور ولا تيسرت الاشياء ولا حصلت المقاصد وانواع المطالب الا برحمته ورحمته فوق ذلك واجل واعلى. وللمحسنين المتقين من رحمته نصيب الوافر والخير المتكاثر. ان رحمة الله قريب من المحسنين وهكذا يتدبر العبد صفات ربي واثارها واحكامها حتى ينصبغ قلبه بمعرفة ويستنير فؤاده ويمتلئ من عظمة خالقه وشواهد وصفاته من عظمة خالقه وشواهد صفاته ولنقتصر على هذا التنبيه اللطيف على هذه الاسماء الثلاثة ليحتذى في باقيها على هذا الحد وتدبر ويتدبر مثلا اية الكرسي واول سورة ال عمران واول سورة الحديد وغافر واخر سورة الحشر وسورة الاخلاص ونحوها من الايات المشتملة على هذا العلم العظيم. وما يتأيد بها من الاحاديث النبوية لينال حظا جزيلا من الايمان بالغيب. وليكون من الذين يخشون ربهم بالغيب جر المصنف الى هذه الجملة ما تقدم ذكره من ان الايمان بالغيب يتضمن الايمان بالاسماء الحسنى ثم مثل رحمه الله تعالى لثلاثة من الاسماء الحسنى التي اذا ادمن العبد النظر في معانيها اورثه ذلك علما نافعا وحالا كاملا فذكر اسم الله واسم العليم واسم الرحمن فالاول دال على الوهية الله عز وجل المقتضية لحبه ورجائه والخوف منه الحاملة على طلب القرب منه والتعبد له وذكر اسم العليم الدال على كمال علم الله عز وجل واحاطته بكل شيء. ثم ذكر اسم الرحمن المبين بيني لرحمة الله عز وجل التي وسعت كل شيء وسبقت غضبه سبحانه وتعالى. وقس على هذا بقية الباب من الاسماء الحسنى والصفات العلى من امور الغيب التي اذا تأمل الانسان في معانيها وتدبر اورثه ذلك علما كاملا وحالا تامة ومن الايمان بالغيب الايمان بجميع رسل الله الذين ارسلهم على وجه الاجماع والتفصيل لاشخاصهم ولدعوتهم وشرعهم وكذلك الايمان الجميع الكتب التي انزلها الله بداية للعباد على ما اجتباهم برسالة ولهذا سمى الله الوحي الذي انزله على رسوله صلى الله عليه وسلم غيبا فقال فما هو على الغيب بضنين ويذكر تعالى من ادلة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم. الاخبار بوقائع الانبياء المتقدمين وما جرى لهم فيقول تلك من انباء لنوحيها اليك ما كنت تعلم وانت ترى قومك من قبلي هذا فقولي وما كنت لديه ما كنت تناديهم اذ يختصمون وقوله فبجانب الغربي لقضيناه الى موسى الامر وما كنت من الشاهدين وما اشبه هذا مما التبيان رسالة محمد صلى الله عليه وسلم حيث اخبر بهذه الغيوم فتمام الايمان بالغيب ان يؤمن العبد بجميع لله ويعرف من صفاتهم ومن دعوتهم ما يحقق به هذا الامر. مما يندرج في الايمان بالغيب الايمان بجميع رسل الله الذين ارسلهم على وجه الاجمال والتفصيل. ولهذا سمى الله سبحانه وتعالى الوحي الذي انزله على رسوله غيبا. كما قال وما هو على من الغيب بضنين فالغيب في هذه الاية هو الوحي باجماع المفسرين كما نقله ابن القيم رحمه الله تعالى في في اقسام القرآن وكذلك ما اخبر الله عز وجل به نبيه من وقائع الانبياء المتقدمين كله من الغيب ولذلك قال تلك فمن انباء الغيب في اية اخر بين الله عز وجل فيها ان ما مضى من احوال الرسل من جملة الغيب فمن كان مؤمنا بالغيب فانه يؤمن بجميع الرسل الذين ارسلهم الله عز وجل كذلك يؤمن بجميع الكتب خصوصا هذا القرآن العظيم الذي كلف العبد بالايمان به اجمالا وتفصيلا. وكيفية الايمان على وجه الادمان والتفصيل ان يؤمن ويصدق بانه كلام الله انزله مع جبريل عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه وسلم بهذا اللسان العربي لينذر الخلق ويهديها الى الحق في في جميع المطالب ويلتزم العبد التزاما لا تردد فيه تصديق اخباراته كلها وانفصال اوامره وباجتناب نواهيه واحلال حلاله حريمي حرامه ثم يحقق هذا الاثر بتفاصيله فيتفهم ما دلت عليه اخباره ويجعلها عقيدة لقلبه راسخة لا تزلزلها الشبهات ويغيرها العوارض بكل ما اوصى به من اعمال القلوب والجوارح ان يقوم به على وجه الكمال والتكميل علما وعملا وحالا. وما لا يقدر عليه ينوي تعلون القدر عليك فكذلك النواهي يقول نفسه في كل ما روي عنه الا يقربه ولا يحوم حوله امتثالا لامر الله ورجاء لثوابه فبحسب قيام العبد بهذا يكون ايمانه بالغيب فمستقل ومستكثر ومتوسط ويدخل في هذا النوع الايمان باخباره بما كان من الامور الماضية وما يكون من الامور المستقبلة. من جملة ما يتعلق بالايمان بالغيب الايمان جميع الكتب ولا سيما هذا القرآن الكريم وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى طرفا مما يتعلق بكيفية الايمان بالقرآن فمن ذلك ان يؤمن العبد ويصدق بانه كلام الله سبحانه وتعالى كما قال الله عز وجل وان احد من المشركين استجارك فاجره حتى يسمع كلام الله يعني القرآن وان جبريل نزل به كما قال الله عز وجل في سورة الشعراء نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين. ويلتزم العبد التزاما لا ترددا فيه اخباره وامتثال اوامره واجتناب نواهيه. كما قال الله عز وجل وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا. فهي تامة بالصدق في الاخبار وبالعدل في الاحكام ثم يحقق هذا الاصل بتفاصيله. فما كان فيه من الاخبار رسخه في قلبه وعقد فعليه قلبه لا تزلزله الشبهات وما كان فيه من الاحكام ان كان امرا ترعى الى فعله وان كان نهيا زرع الى تركه ممتثلا قول الله سبحانه وتعالى يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة فبحسب قيام هذا الامر في قلب العبد يكون ايمانه بالغيب المتعلق بالقرآن والناس في ذلك درجات من انواع الايمان بالغيب الايمان باليوم الاخر وبما وعد الله العباد من البدع فدخل في هذا الايمان بجميع ما يكون بعد الموت من فتنة القبر واحواله بصبات يوم القيامة واهواله ومن صفات النار واهلها وما اعد الله لهم فيها ومن صفات الجنة واهلها وما اعد الله فيها لاهلها فيفهمها فمن صحيحا مأخوذا من الكتاب ودلالته البينة ومن السنة الصحيحة ودلائلتها الظاهرة فبحسب ما يصل الى العبد من نصوص الكتاب والسنة في هذا الباب وفهمها على وجهها يكون ايمان العبد بالغيب واذا استقر الايمان بالوعد والوعيد في قلب العبد وحصل فيه من ذلك تفاصيل كثيرة اوجب له الرغبة في فعل ما يقربه الى ثواب الله والرغبة من الاسباب الموجبة باهانة وعلم اما وعلم ان الله تعالى قائم على كل نفس بما عملت من خير وشر. وانه اثناء الفضل كامل العدل. قال تعالى جنات عدن الرحمة والعبادة وبالغيب انه كان وعده ماتين. فقال ومن اصدق من الله قيلا وقال ومن اصدق من الله حديثا وقال ان الله لا يخلف الميعاد هذه الجملة ذكر فيها المصنف نوعا اخر من الايمان بالغيب وهو الايمان باليوم الاخر وذكر انه يندرج في ذلك الايمان بجميع ما يكون بعد الموت وهذا الحد للايمان باليوم الاخر لانه الايمان بجميع ما يكون بعد الموت ذكره ابو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في الرسالة واستجابه المصنف في التنبيهات اللطيفة وذكر انه احسن ضابط لليوم الاخر فجميع ما يكون بعد الموت هو من جملة لليوم الاخر فيكون الايمان به ايمانا باليوم الاخر ومن الايمان بالغيب الايمان بالملائكة الكرام الذين جعلهم الله عبادا مكرمين لا يسبقونه بقولهم بامره يعملون وانهم لا يحصى لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما سبحان الليل والنهار لا يفطرون وانه تعالى جعله يدبرون بامره واذنه امور الدنيا والاخرة يحفظونه من امر الله ويحفظون عليه اعماله وما ينسب من قول الا لديه رقيب عتيد قال كلا بل تكذبون بالدين وانا عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون فلهم صفات وافعال مذكورة في الكتاب والسنة لا يتم الايمان بالغير الا بالايمان بها. من جملة ما يندرج بالايمان بالغيب الايمان بالملائكة الكرام فانهم كلام الله عليهم غيب غير مشاهد ولا محسوس لدينا. ولهذا فان المؤمنين يؤمنون بهؤلاء الملائكة وانهم خلق خلقهم الله من نور وجعل لهم اعمالا يدبرونها بامر الرب سبحانه وتعالى وابنه فهم اكثر جنود الله عز وجل فرجع الامام ابن غيب الى اصول الايمان الستة بالايمان بالله وملائكته ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره على هذا الوجه الذي ذكرناه والعصر الذي ادنى تنبيه عليه فمن حقق الايمان بذلك كله كان من المؤمنين بالغيب حقيقة المتقين المفلحين. وهذا اصل جامع لما تقدم من كون الايمان بالغيب يرجع اليه جميع اصول الايمان الستة المذكورة في القرآن السنة ويرد ها هنا اشكال وهو كيف يكون الايمان بالملائكة غيبا وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل ورأى الصحابة رضوان الله عليهم رسولا من الرسل هو محمد صلى الله عليه وسلم ورأينا نحن كتابا من كتب الله عز وجل وهو القرآن. فكيف تكون هذه الامور غيبا الجواب ان يقال انها كذلك باعتبار اصلها فان لا نعلم في هذه الامة من الرسل الا واحدا هو محمد صلى الله عليه وسلم لقيه من لقيه من الصحابة رضوان الله عليهم وكذلك لا نعلم من الكتب بين ايدينا الا كتابا واحدا هو القرآن الكريم. وكذلك لم يقع ولم يتصل الخبر باحد من هذه الامة بملك من الملائكة الا للنبي صلى الله عليه وسلم في جبريل فهذا لا يخرج الامر عن اصله ولا يتخلف به هذا الكلي الجامع في كون جميع اصول الايمان الستة ترجع الى الايمان بالغيب فائدة عظيمة لما كان الدعاء ولبها وخالصها لكونه متضمنا للافتقار التام لله والخشوع والخضوع بين يديه وتنوع عبوديات كثرة المطالب المهمة كان افضل واعلم مكانا فهل العبد اصح من غيره واجمع لكل خير وتلك ادعية القرآن التي اخبر الله بها عن انبيائه ورسله وعباده الاخيار التي كان سيد المرسلين يختارها على غيرها. ولما كان من شروط الدعاء واداب حضور قلب الداعي ولم اوسع حضور قلب الداعي واستحضار معاني ما يدعو به احببت ان انبه تنبيها لطيفا على معاني ادعية القرآن ييسر استحضارها انتفاع العبد بها فافضل ادعية القرآن وافضلها قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين اي علمنا يا ربنا والهمنا ووفقنا الصراط المستقيم صراط الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. المشتمل على علم ما يحبه الله ورسوله ومحبته وفعله على وجه الكمال وعلم ما يكره الله ورسوله ويغضبه وتركه من كل وجه وحقيقة ذلك ان الداعي بهذا الدعاء. نسأل الله تعالى ان يهديه الصراط المستقيم. المتضمن الحق والعمل به وجنبه طريق المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وتركوه وطريق وطريق الضالين الذي اتاه عن الحق فلم يعرفوه. ولجلالة هذا الدعاء كان هذا الدعاء فرضا فيجب على كل مصل ان يدعو به في صلاته. ووجه الافتقار اليه ان العبد لا يزال مفتقرا الى هداية الله عز وجل فهو وان هدي الى جملة الصراط الا انه يحتاج الى الهداية في تفاصيل الصراط بداية الى الصراط متفاوتة فهناك هداية جملة هي الهداية الى الصراط المستقيم. وهناك هداية تفصيلية هي الهداية في الصراط المستقيم. فالعبد مفتقر الى تجدد هذه الهداية في كل لحظة من لحظاته. فانه ان لم يكن مهديا لم يكن عمله صالحا ولا متقبلا. فكان ارضاءه بهذا الدعاء وكثرة ترديده تنبيه الى هذا الاصل العظيم وهو الاستقامة الى هداية الله عز وجل في تفاصيل الصراط المستقيم ومن اجمل ان ادعيت انفعيها دعاء ارباب الهمم العالية الذي نجمها الله لهم بين خيري الدنيا والاخرة. قال تعالى ومنهم من يقول ربنا اتنا في الدنيا احسنت وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار. فصدروا دعاءهم بقولهم ربنا وذلك تظمر لاستحضارهم معنى تربية الله العامة وهو الخلق والتدبير وايصال ما به تستقيم الابدان والتربية الخاصة لخيار خلقه. الذين رباهم بلطفه واصلح لهم دينهم الدنيا وتولاهم فاخرجهم من الظلمات اماتنا النور وهذا متضمن لافتقارهم الى ربهم وانهم لا يقدرون على تربية نفوسهم من كل وجه فليس لهم غير ربهم يتولاهم ويصلح امورهم لهذا كانت اغلبها ادعية القرآن مفضلة بالتوسل الى الله بربوبيته لانها اعظم الوسائل على الاطلاق التي تحصل بها المحبوبات وتنتفع بها وحسنة الدنيا اسم جامع للعلم النافع والعمل الصالح وراحة القلب والجسم. والرزق الحلال للطيب من كل ماكل ومشرب وملبس ومنكة ومسكن ونحو يا ابي اسم دام لحسن الاحوال وسلامتها من كل نقد. واما حسنة الاخرة فهي كل ما اعده الله لاوليائه في دار كرامة مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فلما كانت حسنة الدنيا والاخرة تمامها وكمالها الحفظ من عذاب النار والحفظ من اسبابها والذنوب والمعاصي قالوا وقنا عذاب النار. فاشتمل هذا الدعاء على كل خير ومطلوب محمود ودفع ودفع كل من شر وعذاب. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء كثيرا. اغلب ادعية القرآن جاءت مصدرة بقول الداعي ربنا كقول الداعي ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا. وقول الداعي ربنا اغفر لنا ذنوبنا. في اين اخر وانما صدر الدعاء بهذا الاثم لان من اعظم الوسائل الى اجابة الدعاء التوكل الى الله عز وجل هويته وقد ذكر هذا المعنى ابو العباس ابن تيمية والحفيد رحمه الله تعالى ثم تبعه جماعة ثم هذه الادعية التي جيء فيها بالدعاء ربنا لم يأتي في شيء منها يا ربنا بل كل الايات التي الدعاء بقول الداعي ربنا جاءت خلية من اداة الندائيات. وفي ذلك فائدتان اثنتان كما ذكر الشاطبي رحمه الله تعالى في كتاب الموافقات اولهما ان ياء انما تستعمل لداء البعيد. والله قريب غير بعيد كما قال الله عز وجل واذا سألك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان. فكان من اظهار هذا قرب ان لا يقدم الداعي بين يديه ياء الدالة على البعد لان الله عز وجل قريب من داعيه. والثاني لما فيه من حسن الادب مع الله عز وجل بعدم تقديم شيء عليه. فيقدم ذكر الرب سبحانه وتعالى وتلغى اداة النداء مقدرة فيقول الداعي ربنا اغفر لنا وان كان التقدير يا ربنا اغفر لنا فلاجل هاتين الفائدتين جاءت ادعية القرآن على هذه الصورة ربنا ربنا ليس في شيء منها يا ربنا ومن جملتها هذا الدعاء ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار وهو دعاء جامع ولذلك دعا به النبي صلى الله عليه وسلم في مقامات عدة وجمعه من الجهة التي بين فيها المصنف رحمه الله تعالى معنى حسنة الدنيا وحسنة الاخرة ومنفعة الدعاء بعدهما بقوله وقنا عذاب النار من ذلك الدعاء الذي في اخر البقرة الذي اخبر الله على على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم انه قبله من المؤمنين حين دعوا به ربنا لا اخذنا ان نسينا واخطأنا ربنا ولا تحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا. ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. فلما كان اخلال العبد بامر الله قد يكون عمدا على وجه العلم. وقد يكون نسيانا وخطأ وكان غير ناس عن عمل القلب الذي هو محل الاثم وعدمه ربهم الا يؤاخذهم بالنسيان والقطع وذلك عام في جميع الامور. قال الله قد فعلت يعني كما ثبت في الاحاديث الصحاح ان الله عز وجل قال حينئذ قد فعلت كما في الصحيح من حديث ابن عباس فلما كانت بعض الافعال فيها شدة ومشقة واصال واغلى لو كلف العباد بها لاحرى الا يقوموا بها. اسألوا الله تعالى بان لا يحملهم اياهم ولا كل اياها ولا يكلفهم بما لا طاقة لهم به. ليسهل عليهم امر ربهم والتخلف عليهم شرائعهم الله. وقال الله تعالى قد فعلت ولما التي شرعها الله لعباده لابد ان يحصل منه التقصير فيها اما بفعل محظور بترك مأمور وذلك موجب للشر والعقوبة ان لم يذكر الله وينزل له ان لم يغفره الله وينزله قالوا واعف عنا واغفر لنا وبهذه الامور تندثر فبهذه الامور تندفع المكروهات والشرور كلها ثم سألوا الله بعد ذلك قتلتي ويشاء عنها كل خير في الدنيا والاخرة. فلما كان امر الدين والتمكين من فعل الخير وترك الشر لا يحصل ولا يتم الا بولاية الله وتوليه وتوليه ونصرته على الاعداء الكافرين من الشيطان وجنوده قالوا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين. قال تعالى قد فعلت. فالله تعالى تولى ابدأ ويسر اوليسر بجميع الامور فيدفع عنه الشرور فهو نعم المولى ونعم النصير ومن هذا دعاء ومن هذا دعاء العلم بعد الثناء عليهم بالايمان التام ربنا لا تستر قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب فسألوا ربهم وتوسلوا بربوبيتي في حصول افضل الوسائل وهو استقامة القلوب على ما يحبه الله ويرضاه والثبات على ذلك وعدم هذه الهداية واجل المقاصد وهو حصول رحمة الله تعالى التي يحصل معها خير الدنيا والاخرة وخدموا دعاؤهم بالتوسل الى ربهم باسم قد الكثير عطايا واسوء كرم فمن كرمك يا وهاب نسألك الاستقامة وعدم زيغ القلوب وان تهب لنا من لدنك رحمة لان الرحمة التي من لا يقادر قدرها ولا يعلم ما فيها من البركات والخيرات ولا يعلم ما فيها من البركات والخيرات الا الذي وهبهم اياها ويشبه ان يكون قوله ربنا انك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ان الله لا يخلف الميعاد. توسلا الى ربهم بايمانهم بهذا اليوم وتصديق لان في وعده ووعيده فان التوسل الى الله بالايمان ومنع منة الله به من الوسائل المطلوبة فيكون هذا من دعائهم كذلك دعاء المتقين الذين اعد لهم الجنة وما فيها الذين يقولون ربنا اننا امنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار فتوسلوا بربوبي الله لهم وبايمانهم ان يغفر لهم الذنوب وان يقيهم عذاب النار. واذا غفر او غفرت ذنوبه وقاهم الله عذاب النار. الشر باجمعه اللهم الخير باجمعه لان الادعية هكذا تارة تأتي مطابقة لجميع مطالب العبد وتارة يذكر نوعا ما يذكر نوع منها الباقي باللجوم كهذا الدعاء فمما اتى فيه الدعاء بجميع المطالب على وجه المطابقة دعاء اولي الالباب وخواص الخلق حيث قالوا بعدما تذكروا بها في ملكوت الله ما خلقنا هذا باطلا سبحانك وقنا عذاب النار. ربنا انك من تدخل النار فقد اخزيته وما للظالمين من انصار. ربنا انما انا منادي يناديني للايمان ان امنوا بربكم فامنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الابرار ربنا واتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تحزن يوم القيامة انك لا تخلف ميعاده. فتوسلوا بربوبية الله وكرروا هذا التوسل اراهم بحكمة الله وصدق وعده ووعيده وايمان برسل الله حين دعوه من الايمان ومنة الله عليهم بالمبادرة بذلك ان يقيهم عذاب النار وان ذنوبهم الكبار وكثر عنهم سيئاتهم الصغار. معظم العقوبات وهو عذاب النار ويزيل عنهم اسباب شرور كلها وهي الذنوب وان يرزقهم الله ويوفقهم لاعمال البر كلها فيصير بذلك من عباد الله الابرار وان يثبتهم عليها حتى يموتوا عليها فادخلوا في معية الابرار وان يؤتيهم ما وعدهم على السنة رسله وبارك شامل لعطايا الدنيا وخيرات وعطايا الاخرة وكراماتها وان يكرمهم في يوم القيامة ولا يخزيهم. فحقيقة وحقيق بقوم دعوا بهذه الادعية الجليلة بحيث خير الا سألوه ولا شر الا استدفعوه. ان يسميهم الله اولي الالباب فهذا من لبهم وعقلهم وتمام فطنتهم. نسأله ان يوفقنا لما وفقهم له انه جواد كريم ومن ذلك دعاء اتباع الانبياء في مواطن الشدائد وانواع المحن وما كان قولهم الا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا على القوم الكافرين فاتاهم الله ثواب الدنيا حسن ثواب الاخرة والله يحب المحسنين. فدل هذا على ان هذا الدعاء من الدعاء الذي استجابه والله عمان ومحسنون فيه وذلك انهم توسلوا الى الله بربوبيته فافتقروا اليه وطلبوا ان يريهم بما يصلح بما يصلح احوالهم وان يغفر لهم الذنوب والمعاصي المستقلة اشرافنا في امرنا وان تعدي ما احب للعبد ورضي عن مجاوزته. فكما ان التقصير يلام عليه الانسان كذلك المجاوزة للحج وان يثبت اقدامهم فيرزقهم الصبر والثبات والقوة التي هي معادك النصر وان يمدهم بمدده الالهي وهو نصره على وقوم الكافرين فسألوا رب فسألوا ربهم زوال المانع من النص وهي الذنوب والاسراف وحصول سبب النصر وهو نوعان سبب داخلي وهو ثبات الاقدام والصبر عند الاقدام وسبب خارجي وهو نصره وان يكون قولهم على القوم الكافرين توسل الى الله واننا يا ربنا امنا بك واتبعنا رسلك وحاربنا اعدائك الذين كفروا بك وبرسلك ومعاداتنا لهم وقتالنا اياهم لاجله وفي سبيلك انصرنا عليهم لكوننا من حبك وجندك وهم جنود عدوك الشيطان الرجيم ومن ذلك دعاء عباد الرحمن الذين وصفهم الله بكل خلق جميل واعد له منازل العالية فدعوه بدعوتين دعوة استجيبت لجميعهم كامل الضرر ومن دونه فدعوة استجيبت لخواصم وائمتهم وقدوتهم. قال تعالى وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم هم الجاهلون يقعوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والذين يقولون ربنا اصرف عنا جهنم انا بعدها كان غراما فتوسلوا بربوبية الله لهم وايمانهم وخوفهم من عذاب ان يقيهم عذاب النار واذا وقاهم الله عذاب النار كان من لازم ذلك مغفرة ذنوبهم في روسياتهم ودخولهم الجنة. وقال تعالى عنهم والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة عين واجعلنا للمتقين اينما تتوسل بربوبية لا ان يهب لهم من ازواجهم وقرنائهم وذرياتهم ما تقر اعينهم به. وهو ان يكونوا مطيعين لا يعاملين بمرضاته وذلك دليل على ان طاعة الله قرة اعينهم ومحبته ونعيم قلوبهم فقويت هذه الحالة يا نسأل الله تعالى ان يجعل قرناؤهم بهذه الحالة الكاملة وذلك من فضل الله عليهم فان الله اذا اصلح قرنائهم عاد من هذا الخير عليه شيء كثير من مواهب ربهم فقالوا ربنا هب لنا الى اخره فلما كان غايتك ما للانسان لله وان يكون قليلا قرينا للمطيعين. سألوا ربهم اعلى المراتب واجلها وهي الامامة بالدين وان يكونوا قدوة للمتقين وذلك ان يجعلهم علماء ربانيين واسقين في العلم في تعلمه وتعليمه والدعوة اليه وان يكون علمهم صحيحا بحيث ان من اقتدى بهم فهو من المتقين. ان يرزقهم من الاعمال الظاهرة والباطنة ما يصيرون به ائمة للمتقين وجماع ذلك الصبر على محبوبات الله وثبات النفس على ذلك والايقان بايات الله بها. قال تعالى وجعلنا منهم ائمة يهدون امرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون. فالحاصل انهم سألوا ربهم ان يكونوا كاملين مكملين مكملين لغيرهم. هادين مهتدين هذه اعلى الحالات فلذلك اعد الله اعلى غرف الجنان اولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحيته وسلاما فيها حسنت مستقرا ومقاما ومن ذلك دعاء ادم عليه السلام حين تاب الى الله وتلقى منه هذه الكلمات هو وزوجه قال قال ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. فتوسلا بربوبية الله واعترافهم بالظلم واقرارهم بالذنب ان يغفر لهما الى انهم المكان يأكل لها وان يرحمهما فيعطيهما انواع المطالب وانه لا وسيلة لهما ولا ملجأ منه الا اليك وانه وانه ان لم يرحمهما ويغفر لهما خسر الدنيا والاخرة. فقبل الله دعاءهما وغفر لهما ورحمهما ومثل قول نوح لما لامه الله بسؤال ذات ابنه الكافر الذي ليس من اهله وان هذا عمل غير صالح فقال قال ربياني اعوذ بك ان اسألك ما ليس لي والا تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين. فتوسع بربوبية الله واستعاذ به ان يسأله سؤالا ليس له به علم. وانما حمله على عليه مجرد محبة النفس لا ارادة رضى الله واعترف بان هذا الذي جرى منه يوجب التضرع والاستغفار وانه ان لم يغفر له ربه ويرحمه كان فمن الخاسرين فالناس قسمان رابحون وهم الذين تغمدهم الله بمغفرته ورحمته وخاسرون وهم الذين فاتتهم المغفرة رحمته ولا يحصل ذلك الا بالله ومن ذلك دعاء ابراهيم خليل الرحمن وابنه اسماعيل وما يرفعان قواعد البيت ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم. فتضرعا الى ربهم في قبول الله عملهما ان يكونا كاملا ان يكون كاملا من كل وقت وتحصى منه الثمرات الناجعة وتوسلا اليه بانه السميع لاقوالهما العليم بجميع ولما دعوا بهذا الدعاء الخاص بقبول عمله من سأل الله جل الامور واعلاها. وهو ان يمن الله عليهما وعلى من شاء من ذريتهما الاسلام لله ظاهرا وباطنا والعمل بما يحبه ويرضاه وان يعلمهم العمل الذي شرع فيه ويكمل لهما مناسكهما علما ومعرفة وعملا. وان يتوب عليه ان تتم امورهما من كل وجه فاستجاب الله هذا الدعاء كله. وبارك فيه وحقق ودائهما. والله ذو الفضل العظيم. وكذلك دعاء يوسف عليه السلام ربي قد اتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض انت وليه في الدنيا والاخرة مسلما والحقني بالصالحين نتوسل الى الله بربوبيته وبنعمة الله عليه بنعمة الدنيا وهي الملك وتوابعه ونعمة الدين وهي العلم وهي العلم الكامل. وبولاية عن غيره وتولي الله له في الدنيا والاخرة ان يثبته على الاسلام الظاهر والباطن حتى يلقاه عليه فيدخله في قلة من الصالحين ومن ذلك دعاء سليمان عليه السلام ربي اوزاني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وانا والديك فنعم صالحا ترضاه برحمتك في عبادك الصالحين وتوسل الى الله بربوبيته وبنعمته لي وعلى والديه ان يودعه وان يلهمه ويوفقه بها ومحبته لله عليها والثناء عليه والاكثار من ذكره وان يوفقه وعملا صالحا يرضى ويدخل ويدخل في هذا ويدخل في هذا جميع الاعمال الصالحة ظاهرها وباطنها وان يدخلهم برحمته في جملة عباده الصالحين. وهذا الدعاء شامل لخيري بخير الدنيا والاخرة فمثل هذا الدعاء الذي بلغه الله وشده وبلغه وبلغه اربعين سنة ومن عليه بالانابة اليه فقال نشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وانا اعمل صالحا ترضاه واصلح لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين فتوسل بربوبية ربه له وبنعمته عليه وعلى والده وبالتزام ترك ما يكرهه ربه وبالثوب التوبة لما يحبه بالاسلام ان يعني بالشكر المتضمن لاعتراف القلب وخضوعه ومحبته للمنعم والثناء على الله مطلقا ومقيدا. وان يوفقه لما يحبه الله ويرضاه ويصلح له ذرية بهذا دعاء محتو على صلاح العبد واصلاح لا اله امورا كلها. واصلاح ذريته في حياته وبعد مماته وهو دعاء حقيق بالعبد وخصوصا اذا بلغ الارض من ان يداوم عليه بظله وافتقار لعله ان يقرأ في قوله اولئك الذين نتقبل عنهم احسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم باصحاب الجنة وهذا الصبغ الذي كانوا يوعدون. قوله تعالى ثم تولى الى الظل مستريحا لذلك الظلال هذا التعبير وقال لي تلك الحياة مسترزقة. ربي اني لما انزلت الي من خير فقير. فاني مفتقر للخير الذي تسوقه الي وتيسره لي وهذا سؤال منه بحالي والسؤال بالحال قد يكون ابلغ من السؤال بلسان المقال فلن نزل في هذه الحالة راجيا ربه متملقا مستقرا اليه معلقا رجاءه بالله وحده حتى فرج الله حتى فرج كربه وجل همه. والله هو الرزاق. ومن ذلك الادعية فقالوا ودفع الشرك كله وهي المغفرة التي تنتفع بها المكروات والرحمة التي تحصل بها جميع المحبوبات وكذلك قوله وقل ربي ادخلني مدخل صدق واخرجني مخرج صدق واجعلني من لدنك سلطانا نصيرا فهذا توسل الى الله بربوبيته ان تكون مداخل العبد ومخارجه كلها صدقا وذلك ان تكون صالحة خالصة لوجه الله مقرونة بالاستعانة بالله والتوكل عليه وذلك يستلزم ان تكون حركات العدل كلها ظاهرها وباطنها طاعة لله وعمل ما يحبه ويرضاه هذا هو الكمامة من جهة العمل واما الكمال من جهة العلم فانه يجعل الله له سلطان النصير له حجة ظاهرة ناصرة وقوة يحصو بها الحق يراقب الباطل سيحصل باستجابة هذا الدعاء للعلم النافع والعمل الصالح والتمكين في الارض وقال تعالى لرسوله وقل رب اجبني علما فالعلم ادل ما شاء وبه تعرف جميع الاشياء على السائلون ومن ادنى الادعية واحسن ان يتوسل دعاء موسى عليه السلام حين الى ربه فقال انت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وانت خير الغافرين واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الاخرة انا اهدنا اليك فتوسل الى وليه بولايته لعبدي واعجزت به وتربيته للمغفرة والرحمة. وكذلك توسل بكمال مغفرة الله وسعة جوده على هذا. ورتب على هذا حصول حسنة الدنيا والاخرة فان اذا حصلت المغفرة زادت الشرور كلها والعذاب كله واذا حصلت الرحمة حل الخير وحسنات الدنيا والاخرة فيكون قوله اكتب لنا فيها من الدنيا حسنة وفي الاخرة نظير قوله ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة مع زيادة التوسل في ولاية لا وكمان الغفران ومع طلب مغفرته ورحمته الذين بي ما تنال حسنة الدنيا والاخرة. ثم ختم دعاءه بالتوسل الى ربه بالاقبال عظمته فقال انا هدنا اليك اي رجعنا اليك في مهماتنا وامورنا لا نرجع الى غيرك لعلمنا انه لا يكشف السوء ولا يجيب مضطر الا انت رجعنا اليك في عباداتنا الظاهرة والباطنة ومن ذلك دعاء اصحاب النبي فروا الى الله بدينهم فقالوا ملتجئين ربنا اتنا في اتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من امرنا رشدا فتضرعوا من لدنه رحمة بحيث اذا حلت عليهم ما لهم دينهم وحفظ وحفظهم من الفتن وانا لهم بها الخير وان يهيئ لهم من امرهم ويسر امر يسرا وسائر لهم الامور فيرشدهم الى ارفق الاحوال فاستجاب لهم هذا الدعاء ونشر عليهم رحمته وحفظ ديانهم وابدانهم جعل فيهم بركة على انفسهم وعلى غيرهم. ومن ذلك دعاء حملة العرش ومن حوله من الملائكة المقربين حين دعوا للمؤمنين ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وادخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من اذاهم وازواجهم وذرياتهم انك انت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تقسي السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم وهذا دعاء جامع وتوسل نافع فتوسلوا بربوبية الله تعالى المتضمن علمه بحال المؤمنين وما خلقهم عليه من الضعف رحمته اياه لكونه جعل الايمان اعظم وسيلة تنال بها رحمته ان يغفر للمؤمنين الملتزمين بالايمان وهم الذين تابوا مما يكرهه الله واتبعهم او سبيله بالتزام ما يحبه ويرضاه فيغفر ذنوبهم ويقيهم اشد العذاب وهو عذاب الجحيم باجتماعهم بابائهم وازواجهم وذرياتهم الصالحين ثم توسلوا بكمال عزة الله وكمال حكمته. لان المقام هذا فمن كمالك عزتي واقتداري ان يحفظهم ويحول بينهم بين السياد ويصرف عنهم السيئات ويني لهم انواع المثوبات ومن كمال حكمته ان هم اهل لان يغفر لهم. ان يغفر لهم ويرحمهم ويدفع عنهم الاجر. فلما داوم يغفر لهم السيئات التي فعلوها ادعو الله ان يقيهم سيئاتهم سوء وامارت بالسوء. فان يحبب اليهم الايمان او زينه في قلوبهم ويكره اليهم الكفر والفسوق والعصيان ويجعلهم من الراشدين وان من لازم وقاية السيئات ينصروا رحمة الله وهذا دعاء عظيم صادر من اعظم الخلق معرفة بالله وصف الله من حصلت له هذه الامور بالفوز بكل مطلوب والنجاة من كل مرهوب فقال وذلك هو الفوز العظيم. وكذلك دعاء والذين اتبعوا المهاجرين والانصار باحسان حيث قال تعالى والذين جاءوا من بعدهم يقولون رب اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم فتضرعوا الى ربهم وتوسلوا اليه بربوبيته ونعمته عليهم بالايمان وبسعة رحمته ورأفة ان يغفر لهم ولجميع اخوانهم الذين سبقوك بالايمان وان يصلح الله قلوبهم باجتماع على الايمان ومحبة بعضهم بعضا. والا يزال في قلوبهم ادنى ذل لكل من اتصل بالايمان وهذا الدعاء يتضمن حصون الخير لهم ولاخوانهم ودفع الشر عنهم وعن اخوانهم. فقد اخبر الله ان انبيائه تضرعوا اليه فيما طالبة خاصة ومطالب عامة. وتوسلوا بك ما لاسماء وصفاتي وبما من الله عليهم به من الايمان والنعم الدينية والدنيوية وبما كانوا عليه من فقر الضعف وشدة الضرورة الى ربهم في جميع امورهم. فهذه الادعية التي امر الله بها وحث عليها ومدح اهلها هي لا النافعة التي لا يليق بالعبد ان يختار عليها غيرها من الادوية المصطلحة والالفاظ المخترعة التي لا نشتت لها الى هذه الالفاظ ان هذا القرآن يهدي للتي هي من الاعمال والاقوال الباطنة والظاهرة ومن ذلك الادعية. وكم في السنة من النووية مما يوافق الادعية القرآنية. فنسأله تعالى ان يهدينا لاحسن الامور ويصرف عنا جميع الشرور او دعاء كريم رؤوف رحيم. هذه الجملة المطولة من كلام المصنف رحمه الله تعالى ترد فيها طائفة مستكبرة من الادعية القرآنية وهي الادعية التي تضرع بها كمل الخلق من النبيين والصالحين والملائكة الى ربهم سبحانه وتعالى في مطلوباتهم. ويجمع هذه الادعية امران اثنان. اولهما هذه الادعية جاءت مصحوبة بما فيه توكل الى الله عز وجل وتضرع اليه يوصل الى قبولها وابلغ ذلك التوسل اليه سبحانه وتعالى بالاذعان لربوبيته والثاني ان هذه الادعية جاءت مشروهة في المقامات العظيمة والمطالب العالية فليس في شيء من دعاء هؤلاء الكمل مستردد ولا مستحقر بل لم يدعو الرب سبحانه وتعالى الا بشيء عظيم دخول الجنة ومغفرة السيئات والنصر على الكافرين. وهكذا ينبغي ان يكون دعاء العبد جامعا لهذين الامرين العظيمين وما احسن ما ختم به المصنف رحمه الله تعالى هذا الفصل من الانباه الى ان اختيار الادعية القرآنية وما يوافقها من ادعية نبوية افضل للعبد واعظم نفعا من ان يحيد ويميل الى الادعية التي اصطلح عليها الناس والالفاظ التي اخترعوها فانه لا نسبة بين هذه الالفاظ الى الالفاظ القرآنية والنبوية فلما هو الخشوع الذي امر الله به ومدح اهله وذم من قسى قلبه فلم يخشى فما حقيقة ذلك وما علامته دلالته؟ قلت قد مدح الله خشوعك عموما في جميع الاوقات والحالات والعبادات مثل قوله تعالى والخاشعين والخاشعات وقوله الم يأن للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق لقوله ان الذين امنوا وعملوا الصالحات واخوتوا الى ربهم اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون. ومدح الخشوع خسوفهم بالصلاة مثل قول الذين هم في خاشعون فخشوع القلب عنوان الايمان وعلامة السعادة. كما ان قسوته وعدم خشوعه وعنوان الشقاوة. فالخشوع انكسار القلب يدله بين يدي ربه وان يبقى هذا الخشوع مستصحبا مع العبد في جميع اوقاته الغفلة رجع اليه وانما راح عاد اليه وان شرع بتعبد وقربة من القربات خضع فيها وقام بالادب الذي هو اثر الخشوع خصوصا في ام العبادات الجامعة بين انواع التعبدات القلبية والبدنية واقوال النساء وهي صلاتنا انه يقوم فيها مراعيا للمراقبة ومرتبة الاحسان ان يعبد الله كانه يراه فان لم يكن يراه فانه يراه فيجهل فيجهد نفسه عن التحقيق بهذه العبودية الكاملة فيحظر قلبه فينادي ربه بقلبه قبل لساني ويستحضر ما يقول ويفعله فتسكن حركاته ويقل عبثه. ولهذا لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي وهو يعبث في لحيته قال لو قشع قلب هذا لقشع الجوارح وبها ما يعرف وبهذا يعرف ان من اعظم علامات الخشوع سكون الجوارح والتأدب في الخدمة الذي هو اثر سكون القلب ولهذا وصف الله عباده الذين الى رحمته في قوله وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما المراد خاضعين متواضعين ومن في هذا الخشوع ان يطمئن القلب بذكر الله ويخشى على اقبال الحق الذي انزله الله فيعتقد ما دل عليه من الحق ويرغب فيما دعي اليه من الخير واما حزام ونشرت كما قال تعالى الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئن القلوب. وقال تعالى لم يأن للذين امنوا ان تخشى قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق وقال تعالى وويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله اولئك بضلال مبين الله نزل احسن الحديد كتابا متشابها مثاني تقصير من الجنود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من عاد. والقلب القاسي لا تؤثر فيه الايات شيئا ولا مع تذكير لا تماديا في غيره وطغيانه وضلاله والقلب الخاشع لما كان حسن القصد متواطئ الحق طالبا او مستعد لقبوله لم الحق عرفة وعرف الحاجة بل الضرورة اليه. ففرح به واطمأن به ودادت رغبته واثر في قلبه خضوعا وفي عينيه دموعا وفي جلده قشعا ثم يلين قلبه ويطمئن الى ذكر الله تعالى فهذا من هداية الله لعبده وتوفيقه اياه الا من اعرضوا فاعرض الله عنه ثم قال تعالى والذين اذا ذكروا بايات ربهم لم يقروا ثمنوا انبياءنا اي بل خروا سامعين مبصرين مقابلين لا طبعا واختيارهم وقال تعالى الذين اوتوا العلم من قبله الى اطلاعهم يخرون للاذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا ان كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للاذقان يبكون ويزيدون بدون خشوع هذا تأثير ايات الله في اهل العلم الخاشعين. يجمعون بين خشوع القلب وخضوع اللسان وتضرع وخضوع الجوارح حيث خروا ليبقى من يبكون وقال تعالى بعد ما ذكر اصفياءه خاشعين اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ذرية ادم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية ابراهيم واسرائيل وممن هدينا اذا تتلى عليهم ايات سجدة وابوك اياه ومن اعظم علامات الخاشعين ما ذكر الله بقوله وبشر المخبتين ثم فقال الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم الصابرين على ما اصابه مقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. فلما احببت قلوبهم الى ربهم فذلت له وانكسرت وتمثلت اليه تبتيلا رجلت عند ذكره وصبرت على ما اصاب من ابتلاء لا وانواع النفقات فجمع بين المفلسين وبين امان القلوب هو الوزن واعمال الجوارح كلها واقوال اللسان والصلاة التي تجتمع فيها انواع التعبد والاعمال المالية وتقديم محبة الله على محبة المال فاخرجت المال المحبوبة لنفوس الوجوه التي يحبها الله تعالى اكثارا لربها فهذه اوصاف بك الخاشعة التي لا يستحقها ذلك من لم يتصل بها وكذلك بانهم الذين يعرفون الحق في مواضع الشبه فيزدادون ايمانا الى ثمانين كما قال تعالى قل يعلم الذين اوتوا العلم انه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبط له قلوبهم وان الله لهادي الذين امنوا الى صراط مستقيم فقوله تعالى ان الذين امنوا وعملوا الصالحات احببت الى ربهم يتضمن وصف المخبتين الخاشعين بالرجوع الى ربهم في جميع الحالات والانابة الى في كل الاوقات لان تعبية الفعل به لا يدل على هذا المعنى فانهم لما اخوة الى ربهم وخضعوا لعظمة الاخوة اليه في التعبد فتقبل منهم واوصلهم الى المقصود وجعلهم اصحاب الجنة خالدين فيها. فلما خشعت قلوبهم خشعت اسماؤهم وابصارهم واسأتهم وجواهرهم للرحمن ومما يدل على ان هذه الاشياء تابعة للقول في خشوعه ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لو خشع قلبها لقشعت جوارحه وقوله تعالى وقوله تعالى وعنت وجوه الحي القيوم وقوله وخشعت الاصوات للرحمن ولهذا فسر كثير من المفسرين الذين هم بساط خاشعون انه غض البصر وقلة الحركات وعدم الالتفات ولا شك ان اداة الخشوع ودليله. فالخاشع هو الذي سكن في قلبه تعظيم الله وترك العشرة والبطل والمرح المنازلة للخشوع وكلما بعد القلب عن هذا الوصل قسا وغربا فلم يقطع لامر الله ولا اكثر به الذكر بل ربما زاد خسارا. وافتتن عند والشبهات وفسق عن امر ربه يا لطيف بالعباد لطيفا لما يشاء في جميع الامور هذا السؤال المستحسن مع جوابه المتعلق بمسألة جليلة في الدين وهي الخشوع اذ هو احد العبادات العظيمة التي مدح الله عز وجل بها الانبياء كما قال عز وجل انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين بعد ذكره لطرف من اخبار الانبياء. وما ذكره المصنف رحمه الله تعالى قد انطوى على اربع مسائل. اولاها مدح الخشوع المتظمن للامر به لان من طرائق الدلالة على كون الشيء مأمورا به في القرآن مدحه وثناءه على اهله كما جاء في الايات التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى ومن هنا فالقول الصحيح ان الخشوع في الصلاة واجب كما اختاره جماعة من المحققين منهم ابو العباس ابن تيمية وتلميذ هو ابن القيم في مدارج السالكين وثانيها بيان حقيقة الخشوع وهي التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى بقوله انكسار القلب وذله بين يدي ربه واوضح او من هذا ما يستل من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في المدارس ان الخشوع هو الخوف المقترن بالخضوع والذل فان الخوف كما سبق قد يقترن به معنى من المعاني يصير له به اثم جديد. فاذا اقترن الخوف والذل سمي خشوعا والمسألة الثالثة محل الخشوع وهو القلب. واما ما يكون على الجوارح فانما هو من اثار الخشوع وادلته رسالة رابعة معرفة امارات الخشوع. فان للخشوع امارات تدل على اتصاف العبد بالخشوع كطمأنينة في قلبه ووجله واخباته. فاذا بلغ العبد هذه الامارات كان ذلك دليلا على انه خاشع باعماله لله سبحانه وتعالى. والمراد بالاخبات كما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارس السالسين انه تواضع القلب وسكونه الى ربه سبحانه وتعالى بقي التنبيه على ان الحديث الذي ذكره المصنف في هذه المسألة مرتين وهو لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه لا يثبت عن صلى الله عليه وسلم بل يروى من وجوه لا يثبت منها شيء فلما معنى لطف الله بعبده الجواب ولطفه لعبده الذي تتعلق به امام العباد ويسألونه من ربهم وهو احد معنيين مقتدى اسمه اللطيف فان اللطيف بمعنى الخبير العليم قد تقرر معناه ولكن المطلوب من المعنى الثاني الذي يضطر اليه العباد ولنذكر بعض السنته وانواعه هذا الجواب ايضا جواب حسن قل ان تجد افراغ القول فيه كما بين المصنف رحمه الله تعالى ها هنا وافاض فان من اسماء الله سبحانه وتعالى اللطيف كما قال الله عز وجل الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير واللطيف في حق الله عز وجل له معنيان اثنان. الاول العليم ببواطن الاشياء. المطلع عليها والثاني الذي يوصل الى العباد مصالحهم برفق من حيث لا يشعرون وقد ذكر هذين المعنيين جماعة منهم الغزالي في المقصد الاثنى وابن القيم في النونية وابن ثيدي رحمه الله تعالى في تفسيره وقد افاض المصنف رحمه الله تعالى فيما استقبل الكلام على المعنى الثاني الذي يضطر اليه العباد وهو ان الله عز وجل يوصل اليهم مصالحهم برفق من حيث لا يشعرون. وقد ذكر الغزالي رحمه الله تعالى في المقصد ان بيان هذا المعنى مما يقسو عن بلوغ عشب معشاره ما لو كتبت فيه مجلدات كثار. وانما اراد المصنف في كلام المستقبل الاعلام بلطف الله عز وجل باظهار بعظ انواعه ومعالمه في حياة الناس فاعلم ان اللطف الذي يطلبه العباد من الله بلسان المقال ولسان حاله هو من الرحمة بل هو رحمة خاصة فالرحمة التي تصل العبد من حيث لا يشعر بها او لا يسعوا باسبابها هي النطق اذا قال العبد يا لطيف طفه لي واسأله اسألك لطفك فمعناه تولني ولاية خاصة بها تصلح احوالهم ظاهرتها والباطنة فبها تندفع عني جميع المكروهات من الامور الداخلية والامور الخارجية فالامور الداخلية لطف بالعبد امور خارجية لطف للعبد فاذا يسر الله عبده وسأل طريق الخير واعان وعليه فقد لطف به واذا قيظ الله له اشترى من خارجية غير باخرة تحت قدرة العبد فيها صلاح فقد لطف به ولهذا لما تنقلت اذا قالت يوسف عليه الصلاة والسلام تلك الاحوال وتطورت فيها اطوار. من رؤياه وحسد اخوته الى وسعهم في ابعادهم جدا واختصاصهم بابيهم ثم محنتي بالنسبة ثم بالسجن ثم بخروج منه. بسبب رؤيا الملك العظيمة وانفراده بتعبيرها وتبوئه من الارض ما حصل على ابيه من ابتلاء وامتحان ثم حصل بعد ذلك الاجتماع الشهر وازالة الاكتاف وصلاح حالته الجميع والاشتباه العظيم ليوسف عرض عليه الصلاة والسلام ان هذه الاشياء وغيرها لطف الله لهم به فاعترف بهذه النعمة وقال ان ربي لطيف لما يشاء انه هو العليم الحكيم. اي لطفه تعالى خاص لمن يشاء من عباده ممن يعلمه تعالى محل لذلك واهلا له فلا يضعه الا في محله. والله اعلم حيث يضع فضله فاذا رأيت الله تعالى قد يسر العبد لليسرى طريق الخير ودلل له سعاده وفتح له ابوابه ونهدى له طرقا وما هدى له اسبابه وجنبه العسرى فقد لطف به. فمن لطف بعباده المؤمنين انه يتولاهم بلطفه فيخرجهم من الظلمات الى النور من ظلمات الجار والكفر والبدع والمعاصي الى نور العلم والايمان والطاعة انه يرحمهم من طاعة انفسهم الامارة بسؤال هذا طبعها فيوفقهم لنهي النفس الى ويصرف عن فتوجد اسباب الفتنة وجواذب المعاصي وشهوات الغيب فيرسل الله عليها برهانا يا نور ايمانهم الذي من به عليهم فيدعونا مطلا فيدعونا مطمئنين لذلك منشرحة لتركها صدورهم ومن سيد عبادي انه يحذر ارزاقهم بحسب علمه مصلحتهم لا بحسب مراداتهم فقد يريدون شيئا وغيره يقدرون لهم الاصلح وان كرهوا لطفا بهم وبلا واحسان. الله لطيف بعباده يرزق من يشاء. والقوي العزيز. فقال ولو بسط الله الرزق لعباده ينزل بقدر ما يشاء انه بعباده خبير بصير ومن مبطيهم انه يقدر عليهم انواع المصائب ودروب المحن والابتلاء بالامر والنهي الشاق رحمة بهم ولطفا وشوقا الى كمالهم وكمال نعيمهم وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكما تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون. من لطيف لطفي بعبده الى اذ اهله للمراتب العالية والمناهج الاسلامية التي لا تدرك بالاسباب العظام التي لا يدركها الا ارباب الهمم العالية والعزائم السامية ان يقدر بعض الاسباب المحتملة في مناسبة للاسف التي اهل لها ليتجاوز منها ابنائنا الاعلى ولتتمرن نفسه ويصير له ملكة من مثل ذلك وهذا كما قدر لموسى ومحمد وغيره ما من الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم رعاية الغنم ليتدرجوا من رعاية الحيوان البين واصلاح الى رعاية بني ادم ودعوتهم اصلاحهم. وكذلك يذيق اده حلاوة بعض الطاعات فينجذب ويرغب ويغفر له مملكة قوية بعد ذلك على طاعتنا جل منها واعلى. ولم تكن تحصر بتلك الارادة السابقة حتى وصل الى هذه الارادة والرغبة التامة عامة ومن لطفه بعبده ان يقدر له ان يتربى في ولاية الصلاة والعلم والايمان وبين اهل الخير ليكتسب من ادبهم وتأديبهم ولينشأ على صلاحهم واصلاحهم كما امتن الله على مريم في قوله تعالى فتقبلها ربها بقبول حسن وانبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب الى اخر قصتها. ومن ذلك اذا نشأ بين ابوين صالحين واقارب اتقناؤه في بلد صلاحنا ووفقه الله لمقارنة اهل الخير وصحبتهم او لتربية علماء ربانيين فان هذا من اعظم لطف بعبدي فان صلاح العبد موقوف على اسباب كثيرة منها بل من اكثرها واعظم ما نفعل هذه الحالة ومن ذلك اذا نشأ العبد في بلد اهله على مذهب اهل السنة والجماعة فان هذا لطف له وكذلك اذا قدر الله ان يكون مشايخه الذين يستفيد منهم الاحياء منهم والاموات ليست بالهمز السلام عليكم المشايخ لا يجوز لغة ولا شرعا وكذلك اذا قدر الله ان يكون مشايخه الذين يستفيدوا منه والذين يستفيدوا منهم الاحياء منهم والاموات اهل سنة وتقى فان هذا من المثمر الرباني ولا يخفى لطف الباري في وجود شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في اثناء قروننا قرون هذه الامة وتبين الله به وبكلامته من الخير الكثير والعلم الغزير والجهاد اهل البدع والتعطيل ثم انتشار كتبه في هذه الاوقات فلا شك ان لطف الله لمن انتفع بها وانه يتوقف خيرا كثير على وجودها. فلله الحمد والمنة والفضل ومن لطف الله يجعل بينه يجعله رزقه حلالا في راحة وقناعة يحصو به المقصود ويشعر عما خلق له من العبادة والعلم والعمل فيه يعينه على ذلك ويفرغوا ويريح قاطره واعضاءه. ولهذا من الله تعالى لعبدي انه ربما طمحت نفسه لسبب من الاسباب الدنيوية التي يظن فيها فيعلم الله تعالى انها تضر وتصد عما سوف يحول بينه وبينها فيظل العبد كارها. ولم يدري ان ربه قد قاله الامر النافع وصرف عنه الامر الضار ولهذا كان الرضا بالقضاء في مثل هذه الاشياء من اعلى المنازل ومن لطف الله بعبده لا قدر له طاعة جليلة لا تنال الا باعوان ان يقدر اعوانا عليها ومساعدين على حملها. قال موسى عليه السلام واجعل لي وزيرا من الانهار واشرك في امري كي نسبحك كثيرا وكذلك امتن على عيسى بقوله واذا اوحيت الى الحواريين ان امنوا بي وبرسولي قالوا امنا اشهد اننا مسلمون. فامتن على يا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بقوله هو الذي ايدك بنصره وبالمؤمنين. وهذا لطف لعبدي خارج عن قدرته ومن هذا لطف الله بالهادي حين اذا قيد الله من يهتدي بهداهم ويقبل ارشادهم. فتتضاعف بذلك الخيرات والاجور التي لا يدركها العبد بمجرد هي مشروطة بامر خارجي ومن لطف الله بعبده ان يعطي عبده من الاولاد والاموال والازواج ما به تقر عينه في الدنيا يحصل له به السوء ثم يبتليه الله ببعض ذلك ويعوضه عليه الاجر العظيم اذا صبر واحتسب فنعمة الله عليه باخذه على هذا الوجه اعظم من نعمته عليه في وجوبه وقضاء وبوطنه الدنيوي منه وهذا ايضا خير واجر خارج عن احوال العبد بنفسه بل هو لطف من الله له قيظنا اسبابا اعاظه عليه الثواب والاجر الجميل ومن لطف الله بعبده ان يبتليه ببعض المصائب فيوفقه للقيام بوظيفة الصبر فيها فيريئه درجات عالية لا يدركها بعمله وقد يشدد عليه الابتلاء بذلك كما فعل بايوب عليه السلام فيوجد في قلبه حلاوة وحلاوة روح الرجاء وتأمين الرحمة وكشف الضر فيخف افيخف المهق نفسه. ولهذا من لطف الله بالمؤمنين ان قال في قلوبهم احتساب وخفت مصائبهم وهان ما يلقون من المشاقب لعصور مرضاته ومن لطف الله بعبده المؤمن رأيك ان يعافيه من اسباب الابتلاء التي تضعف ايمانه وتنقص ايقانه كما ان من لطف من لطفه بالمؤمن القوي تهيئة اسباب في الابتلاء والامتحان فيعينه عليها ويحملها ويحملها عنه يزداد بذلك ايمانه ويعظم اجره وسبحان اللطيف الهي وعافيتي وعطائه ومنعه ومن لطف الله بعبده ان يسعى لكمال نفسه مع اقرب طريق يوصله الى ذلك مع وجود غيرها من الطرق التي تبعد عليه فتبعد عليه بس رأيت عنه من كتابنا ومعلم يكون حصول المقصود به اقرب واسهل. وكذلك ييسر لعبادة يفعلها بحالة يسيء وعدم التعويق على غيره مما ينفعه فهذا من اللطف ومن لطف الله بعبده قدر قدر الواردات الكثيرة والاشغال المتنوعة والتدبيرات والتعلقات الداخلة والخارجة التي لو حكمت على امة من الناس لعدد سواهم عليها ان يمن عليه بخلق وبخلق واسع وصبر متسع وقلب منشرح بحيث يعطي كل من افرادها نظرا تراقبا وتدبيرا تاما وهو غير ولا منزعج لكثرتها وتفاوتها فقد اعانه الله تعالى عليها خاطف به فيها وقف له في تسليم اسبابها طرقا واذا اردت ان تعرف هذا الامر فانظر الى حالة المصطفى صلى الله عليه وسلم. الذي بعثه الله بصلاح الدارين وحصول السعادة وبعضهم كم من الامة عظيمة هي خير الامم ومع هذا مكنه الله ببعض عمره الشريف في نحو ثلث عمره ان يقوم بامره ما يكون لي على كبرتها وتنوعي وان يقيم لامتي جميع دينه ويعلمهم جميع اصوله وفروعه. ويخرج الله به امة كبيرة من اماكن النور فيحصل بهما مصالح والمنابر والخير والسعادة بخاصية العام ما لا تقوم به امة من الخلق ومن لطف الله تعالى بعبده ان يجعل ما يبتليه به من المعاصي سببا لرحمته وعند وقوع ذلك باب التوبة والتضرع والابتهال الى رب واحتقارها وزوال العجب والكبر من قلبه ما هو خير له من كثير من الطاعات ومن ومن لطفه بعبده الحبيب اذا مالتنا السوء مع ذلك عن ينقصها ان يكدرها فلا يكاد يتناول منها شيء الا مقرونا مكبرات محشوا بالغصص للا يميل معها كل الميل كما ان من لطفه ان ينفذ له التقربات ويحلي له الطاعات يميل اليها كل الميل. ومن لطيف لطف الله بعبده ان يأجره اعمال لم يعملها بل عزم عليها فيعزم على قربة من القرب ثم تنحل عزيمته بسبب من اسباب فلا يفعلها فيحصل له فانظر كيف لطف الله به فوقها في قلبه وادارها في ضميره وقد علمت على انه لا يسعى شوقا لبره بكل طريق والطف من ذلك ان يقيض لعبدي طاعة اخرى غير التي اعزم عليها هي انفع له منها فيدع العبد الطاعة التي ترضي ربه بطاعة اخرى هي افضل النملة فتحصل له المفعولة والمأزوم عليها بالنية واذا كان من يهاجر الى الله ورسوله ثم يدركه الموت قبل حصول مقصوده قد وقعته على الله مع ان قطع الموت بغير اختياره فكيف بمن قطعت عينيته الفاضلة طاعة قد عزم على فعلها فربما ادار الله في ضمير عدة طاعات كل طاعة لو انفردت لكمال رغبتي ولا يمكن فعل شيء منها الا بتفويت الاخرى فيوفقه وللموازنة بين مع رجاء حصولها جميعها ازما ونية والطف من هذا. ان يقدر تعالى بوجود اسباب المعصية المعصية ويوفر له دواعيها. فهو تعالى يعلم انه لا يفعلها ليكون تركه لتلك الصيام التي توفرت اسباب فعلها من اكثر الطاعات كما لطف بيوسف عليه السلام في مراودة المرأة واحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله رجل دعته امرأة موسم وجمال فقال اني اخاف الله رب العالمين. ومن لطف الله بعبدي ان يقدر خيرا واحسانا من عبده ويجريه على يد عبده ويجعله طريقا الى اصوله المستحق فيجيب الله الاول والاخر. ومن لطف الله بعبده ان زهي بشيء من ماله شيئا من الناس وخيرا لغيره فيثيبه فيثيبه من حيث لا يحتسب. فمن غرس غرسا او زرع زرعا فاصابته روح من الارواح المحترمة في شيء انزل الله صاحبه وهو لا يدري خصوصا اذا كانت عنده نية حسنة وعقد مع ربه عقدا في انه ما ترتب انا ما لي شيء من النفع فاسألك يا رب ان تأجرني وتجعله قربة لعندك. وكذلك لو كان له بهائم ركوبها والحمل عليها او كنت في عين سكناها ولو شاء قليلا او ماعون ومحوه انتفع به او عين شرب منها وغير ذلك ككتاب انتفع به في هل من شيء منه؟ او مصحف قرأ فيه والله ذو الفضل العظيم. ومن لطف الله بعبده ان يفتح له بابا من ابواب الخير لم فكن له على بال وليس ذلك لقمة رغبته فيه وانما هو غفلة منه وذهول عن ذلك الطريق. فلم يشعر الا وقد في قلبه الداعي اليه والملكت اليه ففرح بذلك وعرف عنا من الطام سيده وطرقه التي قيد اصولها اليه فصرف لها ضميره ووجه اليها فكره وادرك منها ما شاء الله وفتح. كل هذه المشاهد التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى هي من معالم لطف الرب سبحانه وتعالى التي يراها المرء في نفسه وفي من حوله فان المرء لا يزال يتقلب من حال الى حال يكمله الله عز وجل اذا نقص ويدرؤه عن خلل اذا طمحت نفسه اليه وكل ذلك انما يكون بلطف الرب سبحانه وتعالى. ومن تفطن الى هذه المشاهد التي ذكرها المصنف رحمه الله تعالى وعقل ما هي عرفة ان قوام حياة الناس بلطف الرب سبحانه وتعالى فهو سبحانه وتعالى ذو النعمة السابغة الكاملة الفاضلة اذ تلطف بعباده سبحانه وتعالى فاوصل اليهم برفق من حيث لا يشعرون انواعا من النعم واسبابا يخطر لهم بها كمال احوالهم وفي هذا المعنى قول ناظم دوام حالنا من المحال ولطف ربنا صلاح الحال. فان العبد لا يمكن ان تدوم له الحال ابدا لا على ما يحبه ولا على ما يكرهه الا ان ما تستقيم به الامور هو لطف الرب سبحانه وتعالى ولهذا ينبغي ان يكثر العبد من التضرع الى الله باسمه اللطيف. لان من دقائق اجابة الدعاء ان يكون الاسم المدعو به مناسبا لحال الداعي ومن انسب الاسماء الداعي ومن انسب الاسماء باحوال الناس عامة دعاء الله عز وجل بهذا الاسم العظيم فيدعو الداعي دائما في دعواته بهذا الاسم الكريم العظيم وهو اللطيف الذي يورث العبد كمالات في الدنيا والاخرة وارجو من الله ان يكون ما نحن فيه من هذا النوع فان جنس هذه الفوائد المذكورة في هذه الرسالة قد كانت تعجبني كثيرا اثناء قراءة كتاب الله فاتهاون بها ولم اقيدها فيضيع شيء كثير فلما كان اول يوم من هذا الشهر المبارك اوقع في قلبي ان اقيد ما يمر وعلي من الفوائد والمعاني المتضحة التي لا اعلم انها وقعت لي قبل ذلك وعملت على هذا النمط حتى كان الانتهاء الى لطف الله كما كان الابتداء بلطف الله بهذه الرسالة اللطيفة وكان ذلك موافقا للتامن والعشرين من هذا الشهر المبارك الذي حصل به الابتداء في الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة سبع واربعين وثلاث مئة والف من الهجرة والحمدلله اولا واخرا وظاهرا وباطنا حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وصلى الله على محمد وسلم من محاسن الختم ما اتفق للمصنف رحمه الله تعالى فانه كان يبين معالم اسم اللطيف واثاره على الناس حتى اذا بلغ هذا المحل الذي ختم به كان ما بلغه الله اياه من الفوائد العظيمة والمعاني المتضحة من فهم القرآن الكريم ثم تقييدها وظبطها على هذا النمط كان من لطف الله عز وجل بعبده. ومهما نظر المرء في حاله فانه لا يجد حالا خارجة عن لطف الله سبحانه وتعالى. وتأملوا ايها الاخوان مقامنا منذ اليوم كيف كان دائرا بين لطف الله عز وجل ورحمته في ثلاثة مشاهد. اولها ما تفضل الله عز وجل به من افراغ وقت عظيم في طلب العلم فان المرء قد لا يتفق له في اسبوع بل في شهر ان يجلس ساعات متطاولة يتذاكر فيها علما ينفعه وفي الدارين فمن اعظم لطف الله عز وجل ان منعك حال البطالين من اهل الفضول او الفراغ فضلا عن اهل الفسق والبدعة والشرك فجعل وقتك مصروفا الى ما فيه مرات الله عز وجل. وانظر مشهدا اخر وهو ما امدك الله عز وجل به من القوة والالات والصبر على الثبات في درس تبلغ مدته في احدى جلساته ساعات متواصلة ولو ان المرء قيل له انك تجلس ساعات المتواصلة في طلب العلم كان ذلك عنده مستعظما حتى اذا لطف الله عز وجل به هيأ له اسباب ذلك وامده بانواع من القوى قد لا تجتمع له في غير هذا المقام من يومه. وانظر الى مقام ثالث ما فتح الله به من انواع الفهم والعلم والتعليم على المعلم والمتعلم في فهم ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى من المعاني المتعلقة بتفسير كلام الله سبحانه وتعالى وكل ذلك يذهب عن العبد كل رهق وتعب. فان من اراد الراحة فيجب عليه ان يعلم ان راحة لا تنال بالراحة فان اهل المعرفة اجمعوا على ان الراحة لا تنال بالراحة وقد يصبر البطال في انفاذ وقته وتزنيته فيما لا نفع فيه واحرى بمن يطمع بما اعده الله من المقامات العظيمة ان يصبر على طلب هذه المقامات وان نفسه كما قال الله عز وجل فاعبدوا واصطبر بعبادته. وقال يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا فلا بد بمفاعلة ومغالبة للنفس فان النفس تنزع الى مألوفاتها وترغب في مواردها لكن من فطمها في هذه الاحوال فانه يفرح بهذا الفطام في في الاخرة فان الدنيا مزرعة والاخرة الحصاد وهذا اخر ما يتعلق بالتقرير على هذا الكتاب النافع وهو المواهب الربانية من الايات القرآنية للعلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى بقي امور احدها التذكير بان موعد الاختبار في هذا الكتاب سيكون ان شاء الله تعالى في يوم الجمعة المقبلة التي ليست غدا بل في مقابلتها من الاسبوع القادم بعد صلاة في العصر ان شاء الله تعالى يقول هذا السائل هل المقصود هنا في قوله تعالى وتجاهدون في سبيل الله؟ هل الجهاد هو القتال والانفاق على المقاتلين؟ ودعمهم اولها معنى اخر في هذا هذه الاية يقال ينبغي ان يعلم ان قاعدة الشرع في سبيل الله حيثما ذكر فالمراد به الجهاد في سبيل الله عز وجل فاذا فجاءت اية او حديث فيها ذكر سبيل الله فاعلم انه الجهاد الا ان الجهاد ليس مقتصرا على القتال بل كانوا الكافرين هو نوع من انواع الجهاد. وقد بسط ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد القول في انواع الجهاد. ومفتاحها جهاد النفس في تعلمها الحق والعمل به والدعوة اليه والصبر على ذلك. فان اعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ومن لم ينتصر على نفسه فانه قد لا ينتصر على عدوه. وقد امرنا الله عز وجل بان نجاهد فيه انفسنا. فاذا جاهدنا انفسنا فان الله عز وجل ينصرنا ويكون معنا كما قال الله عز وجل والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين هذا يقول في سؤاله هل يحسن في دعاء العبد ربه ان يقول ربي على الافراد او يقول ربنا او اي اللفظين يقدم يقال ان الامر دائم بحسب القرينة التي تقترن به. كما جاء من الالفاظ متعبدا به على صيغة الافراد او الجمع فانت تتعبد به من غير تغيير. كقولك في الجسد بين السجدتين رب اغفر لي ربي اغفر لي. ربي اغفر لي فانك متعبد بالافراد فاذا جاءت الشريعة بافراد او جمع معين فان القرينة دالة على تفضيل هذا اللفظ المعين. وقد تكون قرينه الحال فاذا دعا الداعي وحوله اناس يؤمنون على دعائه فانه الافظل في حقه ان يكون الدعاء الدال على الجمع ربنا ربنا كما جاء في اكثر المواضع في القرآن الكريم بقي سؤالي هل عنده سؤال فترى انت ان الختم بهذين الاسمين يخالف القاعدة التي تقدمت والجواب ان يقال ان هذا المظهر من موالاة المؤمنين بعضهم ببعض وقيامهم بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو اثر من اثار عزة الله وحكمته واما الاخبار بان الله عز وجل سيرحمهم فانما هو اخبار عن الجزاء ان التي تقابلها وبهذا تنتهي هذه الاسئلة المتعلقة في كتاب المواهب الربانية. نسأل الله العلي العظيم ان يفتح علينا من فضله وكرمه وان يعلمنا ما ينفعنا وان ينفعنا ما علمنا والا يخيب سعينا وان يتقبل عملنا وان يفتح لنا فتوح العارفين وان يتغمدنا برحمته في العالمين وان معنا