نعم احسن الله اليكم فصل فان قلت انك قد اشرت الى مقام عظيم فافتح لي بابه واكشف لي حجابه وكيف تدبر القرآن وتفهمه والاشراف على عجائبه وكنوزه وهذه تفاسير الائمة بايدينا. هل في البين غير ما ذكروه؟ قلت لك امثالا تهتدي عليها وتجعلها اماما لك في هذا المقصد. قال الله تعالى هل اتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين؟ اذ دخلوا فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ الى اهله فجاء بعجل سمين وقربه اليهم قال الا تأكلون الى قوله الحكيم العليم؟ فعهدي بك اذا قرأت هذه الايات وتطلعت الى معناها وتدبرتها فانما انما تتطلع منها على ان الملائكة اتوا ابراهيم في سورة اضياف يأكلون وبشروه بغلام عليم وان امرأته عجبت من ذلك فاخبرتها الملائكة ان الله قال ذلك ولم يجاوز تدبرك غير ذلك. فاسمع الان بعض ما في هذه الايات من الاسرار. وكيف تضمنت من انواع الثناء على ابراهيم؟ وكيف جمعت حقوقها وكيف يراعي وكيف يراعى الضيف وما تضمنت من رد على اهل الباطل من الفلاسفة والمعقدات وكيف تضمنت وكيف عالما عظيما من اعلام النبوة وكيف تضمنت جميع صفات الكمال التي مردها الى العلم والحكمة؟ وكيف اشارت الى دليل امكان المعادي بالطف اشارة ثم افصحت بوقوعه وكيف تضمنت الاخبار عن عدل الرب وانتقامه من الامم المكذبة؟ وتضمن الذكر الاسلامي والايمان والفرق بينهما تضمنت بقايا الرب الدالة على توحيده وصدقه وصدق رسله وعلى اليوم الاخر. ظمنت انه لا ينتفع بهذا كله الا من في قلبه خوف من عذاب الاخرة وهم المؤمنون وهم المؤمنون بها. واما من لا يخاف الاخرة ولا يؤمن بها فلا ينتفع بتلك الايات فاسمع الانا بعض التفاصيل. هذه جملة قال الله تعالى هل اتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين؟ افتتح الله سبحانه القصة بصيغة بصيغة موضوعة للاستفهام وليس المراد به حقيقة من الاستفهام ولهذا قال بعض الناس ان هل في في في مثل هذا الموضع بمعنى قد التي تقتضي التحقيق ولكن في ورود الكلام في مثل هذا الاستفهام سر لطيف ومعنى بديع فان المتكلم اذا اراد ان يخبر مخاطبه بامر عجيب ينبغي الاعتناء به واحضار الذهن له صدر له الكلام باداة سمعه وذهنه للخبر. فتارة يصدر بالا وتارة يصدره بهل. فيقول هل علمت ما كان من كيت وكيت اما مذكرا به واما هو ان ايضا له مخوفا واما منبها على عظمة ما يخبره به واما مقررا له. وقوله تعالى واتاني حديث موسى وهل اتاك نبع الخصم؟ وهل اتاك حديث وهل اتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين؟ متضمن لتعظيم هذه القصص والتنبيه على تدبرها ومعرفة ما تضمنته وفيه امر اخر وهو التنبيه على ان كان هذا اليك عالم من علم النبوة فانه من الغيب الذي لا تعلمه انت ولا قومك فهلتاك من غير اعلامها وارسالنا وتعريفنا اما الامن لم يأتك الا من قبلنا فانظر ظهور هذا الكلام بصيغة الاستفهام وتأمل عظم موقعه في جميع موارده يشهد انه من الفصاحة في ذروتها العليا وقوله ضيفي ضيفي ابراهيم المكرمين. متضمن لثنائه على خليله ابراهيم. فان في المكرمين قولين احدهما اكراما وابراهيم لهم ففيه مدح له باكرام الضيف والثاني انهم مكرمون عند الله كقوله بل عباد مكرمون وهو متضمن ايضا لتعظيم خليله ومدحه جعل ملائكته المكرمين فعلى كل التقديرين في فعلى كلا التقديرين فيه مدح لابراهيم وقوله تعالى فقالوا سلاما قال كلام متظمن لمدح اخر لابراهيم حيث رد عليهم احسن مما حيوه به فان تحيتهم باسم منصوب متظمن لجملة فعلية تقديره وسلمنا عليك سلاما تحية إبراهيم لهم باسم مرفوع متضمن من جملة اسمية تقديره سلام ثابت او دائم او مستقر عليكم ولا ريب ان الجملة الاسمية الثبوت واللزوم والفعلية والفعلية كتاب التجدد والحدود فكانت تحية ابراهيم اكمل واحسن ثم قال قومهم منكرون وفي هذا من حسن مخاطبة الضيف والتذمم والتذمم منه وجهان من المدح احدهما انه حذف المنتدى وتقدير انتم انتم منكرون فتذمم منهم ولم يواجه ولم ولم يواجه ولم يواجههم بهذا الخطاب لما فيه من بعض الاستيحاش بل قال قوم منكرون ولا ريب ان حذف المبتدأ في هذا من محاسن الخطاب وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجه احد ومما يكرهه بل يقول ما ابعد اقوام يقولون كذا ويفعلون كذا والثاني قوله قوم منكر فحذف فاعل الانكار وهو الذي ان كان انكرهم كما قال تعالى في موضع اخر نكرهم ولا ريب ان قوله منكرون الطف منهم ان يقول انكرتكم وقوله فراغ الى اهله فجاء بعجل سمين ان تقربه اليهم قال الا تأكلون متضمن وجوها من المدح واداب الضيافة واكرام الضيف منها قوله فراغ الهي والروضان الذهاب في سرعة واختفاء المبادرة الى اكرام الضيف والاختفاء ترك تخديره والا يعرضه للحياة. وهذا بخلاف من يتثاقل ولمن يتثاقل ويتبارد على ضيفه ثم يبرز منه ويحل صرة النفقة ويزن ما يأخذ ويتناول الاناء بمرء منه ونحو ذلك مما يتضمن تخجير الضيف وحياءه فلفظة غابة في هذين الامرين وفي قوله الى اهله مدح اخر لما فيهم لشعر بان كرامة الضيف معدة حاصلة عند ابي وانه لا يحتاج ان يستقيظ من جيرانه ولا يذهب الى غير اهله لنزول الضيف حاصل عندهم وقوله فجاء بعجل ثمين يتضمن ثلاثة انواع من مدح احدها خدمة بيته بنفسه فانه لم يرسل به وانما جاء به بنفسه انهم انه جاءهم بحيان تام لم يأتهم ببعض ليتخيروا من اقارب لحمه ما شاء والثالث انه سمين ليس بمهزول وهذا من نفائس الاموال السمين فانهم يعجبون به فمن كرمه هان عليه ذبحه واحضاره. وقوله اليهم متضمن لملح وادم اخر وهو الطعامين بين ايدي ايدي الضيف بخلاف من يهيئ الطعام في موضع ثم يقيم ضيفه فيورده عليه وقوله قال الا تأكلون بهما نحن ادب اخر فانه عارض عليهم الاكل بقوله الا تأكلون هذه صيغة ارض مؤذنة بالتلطف؟ بخلاف من يقول ضعوا ايديكم في الطعام كلوا تقدموا ونحو ذلك فاوجس منه خيفة لانه لما رآهم لا يأكلون من طعامه يضمر منهم خوفا ان يكون منهم شرا فان الضعيف اذا اكل من طعام رب المنزل اطمأن اليه وانس به فلما وذلك قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم. وهذا الغلام اسحاق لا اسماعيل لان امرأته عاجبة اجبت من ذلك وقالت عجوز عجبت من ذلك لان امرأته عجبت من ذلك وقالت عجوز عقيم لا يولد لمثله فاما لي بالولد واما اسماعيل فانه من ذريته هاجر وكان بكره واولده وقد بين سبحانه في سورة هود في قوله تعالى فبشرناها باسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب في هذه القصة نفسها وقوله فاقبلت امرأته في فصكت وجهها فيه بيان ضعف عقل المرأة وعدم ثباتها اذ باطل الندبة وصك الوجه عند هذا الاخبار وقوله وقالت عجوز عقيم عند خطاب الرجال واقتصاره من كلامه على ما يتأدى به الحاجة فانها عظمة المبتدأ فلم تقل انا عجوز عقيم واقتصرت على ذكر سبب الدال على عدم الولادة تذكر غيره واما في سورة هود وذكرت السبب المانع منها ومن ابراهيم وصرحت بالتعجب وقوله قالوا كذلك قال ربك متضمن لاثبات صفة القول له وقوله انه انه هو الحكيم العليم. متضمن لاثبات صفة الحكمة والعلم الذين هما مصدر الخلق ولا يملك جميع ما خلقه سبحانه صادر عن علمه وحكمته وكذلك امر عن علمه وحكمته والعلم والحكمة المتضمنان لجميع كمال فالعلم يتضمن الحياة ولوازم كمالها من من احسن الله اليكم ولوازم كمالها من القيومية والقدرة والبقاء والسمع والبصر وسائر الصفات التي يستلزمها العلم والحكمة تتضمن كما لم يرادوا والحكمة تتضمن كمال الارادة من العدل والرحمة والاحسان والجود والبر ومواضع الاشياء مواضعها لا يحسن وجوهها من ارسى على الرسل واثبات الثواب والعقاب كل هذا يعلم من اسم الحكيم كما هي طريقة القرآن في الاستدلال على هذه المطالب العظيمة بصفة الحكمة والانكار على من يزعم انه خلق الخلق عباءة اقصد انه بعض الانفال فنفس حكمته تتضمن الشرع والقدر تتضمن الشرع تتضمن الشرع والقدر والثواب والعقاب ولهذا كان اصح القولين المعاد يعلم بالعقل وان السمع ما ورد بنفسه ما يدل العقل على اثباته ومن تأمن طريقة القرآن وجدها على ذلك وان الله سبحانه يضرب لهم الامثال المعقولة التي تدل على امثال تارة ووقوعه يخاف يذكر ادلة القدرة الدالة على امكان المقدور وادلة الحكمة المستلزمة لوقوعه ومن تأمل الادلة المعادي في في القرآن وجدها كذلك مغنية بحمد الله ومنته على عباده عن غيرها كافية شاف موصلة الى المطلوب بسرعة متضمنة للجواب عن الشبه العارضة لكثير من الناس وان ساعد التوفيق من كتبت في ذلك سفرا كبيرا لما رأيت لما رأيت بلاد لم رأيت بالادلة التي ارشد اليها القرآن من الشفاء والهدى وسرعة الايصال وحسن البيان والتنبيه على مواضع الشبه والجواب عنها بما ينتبه له الشبه. وتنبيه على مواضع الشبه والجواب عنها بما ينفرج له صدره وينفق معه اليقين بخلاف غيره من الادلة فانها على العكس من ذلك وليس هذا وليس هذا موضع التفسير والمقصود ان مصدر الاشياء خلقا وامرا على عن علم الرب وقصت عليه القصة بذكر هذين الاسمين من اقتضائهما لاقتضائها لهما لتعجب النفوس من تولد مولود بين ابوين لا يولد لمثلهما عادة وخفاء العلم بسبب هذا الايلاد وكون الحكمة اقتضت جريان هذه وكون الحكمة اقتضت جريان هذه الولادة على غير العادة المعروفة فذكر في الاية العلم والحكمة المتضمن لعلمه سبحانه بسبب هذا الخلق وغايته وحكمته في وضعه موضعه من غير اخلال بموجب الحكمة ثم ذكر سبحانه قصة ويرسل للحجارة المسومة عليهم وفي هذا ما يتضمن تصديق رسله واهلاك المكذبين لهم والدلالة على المعادي والثواب والعقاب قبل وقوعه عيانا في هذا العالم وهذا من اعظم الادلة الدالة على صدق رسله وصحة ما اخبروا به عن ربهم. ثم قال فاخرجنا ان كان فيها من المؤمنين هنا وجدنا فيها غير بيت من المسلمين. ففرق بين الاسلام فرق بين الاسلام والايمان. ففرق بين الاسلام والايمان هنا لسر مقتضاه الكلام فان الاخراج هنا عبارة عن النجاة فهو اخراج نجاة من العذاب ولا ريب ان هذا مختص بالمؤمنين المتبعين للرسل ظاهرا وباطنا وقوله فما وجدنا فيها بيت من المسلمين لما لما كان الموجودون من المخرجين وقع اسم الاسلام عليهم لان امرأة لوط كانت من اهل هذا البيت وهي مسلمة في الظاهر فكانت في الموجوه ديننا في القوم الناجين. وقد اخبر الله سبحانه وقد اخبر الله سبحانه عن خيانة امرأة لوط. وخيانتها انها كانت تدل قومها على اضيافه. وقد معهم وليست خيانة فاحشتهم فكانت من اهل البيت المسلمين ظاهرا وليس من المؤمنين الناجين. ومن وضع دلالات القرآن والفاظه مواضعها تبين له من اسراره وحكمه لا يهز العقول ويعلم معه تنزله من حكيم حميد. وبهذا خرج الجواب عن السؤال المشهور وهو ان الاسلام اعم من الايمان من قاعدة الاستثنائية تقتضي العكس. وتبين ان المسلمين مستثنيين مما وقع عليه فعل الوجود والمؤمنين غير مستثنين منهم. بل هم بل غير مستثنين منهم بل هم بل هم المخرجون الناجون وقوله تعالى وتركنا فيها اية للذين يخافون العذاب الاليم. فيه دليل على ان ايات الله سبحانه وعجائبه التي فعلها وفي هذا العالم يلقى اثارها دالة عليه وعلى صدق رسوله انما ينتفع بها من يؤمن بالمعادي واخفى عذاب الله كما قال تعالى في موضع اخر ان في ذلك لاية لمن خاف عذاب والاخرة وقال تعالى سيذكر سيذكر من يخشى فان من لا يؤمن بالاخرة غايته. وان يقول هؤلاء قوم اصابهم الدهر كما اصاب غيرهم ونزل فيه شقاء وسعادة. واما من امن بالاخرة واشفق منها فهو الذي ينتفع بالايات والمواعظ والمقصود بهذا انما هو التمثيل والتنبيه على تفاؤل الافهام في معرفة القرآن اصراره واثارة كنوزه واعتبر هذا واعتبر واعتبر بهذا غيره والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء مما قرر المصنف رحمه الله تعالى ان قوام الامر وجماعه هو تدبر القرآن الكريم اورد فصلا نافعا في الكشف في عن كيفية التدبر في حقائق بعض ايات القرآن الكريم. وهن الايات اللواتي ذكرهن الله سبحانه وتعالى في قصة ابراهيم ولوط في سورة الذاريات. فهؤلاء الايات قدم المصنف رحمه الله تعالى القول فيهن اجمالا بما عليه عامة الناس اذ قال فعهدي بك اذا قرأت هذه الايات وتطلعت الى معناها وتدبرتها فانما تطلع منها على ان الملائكة اتوا ابراهيم في سورة اضيافه يأكلون وبشروه بغلام عليم وان امرأته عجبت من ذلك فاخبرتها الملائكة ان الله قال ذلك ولم يجاوز تدبرك غير ذلك. وهذا المعنى الاجمالي الذي ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى حقيق باسم التفسير غير حقيق باسم التدبر لان التدبر انما هو البلوغ الى نهايات معاني الايات كما افاض به هو فيما يستقبل من كلامه مما قرأه القارئ. واما الاطلاع العام على معانيها فهذا يسمى تفسيرا في الحقيقة بقوله الموافق السلامة ان يقال فعهدي بك اذا قرأت هذه الايات وتطلعت الى معناها وعرفت تفسيرها ان تذكر فيها ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى هنا اجمالا واما التدبر فهو مقام عظيم وراء مقام التفسير وليس كل المفسرين اولي تدبر وانما اهل التدبر هم الذين لهم نظر نافذ في معاني كتاب الله سبحانه وتعالى ومنهم كان ابن عباس رضي الله عنه فهو قد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بمعرفة التأويل والتأويل ومعرفة مآلات الامور سواء فيما يتعلق دلائل الاحكام او احوال الخلق والتدبر قطعة من التأويل تعلقه كتاب الله سبحانه وتعالى. فلا يكون التدبر في غيره على المعنى الشرعي. ولذلك ما جاء الامر بالتدبر الا في اية الكريم كما قال الله عز وجل ليدبروا اياته وقال تعالى افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها وقال تعالى افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. ثم بين المصنف رحمه الله تعالى انه يسمعك بعض ما في هذه الايات من الاسرار وما تضمنته وذكر انواعا من ذلك وهذه الجملة من كلامه رحمه الله تعالى تكررت في غير كتاب فانه ذكرها في جلاء الافهام وذكرها ايضا في كتاب الفوائد فهو متعرض لتفسير هؤلاء الايات فيما اذكر في ثلاثة من كتبه احدها هذا الكتاب وهو الرسالة التبوكية والاخر كتاب الفوائد جلاء الافهام. ثم شرع رحمه الله تعالى يبين تفاصيل الجمل مما تضمنته هؤلاء الايات من الاسرار والمعاني فذكر اولا ان الله سبحانه وتعالى افتتح القصة بصيغة موضوعة للاستفهام وهي هل اتاك ضيف ابراهيم المكرمين. وورود الكلام في مثل هذا الاستفهام هو لمعنيين لطيفين. احدهما ان المتكلم اذا اراد ان يخبر بامر عجيب ينبغي الاعتناء به صدر الكلام باداة تنبه اليه ومن جملة ما ينبه اليه قول المرء هل والاخر التنبيه على ان اتيان هذا خبر الى النبي صلى الله عليه وسلم علم من اعلام النبوة فهو غيب لا يعلمه هو ولا قومه بل كما قال الله عز وجل ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك. ثم ذكر بعد ان قوله تعالى ضيف ابراهيم متومن لثناء الله عز وجل على خليله ابراهيم. وذلك من وجهين بين احدهما وهو ان الله عز وجل وصف ضيفه بانهم مكرمون. وفي معنى كونهم مكرمون قولان احدهما اكرام ابراهيم له فبه مدح له باكرام الضيف والثاني انهم مكرمون عند الله وهو متضمن لتعظيم خليله ومدحه لانه جعل ملائكته المكرمين المقربين اضيافا له. ووراء هذا الوجه وهو مدح ضيف ابراهيم وجه اخر. وهو الاعلام بان ابراهيم عليه الصلاة والسلام كان محل وفادة الضيوف. فقد كان مضيافا يستقبل الضيوف وينعم عليهم فمدح ابراهيم بهذين الامرين واولهما في صدر الاية بالانباه الى انه رجل مضياف يقبل عليه الضيوف وان هؤلاء ما قصدوا ابراهيم عليه الصلاة والسلام الا لانه هو عليه الصلاة والسلام ممن شهر بذلك وفي بعض الاخبار ان اول من اضاف الضيف هو ابراهيم عليه الصلاة والسلام والاخر في مدح ضيف ابراهيم بانهم مكرمون على المعنيين المذكورين في ذلك. ثم بين ان قوله تعالى فقالوا سلاما قال سلام متضمن لمدح اخر لابراهيم لان ابراهيم عليه الصلاة والسلام سلم عليهم بجملة اسمية وهم سلموا جملة فعلية والجملة الاسمية دالة على الدوام والثبات والاستمرار. وجملة فعلية دالة على التجدد والحدوث والتغير. فتحية ابراهيم اكمل لانها جاءت جملة اسمية دالة على الدوام والثبوت واستقرار وذلك ابلغ في التحية. ثم ذكر ان قوله تعالى قوم منكرون فيه من حسن مخاطبة الضيف والتذمم اي الاستحياء منه وجهان من المدح. احدهما انه حدث المبتدأ وانتم منكرون. فتذمم منهم ولم يواجههم اي استحيا منهم ولم يواجههم بهذا الخطاب بما فيه من الاستيحاش بل قال قوم منكرون. ثم ذكر الثاني وهو ان قوله قوم منكرون فيه حد من فاعل الانكار. فلم يخبر بانه هو الذي انكرهم. كما قال تعالى في موضع اخر نكرهم بل قال قوم منكرون ولم يقل انكرتكم. ثم ذكر رحمه الله تعالى ما في قوله تعالى فراغ اله اهله فجاء بعيد ثمين فقربه اليهم قال الا تأكلون من تظمنه وجوها من المدح واداب الضيافة واكرام الضيف منها قوله فراغ الى اهله والروغان الذهاب في سرعة واختفاء فهو يتضمن المبادرة الى اكرام الضيف والاختفاء ترك وتفجيله والا يعرضه للحياء بخلاف المتثاقلين المتباردين على ضيوفهم الذين يظهرون لهم كرامتهم فيطيعونه في الحياء والخجل منهم ثم ذكر ان في قوله الى اهله مدح اخر لما فيه من الاشعار بان كرامة الضيف معدة اصلة عند اهله فهو مستعد لاطيافه متأهب لهم بما يسد حاجتهم ويكفي في كرامتهم فلا يحتاج الى ان يستقيظ من جيرانه ولا يذهب الى غير اهله فنزل الضيافة حاصل عنده وهذا من كمال كرمه وعنايته باطيافه عليه الصلاة والسلام. ثم ذكر ان قوله تعالى فجاء بعيد سمين يتضمن ثلاثة انواع من المدح. احدها خدمة ضيفه فانه لم يرشد به وانما جاء به بنفسه. والثاني انه جاءهم بحيوان تام لم يأتهم ببعضه ليتخيروا من طيب لحمه ما شاءوا فهو قد قدم اليهم عجلا ولم يقدم اليهم بعض عجل. والثالث ان ما قدمه ثمين ليس بمهزول وهذا من نفائس الاموال. وبقي وراء هذه الانواع الثلاثة في المدح اخران احدهما انه لما جاءهم عليه الصلاة والسلام عائدا اليهم جاء بضيافتهم معه. فلم يؤخروا وراءه فهو راغ الى اهله ثم لما رجع اليهم بعد الروغان الى اهله جاء بهذه الضيافة معه وذلك ابلغوا في اكرامهم فلم يتقدم تلك الضيافة ثم تأتي بعده بل بقي عندها حتى صلحت وتركهم في دار الضيافة ونزلها ثم لما جاء جاء بتلك الضيافة معه. والوجه والنوع الاخر انه جاء هم بعجل وهو ما صغر سنه وما كان صغيرا من بهائم الانعام فهو الد لحما واحسنوا طعما ففي ذلك نوع اخر من انواع المدح فانتظمت في هذه الكلمات الثلاث فجاء بعجل سمين خمسة انواع من المدح ذكر ابن القيم ثلاثة واتبعت باثنين. ثم ذكر ان قوله اليهم متضمن لمدح وادب اخر وهو احضار الطعام بين ايدي الضيف بخلاف من يهيئ الطعام في موضع ثم يقيم ضيفه فينيده عليه فذلك ابلغوا في اكرامه وفيه وجه اخر وهو ان التقريب فيه معنى الترغيب ان التقييب فيه معنى الترغيب فهو قربه اليهم مرغبا لهم ان يتناولوا منه ويطعموه. ثم ذكر ان قوله تعالى قال الا تأكلون مدح وادب اخر فانه عرض عليهم الاكل وهذه صيغة عرض في قوله الا تأكلون مؤذنة بالتلطف؟ بخلاف من يغلظ لاضياف فيقول ضعوا ايديكم في الطعام كلوا تقدموا ونحو ذلك من الاوامر وهذا امر يرجع فيه الى اعراظ الناس. ثم ذكر ان قوله تعالى فاوجس منهم خيفة انه لما رآهم لا يأكلون من طعامه اضمر منهم خوفا ان يكون منهم شر فان الضيف اذا اكل طعام رب المنزل اطمأن اليه وانس به. فلما علموا منه ذلك قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم. وفي قوله سبحانه وتعالى فاوجس منهم خيفة اعلام بان ما وجده لم تظهر اثاره عليه. فهو جدد هذا في نفسه ايجاسا ولم يخرج له اثر على وجهه. وهذا غاية الادب مع الضيوف. فانه لما رأى منهم شيئا نكره لم يظهر اثر ذلك عليه بل بقي مضمرا في قلبه ولذلك قال الله عز وجل فاوجس منهم خيفة ولم يأت بكلمة ابلغ دالة على ظهور اثار ذلك الخوف فلم يقل فوجد منهم خيفة وانما قال فاوجسا وهي دالة على اقل التلمذ والاحساس المضمر الذي لا يظهر اثره. ثم بين ان الغلام الذي بشر به هو اسحاق وليس اسماعيل لان اسحاق هو ابن سارة واما اسماعيل فهو ابنه هاجر ومذكورة في هؤلاء الايات انما هي سارة ثم ذكر ان قوله تعالى فاقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها يعني اقبلت في ضجة وفيه ضعف عقل المرأة وعدم ثباتها اذ بادرت الى الندبة وصك الوجه عند هذا الاخبار. وذلك لا يقتضي ذمها لان هذا خبر عن طبعها لا خبر عن وضعها. وفرق بين المقامين فان المقام الذي يرد عليه الذنب هو الوضع واما المقام الذي يكون من قبل الطبع فلا يرد عليه الذنب فما وصف به النساء من نقص العقل وضعف الحيلة وقلة التدبير وعدم الثبات ليس ذما لهن وانما هو خبر عن ما هن عليه من الطبع. اما الذي ينقل نفسه الى ذلك الوضع وله قدرة على غيره فهو الذي يسلط عليه الذنب فقوله ابن القيم وفيه بيان ضعف عقل المرأة وعدم ثباتها اي باعتبار طبعها باعتبار وضعها فان المرأة ليست لها مكنة في ان تتخذ غير هذه الحال ثم بين ان قوله وقالت عجوز عقيم فيه حسن ادب المرأة عند خطاب الرجال واقتصادها من الكلام على ما يتأدى به الحاجة فانها حدثت المبتدأ فلم تقل انا عجوز عقيم واقتصرت على ذكر السبب الدال على عدم الولادة ولم تذكر غيره. ثم انها ابلغت في الكشف عن السبب مما يغني عن زيادة كلام فما مدحت به في كلام ابن القيم ظاهر من وجهين احدهما في اقتصارها وعدم بسطها للكلام فلم تقل انا عجوز وانما قالت عجوز عقيم والاخر في كونها اخبرت بما يغني عما وراءه فذكرت سببا مانعا من الولادة وهو كونها عجوزا عقيما. فلم تقل انا عجوز. ولم تقل انا عقيم وان جاءت بالجمع بين الامرين تأكيدا لاستبعاد ذلك. ثم قال وقوله قالوا كذلك قال ربك متظمن لاثبات صفة القول وهو متضمن ايضا لاثبات صفة الربوبية لله عز وجل ثم قال وقوله انه هو الحكيم العليم متضمن اثبات صفة الحكمة والعلم الذين هما مصدر الخلق والامر فجميع ما خلقه سبحانه صادر عن علمه وكذلك امره وشرعه مصدره علمه وحكمته والعلم والحكمة متضمنان لجميع انواع الكمال الالهي ثم ذكر رحمه الله تعالى طرفا مما يتعلق بحكمة الله سبحانه وتعالى وان حكمته عز وجل تتضمن الشرع والقدر والثواب والعقاب وما في القرآن من الدلائل النقلية هو مشتمل ايضا على اجل الدقائق العقلية لان ذلك هو مقتضى الحكمة والعلم فلا يكون كلام الحكيم العليم الا وهو متضمن لما يوافق العقول الكاملة الفاضلة ثم تمنى المصنف رحمه الله تعالى ان يساعد التوفيق من الله في كتابة سفر كبير في هذا المعنى المبين وجود الادلة العقلية في القرآن الكريم وما انتظم فيه من معاني الحكمة والعلم. ثم ختم رحمه الله تعالى بالبيان بان هذه القصة اختصت بذكر هذين الاسمين في اخرها لاقتضائها لهما لتعجب النفوس من تولد مولود بين لا يولد لمثلهما عادة فاذا علم ان هذا جرى عن علم وحكمة اندفع ذلك التعجب وختم ايات القرآن الكريم بالاسماء الالهية افرادا او اقترانا بحر زاخر من العلم. فان الله سبحانه وتعالى ختم اية باسم على وجه الافراد او ختمه باقترانه مع اسم اخر فاعلم ان ذلك لعلة موجبة ومن الاسماء الالهية ما اضطرد اقترانه في القرآن الكريم فتجد ان اسمين من اسماء الله عز وجل يدوم اقترانهما في ايات القرآن الكريم وذلك لعلة داعية وهذا من اعظم المباحث التي تتعلق بفهم الاسماء الحسنى عند الافراد والاقتراب في كلام الله سبحانه وتعالى ثم ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى ان الله ذكر قصة الملائكة بارسالهم لاهلاك قوم لوط وارسال الحجارة عليهم وفي هذا ما يتضمن تصديق رسله واهلاك المعذبين والدلالة على المعادي والثواب والعقاب. ثم ذكر ان الله عز وجل قال فاخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين. ففرق بين الاسلام والايمان بسر اقتضاه الكلام هو الذي عبر عنه بقوله فان الاخراج هنا عبارة عن النجاة. يعني فانجينا من كان فيها من المؤمنين ولا ريب ان هذا مختص بالمؤمنين المتبعين للرسل. واما قوله تعالى فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين فهذا متعلق بالموجودين من المخرجين. فالموجودون في البيت كانوا يشملهم اسم الاسلام. اما حقيقة واما على وجه التبع فلوط عليه الصلاة والسلام كان اسلامه حقيقة وهو مؤمن. واما امرأته فكانت على التبع وهذا موجود في القرآن والسنة يطلق اسم الاسلام على قوم لا يراد انهم من المسلمين وان ما هم في الظاهر منهم ومنه في حديث ابي برزة الاسلمي تنافر قوم من المسلمين الى كاهن من الكهان وهؤلاء المتنافرون ليسوا من المسلمين وانما صورتهم الظاهرة هي صورة المسلمين. وكذلك وقع هذا في حديث معاذ ابن جبل في صحيح البخاري لما ذكر تنازع طائفة من المسلمين يوم احد وهؤلاء ليسوا كلهم مسلمون بل فيهم منافقون لكن باعتبار الظاهر كلهم يعدون في المسلمين ولذلك باعتبار الموجودين في البيت هم باعتبار ظاهر من المسلمين. واذا ادرك هذا المعنى انتفى الاشكال المشهور. الوارد على هؤلاء الايات ان الاسلام اعم من الايمان فكيف السفن الاعم من الاخص وقاعدة الاستثناء تقتضي العكس؟ اي يستثنى الاخص من الاعم؟ والجواب ان متعلق وذاك مفترقان فمتعلق الايمان هو الاخراج والانجاء. ومتعلق الاسلام هو الوجدان والكينونة في البيت ثم ذكر ان الله سبحانه وتعالى قال في اخرها وتركنا فيها اية للذين يخافون العذاب الاليم ان فيه دليلا على ان ايات الله سبحانه وتعالى وعجائبه ابقى اثارها دالة عليه وعلى صدق رسله انما ينتفع بها من يؤمن بالميعاد ويخشى عذاب الله سبحانه وتعالى. فاما من لا يؤمن بالاخرة فغايته ان يقول هؤلاء قوم اصابهم الدهر كما اصاب غيرهم ولا زال الدهر فيهم الشقاء بالشقاء والسعادة. واما من امن بالاخرة واشفق منه فهو الذي ينتفع بالايات والمواعظ. ثم قال ابن القيم بعد خاتما والمقصود بهذا انما هو التمثيل والتنبيه على تفاوت الافهام في معرفة القرآن واستنباط اسراره واثارة كنوزه واعتبر بهذا غيره. والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وصدق رحمه الله تعالى فان من فتح الله عز وجل فهما في القرآن لا تزال الاية الواحدة تخرج له من علومها اما لم يكن يعلمه قبل وفي ذلك يقول ابو العباس ابن تيمية الحفيد رحمه الله تعالى فان المرء اذا قرأ سورة الفاتحة مرة بعد مرة ظهر له من اثارها ومعانيها كل مرة ما لم يكن ظاهرا له من قبل انتهى كلامه هذا كلام من حاله في التفسير معروفة ولكن من وجد حلاوة معاني كلام الله سبحانه وتعالى تكلم بمثل هذا الكلام وهو رحمه الله تعالى في خاتمة حياته ندم على ان جعل شغله في غير تفسير كلام الله سبحانه وتعالى لما وجد من الفتح والفهم الذي جرى له في سجن القلعة فينبغي ان يعتني طالب العلم اعتناء بالغا بتفسير كلام الله سبحانه وتعالى وان يجتهد في جمع الته واعظم ذلك ان يكون من اهل القرآن ملازما لكتاب الله عز وجل مدمنا لقراءة فيه مستنبطا منه العلم فرحا به جاعلا اياه في المقام الاعلى والمقدم الاسمى من مراتب كتب العلم فان من طلاب العلم من يكون وكده واهتمامه في يومه وليلته ببلوغ المرام او الفية ابن مالك او مراقي ال سعود واذا رأيت حظه من القرآن رأيت حظا قليلا وهذا والله من الحرمان فان السعادة التامة للعبد والعلم الكامل له ان يكون له حظ من القرآن مجتهدا في حفظه وقراءته ومعرفة تفسيره وتدبره سائلا الله سبحانه وتعالى ان يفتح له في فهمه فتوح العارفين والناس يصبحون ويمسون في فهم كلام معظميهم ويتفاضلون فيه ويكتبون مذكرات تفسيرية لدساتير ارضية طينية وقل من الناس من يكون له شغل في تفسير كلام الله سبحانه وتعالى. ومن بدائع كلام ابن جرير رحمه الله تعالى عجبت لمن لا يعرف تفسير القرآن كيف يلتد بقرائته؟ اي ان المرء لا يجد لذة قراءة القرآن الكريم الا بمعرفة تفسير كلام الله ومثل هؤلاء كما مثل بعض التابعين كمثل قوم بعث اليهم ملكهم بكتاب فلما ارادوا قراءته على سراج انطفأ السراج. فاظلم الليل عليهم فكيف يدرون ما فيه؟ فكذلك من يقرأ القرآن لا يعتني بتفسيره كيف يجد النور منه وهو لا يعرف تفسيره ولا معانيه. ثم لا يكن ادراك الانسان و اعظم علمه ان ما في كتب التفسير هو منتهى العلم بكتاب الله عز وجل. فليس كذلك فان كتاب الله سبحانه وتعالى لا تنقضي عجائبه ولا تفنى ذخائره فانه لا يزال الناس يستنبطون منه علوما لم يتكلم بها الاوائل. ومن جعل نفسه محبوسا تفسير فلان او تفسير علان فاته علم كثير. لكن من اتخذ هذه التفاسير الة تعينه على فهم كتاب الله عز وجل فحسب واما الظن بان تفسير القرآن انتهى الى تفسير فلان او انتهى الى تفسير فلان او انتهى الى تفسير فلان وان تفسير فلان يغني ولا يغني منه شيء فذلك غلط فان كتاب الله سبحانه وتعالى لا يغني منه شيء ابدا ولا يكون من التفاسير تفسير كثير للوفاء جميع معانيه لان هذا مقتضى كذلك كلام الله سبحانه وتعالى. نعم