السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين رب السماوات ورب الارض رب العرش العظيم واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا. اما بعد فهذا المجلس الثاني من الدرس الاول من برنامج اليوم الواحد الثامن. والكتاب المقروء فيه هو دروس من القرآن الكريم للعلامة الصالح ابن فوزان حفظه الله فقد انتهى بنا البيان الى قوله الدرس الثاني سورة الفاتحة. نعم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولجميع الحاضرين والمستمعين اما بعد فقال المصنف حفظه الله تعالى الدرس الثاني سورة الفاتحة اولا منزلتها ومكانتها هذه السورة لها مكانة عظيمة في القرآن اذ هي اذ هي اعظم سورة فيه. كما ان اعظم اية في القرآن اية الكرسي كتبت في اول المصحف ولهذا سميت فاتحة الكتاب. وهذا يدل على اهميتها ومكانتها لانها ما قدمت وجعلت اول سورة في المصحف الا لاهميتها. ذكر المصنف حفظه الله المنزلة التي سمت اليها سورة الفاتحة لان من الامور التي تبعث النفوس الى العناية بامر ما الاطلاع على منزلته. وقد ذكر ان سورة الفاتحة اعظم سورة في القرآن الكريم كما ان اعظم اية في القرآن هي اية الكرسي. وهاتان الجملتان ثبتتا عن النبي صلى الله عليه وسلم فاما ذكر ان سورة الفاتحة هي اعظم سورة فيه. فذلك في حديث ابي سعيد ابن المعلى عند البخاري. واما ان ان اعظم اية في القرآن اية الكرسي فذلك بحديث ابي بن كعب رضي الله عنه عند مسلم. ومن دلائل اهمية سورة الفاتحة انها كتبت في اول المصاحف فان الصحابة رضي الله عنهم لما كتبوا المصحف اتفقوا على استفتاح كتابته بسورة الفاتحة فسميت فاتحة الكتاب لانه يستفتح بها في كتابة وصاحب. كما ان القراءة تتفسح بالصلاة بهذه السورة فلا يقرأ في اي صلاة سورة قبلها. نعم. ثانيا حكم قراءتها في الصلاة ومن اهميتها ايضا ان الله سبحانه وتعالى اوجب قراءتها في كل ركعة في الصلاة. وقد ذهب جمهور اهل العلم الى وجوب قراءتها في الصلاة وان من لم يقرأ بها في صلاته فان صلاته لا تصح. لقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وهذا في حق المستطيع لقراءتها. اما العاجز الذي لا يستطيع قراءتها لعجزه عن حفظها فانه يقرأ ما تيسر او من ايات القرآن غير الفاتحة. واذا كان لا يحسن شيئا من القرآن فانه يأتي بالذكر. سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة الا بالله. لقوله صلى الله عليه وسلم اذا قمت الى الصلاة فكبر فان كان معك قرآن فقرأ والا فاحمد الله وكبره وهلله ثم اركع. وقد ذهب جمهور العلماء الى وجوبها على الامام والمنفرد واختلفوا في قراءتها في حق المأموم على ثلاثة اقوال. القول الاول ان انها واجبة على كل مصل. اماما كان مأموما ام منفردا لقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وهذا عام في كل مصل وقال صلى الله عليه وسلم لعلكم تقرأون خلف امامكم؟ قالوا نعم يا رسول الله. قال لا تفعلوا الا لا تفعلوا الا بفاتحة الكتاب. فانه لا صلاة لمن لم يقرأ بها. وهذا مذهب الامام الشافعي وجمع من المحدثين الامام البخاري وغيره يرون وجوب قراءتها على الامام والمأموم والمنفرد. القول الثاني انها لا تجب على المأموم لان قراءة الامام تجزئ عنه لقوله صلى الله عليه وسلم من كان له امام فقراءة الامام له قراءة ولكن ان هذا الحديث في سنده مقال واستدلوا بقوله تعالى واذا قرأ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون. قالوا في وجه الاستدلال ان الله جل جلاله امر بالاستماع لقراءة القرآن والانصات. والاية نزلت في الاستماع في الصلاة يعني اذا قرأ الامام فعلى المأموم ان ينصت ويستمع فدلت الاية على انه لا قراءة على المأموم ان الامام يقرأ لنفسه وللمأمومين. وهذا القول هو مذهب ابي حنيفة واحمد. القول الثالث وهو قول امام مالك واختيار شيخ في الاسلام ابن تيمية جماعة من العلماء انها تجب على المأموم في الصلاة السرية التي لا يجهر فيها الامام كالظهر والعصر فاما في الصلاة الجهرية فان في قراءة الامام وعلى المأموم ان ينصت ويستمع. قالوا وبهذا تجتمع الادلة فلا دلة التي توجب قراءة الفاتحة تحمل على الصلاة السرية. والادلة الاخرى والاية الكريمة تحمل على الصلاة الجهرية القول هو اعدل الاقوال ان شاء الله. ذكر المصنف حفظه الله امرا اخر يدل على اهمية الفاتحة. وهو ذهاب كثير من العلماء الى القول بوجوبها على كل احد في الصلاة. على اختلاف في تفاصيل ذلك. عملا بما صح عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث عبادة ابن الصامت ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فكل مستطيع قراءتها تجب عليه القراءة. واما العاجز عنها ففي حديث عند ابي داود وغيره النبي صلى الله عليه وسلم قال والا فاحمد الله وكبره وهلله. ووقع في حديث ابن ابي اوفى عند ابي داوود بسند حسن بيان هذا المجمل من ذكر الله وهو اشتماله على خمس جمل هي سبحان الله والحمد لله والله اكبر ولا اله الا الله ولا حول ولا قوة الا بالله. فهؤلاء الجمل الخمس هن بدل الفاتحة لمن لم يكن مستطيعا قراءتها. ثم ذكر المصنف خلاف العلماء في قراءة الفاتحة. اتجب على الامام وحده ام على المأموم معه ام على التفصيل بين الصلاة في السرية والجهرية وذكر من ذلك اقوالا ثلاثة. وهذه مسألة كبيرة اختلف فيها الصحابة فمن بعدهم له والله اعلم هو قول الشافعي وجمهور المحدثين ان قراءة الفاتحة واجبة على كل احد من امام ومأموم ومنفرد في كل صلاة جهرية او سرية لا فرق بين ذلك. عملا بقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب والادلة التي يذكرها المخالفون اما شيء عام يقضى عليه بالخاص كقوله تعالى واذا القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون. فانه يمكن ان تكون الفاتحة مستثناة من هذا. واما واما خاص لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم كحديث لا تفعلوا الا بام الكتاب الذي ذكره المصنف وحديث من كان له امام فقراءة الامام قراءة له. فهو حديث ضعيف ايضا. فلا يثبت حديث خاص بان الفاتحة واجبة على امامي دون المأموم والمعمول به باعتبار ظاهر الاحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما تضمنه حديث عبادة قدم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. نعم. ثالثا اسماء سورة الفاتحة هذه السورة لها عدة اسماء كل اسم يدل على معنى. والشيء اذا كثرت اسماعه دل ذلك على فضله. وتسمى فاتحة الكتاب لانها تفتتح بها كتابة المصاحف وتسمى ام القرآن لان القرآن يدور على ما تستمع عليه هذه السورة من المعاني. فكل المعاني التي اشتمل عليها القرآن وفي الصلاة في اياته اشتملت عليها هذه السورة بصفة مجملة. وتسمى الرقية لانها يرقى بها المريض والدليل على ذلك ما في الصحيح ان نفرا من الصحابة اضعافه حيا من احياء العرب فلم يضيفوهم فلدغ كبيرهم لدغته حية او عقرب ولم يجدوا له علاجا دعوا الى هؤلاء النفر من الصحابة رضي الله عنهم فطلبوا منهم الرقية فقالوا انكم لن لم تضيفونا وانا لا نرقي الا بجعل يعني فحدوا لهم قطيعا من الغنم فقام احد الصحابة فقرأ عليه سورة الفاتحة فقام الرجل كأنما نشط من عقال فاخذ ولكن لم يتصرفوا فيها حتى يستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم وذكروا له القصة فقال وما ادراك انها رقية؟ ثم انه قال لهم اقتسموا هذه الغنم واضربوا لي معكم بسهم وقال صلى الله عليه وسلم ان احق ما اخذتم عليه اجرا كتاب الله. وتسمى الشافية لانها تشفي باذن الله من الامراض تشفي القلوب وتشفي الابدان. تشفي القلوب من الشكوك والاوهام والوساوس وكشف الابدان. من الالام كما حصل لهذا اللذيذ وتسمى السبع المثاني قال الله تعالى ولقد اتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم المراد بالسبع المثاني سورة الفاتحة لانها سبع ايات ووصفت السبع بانها مثاني بانها تكرر قراءتها في كل ركعة وقال النبي صلى الله عليه وسلم عنها هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي اوتيته. وتسمى الصلاة كما جاء في الحديث القدسي قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين. ثم فسر الصلاة بالفاتحة. ذكر المصنف امرا ثالثا فيه بيان جلالة هذه السورة وهو كثرة اسمائها. والعرب لا تعدد واسماء الشيء الا اذا كان معظما. فمن دلائل تعظيم الشيء كون اسمائه كثيرة. ولاجل هذا اسماء ربنا سبحانه وتعالى وصفات رسوله صلى الله عليه وسلم ذكر هذا المعنى ابو بكر ابن العربي في عارضة وابو العباس ابن تيمية وتلميذه ابو عبد الله ابن القيم في اخرين. فاذا كثرت اسماء الشيء دل ذلك على شرفه وعظمته وقد ذكر المصنف حفظه الله ستة اسماء من اسماء الفاتحة. اولها اسم فاتحة الكتاب. وعلله وبقوله لانها تفتتح بها كتابة المصاحف. اي باعتبار ما وقع عليه اتفاق الصحابة بافتتاح كتابة المصاحف بسورة الفاتحة الا ان هذا الاسم وارد في الاحاديث النبوية قبل وقوع كتابة المصاحف. ويشبه ان يكون اذا المراد بالكتاب القرآن حال كتابته في اللوح المحفوظ. فان اكثر ما يطلق اسم الكتاب على القرآن به حال كونه مكتوبا في اللوح المحفوظ. فكأن كتابة القرآن في اللوح المحفوظ عند الله عز وجل استفتحت بالفاتحة فسميت فاتحة الكتاب لاجل ذلك. ثم وقع الاتفاق مع كتابة الصحابة رضوان الله عنهم المصاحف على هذا النهو النحو ثم ذكر الاسم الثاني وهو ام القرآن وام الشيء هو جماعه الذي يرجع اليه واصول القرآن الكريم ترجع الى المعاني التي اشتملت عليها سورة الفاتحة. ثم ذكر الاسم الثالث وهو الرقية لانه يرقى بها المريض ان يداوى بالرقية بها كما ثبت في حديث ابي سعيد الخدري في الصحيح وفيه الذي ذكرها المصنف ثم ذكر الاسم الرابع وهو الشافية لانها تشفي من الامراض كلها سواء الامراض الروحانية او الامراض الجسمانية. فان الامراض التي تعتري الانسان نوعان اثنان احدهما الامراض الروحانية المتعلقة بالروح كالعين والجن والسحر واشباهها. والاخر الامراض الجسمانية من العلل التي تنتاب البدن والفاتحة شفاء للنوعين جميعا. ولابن القيم رحمه الله تعالى كلام نفيس في كون شفاء ذكره في زاد معاد وذكر حاله رحمه الله في الاستشفاء بها. ثم ذكر اسم الخامس وهو السبع كما وصفها الله عز وجل بذلك. وانما سميت بالسبع المثاني لانها سبع ايات تكرر قراءتها ما في كل ركعة فهي تسنى اية بعد اية في كل ركعة ويشبه ايضا ان تكون ان تكون اماتا بالسبع المثاني لانها تثنى في كل ركعة فان كل ركعة تصلى تقرأ فيها الفاتحة ويشبه ايضا ان يكون المراد تثنية معانيها بعضها على بعض. فان معاني اياتها يصدق بعضها بعضا. فالتدنية لذلك كله. وقد جاء الخبر الصادق عن النبي صلى الله عليه وسلم. في تعيينها في تفسير الاية لقوله صلى الله عليه وسلم هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي اوتيته. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم والقرآن العظيم الذي اوتيته في البادية يعني القرآن الاعظم من المتلو الذي اوتيته. فان الفاتحة هي اعظم سورة في القرآن كما تقدم ثم ختم بالاسم السادس وهو اسم الصلاة كما جاء في الحديث القدسي اي الالهي قسمت الصلاة بيني وبين عبدي الصيف فسمى الله سبحانه وتعالى الفاتحة باسم الصلاة لانها ركنها الاعظم فلا تقوم الصلاة الا بالفاتحة فكل صلاة مشتملة عليها كما سلف. نعم. احسن الله اليك. رابعا عدد ايات هذه السورة هي سبع آيات من نص القرآن كما تقدم في قوله تعالى ولقد اتيناك سبعا من المثاني العظيم فقوله الحمد لله رب العالمين. هذه اية الرحمن الرحيم. الآية الثانية مالك يوم الدين الاية الثالثة اياك نعبد واياك نستعين. الاية الرابعة اهدنا الصراط المستقيم. الاية صراط الذين انعمت عليهم الاية السادسة غير المغضوب عليهم ولا الضالين هي الاية السابعة هذا مذهب الجمهور في عدد اياتها. وذهب الشافعي الى ان قوله صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. آية واحدة وهي الآية السابعة. وان الآية الأولى من السورة هي بسم الله الرحمن الرحيم. ولهذا الاختلاف يوجد في بعض المصاحف كتابة رقم كتابة رقم واحد بعد البسملة اشارة الى ان البسملة اية من الفاتحة وفي بعضها لا يوجد هذا الرقم تبعا للقول بانها ليست اية منها. البسملة عند الشافعي اية من الفاتحة واما الجمهور فالبسملة عندهم ليست اية من الفاتحة ولا من غيرها من سور القرآن الا التي في سورة النمل فانها باجماع العلماء بعض اية من تلك السورة. وذلك في قوله تعالى انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم. واما في غير ذلك فهي اية مستقلة وليست خاصة بسورة معينة. ولذا لا يوجد في اي مصحف كتابة رقم واحد عليها في سائر السور غير سورة الفاتحة وذلك لانها اية مستقلة نزلت في الفصل بين السور ولذا يؤتى بها في اول كل سورة الا في اول سورة براءة لانها لم تنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم في اول هذه السورة كما نزلت عليه في بقية السور وقيل في تعليل ذلك ان براءة مكملة لسورة الانفال. وقيل لانها نزلت بالسيف والعذاب وافتتحت بالبراءة. لان انها نزلت بالسيف والعذاب وافتتحت ببراءة فلا يناسب تقديم ذكر الرحمة عليها والله اعلم. افتتحت بالوراء. وافتتحت بالبراءة فلا يناسب تقديم ذكر الرحمة عليها والله اعلم. ذكر المصنف حفظه الله مسألة اخرى متعلقة بسورة الفاتحة وهي بيان عدد اياتها. فذكر ان هذه السورة هي سبع آيات بنص القرآن. ثم عدها هؤلاء الايات ثم قال هذا مذهب الجمهور في عدد اياتها. فان صحت النسخة فالامر مشكل وان كان الصواب في مثل هذا ان يقال هذا مذهب الجمهور في عد آياتها. واما العدد فان اهل العلم قاطبة مجمعون على ان الفاتحة سبع ايات. لا خلاف بينهم. كما ذكر اجماعهم ابن جريد الطبري في تفسيره وابن عطية في المحرر الوجيز وابو حيان الاندلسي في البحر المحيط والبرهان والزركشي في كتاب البرهان ولم يخرج عن ذلك الا اقوال شاذة لا يعتد بخلافها كما ذكره ابو حيان وانما وقع الخلاف في تعديد هؤلاء السبع. فيقال ان عدد ايات ايات الفاتحة سبع اجماعا واما تعداد تلك الايات ففيه مذهبان اثنان احدهما مذهب الجمهور الذين يرون ان قول تعالى صراط الذين انعمت عليهم هي الاية السادسة. وان ما بعدها غير المغضوب عليهم ولا الضالين هي الآية السابعة خلافا للشافعي الذي جعل الاية السابعة هي قوله تعالى صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ووقع وسط هذا العد الكوفي للقرآن الكريم. فان العادين لايات القرآن الكريم كريم من اهل الكوبا جروا على هذا المذهب. فانهم يجعلون بسم الله الرحمن الرحيم هي الاية الاولى ثم يجعلون اخر الفاتحة صراط الذين انعمت عليهم الى اخره هي الاية السابعة. وعلى هذا كتابة المصحف المنسوب الى رواية حفص عن عاصم بايدي المسلمين اليوم. والصحيح مذهب الجمهور وهو ان ان البسملة ليست اية من الفاتحة بل هي اية مستقلة وانما التعداد يكون سبعا لايات على الفصل بين الجملة الاخيرة صراط الذين انعمت عليهم ثم تكون الاية الاخيرة غير المغضوب عليهم ولا الضالين. ثم ذكر المصنف حفظه الله موجب الخلاف. وهو ان البسملة عند الشافعي آية من الفاتحة واما الجمهور فالبسملة عندهم ليست اية من الفاتحة ولا من غيرها من من سور القرآن وهو الصحيح بما في صحيح مسلم من حديث ابي هريرة في حديث الهي وفيه ان الله عز وجل قال قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فاذا قال الحمد لله رب العالمين. فابتدأه الله سبحانه وتعالى بالحمد. فهي الآية الأولى من الفاتحة. واما البسملة فهي اية مستقلة جيء بها للفصل بين السور. الا في سورة النمل في قوله تعالى انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم فهي بعض اية من سورة النمل اتفاقا. ثم ذكر المصنف تحقيق قال لهذا وهو كون البسملة اية مستقلة وانها نزلت لفصل بين السور انه يؤتى بها في اول كل يعني في رسم المصحف. فاذا كتب احد مصحفا وفق رسمه استفتح كل سورة بها. الا في اول سورة براءة وهي التوبة. وعلل المصنف تركها بقوله لانها لم تنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم في اول هذه السورة كما نزلت عليه في بقية السور. ويفهم من هذا ان كل سورة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم استفتحت بالبسملة. واذا هذا جنح السيوطي رحمه الله تعالى في كتاب الاتقان. والتحقيق ليس كل سورة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم استفتحت بها. بل من النازل عليه صلى الله عليه وسلم كذلك. ومنه وما ليس كذلك فمن الاول ما في صحيح مسلم من حديث انس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال انزلت علي سورة انفا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم انا اعطيناك الكوثر. ففي هذا الحديث وقع نزول سورة الكوثر مستفتحة ببسم الله الرحمن الرحيم. واما في انزال سورة العلق في اولها وهو اول النازل عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين فانه لم ينزل في اولها بسم الله الرحمن الرحيم وانما انزل في اولها اقرأ باسم ربك الذي خلق فقد افتح السورة انزالا بها وقد لا تستفتح. لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخبر اصحابه فصل السور بها كما ثبت ذلك في حديث عثمان عند الترمذي بسند حسن. وقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى تعليل ترك في البسملة في اول براءة فقال وقيل في تعليل ذلك ان براءة مكملة لسورة الانفال وقيل لانها نزلت بالسيف والعذاب نجحت بالبراءة فلا يناسب تقديم ذكر الطعمة عليها والله اعلم. والذي تدل عليه الاثار القديمة كما ثبت عن عثمان رضي الله عنه عند الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم تركها غفلا فلم يرشد الى الفصل بينها وبين سورة انفال بسم الله الرحمن الرحيم. فظن عثمان انها منها فأبقاها وفق هذا. وهذا احسن الأقوال في هذا الموضع لانه مأثور عن عثمان رضي الله عنه. نعم. احسن الله اليكم. خامسا شرح الاستعاذة والبسملة اما اعوذ بالله من الشيطان الرجيم فهذه قطعا ليست من الفاتحة وانما يؤتى بالاستعاذة عملا بقوله تعالى فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. فاذا اراد المسلم ان يقرأ القرآن فانه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم في قراءته من اجل ان يتحصن من الشيطان فلا يشوش عليه قراءته. ومعنى اعود والتجئ الى الله جل وعلا واحتمي به منها هذا العدو فالعود هو الالتجاء الى الله من الشيطان والشيطان المراد به كل مارد عات من الانس والجن والدواب منشاط الشيء اذا تبدأ من سطن اذا بعد لان الشيطان بعيد من الخير الرجيم فاعل بمعنى مفعول اي المرجوم لان الشياطين ترجم من السماء فلا يسترقون السمع وترجم كذلك بذكر الله سبحانه وتعالى فالشيطان مرجوم بمعنى انه مطرود ومبعد عن الخير فالمسلم يعتصم بربه ويلتجئ اليه من هذا الشيطان ان لا يضره ويستعيذ به من همزه ونفخه ونفثه. هكذا ورد في استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم والهمز المراد به الصرع لان الشيطان يصرع الانسان احيانا في الجنة ويتخبط. فاصابة جنون هذه من الشيطان وقوله تعالى الذي يتخبطه الشيطان من المس المراد به الصرع فالشيطان يداخل الانسان ويجري منه مجرى الدم لا يصرعه احيانا واذا لم يحمه الله منه فانه يؤذيه فانه يؤذيه بالوساوس والاوهام والصراع والنفخ معناه الكبر لان الكبر من الشيطان فهو الذي ينفخ في الانسان والنفخ في الشعر. قال تعالى فالشعر من نفث الشيطان الا ما كان من الشعر الطيب النزيه فإنه ممدوح. قال صلى الله عليه وسلم ان من البيان ان السحر وان من الشعر وان من الشعر وان من الشعر حكما. لكن غالب الشعر انه سيء وانه من نفث الشيطان وقيل المراد بنفي السحر قال تعالى ومن شر النفاثات في العقد. والاستعاذة مستحبة قبل القراءة الصلاة وفي غيرها لقوله تعالى فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وهذا مطلق مطلق تدخل فيه حال الصلاة حال الصلاة وغيرها. بسم الله الرحمن الرحيم. الباء للاستعانة وفيه فعل مقدر واستعينوا باسم الله او اتحصنوا باسم الله واسم الله مفرد مضاف يعم جميع اسماء الله تعالى فتقول اتحصن باسماء الله سبحانه وتعالى لان اسماء الله تعالى مباركة. قال تعالى فبارك اسم ربك ذي الجلال اكرام والنبي صلى الله عليه وسلم كان في دعاء الاستفتاح يقول وتبارك اسمك اسم الله مبارك وانت تتبرك باسماء فقولك بسم الله الجار والمجرور متعلق بمحذوف ايتبرك واستعين بسم الله الله علم على الاله المعبود وهو من اعظم اسماء الله سبحانه وتعالى والله معناه المألوف المعبود من الهيه من الهة يؤله اذا عبد فهو المعبود سبحانه وتعالى المقصود في كل حاجة الرحمن اسم من اسماء الله يتضمن صفة من صفاته وهي الرحمة الرحيم فالرحمن الرحيم من اسمائه والرحمة من صفاته وكل اسم من اسماء الله جل وعلا فانه يتضمن صفة من صفاته والفرق بين الرحمن والرحيم ان الرحمن من رحمة العامة بجميع المخلوقات. واما الرحيم فهو خاص بالمؤمنين. قال الا وكان بالمؤمنين رحيما. ذكر المصنف رحمه الله تعالى امرا خامسا يتعلق بالفاتحة وهو شرح الاستعاذة والبسملة. وكان الاولى ان يقول المصنف شرح الاستعاذة وتفسير لان الاستعاذة ليست من القرآن اجماعا. واما البسملة فهي من القرآن اجماعا وان اختلفوا في كونها اية من كل سورة ام من الفاتحة فقط ام اية مستقلة فانهم لا يختلفون هنا في كونها من جملة القرآن. والقرآن لا يقال في شيء منه شرح. كما ذكره ابو هلال عسكري وجهه فيما سلف وانما يقال تفسير الفاتحة او تفسير اية الكرسي ولا يقال شرح الفاتحة ولا شرح واية الكرسي بخلاف غيره من الكلام. فيجوز ان يقال فيه شرح وتفسير معا. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى في جملة هذا شرح الاستعاذة وذكر انها ليست من الفاتحة قطعا بل هي ليست من القرآن اتفاقا وانما يؤتى بها عملا بقوله تعالى فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم اي تعود بالله عز وجل من الشيطان الرجيم. والمنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم في صيغة الاستعاذة من طريق نقل القراءات المتواتر هو قوله اعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ولم يثبت هذا في شيء من الاحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم طريق النقل النبوي فان الاحاديث المروية في ذلك لا تثبت. لكن تلقي القراءات طبقة بعد طبقة الى يوم هذا افضى الى الجزم بان استفتاح قراءته صلى الله عليه وسلم هو بقول اعوذ بالله من الشيطان الرجيم واذا استعاذ الانسان باي صيغة كانت جاز ذلك. لكن الاكمل هو امتثال هديه صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر المصنف معاني الاستعاذة فبين ان الاستعاذة هي الالتجاء الى الله سبحانه وتعالى. وسبق ان ان الاستعاذة شرعا هي طلب العود من الله عند ورود المخوف. فاذا ورد المخوف على العبد فطلب من ربه العود ولجأ اليه كان مستعيذا به. ثم ذكر بيان معنى الشيطان وان كل مارد عات من الانس والجن والدواب مأخوذ من قولهم شاط الشيء اذا اشتد او من شطن اذا بعد لان الشيطان شديد في شره بعيد عن الخير والهدى فهو مستحق لهذا الاسم من الجهتين جميعا. فيجوز ان يكون مستقا من هذا او مشتقا من هذا. وهو اسم لكل من اشتمل على هذا هذا الوصف من الانس والجن والدواب فان الدواب التي يكون فيها مس من الشدة او البعد عن الخير تنسب اليه كما جاء في حديث ابي هريرة عند ابي داود وفيه قصة ان النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يتبع امامة فقال شيطان يتبع شيطانه فسمى الحمامة شيطانة مع كونها من الدواب. ثم ذكر معنى رجيم وانه فعيل بمعنى مفعول اي مرجوم فهو مرجوم من جهتين اثنتين احدهما انه ومبعد عن الخير. وثانيهما انه يلجم بالشهب من السماء اذا اراد ان يسترق فاذا استعاذ الانسان اعتصم بربه واتى اليه من الشيطان لئلا يضره. وذكر المصنف ان من جملة ما يندرج في الاستعاذة من الشيطان انه اذا قال اعوذ بالله من الشيطان الرجيم فانه يستعيذ به همزه ونفسه ونفسه. كما ورد ذلك في استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم. عند ابي داود وغيره وهو حديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وانما الثابت في صيغة الاستعاذة هي ما تقدم من طريق نقل القراءات. اما الاحاديث الخاصة في صيغ الاستعاذة فانها احاديث ضعيفة وطرقها لا تقوى على تحسينها انها معلة ثم فسر المصنف الهمزة بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فانه في حديث ابي سعيد تفسير الهمز والنفخ للكبر والنفس بالشعر. وهذا التفسير لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وباعتبار الوضع اللغوي والدلالة الشرعية فان همز الشيطان صرعه فان الشيطان يصرع الانسان اذا مسه كما قال تعالى الذي يتخبطه الشيطان من المس اي بالصرع. واما النفخ فمعناه الكبر. لان الشيطان ينفخ وفي ابن ادم فيعظم له نفسه فيتكبر. ثم ذكر تفسير النفت بالشعر وان الشعر من نفث الشيطان واستثنى من ذلك ما كان من الشعر الطيب فانه ممدوح. اخذا من الحديث المروي في الصحيح ان من البيان لسحرا لكن هذا الحديث اختلف اهل العلم في مخرجه هل خرج مخرج المدح ام الدم؟ على قولين اثنين اصحهما انه خرج مخرج الدم. واختاره ابن رجب. لان النبي صلى الله عليه وسلم جعله سحرا والسحر حقيقته اخراج الشيء من قالب الحق الى قال بالباطل وهو انواع متنوعة ومن جملة ذلك ما يلبس به الشعراء فيخرجون الشيء من الحق الى الباطل ويحببون الناس فيه بما يزينون. فالنفس كن للشعر كله. وقيل المراد بنفسه السحر. كما قال تعالى ومن شر النفاثات في العقد. اي ومن شر الانفس الخبيثة من الذكور والاناث والجن والانس التي تنفذ في العقد وتفسيره بالسحر اوسع او من تفسيره بالشعر فان الشعر المموه للحق بالباطل مضاف الى السحر فرد من افراده فالاقوى من جهة الدلالة الشرعية واللغوية ان النفس هو السحر. ومن جملة السحر الشعر الذي يموه به الشعراء ثم ذكر المصنف ان الاستعاذة مستحبة قبل القراءة في الصلاة وفي غيرها للامر بها في قوله تعالى فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم. وهذا مذهب الجمهور وذهب بعض اهل العلم كعطاء ابن ابي رباح. وغيره الى بها والاشبه والله اعلم مذهب الجمهور وانها مستحبة قبل القراءة في الصلاة وفي غيرها. ثم ذكر المصنف تفسير البسملة وبين ان الباء للاستعانة. والتحقيق ان الاستعانة فرد من افراد المعنى العام للباء فان الباء ترجع معانيها الى الانصاف. وهو الملابسة كما اختاره سيبويه في الكتاب ومن جملة الملاصقة طلب الاستعانة فان من استعان بشيء لصق فهو راجع الى هذا الاصل. ثم ذكر ان فيه فعلا مقدرا قدره بقوله استعين بسم الله او اتحصن بسم الله وهذا على مذهب جماعة من اهل العلم يرون ان المقدر فعل مقدم عام كقول استعين او قولي اتحصن او قولي ابتدئ. والصحيح ان الفعل المقدر الذي يتعلق به الجار والمجرور هو فعل مؤخر خاص مناسب للمحل. فاذا كان المحل محل قراءة كان تقدير بسم الله اقرأ. واذا كان المحل محل اكل كان التقدير بسم الله اكل. واذا كان المحل محل شرب كان بسم الله اشرب. فالاوفق حينئذ ان يكون الفعل المقدر هنا عند ابتداء قراءة القرآن في قول القارئ بسم الله الرحمن الرحيم ان يكون بسم الله اقرأوا. ثم ذكر ان اسم الله مفرد مضاف يعم جميع اسماء الله تعالى والقول بعموم المفرد المضاف مطلقا لا قائد به. وانما يريد به من يذكره المفرد المضاف الى معرفة كقول العلامة ابن سعدي ومثله المفرد اذ يضاف فهمه هديت الرشد ما يضاف فليس مقصوده كل مفرد يضاف الى نكرة او معرفة بل هو مخصوص المضاف الى معرفة والصحيح من مذاهب العلماء في هذا الموضع ان المفرد المضاف للمعرفة يكون دالا على العموم اذا كان المفرد اسم جنس. فاذا كان المفرد اسم جنس اضيف الى معرفة دل ذلك على العموم قوله تعالى واما واما بنعمة ربك فحدث. فان النعمة اسم جنس يشمل افرادا كثيرة وقوله تعالى ربك معرفة بانها مضافة الى ضمير فيكون معنى الاية حدث بجميع نعم ربك سبحانه وتعالى. ثم بين معنى ما ذكره من العموم وهو انه يقول اتحصن واتبرك بأسماء الله سبحانه وتعالى. وعلى ما سلف من معنى الإنصات ويكون التحصن والتبرك والاستعانة افراد من درجة في قول القارئ بسم الله الرحمن الرحيم عند ارادته قراءة ثم بين ان اسماء الله عز وجل مباركة كما قال تعالى تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام والبركة معناها دوام الخير وكثرته فاذا قيل ان اسماء الله مباركة اي توجب كثرة الخير ودوامه اذا ذكرت مع الشيء. وكان باستفتاح النبي صلى الله عليه وسلم قوله وتبارك اسمك فاسم الله مبارك والعبد يتبرك بأسماء الله سبحانه وتعالى. ثم عاد الى تقرير المتعلق بالمحذوف وانه اتبرك واستعين بسم الله وعلى ما سلف فتقديره بسم الله اقرأ ويندرج في بسم الله الاستعانة والتحصن والتبرك. ثم ذكر تفسير الاسم الاحسن الله وبين انه علم على الله المعبود الحق اي اسم موضوع للدلالة على ذات الله عز وجل فان الاعلام توضع للدلالة على الذوات فالله اسم يختص باسم المعبود الحق بخلاف الاله فان الاله اسم يقع على الحق وغيره والاسم الاحسن الله هو من اعظم اسماء الله تعالى كما ذكر المصنف لانه على صفة الالوهية التي ترجع اليها جميع الصفات كما ذكره ابن القيم وابن سعدي رحمهما الله وذهب كثير من من اهل العلم الى ان الاسم الاحسن الله هو الاسم الاعظم. والصواب ان اسماء الله عز وجل كلها عظيمة. وبينا فيما سلف ان هذا مذهب جماعة من الاكابر. كابن جرير الطبري وابن باز رحمهما الله تعالى فحين اذ يقال ان الاسم الاحسن الله من اعظم اسماء الله سبحانه وتعالى ثم ذكر معنى الله بانه المألوف المعبود من اله يؤله اذا او من الهيئة له فعلم يعلم اذا عبد وهو المختار. فهو مشتق من هذا الاصل لان التأله في لسان العرب هو التعبد كما قال رؤبة ابن العجاج لله در الغانيات مدهي سبحن واسترجعن من تأله اي من تعبدي. ثم فسر الرحمن الرحيم بانهما اثنان من اسماء الله صفتا الرحمة لان كل اسم من اسماء الله في ضمنه صفة او اكثر. اسم الرحمن واسم الرحيم فيهما صفة الرحمة كما قال ابن عدوز في بيان هذه القاعدة اسماؤه الحسنى على الصفات دلت فدلت اوجه النفات ثم ختم بذكر الفرق الشهير بين الرحمن والرحيم وهو ان الرحمن ذو الرحمة العامة لجميع المخلوقات واما الرحيم فهو خاص مؤمنين لقول الله تعالى وكان بالمؤمنين رحيما. ويشكل على هذا المورد من القسمة الذي يذكره جم غفير من المصنفين قوله تعالى ان الله في الناس لرؤوف رحيم فانه جعل اسما رحيم متعلقا بالناس جميعا دون المؤمنين. ففي هذا الفرق نظر. والصحيح ان الرحمن اسم دال على الله سبحانه وتعالى حال تعلق صفة الرحمة به. واما الرحيم فهو اسم دال على الله سبحانه وتعالى حال تعلق صفة الرحمة بالخلق المرحومين. ولذلك لا يذكر اسم الرحيم الا بذكر المرحومين كما قال تعالى وكان بالمؤمنين رحيما وقال ان الله بالناس لرؤوف رحيم. واشرت الى ذلك بقولي ورحمة لله مهما علقت بذاته فالاسم رحمن ثبت او علقت بخلقه الذي رحم فسمه الرحيم فاز من سلم. واختار هذا العلامة ابن القيم في بدائع الفوائد. نعم. احسن الله اليك سادسا تفسير ايات الفاتحة قوله تعالى وتعالى والله سبحانه يحمد بمعنى يثنى عليه باسمائه وصفاته وافعاله سبحانه وتعالى. والحمد اعم من الشكر الشكر لا يكون الا على الافعال واما الحمد فيكون على الاسماء والصفات وعلى الافعال. فالحمد اعم من الشكر وهذا هو الفرق بين الحمد والشكر الشكر والف قوله الحمد لله للاستغراق اي جميع المحامد لله سبحانه وتعالى ملكا واستحقاقا. فلا يستحق الحمد على الاطلاق الا الله جل وعلا لانه هو المنعم ذو الانعام المطلق فله الحمد المطلق سبحانه وتعالى. ففي قوله الحمد لله اي جميع المحامد لله سبحانه وتعالى. واما المخلوق فانه يحمد على قدر ما يجري منه من الخير ولكن الله هو الذي رجال فيه هذا الخير فاصل الحمد لله عز وجل قوله رب العالمين الرب هو المربي لخلقه سبحانه وتعالى بنعمه وهو المالك لهم. فالرب يطلق ويراد به المربي ويطلق ويراد به المالك والله هو مالك جميع الخلق ويترك ويراد به المصلح. والله سبحانه وتعالى هو الذي يصلح احوال عباده ويتولاهم. ولا يطلق لفظ الرب الا على الله سبحانه وتعالى. واما اطلاقه على لله فلابد ان يقيد بالمضاف اليه. فيقال رب الدار رب الابل اي صاحبها ومالكها. اما اذا اطلق الرب او العالمين فانه خاص بالله سبحانه لا يجوز وصف غيره به. والعالمين جمع عالم وهو كل ما سوى الله سبحانه وتعالى والعوالم في الكون كثيرا لا يعلمها الا الله سبحانه وتعالى ومنها عالم من سوى عالم الجن وعالم الملائكة وعالم وعالم بحيواناتي كل اجناس الخلق يقال لها عوالم وربها هو الله جل وعلا لا احد يخرج من ربوبيته سبحانه تعالى قوله تعالى الرحمن الرحيم عرفنا تفسيرهما في شرح البسملة قوله تعالى مالك يوم الدين بقراءة مالك بالألف وفي قراءة ملك ملك وكلا القراءتين صحيح فهو سبحانه مالك وملك يوم الدين بالدين هنا الحساب والجزاء. قال تعالى كلا بل تكذبون بالدين. اي الحساب والجزاء. وقال تعالى ارأيت الذي يكذب بالدين يعني يكذب بالجزاء والحساب والبعث والنشور؟ وقال تعالى فما يكذبك بعد بالدين اي بالحساب والجزاء والمجازات يوم القيامة فيوم الدين هو يوم القيامة. سمي يوم سمي يوم الدين لانه يوم الجزاء والحساب لماذا قال ما لك يوم الدين مع انه مالك يوم الدين وغيره خص يوم الدين بالذكر لانه لا ملك في ذلك اليوم الا لله سبحانه وتعالى كما قال لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فالمملوك فالملوك وافراد الناس سواء في هذا اليوم ليس لاحد ملك الا الله جل والا الله جل وعلا فلذلك به في قوله ما لك يوم الدين وان كان مالكا لغيره سبحانه وتعالى بزوال ملك غيره فيه. ولهذا جاء في ان الله سبحانه وتعالى يقول انا الملك اين الجين المتكبرون؟ اين الجبارون؟ وهذا كما في قوله وتعالى لمن الملك اليوم لله الواحد القهار. يتساوى في هذا اليوم جميع الناس ملوكهم وعبيدهم من فقراء واضيعهم واشرافهم لا احد يتميز عن احد الا بالعمل الصالح. قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين اياك نعبد وايا نخصك بالعبادة وقدمنا اياك للدلالة على الاختصاص. وانه لا يستحق العبادة احد الا الله سبحانه وتعالى وهذا من باب الحصر. لان تقديم المعمول على العامل يفيد الحصراء فلا يستحق العبادة الا ان. واياك واين اطلب الاعانة والاستعانة نوع من العبادة؟ فلماذا افردها مع انها داخلة في قوله؟ اياك نعبد قالوا هذا من العفو الخاص على العامي وذلك لان العبادة حق لله جل وعلا. والاستعانة حق للمخلوق اذ هو الذي يستعين بالله عز وجل ويطلب منه حوائجه وكرر اياك ولم يقل اياك نعبد ونستعين لتأكيد الاختصاص وانه لا يستحق العبادة ولا يستحق الاستعانة احد الا الله سبحانه وتعالى. فهو المعين وحده وكل الدين يدور على العبادة والاستعانة على هاتين له عظيمتين اياك نعبد واياك نستعين. قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم هذا دعاء وهو دعاء والذي سبق في اول السورة وهو قوله الحمد لله رب العالمين دعاء عبادة. لان الدعاء ينقسم الى قسمين دعاء وعبادة والثناء على الله في الثناء وعلى الله دعاء وهو دعاء عبادة. ودعاء مسألة ومنه قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم الى اخر السورة اهدنا الهداية هي الدلالة والارشاد يدلنا وارشدنا والهداية اربعة اقسام لكنها ناقصمان القسم الاول هداية الدلالة والارشاد وهذه عامة من جهتين من حيث الهدى فهي تحصل للمؤمن والكافر والله قد الكافر بمعنى انه جل وارشده وبين له الطريق الحق. قال تعالى واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى اي ارشدناهم وهي ايضا عامة من حيث الهادي والمرشد. فيدخل فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه. وانك الى صراط مستقيم. القسم الثاني هداية التوفيق لقبول الحق وهذه خاصة ايضا من جهتين. لا تحصر الا وهي من خصائص الله سبحانه وتعالى. ولذا نفعها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان جلا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء. وقوله اهدنا يعم الهدايتين هداية الدلالة والارشاد وهداية التوفيق دلنا وارشدنا وثبتنا ووفقنا الصراط هو في اللغة الطريق والجادة التي يمشي عليها الناس والحيوانات والمراد بالصراط هنا الاسلام والقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم وسمي كل من هؤلاء صراطا وطريق قال لانه يوصل الى الله سبحانه وتعالى المستقيم معناه الذي له زاج فيه ولا خفى. مستقيم واضح لا يضل من سار عليه بخلاف الطرق المعوجة المختلفة فان من يسير عليها يضل. ولهذا قال تعالى وان هذا صراط اعطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله. ذلكم وصاكم به لكم تتقون. فصراط فصراط فصراط الله واحد لهم. فصراط الله واحد لا انقسام فيه ولا ولا خفاء. اما الصراط المعوج فهذا طريق الضلال والعياذ بالله. ولهذا لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم وان هذا صراطي مستقيم فاتبعوه ولا تتبعوا السبل خط صلى الله عليه وسلم خطا مستقيما وخط على يمينه وشماله خطوطا كثيرة وقال هذا صراط الله للخط المعتدل. وقال عن الخطوط الاخرى وهذه السبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه قوله تعالى صراط الذين انعمت عليهم الصراط تارة يضيفه الله لنفسه مثل قوله تعالى وانها صراطي مستقيما وقوله وانك لتهدي الى صراط مستقيم صراط الله يضيف الى نفسه سبحانه وتعالى لانه هو الذي شرعه ودل عليه ووضحه للناس. ولانه الصراط الذي يوصل الى الله جل وعلا فاضافه الى نفسه ضعفة تشريف وتكريم على انه يوصل الى الله سبحانه وتعالى وتارة يضيفه الى اهله كما في هذه الاية صراط الذين انعمت عليهم الى الذين انعم عليهم لانهم هم الذين يسيرون عليه بخلاف اهل الضلال. فانهم يسيرون على طرق ضالة. الذين انعم عليهم حيث هديتهم الى سلوك هذا الصراط ووفقتهم له وهذه اعظم نعمة من الله سبحانه وتعالى. ومن هم الذين انعم الله بينهم الله في قوله تعالى ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فهذا الصراط من الذي يسير عليه يسير عليه الذين انعم الله عليهم. من النبيين هذا الصنف هم اول من يسير عليه والصديقين لان الصديقين هم افضل الخلق بعد الانبياء والشهداء في سبيل الله بعد مرتبة الصديقين والصالحين وهم سائر المؤمنين الذين يسيرون على هذا الصراط المستقيم طبقات اول طبقة هم الانبياء عليهم الصلاة والسلام ثم يليهم الصديقون ثم يليهم الشهداء ثم يليهم الصالحون من كل امة. نسأل الله ان يجعلنا واياكم نسير على هذا الطريق المستقيم في مرافقة هؤلاء وحسن اولئك رفيقا. والانسان في هذه الدنيا وهو يسير على الطريق المستقيم يجد مضايقات وشدائد واذى ويحس بغربة بين الناس وربما نعلوا منه بالضرب والتهكم والتهديد فاذا تذكر ان رفقائه هؤلاء الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فانه ويصبر على ما يناله في سلوك هذا الصراط والسير على هذا الصراط محفوف بالمكاره محفوف بالشدائد والمشاق ليس مفروش بالمرود فاذا كان لا بد لسلوكه من صبر طويل وعزم اكيد ومما يعينك على سلوكه. ويهون عليك شدائده تذكرك انك ترافق هؤلاء لكن هذا يحتاج الى ايمان وقل من يوفق لذلك وما يلقاها الا الذين اصبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم. فالذين انعم الله عليهم هم اهل العلم النافع والعمل الصالح من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. قوله تعالى غير المغضوب عليهم من هم المغضوب عليهم؟ هم الذين علموا ولم يعملوا تعلموا العلم النافع وفقهوا ولكنهم لم يعملوا بعلمهم فهؤلاء مغضوب عليهم لانهم اتقوا الله على بصيرة وهذا يشمل كل من لا يعمل بعلمه فانه فانه مغضوب عليهم وفي مقدمة هؤلاء اليهود ان اليهود عندهم علم وقد سماهم الله اهل الكتاب واهل العلم ولكنهم لما لم يعملوا بعلم غضب الله عليهم. وليس هذا خاصا بهم بل هو عام لكل من سلك طريقه ممن تعلم العلم ولم يعمل به ولا الضالين الضالون هم الذين يعملون بدون علم لانهم ليسوا على هدى مثلهم. ليسوا على هدى مثلهم مثل من يمشي وهو لا يعرف الطريق. اليس الذي يمشي في البر وهو لا يعرف الطريق يقال له في اللغة الضال. وانه على خطر من الهلاك. فالذي يعمل بدون علم ضال في الشرع وفي الشرع والعياذ وان كان يعمل ويتعب نفسه ويتقرب الى الله ويبكي ويصيح. يريد الجنة لكنه لما كان يسير على غير طريق صحيح لم ينفعه ذلك ويدخل في الضالين النصارى لعملهم بدون علم ويدخل فيهم الخرافيون والمبتدعة لانهم يعملون بدون فالمصلي والقارئ لسورة الفاتحة يسأل الله ان يجنبه طريق هذين الصنفين الذين معهم علم ولا يعملون به والذين معهم عمل ولا لكن بدون علم وتوجد الآن بعض الجماعات تزهد في العلم وتعلمه. يقولون للناس اشتغلوا بالعبادة والذكر. واخرجوا في الله ويعنون بسبيل الله الخروج والسفر والتجول في البلدان ويزهدون في طلب العلم ويهونون من شأنه وشأن اهله وهذا طريق ضلال والعياذ بالله فلا بد من العلم اولا لقوله تعالى فاعلم انه لا اله الا الله فاستغفر لذنبك فبدا بالعلم قبل القول والعمل وقد دلت الاية السابقة على ان الناس بالنسبة الى العلم والعمل ثلاثة اصل فالذين جمعوا بين العلم بين العلم النافع والعمل الصالح هم الذين انعم الله عليهم الذين تسأل الله فيها بسورة يهديك صراطهم. والذين اخذوا العلم وتركوا العمل هم المغضوب عليهم من اي ملة ومن اي دين. والذين اخذوا امن وتركوا العلم هم الضالون وكلا الفريقين خاسر نسأل الله العافية. فاذا تأملت هذه السورة ادركت السر. ادركت فالسر في عظمتها وان الله ما جعلها تقرأ في كل ركعة من ركعات الصلاة الا لما كانت او عظمتها من بين سائر السوء ومن ذلك ما تشتمل عليه هذه السورة من هذا الدعاء العظيم. دعاء العبادة في اولها ودعاء المسألة في اخرها فهي كلها دعاء. ولهذا يستحب في الصلاة اذا فرغ المصلي من قراءتها ان يقول امين. الامام والمأموم والمنفرد يستحب لهم ذلك. وامنوا معناه اللهم فاستجب اي استجب هذا الدعاء فهو تأمين على دعاء هذه هذه السورة وهذه ليست واجبة في الصلاة ويستحب ان يجهر بها في الصلاة الجهرية سواء كان اماما ام مأموما ام منفردا اما اذا كان يقرأ سرا فانه يسر بها. ذكر المصنف وحفظه الله في جملة هذا الدرس امرا سادسا بين فيه تفسير ايات الفاتحة بحسب ما يناسب المقام وابتدأ ذلك بتفسير قوله تعالى الحمد لله رب العالمين. فذكر ان الحمد هو الثناء على الله سبحانه وتعالى فالله سبحانه يحمد بمعنى يثنى عليه باسمائه وصفاته وافعاله سبحانه وتعالى. وهذا التفسير للحنجرة عليه كثير وهو مخالف لما ثبت في صحيح مسلم من حديث ابي هريرة في الحديث الالهي الصلاة بيني وبين عبدي نصفين. فاذا قال عبدي الحمد لله رب العالمين. قال الله حمدني عبدي. فاذا قال الرحمن الرحيم قال الله اثنى علي عبدي. وهذا معلم بان الثناء غير الحمد. لان الثناء انما وقع ذكره بعد الجملة الثانية وهو شيء اخر غير الحمد. والمختار ان الحمد هو الاخبار عماسن المحمود مع حبه وتعظيمه. كما نصره ابو العباس ابن تيمية في مناظرته مع ابن المرحل وتلميذه ابن القيم في بدائع الفوائد. واذا كرر هذا الاخبار عن المحاسن مرة بعد مرة سمي ثناء فان التالي اذا قال الحمد لله رب العالمين يكون قد اخبر عن الله عز وجل ببعض محاسنه. فاذا قال الرحمن الرحيم فانه يكون قد كرر ذكر المحاسن فيسمى ذلك ثناء. ثم ذكر ان الحمد اعم من الشكر لان الشكر لا يكون الا على الافعال اي المتعدية. فان الانسان يشكر على ما يوصله الى غيره من كرمه واحسانه وبره وغير ذلك. فتقول شكرته على احسانه. ولا يطلق على الافعال المتعلقة فلا يقال اي اللازمة فلا يقال شكرته على عقله او شكرته على حلمه او على علمه مما هو ملازم للعبد بخلاف الحمد. فالحمد يكون على الصفات اللازمة والافعال المتعدية. واما الشكر فانه مخصوص بالافعال المتعدية. وحينئذ فان الحمد اعم لكن هذا العموم من جهة المتعلق فان الحمد يتعلق بالصفات اللازمة وهي الفضائل وبالصفات المتعدية وهي الفواضل. واما من جهة المورد فانهما يختلفان ويكون الشكر اعم لان الشكر يقع بالقلب واللسان وافعال الجوارح. كما قال الله عز وجل اعملوا ال داوود شكرا اي بقلوبكم والسنتكم وجوارحكم. واما الحمد فانه يكون باللسان مع مطابقة القلب فحينئذ اذا قيل ايهما اعم الحمد او الشكر؟ قيل اما باعتبار المتعلق فالحمد اعم من الشكر. لانه يقع على الصفات اللازمة والافعال المتعدية. والشكر يختص بالافعال المتعددة واما من جهة المورد اي الته فان الشكر اعم. لانه يقع بالقلب واللسان والجوارح الحمد فانه يقع بالقلب واللسان. ثم ذكر المصنف ان ال في قوله الحمد لله رب العالمين بالاستغراق. اي شمول جميع الافراد فجميع افراد المحامد كلها لله عز وجل ملكا واستحقاقا. فهو سبحانه وتعالى يملكها وهو عز وجل مستحق لها. ثم ذكر ان المخلوق انما يحمد على قدر ما منه من الخير فحمده مخصوص بخلاف حمد الله عز وجل. ثم فسر رب العالمين بان الرب هو المربي لخلقه وهو المالك لهم ومن ملكه سبحانه وتعالى اصلاحه لهم. وهذا الذي نثره المصنف يمكن جمعه في رد الرب الى معان ثلاثة لا يخرج عنها كما اشار الى ذلك جماعة من اهل اللغة منهم ابن الانباري في كتاب في اخرين وهو ان الرب يقع على ثلاثة معان في لسان العرب اولها السيد وثانيها المالك وثالثها المصلح للشيء القائم عليه. فما زاد عن هذه المعاني راجع اليها. فالابيات المشهورة لاحمد الشجاع احد علماء الازهر من معاني الرب ترجع الى هذه الثلاثة. ثم ذكر ان الرب لا يطلق الا على الله سبحانه وتعالى اما مع التقييد فيجوز ذلك فيقال رب الدار ورب الابل اي صاحبها ومالكها اما الرب او رب العالمين فهما اسمان مختصان بالله سبحانه وتعالى. ثم ذكر معنى العالمين فقال والعالمين جمع عالم وهو كل ما سوى الله سبحانه وتعالى. وتفسير العالم بانه كل ما والله سبحانه وتعالى عزاه بعض المتأخرين الى لسان العرب وفيه نظر فان العرب لا تطلق اسم العالم على ما سوى الله سبحانه وتعالى. وانما تريد به الافراد المتجانسة. فان الافراد المتجانسة التي يقع بينها اشتراق في جنسها تسمى عالما كما يقال عالم الملائكة وعالم الجن وعالم الشياطين وعالم الحيوانات. وليس كل خليقة الله افرادا متجانسة. فان من خلق الله عز وجل ما يكون فردا لا جنس له كعرشه سبحانه وتعالى او الكرسي او الجنة او النار فان هذه من مخلوقات الله عز وجل التي ليس لها ثان فليست من جملة الافراد المتجانسة واسم العالم مخصوص بالافراد وحينئذ لا يصح ان يقال ان العالم هو كل ما سوى الله سبحانه وتعالى. وهذا شيء دخل في كلام العلماء من طريق اقيسة الفلاسفة واهل المنطق. كما بينه العلامة الطاهر ابن عاشور في تفسيره. فان الفلاسفة الاول قالوا الله قديم والعالم حادث فكل ما سوى الله عالم فهي نتيجة منطقية مبنية على المقدمتين المذكورتين. ثم فشى استعمال هذا المعنى عند المتكلمين في العقائد ثم انتقل منه الى المتكلمين في سائر العلوم فجعلوا معنى العالم كل ما سوى الله عز وجل والتحقيق ان العالم اسم للافراد المتجانسة وجمعها عوالم وعالمين فالأفراد المتجانسة من الملائكة سميت عالم الملائكة والافراد المتجانسة منها الانس سميت علم الانس وهلم جرا وجمع هذه الافراد المتجانسة يسمى بالعالمين او بالعوالم. ووراء ذلك خلق من خلق الله ليس له شيء من جنسه كما سبق التمثيل له. ثم فسر ما بعد ذلك مشيرا الى ان الرحمن الرحيم تقدم تفسيرهما فذكر تفسير يوم الدين واشار الى القراءتين السبعيتين المشهورتين في ذلك وهي قراءة مالك وقراءة الملك واشار الى صحتهما بقوله وكلا القراءتين صحيح. وليس المراد بالصحة الثبوت. ولكن المراد للصحة قبول كونها قرآنا يتلى فان من القراءات ما يصح لكنه ليس قرآنا يتلى كقراءة وفي ابن مسعود وما اوتوا من العلم الا قليلا وقراءة ابي الدرداء في سورة الليل والذكر والانثى فهاتان قراءتان ميتان في الصحيحين لكن لا يوصفان بانهما قراءة صحيحة. لان وصف الصحة للقراءات غير وصف الصحة للاحاديث المراد بصحة القراءات كونها قرآنا يتلى. والقرآن الذي يتلى هو القراءات عشر المتواترة عند الجمهور ومن جملتها هذين الحرفين ومن جملتها هذان الحرفان في قوله تعالى ملك يوم الدين. ثم فسر الدين بانه الحساب والجزاء كما قال تعالى كلا بل تكذبون بالدين. وقال تعالى ارأيت الذي يكذب وبالدين وقال تعالى فما يكذبك بعد بالدين. فالدين هو الجزاء والحساب. لان الانسان يدان فيه. اي يؤاخذ بما كان قد جنه وذلك الاخذ والحساب يكون في يوم هو يوم القيامة واحسن ما فسر به يوم الدين هو اخر سورة الانفطار لقوله تعالى وما ادراك ما يوم الدين ثم ما كما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله وذلك كائن في يوم القيامة. ثم ذكر النكتة في قوله تعالى ملك يوم الدين او مالك يوم الدين على قراءتين مع انه مالك للايام كلها كما قال تعالى تبارك الذي بيده الملك فالملك كله بيد الله سبحانه وتعالى. لكن خص ملكه ليوم الدين بالذكر ان الخلق في الدنيا يدعون املاكا. فعظماء الخلق من الملوك والاغنياء والوزراء اه يدعون ملكا لهم في هذه الدنيا. فاما الاخرة فان تلك الاملاك تزول جميعا. ولا يبقى الا ملك الله سبحانه وتعالى ويستوي الخلق عنده. فالاملاك الباطلة الزائفة قد زالت وظهر ملك الله سبحانه وتعالى ولذلك قال لمن الملك اليوم اي في يوم القيامة لله الواحد القهار وليس معنى هذه الاية انه قبله كان اما ملك لغيره فالملك كله لله ولكن المقصود هو تجريد الخلق جميعا من الاملاك يومئذ ان الخلق يومئذ يكونون على حد سواء. ثم ذكر المصنف تفرد الله به في الحديث المخرج في الصحيحين ولفظه لمسلم من حديث ابن عمر ان الله يقول انا الملك اين المتكبرون اين الجبارون ثم ذكر تفسير قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين ان المعنى اياك نعبد اي نخصك بالعبادة. وقدم اياك للدلالة على الاختصاص وانه لا يستحق العبادة الا الله وهذا من باب الحصر والمقصود بباب الحصن تخصيص الامر المطلق بامر اخر وهو الذي يسميه علماء المعاني بالقصر فان القصر هي عبارة اهل البلاغة والحصر عبارة اللغويين والاصوليين والى معناه اشار الاخباري بقوله في الجوهر المكنون تخصيص امر مطلق بامر هو الذي يدعونه بالقصر والمراد الحصر كما يسميه غيرهم. وله ادوات عدة منها تقديم ما حقه التأخير فان اصل هذه الاية في سياقها نعبد اياك. لكن قدم المعمول على العامل ليفيد الحصر فان تقديم ما حقه التأخير ومن جملة ادوات الحصر والقصر. كما قال الاخضري في الجوهر المكنون وادوات القصر الا فانما عطف وتقديم كما تقدم اي تقديم ما حقه التأخير. ومن طرائف التصرف القرآني ان هذا الضمير اياك لم يأت الا في هذا المحل من القرآن الكريم تعظيما له. فان الله عز وجل لم يقل اياك في غير هذا الموضع وانما خص هذا الضمير مقدما بقوله اياك نعبد للدلالة على عظمة العبادة والاستعانة ثم ذكر السر في تقديم في ذكر الاستعانة بعد العبادة وهي نوع من انواعها فالاستعانة فرض من افراد العبادة وهذا من عطف الخاص على العام. وانما ذكر لانه حظ المخلوق. فان المخلوق لا يتمكن من القيام بما امر به الا بالاستعانة بالله سبحانه وتعالى. ولما وفي الصحيح لما ارشد النبي صلى الله عليه وسلم الاعرابي الى ما يذكر الله عز وجل به قال الاعرابي هذا لله فماذا لي؟ فارشده النبي صلى الله عليه سلم الى دعاء يدعو به وهما جميعا من العبادات التي تؤدى لله عز وجل لكن لما كان دعاؤه بالمغفرة والرحمة والرزق لما ارشده النبي صلى الله عليه وسلم الى ذلك جعل له فكذلك الاستعانة هي عبادة لله لكن للمخلوق فيها حق لانه لا يتمكن من بلوغه مآربه سواء مما يتعلق بامر الدين او الدنيا الا باعانة الله سبحانه وتعالى ثم ذكر ان الله عز وجل كرر اياك ولم يقل اياك نعبد ونستعين لتأكيد الاختصاص آآ العبادة مختصة بالله وكذلك الاستعانة مختصة بالله سبحانه وتعالى. وكل الدين يدور على العبادة والاستعانة فجماع القرآن كله اياك نعبد واياك نستعين. كما اثر عن الحسن البصيري رحمه الله تعالى انه قال ان التوراة والانجيل والزبور مردها الى القرآن وان القرآن مرده الى الفاتحة. وان الفاتحة مردها الى قوله تعالى اياك نعبد واياك نستعين او كلاما هذا معناه. ثم ذكر ان معنى قوله تعالى تقييم انه دعاء وهو دعاء مسألة. والمراد بدعاء المسألة دعاء الطلب. لان المسألة هي الطلب. ودعاء الله سبحانه وتعالى نوعان احدهما دعاء مسألة وهو الدعاء المشتمل على الطلب. والثاني دعاء عبادة وهو امتثال خطاب الشرع المقترن بالحب والخضوع. فكل عبادة يتعبد بها الله سبحانه وتعالى هي دعاء له. فالصلاة من جملة دعاء العبادة والذبح لله عز وجل من جملة دعاء العبادة ثناء على الله عز وجل بأسمائه وصفاته وافعاله الكاملة هو دعاء عبادة فكل فرد من افراد العبادة يسمى دعاء عبادة بهذا الاعتبار وحينئذ فان دعاء المسألة هو من جملة دعاء العبادة لكنه افرد بالذكر في اشتماله على الطلب ثم ذكر ان قوله اهدنا ان الهداية هي الدلالة والارشاد اي دلنا وارشدنا. وذكر ان الهداية اربعة اقسام واقتصر على اهمها. وقد اشار الى هذه الاقسام الاربعة ابن القيم رحمه الله تعالى والسفاريني في غذاء الالباب فاولها هداية الخلق الى ما فيه مصالح معاشهم في ابتداء احوالهم. ومن جملة ذلك هداية الرضيع الى ثدي امه وهداية الحيوانات العجماء الى ما فيه مصالحها. فهي هداية عاش وابتداء حال والثاني هداية المآل وهي هداية اهل الجنة الى الجنة وهداية اهل النار الى النار ووراء هذين القسمين القسمان اللذان ذكرهما المصنف وغيره. والقسم الاول منهما هداية الدلالة ارشاد اي بيان طريق الحق. والاعانة عليه. في بين طريق الحق ويوضح والقسم الثاني هداية التوفيق لقبول الحق. والنوع الثاني من الهدايتين خاص من جهتين كما ذكر المصنف اولهما انها لا تحصل الا للمؤمن والثاني انها من خصائص الله سبحانه وتعالى فهداية التوفيق والالهام هي بيد الله عز وجل بخلاف هداية الدلالة والارشاد فانها تكون لغيره كما قال الله سبحانه وتعالى انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء اي انك لا تهدي توفيقا من احببت من اقاربك ولكن الله يهدي بتوفيقه من يشاء. واما هداية الدلالة والارشاد فهي لكل احد. وقول التالي اهدنا الصراط المستقيم يعم الهدايتين جميعا. ثم ذكر ان الصراط في اللغة الطريق والجادة التي يمشي عليها الناس والحيوانات والاصل انه موضوع لما استقام. فان نسب الصراط يختص بالطريق المستقيم. وذهب بعض اهل اللغة انه يقع على غيره والتحقيق الاول كما قال الله سبحانه وتعالى افمن يمشي مكبا على وجهه اهدى ام من يمشي سويا على صراط مستقيم فجعل المشي السوي وصفا لمن سلك الصراط المستقيم وهذا يدل على ان غيره لا يسمى صراطا فانه اذا اعوج الطريق لم يعد صراطه وانما الصراط ما كان مستقيما. وحين اذ يكون المستقيم صفة كاشفة مبينة لحقيقة الصراط. فكل صراط مستقيم. وقد ذكر المصنف هو ان المراد بالصراط الاسلام هو القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا على جمع التفاسير المنقولة عن السلف. وهذه الاقوال المنقولة عن السلف في تفسير الصراط هي من ذكر بعض افراد العام. كما اشار الى ذلك ابن تيمية في مقدمته المعروفة في اصول التفسير والذي ثبت به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير الصراط بالاسلام. كما جاء في حديث ثوبان عند احمد في سند جيد وهو عند الترمذي الا ان اسناده عنده ضعيف. وما عدا ذلك راجع اليه. فالصراط الاسلام ومن جملة الاسلام كتابه وهو القرآن ورسوله وهو محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه كابي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله فمن ذكر شيئا من هذه الافراد فانما يذكر بعض افراد العام. ثم فسر المصنف المستقيم بانه لا اعوجاج فيه ولا خفاء فهو مستقيم واضح لا يضل من سار عليه. فهو جامع بين وصفين اثنين. احدهما انه لا اعوجاج فيه فليس فيه ميل ولا انحراف بل هو طريق مستقيم الليث وافيه والثاني انه لا الخفاء فيه بل هو دين واضح لا سر فيه. وانما يذهب الدين ويموت اذا كان سرا لبعض الخلق دون بعض كما قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى انما يذهب العلم اذا كان سرا اي لا يظهر ولا يشاع فالدين واضح جلي. واما غيره فهو طريق معوج كما قال الله سبحانه وتعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل. فصراط الله واحد لا انقسام فيه ولا اعوجاج ولا خفاء واما غيره فهو معوج وقد قال المصنف اما الصراط المعوج فهذا طريق الضلال. والمختار عند التحقيق ان وصف الصراط لا يكون منجمعا مع وصف الاعوجاج فلا يصح ان يقال الصراط المعوج لان كل صراط مستقيم وانما يقال واما الطريق المعوج. لان الطرق منها ما هو مستقيم ومنها ما هو معوج. ثم ذكر الحديث في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل وخطه صلى الله عليه وسلم خطا مستقيما وخط عن يمينه وشماله خطوطا كثيرة وهو حديث حسن. ثم ذكر تفسير قوله تعالى صراط الذين انعمت عليهم وبين فيه ان الصراط جاء مضافا في القرآن على جهتين اثنتين احدهما اضافته الى الله كقوله تعالى وان هذا صراطي مستقيما والاخرى اضافته الى الخلق كقوله تعالى صراط الذين انعمت عليهم والفرق بين الاضافتين ان اضافته الى الله هي لكونه شارعا. واضافته الى غيره من الخلق لكونهم سالكين له ذكر هذا ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين فلا خلاف بين الاظافتين لاختلاف في مأخذهما ثم ذكر معنى الذين انعمت عليهم اي هديتهم الى سلوك هذا الصراط. وهذه اعظم نعمة انعمها الله سبحانه وتعالى على الخلق فان النعمة الروحانية الايمانية اعظم من النعمة البدنية جسمانية ونعمة الايمان والتوحيد هي اجل نعم الله سبحانه وتعالى. والذين انعم الله عز وجل عليهم هم الذين ذكرهم في سورة النساء في تعالى فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فكل هؤلاء من عليهم وهم طبقات وقد رتبهم المصنف ثم الدالة على تدريجهم كذلك فجعل طبقة هم الانبياء ثم يليهم الصديقون ثم يليهم الشهداء ثم يليهم الصالحون من كل امة. والواو لا تقتضي الترتيب على التحقيق عند اهل اللغة فالآية ليست ظاهرة في ترتيب المنعم عليهم على هذه الطبقة وان كان يقطع او بانهم طبقات مختلفة متباينة المنازل. ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى المعنى الذي اشار اليه ابن القيم في مدارج السالكين ان العبد اذا اشتدت به غربته وعظمت كربته اذكر الغرباء الاولين من المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فان ذلك مما يطمنه يطمئنه ويثبت قلبه وقدمه على الصراط المستقيم. لان الطريق الى الله سبحانه وتعالى يحتاج الى جهاد كما قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا. وهذا الجهاد موجبه ان الطريق اليه محفوف بالمكاره. بما ثبت في الصحيحين ان النبي صلى الله عليه وسلم قال حفت الجنة بالمكاره فهذا هو وجه مشقة الطريق ومن الناس من يجعل وجه مشقة الطريق هو وجود الاعداء. وليس الامر كذلك فوجود الاعداء هو بعض المشقة. واما المشقة شقة الكلية هي ما اخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم من حث الطريق الى الله سبحانه وتعالى بالمكاره واعظم فيكون للعبد من هذا الحث نفسه التي بين جنبيه فان اعدى عدوه نفسه التي بين جنبيه فيحتاج الانسان الى مجاهدتها ودفع المكاره التي تعرض له في الطريق. وهذا امر قل من يوفق اليه كما قال تعالى وما يلقاها الا الذين صبروا وما يلقاها الا ذو حظ عظيم اي ذو نصيب عظيم قسمه الله سبحانه وتعالى له ثم المصنف تفسير الفاتحة بتفسير قوله تعالى غير المغضوب عليهم ولا الضالين. وهاتان الكلمتان ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسيرهما لليهود والنصارى فالمغضوب عليهم هم اليهود والضالون هم النصارى ان هذا التفسير لا يقتضي الحصر. وانما فيه اشارة الى الموجب. فموجب الغضب على اليهود كوني عند كون اهل علم لا يعملون به. وموجب ضلال النصارى كونهم اهل عمل دون علم. فمن شاركهم في شيء من ذلك الحق بهم. كما قال سفيان ابن عيينة وغيره من السلف من ضل من علمائنا ففيه شبه من اليهود. ومن ضل من عبادنا ففيه شبه من النصارى. فالمغضوب عليهم هم الذين يتركون العمل بالعلم واعظمهم اليهود والضالون هم الذين يعملون بلا علم واعظمهم النصارى. ثم ذكر المصنف حفظه الله ان الانسان قد يعمل ويتعب ويتقرب الى الله سبحانه وتعالى لكنه ويكون على ضلال والمصلي اذا قال غير المغضوب عليهم ولا الضالين يسأل الله ان يجنبه طريق هذين الصنفين معهم علم ولا يعملون به والذين معهم عمل ولكن بدون علم. ثم اشار المصنف من جملة ما لهم حظ من حال اهل الضلال من يزهد في العلم ويأمر الناس بان يشتغلوا بالعبادة والذكر والخروج في الخلوات ويسمون ذلك بالخروج في سبيل الله ويزهدون في طلب العلم ويهونون من شأنه وشأن اهله. وكل من كان كذلك فهو من نواب ابليس كما سماهم ابو الفرج ابن الجوزي في تلبيس ابليس واخذه عنه ابو عبد الله ابن القيم فكل قاطع عن العلم مزهد فيه ذام لاهله عائب لهم فانه من نواب ابليس. لان اعظم ما يدفع الشيطان هو العلم وهو يوقف نوابا ينوبون عنه في تزييد الناس في العلم. واعظم العلم العلم بالتوحيد كما قال تعالى فاعلم انه لا اله الا الله واستغفر لذنبك. والعلم قبل القول والعمل كما ذكره الله في هذه الاية من سورة محمد. وانتزعه لذلك ابو محمد سفيان ابن عيينة الهلالي كما رواه ابو نعيم الاصبهاني في كتاب الحلية فان سفيان ذكر ان العلم قبل والعمل واستدل بهذه الاية واخذ عنه هذا المعنى ابو عبد الله البخاري في كتاب العلم من صحيحه والغافل في مسند فذوب باب العلم قبل القول والعمل وذكر هذه الاية. ثم ذكر المصنف امرا جامعا لادراك معاني هذه السورة قال فاذا تأملت هذه السورة ادركت السر في عظمتها وان الله ما جعلها تقرأ في كل ركعة من ركعات الصلاة الا مكانتها وعظمتها. ولما تستبن عليه من الامور العظيمة ولاجل ذلك صار اعظم سورة في القرآن الكريم. وابن القيم رحمه الله تعالى له كلام كثير في تفسير الفاتحة. احسنه ما ذكره في صدري كتابه مدارج السالكين. انه ذكر كلاما كثيرا في تفسير الفاتحة يوقف على قدر هذه السورة. ثم ذكر المصنف انه يستحب في الصلاة اذا فرغ المصلي من قراءتها ان يقول امين. لا فرق بين الامام منفرد عند جمهور اهل العلم خلافا للمالكية الذين لا يستحبونه للامام اذا امن المأموم وراءه مذهب الجمهور فهو الموافق للاحاديث المروية في ذلك. فيستحب للكل قول امين عند الفراغ من الفاتحة. ومعنى امين اللهم استجب اي استجب هذا الدعاء فهو تأمين على دعاء هذه السورة والتأمين ليس واجبا في الصلاة ولا غيرها انما هو مستحب يجهر به في الصلاة الجهرية سواء كان اماما او مأموما او منفردا واما اذا كان يقرأ سرا فانه يسر بها نعم احسن الله اليكم. سابعا مما جاء في فضلها ومن عظمتها هذه السورة ما جاء في الحديث القدسي وهو في الصحيح ان الله جل وعلا يقول قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل والمراد بالصلاة هنا الفاتحة سميت صلاة لان تقرأ في الصلاة ولان الصلاة في اللغة الدعاء وسورة الفاتحة دعاء قوله بين عبد بيني وبين عبدي نصفين فهي سبع ايات ايات ونصف لله جل وعلا وثلاث ايات ونصف للعبد. فاذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله قال حمدني عبدي واذا قال الرحمن الرحيم قال الله سبحانه واثنى علي عبدي واذا قال مالك يوم الدين قال الله او تعالى مجدني عبدي واذا قال اياك نعبد واياك نستعين قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل اياك نعبد هذا الا واياك نستعين هذا للعبد فمن قوله واياك نستعين الى اخر السورة هذا للعبد لان العبد يدعو ربه من قوله الحمد لله رب العالمين الى قوله اياك نعبد هذا لله سبحانه وتعالى لانه كله ثناء على الله جل وعلا فهذا يدل على عظمة هذه السورة ولهذا قال فاذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت امثالهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ذكر المصنف امرا سابعا يتعلق بالدرس الثاني في سورة الفاتحة وهو ما جاء في فضلها وذكر فيه الحديث القدسي اي المضاف الى الله سبحانه وتعالى فان التقديس هو التنزيل ومن اسماء الله عز وجل القدوس اي المنزه عن كل عيب ونقص. فاضافة القدسية اليه على ارادة التنزيه فالاحاديث التي تروى عن الله عز وجل يقال فيها الاحاديث القدسية او الاحاديث الالهية او الاحاديث ربانية فهي القاب ثلاثة للحديث المروي عن الله سبحانه وتعالى. ومن جملة الاحاديث الالهية حديث ابي هريرة في صحيح مسلم في بيان قسمة الفاتحة بين الله سبحانه وتعالى وبين العبد وبين حفظه الله وجه قسمتها بما تضمنه هذا الحديث العظيم. وهذا الحديث العظيم مفسر لما جاء في سيد الاستغفار من قول القائل وانا على عهدك ووعدك ما استطعت. فان المتكلمين في شرح هذه الجملة من شراح الحديث ضربوا فيها خبط عشواء على اقوال عدة. والصحيح ان العهد والوعد هما المذكوران في سورة الفاتحة فان الانسان اذا قال اياك نعبد واياك نستعين قال الله هذا بيني وبين عبدي وهذا هو العهد واذا قال اهدنا الصراط المستقيم قال الله عز وجل هذا لعبدي ولعبدي ما سأل وهذا هو الوعد فتكرير ذلك في اليوم والليلة مرات عديدة عند قراءة الفاتحة دليل على ان هذا هو الوعد والعهد المذكور في سيد الاستغفار المأمور به استحبابا في اذكار الصباح والمساء. نعم ثامنا الفوائد المستنبطة منها ومما يتعلق بهذه السورة ويدل على عظمتها ما قاله العلماء رحمه الله ان هذه السورة تشتمل على معان جليلة منها اولا فيها اثبات التوحيد بانواعه الثلاثة قوله الحمد لله رب العالمين هذا في توحيد الربوبية وقوله الرحمان الرحيم مالك يوم الدين هذا في توحيد الأسماء والصفات وقوله اياك نعبد واياك نستعين. هذا في توحيد الالوهية. ففيها اقسام التوحيد الثلاثة ثانيا فيها اثبات الرسالة لان قوله رب العالمين في اثبات ربوبيته لجميع خلقه ومقتضى ربوبيته ان لا يترك عباده بدون مما يصلحون ومنا اعظم ما يصلح العبادة ارسال الرسل. كذلك قوله اهدنا الصراط المستقيم. فان الصراط المستقيم لا يتبين الا بارسال الرسل عليهم الصلاة والسلام ففيها اثبات الرسالات. ثالثا فيها الرد على الطوائف الضالة. ففيها الرد على الملاحدة والمعطلة الذين لا يؤمنون بربه فان قوله رب العالمين رد على الملاحدة الذين يرون ان العالم رد على الملاحدة الذي يرون ان العالم ليس له رب وانما هو الذي يكون نفسه والطبيعة هي التي تكون هذه الاشياء وتوجدها وهذا مخالف للعقول لانه لا يمكن وجود مخلوق بدون خالق. ولا يمكن حصول فعل بدون فاعل ابدا. فهذا الكون كله وهذا الخلق يدل على الخالق سبحانه تعالى وانه هو الذي اوجده وصرفه ودبره وكونه وفيها رد على المشركين الذين يؤمنون بالرب لكن يشركون معه في العبادات وذلك في قوله الحمد لله رب العالمين وقوله اياك نعبد واياك نستعين وقوله اهدنا الصراط اعطى المستقيم هذا كله فيه رد على المشركين الذين يعبدون الله ويعبدون معه غيره وفيها رد على الجهمية والمعتزلة ومنكري صفات وفيها الرد على منكري البعث وذلك في قوله مالك يوم الدين والدين هنا هو الجزاء والحساب ففيها اثبات البعث وفيها ردوا على اليهود والنصارى ومن سار على طريقهم ممن اخذ العلم وترك العمل او اخذ العمل وترك العلم ففيها رد على كل عالم لا يعمل ورد على كل عامل لا يعمل على علم. ولهذا يقول العلماء ان هذه السورة تتضمنت الرد على جميع الطوائف. فحق لها تسمى ام الكتاب لان ام الشيء هي التي يرجع اليها الشيء والقرآن كله يرجع الى هذه السورة لان القرآن كله يدور على هذه المعاني تضمنتها هذه السورة وهذه السورة العظيمة كثير من الناس يقرأها ويرددها على لسانه ولا يتدبرها ولا يفقه شيئا مما وانما هي الفاظ تجري على لسانه كأنه كلام اعجمي وهذا من الخطأ الجسيم والخلل الكبير والقرآن وانما انزل ليتدبر وتفهم معانيه. هذا والله اعلم. ختم المصنف حفظه الله الدرس متعلقة بسورة الفاتحة ببعض الفوائد المستنبطة منها. وهذه الفوائد المستنبطة منها هي هداية القرآن على الحقيقة فان القرآن هدى للناس كما قال تعالى ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم واكثر المفسرين يعتنون ببيان معاني الجمل والألفاظ. ولا يعتنون ببيان ما تضمنه القرآن من الهداية كما ذكر العلامة ابن باديس رحمه الله تعالى في مجلس ختم تفسيره في قسنطينة انه قرأ تفسير البيضاوي درسا كاملا في الزيتونة ثم قرأ القرآن بعد ذلك الاستنباط والاستخراج فعرف انه خرج من الزيتونة وهو لا يعرف تفسير القرآن. وهذا اكثر حال المشتغلين بالتفسير فان اكثر المشتغلين بالتفسير يعتنون ببيان المعاني والجمل. واما اظهار ما انتظم في القرآن من الهداية فهذا امر يخفى على كثيرين. وكل سورة من القرآن الكريم فلها نوعان من الهداية. النوع الاول الهداية الاجمالية الكلية وهي التي يسمونها بمقاصد السور. والنوع الثاني الهداية التفصيلية الجزئية وهي هداية كل اية من تلك الايات. وطالب العلم اذا اراد ان يعرف قدر والقرآن الكريم فليشتغل باستنباط والاستخراج من الهدايات المستكنة فيه. فان هدايات القرآن هي التي تزيد الايمان وترسخ الايقان. ومن المتأخرين من يشير اليها بالفوائد المستنبطة. والاوفر اتباعا لما وضعه القرآن من الدلالة تسميتها هداية القرآن. فمن جملة هداية القرآن في هذه اثبات التوحيد بانواعه الثلاثة. وسبق بيانه في المجلس الاول. ومنها اثبات الرسالة لان الله عز وجل قال رب العالمين ففيه اثبات ربوبيته لخلقه ومقتضى ربوبيته ان لا يترك عباده هملا بدون ما يصلحهم كما قال سبحانه وتعالى ايحسب الانسان ان يترك سدى اي هملا لا يؤمر ولا ينهى كما ازر عن علي واختاره الزجاج وابو العباس ابن تيمية رحمهما الله. ومن اعظم توفيقه الى ما ينفعه اصلاحه بارسال الرسل. كما ان السورة تدل على اثبات الرسالة من وجه اخر في قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم فان الصراط المستقيم لا يتبين الا بارسال الرسل. فان العقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله من حق. بل لا بد من معرف يعذبها وهذه يهديها فارسل الله سبحانه وتعالى الرسل لهداية الخلق كما قال تعالى كان الناس امة واحدة فبعد الله النبيين مبشرين ومنجيين. ثم ذكر المصنف من هداية القرآن من هداية الفاتحة ان فيها الرد على الطوائف الضالة والطوائف الضالة اسم لكل من خرج عن الصراط المستقيم. فلو قال المصنف فيها الرد على من خرج الصراط المستقيم لكان اوفى لان الخروج قد يكون بضلال وقد يكون بغضب وقد يكون بغير ذلك. فذكر ان السورة فيها الرد على الملاحدة والمعطلة الذين لا يؤمنون بالرب. والملحد هو الذي يزعم انه لا اله كما يقوله الدهريون انما هذه حياتنا الدنيا وكما يقوله اخلافهم من الشيوعيين الذين يزعمون انه لا اله وان الكون مادة. واما المعطلة فهم الذين ينفون عن الله عز وجل كمالاته من الاسماء والصفات وحقيقة مذهبهم جعله عدما. كما قال بعض السلف المعطل يعبد عدم. والممثل يعبد صنما. الى اخر ما قال فذكر ان قوله تعالى رب العالمين رد على الملاحدة الذين يرون ان العالم ليس له رب وانما هو الذي يكون نفسه ولم يبين وجه ردها على المعطلة. ووجه ردها على المعطلة ان المعطلة تخلي الرب سبحانه وتعالى من صفاته. والله عز وجل قد اثبت لنفسه في هذه الاية صفة فيها صفة الربوبية واسما هو اسم رب العالمين وهو من الاسماء المضافة كما ذكره ابو العباس ابن تيمية الحفيد في الفتاوى المصرية وها هنا اشكال وهو ان المصنف وغيره جعلوا قوله تعالى رب العالمين رد على الملاحدة. والملاحدة لا يؤمنون بالله. فكيف يكون قوله دليلا ملزما لهم رادا عليهم. فالملحد من دهري او شيوعي يقول لا رب ولا اله فانت اذا اتيت بهذه الاية وقلت له وقلت له الحمد لله رب العالمين هذا دال على اثبات ان للكون رب. قال انا لا اؤمن من تأثيري بكلامه لتستدل علي. واضح الاشكال؟ اما الجواب يعني وش وجه استدلاله برب العالمين؟ المناظر للذهريين والشيوعيين عندما يستدر برب العالمين؟ الجواب انه لا يستدل بالاية وان انما يستدل بالدليل العقلي المستكن فيها. فان الدليل العقلي المستكن فيها هو ان الموجودات لا بد لها من موجب والمكونات لابد لها من مكون. والمخلوقات لابد لها من خالق. فان الدهرية والشيوعي يؤمن بان ضم شيء الى شيء يحدث موجودا اخر لتعلقهم بالاسباب والمسببات والمسببات فهم يؤمنون بان ضم الرمل الى الماء الى اخلاط اخرى يصنع اسمنتا تبنى به البيوت. واذا كان هذا في حال هذه الاشياء الصغيرة فان هذه الامور العظيمة الموجودة في الكون يقطع بانه لابد لها من موجد يوجدها وانها لا لا تنفكوا عن مكون يكونها تبعا لايمان الملحد بالاسباب والمسببات. فاذا كان الملحد والدهري يؤمن بتأثير الاسباب لانه يقول الحياة مادة اي يؤثر بعضها في بعض وجب عليه ان يؤمن بما هو اعظم من ذلك كما قيل لاعرابي ان اتعرف الله؟ فقال نعم. فقيل له بما عرفته؟ فقال البعرة تدل على البعير. والاثر يدل على المسير. فسماء ذات وبحار ذات امواج واراض ذات فجاج. الا تدل على الواحد القهار سبحانه وتعالى؟ كما قال ابن المعتز وفي كل شيء له اية تدل على انه الواحد فهي عجبا كيف يعصى الاله؟ ام كيف يجحده الجاحد؟ فهذا رجل استدلال منها على الرد على الملاحدة ثم ذكر ان فيها ردا على المشركين الذين يؤمنون بالرب لكن يشركون معه في العبادة لما تقدم ان من امن بالله ربا لزمه ان يؤمن به الها معبودا. وفيها ايضا الرد على الجهمية والمعتزلة وممكن الصفات لما فيها من اسماء الله وصفاته وفيها الرد على منكر البعث لقوله تعالى مالك يوم الدين والدين هنا هو الجزاء والحساب وذلك يكون اذا بعث الله الموتى يوم القيامة وفيها الرد على اليهود والنصارى ومن سار على طريقهم ممن اخذ العلم وترك العمل او اخذ العمل وترك العلم لنسبتهم الى غضبي والضلال. ولهذا قال بعض اهل العلم وهو ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين ان هذه السورة تضمن الرد على جميع الطوائف. وابن القيم كلام جليل في مدارج السالكين في اوله ذكر كيفية الرد على طوائف الضالة من هذه السورة. نعم. الدرس الثالث تفسير العشرين الاول من سورة البقرة اولا تمهيد. هذه السورة الثانية في المصحف تسمى سورة البقرة. لان الله سبحانه وتعالى ما ذكر فيها قصة البقرة التي امر بنو اسرائيل بذبحها لمعرفة قاتل القتيل الذي اشتبهوا في قاتله. وهذه صورة عظيمة تضمنت غزيرة في العقيدة والاحكام وقصص الامم السابقة وغير ذلك. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعلمها فقال تعلموا سورة البقرة فان اخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة اي الشياطين لا يستطيعون البقاء في المكان الذي تقرأ فيه هذه السورة كما جاء في الحديث ان الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ومعنى تعلمها واخذها تعلم قراءتها على الوجه الصحيح ومعرفة معانيها وتفسيرها وليس المراد مجرد القراءة او تعلم القراءة فقط انما المراد تعلم قراءتها وتعلم حتى يعمل بها ولهذا يقول احد الصحابة رضي الله عنهم كنا لا نتجاوز عشر ايات حتى نتعلم معانيها حتى علم معانيها والعمل بها. قال فتعلمنا العلم والعمل جميعا. هذا هو المقصود من تعلم البقرة وغيرها من القرآن. تعلم القراءة الصحيح وتعلم المعاني والتفسير بقصد العمل والامتثال لما فرغ المصنف حفظه الله من تفسير سورة الفاتحة اتبعها في درس اخر فيه تفسير الايات العشرين الاول من سورة البقرة. لانها بعد الفاتحة في كتابة المصحف السورة سورة عظيمة وسميت بسورة البقرة لما فيها من ذكر قصة البقرة التي امر بنو إسرائيل ذبحها لمعرفة قاتل قتيل في القصة المذكورة فيها. وهذه السورة صورة عظيمة. قد ارشد النبي صلى الله عليه وسلم الى العناية بها كما جاء في حديث ابي امامة عند مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال اقرأوا سورة البقرة فان اخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة. وجاء هذا الحديث عند احمد بلفظ تعلموا. وهو المراد بلفظ اقرأوا عند مسلم فليس المراد مجرد قراءة وانما القراءة المقرونة بالعلم والعمل. وقد فسر المصنف البطلة بانهم الشياطين. واكثر اهل العلم يفسرون البطلة بانهم السحرة فقد فسرها بذلك احد رواة الحديث وهو معاوية ابن سلام في صحيح مسلم وتتابع على ذلك كثيرون والارجح والله اعلم ان البطلة هم الشياطين لما جاء في الحديث المخرج في صحيح مسلم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ومعنى ينفر يفر كما جاء في رواية اخرى للحديث في غير الصحيح لكن رواية الصحيح ينفر ثم بين المصلي بمعنى التعلم والاخذ هو تعلم القراءة مع معرفة المعاني مع العمل كما كان الصحابة على ذلك فيما رواه ابن جرير وغيره بسند صحيح عن ابي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى قال حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن عثمان بن عفان وابن مسعود قالوا كنا لا نتجاوز عشر ايات حتى نتعلم معانيها والعمل بها. قال فتعلمنا العلم والعمل جميعا. وهذا هو دأب السلف وعادتهم في اخذ القرآن وسبق الاشارة الى شيء من ذلك في شرح مقدمة اصول التفسير لابي العباس ابن تيمية الحفيد. نعم احسن الله اليكم. قوله تعالى افتتح الله هذه السورة بقوله امين وهي من الحروف المقطعة افتتح الله بها كثيرا من هذه السور ومن هذه الحروف الاسلام صاد وقوله تعالى وقوله تعالى حم وقوله تعالى صادق وقوله تعالى طه وقوله تعالى ياسين وقوله تعالى قاف وقوله تعالى صادق وقوله تعالى سين قا فقد اختلف العلماء في اعلى اقوال نكتفي منها بقولين القول الاول ذهب الجمهور الى انها تمر كما جاءت لانها مما استأثر الله بعلمه فلا يبحث عنها لانه لا دليل على البحث زيارة عين المراد من القول الثاني ان هذه الحروب اشارة الى اعجاز القرآن ان الله سبحانه ان الله سبحانه وتعالى انزل هذا القرآن مكونا من هذه الحروف التي ينطق بها العرب ويتخاطبون بها ومع هذا لم نطيع واياكم بمثل هذا القرآن او مثل سور او مثل سورة او اية من فهذا اشارة من الاعجاز ولهذا في الغالب اذا جاءت هذه حروف ويأتي بعدها ذكر القرآن كما في هذه السورة. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. وقوله تعالى في اول الاعراف انصاد. كتاب انزل اليك فلا يكن في صدرك حرج منه. وقوله تعالى والقرآن المجيد. وقوله تعالى صادق والقرآن ذي الذكر. وقوله تعالى على الف تنزل كتاب الى غير ذلك. وهذا يدل على الاعجاز هو ان القرآن مرتب من مثل هذه الحروف ومع هذا عجزت عن الاتيان بمثله او بمثل سورة منه وهذا القول وجيه ذكره شيخ الاسلام ابن تيمية وغيره قوله تعالى ايها المصنف حفظه الله معنى الاية الاولى من سورة البقرة وهي الف لام ميم فذكر ان الله سبحانه وتعالى افتتحها لهذه الاية وهي من الحروف المقطعة. والمراد بالحروف المقطعة ما يقرأ تهجيا سواء مع السكت او عدمه. فتقرأ تقطيعا ومن هذه الحروف ما ذكره المصنف بلا خلف الا في طه وياسين. ففي ادخالهما في الحروف المقطعة خلاف ومن احسن الاقوال لمن يقول انها ليست حروفا مقطعة ان معنى يا طه يا رجل ومعنى ياسين يا انسان بلغة الحبشة. وقد اختلف اهل العلم في معنى الحروف المقطعة التي استفتحت بها السور في مواضع عدة من القرآن الكريم على اقوال منها اللذان ذكرهما المصنف واولهما مذهب الجمهور انها تمر كما جاءت فهي مما استأثر الله بعلم فهي من المتشابه الخبري اي الذي لا نعلم حقيقته. والقول الثاني ان هذه الحروف اشارة الى اعجاز القرآن وان الله سبحانه وتعالى انزل هذا القرآن مكونا من هذه الحروف. وحاصل هذا المعنى ان هذه الحروف هي حروف من جنس كلامكم ايها العرب. فانتم تتكلمون وتذكرون الالف في كلامكم. وتتكلمون اللام في كلامكم وتتكلمون وتذكرون الميم في كلامكم. فكلامكم مركب من حروف. هذه بعضها في فاتحة سورة البقرة وفي غيرها من السور ذكر بعضها. فما افتتحت به بعض السور من الحروف المقطعة المراد به حروف التهجي المعروفة في لسان العرب. وهذا المعنى هو المعنى الذي ذكره قدماء اهل كالخليل ابن احمد وسيباويه ونصره جماعة من الحذاق منهم ابو العباس ابن تيمية وهو الذي لا ينبغي التعويل على غيره لانه ليس في القرآن شيء يجهل معناه للامة جميعا. نعم فيه ما يعلم معناه بعض الامة دون اما ان يكون من معناه شيء غيبي لا يعرف فهذا لا يمكن لان القرآن انما انزل بيانا وتبيانا ذلك ان يكون معناه واضح. فهذه الحروف المقطعة هي حروف. للتهجي من جنس كلام العرب المعروف الالف هي الالف التي في كلامهم واللام هي اللام التي في كلامهم والميم هي الميم التي في كلامهم. والموجب لاستفتاح بعض الصور بها بيان عظمة القرآن الكريم التي يسمونها بالاعجاز. فهذا القرآن العظيم المتحدى به هو من جنس كلام العرب فان كان لكم قدرة عليه فاتوا بمثله او مثل عشر سور او سورة منه وهم عاجزون عن ذلك والدليل على ارادة هذا المعنى ان جميع السور التي استفتحت بالحروف المقطعة فيها ذكر القرآن قال وقد احترز المصنف من هذه الكلية فقال ولهذا في الغالب اذا جاءت هذه الحروف يأتي بعدها ذكر القرآن واصل هذا الاحتراز من كلامه ابن كثير فانه ذكر ان اكثر السور المقطعة فيها ذكر القرآن وتبعه على ذلك محمد الامين الشنقيطي واستدنى منها السورتين والتحقيق ان كل سورة ذكر فيها حرف مقطع في مبتدأها ففيها ذكر القرآن ان تتبع هذه السور دل على ذلك. فمنها ما تبعها وخلفها كما في سورة البقرة الف لام ميم ذلك الكتاب ومنها ما جاء متوسطا ومنها ما جاء متأخرا. فكل سورة استفتحت في الحروف المقطعة فيها ذكر القرآن. للاشارة الى هذا المعنى الذي نعم. احسن الله اليك. قوله تعالى ذلك الكتاب ذا اسم اشارة واللام للبعد والكافر وحرف حرف خطاب اشار الى الى الكتاب الذي هو القرآن اشارة تعظيم واجلال اي الذي لا يشابهه غيره فهو اعظم كتاب من الله سبحانه وتعالى ثم قال لا ريب فيه نفى عنه الريب والريب الشك فلا يتطرق اليه شك ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وقوله تعالى هدى للمتقين. هذه صفة ثانية للقرآن والهدى معناه الدلالة والارشاد الى الطريق الصواب وفيه دلالة وارشاد الى طريق الحق وطريق الجنة. والهدى كما ذكرنا ينقسم الى قسمين هدى دلالة وارشاد وهدى توفيق والهام او هداية القلوب فهذا القرآن هدى للمتقين. والمتقون جمع متق وهو من اتصف بالتقوى. والتقوى ان تجعل بينك وبين غضب الله وعذابه وقاية تقيك منه. وذلك بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. فالمراد بالمتقين الذين بينهم وبين عذاب الله وقاية بطاعة الله سبحانه وتعالى. وعرف العلماء التقوى بانها ان تفعل ما امرك الله على نور من الله ترجو ثواب الله وان تترك ما نهى الله عنه على نور من الله تخاف من عقاب الله هذه هي التقوى وحاصلها ان تجعل بينك وبين المكروه وقاية بحيث لا يصل اليك فان لم تحصل لك هذه الوقاية فانه لا فانه لا شك متوعد بالعذاب. لماذا خص المتقين بالذكر مع انه هداية لجميع الناس؟ كما قال في اثناء هذه في السورة شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس. اي لجميع الناس بمعنى انه دل الناس على خير فمن اراد الخير وجده ومن اعرض قامت عليه الحجة لان الله هدى جميع الناس بمعنى انه بين لهم ودلهم وارشدهم فمنهم من انتفع ومنهم من لم ينتفع والجواب انه انما خص المتقين. لانهم هم الذين انتفعوا بي واهتدوا به. واما غيرهم فان قامت عليهم الحجة وانقطعت معذرتهم حيث لم يبقى لهم عذر عند الله سبحانه وتعالى. ذكر المصنف حفظه الله بعد ذلك تفسير الاية الثانية من سورة البقرة وهي قوله تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين فجعل ذا اسم اشارة واللام للبعد والكاف حرف خطاب. وانها اشارة الى القرآن الكريم وجعلت هذه الاشارة للبعيد مع كونه قريبا بايدينا لارادة التعظيم ولذلك قال اشارة تعظيم واجلال. فكان قوله تعالى ذلك الكتاب سياقه هذا الكتاب لكن اشير له على معنى البعد للتعظيم له. وهذا قول كثيرين في تفسير هذه الاية وغيرها والذي دل عليه تتبع اي القرآن ان القرآن يذكر تارة ويشار اليه قرب كما قال تعالى ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم. وقال تعالى ان هذا القرآن ان هذا القرآن يقص على بني اسرائيل وتارة يذكر ويشار اليه بالبعد كما قال تعالى ذلك الكتاب لا ريب فيه. والفرق بين اشارتين الى ان الاشارة للقريب في قوله تعالى هذا القرآن اي القريب المتنو الذي بايدينا فهي اشارة الى المتلو الذي بايدينا. واما الاشارة الى البعيد فهي الاشارة الى القرآن المكتوب المحفوظ الذي انزله الله سبحانه وتعالى بعد ذلك الى السماء الى بيت العزة في السماء الدنيا كما ثبت في اثر ابن عباس المعروف فكان قوله تعالى ذلك الكتاب هو اشارة الى المكتوب في اللوح المحفوظ والمنزلي في بيت العزة وهو بعيد منا فيشار اليه بالبعد والدليل على هذا المأخذ هو انه لم يأتي بالقرآن الكريم قوله تعالى ذلك القرآن. وانما جاء ذلك الكتاب. فتكون الاشارة الى الكتابة والكتابة البعيدة هي كتابته في اللوح المحفوظ فان الكتب التي نزلت على الملائكة مكتوبة في اللوح المحفوظ كما في قوله تعالى يتلو صحبة مطهرة فيها كتب قيمة فالاشارة الى الكتب المكتوبة في اللوح المحفوظ مما انزله الله سبحانه وتعالى على رسله. فحين اذ لا تكون الاشارة في قوله تعالى ذلك الكتاب على قادة القريب وان معنى ذلك الكتاب اي هذا الكتاب هو القرآن. بل المراد ذلك الكتاب البعيد المكتوب في اللوح المحفوظ. وهو القرآن اكتبوا في ذلك الموضع واما هذا القرآن فالمراد بالاشارة الى القريب الذي بايدينا نقرأه ولذلك اشير اليه القراءة ثم بين معنى الريب المنفي وجعل الريب بمعنى الشك. وقد نقل ابن ابي حاتم الاجماع على تفسير الريب بالشك. وهذا الاجماع المنقول صحيح باعتبار ان الشك فرض من افراد الريب. لا والمعنى الذي وضع له في لسان العرب. فالريب ليس شكا مجردا ولكنه شك مشتمل على قلق واضطراب. ولهذا الصحيح ان الريب هو قلق النفس واضطرابها. واختار هذا جماعة من المحققين في التفسير. منهم الزمخشري وابو عباس ابن تيمية وابن القيم وابن رجب والسمين الحلبي. فالريب لا يكون الا مع وجود القلق والاضطراب فهو شك مقترن بذلك وليس شكا مجردا. فمن فسره بالشك فسره ببعض افراده وهو اعظم تلك قال والريب المنفي عن القرآن الكريم نوعان اثنان احدهما ريب يتطرق اليه وهو الذي ذكره المصنف فقال فلا يتطرق اليه شك ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من قلبه. والثاني ريب يتولد منه فانه لا ينشأ من القرآن عند اهل الايمان والايقان ريب بل يزيدهم ايمانا على ايمانهم. ثم ذكر معنى قوله تعالى هدى للمتقين اي انه دال ومرشد للمتقين. والهداية المتعلقة بالدلالة والارشاد هي احدى النوعين متقدمين ثم ذكر ان معنى المتقين جمع متق وهو من اتصف بالتقوى وفسر التقوى بقوله ان تجعل بينك وبين غضب الله وعذابه وقاية الى اخر ما ذكر. وليس هذا هو ما يتقى فقط. فان الله عز وجل امر باتقاء فقال يا ايها الناس اتقوا ربكم وهذا التفسير ليس فيه ذكر اتقاء الله عز وجل. كما ان الله سبحانه وتعالى امر باتقاء يوم القيامة فقال واتقوا يوما تردون فيه الى الله. فالاولى ان يقال التقوى هي اتخاذ العبد وقاية بينه وبين ما الشاة بامتثال خطاب الشرع هو اتخاذ العبد وقاية بينه وبين ما يخشاه بامتثال خطاب الشرع فان هذا الحج جامع لجميع هذه الافراد. فالمتقون حينئذ هم الذين يتخذون وقاية بينهم وبين ما يخشون بامتثال خطاب الشرع تصديقا وفعلا وتركا. ثم ذكر ان بعض العلماء عرف التقوى بانها ان تفعل ما امرك الله على نور من الله الى اخره. وهذا قول طلق ابن حبيب وهي مقالة مشهورة عن طلق ابن حبيب وللذهبي رحمه الله تعالى في ترجمة طلق من سير اعلام النبلاء كلام حسن في بيان معنى هذه الجملة من كلام وهي من احسن الكلام المنقول في تفسير التقوى. ثم بعد ذلك اورد سؤالا ببيان وجه تخصيص المتقين بالذكر مع ان القرآن هداية للناس جميعا كما قال الله عز وجل شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وهذه الاية من سورة البقرة جعلت فيها الهداية خاصة بالمؤمنين. والموجب لذلك هو ان هداية القرآن المتقين هداية في ايضاح المحجة. وهداية القرآن لعموم الناس هداية في اقامة الحج فهداية القرآن الكريم نوعان اثنان احدهما هداية بايضاح المحجة وهذه للمؤمنين دون غيرهم فالله يدلهم ويرشدهم الى المحجة اي الطريق الذي يوصل اليه. والثاني هداية باقامة الحجة وهذه للخلق جميعا. فالله سبحانه وتعالى يهدي الناس باقامة الحجة بما انزله عليهم من القرآن الكريم. وحينئذ فلا اختلاف بين الهدايتين وهذا اخر على هذه الجملة من الكتاب ونستكمل الدرس باذن الله بعد صلاة العشاء والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين