على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولجميع الحاضرين والمستمعين. اما بعد فقال المصنف حفظه الله تعالى ثانيا اقسام الناس امام هداية القرآن ثم لما ذكر ان هذا القرآن هدى قسم الناس هداية القرآن الى ثلاثة اقسام. القسم الاول الذين امنوا به ظاهرا وباطنا وامتثلوا احكامه امرا ونهيا. القسم الثاني الذي كفروا بظاهرا وباطنا. القسم الثالث الذين امنوا به ظاهرا وكفروا به بباطنا. القسم الاول هم المتقون وذكر الله فيهم ثلاث ايات هي الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين لا يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالاخرة هم يوقنون اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون. هذه ثلاث ايات تتضمن خمس صفات لهؤلاء الصفة الاولى يؤمنون بالغيب ان يصدقون بما اخبر الله او اخبر رسوله صلى الله عليه وسلم عنه من الغيوب التي لم يروها وانما صدقوا باعتماد على خبرنا اي وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم. والغيب كل ما غاب عن الناس ولم يشاهد من الامور المعضية والامور المستقبلة ومن العوالم الاخرى التي لم يروها وانما اخبر الله عنها واول الايمان بالغيب الايمان وبالله سبحانه وتعالى وباسمائه وصفاته ذلك لان المؤمنين لم يروا ربهم في هذه الدنيا وانما امنوا به وعرفوه بايات الكونية وهي مخلوقاته التي تشاد في هذا الكون دالة على وجوده وعظمته وبآياته القرآنية المتلوة في كتابه المنزل وقبل ذلك عرفوا بالفطرة السليمة التي فطر الناس عليها والله تعالى هو الدليل على كل شيء ولا الى دليل على اثباته الا من فسدت فطرته وازدادته الشياطين. ومن الايمان بالغيب الايمان بالملائكة. وهم من مخلوقات التي يؤمن بها العبد ولم يشاهدها وكذلك الايمان بالجن. العالم الثاني مالز فيؤمن بهم العبد وان لم يروا وان لم يرهم لان الله اخبر عنهم واخبر عنهم رسوله صلى الله عليه وسلم. وكذلك الايمان بالغيوب الماضية مثل اخبار امه السابقة فالمؤمنون بذلك ما شاهدوا ادم ونوحا ابراهيم والانبياء واقوامهم كعاد وثمود. لكن الله اخبر عنهم واخبر ان رسوله صلى الله عليه وسلم وهم يؤمنون بذلك وكذلك الغيوب مستقبلة وكذلك الغيوب مستقبلته في اخر الزمان مما يكون قبل من الاشراط والعلامات وعذاب القبر ونعيمه. وما في الاخرة من البعث والحساب والصراط والميزان والحوظ والجنة والنار والحشر فيؤمنون به ويصدقون لان الله جل وعلا اخبر به واخبرت به الرسل وعليهم الصلاة والسلام. فهم يؤمنون بالغيب سواء هو الايمان بالغيب مبني على التسليم لله. لان الغيوب لا يتوصل بها بالعقل وانما طريق الاخبار اما الذي لا يؤمن الا بما يوافق عقله وما يخالف عقله رفضه. فهذا ليس بمؤمن. قال تعالى عن هؤلاء بل بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتيهم تأويله. كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين واعظم منه ظلما وكفرا. الذي لا يؤمن بالغيب اصلا ولا يصدق الا بما يرى من المحسوسات. فهذا ملحد كافر بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والذي لا يؤمن بالغيب بان عقله لم يدركه هذا غير مؤمن ولم يسلم الا ولرسوله صلى الله عليه وسلم. والعقل له طاقة محدودة وهناك امور لا يدركها ولا يطيقها وانما يدرك بقدر طاقته فقط. الصفة الثانية ويقيمون الصلاة. الصلاة التي هي الركن الثاني من اركان الاسلام وقال ويقيمون ولم يقل ويصلون لانه ليس المقصود من الصلاة صورتها ليس المقصود من الصلاة صورتها وانما المقصود واقامتها ومعنى اقامتها الاتيان بها كما شرع الله سبحانه وتعالى ومعنى اقامتها الاتيان بها كما شرع الله سبحانه وتعالى بشروطها واركانها وواجباتها وسننها وهذه اقامة ظاهرة ولابد مع ذلك من اقامة اباطنا وذلك بالخشوع فيها وحضور القلب فاقامة الصلاة نوعان. الاول اقامة ظاهرة وذلك بالاتيان بشروطها واركانها وواجباتها الدعوة سننها والثاني واقامة باطنة وهي حضور القلب وخشوعه فيها فان من صلى بدون خشوع ولا حضور قلب فانه لا يكتب له من الا بمقدار ما عقل من صلاته وخشع فيه. ولو اقامها ظاهرا بشروطها واركانها فان المعول عليه الاقامتان مع الصفة الثالثة ومما رزقناهم ينفقون. والقرآن غالبا يذكر الانفاق والصدقة مع الصلاة. لان الصلاة احسان فيما بين العبد وبين ربه والانفاق احسانا فيما بين العبد وبين الناس. فهم يحسنون فيما بينهم وبين الله بإقام الصلاة. ويحسنون فيما بينه وبين الخلق بالانفاق. وقوله ومما رزقناهم من تبعيضية اي بعض ما رزقناهم. لان لانه ليس المطلوب ان تنفق كل مالك بل المطلوب انك تنفق بعض مالك ولهذا عبر بمن التبعيضية وما موصولة بمعنى الذي وقوله ورزقناهم فيه اشارة الى منة الله عليهم وان هذا المال لم يحصل لهم من حولهم وقوتهم ومعرفتهم وانما رزقهم الله فالفضل فيه لله سبحانه وتعالى ينفقون. الانفاق في اللغة الاخراج سميت تصدق انفاقا لان الانسان يخرج من ماله يقال الدابة اذا ماتت وخرجت روحها وسميت النفقة نفقة لانها تخرج من المال ومنه النفاق وهو الخروج من الايمان فمعنى ينفقون يخرجون من اموالهم الصدقة الواجبة كالزكاة والكفارات والنفقة على الزوجة والاولاد والاقارب ويخرجون ايضا الصدقة المستحبة صدقة التطوع كالصدقة على المحتاجين وفي سبيل الله سبحانه وتعالى وقال ينفقون ولم يذكر المنفق ولم يذكر المنفق عليك ليعم كل وجوه الانفاق التي امر الله جل وعلا بالانفاق فيها. الصفة الرابعة والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك هذا في الذين امنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم من اهل الكتاب حيث امنوا بالكتابين او لا يعطيهم الله اجرهم مرتين. قال تعالى وكذلك انزلنا اليك الكتاب قوم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد باياتنا الا الكافرون وقال تعالى اذا يتلى عليهم قالوا امنا به انه الحق من ربنا انا كنا من قبله مسلمين اولئك يؤتون اجرهم مرتين بما صبروا يؤتيهم الله اجرهم مرتين اجرا على الايمان السابق واجرا على الايمان اللاحق وقال تعالى في اية اخرى يخاطب هؤلاء المؤمنين يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وامنوا برسوله يؤتيكم كفلين من رحمة ويجعل لكم ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور الرحيم فقوله تعالى والذين يؤمنون بما انزل اليك يعني القرآن وما انزل من قبلك اي من الكتب السابقة الذين ادركوا النبي صلى الله عليه وسلم وامنوا به كالنجاشي عبد الله بن سلام وغيرهم من الذين امنوا بالرسل السابقين ثم امنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم. الصفة الخامسة وبالاخرة هم يوقنون. الاخرة يوم القيامة سميت الاخرة لانها بعد الدنيا والدنيا سميت بذلك لان اليوم الادنى وهذا الوصف داخل في الايمان بالغيب المتقدم في قوله يؤمنون بالغيب وانما اعاد ذكرا واهتماما وتأكيدا للايمان به. ولان من امن باليوم الاخر استعد له بالعمل الصالح والتوبة من الاعمال السيئة والايمان باليوم الاخر هو احد هو احد اركان الايمان الستة هذي هذه خمسة اوصاف للصنف الاول الذين امنوا بالقرآن ظاهرا وباطنا ثم بين جزاهم سبحانه وتعالى فقال اولئك على هدى من ربهم هذا في الدنيا اي يسيرون على طريق صحيح واضح لا اعوجاج فيه واولئك هم المفلحون يعني في الاخرة بالجنة هو الفوز والحصول على الاجر العظيم وحصر الفلاح فيهم بقوله واولئك هم المفلحون واما غيرهم فلا فلاح ولا اصلها حالهم هذا القسم الاول تقدم ان هداية القرآن نوعان اثنان احدهما هداية اضاحي المحجة وهذه للمؤمنين والاخر هداية باقامة الحجة وهذا حظ الناس خلقا وهذا الخلق جميعا وهذه القسمة مأخذها اعتبار المقصود من هداية القرآن. وذكر المصنف رحمه الله الله تعالى قسمة اخرى لهداية القرآن باعتبار احوال الخلق. فان الناس على درجات متفاوتة في الاهتداء القرآن وقد جعلهم ثلاثة اقسام تبعا لما جاء في صدر سورة البقرة. فالقسم الاول الذين امنوا به ظاهرا وباطنا وامتثلوا احكامه امرا ونهيا. والقسم الثاني الذين كفروا به ظاهرا وباطنا. والقسم الثالث الذين امنوا به وكفروا به باطنا ثم شرع المصنف حفظه الله يبين هذه الاقسام واحدا واحدا وابتدأ بيان القسم الاول وهم الذين امنوا بالقرآن ظاهرا وباطنا وامتثلوا احكاما. وهؤلاء هم المتقون وقد ذكر الله فيهم ثلاث ايات اولها الذين يؤمنون بالغيب الاية والايتين بعدها. وهؤلاء الايات الثلاث تضمنت خمس صفات للمتقين. والصفة الاولى في قوله يؤمنون بالغيب. والغيب اسم لكل ما غاب عن الخلق. والمراد به ها هنا الغيب المطلق. اي الذي لا يطلع عليه الا الله سبحانه وتعالى. واما ما دونه من الغيوب المقيدة التي يعلمها بعض الخلق دون بعض فلا مدخل لها ها هنا وانما المراد الغيب المطلق الذي يختص الله سبحانه وتعالى بعلمه. وهذا الغيب يطلق انواع مختلفة منها الايمان بالله والايمان بالملائكة والايمان بالجن والايمان باخبار الامم السابقة الثقة والايمان بالغيوب المستقبلة في اخر الزمان. وهذه الانواع التي ذكرها المصنف حفظه الله يمكن ردها الى انواع ثلاثة. هي انواع الغيب المطلق. اولها الخبر عن الله سبحانه وتعالى. وثانيها الخبر عما لا اطلاع للخلق عليه من احوالهم في الدنيا كاخبار الامم الماضية. والثالث الخبر عن جزاء الخلق في الاخرة. فان هذه الانواع الثلاثة تجمع الغيوب المختلفة مما ذكره المصنف وما وراء ذلك. فالمتقون يؤمنون بالغيب سواء ادركته عقولهم ام لم تدركه لان الايمان بالغيب مبني على التسليم بصدق المخ وهو الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. فالمؤمنون يصدقون بما اخبر الله عنه او اخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من الغيوب ويسلمون بذلك. اما الشاكون المتحيرون هم يكذبون بذلك كما قال الله عز وجل بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه. ولما يأتيهم تأويله اي معرفة وهذا من الضلال المبين. لان عقل الانسان له غاية ينتهي اليها ويقف علمه دونها. فالسلامة له ان يسلم بخبر المخبر الصادق وهو خبر الله وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الصفة الثانية المذكورة في قوله ويقيمون الصلاة والاقامة لا يراد بها مجرد فعل الصلاة. بل المراد بالاقامة امتثال خطاب الشرع في فكل ما جاء به الشرع مما يتعلق بالصلاة مندرج في حقيقة اقامتها ومن جملة ذلك الشروط والاركان والواجبات والسنن فعلا والمبطلات والمكروهات تركا. فكل هؤلاء اي مما يدخل في جملة حقيقة الاقامة. وهذه الاقامة نوعان اثنان. باعتبار متعلقها. فالنوع الاول اقامة باطنة ترجع الى حضور القلب وخشوعه فيها والثاني اقامة ظاهرة ترجع الى الاتيان بشروطها واركانها وواجباتها وسننها واجتناب مكروهاتها ومبطلاتها ثم ذكر الصفة الثالثة المذكورة في قوله ومما رزقناهم ينفقون. وذكر المصنف ان القرآن غالبا يذكر الانفاق والصدقة مع الصلاة. وهذا من اسرار التصرف القرآني في الاقتران. فان ان من سياق الاية شيء يضطرد اقترانه غالبا او دائما. ولا يكون الاقتران الا لنكتة قاضية بذلك. ومن ذلك اقتران الصلاة بالصدقة. ووجهه كما ذكر المصنف هو ان الصلاة احسان فيما بين العبد وبين ربه. والانفاق احسان فيما بين العبد وبين الناس. وبعبارة اجلى يقال ان الصلاة احسان من العبد لنفسه. والانفاق احسان من العبد الى غيره فالعبد اذا صلى احسن الى نفسه كما في حديثه ابي هريرة في الصحيح على كل سلامة من ابن ادم صدقة ثم ذكر في حديث ابي هريرة وغيره ويجزئ من ذلك ركعتان من الضحى فاذا صلى الانسان فانه محسن الى نفسه واذا انفق فهو محسن الى غيره من الخلق. ثم ذكر ان من في قوله ومما تبعيضية فهم ينفقون بعض ما يرزقهم الله سبحانه وتعالى. فكأن سياق الاية ومن الذي رزقناه لهم ينفقون وانما اضاف الله سبحانه وتعالى ما لهم من مال الى تصرفه بقوله رزقناهم للاشارة الى ان المنة العظمى هي لله. فالله سبحانه وتعالى هو الذي خولهم هذا الرزق وجعل لهم فيه ملكا وتصرفا. ثم بين معنى قوله ينفقون وان الانفاق في اللغة الاخراج وسمي التصدق انفاقا لان الانسان يخرجه من ماله. يقال نفقت الدابة اذا ماتت وخرجت ومنه النفق لان النفق يدب في الارض ثم يخرج من اسفلها الى عاليها ومنه كذلك النفاق فمعنى ينفقون ان يخرجون من اموالهم نفقة وذلك شامل للنفقة الواجبة كالزكاة والكفارات والنفقة المستحبة كصدقة التطوع ولم يذكر الله سبحانه وتعالى المنفق عليه. لان حذف المتعلق يفيد العموم. فالذين تصرف اليهم النفقة لم يذكروا ليعم كل وجوه الانفاق التي امر الله جل وعلا بالانفاق عليها فهم ينفقون على ازواجهم واولادهم واقاربهم والمسلمين جميعا بل البهائم العجماء بل البهائم العجماء ثم ذكر صفة الرابعة المذكورة في قوله والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك ومال المصنف رحمه الله تعالى في تفسيرها الى ما ذهب اليه ابن جرير الطبري في كون هذه الاية متعلقة بالمؤمنين من اهل الكتاب الذين امنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم. وخالفه ابن كثير وهذا احد المواضع التي وقعت المنازعة فيها بين امامي الاثر من ابن جليل الطبري وابن كثير الدمشقي رحمهما الله. فذهب ابن كثير الى ان الاية غير مختصة بمؤمن اهل الكتاب بل تشمل كل مؤمن بما انزل من الكتب قبل وبعد سواء من اهل في كتابي ام من غيرهم ويندرج في ذلك مؤمنوا هذه الامة فهم يؤمنون بكتاب الذي انزل على محمد صلى الله عليه وسلم والكتاب الذي انزل من قبل وما ذهب اليه ابن كثير اقوى فان الله عز وجل ذكر هذا المعنى في اية كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا امنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي انزل من قبل. فالمؤمنون من هذه الامة يؤمنون كذلك بالكتب السابقة وما انزل على النبي صلى الله عليه وسلم. الصحيح ان الاية تعم كل المؤمنين ولا تختص بمؤمن اهل الكتاب ثم ذكر الصفة الخامسة المذكورة في قوله وبالاخرة هم يوقنون والمراد بالاخرة يوم قيامة وسمية الاخرة لانها بعد الدنيا والدنيا سميت بذلك لانها اليوم الادنى اي القريب فالخلق متقلبون فيها وهي قريبة من الزوال ايضا. وهذا الوصف داخل في الايمان بالغيب لانه خبر عن جزاء الخلق في الاخرة. فهو مما يندرج في قوله يؤمنون بالغيب. وانما افرده بالذكر اهتماما به فان افراد بعض افراد العام منه دليل على الاعتناء به ثم ذكر ان هذه الاوصاف هي اوصاف الذين امنوا بالقرآن ظاهرا وباطنا. وقد بين عز وجل جزاءهم فقال اولئك على هدى من ربهم واولئك هم المفلحون. وقد جعل المصنف الهداية متعلقة بالدنيا والفلاح متعلقا بالآخرة. وهذا مذهب بعض المفسرين. وذهب جماعة من اهل العلم في التفسير الى عموم ذلك. وان الهداية كائنة لهم في الدنيا والاخرة. وان الفلاح كائن لهم في الدنيا والاخرة وهذا هو الاشبه الا ان ظهور الهداية في الدنيا اكثر وظهور الفلاح في الاخرة اكثر وهذا وجه من اقتصر عليه ثم ذكر ان الفلاح هو الفوز والحصول على الاجر العظيم. ولا توجد كلمة في لسان العرب كفيلة ببيان معنى الفوز التام كهذه الكلمة كما ذكره جماعة من اهل والتفسير. وقد قال الله عز وجل في اخر الاية واولئك هم المفلحون ولم يقل واولئك المفلحون. بل جيء بالضمير هم للدلالة على الحصر فان ادخاله والفصل بين اولئك والمفلحون به مقصوده حصر الفلاح فيهم مفلحون حقيقة هم هؤلاء المتصفون بهؤلاء الصفات الخمس. نعم احسن الله اليكم. الاسم الثاني الذين كفروا في القرآن ظاهرا وباطنا وفيهم ايتان تبدأان بقوله تعالى الكفر عدم الايمان والامتنان ومن الدخول فيه وهو في الاصل من الكفر وهو الستر. يقال كفر الشيء اذا ستره. وتكفير السيئات سترها وتغطيتها ومحو وهو ازالتها وسمي الزارع كافرا لانه يغطي البذور بالدخن في الارض. ومنه قوله تعالى كمثل غيث اعجب الكفار نباته. اي الزراء والذين لم يدخلوا في الايمان ولم يجيبوا داعي الله انما سموا كفارا لانهم ستروا الحق واخفوه ولم يقبلوه. ولان كثيرا منهم كما قال تعالى وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا. وقال تعالى فانهم لا يكذبونك ولا ان الظالمين بايات الله يجحدون. والكفر يكون بالتعطيل وانكار الخالق جل وعلا. ويكون بالشرك مع الله سبحانه وتعالى ويكون بارتكاب ناقض من نواقض الاسلام وهي كثيرة. فالكفر يكون بالجحود ويكون بالعناد ويكون بالاستكفار. ويكون بالنفاق ويكون وبالفعل وبالاعتقاد وبالشك. والكفر انواع يجمعها عدم الايمان. قوله تعالى ايابا وان يقبلوا هدى الله سبحانه وتعالى هؤلاء لا حيلة فيهم سواء عليهم انذرتهم ام لم تنذرهم لا يؤمنون انهم لما عرفوا الحق اول مرة ولم يستجبوا عاقبهم الله بحرمان من الايمان فلا يهتدون بعد ذلك ابدا. قوله تعالى ختم والله على قلوبهم وعلى سمعهم وختم الشاي معناه اغلاقه بحيث لا يدخل اليه شيء ولا يخرج منه شيء. وختم وختم الله على اي اغلقها بالخاتم او او بالختم فلا ينفذ اليها النور ولا يصل اليها الايمان بسبب اعراض كما قال سبحانه ونقلب افئدتهم وابصارهم كما لم يؤمنوا به اول مرة. فمن تبين له حق واراد ان يعاقب بالحرمان فلا يقبله بعد ذلك وما دام الله ختم على قلوبهم وسد المنافذ التي توصل الخير اليها فلا فائدة من دعوتهم بل وسواء عليهم حذرتهم ام لم تنذروا ما يؤمنون. وقوله على سمعهم اي وختم على سمعهم فلا يسمعون السماء قبول واهتداء. وان كانوا الصوت باذانهم لكن لا يسمعون سماء قبول وانتفاع. حرمهم الله فائدة الاسماء والعياذ بالله. كما قال سبحانه ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع الا دعاء ونداء قوله على غشاوة على ابصارهم خبر مقدم وغشاوة مبتدأ مؤخر وهي جملة والغشاوة الغطاء اي زعل على يحول بينه وبين الانتفاع بما يشاهدون من ايات الله فلا يبصرون ابصار انتفاع ينظرون في ايات الله ويستفيدون من النظر فيها وانما نظرهم كنظر البهايم تنظر الى الاشياء ولكن لا تدرك الحكمة منا السر فيها فحرم فحرمهم الله نعمة القلوب ونعمة ونعمة الابصار. والسبب هو انهم كفروا ولم يقبلوا الحق في هذا تحذير عن الاعراض عن الحق لكل من سمعه لان ذلك الاعراض سبب لحرمانه من الهداية في ظل مغلق القلب في ظل مغلق القلب مختوما عليه كما حرم هؤلاء وختم على قلوبهم. ثم قال ولهم عذاب عظيم. هذا جزاء في الاخرة عذاب قل لا يعلم عظمه الا الله سبحانه وتعالى. هذا القسم الثاني عاقبهم الله في الدنيا عقوبة عاجلة بحرمانهم من الانتفاع بحواسهم وعقوبة آجلة في الآخرة بالعذاب العظيم في النار. ذكر المصنف حفظه الله في هذه الجملة القسم الثاني من اقسام الناس في الايمان بالقرآن. وهم الذين كفروا بالقرآن ظاهرا وباطنا. وفيهم ايتان تبدأان بقوله تعالى ان الذين كفروا الاية ثم ذكر ان الكفر هو عدم الايمان والامتناع دخوله في واصله من الكفر اي الستر في لسان العرب. ويكفي في الارشاد الى المعنى الشرعي للكفر قوله تعالى لا ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله. فالكفر شرعا هو ستر الايمان. ومن ما يكون سترا لاصله ومنه ما يكون سترا لكماله. كما سيأتي في محله. والذين لم يدخلوا في الايمان ولم يجيبوا داعي الله سموا كفارا لانهم ستروا الحق واخفوه. فلم يقبلوه. وجحدوا بذلك ظلما وعلوا وانواع الكفر كثيرة فمنها ما يكون بالتعطيل وانكار الخالق ومنها ما يكون بالشرك ومنها ما يكون بارتكاب ناقض من النواقض الى غير ذلك. ويجمعها عدم الايمان. وهو ستره كما تقدم ثم ذكر الله سبحانه وتعالى حالهم فاخبر عن ذلك بقوله ان الذين كفروا سواء عليهم اانذرتهم ام لم انذرهم لا يؤمنون لانهم لم يستجيبوا لداعي الايمان فعاقبهم الله سبحانه وتعالى بحرمانهم منه فمهما كرر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة فانهم لا يؤمنون بها وبين الله سبحانه وتعالى ما آلوا اليه من سوء الحال بقوله ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة وفي هذه الاية بيان ما اصاب القلوب والاسماع والابصار. لان هؤلاء ثلاثة هي موارد العلم الذي يصل الى الانسان. فالمرء ولد جاهلا لا علم له ثم اكرمه الله سبحانه وتعالى بالعلم كما قال تعالى اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم وقد جعل الله عز وجل الموارد التي ينهل منها العبد علمه قلبه وسمعه وبصره. واذا حرم هذه قد حجب عن العلم النافع. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى حجبها في حق هؤلاء. فاما حجب القلوب والاسماء بالختم واما حجب الابصار فبالغشاوة. وانما ذكر لكل مولد ما يناسبه. فالقلب والسمع يختم عليهما اي يغلقان فلا ينفذ اليهما شيء. فقوله تعالى ختم الله على قلوبهم اي اغلقها بالخاتم وهو الة الختم التي يقع بها الاغلاق او بالختم وهو المصدر اي اغلاقه فلا ينفذ اليها نور الايمان ولا هداية القرآن. وختم الله سبحانه وتعالى على سمعهم فلا يسمعون سماع قبول واهتداء. والسمع الذي ينفى عن الكفار ليس المقصود به ما يتعلق بادراك المسموع. وانما المنفي هو ما يتعلق بقبوله وامتثاله فهم كما اخبر الله عز وجل عنهم لهم اذان لا يسمعون بها اي لا يسمعون سماع قبول وانقياد. واما سماع الادراك للمسموع فهذا حاصل لهم لان الاذن الته. وقد اثبت الله عز وجل وجود الاذان لهم لكنهم لا ينتفعون بما يدركون من مسموع. واما ما عاقب الله عز وجل به الابصار من الحجم فهو الغشاوة كما قال تعالى وعلى ابصارهم غشاوة. والغشاوة هي الغطاء. فغطى الله عز وجل ابصارهم فلا بما يرون فليس المقصود نفي ادراكهم للمرئيات بل لهم اعين تدرك المرئيات لكنها لا تبصر اي لا ينفذ اليها حقيقة المقصود مما يرون بالانقياد والامتثال لامر الله سبحانه وتعالى ثم ختم الله عز وجل حالهم بما توعدهم من العذاب فقال ولهم عذاب عظيم اي كبير القدر لان العظمة موضوعة للدلالة على كبر القدر اما حسا واما معنى وهؤلاء قد عاقبهم الله عز وجل في الدنيا عقوبة عاجلة بحرمانهم من الانتفاع بحواسهم كما قال الله سبحانه وتعالى فما اغنى عنهم سمعهم ولا ابصارهم ولا افئدتهم من شيء ثم انهم يعاقبون في الاخرة عقوبة آجلة بالعذاب العظيم في نار الجحيم اعاذنا الله واياكم من ذلك نعم احسن الله اليك. الاسم الثالث الذين امنوا بالقرآن ظاهرا وكفروا باطنا. وهؤلاء هم المنافقون وهم شر قبلهم شر من الكفار واخطر لان الكفار يعلم انهم كفار فيؤخذ فيؤخذ الحذر منهم. لكن هؤلاء لا يعلم المسلمون انهم لسلامة ظاهرهم واختلاطهم بالمسلمين. فيحسنون الظن بهم ولا يحذرونهم وهم يفسدون في الارض. فخطرهم اشد من خطر الكفار ولهذا الله فيهم ثلاث عشرة اية من قوله تعالى ومن الناس من يقول الى قوله تعالى ولو شاء الله فذهب بسمعهم وابصارهم ان الله على كل شيء قدير. وذلك لخطر وقبح وانهم اقبح من الكفار الاصليين ولهذا قال جل وعلا ان المنافقين في الدرك الاسفل من النار ولم تجد لهم نصيرا الى اسفل اي تحت الكفار وعبدة الاصنام والعياذ بالله والنفاق هو اظهار خيره كالايمان والصلاح واخفاء الشر كالكفر والرياء قلبك وهو ينقسم الى قسمين نفاق اعتقادي ونفاق عملي. الاول النفاق الاعتقادي هو اظهار الايمان وابطال الكفر والمتصف بهذا هو الذي يكون في الدرك الاسفل من النار والعياذ بالله. الثاني اما النفاق الامني فهو الاتصال بصفة من صفات وهذا يكون من بعض المؤمنين فالمتصف به مؤمن باطن وظاهرا وهذا يسمى نفاقا اصغر ونفاقا عمليا. ومن ذا من ذلك فقوله صلى الله عليه وسلم اية المنافق ثلاث اذا حدث واذا وعد اخلف واذا اؤتمن خان وفي رواية واذا خاصم الفجر وفي رواية واذا عاهد غدر فهذه الصفات اذا صدرت من مؤمن فانه يكون عنده نفاق عملي ينقص ايمانه وقد يجر والعياذ بالله الى النفاق الاعتقاد ولهذا خافه النبي صلى الله عليه وسلم على اصحابه وكان الصحابة رضي الله عنهم يخافون خوفا شديدا من هذا النفاق لان الواجب على المؤمن الصراحة في الحق لانها اذا اجتمعت فيه دلت على تأصل النفاق العملي فيه الموجب للنفاق الاعتقاد ولهذا قال صلى الله عليه وسلم اربع من كن فيه كان منافقا خالصا فلا يكون عنده ظاهر وباطن مخالفه ولا يتصف صفات المنافقين بالكذب واخلاف الوعد وخيانة الامانة والغدر بالعهود. وقد قال صلى الله عليه وسلم حذرا من صفات النفاق اربع كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يداها اذا اؤتمن خان واذا حدث كذب واذا هذا غدر واذا خاصم فجر نسأل الله العافية. فالواجب على المسلم ان يحذر من النفاق وان يتجنب صفات المنافقين ولا يقول انا مؤمن على الاطلاق فالمؤمن قد يدخل قد يدخل عليه شيء من صفات المنافقين لنقص ايمانه ولكن ليقول انا مؤمن ان شاء الله ونحوها قوله تعالى ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر اي بافواههم قال تعالى ومعهم بمؤمنين يعني في قلوبهم انما اظهروا الايمان واخفوا للدور والكفر ومن لم يؤمن بقلبه فليس بمؤمن. بعد ان فرغ المصنف حفظه الله من بيان القسمين المتقدمين ختم ببيان القسم الثالث في اقسام الناس امام اهتدائهم بالقرآن وهم الذين امنوا بالقرآن ظاهرا وكفروا به باطنا. وهؤلاء هم المنافقون وهو وهم شر من الكفار لانهم يلبسون على المؤمنين ويخالطونهم مظهرين الايمان مبطنين الكفر وهم في المآل اشد حالا من الكفار الاصليين. فانهم في الدرك الاسفل من النار. كما قال تعالى فان المنافقين في الدرك الاسفل من النار والدركات اسم لطبقات النار. كما ان الدرجات اسم الجنة لكن الدرجة اسم موضوع لما يتصاعد ويعلو والدركات اسم موضوع بما يهبط ويثقل. فاسفل النار هو دركها الاسفل وفيه المنافقون. ثم عرف المصنف حفظه الله النفاق بانه اظهار الخير. كالايمان والصلاح واخفاء الشر كالكفر والرياء في القلب. والمناسب للوضع اي الشرعي وادلة القرآن والسنة ان النفاق شرعا هو ابطال ما ينافي الايمان واظهار صاروا خلافه هو ابطال ما ينافي الايمان واظهار خلافه. سواء كان منافيا لاصله او منافيا لكماله. وحينئذ فهو ينقسم بهذا الاعتبار الى قسمين. اولهما النفاق فاقوا الاعتقادي وهو ابطال ما ينافي اصل الايمان. واظهار خلافه ويسمى بالنفاق الاعتقادي او الاكبر. والثاني النفاق العملي وهو ابطال ما ينافي كمال الايمان. واظهار خلافه ويسمى بالنفاق الاصغر. فكل ما نافى اصل الايمان مع اظهار خلافه فهو نفاق اعتقادي وكل ما نافى كمال الايمان مع اظهار خلافه فهو نفاق عملي. وقد جاء في احاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر من بعض الصفات المتعلقة بالنفاق العملي الاصغر كحديث اية المنافق ثلاث وغيره من الاحاديث فانها صفات للمنافقين نفاقا وهذا النفاق العملي لا ينبغي ان يتهاون به العبد. فقد دعا بالانسان حتى يصيره منافقا نفاقا اعتقاديا اكبر يخرج به من الاسلام فان النفاق العملي ما هيع موصل الى النفاق الاعتقادي. كما اخبر عن ذلك النبي صلى الله الله عليه وسلم في حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما في الصحيحين وفيه اربع من كن فيه كان منافقا خالصا. ومن كان فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق. حتى يدعها اي من خصال النفاق العملي. لكنها اذا تكاثرت مع اخواتها على العبد كن شبكة اصطيد فيها فابلغنه النفاق الاعتقادي الاكبر المخرج من الملة. ولاجل هذا عظم السلف رحمهم الله تعالى من النفاق العملي. فما يذكر من الاثار عنهم لا يراد به النفاق الاعتقادي الاكبر. فانهم منزهون عن ذلك والا كانوا شكاكا في ايمانهم. وانما ارادوا بذلك الخوف من النفاق العملي الذي ذكرت بعض خصاله في حديث ابي هريرة وعبدالله بن عمرو في الصحيحين وهكذا ينبغي ان يكون الانسان خائفا على نفسه. فاذا اؤتمن لم يخن واذا حدث لم يكذب. واذا عاهد لم يغدر واذا خاصم لم يفجر في خصومته لئلا تكن فيه خصلة من خصال المنافقين العملية ثم اخبر الله سبحانه وتعالى عن حال المنافقين في وهم فان المنافقين كما سلف يبطنون ما ينافي اصل الايمان ويظهرون خلافه ولذلك يقولون امنا بالله وباليوم الاخر وهم على الحقيقة غير مؤمنين ولذلك قال الله عز وجل وما هم بمؤمنين وهذا الترتيب في القرآن ومن الناس من يقول امنا او ومن الناس من يقول كذا وكذا يراد به مقالات اهل النفاق واشهرها هذه المقالة عنهم التي يدعون بها الايمان وهم في ذلك كاذبون نعم احسن الله اليكم. ثالثا متى وقع متى وقع النفاق في الاسلام؟ يقول العلماء ان النفاق لا قضية لم يقع في مكة لان كانوا مستظافين في مكة فلا يسلم في مكة الا صادق الايمان لانه باسلامهم واقرب للفتن والاضطهاد فليس ثم حاجة لاي وكذلك في اول هجرة ما حصل نفاق. لكن لما جاءت واقعة بدر في السنة الثانية من الهجرة. وانتصر المسلمون فيها وقويت شوكتهم قال الكفار الذين يعيشون في المدينة ان استمرارهم على كفرهم يعرضهم للخطر فلم يسعهم الا ان يقبلوا الاسلام ظاهرا لاجل ان يعيشوا مع الناس وتحقن دمائهم وما امنوا بقلوبهم ولكن اظهروا الايمان حيلة وحفظا لمصالحهم قوله تعالى يخادعون الله الذين امنوا الخداع والمحاداة ان يظهر الانسان خلاف ما يبطن. وقصد المنافقين من مسلك هذا المخادعة. ولهذا قال الله ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم والله جل وعلا لا يخدع قوله والذين امنوا اي ويخادعون الذين امنوا قوله وما يخدعون الا انفسهم اي عملهم هذا انما برؤوا على انفسهم لان الواجب على الانسان ان ينصح لنفسه وان ينقذها من عذاب الله لكن المنافقين خدعوا انفسهم حيث عرضوها لغضب الله قال سبحانه وتعالى قوله وما يشعرون اي وما يدرون ان عملهم هذا سينتكس عليهم قوله تعالى في وبهم مرض هذا هو سبب النفاق المرض الذي في قلوبهم. والقلب يمرض ومرضه اشد من مرض الجسم. وذكر العلماء ان مرض القلب نوعان مرض شهوة ومرض شبهة. الاول مرض الشبهة يكون بالشكوك والكفر والنفاق. وسوء الظن بالله عز وجل الظن بالمسلمين الثاني مرض الشهوة ان يحب الشهوات المحرمة مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر والغيبة والنميمة ونحو ذلك كما قال تعالى فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض. اي مرض الشهوة والعياذ بالله ومرض الشبه يشهد ماضي الشهوة لان بعض الشبهة يتوب صاحبه في الغالب بخلاف مرض الشهوة فقد يتوب صاحبه ويصبح عمله. فقوله في قلوب من مرض اي مرض الشبهات ومرض الشهوة في كلا المرضين فيها. قوله فزادهم الله مرضا. عقوبة لهم حيث انهم كفروا بايات الله اي سبحانه وتعالى وقلوبهم فيها المرض من قبل فلما كثرت في ايات الله زاد مرضها كما قال تعالى ما انزلت سورة فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى رجسهم. لانهم يستهزئون بها ويسخرون منها ولا يؤمنون بها فزاد مرضهم والعياذ بالله على مرض صادق فتضاعف المرض قوله ولهم عذاب اليم. هذه عقوبة ثانية عذاب في الآخرة وعذاب في الدنيا مؤمن موجع وبين سبب هذا العذاب بقوله بما كانوا يكذبون في مالهم كيف يكذبون لانهم مظهر الايمان او ابطنوا كفروا وهذا كذب بل هذا اعظم كذب وفي قراءة لما كانوا يكذبون اي يكذبون بايات الله سبحانه المصنف حفظه الله امرا اخر يتعلق بالنفاق وهو تاريخ وقوعه فبين ان النفاق العقدي لم يقع في مكة. لان زمن مكة كان زمن استضعاف. فلا يسهم في بمكة الا صادق الايمان. ثم لما صار النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة كان من الناس من يظهر وايمانه ومنهم من يظهر كفره. فلما وقعت غزوة بدر ودارت الدائرة على الكفار خاف من خاف من اهل المدينة الكافرين فاظهروا دخولهم في الاسلام مع بقاء بواطنهم على الكفر فكان اول وجوده في المدينة النبوية بعد بدر. واما انتهاء وجوده فانه لا ينقطع من هذه امة حتى ارث الله الارض ومن عليها. فان النفاق لا يزال باق فيها. كما صحت بذلك الاثار عن فمن بعدهم وقد افاض في ذكرها الفتياب في كتابه النفاق والمنافقين. فلا يزال المنافقون بين اظهر المؤمنين ما وجد المؤمنون. فاذا وجد المؤمنون فان المنافقين لا يزالون مندسين في هذه الامة. لا ينقطعون منها وهم تقوى شوقتهم تارة وتضعف اخرى فانه لما ظهرت عزة الاسلام وغلبته استسر كثير منهم بحاله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم اناس من اهل النفاق الذين كانوا في عصره. ومنهم بعض من كان في الكوفة ولهم قصة معروفة مع عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه. ولا يزال لهؤلاء وراث في كل قرن من الامة وهؤلاء المنافقون لهم مسارب عجيبة في اخفاء انفسهم فامرهم قائم على المخادعة. فهم يخادعون الله والذين امنوا باظهارهم خلاف ما يبطنون والله سبحانه وتعالى لا يخدع. فانه محيط بهم ولا مكنة لهم على مخادعته سبحانه وتعالى بل هو عز وجل خادعهم فيأخذهم على غفلة وغرة منهم من لم يتصوروا ذلك ثم ان حقيقة فعلهم من الخادعة لله وللمؤمنين عاقبته عليهم فانما يضرون انفسهم ولذلك قال الله وما يخدعون الا انفسهم فاثر فعلهم حائر عليهم. ولكنهم لا يشعرون كما قال الله عز وجل وما ونفي الشعور يراد به نفي اقل درجات الادراك. فالمنافق مسلوب الادراك على الحقيقة فاذن مراتبه وهو الشعور لا حظ لهم فيه وبه يعلم ان الشعور ادراك خفيف ضعيف. فليس مما يمدح فمن يعبر بالشعور على ارادة تعظيمه ويجعله احساسا فياضا غلط. لان الشعور ادراك ضعيف معقدي غير دفاق. ولذلك نفى الله سبحانه وتعالى عن المنافقين شعورا وهو اقل الادراك. ثم اخبر الله عز وجل عن حالهم بقوله في قلوبهم مرض. فهم مرضى قلوب وان كانوا في الظاهر اصحاء الابدان. كما اخبر الله سبحانه وتعالى عن صور في سورة المنافقين فقال واذا رأيتهم تعجبك اجسامهم فالباطن صحيح قوي واما ما الباء واما الظاهر صحيح قوي. واما الباطن فهو مريض وبي. ومرضه بالشبهة فان امراض القلب نوعان اثنان احدهما مرض الشبهة والثاني مرض الشهوة. والشبهة هي المأخذ كما قال الفيومي في المصباح المنير وهو من احسن حدود الشبهة. فقلوبهم تنطوي على مآخذ ملبسة ترجع الى الشك والكفر والنفاق وسوء الظن بالله وبعباده المؤمنين. واما الشهوة فهو اسم لما تميل اليه النفوس وترغب فيه. ومرض الشبهة اشد من الشهوة لان من تجار به داء الشبهة ضعفت توبته وقد روى ابن في عاصم وغيره من حديث انس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة وحسنه جماعة والاقرب ضعفه. لكن الشاهد منه موافقته ما ذكره المصنف من ان صاحب الشبهة لا يكاد يتوب. فان الامام احمد رحمه الله سئل عن هذا الحديث كما ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد والسفاري في غذاء الالباب فقال لا يوفق للتوبة فحجب التوبة عنه معناه سلبه التوفيق اليها بخلاف من تعرض له الشهوات فانه يتوب ويصلح عمله ثم اخبر الله سبحانه وتعالى عن ان هؤلاء المنافقين وفيهم مرض الشبهة اصلا والشهوة تبعا لان النفاق مرده الى الشبهة وذكر المصنف للشهوة على اتبع لان الغالب ان من مرض قلبه بالشبهة مال الى الشهوة لانه لا يسلم لم لانه لم سلم بمقتضى الادلة والعقل فيما يتعلق بالمآخذ الملبسة فكيف يسلم لمآخذ النفس وطمعها بما تميل اليه من الشهوات. وقد زادهم الله عز وجل مرضا عقوبة لهم. فان المنافقين يزدادون مرضا بعد مرظ في قلوبهم كما قال تعالى واذا ما انزلت سورة اي اذا انزلت سورة لان ما اذا فجاءت خالفة لاذا فهي صلة اي زائدة كما يعبر عنه في كلام اللغويين والقرآن ليس فيه زائد ولكن يقال هو صلة واشار الى هذه القاعدة بعضهم بقوله يا طالبا خذ فائدة بعد اذا ما زائدة فكأن سياق الاية اذا انزلت سورة ثم اخبر الله عز وجل عن حال الخلق بعد انزالها فمنهم من يقول ايكم زادته هذه ايمانا فاما الذين امنوا فزادتهم ايمانا وهم يستبشرون واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا الى اجزهم اي نجاسة معنوية الى النجاسة التي كانت فيهم. والغالب ان الرجز يطلق على النجاسة المعنوية وان كان يطلق على النجاسة الحسية. ثم ذكر عقوبة اخرى لهم في قوله ولهم عذاب اليم اي مؤلم موجع كما ذكر المصنف. وسبب ذلك هو ما ذكره الله في قوله بما كانوا يكذبون اي في دعواهم وفي القراءة السبعية الاخرى بما كانوا يكذبون اي يكذبون بايات لله سبحانه وتعالى فهم كاذبون مكذبون. وقد اجتمعت فيهم الصفتان جميعا نعم ومن صفاتهم واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض اي اذا نهوا عن النفاق لان النفاق والكفر والمعاصي افساد في الارض لانها تسبب النكبات والعقوبات تسبب حبس الامطار وغور المياه ولبس الاشجار وانقطاع الثمار تسبب اختلال الامن وانقطاع السبل كما قال ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس. فالكفر والمعاصي والنفاق افساد في الارض. فالطاعة والايمان العمل الصالح اصلاح في الارض ولهذا قال ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها اصلحها الله بالوحي والنبوة والايمان فالذي يعصي الا ويكفر به مفسدون في الارض فمعناها قولي واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض اتركوا ما يكون سببا لفسادها وهو النفاق وامنوا ظاهرا وباطنا كما امن الناس اي الصحابة رضي الله عنهم قوله قالوا انما نحن مصلحون وهذا من انتكاس الفطر يعد دون النفاق والكفر اصلاحا في الارض. فيقولون انما نحن بعملنا هذا الذي هو النفاق والكفر مصلحون. من اجل ان نعيش في هذه في الدنيا ويندفع عنا القتل من اجل ان نعيش في هذه الدنيا ويندفع عنا القتل وهذا بزعمهم اصلاح فقال الله تعالى ردا عليهم الا انهم هم المفسدون. عكس الله عليهم دعواهم وحصل الافساد فيهم. فهم وحدهم المفسدون برفاقهم وكفرهم ولكن لا يشعر لا يدرون ان هذا افساد بل يعتقدونه اصلاحا. واليوم اصحاب الشهوات واصحاب المطامع الخبيثة دون ان يحولوا المسلمين الى المذاهب الباطلة والى تعطيل الشريعة والى الجرائم وفساد الاخلاق ويقولون هذا اصلاح ويسمون نوى التمسك بالدين جفاء وتحجرا ورجعية وتأخرا الى اخر ما يقولون ما اشبه الليلة بالبارحة يريدون ان الحكم بما انزل الله الى الحكم بالقانون ويقولون هذا اصلاح يريدون ان يخلعوا الحجاب عن النساء ويتركونهن مسافرات في الشوارع ويتولين اعمال الرجال ويسافرن الى اي محل ويقولون هذا اصلاح هذا رقي وتقدم هذا التحضر وهذا عمل الامم الراقية. اما ان تعالجوا هذا الامر فهذا هو الافساد بزعمهم. هذا هو نفسه الذي ذكره الله وان المنافقين في هذه السورة وفي قوله فكيف اذا اصابتهم مصيبة بما قدمت ايديهم ثم جاءوك يحلفون ان اردنا الا احسانا وتوفيقا. وهؤلاء الذين يقولون هذه المقالات لا نهم منافقون. لانهم يظهرون ويخفون في قلوبهم محاربة الله. نسأل الله العافية. قوله تعالى واذا قيل لهم امنوا كما امنوا الناس امنوا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم كايمان الصحابة رضي الله عنهم سماهم الله الناس لانهم هم الناس حقيقة يسمون الصحابة السفهاء لماذا؟ لانهم امنوا والتزموا بدين الله يصلون ويصومون ويحجبون نساءهم ويحجبون نسائهم ويتجنبون الحرام والربا والغش في المعاملات ويتجنبون الاحتيال والمكر والخديعة والمنافقون يقولون هؤلاء سفهاء والسفهاء جمع السفيه والسفيه هو ناقص العقل خفيف العقل من الشفاة وهي خفة العقل. فهم يصفون الصحابة بخفة العقل. لانهم ليس عندهم مكر وخديعة. ونفاق وتملق واحتيال على اوامر الله تعالى ونواهيه. فهؤلاء سفهاء عندهم قوله الا انهم هم السفهاء. حصر السفهاء منهم لانهم الذين ضروا انفسهم والسفيه هو الذي يضر نفسه فهؤلاء هم بروا انفسهم بالنفاق والخبيئة والمكر فايظة الذين امنوا بالله ورسوله وصلحوا واصلحوا ام الذين نهى افاقوا ولم يؤمنوا لا شك ان الذي لم يؤمن هو فالمنافقون هم السفهاء. قوله ولكن لا يعلمون. لان الله تعالى طمس على قلوبهم فلا يميزون بين الحق والباطل والسفاعة والرشد. يعتقدون الرشد سفاهة والسفاهة رشدا لان عقولهم مرضت وقلوبهم فسدت. فلا فلا تميز بين الحق والباطل هذه هي بعض صفاتهم. وقوله تعالى واذا لقوا الذين امنوا وقالوا امنا واذا خلوا الى شياطين قالوا انما كنا ثم ذكر تعالى من صفات المنافقين حين استعمال الوجهين فيأتون المؤمنين بوجه ويأتون الكفار بوجه واذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا اي يظهر صلوا وصاموا وعملوا الاعمال التي امر بها الاسلام يفعلون هذا في الظاهر من اجل خديات المؤمنين. واذا خلوا الى شياطين خلوا الى مردة الكفار والشيطان يوصف به يوصف به الجن ويوصف به الانس وشياطين الانس اشد ضررا بشياطينهم مردته الكفار من المشركين واليهود والنصارى اذا خلوا اليهم ولم يكن معهم احد من اهل الايمان صرحوا بالحقيقة قالوا انا معكم اي ما فارقناكم انا على عقيدتكم لكن خدعنا هؤلاء واظهرنا لهم الايمان استهزاء انما فنحن مستهزئون؟ مستهزئون باظهار ايماننا امامهم نسخر بهم ونستهزئ بهم ونخدعوهم وهم يصدقوننا. قوله تعالى الا الله يستهزئ بهم ان يستدرجهم ويمهلهم ويعطيهم شيئا من الخير خديعة لهم. ثم يحل بهم العقوبة الرادعة. هذا هو استهزاء بهم والاستهزاء من الصفات التي لا تطلق على الله الا في مقام المقابلة. فالله لا يوصف بالاستهزاء لكن يوصف بان سبحانه حكم ناد يوصل الجزاء الى من يستحق على وجه الله لا يشعر به. ومن ذلك ان المنافقين يعطون مما ارادوا في الدنيا من حقن دمائهم وحماية اموالهم لكن لهم العاقبة الوسيمة. كذلك في الاخرة يعطون شيئا من النور في ثم يسلب منهم فيصبحون في ظلمة كما قال تعالى يوم يقول المنافقون والمنافقات امنوا انظرونا نقتبس من نوركم. قيل ارجعوا ورائكم فالتمسوا نورا. ينطفئ نورا والعياذ بالله ولهذا يقول المؤمنون ربنا اتمم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شيء قدير اذا انطفى نور المنافقين خاف المؤمنون فدا وربهم باتمام نورهم. قوله ويمدهم في طغيانهم يستدرجون زيدهم فلا يعاجلهم بالعقوبة ولا يفضح امرهم. وذلك من اجل ان يستمروا النفاق ويستسيغوه. والطغيان هو الخروج عن الحق قوله يأبهون الا يهتدون ابدا والعامه هو الضلال الشديد والعياذ بالله. مصنفه حفظه الله تعالى ما انتظم اه من المعاني في الايات الثلاث المبدوءة بقوله تعالى واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض وهؤلاء هؤلاء الايات اشتملت على مقالات من مقالات المنافقين. ولا توصف المقالة بانها من مقالات المنافقين الا احد طريقين اولهما التحقق من ان المتكلم بها منافق ولا سبيل الى ذلك لان القطع بان احدا من الخلق منافق متعذر بعد انقطاع الوحي فانما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم من علمه منهم لخبر الله سبحانه وتعالى اليه. واما من بعده فانه لا يقطع بان اه احدا من الخلق منافق لخفاء ذلك وعدم العلم به. والطريق الثاني النقل المصدق في وصف هذه المقالة بانها من مقالات المنافقين. وذلك مما جاء في كلام الله او كلام رسوله صلى الله عليه وسلم فمثلا ما ذكره الله سبحانه وتعالى عنهم في قوله واذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون. فالذي يخالف الشريعة انه مصلح مقالته مقالة المنافقين لان هذه مقالة ذكرها الله عنهم. وما عدا ذلك فانه انه لا يوصف بانه من مقالات المنافقين. والمجازفة بالحكم على المقالات. دون بينة بانها من مقالات المنافقين يؤدي الى الخلل في الخلق في ابرام الاحكام المتعلقة بهم انا موسم الحج راجت رسالة صنفت القائلين بان وباء انفلونزا المتعلقة بالخنازير سينتشر بسبب الحج انها من مقالات المنافقين. وهذا من الجهل البالغ بالشريعة. فان هذه قالة لا نتحقق ان قائلها منافق ولا ذكرها الله سبحانه وتعالى من مقالات المنافقين. فحينئذ لا عليها بذلك. والانسان اذا رام ان يحكم على مقالة او على احد من الخلق فانه يحتاج الى الة عظيمة من العلم والفهم والادراك والاطلاع على حقائق الامور. اما مجرد الجريان خلاف العواطف الصرفة والانتهاض الى ذلك تحت دعوة نصرة المسلمين باقامة الحج فهذا لا يجدي على اهله شيئا المقصود ان تعلم ان القاعدة في مقالات المنافقين ان مردها الى العلم بان المتكلم منافق فهذا لا سبيل اليه بعد انقطاع الوحي او الاخذ عن ما جاء في القرآن والسنة من انه من مقالات المنافقين كهؤلاء الايات. فان من مقالاتهم انهم اذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض ونهوا عن النفاق زعموا انهم مصلحون والنفاق فساد في الارض. لانه يجر البلاء على الخلق فانما يحل البلاء بالناس اذا خالفوا امر الشريعة كما قال تعالى ظهر الفساد في البر والبعض بما كسبت ايدي الناس فالكفر والنفاق فساد في الارض ومع ذلك يدعي هؤلاء انهم مصلحون في الارض وانهم دعاة اصلاح وهذا من انتكاس الفطر كما قال المصنف حفظه الله وقد اخبر الله عز وجل عن حقيقة هؤلاء واضرابهم الذين يدعون الى مخالفة الشريعة فكل يروج لها فيها خلاف المجمع عليه من احكام الشريعة فهي منسوبة الى النفاق وان زعم الاصلاح ولابد ان تكون مجمعا عليه. اما ما اختلف فيه فليس من هذه البابة. وانما مولد الامر ما كان مجمعا عليه فاذا دعا الداعي الى خلاف الشريعة ونسبه الى الاصلاح فان مقالته اقالة اهل النفاق فان الاصلاح لا يكون الا في حكم الشريعة. ولذلك قال الله عز وجل الا انهم هم المفسدون. وذكر الضمير بعد انهم مع امكان الاستغناء عنه للدلالة على الحصر. فيشبه ان يكون سياق الكلام مثلا الا انهم المفسدون. لكن ادراج الظمير لارادة الحصر كما هو معلوم عند اهله المعاني. وهذه الدعوة الخبيثة لا تزال في الامة قديما وحديثا كما ذكر المصنف عن بعض من يدعو الى خلاف الشريعة في الحكم بما انزل الله او احوال الخلق في اجتماعهم او في تعليمهم او في ثقافتهم فكل هذه المقالات التي تروج كلها من المقالات التي تنسب الى النفاق وان سميت اصلاحا بشرط ان تكون مخالفة خلافا قطعيا لما امرت به الشريعة. ثم ذكر مقالة اخرى من مقالاتهم وهي انهم اذا قيل لهم كما امن الناس اي اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا انؤمن كما امن السفهاء فهم سموا اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سفهاء بالتزامهم بدين الله عز وجل والسفه هو نقص العقل. فجعلوا الالتزام بحكم الشرع نقصا في العقل. لانهم هم منطوون على خلاف ذلك في اسس انفسهم خبث واغمار مخالفة الشريعة فاكذبهم الله عز وجل وحصر السباهة فيهم فقال الا انهم هم السفهاء السفهاء حقيقة وناقص العقل هم الذين يخالفون امر الشريعة ولا يلتزمونها ولكن هؤلاء المنافقين لا يعلمون فليس لهم ادراك يميزون به بين الحق والباطل. وقد نفى الله سبحانه وتعالى عن منافقين في هؤلاء الايات مرتبتين من مراتب الادراك احداهما الشعور والثانية العلم. فلا هم يعلمون وهو ادراك به ولا هم يشعرون وهم ادنى الادراك وذلك دال على نقص عقولهم ثم ذكر مقالة ثالثة عنهم وهي قوله تعالى واذا لقوا الذين امنوا قالوا امنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم فهم اذا لقوا اهل الايمان ادعوا الايمان واظهروه واذا خلوا الى شياطينهم الذين يأمرونهم بالكفر من رؤسائهم فانهم يتبرأون من ذلك ويقولون ان معكم يعني انا معكم مقيمون على الكفر الذي يبطنونه وهم انما يظهرون الايمان استهزاء كما قالوا عن انفسهم انما نحن مستهزئون اي فيما نفعله من اظهار الايمان. فعاقبهم الله وتعالى بمثل عملهم فان الجزاء من جنس العمل فقال الله يستهزئ بهم اي يستدرجهم ويمهلهم خديعة لهم ثم يحل بهم العقوبة الرادعة لهم وهذا هو الاستهزاء بهم. والصفات من حيث هي ثلاثة اقسام تامة القسم الاول صفات الكمال المحضة ومن ذلك صفات الله سبحانه وتعالى. فان صفات ربنا عز وجل كمال محض كما قال تعالى ولله المثل الاعلى اي الوصف الاعلى كما قال ابن عباس واختاره ابن القيم. والثاني صفات النقص المحضة وهذه لا تنسب ابدا الى الله سبحانه وتعالى. وهي حظ الاراذل والساقطين من الخلق والثالث الصفات التي تكون كمالا من وجه ونقص التي كمالا من وجه ونقصا من وجه اخر. فتكون ممدوحة تارة ومزمومة تارة اخرى فهي تمدح اذا كانت في حق مستحق لها وتذم اذا كانت في حق غير مستحق لها كالاستهزاء والخديعة والمكر والكيد والمماحلة وما كان من هذا الجنس من صفات الله سبحانه وتعالى فمتعلقه الكمال دون النقص فالله عز وجل لا يستهزئ ولا يخادع ولا يكيد ولا يماحن الا من كان مستحقا لذلك وهذا كمال منهما في هذه الاية. ومن الاستهزاء بالمنافقين ما يعرض لهم في الاخرة. فان الله سبحانه تعالى يتبدى لهم مع المؤمنين ثم يأمرهم بالسجود فيسجد المؤمنون واما المنافقون هنا فان ظهورهم تبقى طبقا واحدا لا يستطيعون ان يقعوا ساجدين. ثم يلقي عليهم الله سبحانه وتعالى الظلمة. فيكون للمؤمنين انوار يهتدون بها الى الصراط المستقيم. واما المنافقون فلا نور لهم وحينئذ يقولون للذين امنوا انظرونا نقتبس من نوركم اي نهتدي بانواركم الى الصراط المستقيم فلا يكون لهم نور يهتدون به الى الصراط ويقعون في جهنم ولا على الصراط وهذا من جملة استهزاء الله عز وجل بهم ومن عقوبتهم ايضا المذكورة في هذه الاية قوله تعالى ويمد في طغيانهم يعمهون اي يستدرجهم ويزيدهم تماديا فلا يعاجلهم بالعقوبة مع طغيانهم اي خروجهم على الحق لان الطغيان اصله الخروج والازدياد من ذلك. وهؤلاء خارجون عن الحق بائعون في ذلك ووصفهم كما قال الله عز وجل يعمهون. والعمة هو التحير والضلال الشديد. فهم متحيرون ضالون في طغيانهم وذلك يجعلهم متمادين فيه دائمين عليه. نعم. احسن الله اليك. ثم ذكر لي هؤلاء المنافقين مثلا لتوضيح حالهم السامع المثل الاول ذكره بقوله مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما ما حوله ذهب الله بنورهم شبههم بمن كان في صحراء مظلمة فاستوقدوا نارا يعني اوقدوا النار او طلبوا من المؤمنين نارا فاوقدوها وانتفعوا بها في اول الامر. فلما حوله ورأى ما حوله وتبصر. انطفأت المعروف وفجأة ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون. وهذا من استهزاء الله سبحانه وتعالى بهم الثاني مثل نسائنا اصابه صيب اي مطر فيه ظلمات ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر فهو واقع في ظلمات ان هذا مثل المنافقين هم في ظلمات ظلمة الكفر وظلمة النفاق وظلمة الشك وظلمات كثيرة وهذا هو المراد بقوله او كصيد من السماء يعني بالسماء السحاب في ظلمات ورعد وبرق يزال اصابعهم في اذانهم الصواعق فيه روج شديدة وفيه برق شديد فهم وقعوا في رعب شديد ظلمات لا يبصرون معها ورعد شديد عاصف يخشون ان يصعقهم والعياذ بالله وبرق شديد خاطب يخطف ابصارهم. قوله تعالى ويخطفوا ابصارهم يعني وقفوا لانهم لا يبصرون. هذا مثل المنافقين جاءوا من الاسلام خير عاجل تمسكا به. وان اصابته فتنة او اصابه وضوء او ومحنة فانه يتوقف ويشك في الاسلام. فمعنى قوله واذا اظلم عليهم قاموا اذا حصل لهم محن وشدائد وامتحان من الله عز وجل فانهم يشكون في هذا الاسلام ويقولون هذا ما جاءنا بخير فمثلهم كمثل الذي اصابه الصيب في الليل واذا انقطع البرق وقف فانه لا يدري اين يذهب هؤلاء مثلهم؟ اذا جاءهم من الاسلام خير استمروا فيه كما في قوله تعالى ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير ونطلعن به وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة فمدعي الايمان لابد ان يمتحن في هذه الدنيا ليظهر صدق ايمانه من كذبه. ينقلب على عقبيه ويكفر. فالمنافق واما الصادق الايمان واما الصادق والايمان فهذا ثابت ان اصابه خير شكر. وان اصابه ضر صبر. هذا هو المؤمن واما المنافق فهو بالعكس. ان اصابه خير الاطمئنان وان اصابته فتنة كفر بالله والعياذ بالله وظهر ما عنده من المكنون ظهر النفاق الذي في قلبه والله سبحانه وانزل في المنافقين كثيرا من الايات انزل فيهم سورة التوبة التي تسمى الفاضحة لانها فضحة وسورة اذا المنافقون اضافة الى مجاعة في سورة النساء وال عمران والعنكبوت وغيرها وكثير من ايات القرآن فيها حال المنافقين وذلك لخطرهم على المسلمين. ولاجل ان يحذرهم المسلمون وما اكثرهم لا كثرهم الله يعيشون بيننا ويبثون سمومهم وشرهم وهم اناس من بني جدتنا ويتكلمون بالسنتنا وهم يتسمون الاسلام وبالايمان نسأل الله العافية. ذكر المصنف حفظه الله ان الاية المذكورة في صدر سورة البقرة مما يتعلق بالمنافقين قد ختمت بمثلين اثنين فالمثل الاول ذكره الله بقوله مثلهم كمثل الذي استوقد نارا. وهذا مثل ناري لهم والمثل الثاني ذكره الله سبحانه وتعالى بقوله او كصيد من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق الاية وهذا مثل مائي. فالمثلان المضروبان للمنافقين في صدر سورة البقرة احدهما مائي الاخر ناري فاما المثل الاول فهو المذكور في قوله مثلهم كمثل الذي استوقد نارا الاية فشبههم كان في ظلماء شديدة واوقد نارا يستضيء بها. فلما اضاءت ورأى ما حوله وتبصر انطفأت تلك النار وذهب نورها وهذا هو حال المنافقين. فانهم امنوا ثم كفروا فطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون كما اخبر الله عز وجل عنهم في سورة المنافقين فقال ذلك بانهم امنوا ثم كفروا وضع على قلوبهم فهم لا يفقهون فكان لهم نور الا انهم اضاعوه فضرب عليهم الظلام وحجب عنهم الايمان واما المثل المائي فذكره الله عز وجل بقوله او كصيد من السماء اي كمطر من السماء فيه ظلمات وهذه الظلمات انواع منها ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة المطر وربما جمعت اليها ظلمة الريح ايضا وهذا حال المنافقين فانه في ظلمات بعضها فوق بعض فهم في ظلمة الشك وظلمة النفاق وظلمة الكفر وظلمة التحيل والتردد وغيرها من ظلماتهم. فحالهم كحال من اصابه المطر وفيه الرعود برق الشديد فيقع في قلوبهم رعب منه فيضعون اصابعهم في اذانهم لئلا يسمعوا ما يخوفهم من الصواعق والرعود كاد البرق يخطف ابصارهم وحالهم كلما اضاء لهم البرق مشوا ينظرون في طريقهم بضوئه واذا اظلم قاموا لانهم لا يبصرون. وهذا حال المنافق. فانه اذا جاءه ما يسره في الاسلام فاصابته حسنة تمسك بها وفرح وان اصابته فتنة او اصابه محنة فانه يشك في ما امن به وسلم له فهو متحير متردد بين ذلك كما اخبر الله عز وجل عن حالهم بخلاف المؤمنين الصادقين في ايمانهم فانهم ان اصابهم خير شكروا وان اصابهم ضر صبروا وهذا حال المؤمن ولا يكون ذلك الاله كما في حديث صهيب في صحيح مسلم ثم ختم المصنف حفظه الله ببيان ان الله انزل في المنافقين كثيرا من الايات بل جعل الله عز وجل فيهم سورتين عظيمتين احداهما سورة التوبة وتسمى سورة الفاضحة وتسمى ايضا في سورة المنافقون الكبرى والاخرى سورة المنافقون تسمى بسورة المنافقون الصغرى فان سورة توبة افاض الله عز وجل فيها في ذكر احوالهم وصفاتهم ودعاويهم. وكذلك في سورة المنافقين في سورة المنافقون ذكر الله عز وجل اخبارهم واحوالهم وما هم عليه. واما المتفرق في القرآن الكريم من ذلك فهو كثير وللعلامة عبد الرحمن الدوسري رحمه الله تعالى كتاب نافع في النفاق بناه على التفسير الموضوعي وقد تتبع كثيرا من ايات النفاق في القرآن وبين معانيها في هذا الكتاب المفرد. نعم. احسن الله اليكم. الدرس الرابع الاسلام العام في القرآن اولا معنى الاسلام الاسلام يراد به ما يقابل الشرك والكفر والاديان الباطلة. فاذا قيل دين الاسلام فالمراد بما يقال قبل الاديان الاخرى الباطلة وتعريفه في اللغة الانقياد يقال اسلم واستسلم اذا قاد وفي الشرع هو الاستسلام لله بالتوحيد ومن وبالطاعات والخروص من الشرك واهله. فان المسلم لا يجمع بين الاستسلام لله ولغيره. ولهذا من استسلم لله ولغيره فهو مشرك ومن ابى ان يستسلم لله فهو مستكبر. قال الله تعالى بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن. فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. هذا هو الاسلام. الاخلاص لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة. والبراءة من الشرك يعني اهل الشرك فيبغضهم ويعاديهم لله عز وجل فهو بهذا التعريف يشمل جميع دين الرسل عليهم الصلاة والسلام فالرسل كلهم على دين الاسلام كلهم مستسلمون لله بالتوحيد المنقادون له بالطاعة مخلصون له العبادة متجنبون للشرك ومعادون لاهله فكلهم مسلمون ودينهم هو الاسلام وان اختلفت شرائعهم فان الاسلام هو الانقياد لله بعبادته حسب ما شرعه في كل وقت والشرائع وان اختلفت حسب رحمة الله وحسب مصالح العباد الا انها كلها لله عز وجل وكلها من تشريعه. ولهذا وصف الله تعالى نوحا بان او مسلم فقال تعالى الله فعل الله توكلت فاجمعوا امركم وشركاءكم ثم لا يكن امركم عليكم امة ثم اقضوا الي ولا تنضرون فما سألتكم من اجر ان اجري الا على الله اي المستسلمين لله والمنقادين له بالطاعة وقال ان ابراهيم عليه السلام والسلام ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين وحكى عنه عن إسماعيل عليهما السلام انهما قالا ربنا وجعلنا مسلمين لك من ذريتنا امة مسلمة لك. وارنا مناسكنا وتب علينا. انك انت التواب الرحيم وحكى عن يعقوب عليه السلام وانه قال يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن انا لله وانتم مسلمون. اي مخلصون لهم عبادة منقادون له بالطاعة. وحكى موسى عليه الصلاة والسلام انه قال يا قوم كنتم امنتم بالله فعليه توكلوا ان كنتم مسلمين. اي من الله عز وجل موحدين لله مخلصين له العبادة. وقال عن بني اسرائيل لما ذكر التوراة يحكم بها النبيون اسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله اسلموا وانقادوا لله اذا بمعناه العام يطلق ويراد به دين جميع الانبياء عليهم الصلاة والسلام. وان اختلفت شرائعهم فالاسلام هو عبادة والله ما شرع في كل وقت بحسابه فعبادة الله بشريعة التوراة وعبادة الله بشريعة الانجيل وعبادة الله بكل شريعة شرعها لانبيائه كل هذا اسلام وانما تعددت الشرائع. كما قال تعالى ومنهاجا لكن اذا نسخ شيء من هذه الشرائع فان المنسوخ لا يجوز العمل به ومن امن به لا يكون مسلما وانما مسلما اذا امن بالناسخ لان العبد مأمور ومنهي وهو يتبع ما امر الله به بالامتثال وما نهى عنه بالاجتناب هذا هو العبد اما الذي يتبع هواه ويتبع رغبته ويتعصب لما هو عليه او عليه اباؤه وان كان في الاصل مشروعا ثم نسخ فهذا لا يكون عبدا لله ولا يكون مسلما فانه انه اذا نسخ انتهى الامل به فمن بقي على الدين المنسوخ انه يكون غير مسلم بل لا بد ينتقي لابد لابد ان ينتقل الى الدين الناسخ. خذ مثلا لذلك كانت الصلاة في اول الى بيت المقدس وكان النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون يستقبلون بيت المقدس بامر الله وفعلهم هذا اسلام فلما القبلة وحولت الى الكعبة صار حكم الاسلام هو التوجه صار حكم الاسلام هو التوجه الى الكعبة فمن بقي متوجها الى بيته المقدس لم يكن مسلما بعد النسخ. قال تعالى وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من اتبعوا الرسول ممن ينقلب على عقبيه فالدين اتباع للرسول صلى الله عليه وسلم وليس هو تعصبا للهوى ولا لهذا لما نسخت القبلة كان اناس يصلون العصر الى بيت المقدس على الاصل فجاءهم مخبر فاخبرهم ان القبلة حولت الى الكعبة المشرفة فاستداروا وهم في الصلاة فكان اول الصلاة الى بيت المقدس واخر الصلاة الى الكعبة لانهم صلوا اول الصلاة الى بيت بناء على الاصل حيث لم يبلغهم حيث لم يبلغهم حيث لم يبلغهم خبر تغيير القبلة ولما بلغهم الخبر انقادوا وتحولوا الى الكعبة وهم في الصلاة ولو استمروا بعد الخبر الى بيت المقدس بطلت صلاتهم. هذا هو الاستسلام والانقياد لله جل وعلا فالله جل وعلا يشرع في كل وقت ما تقتضيه المصلحة لعباده تبعا لحكمته سبحانه وتعالى وعليهم الامتثال لان السعادة كلها السعادة باتباع ما امر الله تعالى به. فالمسلم يدور حيثما دار شرع الله سبحانه وتعالى. اما الذي يتبع هواه ويتبع رغبته فهذا عبد لهوى وليس عبدا لله سبحانه وتعالى كما قال تعالى افرأيت من اتخذ الهه هواه واضله على علم عقد المصنف حفظه الله درسا رابعا في هذا الكتاب. يبين فيه حقيقة الاسلام وابتدأ ذلك بالاعلام بمعنى الاسلام العام. فان الاسلام يقع في الشرع على معنيين احدهما عامر خاص وقد ابتدأ المصنف ببيان المعنى العام. والاسلام مبناه في لسان العرب على قياد يقال اسلم واستسلم اذا انقاد لغيره. واما في الشرع فالاسلام بمعناه العام هو الاستسلام بالتوحيد والانقياد له بالطاعة. ثم ان تتمة هذه الجملة يختلف وفيها المعبرون عنها فمنهم من يقول والخلوص من الشرك واهله ومنهم من يقول والبراءة من الشرك واهله. والعبارة الثانية هي الاكمل لان لفظ البراءة ادل على مفاصلة اهل الشرك وهو اللفظ الوارد في والسنة ومنهم من يجمع بينهما فيقول والخلوص والبراءة من الشرك. وهذا احسن ممن يقتصر على مجرد الخلوص والاكمل الاقتصار على لفظ القرآن والسنة فيقال والبراءة من الشرك واهله فالاسلام مبناه على الاستسلام لله عز وجل باخلاص الدين له توحيدا القيادي له بالطاعة والبراءة من الشرك واهله فيبغضهم ويعاديهم. وهو بهذا المعنى دين لجميع الانبياء فان الانبياء كلهم على دين الاسلام. ودين الانبياء واحد وليست اديان الانبياء متعددة وما يجري على لسان بعض اهل العلم ومنهم المصنف كما سيأتي في مقام متقدم من قولهم اديان سماوية خلاف الدليل وهذا لفظ راجى على المتأخرين. يوهم تصحيح جميع الاديان وانها ترجع الى اصل واحد والشرع لم يجعل الدين الا واحدا. كما ثبت في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الانبياء لعلات دينهم واحد وامهاتهم شتى. والاخوة لعلات هم الاخوة الذين يجتمعون في واحد ويتفرقون في امهاتهم. فالانبياء لهم دين واحد يجمعهم. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم دينه واحد وامهاتهم شتى اي من جهة الشرائع. فكل نبي له شريعة امر بها يتعبد الله عز وجل هو اتباعه له بذلك. فدين الانبياء جميعا هو دين واحد هو دين الاسلام على المعنى الذي تقدم قد جاء في القرآن الكريم في ايات عدة وصف جماعة من الانبياء بذلك كما ذكره المصنف عن وصف نوح وابراهيم واسماعيل ويعقوب وموسى عليهم الصلاة والسلام. بل وصف الله عز وجل به المؤمن من بني اسرائيل فقال يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا بل وصف الله عز وجل بها النبيون من بني اسرائيل انبياء بني اسرائيل كانوا كثيرين فاذا مات نبي قام نبي كما ثبت في حديث ابي هريرة في صحيح البخاري فهؤلاء الانبياء كلهم مسلمون وهم يأمرون اتباعهم بالاسلام والانقياد لله سبحانه وتعالى. فدين الله عز وجل واحد هو الاسلام وانما تختلف الشرائع كما قال تعالى لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا. والله سبحانه وتعالى ينسخ الشريعة المتقدمة بما يشاء من الشريعة المتأخرة والمسلم حقا هو الذي يأخذ بامر الله سبحانه وتعالى المتأخر. فان الناس في الشرائع السابقة كانوا يستقبلون بيت المقدس. وفعلهم هذا اسلام لكن لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم وصار في المدينة استقبل بيت المقدس برهة ثم امر باستقبال اي الكعبة فيكون حينئذ الاسلام هو استقبال الكعبة المشرفة لا استقبال بيت المقدس والله عز وجل يشرع في كل وقت ما يصلح به الناس. فان الله عز وجل درج الخلق الى كمال الدين في الشرائع. حتى اكمل لهم بهذا الدين كما قال الله عز وجل اليوم اكملت لكم دينكم. وليس المراد به مجرد دين محمد صلى الله عليه وسلم بل الدين الذي الله الخلق به فانه كان لا يزال يتدرج شيئا فشيئا حتى بلغ الكمال فيما انزله على نبيه محمد صلى الله عليه لم نعم. احسن الله اليك. هذا هو اصل الاسلام وهو دين جميع الانبياء عليهم الصلاة والسلام ثم لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم صار الاسلام هو ما جاء به ونسخت الاديان السابقة فالاسلام ناسخ لما قبل فمن بقي على اليهودية او النصرانية فانه يكون كافرا. لانه بقي على دين قد مسخ وقد امر الناس جميعا باتباع هذا الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الشرائع الاسلامية فلا يجوز لليهود ان يبقوا على اليهودية ولا يجوز للنصارى ان يبقوا على النصرانية ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعي لان الله اخذ الميثاق على الرسل وعلى الانبياء جميعا اذا بعث محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم احد موجود ان يتبعه قال تعالى واذا خلا الله ميثاق النبيين لما اتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق ما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال اقررتم واخذتم على ذلكم اصري قررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين. فمن تولى بعد ذلك فاولئك تهم الفاسقون افغير دين الله يبغون وله اسلم من في السماوات والارض طواه وكرها واليه يرجعون ولذلك اذا نزل المسجد عليه الصلاة والسلام قبل قيام الساعة يكون تابعا لمحمد صلى الله عليه وسلم يحكم بشريعة الاسلام وبعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب على جميع الثقلين الانس والجن اتباعه الى ان تقوم الساعة فمن بقي على دين غير دين محمد صلى الله عليه وسلم فانه يكون كافرا وان كان الذي عليه مشروعا في الاصل لانه قد نسخ وامر الناس باتباع هذا الرسول صلى الله عليه وسلم قل يا ايها الناس اني رسول الله وانكم جميعا الذي له ملك السماوات والارض. ولهذا كاتب النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه من الاسلام فكتب الى كسرى وكتب الى قيصرى وغيرهم. وكان يقول لاحد اسلم تسلم يؤتيك الله اجرك مرة فان توليت فانما عليك اثما اريسين. يعني تتحملون اثام من تبعكم من الفلاحين ومن العامة. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده لا يسمع به احد من هذه الامة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بي الا دخل النار. وبهذا يثقل هذا الهراء الذي يطمطمون به الان من القول بحرية الاعتقاد او الاديان فهذا القول كفر والعياذ بالله فليس هناك الا اتباع هذا الرسول صلى الله عليه وسلم لا نجاة الا وكذلك ما يلفقونه من الحوار والتقارب بين الاديان وهذا كلام باطل والعياذ بالله وكيف يحاور بين من باطل منسوخ ودين حق وهو دين الاسلام. يحاور بين الكفر والاسلام او يسوى بين الكفر والاسلام. ويقال ليبيا سماوية نعم فكانت في الاصل السماوية لكن بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم تحول الامر الى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فمن بقي على دين غير الدين الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فانه كافر مباح الدم يجب قتاله حتى يدخل في الاسلام او يدفع جزية ان كان من اهل الكتاب او المجوس صاغرا منقادا للاسلام هذا هو الاسلام بمعناه العام وبمعناه الخاص الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم لما ذكر المصنف رحمه الله تعالى المعنى العام للاسلام اتبعه بالمعنى الخاص له في الشرع فالاسلام في الشرع معنى خاص يراد به الدين الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم. ويقال في حجه شرعا استسلام الباطن لله تعبدا له بالشرع المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. على من مراقبة او المشاهدة. استسلام الباطن والظاهر لله تعبدا له بالشرع المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم على مقام المشاهدة او المراقبة. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم صار هذا هو دين الاسلام ونسخ ما تقدمه من اديان الانبياء وامر الخلق جميعا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والمسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام اذا نزل في اخر الزمان فانه يكون تابعا حكم الاسلام متعبدا بالشريعة التي انزلت على محمد صلى الله عليه وسلم لا بالدين الذي امر به لما بعث في بني اسرائيل وهذا الدين الكامل وهو دين الاسلام لا يقبل الله سبحانه وتعالى بعد بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من احد دينا سواه. وقد جعله الله عز وجل دينا للخلق جميعا. فالنبي صلى الله عليه وسلم رسول للخلق جميعا الجن والانس. ومن تولى وكفر فانه في الاخرة من الخاسرين ولا يقبل الله عز وجل غيره. وبه يعلم ان الدعاوى المخالفة ان الدعاوى المخالفة لهذا باطلة. فان الدين بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم دين واحد وهو ما جاء به صلى الله عليه وسلم فليس لاحد ان يدين بدين سواه. والمقالات المخالفة لهذا كالدعوة المسماة بحرية او حرية الاديان او الحوار والتقارب بين الاديان كله مما يخالف هذا الاصل العظيم ولا يساوي شيئا وهذه الاديان التي عليها الناس اليوم مما يسمى بالاديان السماوية لا حقيقة لها. فان الدين المحض الان هو الدين الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم. واديان الانبياء مردها الى دين سماوي واحد فليست الاديان اديانا سماوية متعددة. بل الدين السماوي واحد ولكن الشرائع مختلفة. كما تقدم تقريره نعم. احسن الله اليك. ثانيا اركان الاسلام هذا الاسلام الذي جاء به الرسول صلى الله عليه عليه وسلم ينبني على اركان هي دعائمه وكذلك ينبغي على قربات وطاعات مكملة لهذه الاركان فكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الامر والنهي فانه هو الاسلام. لكن هناك اشياء هي دعائم للاسلام للاسلام هي دعائم للاسلام واركان انه بينها حديث جبريل عليه السلام لما جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال اخبرني عن الاسلام قال الاسلام ان تشهد اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ان استطعت اليه سبيلا ففسر الاسلام بهذه الاركان لان الاسلام يقوم عليها كما يقوم بنا وعلى اركانه وعلى دعائمه. وليست هي الاسلام كله وليس هي الاسلام كله انما هي دعائمه والاسلام كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. من الاوامر والنواهي والدليل على حديث ابن عمر رضي الله عنهما وفيه يقول صلى الله عليه وسلم بني الاسلام على خمس شهادة ان لا اله الا الله ان محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة والحج وصوم رمضان. فقوله بني يدل على ان هذه الخمسة فهي الداعمة التي بني عليها وقام عليها وحديث وحديث ابن عمر هذا مفسر لحديث عمر في قصة جبريل عليه السلام وهم بين ان هذه الامور التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل انما هي اركان الاسلام ومبانيه وهناك شرائع مكملة لهذه المباني هذا يقول صلى الله عليه وسلم المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده فكل الطاعات سواء كانت واجبة ام مستحبة ومن الاسلام وتجنب كل المحرمات التي نهى الله عنها هو من الاسلام. فترك الزنا والسرقة وشرب الخمر واكل الربا والغيبة فترك الزنا والسرقة وشرب الخمر واكل الربا والغيبة والنميمة وكل ما نهى الله عنه تركه هو الاسلام لكن هذه الخمسة هي وما زادنا فانه يكون متمما ومكملا لها. لما بين المصنف ان للاسلام معنى خاصا هو الدين الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم قرر هنا ان هذا الدين له اركان فان النبي صلى الله عليه وسلم بعث بجمل مستكثرة من الامر والنهي. وكلها يشملها اسم الشرائع. كما جاء في حديث عبد الله ابن مسلم عند الترمذي وابن ماجة واحمد بسند حسن ان رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم ان شرائع الاسلام قد كثرت علي فكل ما امر به او نهي عنه فهو من شرائع الاسلام. الا ان شرائع الاسلام نوعان. النوع الاول شرائع هي اركان له والثاني والثاني شرائع ليست اركانا له. فمن الاول ما جاء في حديث ابن عمر بني الاسلام على خمس فالشرائع التي هي اركان هي المذكورات في حديث ابن عمر شهادة ان لا اله الا الله محمدا رسول الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة والحج وصوم رمضان. فهذه هي الاركان الخمسة من شرائع الاسلام وهي دعائم الدين ووراء ذلك شرائع هي من جملة الدين لكنها ليست اركانا. والفرق بين الاركان وبقية الشرائع ان الاركان هي مباني الاسلام العظام فاعظم شرائع الاسلام ام هي هذه الاركان والفرق الثاني ان الاركان منها ما يكون تركه كفرا ومنها ما لا يكون تركه كفرا بخلاف الشرائع التي دون ذلك. فان ترك شيء منها لا يكون كفرا. واما كانوا الاسلام فمن ترك الشهادتين فهو كافر اجماعا ومن ترك الصلاة فهو كافر على القول الصحيح فهذا فرق من وجهين بين اركان الاسلام وبقية شرائع الدين. نعم. احسن الله اليكم وهذه الاركان الخمسة تذكرها الله في القرآن في ايات كثيرة اما الركن الاول وهو الشهادتان فهذا كثير في القرآن كل الآيات التي تأمر بالتوحيد وتنهى عن الشرك فإنها في تحقيق الركن الأول وكل الآيات التي توجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم اتباعه وتثبت رسالته فانها تدخل ايضا في تحقيق الركن الاول من ذلك قوله تعالى يا ايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم وقوله تعالى والهكم اله واحد الا هو الرحمن الرحيم. وقوله تعالى فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. الى غير ذلك من الايات التي تأمر بعبادة الله وتنهى عن الاشراك به. ومن الايات التي تدل على شهادة ان محمدا رسول الله. قوله تعالى وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فهي تثبت بالمعجزة. رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. وقوله تعالى لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. وقوله تعالى يا ايها النبي قوله تعالى يا ايها الرسول وقوله تعالى ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وقوله تعالى محمد رسول الله وقوله تعالى تلك آيات الله عليك بالحق وانك لمن المرسلين. وقوله تعالى يا ايها المزمل. وقوله يا ايها كلها خطابات للرسول صلى الله عليه وسلم. وفيها اثبات رسالته عليه الصلاة والسلام. وكذا ما ارسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن اصحاب الجحيم وقوله تعالى ما ارسلنا اليكم رسولا شاهدا عليكم يعني محمدا صلى الله عليه وسلم فقوله تعالى وكذلك هل معكم امة وسطا؟ لتكونوا شهداء على الناس. ويكون الرسول عليكم شهيدا. وقوله تعالى عصمك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيرا كل هذه الايات يا اسبات رسالة للنبي صلى الله عليه وسلم كذلك الامر بطاعته من يطع الرسول فقد اطاع الله وقوله تعالى اطيعوا الرسول لعلكم ترحمون. وقوله تعالى وان تطيعوه تهتدوا ما على الرسول الا البلاء المبين. فهذه الايات وغيرها في الاول بجزئي شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله فالايات التي تأمر الله وحده لا شريك له معناها شهادة ان لا اله الا الله والايات التي تثبت رسالة محمد صلى الله عليه فتأمر باتباعه والاقتداء به هي في شهادة ان محمدا رسول الله هذا هو الركن الاول وهو اصل الدين واساسه تقوم عليه الدين كله لا يقوم الاسلام ولا الايمان الا اذا تحقق الركن الاول شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله وهذا الركن مكث النبي صلى الله عليه وسلم يدعو اليه في مكة ثلاث عشرة سنة بعد البعثة بعد ان بين المصنف حفظه الله ان اركان الاسلام خمسة شرع يبينها تفصيلا واحدا واحدا وابتدأ بالركن الاول وهو الشهادتان والمراد بالشهادتين الشهادة لله بالالوهية والعبادة والشهادة بمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة. فان الشهادة تقع على معنى او من هذا في خطاب الشرع لكن الشهادة التي هي ركن من اركان الاسلام شهادتان احداهما شهادة لله تقتضي ان يكون هو المعبود المألوف والاخرى شهادة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو محمد تقتضي ان يكون مرسلا مطاعا يجب اتباعه والاقتداء به. والايات في هاتين الشهادتين كثيرة وقد ذكر طرفا منها والسمط الحاوي لها جميعا ان كل اية تأمر بالتوحيد وتنهى عن الشرك فهي بشهادة لله عز وجل. وكل اية توجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه وتنهى عن مخالفته وتحذر من ذلك فهي في الشهادة له صلى الله عليه وسلم بالرسالة وهذا الركن الاول هو اصل الدين واساسه ولا يقوم الدين الا به. وقد اتفق اهل العلم على ان تاركه كافر ليس بمسلمين. ولعظمته فان النبي صلى الله عليه وسلم كانت غالب دعوته في مكة تتعلق بتجريد هذا الاصل. نعم. احسن الله اليكم. الركن الثاني من اركان الاسلام الصلاة فقد فرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج قبيل الهجرة من مكة الى المدينة. لما اسري به الى بيت المقدس وعرج به الى السماء اي صعد بالنبي صلى الله عليه وسلم بروحه وجسده يقظة لا مناما الى السماء الى ربه عز وجل ففرض الله عليه الصلوات الخمس فوق سبع سماوات وقد ذكر الله الصلاة في القرآن في ايات كثيرة فتارة يأمر باقامتها كقوله تعالى واقيموا الصلاة وتارة يأمر بالمحافظة عليها كقوله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وتارة يتوعد المضيعين لها كقوله قال فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون. وقوله تعالى فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا. وتارة يخبر عن مصير المضيعين للصلاة كقوله تعالى ما سلككم في سقر اي النار قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع كنا نكذب بيوم الدين حتى اتانا اليقين فذكر اول ما اجابوا انهم لا يصلون قالوا لم نك من المصلين وبين النبي صلى الله عليه وسلم ان الصلاة هي عمود الدين من حفظها فقد حفظ دينه ومن ضيعها فقد ضيع دينه واول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من امور دينه السلام فان قبلت قبل سائر عمله وان ردت رد سائر عمله وقد تردد ذكر الصلاة في قرآن وتنوع في ايات كثيرة لان عمود الاسلام وهي الفارقة بين المسلم والكافر قال صلى الله عليه وسلم بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. وقال عليه الصلاة والسلام العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر فلا دين لمن لا صلاة له وقال وقال تعالى واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر فذكر في الصلاة فائدتين عظيمتين. الاولى انها تنهى صاحب عن الفحشاء والمنكر. فالذي على الصلاة يتجنب الفحشاء والمنكر. الثانية ان فيها ذكر الله سبحانه وتعالى. ان فيها ذكر الله سبحانه وتعالى الا ولذكر الله اكبر فالصلاة ذكر لله عز وجل والصلاة ايضا يستعان بها على الشدائد قال تعالى والذين امنوا استعينوا بالصبر والصلاة ان الله مع الصابرين. وقال تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة اسفلها لكبيرة الا على الخاشعين الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وانهم لله راجعون وقال تعالى في شأننا قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ثم ختم بقوله والذين هم على صلواتهم يحافظون اولئك هم الوارثون الذين يرثوا هنا الفردوس هم فيها خالدون. هذه هي الصلاة. الركن الثاني من اركان الاسلام وذكرها في القرآن كثير. حتى ان الله وتعالى علق عصبة الدم والمآل بإقامة الصلاة. قال تعالى فإذا انسلخ الأشهر الحرم فقتلوا حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد. فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا وقال في الاية الاخرى واتوا الزكاة فاخوانكم في الدين فلو تابوا وشهدوا وان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ولم يقيموا الصلاة فانهم لا يخلى سبيلهم. بل يقاتلون ليقيموا الصلاة الزكاة لان الزكاة قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل. ذكر المصنف حفظه الله الركن الثاني من اركان الاسلام وهو الصلاة. فاخبر ان الصلاة فرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج قبيل الهجرة بيسير فاسري به الى بيت المقدس ثم عرج به الى السماء بروحه وجسده يقظة لا مناما وفرض الله وعز وجل عليه الصلوات عليه الصلوات الخمسة فوق سبع سماوات. والصلاة قد ذكرت في القرآن على انحاء متعددة تارة بالامر باقامتها وتارة بالامر بالمحافظة عليها وتارة بذكر جزاء المحافظين عليها وتارة بذكر وعيد المضيعين لها وتارة بالاخبار عن مصيرهم. وبين النبي صلى الله عليه وسلم عظمتها في احاديث عدة منها ما ذكره المصنف من معان وردت في بعض الاحاديث وفيها ضعف ان الصلاة هي عمود الدين فهذه قطعة من حديث معاذ الطويل عند الترمذي واسناده منقطع. وروي من وجوه لا تخلو من ضعف. وذكر اخرى من حفظها فقد حفظ دينه ومن ضيعها فقد ضيع دينه. وانها اول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من امور وانها ان قبلت قبل سائر عمله وان ردت رد سائر عمله والاحاديث المروية في ذلك التي اشار اليها المعلق في هامش الكتاب ضعيفة لا تصح. ومن مبلغ عظمتها ان الصلاة فارقة بين المسلم والكافر كما في الصحيح ان النبي صلى الله عليه وسلم قال بين الرجل وبين الشرك الشرك والكفر ترك الصلاة وقال العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. رواه الترمذي وغيره واسناده صحيح. وقوله صلى الله عليه وسلم بين وبين الكفر والشرك ترك الصلاة يراد به الكفر الاكبر المخرج عن الملة. فان الكفر اذا حلي هل كان دالا على الاكبر؟ لانه دال على كمال جميع افراده وكمال جميع الافراد انما يكون في الحقيقة الكبرى للشيء وهي ها هنا الكفر الاكبر المخرج عن الملة. فكل كفر او شرك حلي بالمر به الاكبر كما ذكر ذلك ابو العباس ابن تيمية الحفيد في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم ثم ذكر من ادلة القرآن في الصلاة قوله تعالى واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر فذكر ان في صلاة فائدتين عظيمتين الاولى نهيها عن الفحشاء والمنكر. والثانية ان فيها ذكرا لله سبحانه وتعالى. ثم ذكر ان الصلاة يستعان بها الشدائد كما في قوله تعالى يا ايها الذين امنوا استعينوا بالصبر والصلاة وقوله واستعينوا بالصبر والصلاة. ثم ذكر اية اخرى في فضلها من اجلها ان الصلاة علقت بها عصمة الدم والمال في المآل فان عصمة العبد نوعان اثنان النوع الاول عصمة الحال والنوع الثاني عصمة المآل. فاما عصمة الحال فتقع بالشهادة. فاذا شهد الانسان ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله فقد ثبتت له عصمة الحال. فحينئذ يحرم ماله ودمه توقف عنه واما عصمة المآل فانها لا تتحقق للعبد الا اذا التزم بما يجب عليه من حق الاسلام ومن ذلك اقامة الصلاة المذكورة في هذه الآيات. فمن اقام الصلاة ثبتت له عصمة المآل. واما من لم يصل فانه قد زالت عنه هذه العصمة وصار كافرا. نعم. احسن الله اليك. الركن الثالث الزكاة وقد فرضت في الساعة الثانية من الهجرة بعث النبي صلى الله عليه وسلم السعاة في جباية الزكاة وقد تكرر ذكرها في القرآن وكلما ذكرت الصلاة في الغالب ذكرت في جانب من الزكاة قال تعالى واقيموا الصلاة واتوا الزكاة وقال تعالى الا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم. والحق المعلوم هو الزكاة قال تعالى انما الصدقات اي الزكاة للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل. لما اوجبها على عبادي بين مصارفها تأكيدا بشأننا وقال تعالى خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلي عليهم ان صلاتك سكن لهم وقال قال خذ من اموال ولم يقل خذ اموالهم لان الزكاة حد محدود من المال لا يضر باصحاب الاموال انما يعود عليهم بالنفع والبركة ولهذا قال تطهرهم وتزكيهم بها فهي تعود عليهم بالطهارة والنماء في اموالهم وفي في اعمالهم وحسناتهم ويتكرر ذكر الزكاة في القرآن تارة مقرونة مع الصلاة وهو الغالب وتارة تأتي وحدها مما يدل على اهميتها ولما ملأ قوم دفع الزكاة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم ابو بكر الصديق رضي الله عنه ومعه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فان الزكاة حق والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. ذكر المصنف هنا الركن الثالث من اركان الاسلام وهو الزكاة. فبين ان الزكاة فرضت في السنة الثانية مع من الهجرة وبعث النبي صلى الله عليه وسلم السعاة لجباية الزكاة. والمراد بالسعاة من يرسله ولي الامر جمع الزكاة فانه يسمى ساعيا. وقد تكرر ذكر الزكاة في القرآن على انحاء مختلفة من اكثرها قرنها بالصلاة. فان الصلاة والزكاة تقعان مقرونتين في كثير من الاية وموجب ذلك ما سبق ذكره وهو ان الصلاة احسان من العبد الى نفسه والزكاة احسان منه الى غيره فالانفاق ومن جملته الزكاة يحسن فيه العبد الى غيره. وقد بين الله عز وجل الا الزكاة في اية التوبة في قوله انما الصدقات للفقراء والمساكين الاية فتولى الله سبحانه وتعالى قسمتها بنفسه تعظيما لها. وامر النبي صلى الله عليه وسلم ان يلاحظ منفعة الناس فيها ولا يشق عليهم. فقال له خذ من اموالهم ومن للتبعيض فيؤمر ولي الامر ان يأخذ من اموال الناس ما يكون صدقة وزكاة تطهر به هذه الاموال وتزكو. ولا يجوز له ان يستغرق جميع مالهم فيأخذ فيأخذه كما انه لا يأخذ اطيب مالهم واكرمه عليهم. وانما يأخذ الوسط المعتدل بين طرفين وهذا الاخذ المراد به تطهيرة اموالهم وتزكية نفوسهم. ثم ختم المصنف بما فعله ابو بكر رضي الله عنه لما منع قوم الزكاة فقاتلهم هو ومن معه من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وانما قاتل ابو بكر من منع الزكاة وان لم يرتد عن دين الاسلام لانهم تركوا شعيرة ظاهرة من شعائر الاسلام ولم يدفعوا الزكاة الى ولي الامر. فهم يرون ان الزكاة لا تدفع اليه ويتركون دفعها اليه فله ان يقاتلهم على ذلك. واذا تركوها زاعمين انها من الاسلام لكن لا تكون واجبة عليهم ولا يلتزمون بها فانهم يكفرون بذلك لا بد ان يلتزموا بهذه الشعيرة ولا يكفيهم اعتقاد وجوبها فلو قال الانسان الصلاة واجبة ثم لم يصلي لم يكن ذلك مبقيا له على الاسلام. نعم الركن الرابع الصيام وكان فرضه في السنة الثانية للهجرة وهو مذكور في ايات كثيرة. قال تعالى يا ايها الذين من كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون. الى قوله تعالى شهر الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر الله صيام رمضان المقيم الصحيح واما قضاء في حق المسافر او المريض فلا بد من صيام رمضان على المسلم البالغ العاقل لانه ركن من اركان الاسلام واثنى الله على الصائمين في ايات مثل قوله تعالى في سورة الاحزاب ان المسلمين والمسلمات الى قوله الصائمات فجعل من جملة صفات المؤمنين الصيام. ذكر المصنف حفظه الله الركن الرابع من اركان الاسلام وهو الصيام والمراد به صيام رمضان وليس مطلق الصيام. فان الله عز وجل امر الخلق بالصيام ولم في قوله تعالى كتب عليكم الصيام ثم عينه في الايات التالية لها فقال شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن الاية محل الصيام الذي هو ركن هو صيام رمضان دون غيره فاوجب الله عز وجل صيام رمضان على المسلمين وجعله ركنا من اركانه وقد اثنى الله عز وجل على الصائمين في ايات عديدة والثناء عليهم مبين مدح فان الثناء على العامل يدل على مدح العمل وانه مأمور به فكل عامل ذكر ممدوحا انت عمله ممدوح مأمور به ومن جملة ذلك الصيام. نعم. الركن خامس الحج وتأخر فرضه كالسند التاسعة من الهجرة ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة لوجود المشركين الذين يطوفون بالبيت عراة وارسل لكن الصديق وارسل ابا بكر الصديق رضي الله عنه يحج بالناس وارسل بعده علي ابن ابي طالب رضي الله عنه ينادي في الناس بصدر والا يحج بعد الان مشركون ولا يطوف بالبيت عريان. فلما تطهر البيت من المشركين والعراة حج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة حجة الوداع التي لم يمكث بعدها في الدنيا الا اقل من ثلاثة اشهر حتى لحق بالرفيق الاعلى صلى الله عليه وسلم وجزاه عن امتي افضل ما جزى نبيا عن امته. وقد انزل الله تعالى في شأن الحج قوله تعالى الا ولله يا للناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. وهذا يقتضي الوجوب وان الحج حق لله سبحانه وتعالى على المستقيم من الناس وقوله وقوله اي الزاد والمركوب الذي يوصل ويبلغه الى مكة اما الذي لا يستطيع لكونه فقيرا ليس عنده زاد او عنده زاد لكن ليس عنده ما يركبه من وسائل النقل ويبلغه. فهذا معذور في المبادرة لاداء الحج ويبقى في ذمة لا نستطيع كذلك المريض اذا لم يستطع بدنيا ويرجى شفاؤه فان الله ايضا ينتظر اما اذا اما اذا كان مرضه مزمنا ولا تستطيع او كان كبيرا هرما لا يستطيع السفر للحج. فهذا يوكل من يحج فهذا يوكل من يحج عنه. لان الحج تدخله. نيابة عن العاجز لا يستطيع لمرض مزمن او لكبر. اما الذي لا يستطيع لادم وجود المال فهذا لا يجب عليه الحج واما الذي يستطيع ان ولا يستطيع بدنيا فهذا ان كان اذا كان فانه ينتظر وان كان لا يرجى زوال المانع فانه يوكل ولهذا لما جاءت امرأة الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ان ابي ادركته فريضة الله على عباده في الحج وهو حريم لا يستطيع الثبات الراحلة افا حج عنه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحجي عنه ولا ولما كان الحج يؤتى اليه من بعيد في الاغلب وفي مشقة واخطار جعله الله في العمر مرة واحدة تيسيرا على الناس وما زاد فهو تطوع اما الصلاة فانها تتكرر في اليوم والليل والليلة خمس مرات وهذا يدل على عظمتها وقدرها عند الله سبحانه وتعالى والزكاة تجب مرة عند تمام السنة لتمام الحول وكذلك الصيام الواجب فيه صيام شهر من اثني عشر شهرا من السنة وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى. ثم ان هذه الاركان منها ما هو والنيابة كالصلاة والصيام ومنهما هو مالي كالزكاة ومنها ما هو مرتب من الامرين بدني ومالي وهو الحج لان الحج يتكون استطاعة المالية والاستطاعة البدنية فهذه اركان الاسلام كما جاءت في القرآن الكريم. ختم المصنف حفظه الله الله ببيان الركن الخامس من اركان الاسلام وهو الحج. فان الحج ركن من اركان الاسلام. وقد فرض في اصح قولي اهل العلم في السنة التاسعة من الهجرة فان من اهل العلم من يقول انه فرض قبل ذلك في السنة السادسة والصحيح انه لم يفرض الا في السنة التاسعة من الهجرة وهذا قول جمهور اهل العلم واختاره ابو العباس ابن تيمية وتلميذه ابن القيم فلما فرض الحج على النبي صلى الله عليه وسلم وكان في البيت ما كان لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم حتى طهر البيت من الاصنام ومن مظاهر الجاهلية ونهى عن ذلك فلما تطهر البيت من كل ما يخالف حج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة حجة الوداع. والاية المتضمنة لفرض والامر به قوله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا. وهذا يقتضي الوجوب. لان على في خطاب الشرع موضوعة للدلالة على ذلك. كما ذكره ابن القيم في بدائع الفوائد والصنعاني في شرح منظومته في اصوله الفقه وقد جعل فرض الحج مشروطا بالاستطاعة والاستطاعة هي الزاد والراحلة وقد رويت في ذلك احاديث ضعيفة لكن اهل العلم على ذلك كما نقله عنهم ابو عيسى الترمذي في كتاب الجامع فالسبيل عند اهل اهل العلم الزاد والراحلة فاذا كان للانسان زاد يتبلغ به وراحلة يركبها على انواع الرواحل والمركوبات المختلفة فانه حينئذ يجب عليه ان يحج. اما من تخلفت استطاعته لمرض في بدنه او في ماله فهذا لا يجب عليه الحج لكن من كان لا يستطيع لاجل ضعف بدنه مع وجود المال فانه اذا كان لا يرجو زوال المانع يوكل غيره واما ان كان يرجو زوال المانع فانه ويتأخروا حتى يرتفع هذا المانع او يتبين له الامر فيوكل غيره. ثم ذكر المصنف السر في ترتيب اركان الاسلام على هذا النحو فان الحج جعل فرضا في العمر مرة واحدة تيسيرا على الناس لان فسيأتون في الاغلب اليه من بعيد وما زاد فهو تطوع. اما الصلاة فانها تتكرر في اليوم والليلة حيث كان الانسان ووجد. وذلك دال على عظمتها واما الزكاة فانما تجب مرة عند تمام الحول اي السنة وكذلك الصيام انما يجب ان يصوم شهرا واحدا هو شهر رمظان وهذا من تيسير الاسلام. ثم ذكر المصنف ان اركان الاسلام متنوعة باعتباره ما تتركب منه فمنها ما هو بدني لا تدخله النيابة كالصلاة والصيام ومنها ما هو مالي كالزكاة ومنها ما هو مركب من الامرين بدني وهو الحج. نعم. احسن الله اليك. قد بينت السنة ما اجمله القرآن الكريم من هذه الاركان. القرآن ذكر الصلاة وبينه من غير تفصيل. قال تعالى ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا. فقال تعالى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والارض وعشيا وحين تظهرون فهذا بيان مجمل للاوقات ثم جاءت السنة فبينته قال الصلوات الخمس على التفصيل بينت ان صلاة الفجر يبدأ وقتها بطلوع الفجر الصادق وان صلاة الظهر يبدأ وقتها بزوال شمس عن وسط السماء وان صلاة العصر اذا بلغ ظل الشيء مثله وان صلاة المغرب يبدأ وقتها بغروب الشمس وان صلاة العشاء يبدأ وقتها بمغيب الشفق الاحمر فجعل الله سبحانه وتعالى علامات المواقيت واضحة يعرفها كل احد المتعلم والعامي والحضري بدوي كذلك الصيام جعل الله علامة واضحة وهو الهلال. قال تعالى يسألونك عن الاهلة. قل هي مواقيت للناس والحج. وقال النبي صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته. هكذا دين الاسلام ولله الحمد. دين اليسر والسماحة والسهولة. ليس فيه اثار ولا يا اغلال وانما هو دين ميسر وكذلك كما ذكرنا فالله جل وعلا لم يذكر عدد الركعات وانما امر باقامة الصلاة مطلقا ولم اوقاتها ولم يبين اعداد الركعات. والنبي صلى الله عليه وسلم بين بفعله ان صلاة الفجر ركعتان. وان صلاة الظهر اربع ركعات وان صلاة العصر اربع ركعات وان صلاة المغرب ثلاث ركعات وان صلاة العشاء اربع ركعات هذا واما المسافر فيقصد رباعيته الى ركعتين هكذا اذا بينت السنة ما جاء في القرآن الكريم من امر الصلاة وكذلك في الزكاة فالله جل وعلا امر باعطاء الزكاة اجمالا ولم يبين الاموال التي يجب فيها فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم انها تجب في اربعة انواع بهيمة الانعام وعروض التجارة والحبوب والثمار والنقدان الذهب والفضة هذه هي الأموال التي تجب فيها الزكاة. ثم بين صلى الله عليه وسلم مقدار الواجب وانه ربع العشر. من الذهب والفضة. وبين انه من الذهب عشرون مثقال ومن الفضة مئة واربعون مثقالا وبين النصاب من الغنم ومن البقر ومن الابل اما اهل الزكاة فان الله جل وعلا لم يكل بيانه الى الرسول صلى الله عليه وسلم. وانما تولاه بنفسه. قال الله تعالى انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم. كذلك الصيام يقول الله جل وعلا وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم اتموا الصيام الى الليل هذا فيه اجمال والرسول صلى الله عليه وسلم فان المراد من الخيط الابيض ومن الاسود انه سواد الليل وبياض النهار. فاذا خرج النهار وهو البياض المعترض في الافق فانه يمسك الصائم. ولما سمع بعض الصحابة قوله تعالى حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود اخذ خيطين احدهما اسود والاخر ابيض ووضعهما عند رأسه وصار ينظر فيهما فلم يتبين له الا بعد ما اتضح النهار. فجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم واخبره فبين له النبي صلى الله عليه وسلم انه ليس هذا هو المقصود وما المقصود بياض النار وسواد الليل؟ وليس المراد خيوط المعهودة المعروفة هذا بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال واقبل الليل من ها هنا يعني من المشرق واذن النهار من ها هنا يعني من المغرب وغربت الشمس فقد افطر الصائم اي انتهى وقت الصيام حتى ولو لم يأكل ولو لم يشرب فانه انتهى وقت صيامه فاذا بقي بعد غروب الشمس لا يأكل ولا يشرب فهذا ليس بصيام ولا يثاب عليه لانه انتهى العبادة وانتهى وقت الصيام ولا يزاد على ما شرعه الله الا ما جاء في حق الوصال الى السحر فهذا شيء اخر وكذلك او في الحج جاء الامر به في القرآن مجملا من وجوه عديدة. كم مرة يجب في العمر بين النبي صلى الله عليه وسلم انه يجب مرة واحدة كيف يؤدى الحج بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بفعله؟ فقد حج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وقال لهم خذوا عني فبين صلى الله عليه وسلم ناسك الحج من طواف وسعي ووقوف بعرفة. وبين متى يبدأ الوقوف ومتى ينتهي والله جل وعلا يقول ثم افيضوا من حيث افاض الناس لكن لم يبين وقته والرسول صلى الله عليه وسلم بينه وكذلك المبيت بمزدلفة قال الله تعالى صلى الله عليه وسلم بين ذلك بان نزل بمزدلفة وصلى بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا ثم بات عليه الصلاة والسلام ثم صلى الفجر بغلس مبكرا ثم وقف يدعو حتى اسفر جدا ثم دفع الى منى بين كيف نذكر الله عند المسجد الحرام؟ فقال تعالى اتقوا الله في ايام معدودات. فمن تعجل في يومه فلا اثم عليه. يعني ايام التشريق والنبي صلى الله عليه وسلم بين ماذا يفعل في ايام التشريق النزول بمنى والمبيت بها ورمي الجمار وبين صلى الله عليه وسلم كيف يبدأ وكيف ينتهي وبكم ترمى الجمرات؟ وان ذلك بسبع حصيات. فبين صلى الله عليه وسلم البيان الشافي. ولهذا يقول العلماء ان السنة المطهرة مفسرة للقرآن ومبينة له وهي وحي من الله جل وعلا كما قال تعالى وما اتاكم الرسول وما نهاكم عنه فانتهوا. وقال تعالى وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم. وقال تعالى عليك الكتاب والحكمة والكتاب هو القرآن والحكمة هي السنة المطهرة. هذه اركان الاسلام الخمسة كما القرآن الكريم وكما بينتها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس الاسلام مقصورا عليها بني اركانه ولكن كل ما امر الله سبحانه وتعالى بفعله ففعله هو الاسلام وكل ما امر الله سبحانه وتعالى بتركه فاجتنابه وتركه هو الاسلام ويقول جل وعلا يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة السلم هو الاسلام اي اعملوا بكل شرائعه ولا يقتصر على باب شرائع الاسلام ويترك البعض. وقد هم قوم ان يأخذوا من بعض الاسلام ويترك البعض الاخر. فانزل الله فيهم هذه الاية يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين. لكن هذا حسب المقدرة لكن هذا حسب المقدرة والاستطاعة كما قال تعالى لا يكلف الله نفسا الا وسعها وهناك امور لابد منها وهي الاركان وهناك امور لا تكفيلا واجبا او تكميلا مستحبا. والتكميل واجب من تركه يأثم والتكميل مستحب من تركه لا يأثم. ولكن في ترك الواجب المستحب نقص في الاسلام بحسب ما ترك من الطاعات وما يرتكب من المحرمات والمكروهات فينقص اسلامه بذلك وكلما اكثر ومن الطاعات وتجنب المحرمات كمل الاسلام. لما فرغ المصنف من بيان اركان الاسلام الخمسة في القرآن قال نبه على امر عظيم وهو ان ذكر هذه الاركان جاء في القرآن مجملا وقد فصلته السنة انما اتفق وقوع هذا في شرائع الدين فجاء منها ما هو مجمل في القرآن ومبين في السنة لتحقيق الالتصاق وكمال الاتصال بين القرآن والسنة. فان الشرائع لو جاءت مفصلة في القرآن لتوهم من توهم ان المأمور باتباعه هو القرآن وحده وانه كاف عما سواه. لكن الله سبحانه وتعالى قدر بكمال حكمته وعلمه ان تأتي بعض الاحكام مقسومة في بيانها بين القرآن والسنة. ليعلم ان القرآن والسنة ملتصقين متصلين فكلاهما وحي من الله سبحانه وتعالى. كما قال تعالى وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى. وفي ذلك يقول العلامة حافظ للحكمي رحمه الله تعالى في وسيلة وفي اللؤلؤ المكنون قال فسنة النبي وحي ثاني عليهما قل اطلقا الوحيان ومن كمال ذلك ما ذكر انبا من تقسيم بيان الاحكام بين القرآن والسنة. ثم ختم المصنف بالانباه الى وجوب الالتزام بجميع شرائع الاسلام. كما قال تعالى يا ايها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة اي في شرائع الاسلام كلها وذكر ان هذه الاية نزلت في قوم هموا ان يأخذوا ببعض شرائع الاسلام ويتركوا بعضها فانزل الله هذه الاية روي في هذا حديث عن ابن عباس عند ابن ابي حاتم في تفسيره واسناده ضعيف. ثم جعل مسك الختام البيان بان شرائع الاسلام منها اركان لازمة وهي منها امور مكملة وراء الاركان. اما تحميلا على وجه الوجوب او تكميلا على وجه الاستحباب. فشرائع الاسلام متنوعة الدرجات مختلفة الانواع والمراتب وكلها مندرجة في اسم شرائع الاسلام. ولو قدر ان الانسان اتى بما يجب عليه من والشرائع الواجبة فان استكماله الدين مرهون بالاخذ بطرف من المستحبات كما انه اذا اصاب شيئا من المحرمات او المكروهات فانه ينقص اسلامه بقدر ما اصاب فينبغي ان يجتهد العبد في الاخذ بشرائع الاسلام كله وهذا يدل على اهمية العلم فان الانسان لا اطلاع له على شرائع الاسلام على اختلاف تفاصيلها الا بالعلم فان العلم يهديك الى طريق العبادة الذي تتعبد به الله سبحانه وتعالى فتطلع على ما يجب عليك وما يستحب وهذا اخر البيان على هذه الجملة ونكتفي بهذا القدر من الكتاب ونتمه باذن الله سبحانه وتعالى في مقام اخر رعاية للحال فان المقصود هو الانتفاع بما يقرأ وليس القصد الاصلي هو اكمال الكتاب كان بحمد الله دأبا لنا لكن الانسان ينبغي له ان يراعي الاحوال سواء فيما يتعلق بالوقت فان غدا درس يكون في الفجر اطول من اليوم لان غدا هو يوم الخميس والاشغال فيه معطلة عند الناس وهذا يقتضي ان يبكر الانسان في نومه كما ان نزول الغيث هذه الليلة جعله الله سقيا رحمة يوجب على علينا ان ننصرف مبكرين لان لا نقطع كما ان من الناس ربما جعل الغيث قاطعا له. ومن لطيف ما يذكر والامر كما قال بعضهم فيما رواه ابن في ادب الاملاء والاستماء انه قال الحكايات حبوب تصطاد بها القلوب. وقال سفيان ابن عيينة الحكايات جند من جند الله ومن الحكايات اللطيفة في هذا المقام ممن يجعل نزول المطر قاطعا ما ذكره العلامة محمد بهجة الاثري العراقي المتوفى استعصت بعد الاربعمائة والالف انه نزل على بغداد مطر كثير وكان يحظر درسا للعلامة محمود في المدرسة المرجانية ببغداد فظن ان الشيخ لا يأتي مع كثرة المطر فلما غدا من بكرة اليوم التالي ورآه الشيخ في مجلس الدرس ارتجز بيتي ابن فارس التي يقول فيها اذا كان يؤذيك حر المصيف ويبسي الخريف وبرد الشتاء ويلهيك حسن جمال الربيع فاخذك للعلم قل لي متى فمن الناس من يجعل المطر قاطعا يلتهي به وينصرف به عن العلم. ولو ان الانسان نظر الى حقيقة الامر لوجد ان غيث العلم اعظم من سواه كما قال البخاري لوراقه ابن حاتم لما رأى الناس منصرفين الى مزارعهم وبساتينهم ينظرون اليها فقال اذا رأيت الناس ذهبوا الى ذلك فاعلم انك تقيم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه وهذا من اعظم الاقامة التي تنزه فيها الارواح فينبغي ان يكون هذا حاملا للانسان على مزيد العناية بالعلم فان الاب قد اصابها غيثها وقلبك مفتقر الى غيثه واعظم غيث قلبك هو العلم وليس الفرجة والنظر في الامطار فينبغي على الانسان ان يحضر الدروس ويهتم بالعلم. وسيكون ان شاء الله تعالى درس غد في كتابه القصد السديد في شرح كتاب التوحيد للعلامة فيصل ابن مبارك