السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي صير الدين مراتب ودرجات. وجعل للعلم به اصولا ومهمة واشهد ان لا اله الا الله حقا واشهد ان محمدا عبده ورسوله صدقا. اللهم صل على محمد وعلى ال محمد كما صليت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى ال محمد كما باركت على ابراهيم وعلى ال ابراهيم انك حميد مجيد اما بعد فحدثني جماعة من الشيوخ وهو اول حديث سمعته منهم باسناد كل الى سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابي قابوس مولى عبدالله بن عمرو عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال الراحمون يرحمهم الرحمن. ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء ومن اكد الرحمة رحمة المعلمين بالمتعلمين في تلقينهم احكام الدين وترقيتهم في منازل اليقين ومن طرائق رحمتهم ايقافهم على مهمات العلم. باقراء اصول المتون وبيان مقاصدها الكلية ومع الاجمالية ليستفتح بذلك المبتدئون تلقيهم ويجد فيه المتوسطون ما يذكرهم ويطلع منه المنتهون الى تحقيق مسائل العلم وهذا المجلس الاول في شرح الكتاب الاول من برنامج مهمات العلم في سنته السابعة سبع وثلاثين اربع مئة والف وهو كتاب تعظيم العلم لمصنفه صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي. نعم بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين قلتم حفظكم الله في مصنفكم تعظيم العلم بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله ما عظمه معظم وسار اليه راغب متعلم واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة نبرأ بها من شرك الاشراك. فتوجب لنا النجاة من نار الهلاك واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. فبلغ رسالته واداها اسلم امانته وابداها انتصبت بدعوته اظهر الحجج. واندفعت ببيناته الشبهات فتولج فورثنا المحجة البيضاء والسنة الغراء. لا يتيم فيها ملتمس ولا يرد عنها مقتبس. صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه عدد من تعلم وعلم اما بعد فلم يزل العلم ارثا جليلا تتعاقب عليه الاماثل جيلا جيلا. ليس لطلاب المعالي هم سواه. ولا رغبة لهم في مطلوب عداه وكيف لا وبه تنال سعادة الدارين وطيب العيشين. هو شرف الوجود ونور والنجود حلية الاكابر ونزهة النواظر. من مال اليه نعم ومن جال به غنم ومن انقى سلم لو كان سلعة تباع لبذلت فيه الاموال العظام او صعد في السماء لسامت اليه نفوس الكرام. هو من المتاجر وفي المفاخر اشرفها اكرم المآثر مآثره واحمد الموارد موارده. فالسعيد من حض نفسه عليه وحث ركاب روحه اليه. والشقي من زهد فيه او زهد وابعد عنه او بعد. انفه باريج العلم مزكوم وختم القفا هذا عبد محروم. والعلم يدخل قلب كل موفق من غير بواب ولا استئذان ويرده المحروم من خذلانه. لا تشقنا اللهم بالحرمان وان مما يملأ النفس سرورا ويشرح الصدر ويمده نورا اقبال الخلق على مقاعد التعليم وتلمسهم صراطه المستقيم وادل دليل واصدقه تكاثر الدروس العلمية وتوالي الدورات التعليمية حلاوة في قلوب المؤمنين وشجا في حلوق الكفرة والمنافقين فالدروس معقودة والركب معكوفة والفوائد شارقة والنفوس فائقة. الاشياخ يمثلون درر العلم والتلامذة عقدة وان من الاحسان الى هذه الجموع الصاعدة والاجيال الواعدة ارشادها الى سر حيازة العلم الذي يضفرها بمأمولها ويبلغها مأمنها ما تنبه من الضياع في صحراء الاراء وظلماء الاهواء. واعمالا لهذا الاصل جمل الحديث ايها المؤمنون عن تعظيم العلم فان حظ العبد من العلم موقوف على حظ قلبه من تعظيمه واجلاله. فان امتلأ قلبه بتعظيم العلم واجلاله صلح ان يكون محلا له وبقدر نقصان هيبة العلم في القلب ينقص حظ العبد منه حتى يكون من القلوب قلب ليس فيه شيء من العلم فمن عظم العلم لاحت انواره عليه ووفدته رسل فنونه اليه. ولم يكن لهمته غاية الا تلقيه ولا لنفسه لذة الا الفكر فيه وكأن ابا محمد الدارمي الحافظ لمح هذا المعنى فختم كتاب العلم من سننه المسماة بالمسند الجامع بباب في عظام العلم واعوان شيء على الوصول الى اعظام العلم واجلاله معرفة معاقد تعظيمه وهي الاصول الجامعة المحققة لعظمة العلم في القلب فمن اخذ بها كان معظما للعلم مجلا له ومن ضيعها فلنفسه اضاع ولهواه اطاع. فلا يلومن ان فتر عني الا نفسه يداك اوكتا وفوك نفخ. ومن لا يكرم العلم لا يكرمه العلم. وسنأتي بالقادم باذن الله على عشرين مع عقيدا يعظم بها العلم من غير بسط لمباحثها فان المقام لا يحتمل والاتيان على غاية كل معقل يحتاج الى زمن المديد. والمراد هو التبصرة والتذكير وقليل يبقى خير من كثير يلقى في رفع. فخذ من هذه المعاقد بالنصيب الاكبر تنل الحظ الاوفر من رياض الفنون وحدائق العلوم واياك والاخلاد الى ما قالت قوم حجبت قلوبهم وضعفت نفوسهم فزعموا ان هذه الاحوال غلوا وتنطع وتشدد غير مقنع. فقد ضرب بينهم وبينها بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فليس مع هؤلاء على دعواهم من ادلة الشرع ما يصدقها ولا من شواهد الاقدار ما يوثقها وان انما هي عذر البليد وحجة العاجز. فاين الغلو والتنطع من شيء الوحي؟ شاهده والرعيل الاول سالكه فكل معقد منها ثابت باية محكمة او سنة مصدقة او اثار عن خير القرون الماضية. فاذا وثقت بصدقها وعقلت خبرا طه وخبرها فلا تقعد همتك بخطبة الكسل والتواني. تتسلل اليها وهي تجلجل. هذه احوال من مضى من سلف الامة وخير الورى. فاين الثرى من الثريا؟ بل من سمت نفسه الى مقاماتهم ادركها تشبهوا ان لم تكونوا مثلهم ان التشبه بالكرام فلاحوا. فاشهد قلبك هذه المعاقد وتدبر من قولها ومعقولها واستنبط منطوقها ومفهومها ومفهومها فالمباني خزائن المعاني ابتدأ المصنف وفقه الله كتابه بالبسملة والحمدلة والشهادة لله عز وجل بالوحدانية ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة وبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى اله وصحبه وهؤلاء الاربع من اداب التصنيف اتفاقا واكدها الاستفتاح بالبسملة فانها الواردة في السنة النبوية في مكاتباته ورسائله صلى الله عليه وسلم الى الملوك والتصانيف تجري مجراها وتلحق بها واكدوا هذه الاداب الاربعة هي البسملة تبعا للوالد في السنة النبوية وكان مما ذكره المصنف في الخطبة قوله وسار اليه راغب متعلم اي سار الى الله راغب متعلم والسير الى الله هو لزوم طريقه وهو سلوك الصراط المستقيم ذكره ابو الفرج ابن رجب بكتاب المحجة بسيل الدلجة فالجاري على لسان اهل العلم من قولهم السير الى الله يراد به سلوك الصراط المستقيم بالتزام دين الاسلام يراد به تلوك الصراط المستقيم بلزوم دين الاسلام ويكون السير اليه بتنقيل العبد قلبه في منازل العبودية لله ويكون السير فيه بتنقيل العبد قلبه في منازل العبودية لله فان الطريق اليه يقطع بالقلب لا بالبدن قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الفوائد تعلم ان العبد انما يقطع منازل السير الى الله بقلبه وهمته لا ببدنه تعلم ان العبد انما يقطع منازل السير الى الله بقلبه وهمته لا ببدنه انتهى كلامه ومما ذكره المصنف في الشهادة لله بالوحدانية قوله شهادة نبرأ بها من شرك الاشراك والشرك بفتح الراء وتسكن فيقال شرك وشرك وهي حبالة الصائد التي ينصبها لقنص الصيد وهي حبالة الصائب التي ينصبها لقنص الصيد والشرك حبالة من حبائل الشيطان والشرك قبالة من حبائل الشيطان التي ينصبها للناس بما يزين لهم من اقوال الشرك وافعاله حتى اذا علقوا بها اضعف توحيدهم لله او اخرجهم من الاسلام بالكلية ومما ذكره المصنف في الشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة قوله واندفعت ببيناته الشبهات واللجج بفتح اللام وهو التمادي في الخصومة واما اللجج بضم اللام فهو جمع لجة وهو الماء الذي لا يرى طرفاه لاتساعه وهو الماء الذي لا يرى طرفاه لاتساعه ثم ذكر المصنف فضل العلم في بيان جامع وكان مما ذكره فيه قوله ونور الاغوار والنجود اي منورهما والاغوار جمع غور وهو منخفض من الارض والنجود جمع نجد وهو ما ارتفع منها وغور جزيرة العرب تهامة وكل ما ارتفع عنها الى العراق يسمى نجدا وقول جزيرة العرب تهامة. وكل ما ارتفع عنها الى العراق يسمى نجدا. وقال ايضا في فضل العلم حلية الاكابر اي زينتهم فالحلية اسم لما يتزين به وهي نوعان احدهما الحلية الباطنة ومحلها القلب والاخر الحلية الظاهرة ومحلها البدن والعلم من الحلية الباطنة فمرده الى القلب وترى اثار تلك الزينة على البدن بما يكسوه صاحبه من الهيبة والخشوع والجلال. وقال المصنف في اثناء ذلك الدروس معقودة والركب معكوفة اي محبوسة فالعكف هو الحبس ومنه قوله تعالى ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون اي محتبسون عندها مقيمون عليها ولا يقال في وصف حركة الركبة عفوا وانما يقال ثني فطي الركبة يسمى ثنيا ولا يسمى عكفا ومنه قول زياد بن واصل السلمي يا نافثا شر الاحاديث الكذب يكفيك من اناخة تني الركب وقال المصنف ايضا في اثناء ذلك الاشياخ ينفرون درر العلم ان يستخرجونها ومنه قولهم نكل الرجل الكنانة وهي الوعاء الذي تجعل فيه سهام الرمي فاذا استخرج ما فيها من السهام قيل مثل الكنانة فالنفل هو الاستخراج ثم ذكر المصنف ان من الاحسان الى ملتمس العلم ارشادهم الى سر حيازته وهو تعظيم العلم واجلال فنيل ملتمس العلم بغيته منه مرهون بقدر تعظيمه له. فمن اجل العلم وعظمه اصاب منيته منه. ومن لم يعظم العلم منع منه وحجب عنه واعون شيء للوصول الى تعظيم العلم معرفة معاقد تعظيمه وهي الاصول الجامعة المحققة عظمة العلم في القلب وهي الاصول الجامعة المحققة عظمة العلم بالقلب فالمذكور في هذه الرسالة مما حواه اسم معاقل تعظيم العلم يراد به الاصول الموصدة شرعا لتوريث القلوب عظمة العلم اذا رعتها وقامت بها. وفي هذه الرسالة ذكر عشرين معقدا. من معاقد تعظيم العلم على وجه متوسط بين الايجاز والاطناب فقليل يلقى فينفع خير من كثير يلقى فيرفع فان العلم يمدح بالنفع والانتفاع لا ببسط القول والاتساع ومقصود الشريعة هو نفع الخلق بالحق وربما حال بينهم وبين ذلك تشقيق المباني فان تشقيق المباني يحول دون جياد المعاني وعلى الجمع بنيت الشريعة فان القرآن جاء جامعا بمئة سورة واربع عشرة سورة. واوتي نبينا صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم فالنافع من بيان الدين والعلم هو الجاري وفق ذلك من الحرص على جوامع البيان لا ببسط القول بما يجري به اللسان دون مراعاة لحظ ما يلقى من يلقى اليه الكلام من الانتفاع به وهذه الاصول العشرون وهذه الاصول العشرون الجامعة لتعظيم العلم هي مما بينت دلائله في القرآن والسنة. وجرى عليه سلف الامة وليست شيئا من مستحسنات العقول ومبتدعات الافكار وجهل الناس بها سيرها عندهم وغريبة وهجر العمل بشيء لا يوجب تركه اذا بان دليله من القرآن والسنة وجرى عليه عمل سلف الامة فان وهن هذه معاني في قلوب الناس منشأه من عدم المبالاة بما كان عليه الرعيل الاول من اقامة هذه المعاقد في قلوبهم وافعالهم واذا تغرغر القلب بحلاوة معاقل تعظيم العلم وامتلأ بها صلح ان يكون محلا للعلم وعظم انتفاعه به واذا قل حظ القلب من تعظيم العلم بجهله بمعاقد تعظيمه او تركه العمل بما يقتضي تعظيم العلم به مما ورد في الكتاب والسنة كان هذا من اعظم ما يحول بين العبد وبين الانتفاع العلم وليس المقصود بالعلم النافع هنا ادراك المسائل فانك ترى في الخافقين اقواما اخلوا بناموس تعظيم العلم وحازوا منه حظا وافرا لكن الذي يحجب عنه هؤلاء هو الفهم والعمل. فترى الرجل يؤتى علما كثيرا على تانيه لكنه لا ينور قلبه بحل المشكلات وفتح المغلقات ولا يكون لما تعلمه من العلم اثر عليه في العمل فينبغي ان يجتهد طالب العلم في اشراف قلبه على هذه المعاقد علما ثم يجتهد في اقامتها عملا ويصبر نفسه والناس من حوله على امتثال تلك المعاقد الواردة في الكتاب والسنة مما كان عليه سلف الامة نعم الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الاول تطهير وعاء العلم وهو القلب فان لكل مطلوب وعاء. وان وعاء العلم القلب وسخ الوعاء يعكره ويغير ما فيه. وبحسب بطهارة القلب يدخله العلم واذا ازدادت طهارة ما ازدادت قابليته للعلم. ومثل العلم في القلب كنور المصباح ان صفا زجاج شاعت انواره والا لطخته الاوساخ كسبت انواره فمن اراد حيازة العلم فليزين باطنه ويطهر قلبه من نجاسته. فالعلم جوهر لطيف لا يصلح الا قلبي النظيف وطهارة القلب ترجع الى اصلين عظيمين احدهما طهارته من نجاسة الشبهات والاخر طهارته من نجاسة الشهوات ولما لطهارة القلب من شأن عظيم امر بها النبي صلى الله عليه وسلم في اول ما امر في قوله تعالى في سورة المدثر وثيابك فطهره بقول من يفسر الثياب بالباطل وهو قول حسن له مأخذ صحيح. واذا كنت تستحي من نظر مخلوق مثلك الى وسخ ثوبك فاستحي من نظر الله الى قلبك وفيه احن وبلايا وذنوب وخطايا. قال مسلم بن الحجاج حدثنا عمرو الناقد قال حدثنا ابن هشام قال حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد الاصم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله لا ينظر الى صوركم وابوالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم واحذر كمائن نفسك اللاتي متى خرجت عليك كسرت كسر مهاني. من طهر قلبه فيه العلم حل. ومن لم يرفع منه نجاسته ودعه ودعه العلم وارتحل واذا تصفحت احوال طائفة من طلاب العلم في هذا المعقد رأيت خللا بينا. فاين تعظيم العلم من امرئ تغدو الشهوات والشبهات في قلبه وتروح تدعوه صورة محرمة وتستهويه مقالة مجرمة حشوه المنكرات والتلذذ بالمحرمات فيه غل وفساد وحسد وعناد ونفاق وشقاق. انى لهؤلاء وللعلم ما هم منه ولا هو اليهم. قال سهل ابن الله حرام على قلب ان يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله عز وجل ذكر المصنف وفقه الله المعقد الاول من معاقد تعظيم العلم. وهو تطهير وعاء العلم والمراد به المحل الذي يحفظ فيه العلم ثم ابان عنه بقوله وهو القلب فان لكل مطلوب وعاء وان وعاء العلم القلب. ثم ذكر ان القلب مع علمي يكون على حالين الحال الاولى ان يكون القلب طاهرا فينتفع بالعلم ويدخله ويزداد ويربو فيه لقابليته له والحال الثانية ان يكون القلب متلطخا من نجاسات القلبية فيحصل له من نقص دخول العلم فيه بقدر ما اصابه من نجاسة مذهبة كما لا النور وشبهه بنور المصباح فقال ومثل العلم في القلب كنور المصباح ان صفا زجاجه شعت انواره. والا لطخته الاوساخ كسفت انواره اي ذهبت فالكسوف هو ذهاب النور واصله في كلام العرب كسوف الشمس وهو ذهاب نورها او اكثره ثم ارشد ملتمس العلم الى الحال التي ينبغي ان يكون عليها فقال فمن اراد حيازة العلم فليزين باطنه يطهر قلبه من نجاسته اي ليكون وعاء العلم صالحا لحمله. وعلله بقوله في العلم جوهر لطيف لا يصلح الا للقلب النظيف العلم الطاهر النافع الذي ينفع العبد في الدنيا والاخرة لا يلامس القلوب الا اذا كانت ظاهرة فان العلم الواردة في الكتاب والسنة علم شريف طاهر ولا يتمكن في القلب حتى يكون القلب طاهرا. ثم ذكر ان طهارة القلب ترجع الى اصلين عظيمين. احدهما من نجاسة الشبهات والاخر طهارته من نجاسة الشهوات. فان هاتين النجا النجاستين تحفان بالقلب ولا يدرك العبد العلم الا بتطهير قلبه من هاتين النجاستين. ثم ما لطهارة القلب من شأن عظيم بان النبي صلى الله عليه وسلم قد بودر بالامر بها في اول ما انزل عليه في صدر سورة العلق في قوله تعالى وثيابك فطهر. في قول من يفسر الثياب بالباطن وهو قول حسن له مأخذ صحيح وقد ذكر ابو جعفر ابن جرير الطبري في تفسيره ان هذا هو قول اكثر السلف وينصره رعاية سياق الايات فان هذه الاية واقعة بين قوله تعالى وربك فكبر وقوله تعالى والرجزى فاهجر فالاية الاولى وربك فكبر في تعظيم الله واجلاله واكباره بتوحيده والاية الاخرى في التحذير من الشرك والامر باجتنابه فالمناسب بين هاتين الايتين ان يكون قوله تعالى وثيابك فطهر متعلقا بتطهير الاعمال وهذا معنى قول المصنف له مأخذ صحيح وهو مورد السياق القرآني على الوجه الذي بيناه واصول نجاسات القلب ثلاثة اولها نجاسة الشرك وتانيها نجاسة البدعة وثالثها نجاسة المعصية ذكره ابو عبد الله ابن القيم في كتاب الفوائد ثم قال واذا كنت تستحي من نظر مخلوق مثلك الى وسخ ثوبك فاستحي من نظر الله الى قلبك وفيه احن وبلايا وذنوب وخطايا ثم ذكر حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم. وفيه بيان محل نظر الله من العبد فان الله ينظر الى عبده في شيئين احدهما قلبه والاخر عمله فالتقوى مؤلفة من قلب نقي طاهر وعمل صالح ظاهر التقوى مؤلفة من قلب نقي طاهر وعمل صالح ظاهر. وبحسب كمال حال العبد في قلبه وعمله يكون كمال حاله عند ربه عز وجل. ثم ذكر قول ابن القيم في نونيته واحذر كمائن نفسك اللاتي متى فرضت عليك كسرت كسر مهان اي احذر دفائن نفسك المخبوءة فيها فانها متى خرجت عليك اي ان بعثت فيك كسرت كسر مهان اي علتك الذلة والمهانة بما احاطك من الاحوال الرديئة التي استولت عليك ثم ذكر من احوال طائفة من لا بالعلم ما يباين هذا المعقد ويناقضه ممن تغدو قلوبهم وتروح في الشهوات والشبهات وختم بقول سهل ابن عبد الله التستري رحمه الله حرام على قلب ان يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله. اي يمتنع على القلب ان يدخله النور من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وفيه شيء مما يكرهه الله فيحجب عنه النور لما في قلبه من المكروه الذي يأباه الله سبحانه وتعالى ولا يرضاه اصله في التنزيل قوله تعالى ساصرف عن اياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق قال سفيان بن عيينة في تفسير هذه الاية احرمهم فهم القرآن احرمهم فهم القرآن وقال محمد بن جعفر الفريابي رحمه الله امنع قلوبهم من التدبر في امري قلوبهم من التدبر في امري اي في كلامي وعوقبوا بهذا لما في قلوبهم من الكبر فانهم لما تكبروا عن الحق اذلهم الله بالجهل وعوقبوا بهذا لما في قلوبهم من الكبر فانهم لما تكبروا اذلهم الله بالجهل ذكره ابو الفداء ابن كثير في تفسيره والمقصود بالصرف عن الايات منع الانتفاع بها والفهم لها منع الانتفاع بها والفهم لها لا العجز عن حفظها للعجز عن حفظها فانه يوجد بالناس من يحفظ القرآن وقلبه محشو بما يكرهه الله من العقائد الفاسدة او العلائق الباطلة او القواطع المانعة. فالمراد من صرفه حرمان قلبه به الفهم والعمل فالمراد من صرفه حرمان قلبه الفهم والعمل. ذكره ابن الحاج المالكي في كتاب المدخل فجدير بطالب العلم ان يحرص على طهارة قلبه ليحوز من العلم بغيته ومنيته والناس يتفاوتون في العلم باعتبار بواطنهم اعظم من اعظم مما يتفاوتون فيه بقدرهم من حفظ وفهم فربما رأيت من يسبق بحفظه ويفوق في فهمه لكنه لا يدرك مرتبة من هو دونه في ذلك في العلم والفهم ما عليه قلب الاخر من حسن السريرة وكمال الاقبال على الله عز وجل والانس به. فيحصل له بهذا من بركة العلم فهما ونفعا وعملا ما لا يحصل لغيره واكثر الناس يشغلون بالقوة الظاهرة عن القوى الباطنة فتجد فينا معشرا طلاب العلم مكابدة الحفظ والفهم والقراءة والبحث ويقل فينا رعاية احوال قلوبنا بتخليصها من نجاسات الشهوات والشبهات واهمال رعاية ترقيتها في مقامات الكمال من اليقين بالله والتوكل عليه والانابة اليه فجدير بطالب العلم الراغب ان يزكوا علمه وينتفع به في العاجل والاجل ان يجعل لقلبه حظا وفيرا من رعايته بالنظر فيه مرة بعد مرة والرجوع اليه كرة بعد ليدفع عنه ما يعلق به من نجاسة شهوة او شبهة وطهارة قلبه هي مفتاح كمال علمه. نسأل الله عز وجل ان يطهر قلوبنا وان يرزقنا من العلم ما ينفعنا. نعم الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الثاني اخلاص النية فيه ان اخلاص الاعمال اساس قبولها وسلم اصولها. قال تعالى وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء وقال البخاري في الجامع المسند الصحيح ومسلم في المسند الصحيح واللفظ البخاري. قال حدثنا عبد الله بن مسلمة قال اخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن ابراهيم عن علقمة عن عمر رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الاعمال بالنية كل امرئ ما نوى وما سبق من سبق ولا وصل من وصل من السلف الصالحين الا بالاخلاص لله رب العالمين. قال ابو بكر وفي المروذي سمعت رجلا يقول لابي عبدالله يعني احمد بن حنبل وذكر له الصدق والاخلاص فقال ابو عبدالله بهذا ارتفع للقوم وانما فينال المرء العلم على قدر اخلاصه. والاخلاص في العلم يقوم على اربعة اصول بها تتحقق نية العلم للمتعلم اذا قضى الاول رفع الجهل عن نفسه بتعريفها ما عليها من عبوديات وايقافها على مقاصد الامر والنهي الثاني رفع الجهل عن الخلق بتعليمهم وارشادهم بما فيه صلاح دنياهم واخرتهم الثالث احياء العلم وحفظه من الضياع. الرابع العمل بالعلم. فالعلم شجرة والعمل ثمرة. وانما يراد العلم للعمل ولقد كان السلف رحمهم الله يخافون فوات الاخلاص في طلبهم العلم قلوبهم فهشام الدستوائي يقول والله ما استطيع ان اقول اني ذهبت يوما اطلب الحديث اريد به وجه الله عز وجل وسئل الامام احمد هل طلبت العلم لله؟ فقال لله عزيز ولكنه شيء حبب الي فطلبته. ومن ضيع صفاته علم كثير وخير وفير. وينبغي لقاصد السلامة ان يتفقد هذا الاصل وهو الاخلاص في اموره كلها دقيقها سرها وعلنها ويحمل على هذا التفقد شدة معالجة النية. قال سفيان الثوري ما عالجت شيئا اشد هي من نيتي لانها تتقلب علي. بل قال سليمان الهاشمي ربما احدث بحديث واحد ولي نية فاذا اتيت على بعضه تغيرت نيتي فاذا الحديث الواحد يحتاج الى نيات ذكر المصنف وفقه الله المعقد الثاني من معاقد اصول تعظيم العلم وهو اخلاص النية فيه حقيقة الاخلاص شرعا تصفية القلب من ارادة غير الله. تصفية القلب من ارادة غير الله. فمدار الاخلاص على امرين احدهما تصفية القلب وهي تخليته من كل شائبة تكدره. احدهما تصفية القلب وهي تخليته من كل شائبة ان تكدره والاخر تعلق تلك التصفية بارادة الله تعلق تلك التصفية بارادة الله. فلا يزاحمها بشيء كطلب محمدة او ثناء او منصب او رئاسة واشرت الى حقيقة الاخلاص بقول نضمن اخلاصنا لله صف القلب منه ارادة سواه فاحذر يا فطن اخلاصنا لله صفي القلب من ارادة سواه فاحذر يا فطن. وعلم المصنف طلب الاخلاص في اخذ العلم بقوله فان اخلاص الاعمال اساس قبولها وسلم اصولها. فالسبيل الاعظم لقبول الاعمال ووصولها الى الله عز وجل هو اخلاصها له ثم قال وما سبق من سبق ولا وصل من وصل من السلف الصالحين الا بالاخلاص لله رب العالمين ثم من شواهد احوالهم ما يدل على ما كانوا عليه في اخلاصهم ثم قال وانما ينال المرء العلم على قدر اخلاصه. فاذا عظم اخلاص العبد عظم علمه قال ابن عباس رضي الله عنهما انما يحفظ المرء على قدر نيته انما يحفظ المرء على قدر نيته. رواه ابن عساك وغيره. ثم ذكر المصنف ان الاخلاص في العلم يقوم على اربعة اصول بها تتحقق نية العلم للمتعلم اولها ان يقصد بالتعلم رفع الجهل عن نفسه بتعريفها بما عليها من العبوديات لله وامتثال الامن والنهي فيعرف مواقع الامر والنهي الواردة في الكتاب والسنة ثم يتبعها بالعمل بها. وثانيها رفع الجهل عن الخلق. بان يسعى في تعليمهم وارشادهم وهدايتهم الى الصراط المستقيم. وثالثها احياء العلم وحفظه من الضياع فيسعى في بثه حرصا على بقائه في المسلمين. لان لا ينسى ويطوى من الخلق. ورابعها العمل بالعلم فينوي عند اخذه العلم ان يكون عاملا به فعلى هؤلاء الاربع يقوم اصل نية العلم. فمن اراد ان يدرك النية المطلوبة شرعا في اخلاص العلم لله جمل به ان يحقق هؤلاء الاربع في قلبه في طلب العلم ليرفع الجهل عن نفسه وعن غيره ويحيي العلم في الناس حافظا له بين المسلمين مجتهدا في العمل به واشرت الى هؤلاء الاربع بقول ونية للعلم رفع الجهل عن ونية للعلم رفع الجهل عن ونية للعلم رفع الجهل عم ونية للعلم رفع الجهل عن عن نفسه فغيره من النسم عن نفسه فغيره من النسم وبعده التحصين للعلوم من وبعده التحصين للعلوم من ضياعها وعمل به زكن وبعده التحصين للعلوم من ضياعها وعمل به زكن والنسم جمع نسمة وهي النفس ومعنى زكن ثبت. ثم ذكر ما عليه السلف من تخوفهم فوات الاخلاص في اعمالهم لا انهم لم يحققوه فانهم كانوا يجتهدون في تحريه ثم يعظم خوف احدهم على نفسه الا يكون مخلصا لله في طلبه وذكر من اثارهم ما يدل على احوالهم ثم قال ومن ضيع الاخلاص فاته علم كثير وخير وفير وينبغي لقاصد السلامة ان يتفقد هذا الاصل وهو الاخلاص في اموره كلها دقيقها وجليلها سرها وعلنها ثم ذكر الداعي الى طلب تفقد الاخلاص في الاعمال فقال ويحمل على هذا التفقد شدة معالجة النية اي عظم ما يجده العبد من الشدة في اصلاح نيته اي عظم ما يجده العبد من الشدة في اصلاح نيته وتصفيتها بان تكون خالصة لله عز وجل وذكر قول سفيان الثوري ما عالجت اي ما كابدت بالمشقة شيئا اشد علي من نيتي. لانها تتقلب علي فان من احوال النية انها متقلبة اي متغيرة من حال الى حال لان محل النية اتفاقا القلب وهو لم يكسى اسم القلب الا لما يعتريه من القلب والتحويل قال الشاعر قد سمي القلب قلبا من تقلبه فاحذر على القلب من قلب وتحويل فلما كان محل النية وهو القلب متقلبا اثر تقلبه في تقلبها فالنية تتقلب بتقلب محلها وردها الى المأمور به شرعا يجد معه العبد مشقة وعناء ثم ذكر قول سليمان الهاشمي ربما احدث بحديث واحد ولينية اي ولي مقصد حسن مأمور به شرعا فاذا اتيت على بعضه تغيرت نيتي اي تحولت نيتي فاذا الحديث الواحد يحتاج الى نيات اي يحتاج العبد فيه الى رد نيته الى القصد الحسن مرة بعد مرة لما يعرض لها من تغير وهذا الامر الذي ارشد اليه سليمان الهاشم يسمى تصحيح النية يسمى تصحيح النية والمراد به رد النية الى المأمور به شرعا رد النية الى المأمور به شرعا اذا عرض لها ما يضعفها او يفسدها وقولنا رد النية الى المأمور به شرعا اي اعادتها الى القصد الملحوظ في الشرع اي اعادتها الى القصد الملحوظ في الشرع وقولنا اذا عرض لها ما يضعفها اي ما ينقلها من النية الحسنة الى الاباحة المجردة اي ما ينقلها من النية الحسنة الى الاباحة المجردة وقولنا او يفسدها اي ما ينقلها من النية الحسنة الى القصد السيء الفاسد اي ما ينقلها من النية الحسنة الى القصد السيء الفاسد فالنيات الصالحة تخرج عن طورها في قالبين احدهما قروجها من نية القربة خروجها من نية القربة والعبادة الى مجرد الاباحة والاخرى خروجها من القربة والعبادة الى القصور الفاسدة المحرمة شرعا والعبد مأمور ان تكون نيته في كل عمل وفق المأمور به شرعا من الاخلاص لله ثم يؤمر بعد ان يتعاهدها فانها ربما انفلتت بين يدي قلبه فانقلبت عن المراد الحسن الى مراد اخر. فتخرج تارة الى اباحة مجردة. وتخرج تارة الى لا نية فاسدة كاسدة فيجتهدوا في ردها كلما انفلتت الى الحال الممدوحة شرعا التي كانت عليها. وهذا شيء يستغرق حياة العبد فان العامل لله تعرض له من القواطع في النيات ما يحتاج معه الى المجاهدة مكابدا في ردها الى المأمور به شرعا. فكل لحظة مثلا من لحظات مجلسنا هذا في حق المعلم او المتعلم تكاد نيته ان تخرج من ارادته التي ابتدأ فيها بطلب القربة الى الله عز وجل الى قصد اخر فتخرج تارة الى اباحة مجردة كمن يثقل عليه العلم فيحدث نفسه بمجرد الجلوس لاجل تغيير الحال على بدنه بترويح نفسه واخراجها من التي كانت عليها من الشغل فيخرج من النية الصالحة الى قصد مباح. وربما وقع لاحدنا ما هو اشد من ذلك من ان ترجى نيته من القصد الحسن الى القصد الفاسد السيء شرعا كأن يزدان في عين المعلم الجمع الذي يراه فيرقب في كلامه رعاية ما يريدون ولا يرقب ما يريد الله سبحانه وتعالى او يزدان في عيني الم تعلم حال الجلوس على الكرسي على رؤوس الناس. فتهوا نفسه الى التعلق بالوصول الى هذا المقام. فيخرج المعلم والمتعلم من نيتهم الصالحة التي كانوا عليها الى نية فاسدة ومن وعى حال السلف وما كانوا عليه من مكابدة النية وتصحيحها والاشتغال بذلك البون الشاسع في تهوين هذا الامر في قلوبنا وشدة ما كانوا عليه من الحال. حتى يفضي بهم رعاية هذه الحال الى الازراء على انفسهم. والنظر بعين القلة الى اعمالهم. فلا يجدون فيها شيئا يجعلون به انفسهم في ديوان المتقين. حتى قال بعضهم لو اعلم ان الله تقبل مني ركعتين لقلت اني من اصحاب الجنة وقال اخر لو اعلم ان الله قبل مني عملا صالحا لم يكن شيء احب الي من الموت وهم لا يقولون هذا كما ذكر كما ذكر ابن القيم بفقدهم الاصلاح لفقدهم الاخلاص والاتباع في اعمالهم لكن انهم كانوا يخافون على اشد ما هو على ما هو اشد من ذلك من ان يكون عملهم الخالص المتبع فيه جاريا مع حظوظ انفسهم فهم يعملون عملا صالحا على وجه حسن لموافقته مرادات النفوس. وهذا باب عظيم من الفهم لاحوال القلوب. نعم الله اليكم قلتم حفظكم الله. المعقل الثالث جمع همة النفس عليه. فان شعث النفس اذا جمع على العلم التمأ التأم واجتمع واذا شغل به وبغيره ازداد تفرقا وشتاتا. وانما تجمع الهمة على المطلوب بتفقد ثلاثة امور. اولها الحصن على ما ينفع فمتى وفق العبد الى ما ينفعه حرص عليه ثانيا الاستعانة بالله عز وجل في تحصيله. اذا لم يكن عون من الله للفتاة فاول ما يجني عليه اجتهاده. ثالثها عدم العجز عن بلوغ البعد منه وقد جمعت هذه الامور الثلاثة في الحديث الذي رواه مسلم بالحجاج قال حدثنا ابو بكر بن ابي شيبة وابن نمير قال حدثنا عبد الله ابن ادريس عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. فمن اراد جمع همته على العلم فليشعل في نفسه شعلة الحرص عليه لانه ينفعه بل كل خير في الدنيا والاخرة انما هو ثمرة من ثمرات العلم. وليستعن بالله عليه ولا يعجز عن شيء منه فانه حينئذ يدرك بغيته ويفوز بما امله قال الجنيد ما طلب احد شيء شيئا بجد وصدق الا ناله فان لم يناله كله نال بعضه. الجد بالجد والحرمان بالجسد فانصبت صبعا قريب غاية الامل فانهض بهمتك واستيقظ من الغفلة فان العبد اذا رزق همة عالية فتحت له ابواب الخيرات وتسابقت اليه المسرات قال ابن القيم في كتابه الفوائد اذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة وردفه قمر العزيمة اشرقت ارض القلب بنور لربها ومن تعلقت همته بمطعم او ملبس او مكن او مشرب لم يشم رائحة العين واعلم بان العلم ليس يناله من همه في مطعم او ملبس. فاحرص لتبلغ فيه حظا وافرا واهجر له طيب المنام وولسي وان مما يعلي الهمة ويسمو بالنفس اعتبار حال من سبق وتعرفه وتعرف همم القوم الماضين. فابو عبدالله احمد بن حنبل الا وهو في الصبا ربما اراد الخروج قبل الفجر الى حلق الشيوخ. فتأخذ امه بثيابه وتقوي رحمة به حتى يؤذن الناس او يصبحوا وقرأ الخطيب البغدادي صحيح البخاري كله على اسماعيل الحيري في ثلاثة مجالس اثنان منها في ليلتين من وقت صلاة المغرب الى صلاة الفجر واليوم الثالث من ضحوة النهار الى صلاة المغرب ومن المغرب الى طلوع الفجر قال الذهبي في تاريخ الاسلام وهذا شيء لا اعلم احدا في زماننا يستطيعه رحم الله ابا عبدالله كيف لو رأى همم اهل هذا الزمان ماذا يقول؟ وكان ابو محمد ابن التبان اول ابتدائه يدرس الليل كله فكان امه ترحمه وتنهاه عن القراءة بالليل. فكان يأخذ المصباح ويجعله تحت الجفنة شيء من الانية العظيمة ويتظاهر بالنوم. فاذا اخرج المصباح واقبل على الدرس. وقد رأيت في بعض المجموعات الخطية في مكتبة نجدية خاصة اما ينسب الى عبد الرحمن ابن حسين ال الشيخ صاحب فتح المجيد قوله شمر الى طلب العلوم ذيولا وانهض لذلك بكرة واصيلا. وصل السؤال وكن هديت مباحثا فالعيب عندي ان تكون فكن رجلا رجله على الثرى ثابتة وهامة همته فوق الثريا سامقة ولا تكن شاب البدن اشيب الهمة فان همة الصادق لا تشيب. كان ابو الوفاء ابن عقيل احد اذكياء العالم من فقهاء الحنابلة ينشد وهو في ثمانين ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خلقي ولا ولائي ولا ديني ولا كرمي وانما اعتاد شعري غير صبغته والشيب الشعر غير الشيب غير الشيب في الهمم. ذكر المصنف وفقه الله المقصد التاء المعقد الثالث من معاقد تعظيم العلم وهو جمع همة النفس عليه. اي جمع همة النفس على العلم بان تتوجه اليه ارادته. فلا ينشغل بغيره. وذكر فيه ان شعث النفس اي تفرقها اذا جمع على العلم التأم واجتمع فنال العبد مراده منه واذا شغلت ارادته بالعلم وبغيره فانها تزداد تفرقا وشتاتا. ثم ذكر ان الهمة على ان جمع الهمة على المطلوب يكون بتطلب ثلاثة امور اولها الحرص على ما ينفع وتانيها الاستعانة بالله في تحصيله. اي في تحصيل ذلك المطلوب النافع وثالثها عدم العجز عن بلوغ البغية منه. بالا يتقاعد عنه العبد بالوهن والضعف وذكر في ثانيها وهو الاستعانة بالله قول الاول اذا لم يكن عون من الله للفتى فاول ما يجني عليه اجتهاده اي اذا لم يكن العبد مصحوبا بمعونة الله فان اول ما يفتح عليه الخذلان اجتهاده اي جهده واغتراره بما يبذله من الجهد في تحصيل مطلوبه. ثم ذكر وان هذه الامور الثلاثة مذكورة في حديث ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز بكسر الجيم وتفتح ايضا. فجمل الحديث الثلاث دالة على الامور الثلاث واحدا واحدا ثم ذكر ان من اراد جمع همته على العلم فليشعل في نفسه شعلة الحرص عليه لانه ينفعه وكل خير في الدنيا والاخرة انما هو ثمرة من ثمرات العلم فالعلم اصل كل خير. ذكره القرافي. فالعلم اصل كل خير. ذكره القرافي. وقال ابن القيم اصل كل خير العلم والعدل واصل كل شر الجهل هو الظلم اصل كل خير العلم والعدل. واصل كل شر الجهل والظلم. انتهى كلامه. والعدل مردود الى العلم فان العبد اذا لم يعلم لم يعدل فالعدل في القضية يحصل بالعلم بها. فاذا تحقق العبد بالعلم قدر على العدل. واذا فاته العلم لم يقدر على العدل. فرجع الامر كله الى العلم فهو اصل الخير كما تقدم في كلام القرافي. ثم قال المصنف في الحث عليه وليستعن عليه ولا يعجز عن شيء منه فانه حينئذ يدرك بغيته ويفوز بما امله. وذكر من كلام الجنيد والشعر الحسن ما يحرك ما يحرك النفس في هذا ثم قال فانهض بهمتك واستيقظ من الغفلة فان العبد اذا رزق همة عالية فتحت له ابواب الخيرات وتسابقت اليه المسرات وذكر كلام ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد في بيان هذا المعنى ثم ذكر من احوال الاوائل وهمم القوم الماضين ما يحرك العبد الى طلب محاذاتهم والاقتداء بهم فذكر ما كان عليه احمد ابن حنبل في الصبا وانه ربما اراد الخروج قبل الفجر الى حلق الشيوخ فتأخذ امه بثيابه رحمة له وشفقة عليه وتقول حتى يؤذن الناس او يصبحوا اي امسك عن الخروج الى حلق العلم حتى يؤذن ان الناس او يستبين الفجر فتخرج قبله. ثم ذكر الحالة التي اتفقت لابي بكر للخطيب من قراءة صحيح البخاري كله على اسماعيل الحيري في ثلاثة مجالس على النعت المذكور في وصفها وهو مما يستبعد وقوعه من قعدت همته ويراه محالا. حتى صرح بعضهم بذلك والامر خلاف ذلك فان هذا امر مقطوع به جزما ذكره الخطيب عن نفسه في تاريخ بغداد وشكر وشكر الخطيب له وفعله اياه. ثم ذكر المصنف كلام ابي عبد الله الذهبي رحمه الله في فوات هذا من همم الناس. وانهم لم يعودوا يستطيعونه وليس مراده الجزم بعدم وقوعه بل مراده استبعاده فان المنن بيد المنان. والله عز وجل يجعل لمن شاء من خلقه من القدر والهبات في العلم والعمل والارشاد والهدي والاصلاح ما لا يجعله لغيره. وقد اتفق لبعض اهل العلم محاذاة الخطيب في فعله فذكر ابن طولون في الفهرست الاوسط انه قصد محاذاة الخطيب واقتدى به في فعله فقرأ صحيح البخاري على احد شيوخه في ثلاثة مجالس اسوة خطيبي فاعاد هذا بعد الخطيب بمدة قرون فان بينهما عدة قرون وقدر من العمل على ما قدر عليه الخطيب البغدادي والمرء اذا استعان بالله وحمل نفسه على الجد والاجتهاد وترقيتها في مقامات الكمالات وصبر وصابر في ذلك تيسر له ان يدرك ما كان عليه من مضى من العلم والعمل ومعرفة هذا مما يجعل العبد مؤمنا بتصديق ما ذكر عن السلف من الصحابة فمن بعدهم من الاجتهاد في العلم والعمل حتى فيها اشياء صار عند الناس انها من قبيل الخوارق المعجزة التي يعجز عنها طبع ابن ادم. وربما صرح بعضهم بتكذيبها وان صحت اسانيدها. تحت دعوى ان العقل لا يحقق ثبوت متونها. فاذا ذكر عن احد من السلف ما يستعظم من الذكر او الصلاة او او العلم او قراءة القرآن او دواوين العلم او الرحلة فيه رأوه شيئا مستبعدا وجزموا بتكذيبه لمفارقته حال ابن ادم. وهم لا يعون انهم لا يريدون حال ابن ادم التي خلقهم الله عليها وما يفتح الله له من الخير وانما يريدون الحالة التي هم عليها فيقطعون بامتناع ذلك لفواته من نفوسهم ومن جد واجتهد ومن الله استمد فتح الله عز وجل له من ابواب العون ما لا يخطر ببال احد. ثم ذكر من احوال الاوائل ايضا حال ابي محمد ابن التبان انه كان يفعل ما يفعل من دراسته في الليل كله وكانت امه تشفق عليه وتنهاه فكان يأخذ المصباح ويجعله تحت الجفنة وهي انية عظيمة ويتطهر بالنوم اي يظهر لها انه نام فاذا رقدت اخرج المصباح واقبل على الدرس ثم ذكر بيتين مريحين لعبد الرحمن ابن حسن ال الشيخ صاحب فتح المجيد يحث فيها على الجد والاجتهاد في اخذ العلم ثم قال فكن رجلا رجله على الثرى اي في الارض وهامة همته فوق الثرى وهي نجم معروف عند العرب. ولشهرته بينهم فانهم يريدونه اذا اطلقوا ذكر النجم. فاذا اذا وجدت في كلامهم طلع النجم فانهم يريدون به الثريا. ثم قال ولا تكن شاب البدن اشيب الهمة فان همة صادق الى تشيب اي لا تكن ممن هو في سن الشباب بدنا لكن روحه وهمته في حال الشيب وعلله بقوله ان همة الصادق لا تشيب. فاذا صدق المرء في قصده لم تضعف همته عما يطلبه. وان وهن بدنه وقوله اشيب الهمة الاشيب وصف للرجل اذا خلط سواد لحيته بالبياض وصف للرجل اذا خولط سواد لحيته بالبياض ولا يقال له شايب في اصح قولين اهل اللغة وهو مختص بالرجل فلا يقال امرأة شيبة وانما يقال امرأة شمطاء. ويقال هذا للرجل. فيقال رجل اشمط والشمط اشد من الشيب فاذا غلب عليه البياض صار وصفا للرجل والمرأة معا فيقال اشمط وشمطان واما الشيب فانه يختص بوصف الرجل فيقال اشيب. ثم ذكر بيتين مليحين لابي الوفاء ابن عقيل من علماء الحنابلة كان ينشدهما وهو ابن ثمانين سنة فيقول ما شاب عزمي ولا حزمي ولا خلقي ولا ولائي ولا ولا كرمي وانما اعتاض الشعر غير صبغته والشيب في الشعر غير الشيب في الهمم لان الشيب في الهمم مظنة ضعف الروح. واما الشيب في البدن واما في الشعر فهو مضنة فهو مظنة ضعف البدن. ويتفق ان يكون العبد اشيب في بدنه شابا في همته فيمدح في ذلك ويتفق ان يكون العبد شابا في بدنه اشيب في همته. فيذم بذلك نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقل الرابع صرف الهمة فيه الى علم القرآن والسنة. ان كل علم نافع مرده الى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وباقي العلوم اما خادم لهما فيؤخذ منهم ما تتحقق به الخدمة او اجنبي عنهما فلا يضر فالى القرآن والسنة يرجع العلم كله وبه ما امر النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى فاستمسك بالذي اوحي اليك انك على صراط مستقيم. وهل اوحي الى ابي القاسم صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن او السنة سوى القرآن والسنة. ومن جعل علمه القرآن والسنة كان متبعا غير مبتدع ونال من العلم اوفره قال ابن مسعود رضي الله عنه من اراد العلم فليثور القرآن فان فيه علم الاولين والاخرين. وقال مسروق ما نسأل اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن شيء الا علمه في القرآن. الا ان علمنا يقصر عنه وينسب لابن عباس رضي الله عنهما انه كان ينشد جميع العلم في القرآن لكن تقاصروا عنه افهام الرجال وما احسن قول عياض في كتابه المع العلم في اصلين لا يعدهما الا المضل عن الطريق اللاحب علم الكتاب وعلم الاثار التي قد اسندت عن تابع عن صاحبه. واعلى الهمم في طلب العلم كما قال ابن القيم في كتابه الفوائد طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن الله ورسوله نفس المراد هو علم حدود المنزل وقد كان هذا هو علم السلف عليهم رحمة الله ثم كثر الكلام بعدهم فيما لا ينفع فالعلم في السلف اكثر والكلام في من بعدهم اكثر قال حماد ابن زيد قلت لايوب السخطياني العلم اليوم اكثر واوفي ما تقدم فقال الكلام اليوم اكثر والعلم فيما تقدم اكثر. ذكر وفقه الله المعقد الرابع من معاقد تعظيم العلم. وهو صرف الهمة فيه الى علم القرآن والسنة. اي همة النفس في طلب علم الكتاب والسنة لان العلوم النافعة ترد اليهما فكل علم نافع اصله في الكتاب والسنة ثم ذكر ان باقي العلوم ان باقي العلوم لها حالان الحال الاولى العلوم الخادمة كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم العلوم الخادمة كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وهي الات فهمهما وهي الات فهمهما فتكون تلك العلوم معينة على فهم الخطاب الوارد في الكتاب والسنة. ووصفها ابن حجر في فتح الباري بقوله وهي هي الضالة المطلوبة اي المقصودة المنشودة. فما خدم الكتاب والسنة طلب ابتغاء خدمتهما الحالة الثانية العلوم الاجنبية عنهما العلوم الاجنبية عنهما. والامر فيها ما ذكره بقوله فلا يضر الجهل بها. اي لا يضر الجهل بالاجنبي عن كتابي والسنة ووصفها ابن حجر في فتح الباري بقوله وهي الضارة المغلوبة اي المفسدة المطرحة ثم ذكر قول ابن مسعود من اراد العلم فليتول القرآن. اي ليبحث عن فهمه بازالة قلبه في النظر في معانيه. اي ليبحث عن فهمه بازالة قلبه اي بتحريك قلبه للنظر في معانيه. ثم قال فان فيه علم الاولين والاخرين. ثم ذكر مسروق وهو احد التابعين من اهل الكوفة ما نسأل اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن شيء الا علمه في القرآن الا ان علمنا يقصر عنه وتصديقه في التنزيل قوله تعالى ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء اي موضحا كل شيء فكل شيء جاء بيانه في القرآن ويتفاوت الناس في العلم به على قدر تفاوتهم من معرفة معاني القرآن والفهم لما فيه ثم ذكر ما ينسب لابن عباس انه كان ينشد جميع العلم في القرآن لكن تقاصروا عنه افهام الرجال. ثم ذكر بيتي عياض المالكي العلم في اصلين لا يعدهما الا المضل عن الطريق اللاحد. علم الكتاب وعلم الاثار التي قد اسندت عن تابع او صاحب والطريق اللاحب هو الطريق الواضح البين. فالزائغ عن الطريق الواضح لا يوفق الى اصل العلم. وهو علم الكتاب والسنة. فمن اصابه مس الهوى مال عن الهدى ففاته العلم النافع بقدر ما في قلبه من نجاسة البدعة والهوى واذا زكى قلب العبد بالتوحيد والسنة فتح له من المعارف والعلوم ما يحجب عن غيره من المتلطخين بتلك النجاسات ثم ذكر بعد ذلك ما ينبغي ان يكون عليه العبد في اقتفاء السلف في همتهم في طلب العلم. فان همتهم في طلب العلم كانت طلب علم الكتاب والسنة والفهم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم نفس المراد اي ما يريده الشرع من العبد وعلم حدود المنزل من الاحكام. وان هذا هو العلم الذي كانوا عليه. ثم ترى الكلام بعدهم فيما لا ينفع فالعلم في السلف اكثر والكلام فيمن بعدهم اكثر فكان علم السلف مداره على الكتاب والسنة. ولم يكونوا يبالون ببسط العبارات وتطويل الاشارات ثم فتن المتأخرون ببسط الكلام وارسال اللسان في البيان. وذكر قوله بن زيد قلت لايوب السختيان العلم اليوم اكثر او فيما تقدم اي فيما سلف في الصحابة والتابعين فقال الكلام اليوم اكثر والعلم فيما تقدم اكثر. فالعلم الذي ينفع من فهم الكتاب والسنة كان في السلف من الصحابة وكبار التابعين قبله اكثر. واما الكلام من تفريع العبارات فكان في عهده فما بعده اكثر. ونشأ ازدياد العلم وفيضه وكثرته عند السلف لاقتصارهم على العلم النافع وهو الكتاب و السنة ثم بولي من بعدهم بعلوم ابعدتهم عن فهم الكتاب والسنة والاشتغال بهما فصار المتأخرون يعظمون الكلام الطويل في العلم ظنا منهم انه يدل على مكنة المتكلم به حتى صار منهم من ينظر الى كلام السلف بانه قليل لا يفي ببيان العلم المحتاج اليه وهذا من الغلط عليهم فان قلة كلامهم قارنتها البركة فصار قليلهم نافعا. وكثرة الكلام في من تأخر قارنتها قلة البركة فصار غير نافع. قال ابن ابي العز في شرح الطحاوية فلذلك صار كلام اكثر فلذلك صار كلام المتأخرين كثيرا قليل البركة بخلاف كلام المتقدمين. فانه كان قليلا كثير البركة. انتهى كلامه. ولابي عبدالله ابن القيم كلام في بيان بركة علم السلف مع قلة كلامهم وندرة البركة في علوم الخلف مع كثرة كلامهم واذا قايست بين هؤلاء واولئك وجدت ان المعيار الذي نشأت منه المباينة بين الحالين ما في قلوب هؤلاء واولئك فان السلف كان فيهم من صدق النية وكمال الاتباع وتحري ما ينفع والامساك عن الكلام ما اورثهم بركة العلم مع قلة اللفظ وحجبت هذه المعاني عن من؟ عن اكثر من تأخر فصرت تجد الكلام الطويل الذي لا يخرج منه ما ينفع مما يعادل كلام السلف في تلك المسألة وقايس بين ما يذكره ابن جرير مثلا من اثار الصحابة والتابعين في تفسير اية مما يحويه من المعاني البينة النافعة وبينما يطول به كثير من متأخر المفسرين من بيان معاني تلك الاية تجد صدق هذا المعنى نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الخامس سلوك الجادة الموصية اليه. لكل مطلوب طريق يوصل اليه فمن سلك جادة مطلوبه اوقفته عليه ومن عدل عنها لم يظفر بمطلوبه. وان للعلم طريقا من اخطأها ضل ولم ينل المقصود وربما اصاب فائدة مع تعب كثير. يقول الزرنوجي في كتابه تعليم المتعلم وكل من اخطأ الطريق ضل ولا ينال المقصود قل اوجل. وقال ابن القيم في كتاب الفوائد الجهل بالطريق وافاتها والمقصود يوجب تعب الكثير مع الفائدة القليلة. وقد ذكر هذا الطريق بلفظ جامع مانع محمد مرتضى ابن محمد الزبيدي وصاحب تاج العروس في مظلومة له وتسمى ما الفية السند يقول فيها فما حوى الغاية في الف سنة شخص فخذ من كل فن احسنه بحفظ متن جامع للراجح تأخذه على مفيد الناصح فطريق العلم وجادته مبنية على امرين من اخذ بهما من اخذ بهما كان معظما للعلم لانه يطلبه من حيث يمكن الوصول اليه فاما الامر الاول فالحفظ متن جامع للراجح فلابد من حفظ ومن ظن انه ينال العلم بلا حفظ فانه يطلب محالا والمحفوظ المعول عليه هو المتن الجامع للراجح اي المعتمد عند اهل الفن. فلا ينتفع طالب بحفظ المغمور في فن ويترؤ فلا ينتفع طالب يحفظ المغمور في فن ويترك مشهورة. كمن يحفظ الفية الاثار في النحو ويترك الفية ابن ما لك. واما الامر الثاني فاخذه وعلى مفيد ناصح فتفزع الى شيخ تتفهم عنه معانيه. يتصف بهذين الوصفين. واولهما الافادة وهي الاهلية في العلم. فيكون ممن عرف بطلب العلم وتلقيه حتى ادرك فصارت له ملكة قوية فيه. والاصل في هذا ما اخرجه ابو داوود في سننه قال حدثنا زهير بن حرب وعثمان ابن ابي شيبة قال حدثنا جرير عن الاعمش عن عبد الله ابن عبد الله عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم واسناده قوي. والعبرة بعموم الخطاب لا بخصوص فلا يزال من معالم العلم في هذه الامة ان يأخذه عن السالف. اما الوصف الثاني فهو النصيحة وتجمع معنيين اثنين احد وتجمع مع العين اثنين احدهما صلاحية الشيخ للاقتداء به والاهتداء بهديه ودله وسمته. والاخر معرفته بطرائق التعليم بحيث يحسن تعليم المتعلم ويعرف ما يصلح له وما يضره وفق التربية العلمية التي ذكرها الشاطبي في الموافقات ذكر المصنف وفقه الله المعقد الخامس من معاقد تعظيم العلم وهو سلوك الجادة الموصلة اليه والجادة هي الطريق وذكر ان كل مطلوب له طريق من سلكه وقف عليه ومن عدل عنه لم يظفر بمطلوبه. ومن جملة ذلك ان للعلم طريقا من سلكها ناله. ومن اخطأها فان منتهاه الى حالين الحال الاولى ان يضل فلا ينال مقصوده ان يضل فلا ينال مقصوده والحال الاخرى ان يصيب فائدة قليلة مع تعب كثير ان يصيب فائدة قليلة مع تعب كثير. ثم ذكر من الكلام المنقول عمن تقدم ما يصدق ذلك ومن جملته قول ابن القيم رحمه الله الجهل بالطريق وافاتها والمقصود يوجب التعب الكثير مع الفائدة القليلة فالتعب الكثير الذي يعرض لطلاب العلم ويحوزون معه فائدة قليلة منشؤه واحد من الامور الثلاثة التي ابن القيم واولها الجهل بالطريق فيلتمس العلم جاهلا الطريق الموصلة اليه وثانيها الجهل بافات الطريق وهي الشرور التي تعرض للعبد فيه الجهل بافات الطريق وهي الشروط التي تعرض للعبد فيه. وثالثها الجهل بالمقصود اي بالمراد الاعظم من العلم وهو امتثال الشرع ثم ذكر نعت الطريق الموصل الى العلم نقلا عن الزبيد في الفية السند اذ قال فما حوى الغاية في الف سنة صم فخذ من كل فن احسنه بحفظ متن جامع للراجح تأخذه على مفيد ناصح. فطريق العلم وجادته مبنية يدل على امرين فاما الامر الاول فحفظ متن جامع للراجح. فلا بد من حفظ في العلم والحفظ المحفوظ المعول عليه هو الجامع للراجح والمقصود به المعتمد عند اهل العلم والمقصود به المعتمد عند اهل العلم لا رجحان مسائله من كل وجه. لا ريحان مسائله من كل وجه. فمتى كان المحفوظ معتدا به معولا عليه سمي راجحا. فلا ينتفع طالب يحفظ يحفظ المغمورة فن ويترك معتمده المشهور كمن يحفظ الفية الاثار في النحو ويترك الفية ابن مالك من معايب حفظ العلم التوجه الى حفظ ما لا يعتمد عند ارباب فن ما كالذي مثلناه. ومما يخل بالمحفوظ المعتمد افتان تعرضان له فان المرء قد يقصد الى حفظ متن معتمد ثم يعرض له ما يضعف انتفاعه بالمحفوظ المذكور وهو افتان عظيمتان الافة الاولى حفظ ذلك المعتمد من نسخ غير مصححة ولا متقنة حفظوا ذلك المعتمد من نسخ غير مصححة ولا متقنة فيأخذ من النسخ ما اتفق ويحفظ منها فيقع له في حفظه ان يحفظ اشياء على غير وجهها لفشو التصحيف والتحريف في المطبوعات عند المتأخرين والافة الاخرى ان يحفظ من من نسخ خالطها الاصلاح ان يحفظ من نسخ خالقها الاصلاح والمراد بالاصلاح ما يعمله بعض المتأخرين من تحويل الفاظ المتون عن وجهها ما يعمله بعض المتأخرين من تحويل الفاظ المتون عن وجهها لما يستحسنه فتجد في المتأخرين من يقصد الى متن معتمد عند نشره فيجري يده بالعمل فيه محولا له عن وجهه تحت دعوى التصحيح والاولى. ولم تكن تلك جادة اهل العلم فمن عرظ له في متن معتمد ما يرى ان غيره هو اصح منه واولى علق منتهى نظره في حاشية المتن فلو قدر انه اتفق في نظره قصور بيت ذكره ناظم عن مراد اهل الفتن قبح في حقه ان يحوله في اصل الكتاب وجمل به ان يجعل نظره نفعا للناس في حاشيته واذا خلط نشره المتن بما اصلحه صار هذا المتن صار هذا المتن اولا عن اصل وضعه الذي وضعه المصنف فيزجر المتعلم ان يعمد الى الاعتدال بتلك النسخة لما فيها من الاصلاح والاعمال المغير لها عن وجهها ويحمد الاصلاح في مقامين ويحمد الاصلاح في مقامين احدهما تعلقه بالاصلاح في السياق القرآني تعلقه بالاصلاح في السياق القرآني بجعله على الرواية المشهورة في الناس بجعله على الرواية المشهورة في الناس كفعل المشارقة ناشر العقيدة الواسطية لابي العباس ابن تيمية فان ابا العباس لم يكن يقرأ على رواية حفص عن عاصم بل كان يقرأ على قراءة ابي عمر ابن العلاء ولما نشر شيوخ شيوخنا قبل اكثر من مئة سنة من اهل الحديث في بلاد الهند ومن عاونهم في نجد ومصر جعلوه على الرواية المشهورة عند المشارقة وهي رواية حفص عن عاصم. فمثل هذا يحمد ولا يذم ولا يجب ان يلتزم بان تجعل على قراءة مصنفها والمقام الثاني تحويل الفاظ الحديث النبوي تحويل الفاظ الحديث النبوي عن ما وضعه مصنف متأخر الى ما يوافق الاصول التي عزي اليها عما وضعه مصنف متأخر الى الاصول التي عزي اليها كأن يذكر متأخر كالنووي وغيره في تصنيف كالاربعين النووية او رياض الصالحين حديثا بلفظ يعزوه الى البخاري او مسلم او غيرهما. ويفقد هذا اللفظ من النسخ التي في ايدينا فيحمد حينئذ ان يجعل هذا اللفظ عند الحفظ وفق النسخ التي بايدينا من تلك الاصول لانك اذا عزوت هذا الحديث اعزوته الى البخاري او مسلم او الى ابي داوود مثلا فلا يجبر حينئذ ان يكون عزوك مباينا لما هو موجود من الاصول التي في ايدي الناس. ثم ذكر الامر الثاني وهو اخذ ذلك المتن على مفيد ناصح فيفزع الى شيخ يتفهم عنه معاني ذلك المتن يتصف بوصفين اولهما الافادة وهي الاهلية في العلم فيكون ممن عرف بطلب العلم وتلقيه حتى ادرك قالت له ملكة قوية فيه لحديث ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن سمع منكم اي تتلقون العلم بالاخذ عنه صلى الله عليه وسلم ثم يأخذ عنكم من بعدكم وهكذا في قرون امة فان العبرة بعموم الخطاب لا بخصوص المخاطبين من الصحابة رضي الله عنهم. واما الوصف الثاني فهو النصيحة بان هنا المعلم ناصحا وتجمع معنيين احدهما صلاحية الشيخ للاقتداء به بان يكون على حال حسنة من امتثال الشريعة فيصلح ان يقتدى به في العمل بها مع الاهتياء مع الاهتداء بدله بهديه ودله وسمته والهدي اسم للطريقة التي يكون عليها العبد اسم للطريقة التي يكون عليها العبد وهو جامع للدل والسمت وهو جامع للدل والسمت فعطفهما عليه من باب عطف الخاص على العام فالهدي فيه ذل وفيه سمت والدل هو الهدي المتعلق بالصورة الظاهرة والدل هو الهدي المتعلق بالصورة الظاهرة والسمت هو الهدي المتعلق بالافعال هو الهدي المتعلق بالافعال اللازمة للعبد او المتعدية عنه اللازمة للعبد او للمتعدية عنه واما معرفته طرائق التعليم فالمراد بها معرفته مسالك ايصال العلم الى المتعلمين. معرفته طرائق ايصال العلم الى المتعلمين. وهي التي ارادها بقوله بحيث يحسن تعليم المتعلم ويعرف ما يصلح له وما يضره وفق التربية العلمية التي ذكرها الشاطبي فان ايصال العلم الى الناس يكون على انحاء شتى ويتباين ما يصلح للناس بحسب احوالهم في قواهم وما يحيط بهم من زمان او مكان والتفنن في هذا والاحاطة به مما يتباين به الخلق بقدر ما يحصل لهم من كمالات عقولهم فان العاقل اللبيب اذا ثقب بنظره حال الناس وتفرس ما هم عليه اجتهد في ان يصنع لهم صنعا يقربهم مما ينفعهم ولا يكون واقفا على مورد معين لا يتجاوزه تجاوزه لا يتجاوزه باعتبار حال كانت فان الناس استجد من احوالهم ما ضيق ازمانهم في العلم وشغلهم بوظيفة او دراسة نظامية او غيرهما مما يوجب على البصير القاصد نفع الناس ان يجتهد تقريب الناس من الخير وحملهم على حفظ العلم بما يحدث لهم من والطرائق ولا يفقد نريد الخير اصلا يشيد عليه خيره مذكورا في الكتاب والسنة كالحال التي اتفق عليها وضع هذا البرنامج من تتابع دروسه وكثافة مدروسه فان هذا مشيد على اصل مجيد وهو ما في صحيح مسلم من في عمر ابن اخطب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الفجر ثم صعد المنبر فخطبهم حتى صلاة الظهر فنزل فصلى بهم الظهر ثم صعد منبرا فخطبهم حتى حضرت العصر فنزل فصلى بهم العصر ثم صعد المنبر فخطبهم فهم حتى حضرت صلاة المغرب فاتفق من حاله صلى الله عليه وسلم الموالاة بذلك قال الصحابي فاخبرنا بما كان وبما هو كائن فاعلمنا احفظنا. فانظر الى المقام الذي قامه صلى الله عليه وسلم من التعليم فكان والمعلم وكان المعلم اعظم شيء وهو الخبر عما كان وعما يكون فاحاط صلى الله عليه وسلم بيانا بما يحتاجه الناس مما كان ومما يكون فاستدعت الحال التي كانوا عليها ان يجعل لهم ما يصلحون به كالجار وفق ما كان عليه اهل العلم فانهم كانوا يطيلون في مقام الاطالة يوجزون في مقام الايجاز فحصل من النفع الخير الكثير واذا كان هذا واقعا في زمن كان فيه الم تعلم يجلس عند شيخه بعد الفجر وضحوة ما بعد الظهر وبعد العصر وبعد المغرب والعشاء لعدم شغله بقاطع من دراسة او عمل فانه احرى ان يكون من طرائق ايصال العلم الى الناس في هذه الازمان التي ضاقت على الناس فيها اوقاتهم بما زاحم طلب العلم من حوادث التعليم والاعمال نعم احسن الله اليكم. قلتم حفظكم الله المعقد السادس. رعاية فنونه في الاخذ وتقديم الاهم فالمهم ان الصورة المستحسنة يزيد حسنها بتمتع البصر بجميع اجزائها ويفوت من حسنها عند الناظر بقدر ما يحتجب عنه من اجزائها والعلم هكذا من رعى فنونه بالاخذ واصاب من كل فن حظا كبرت الته في العلم. قال ابن الجوزي في صيد خاطئ جمع العلوم ام ممدوح من كل فن خذ ولا تجهل به فالحر مطلع على الاسرار. ويقول شيخ شيوخنا محمد ابن مانع في ارشاد الطلاب. ولا ينبغي فاضل ان يترك علما من العلوم النافعة التي تعين على فهم الكتاب والسنة. اذا كان يعلم من نفسه قوة على تعلمه ولا يسوغ له ان يعيب العلم الذي يجهله الذي يجهله ويزري بعالمه فان هذا نقص ورذيلة. فالعاقل ينبغي له ان يتكلم بعلم او يسكت بحلم والا دخل تحت قول القائل اتاني ان سهلا ذم جهلا علوما ليس يعرفهن سهل. علوما لو قرأها ما قلاها ولكن الرضا بالجهل سهل. انتهى كلامه وانما تنفع رعاية فنون العلم باعتماد اصلين احدهما تقديم الاهم فالمهم. مما يفتقر اليه المتعلم في القيام بوظائف العبودية الا سئل مالك بن انس امام دار الهجرة عن طلب العلم فقال حسن جميل ولكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح الى حين فالزمه قال ابو عبيدة نعمان عمار بن المثنى من شغل نفسه بغير المهم اضر بالمهم. وقدم الاهم ان العلم جم. والعمر طيف زار او الم والاخر ان يكون قصده في اول طلبه تحصيل مختصر في كل فن حتى اذا استكمل انواع العلوم النافعة نظر الى ما فطبعه منها وانس من نفسه قدرة عليه فتبحر فيه. سواء كان فنا واحدا ام اكثر. اما بلوغ الغاية في كل فن والتحقق وبملكته فانما يهيأ له الواحد بعد الواحد في ازمنة متطاولة. ثم ينظر المتعلم فيما يمكنه من تحصيلها افرادا للفنون مختصراتها واحدا بعد واحد او جمعا لها والافراد هو المناسب لعموم الطلبة. هو المناسب لعموم الطلبة ومن طيار شمس شناقطة قول احدهم وان تريد تحصين فن تممه وعن سواه قبل الانتهاء مه وفي ترادف العلوم المنعجاء التوأمان استبقا لن يخرجا. ومن عرف من نفسه قدرة على الجمع جمع وكانت حاله استثناء من العموم ومن نواقض هذا المعقد المشاهدة الاحجام عن تنوع العلوم والاستخفاف ببعض المعارف والاشتغال بما لا ينفع مع الورع بالغرائب وكان مالك يقول شر العلم الغريب وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس ذكر المصنف وفقه الله المعقد السادس من معاقد تعظيم العلم فهو رعاية فنونه في الاخذ اي الاقبال على تلقيها وتقديم الاهم فالمهم. فيقدم ما تشتد اليه حاجته تتأكدوا في حقه طلبته ثم ذكر ان الصورة المستحسنة يزيد حسنها بتمتع البصر بجميع اجزائها ويفوت من حسن عند الناظر بقدر ما يحتجب عنه من اجزائها والعلم هكذا فمن اخذ من كل فن طرف رأى جمال العلم قل له ومن اخذ بطرف دون اخر احتجب عنه من جمال العلم بقدر ما احتجب عنه من فنونه ثم قال من رعى فنونه بالاخذ واصاب من كل فن حظا كملت الته في العلم اي قويت في العلم وصارت له مكنة فيه. فان العلم يرجع الى شيء واحد. فاذا جمعت ادواته من المتنوعة قوي العلم في نفس صاحبه. ثم ذكر قول ابن الجوزي جمع العلوم ممدوح وانشد بيتا لابن الورد من كل فن قدوة لا تجهل به. فالحر مطلع على الاشرار. ثم ذكر وصيتين عظيمتين من وصايا شيخ شيوخنا العلامة محمد ابن عبدالعزيز ابن مانع رحمه الله في ارشاد الطلاب وهو كتاب عظيم النفع في بيان ادب العلم وكيفية تحصيله. فالوصية الاولى انه لا ينبغي للفاضل ان يترك علما من العلوم النافعة والوصية الثانية انه لا يسوغ يسوغ له ان يعيب العلم الذي يجهله ويزري بعالمه فالوصية الاولى تتعلق بالحث على الاشتغال بما ينفع من العلوم. والوصية الثانية تتعلق بالزجر عن حال تعرض لبعض الخلق من عيب علوم جهلوها والازراء على اهلها والحال التي هم عليها هي كما قال فان هذا نقص ورذيلة. اي نقص في حق المتكلم العائب العلم الذي يجهله وهو رذالة له في بيان قبح حاله في عيب ما لا يعاب ثم قال فالعاقل ينبغي له ان يتكلم بعلم او يسكت بحلم فالكلام يمدح اذا كان بعلم والسكوت يمدح اذا كان بحلم فالكلام يمدح اذا كان بعلم والسكوت يمدح اذا كان بحلم. فاذا كان الكلام بجهل والسكوت بطيش ازرى على المرء ودل على نقص عقله ثم ذكر قول الشاعر اتاني ان سهلا ذم جهلا علوما ليس يعرفهن تهلوا علوما لو قرأها ما قلاها ولكن الرضا بالجهل سهل. ومعنى قلاها ابغضها. فالقلى هو البغض ثم ذكر ان رعاية فنون العلم تنفع باعتماد اصلين. احدهما تقديم الاهم فالمهم وبين تدريجه بقوله مما يفتقر اليه الم تعلم في القيام بوظائف العبودية فالمراد من العلم ان تعرف ما تعبد به الله فتقدم اخذ العلم الذي تفتقر اليه في اقامة العبودية له. فالمتعلم المبتدأ يعمد الى العلوم نافعة اللازمة له من الاعتقاد الصحيح والطهارة والصلاة ونظائرها من الاحكام التي تلزمه ابتداء في الاسلام ثم يترقى في العلم باعتبار ما يلزمه من في اقامة العبودية لله عز وجل وذكر قول مالك ابن انس لما سئل عن طلب العلم فقال حسن جميل ولكن انظر الذي يلزمك من حين تصبحوا الى حين تمسي فالزمه. ثم ذكر الامر الاخر فقال ان يكون قصده في اول طلبه تحصيل مختصر في كل فن بان من كل فن مختصرا بدراسته. ثم اذا استكمل انواع العلوم النافعة نظر الى ما وافق طبعه منها وانس من نفسه قدرة عليه بارشاد شيخه فتبحر فيه او شركه باخر مما تميل نفسه اليه فمبتدأ اخذ العلم يكون بمد بساط الاخذ فتصيب من كل فن نافع متنا جامعا حتى اذا اصبت من الفتون من من الفنون كبدة النافعة اصولا تطلعك على ما وراءها من مباحث هذا الفن تنظر بعد ذلك فيما تقوى عليه نفسك وتميل اليه وتستبصر بارشاد شيخك فتمد الباع فيه فتحصل مثلا مختصرا في الاعتقاد ومختصرا في التفسير ومختصرا في الحديث الى تمام هذه العلوم وليس المقصود بالمختصر ان يكون متلا واحدا بل المقصود ان يكون حظا مختصرا في ذلك الفن. فالدارس مثلا في النحو الاجرامية والفية ابن مالك ويصيب حظا مختصرا من النحو فان علم النحو واسع كثير الفروع لكن هذه النبذة التي ادركها كافية في احاطته بما يلزم ثم ينقل نفسه بين انواع العلوم النافعة حتى استوى قلبه على طلب المختصرات من العلوم في متن او اكثر نظر بعد ذلك في قوة نفسه وما يجده فيها من الميل والمحبة واسترشد بشيوخه العارفين ليوسع نظره في طلب علم من هذه العلوم. كأن يتخايل له محبة التفسير. والقدرة على النفع والانتفاع فيتوسع في طلبه فلا يذم حينئذ في الحال التي هو عليها. والحال المذمومة هو ان يحبس نفسه على علم واحد او علمين لا يدري ما يلزمه من العلوم التي لا بد منها كمن تجده اليوم واسعا البائع في علم الاعتقاد فاذا سألته في مسألة من احكام الفقه التي يحتاج اليها هو فظلا عن الناس من مسائل الطهارة او الصلاة او الصيام او الزكاة وجدته معتذرا بانه متخصص في الاعتقاد غير متخصص في الفقه ومثل هذا لا يقال فيه متخصص. فان التخصص انما يكون في العلوم العالية من المعارف العلمية. فبسط اليد في التفسير او الحديث او النحو او اصول الفقه هو الذي يستحق اسم التخصص اما ان يكون محجوبا عما ينفعه من العلوم مقصورا على علم واحد ثم يسمى هذا بالتخصص فان هذا اسم مفارق لحقيقة العلم ثم ذكر بعد ذلك ان الم تعلم ينظر فيما يمكنه من تحصيلها افرادا للمتون ومختصراتها واحدا بعد واحد او جمعا لها. والافراد هو الى عموم الطلبة فيعمد الطالب الى متن في فن حتى اذا استواه استوفاه انتقل الى متن في فن اخر حتى اذا استوفاه انتقل الى غيره. واذا قدر على الجمع وقوي عليه فلا بأس به ولا سيما في هذه الازمان التي صار يشق على الطالب ان ينقل نفسه على هذا النحو الذي كان عليه من تقدم لكن لا ينبغي له ان يكثر على قلبه ما يتلقاه من العلم ليثبت العلم في قلبه ويربو ويزكو. ثم ذكر بيتين في الارشاد الى ذلك وان ترد تحصيل فن تممه اي اتمه وعن سواه قبل الانتهاء مه وكلمة مه كلمة زجر ايترك هذا وانتهي عنه. ثم قال وفي ترادف العلوم المنع جاء اي جاء المنع بالجمع بين علمين فاكثر قال ان توأمان استبقا لم يخرجا فشبههما بالولدين الذين يزدحمان عند فتحة الرحم كل واحد منهما يريد ان يسبق الاخر في الخروج الى الحياة الدنيا فانهما اذا تزاحما لم يتفق وجوههما بخلاف اذا تقدم احدهما فانه يسع الاخر ان يتبعه. وقوله من طيار الشعر الشناغضة الشعر الطيار هو الذي لا يعلم قائله التيار هو الذي لا يعلم قائله. والى ذلك اشرت بقول شائع الاشعار ان لم يعلم قائله الطيار بين الامم شائع الاشعار ان لم يعلم قائله الطيار بين الامم. ثم ذكر ان من عرف من نفسه القدرة على الجمع جمع وكانت حاله استثناء لما هو عليه من قوى خارقة لا يمكن لهما لا يمكن لاكثر الخلق. ثم ذكر ثلاثة امور من نواقض هذا نعقد المباينة له اولها الاحجام عن تنوع العلوم بان يوقف نفسه على علم واحد. ويمتنع عن نظر في العلوم الاخرى. وثانيها الاستخفاف ببعض الف اي عدم المبالاة لها فتجد في الاخذين العلم من يعظم علما دون غيره. ويعيب العلوم الاخرى وهذه افة من الافات المفسدة للعلم والمخرج منها في حق المتعلم ان لا ينظر في العلم الى حال شيخه وما يلقيه اليه بل ينظر الى جادة اهل العلم فما اشكل عليك في صناعة العلم من كلام الناس فيه اجعل ميزان العدل بينهم ما كان عليه من قبلهم ممن حوى العلم فانك تسلم فاذا ازدحم في نظرك قول شيخين استرشدت باحدهما في حفظ الحديث فقال لك احدهما احفظ الاربعين ثم العمدة ثم بلوغ المرامي ثم رياض الصالحين. وقال الاخر احفظ الصحيح بحين بان تحفظ الجمع بينهما ثم تحفظ البخاري ثم تحفظ مسلما. فاذا اردت ان تقف على ميزان العدل في المحاكمة بين القولين فانظر الى ما كان عليه العلماء قبل هذين المتكلمين وهل كانوا يحفظون في السنة وفق هذا ام وفق هذا؟ فانك اذا نظرت الى من قبلك وقبلهما كان كافيا في اطلاعك على الجادة التي ينبغي ان تحمل عليها نفسك وطالب العلم لا ينبغي ان يجعل نفسه مقاما للتجارب فانها تعطله وتمنعه وتعيقه في سيره في علم ويسترشدوا بما كان عليه الناس من الجادة. فاننا لسنا افذادا من الخلق نكتسب العلم ولم يكن قبلنا يسعون فيه. بل ممن تقدمنا هم احسن قولا واكثر علما منا فسلامة ملتمس العلم ان يقتدي بهم وان يحذو حذوهم وثالثها الاشتغال بما لا ينفع من الولع بالغرائب فان جمع النفس عليها وتتبعها يظعف النفس في العلم ويضيع قوتها فلا المرء من العلم الا بحثالته فان العلم النافع المحتاج اليه هو العلم الظاهر. الشائع بين الناس فما كان شائعا ظاهرا مقبلا عليه بين الناس فهذا هو العلم النافع وما كان معدولا اه عنه غير مأبوه به عند اهل العلم ودهنته فانه مما لا ينتفع به طالب العلم. فاذا اردت ان تدرك العلم فاجمع نفسك على مشهوره. فانه لا يضرك جهلك بما وراءه. ولو ان طالب العلم جمع نفسه حفظا وفهما على المتون المشهورات في العلوم نافعة وكررها مرة بعد مرة لحاز من العلم حظا وافرا ونصيبا ذاخرا. واذا اردت ان تبصر حقيقة ذلك فاعتبره في من قبلنا فانهم لم يكونوا يجاوزون المتون المشهورة حفظا وفهما واعادة بالتكرار مرة بعد مرة فيقر في قلوبهم من معانيها ويثبت على السنتهم من مبانيها ما يجعل علمهم بينا راسخا يرجعون اليه الحوادث النازلة والمشكلات الواقعة في تجلى من جلالة العلم وبهائه وبيانه ما لا يكون عند الاخرين ممن تمتد ايديهم واعينهم الى كتب لم يجد الدرس بها. مع جهلهم بما جرى عليه الدرس فان الزيادة على الدرس بغيره سائغة اذا وعى ما جرى عليه من الكتب الدرسية واما الاقتصار على ما لا يتخذ اصلا في العلم فهذا يفسد في العلم اكثر مما يصلح. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد السابع المبادرة الى تحصيله واغتنام سن سن الصبا والشباب. فان العمر زهرة اما ان تصير بسلوك المعالي ثمرة واما ان تذبل. وان مما تثمر به زهرة العمر. المبادرة الى تحصيل العلم وترك الكسل والعجز واغتنام سن الصبا والشباب امتثالا للامتثالا للامر باستباق الخيرات كما قال تعالى فاستبقوا الخيرات وايام فاغتنمها الا ان الحداثة لا تدوم. قال احمد ما شبهت الشباب الا بشيء كان فيكم مني فسقط والعلم في سن الشباب اسرع الى النفس واقوى تعلقا ولسوقا. قال الحسن البصري العلم في الصغر كالنقش في الحجر. فقوة بقاء في الصغر كقوة بقاء النقش في الحجر. فمن اغتنم شبابه نال اربه وحمد عند مشيبه سرى. الا اغتنم سن الشباب يا افتى عند المشيب يحمد القوم السرى واضر شيء على الشباب التسويف وطول الامل فيسوف احدهم ويركب بحر الاماني ويشتغل باحلام اليقظة ويحدث نفسه ان الايام المستقبلة ستفرغ له من الشواغل وتصفو من المكدرات والعوائق والحال المنظورة ان من كبرت سنه كثرت شواغله وعظمت قواطعه مع ضعف الجسم ووهن القوى. ولن تدرك الغايات العظمى بالتلهف والترجي والتمني. ولست بمدرك ما فات مني بلهفة ولا بليت ولا لوثني. ولا مما سبق ان الكبير لا يتعلم بل هؤلاء اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلموا كبارا ذكره البخاري في كتاب العلم من صحيحه وانما يعصر التعلم في الكبر كما بينه الماوردي في ادب الدنيا والدين لكثرة الشواغل وغلبة القواطع وتكاثر العلائق. فمن قدر على دفعها عن نفسه ادرك العلم. وقد وقع هذا لجماعة من النبلاء طلبوا العلم كبارا فادركوا منه قدرا عظيما. منهم القفال الشافعي ذكر المصنف وفقه الله المعقد السابع من معاقد تعظيم العلم وهو المبادرة الى تحصيله اي المسارعة الى تلقيه ويكون بما ارشد اليه بقوله واغتنام سن الصبا والشباب فالعمر زهرة اذا اغتنم المرء زهرته اثمرت. واذا اهملها ذبلت ومما تثمر به زهرة العمر المبادرة الى تحصيل العلم بالمسابقة اليه والابتداء به في حال الصغر وذكر قول الشاعر وايام الحداثة فاغتنمها الا ان الحداثة لا تدوم واتبعه بقول الامام احمد احمد ما شبهت الشباب الا بشيء كان في كمي فسقط اي كان عالقا في كم والكم اسم لفتحة القميص التي تدخل فيها اليد فهو سريع التقضي بمنزلة شيء كان في كمك ثم سقط منه ثم ذكر ان علما في سن الشباب اسرع الى النفس واقوى تعلقا ولصوقا فمن بادر العلم في شبابه قوي علوق العلم في نفسه وثبت في قلبه كقوة ثبوت النقش في الحجر. فمن اغتنم شبابه نال اذ به وحمد مسراه. عند كما قلت في بيت يتيم الغتنم سن الشباب يا فتى عند المشيب يحمد القوم السرى. ثم ذكر مما بالشباب كثيرا في اخذ العلم التسويف والتأمين بتأجيل الشيء وترجي ان يحصل له من الفسحة في مستقبل ايامه ما يعينه على ادراكه فلا يزال احدهم يسوف ويركب بحر الامانة ويشتغل باحلام اليقظة واحلام اليقظة تركيب لغوي يراد به ما لا حقيقة له يراد به ما لا حقيقة له من الخيالات. ثم ذكر ما عليه الخلق في الحال المنظورة اي في الحال المشاهدة ان من كبرت سنه كثرت شواغله وعظمت قواطعه مع ضعف اسمي ووهني القوى فانك فيما تستقبل من الايام تستقبل شغلا عظيما وقواطع كثيرة من وولد وعمل وتعليم. ثم ذكر انه لا يتوهم مما سبق ان الكبير لا يتعلم. فالتعلم في في بني ممكن فان من طلب العلم كبيرا له حالان فان من طلب العلم كبيرا له حالان اولاهما طلبه مع التقلل من الشواغل طلبه مع التقلل من الشواغل ومدافعة العوائق وقطع العلاء ومدافعة العلائقي ومدافعة العوائق وقطع العلائق فيرجى له ادراكه ونيله والاخرى طلبه مع الاستسلام للواردات طلبه مع الاستسلام للواردات من الشواغل والقواطع والعوائق فهذا يعسر عليه ادراك العلم ولا يبلغ امله فيه. فاذا تقلل الكبير من شواغله ودافع العوائق التي تعرض له. وقطع ما بقلبه من محبة سير في فسحة او تنزه مع صحبة او طلب لمال فانه يمكنه ان يحرز العلم. وفي شواهد الايام قديما حديثا صدق ذلك ممن طلب العلم وهو كبير فادركه ربما بلغ في ادراكه منه ان ينصب قاضيا للناس. وهذا باب جدير بالجمع في التأليف بحصر العلماء الذين طلبوا العلم كبارا. فبرزوا فيه. قد ذكر في ترجمة جماعة انه طلب العلم بعد الخمسين وفيهم من طلب العلم بعد الستين وفي بعض من استقضي من الحنفية من طلب العلم وهو على حدود السبعين. فبلغ من العلم انصار قاضيا في البلد. فمع الجد والاجتهاد و نفي الرقاد وطول السهاد ما يعين صاحبه اذا صدق والح واستعان بالله على تحصيل العلم ولو كان كبيرا نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الثامن لزوم التأني في طلبه وترك العجلة. ان تحصيل العلم لا يكون جملة واحدة اذ القلب هو يضعف عن ذلك وان للعلم فيه ثقلا كثقل الحجر في يد حامله. قال تعالى يلقي عليك قولا ثقيلا اي القرآن؟ واذا كان هذا وصف القرآني كما قال تعالى ولقد يسرنا القرآن للذكر. فما الظن بغيره من العلوم وقد وقع تنزيل القرآن رعاية لهذا الامر منجما مفرقا باعتبار الحوادث والنوازل كما قال تعالى. وقال الذين كفروا لولا انزل عليه القرآن جملة واحدة. كذلك لنثبت به فؤاده ورتلناه ترتيلا وهذه الاية حجة في لزوم التأني في طلب العلم والتدرج فيه وترك العجلة كما ذكره الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه الراغب الاصفهاني في مقدمة جامعي التفسير ومن شارب النحاس الحلبي قوله اليوم شيء وغدا مثله من نخب العلم التي تلتقط يحصل المرء بها حكمة وانما السير اجتماع النقط. قال شعبة الحجاج اختلفت الى عمرو ابن دينار خمسمائة مرة وما سمعت منه الا مائة حديث في كل خمسة مجالس حديث وقال حماد بن ابي سليمان لتلميذ له تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئا ومقتضى لزوم التأني تدرج البداءة بالمتن القصار المصنفة في فنون العلم حفظا واستشراحا والميل عن مطالعة المطولات التي لم يرتفع الطالب بعد اليها ومن تعرض للنظر في المطولات فقد يجني على دينه وتجاوز الاعتدال في العلم ربما اذ ادى الى تضييعه. ومن بدائل الحكم قول عبد الكريم الرفاعي احد شيوخ بدمشق الشام في القرن الماضي طعام الكبار سم الصغار وصدق فان الرضيع اذا تناول طعام الكبار مهما لذ وطاب اهلكه واعطبه. ومثله من يتناول المسائل الكبار من المطولات ويوم نفسه مع ضعف الالة على خلاف العلماء وتعدد مذاهبهم في المنقول والمعقول. ذكر المصنف وفقه الله المعقد الثامن من معاقد تعظيم العلم وهو لزوم التأني في طلبه وترك العجلة وترك العجلة بالتدرج فيه والترقي شيئا فشيئا فان العلم لا يحصل جملة واحدة فالقلب يضعف عن ذلك ويؤخذ القلب به شيئا فشيئا. فالعلم في القلب كالحجر في اليد فان الحجر الكبير يثقل في اليد ويشق على حامله فكذلك العلم يتقل على القلب ويشق عليه فلابد من الترفق به في تحصيل العلم. واتفق ذلك في القرآن الكريم فانه نزل منجما. اي مفرقا باعتبار الحوادث والنوازل. والنجم هو الوقت المضروب. فقولهم انزل القرآن منجما اي في معينة مضروبة مقدرة. وذكر قول الله تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك وان هذه الاية حجة في لزوم التأني في طلب العلم والتدرج فيه وترك العجلة وفق ما ذكر الخطيب البغدادي والراغب الاصفهاني ثم ذكر من الشعر والنتي ما يبين عن هذا المعنى بجلاء. ثم بين مقتضى لزوم التأني والتدرج انه يكون بامرين احدهما البداءة بالمتون القصار المصنفة في فنون العلم حفظا واستشراحا والاخر الميل عن مطالعة المطولات التي لم يرتفع الطالب بعد اليها فالمتأني في اخذ العلم يلزم هذين الاصلين. فيبدأ بالمتون القصار المصنفة في فنون العلم. يقبل عليها لحفظ والتفهم استشراحا عن الاشياء ثم يميل عن مطالعة المطولات فلا يفتح على نفسه باب المطالعة فيها وهو لم يرتفع بعد اليها لان في المطولات من غوامض العلوم ما يحير الفهوم. فاذا اقبل الفهم الكليل على المطولات اعاقته وان خيل له انه يفهم ما يقرأ من الكلام. فليس المقصود بفهم العلم مجرد ادراك معاني الظواهر بل مقصود معرفة مواقع تلك المعاني من حقائق العلوم. وهذه المرتبة لا يترشح لها الاخذ في العلم حتى يوعب قلبه ابتلاء من اصول العلوم حفظا وفهما. فاذا امتلأ قلبه بها ثم اطلع على المطولات احسن فهم مواقع الكلام فيها فزاد علمه وزكى. واذا استطال اليها دون امتلاء به باصول العلم ربما فتحت عليه ابواب الشرور من تلك المطولات فاخطأ على العلم واهله ونشأ في به من الزلل والخلل ما يتوهم انه ينسبه الى اهل العلم وهم منه براء لغلطه في الفهم عليهم لضعف الاصل الذي شيد عليه علمه وهذا كبناء عمارة طويلة لا اساس لها فان الباني لها وان خيل له انه يصل الى طابق عاشق في رفعها فان هذا البناء ضعيف. سرعان ما ينهد على رأسه اذا سكن فيه واوى اليه. وكذلك حال العبد في مطالعة المطولات اذا لم يبلغ المبلغ الذي يترشح معه الى الانتفاع منها. ثم ذكر كلمة تنسق الى عبد الكريم الرفاعي احد علماء الشام انه كان يقول طعام الكبار سم الصغار اي ما يتناوله الكبار طعاما يكون للصغار سما فان الكبار يقتاتون باللحم واذا غذي الصغير الرضيع باللحم اضعف بدنه وامرضه وربما قتله والامر في العلم كذلك. فان استشراف المبتدئ الاطلاع على المطولات يمرض قلبه ويضعفه وربما قتله. كالذي نراه من الاقوال الشاذة الفاذة الغالطة في ابواب العلم المنسوبة الى العلماء مما ينقل من كتب لكن يجعله ناقله على غير الوجه الذي ارادوه ام وهذا هو معنى هذه الكلمة ومن الناس من يريد بهذه الكلمة في قوله طعام الكبار سم الصغار منع منع المبتدأ من الانتفاع بالعلماء الكبار في السن والعلم. بدعوى ان المبتدأ لا يحصل له نفع من الدراسة عليه وهذا غلط ولا يريد المتكلمون بالعلم عند ذكر هذه الكلمة هذا المعنى فالكلمة المذكورة طعام الكبار الصغار تجيء على معنيين احدهما مراعاة التدرج في العلم وهذا ممدوح والاخر صرف الناشئة عن التلقي عن العلماء الكبار طرق الناشئة عن التلقي عن العلماء الكبار علما وسنا وهذا معنى فاسد والمقرر هنا من لزوم التأني وترك عجلة لا يبطل ترتيب برنامج مهمات العلم على هذا الوضع ولا ينقضه. لان مقصوده جعله استفتاحا للمبتدئين ومذكرا للمتوسطين ورافعا لافهام المنتهين فلا يراد منه ان يكون اصلا في اخذ العلم لا يزيد المتلقي عليه ولا يعيد النظر فيه فان هذا المعنى مما لا يتصور وجوده للقطع بعدم الانتفاع بالعلم حينئذ. لكن يجعله المتلقي اصلا يبني عليه ما وراءه فاذا جعله اصلا يشيد عليه بناءه في العلم وجد واجتهد واعاد اليه النظر مرة بعد مرة نفع وانتفع. اما من يظن انه يكون طالب علم بمجرد الجلوس في هذه المجالس المتواصلة فان هذا لا يكون حتى يلج الجمل في سم الخياط. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله. المعقد التاسع الصبر في العلم تحملا واداء. اذ كل جليل من الامور لا يدرك الا بالصبر واعظم شيء تتحمل به النفس طلب المعالي تصبرها عليه. ولهذا كان الصبر والمصابرة مأمورا بهما لتحصيل اصل الايمان تارة تحصيل كماله تارة اخرى. قال تعالى يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا وقال تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريد دون وجهه. قال يحيى ابن ابي كثير في تفسير هذه الاية هي مجالس الفقه ولن يحصل احد العلم الا بالصبر. قال يحيى ابن ابي كثير ايضا لا يستطاع العلم براحة الجسم فبالصبر يخرج من معرة الجهل. قال الاصمعي من لم يحتمل ذل التعليم ساعة بقي في ذل الجهل ابدا. وبه تدرك لذة العلم قال بعض السلف من لم يحتمل الم التعليم لم يذق لذة العلم ولابد دون الشهد من سم لسعة. وكان يقال من لم يركب لم لم ينل الرغائب. وصبر العلم نوعان احدهما صبر في تحمله واخذه. فالحفظ يحتاج الى صبر وفهم نحتاج الى صبر وحضور مجالس العلم يحتاج الى صبر ورعاية حق الشيخ تحتاج الى صبر والنوع الثاني صبر في ادائه وبثه وتبليغه الى اهله. فالجلوس للمتعلمين يحتاج الى صبر وافهامهم يحتاج الى صبر واحتمال زلاتهم الى صبر وفوق هذين النوعين من صبر العلم الصبر على الصبر فيهما والثبات عليهما. لكل الى شأن العلا وثبات ولكن عزيز في الرجال ثبات. ومن يلزم الصبر يظفر بالرشد قال ابو هريرة الموصلي الموصلي المحدث اني رأيت وفي الايام تجربة للصبر عاقبة محمودة الاثر وقل من جد في امر تطلبه واستصحب الصبر الا فاز بالظفر. ذكر المصنف وفقه الله المعقد التاسع من معاقد تعظيم العلم وهو الصبر في العلم تحملا واداء والمراد بالتحمل التلقي والمراد بالاداء البث والنشر فالمرء مفتقر الى الصبر في العلم في طرفيه ابتداء وانتهاء اخذا وعطاء. وكل جليل من الامور لا ينال الا بالصبر. ولهذا امر بالصبر والمصادرة في اية كثيرة فقال الله تعالى يا ايها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا فامرهم بان يحبسوا انفسهم على المطلوبات العظيمة بقوله اصبروا. ثم امرهم ثانيا بحبسها عند منازعة فالمصابرة حال تعرض من حبس النفس عند ورود المنازع لها. فالصبر حبس فقط والمصابرة حبس مع وجود منازعة ثم ذكر قوله تعالى واصدد نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وان يحيى ابن ابي كثير فسرها فقال هي مجالس الفقه فالعبد يحتاج الى صبر في حبس نفسه عليها ثم ذكر ان العلم لا يحصل الا بالصبر. وذكر ممنفعته في العلم امران احدهما انه يخرج به من معرة الجهل اي من عيب الجهالة فعيب الجهالة الذي يكون عارا على العبد لا يخرج منه العبد الا بالصبر في التعلم والاخر انه تدرك به لذة العلم. فان من ذاق حلاوة الصبر فان من ذاق حلاوة الصبر في العلم انس العلم ورغب فيه. فالمرارة التي يجدها غيره في حبس نفسه على العلم لا يجدها هو بل يجد لذة فمزيد طول جلوس في العلم يزيده لذة وانسا به واما من لم ترتض نفسه على هذا ولا اقامها صاحبها على ما ينبغي فان نفسه تشتد منازعة له في صرف عن العلم ولابد دون الشهد من سمي لسعة فان من اراد ان يصيب الشهد وهو العسل في الشمع وامتدت اليه يده لينزعه من خلية النحل فان ابر النحل تسارع الى يده فلا يدرك مطلوبه من الشهد الا وقد اصابته لساعات ابر النحل وكذلك معالي الامور دونها وخزات الالم فان المطالب العظيمة العالية تحف التي تغالبها النفوس وتشق عليها. ثم ذكر ان صبر العلم نوعان. احدهما صبر في تحمله واخذه اي في تلقيه فالحفظ يحتاج الى صبر والفهم يحتاج الى صبر وحضور مجالس العلم يحتاج الى صبر ورعاية حق الشيخ تحتاج الى صبر والنوع الثاني صبر في ادائه وبثه وتبليغه الى اهله اي في نشره بين الناس. فالجلوس للمتعلمين يحتاج الى صبر فان ان الجالسين للعلم يجدون لذة في اوله بارتفاع الاصابع اليهم اشارة ثم اذا امتد الامر ذاقوا المرارة في اقعادهم انفسهم في مقاعد التعليم مع كون غيرهم يرفل فيما تطلبه النفس من الملذات والغايات ثم قال وافهامهم يحتاج الى صبر فانهم ربما احتاجوا الى اعادة معنى التفهيم في شيء مرة بعد البيان الاول. فيلزم المعلم فيلزم المعلم ان يعيده مرة بعد مرة كهدي النبي صلى الله عليه وسلم فانه كان يعيد الحديث ثلاثا ليفهم عنه. ومن الصبر احتمال زلاتهم فان المعلم يحتاج الى الصبر. فالزلة من جملة الخطيئة. والخطيئة من النسبة الادمية. فكل بني ادم خطاء والزلات التي تبدر من المتعلمين ينبغي ان يقابلها المعلم بالصبر عليها فيخدم حق نفسه لاجل مراد الشرع فهو لا يطلب لنفسه انتصارا ولا علوا ولا ارغاما المتعلم بل نفسه على ما كان عليه ابو القاسم صلى الله عليه وسلم الذي كان يضطره الاعراب الى اضيق الطريق والى الاشجار ويتعلقون برقبته صلى الله عليه وسلم فيزيده ذلك صبرا وحلما ثم قال وفوق هذين النوعين من صبر العلم الصبر على الصبر فيهما والثبات عليهما لكل الى شاوي العلا وثبات ولكن عزيز في الرجال اي الى اي لكل الى غاية العلا قفزات. فالشاء هو الغاية والوثبات جمع وثبة وهي القفزة فكل احد يرغب في الوصول الى غاية العلا ويقفز في طلابها. لكن يعز في الرجال ان يثبتوا على مطلوبهم والى ذلك اشرت بقول في منظومة الهداية ان الثبات في الرجال عزا ويغنم الرجال منه العزا الثبات في الرجال عزا. ويغنم الرجال منه العز. ومعنى عز قل. وذكر الرجال خرج مخرج الغالب النساء مخاطبات ايضا بهذا. ثم قال ومن يلزم الصبر يظفر بالرشد اي يدرك الخير. فذكر بيتين لابي يعلى الموصلي الحافظ انه قال اني رأيت وفي الايام تجربة في الصبر عاقبة محمودة الاثر. وقل من جد للصبر عاقبة محمودة الاثري وقل من جد في امر فطلبه واستصحب الصبر الا فاز بالرشد. وقوله وقل من جد في امر تطلبه. اي اجتهد في امر يريده واستصحب الصبر اي جعله مقارنا له الا فاز بالظفر ولا تجدوا في القرآن شيئا ابلغ مما يؤمر به في مقامات القلوب بعد توحيد الله عز وجل من الصبر قال الامام احمد رحمه الله عرضت المصحف مرة فوجدت الصبر فيه في سبعين موضعا عرضت المصحف مرة اي سردت المصحف مرة مبتغيا التماس الصبر. يقول فوجدت الصبر فيه في سبعين موضعا احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد العاشر ملازمة اداب العلم. قال ابن القيم في كتابه مداج مدارج السالكين ادب المرء عنوانه سعادته وفلاحه وقلة ادبه عنوان شقاوته وبواره. فما استجلب خير الدنيا والاخرة بمثل ادبي ولست جلب حرمانهما بمثل قلة الادب. والمرء لا يسمو بغير الادب وان يكن ذا حسب ونسب. وانما يصلح للعلم من تأدب بآدابه في نفسه ودرسه ومع شيخه وقرينه. قال يوسف بن الحسين بالادب تفهم العلم لان المتأدب يرى اهلا للعلم فيبذل له وقليل الادب يعز العلم ان يضيع عنده. سأل رجل ان يقرأ فاذن له البقاعي فجلس الرجل متربعا فامتنع البقاعي من اقرائه وقال له انت احوج الى الادب منك الى العلم الذي جئت تطلبه ومن هنا كان السلف رحمهم الله يعتلون بتعلم الادب كما يعتنون بتعلم العلم. قال ابن سيرين كانوا يتعلمون الهدي كما كانوا كما يتعلمون العلم بل ان طائفة منهم يقدمون تعلمه على تعلم العلم. قال ما لك بن انس لفتى من قريش يا ابن اخي تعلم الادب قبل ان تتعلم العلم. وكانوا يظهرون حاجتهم اليه. قال مخرجنا الحسين لابن مبارك يوما نحن الى كثير من الادب احوج منا الى كثير من العلم. وكانوا يوصون به ويرشدون اليه. قال مالك كنت كانت امي تعممني وتقول لي اذهب الى ربيعة تعني ابن ابي عبد الرحمن فقيه اهل المدينة في زمنه فتعلم من ادبه قبل علمه وانما حرم كثير من طلبة العصر العلم بتضييع الادب. فترى احدهم متكئا بحضرة شيخه بل يمد اليه رجليه ويرفع صوته عنده ولا يمتنع عن اجابة هاتفه الجوال او غيره فاي ادب عند هؤلاء ينالون به العلم. اشرف الليث ابن سعد على اصحاب الحديث فرأى منهم شيئا فانه كرهه فقال ما هذا انتم الى يسري من الادب احوج منكم الى كثير من العلم. فماذا يقول الليث لو رأى حال الكثير من طلاب العلم في هذا العصر ذكر المصنف ووفقه الله المعقد العاشر من معاقد تعظيم العلم. وهو ملازمة اداب العلم. واستفتحه بكلام ابن القيم في مدارس السالكين المبين ان ادب المرء عنوان سعادته وفلاحه. فما استجب خير الدنيا والاخرة بمثل وان قلة ادبه عنوان شقاوته وبواره اي فساده. فالمرء اذا تأدب حاز الخير واذا لم يتأدب منعه ثم ذكر قول الاخ اول والمرء لا يسمو بغير الادب وان يكن ذا حسب ونسب. ثم قال وان انما يصلح للعلم من تأدب بآدابه في نفسه ودرسه ومع شيخه وقرينه. فلا يكون احد معدودا من اهل العلم الا اذا تأدب فيه. وذكر قول يوسف ابن الحسين بالادب تفهم العلم. ثم فبين وجهه فقال لان المتأدب يرى اهلا للعلم فيبدل له وقليل الادب يعز العلم ان يضيع عنده علموا اذا رأى الطالب متأدبا اجتهد في افهامه. واذا رآه غير متأدب بادر الى حرمانه فان العلم اشرف من ان يضيع عند غير المتأدبين ولو كانوا من ابناء الملوك. قصد رجل مجلس وكيع ابن الجراح يوما وكان من ابناء الامراء فجلس في مجلسه متكئا ثم قال حدثني رحمك الله فابى وكيع ان يحدثه فانتبه الامير الى ما حمل وكيعا على هذا فاعتدل في جلسته. فقال وكيع الان حدثه فتعظيم العلم لا يوقف فيه مع فقيد معوز بل معاملة اهل الدنيا بحملهم على الاداب الكاملة في العلم اشد واكد فان ما هم عليه من الدنيا يكون حائلا دون رغبتهم في العلم فلا تقوى رغبتهم الا بحقيقة العلم وحملهم على الاداب الكاملة. ولا يستطيع هذا الا من كانت نيته في العلم اخذا وبثا اصابة مرضاة الله سبحانه وتعالى. فانه اذا نظر الى مراد الله ثم نظر الى الخلق لم يرى الخلق عند الخالق سبحانه وتعالى شيئا كتب امير الكوفة الى الاعمش مع رجل في صحيفة ان يحدثه يعني الشفاعة للشفاعة فجاء الرجل الى الاعمش فقال حدثني فهذا كتاب من امير الكوفة ان تعددني فاخذه الاعمش منه واعطاه شأة عنده تأكله ثم لم يحدثه رحمه الله ويراد بهذه الجملة في قول يوسف بن حسين بالادب تفهم العلم ايضا ان الله يفتح للمتأدبين من الفهم ما يمنعه غيرهم فان العلم ميراث النبوة الله عز وجل لا يجعل ميراث النبوة من النور والهدى النافع الا عند فمن يتأدب معه وما يرى من العلم عند بعض الناس ممن لا ادب له فهؤلاء ليس لهم من العلم الا صورته من المسائل. اما ما ينفع من العلم والهدي والدل والسمت واصابة الحق والتسديد من الله سبحانه وتعالى وحل المشكلات وفتح المغلقات فان هؤلاء محجوبون عنهم. ثم ذكر ان السلف كانوا يهتمون بتعلم الادب كما يهتمون بتعلم العلم. بل ان منهم يقدمون تعلمه على تعلم العلم وكانوا يظهرون حاجتهم الى العلم اي شدة وكانوا يظهرون حاجتهم الى الادب اي شدة افتقارهم اليه. كما قال مخرج ابن الحسين لابن المبارك يوما نحن الى كثير من الادب احوج منا الى كثير من العلم اي نحن محتاجون الى كثير من الاداب التي نهذب بها انفسنا اشد من حاجتنا الى العلم الذي نتعلمه وهذه الكلمة خرجت منه مخرج الازراء والعيب على النفس فانهم كانوا مع كمال احوال يزرون على انفسهم. ونحن مع نقص احوالنا نعظم انفسنا. فاتفق بيننا وبينهم من الفرق ما ذكره ابن المبارك بقوله لا تأتين بذكرنا مع ذكرهم ليس الصحيح اذا مشى كالمقعد ثم ذكر المصنف ان هذه اعبدة وهي تضيع تضييع الادب هي السبب الاعظم في حرمان كثير من طلبة العصر العلم فتجد لهم رغبة في العلم وسعيا في طلبه لكن يمضي احدهم مدة مديدة لا يدرك من العلم الا شيئا يسيرا يعد من فتاته. واعظم ما حال بينهم وبين العلم هو قلة الاداب في كثير منهم. فان كثيرا من الملتمسين للعلم صاروا لا يأبهون هنا بادب العلم بل يرون ان تلك الاداب التي تذكر هي نوع من التشتيت وربما جعلوها غلوا وربما زعموا وانها على غير طريقة اهل السنة والجماعة. وهذا من بلوغ الجهل وحرمان الفهم. فان الناظر في الكتاب والسنة يجدهما يطفحان بالامتلاء من بيان حقائق الادب والحمل عليها والاجتهاد فيها وما مضى وما يستقبل من معاقد تعظيم العلم وما في جنباتها من ادابه هو شيء مذكور في الكتاب والسنة. مفقود في احوال الناس. مما ترى شواهده في حالنا اذ قال فترى احدهم متكئا بحضرة شيخه وتجد احده وتجد احدهم يمد رجليه دون ضرورة ولا حاجة وانما مبالغة في ترفيه النفس التوسيع عليها ثم ذكر ايضا مما يخالف الادب رفع الصوت عندهم فتجد بعض المنتسبين الى العلم لهم جلبة في كجلبة اخلاط العوام في الاسواق. فانى يحرز مثل هؤلاء العلم فان مجالس العلم تحاط بالخشوع والاجلال والخشية واذا احتاج المرء فيها الى الكلام تكلم كلاما خفيا يسيرا بقدر حاجته. اما رفع الصوت فيه حتى ان يبلغ مسمع من يبعد عنه مسافة طويلة فهذا من سوء الادب. واذا كان هذا سوء ادب في مجالس العلم مطلقا فانه اسوأ واسوأ في مجالس العلم التي تكون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. فرعاية الادب في هذا احق واولى ثم ذكر من ذلك ان احدهم لا يمتنع عن اجابة هاتفه الجوال او غيره فتجده بلا حاجة داعية ما ان يلوح بين عينيه اتصال يدق في اذنه او يراه مشيرا في شاشة هاتفه الا بادر الى الاجابة اليه دون رعاية الى ان المتكلم الذي يتكلم لا يتكلم الى هذا الجالس بين يديه بل ذلك الجالس اخر الحلقة انا اتحدث اليه كما اتحدث الى هذا وحقه علي كحق الجالس بين يدي والناس يتفاوتون في منازلهم من الحلقة باعتبار ما يفسح لهم من احوالهم واوقاتهم وقدرهم على الوصول اليها لكن ليس من الادب فيها ان يدرك ان الكلام يكون الى ذلك الى اولئك الافذاذ القريبين من الكرسي وان هؤلاء واولئك واولئك البعيدون عنها لا يقصدون بالكلام. فتجد احدهم يتحدى او يشتغل بما لا ينفع وكأن الجالس يكلم جدارا وكل واحد منا لو قدر اني اجلس اليه في بيته احدثه كان يقطع بان انصرافه عني او غير ذلك من سوء الادب فكيف اذا كان في مجلس العلم الذي يجلس فيه المتعلم متعبدا راجيا اصلاح نيته عند الله ان ثم تجد من نفسك الانصراف عنه. واعلم انك بقدر انصرافك في العلم يصرف العلم عنك. فاذا انصرفت عن العلم بغير حاجة داعية صرف العلم عنك. واذا كان الملوك يوزعون اعطيات الدنيا فان الله هو الذي يقسم بين الناس العلم واذا ظننت انك تدرك بما تحسنه من احوالك لاهل الدنيا ما تدرك به مطلوباتك فاعلم انك لن تنال المطلوبات العالية من الله عز وجل الا بان تحسن معاملتك مع الله عز وجل. ومن حسن معاملتك الله ان تقيم نفسك على الادب في العبادة التي تجلس بها فنحن هنا لا نجلس في دنيا نجلس في علم والعلم عبادة والعبادة من شرطها الاخلاص والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم والسير على هدي السلف الصالح فاذا لم يزين طالب العلم حاله بهذا فلا يتعنى. فانه لا يدرك العلم وان كان قوي الحفظ جيد الفهم فان القوة الظاهرة لا ترجع بالاحوال الباهرة. وانما الذي يرجع بالاحوال الباهرة حسن ما بينك وبين الله سبحانه وتعالى من المعاملة. نسأل الله سبحانه وتعالى ان يحسن معاملتنا معه. ثم ختم بالحال التي ذكرها عن الليث ابن سعد انه اشرف على اصحاب الحديث اي طلاب العلم فان اسم الحديث عند السلف يراد به العلم فرأى منهم شيئا كأنه كرهه فقال ما هذا؟ اي ما هذا الامر الذي انتم عليه؟ نكرة تن له ثم قال انتم الى يسير من الادب احوج منكم الى كثير من العلم اي مفتقرون الى اداب كثيرة اكثر من احتياجكم الى كثير من العلم. ثم قال المصنف فماذا يقول الليث لو رأى حال كثير من طلابه علمه في هذا العصر اي للمباينة بين حالنا وحالهم. فينبغي ان يجتهد طالب العلم في عقل ان العلم عبادة وان تحاط باحكام من جملتها ادابه وانه يلزمه ان يقيم هذه الاداب. والمعلم العاقل لا يطلب هذه الاداب لنفسه وانما يطلبها لله سبحانه وتعالى. فان هذه الاداب ليست من جعبته ولانت لكنانته بل هي من القرآن والسنة واحوال سلف الامة قولا وفعلا. فالراغب في هداية الناس يحملهم عليها. ويجاهد في ذلك المشقة في تهذيب نفوسهم. والذي لا يأبه بنفع الناس لا يبالي باحوالهم. ولهذا كان من سبق من العلماء يعلمون اصحابهم ويهذبون اخلاقهم وصرنا الى زمن يعلم فيه الم تعلم ولا تهذب اخلاقه. فيحوي علم ويمتلئ قلبه طيشا العلم بضاعة فاسدة كاسدة لما خالط اخلاق اهل العلم من مخالفة السمت والهدي والدل الذي تدعو اليه حقيقة العلم فمن اراد ان ينفع الناس في تعليمهم وهدايتهم فاياه ومداهنتهم فيما يصلحهم ويجمل به ان اما ان يسكت على علاتهم واخطائهم ثم لا يبينها لهم فهذا من الغش لهم. والمعلم المريد النصح لك هو الذي يؤدبك. وربما ادب المرء اشياء يراها الناس مما يستقبح كما سيأتي معنا. لكن من عرف عظم المرض لم يستغرب مرارة الدواء فان من الامراض ما لا يقلعه الا الدواء المر. قال ابن تيمية الحفيد المؤمن كاليدين تغسل احداهما الاخرى وقد لا ينقلع الوسخ الا بشيء من التخشين. نعم احسن الله اليكم قلتم حفظكم الله المعقد الحادي عشر صيانة العلم عما يشين مما يخالف المروءة ويخرمها. من لم العلم لم يصنه العلم قاله الشافعي ومن اخل بالمروءة بالوقوع فيما يشين فقد استخف بالعلم فلم يعظمه ووقع في البطالة تفضي به الحال الى زوال اسم العلم عنه. قال وهو ابن ابن منبه لا يكون البتال من الحكماء. لا يدرك العلم بطال ولا كسل ولا ملول ولا من يألف البشر. وجماع المراءة كما قاله ابن تيمية الجد في المحرم وتبعه حفيده في بعض فتاويه. استعمال ما يجمله ويزينه وتجنب ما يدنسه ويشينه قيل لابي محمد سفيان ابن عيينة قد استنبطت من القرآن كل شيء فاين المروءة فيه؟ فقال في قوله تعالى خذ العفو وامر بالعرف واعرف عن الجاهلين. ففيه المروءة وحسن الادب ومكارم الاخلاق. ومن الزم من ومن الزم ادب النفس للطالب تحليه بالمروءة واتي وما يحمل عليها وتنقبه خوارمها التي تخل بها كحلق لحيته. فقد عده في خوارم المروءة ابن حجر ابن حجر الهيثم من الشافعية وابن عابدين من الحنفية او كثرة الالتفات في الطريق وعده من خوارمها ابن شهاب الزهري وابراهيم النخاعي من المتقدمين. او مد الرجلين في مجمع الناس من غير حاجة ولا ضرورة داعية وعده من الخوارم جماعة منهم ابو بكر الطرطوشي من المالكية وابي محمد ابن قدامة وابو الوفاء ابن عقيل من الحنابلة او صحبة الاراضي والفساق والمجان والبطالين وعده من خوارم المروءة جماعة منهم ابو حامد الغزالي وابو بكر الغزالي وابو بكر من الطيبين الشافعية والقاضي عياض من المالكية او مصارعة الاحداث والصغار وعده من الخوارم ابن الهمام وابن لجيم من الحنفية ومن اخل بمروءة وهو ينتسب الى العلم فقد افتضح عند الخاص والعام. ولم ينل من شرف العلم الا الحطام. ذكر المصنف وفقه الله المعقل الحادي عشر من عقد تعظيم العلم فهو صيانة العلم اي حفظه وحمايته عما يشين اي ما يقبح ثم بين المشينة المقبحة فقال مما يخالف المروءة ويخدمها. فكل شيء اتصل بمخالفة المروءة فان العلم يحفظ عنه ويحمى منه. واستفتح بيان هذا المعقد بالكلمة المأثورة عن الشافعي رحمه الله انه قال من لم يصن العلم لم يصنه العلم اي من لم يحفظ العلم فان العلم لا يحفظه. ومن حفظ العلم حفظ العلم فارشده وهداه وسدده الى ما ينفعه. ثم ذكر ان من اخل بالمروءة بالوقوع فيما يشين فقد قد استخف بالعلم فلم يعظمه ووقع في البطالة فتفضي به الحال الى زوال اسم العلم عنه فيخرج من العلم والحكمة الى ديوان البطالة والمجانة. وذكر قول وهب منبه احد التابعين لا يكون البطال من الحكماء. اي لا يكون الماجن المشتغل بالباطل من اهل العلم والحكمة. ثم ذكر بيتا في ذلك اتبعه ببيان حقيقة المروءة عقلا عن ابن تيمية الجد وحفيده ابي العباس احمد بن عبد الحليم ابن عبد السلام ابن تيمية انهما ذكرا حدها فقالا اعمال ما يجمله ويزينه وتجنب ما يدنسه ويشينه. فمدار المروءة على امرين احدهما استعمال المجمل المزين استعمال المجمل المزين والاخر اجتناب المدنس المشين. والاخر اجتناب المدنس المشين. ثم ذكر استنباط ابي محمد الهلالي سفيان ابن عيينة المروءة من القرآن انها في قوله خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين. ثم قال ومن الزم ادب النفس الطالب تحليه بالمروءة اي اتصافه بها. وما يحمل عليها وتنكبه خوارمها التي تخل بها. والخوارم جمع خرم وهو الشق والخوارم جمع خرم وهو الشق وخوادم المروءة مفسداتها وخوادم المروءة مفسداتها فما افسد المروءة باضعافها او اذهابها فانه ينبغي ان يجتنبه طالب العلم وذكر جملا مما يخالف المروءة مأثورا عن اهل العلم من الاوائل كحلق اللحية او كثرة الالتفات بالطريق او مد الرجلين في مجمع من من غير حاجة ولا ضرورة داعية او صحبة الاراذل والفساق والمجان والبطالين ومصارحة مصارعة الاحداث والصغار فكل هؤلاء المذكورات مما يتجافاهم ملتمس العلم. لانه مما يخدم وضوءته فيضعفها ويزيل اسم العلم عن ثم قال ومن اخل بمروءته وهو ينتسب الى العلم فقد افتضح عند الخاص والعام. اي بان عواره وظهرت عورته بما اقترف من خوارم المروءة فان المروءة تدعوك الى حفظ كرامة نفسك. فاذا لم لم تحفظها بما فعلت من خوارم المروءة لحقتك المهانة فكريم النفس يرتفع عن تلك الخوالم ثم قال ولم ينل من شرف علمي الا الحطام اي لا يصل الى المتهتك في العلم غير العابئ بالمروءة طير القائم بها الا ما يكون بمنزلة الحطام اي الفتات القليل من العلم فينبغي ان يمتثل طالب العلم المروءة في احواله كلها فان العلم ميراث النبوة والانبياء كانوا على الكمال في جميع احوالهم فيقبح ان يكون المرء في علمه معرفة وهو على حال مشين مهين مما يتعلق بحفظ نفسه من خوارم المروءة وهذا اخر المجلس الاول ونستكمل بقية الكتاب بعد صلاة العصر باذن الله. وارشد في اخر هذا المجلس الى امور اولها ان ان لم يصب حظه من النسخ الجامعة للمتون المشروحة في هذا البرنامج فانه يمكنه الحصول عليها صبيحة هذا اليوم من مكتبة النصيحة فانهم سيفتحون لاجل هذا من الساعة الثامنة والنصف الى العاشرة والنصف صباحا. وثانيها انبه الاخوة ان من ادب حضور هذا المجلس وغيره الا يحضر الطالب شرحا للكتاب سواء كان لمعلمه او لغيره فان الشروح تحجب عن فهم كلام المتعلم. ولم يكن من هدي اهل العلم ان يحضروا الشروح الا اذا كانت هي المقروءة. فيحضرون متنا صرفا وربما استحضر الشيخ معه شرحا ليقرأه على الطالب فالطالب لا يزاحم ما يلقى اليه من العلم بما يجيل فيه بصره من الشرح المذكور فيما بيده اما من شرح معلمه في درس اخر سبق او من شرح غيره من اهل العلم فلا ابيح لاحد ان يحضر بشرح لانه مما يباين طريقة اهل العلم. وثالثها من كان له سؤال. من كان له سؤال يتعلق بالدرس او بغيره فانه يبعث به في ورقة ثم سنجيب عليها في وقتها باذن الله تعالى والامر الرابع انبه كل احد الى ان يحتاط الى اثبات سماعه من العلم فما فاتك من العلم احرص على تقييده لتستدركه فيما استقبل تحجب نفسك بان يحصل لك فوت بانصرافك بشغل لا ينفعك فاذا كنت حاضرا في المجلس فاجمع قلبك على ما يقرأ ويلقى اليك من واذا فاتك قراءة شيء لاجل امر دعاك للخروج ثم العودة الى الحلقة فاستكمله في مقام اخر وهو المقام الذي انبه اليه في الامر الخامس النيل لا احب ان يلحقني احد ولا يتبعني الا احدا يقرأ شيئا مما فاته. فالذي يريد ان شيئا فاته هذا يلحقني ويتبعني واما غيره فلا حاجة له في ولا حاجة لي فيه. فان التكثر بالناس والمشي خلاف فالمعلمين من غير حاجة داعية مما لا ينبغي وما يكون من السلام نستدركه في قادم الايام باذن الله تعالى وهذا اخر المجلس والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد واله وصحبه اجمعين